الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استحق النار أن لا يدخلها وفيمن دخلها أن يخرج منها. ويخرج الله من النار أقوامًا بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته ويبقى في الجنة. فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواما فيدخلهم الجنة.
وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وتفاصيل ذلك مذكور في الكتب المنزلة من السماء. وفي الآثار من العلم الموروث عن الأنبياء، وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يكفي ويشفي، فمن ابتغاه وجده
[الإيمان بالقدر خيره وشره]
وتؤمن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة بالقدر خيره وشره. والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين) (1) :
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) مراتب القدر أربع، وإن شئت سميتها أشياء بدلا من مراتب كما سماها المصنف رحمه الله الأولى: علم الله بجميع الأشياء وعلمه بجميع أفعال العباد من طاعة ومعصية وغير ذلك. فهو سبحانه موصوف بالعلم أزلا وأبدا لا يغيب عن علمه شيء، كما قال تعالى:" إن الله بكل شيء عليم ".
الثانية: كتابته لجميع الأشياء، فجميع ما كان وما سيكون كله مكتوب لديه، كما قال تعالى:" أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ "، وقال:" مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ".
الثالثة: مشيئة الله النافذة في كل شيء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، كما قال تعالى:" ولو شاء الله ما فعلوه "، " لمن شاء منكم أن يستقيم "، " وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "، وقال:" إن الله على كل شيء قدير ".
الرابعة: الإيمان بأن الله خالق الأشياء وموجدها، فلا خالق غيره، ولا رب سواه كما قال:" الله خالق كل شيء "، وقال:" الحمد لله رب العالمين ". والمراد بالعالمين جميع المخلوقات، قال تعالى:" قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متناقل بين الناس بالتواتر الذي لا يقبل الشك.
ولا يزال الله يري عباده من آياته في الآفاق وفي أنفسهم ما يتبين به الحق لأولي العقول والألباب. وأما تفاصيل الجزاء ومقاديره فلا يدرك إلا بالسمع والنقول الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ومن الحكمة في محاسبة الخلق على أعمالهم ووزنها وظهورها مكتوبة في الصحف مع إحاطة علم الله بذلك ليري عباده كمال حمده وكمال عدله وسعة رحمته وعظمة ملكه؛ ولهذا قال:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] مع أن ملكه عام مطلق لهذا اليوم ولغيره.
قال المصنف رحمه الله:)
(اعلم أن الإيمان بالقدر أمره عظيم وشأنه مهم جدًا، وهو أحد أركان الإيمان الستة، وقد انحرف فيه طوائف من أهل البدع والضلال، فضلا عن المنكرين من الملحدين وغيرهم، وقد فصله الشيخ في هذا الفصل بهذا الكلام الجامع النفيس الذي لا يوجد له نظير في تحقيقه وتفصيله وجمعه وتوضيحه، وهو مجموع من نصوص الكتاب والسنة، ومن العقيدة السلفية الخالصة. فذكر أنه لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق هذه الأمور الأربعة التي يفتقر كل منها إلى البقية، وقد ارتبط بعضها ببعض ارتباطًا وثيقًا لا ينفصم إلا بالانحراف إلى الأقوال المنحرفة. وذلك أنه ثبت في نصوص الكتاب والسنة إحاطة علم الله بجميع الموجودات السابقة والحاضرة والمستقبلة من أعيان وأوصاف وأفعال للمكلفين وغيرهم.
وتثبت النصوص أيضا أن الله أثبت علمه بالكائنات والموجودات دقيقها وجليلها باللوح المحفوظ في نصوص
فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله يعلم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وأبدا، وعلم
جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال، ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، جفت الأقلام، وطويت الصحف، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] وهذا التقدير تابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلًا، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكًا، فيؤمر بأربع كلمات؛ فيقال له: اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ونحو ذلك. فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديمًا ومنكره اليوم قليل.
وأما الدرجة الثانية: فهي مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة، وهو الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات ولا في الأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد، وأنه سبحانه على كل شيء قدير من الموجودات والمعدومات. فما من مخلوق في الأرض ولا في السماء إلا الله خالقه سبحانه، لا خالق غيره ولا رب سواه. ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسله، ونهاهم عن معصيته، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ولا يحب الكافرين، ولا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأمر بالفحشاء ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد.
والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم، والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم وخالق