الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2] وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» . ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم
[فصل في سلامة قلوب أهل السنة والجماعة وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم]
فصل ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والاجماع من فضائلهم ومراتبهم، ويفضلون من أنفق من قبل الفتح- وهو صلح الحديبية- وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل ويقدمون المهاجرين على الأنصار ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر -وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر-:«اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله، كالعشرة، وثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي رضي الله عنه، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المطلق إنما يتناول الإيمان الممدوح الكامل في مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الأنفال: 2 - 3] ونحو ذلك من النصوص.
وأما مطلق الإيمان الذي يدخل فيه الإيمان الكامل والإيمان الناقص، فإنه قد ثبت في الكتاب والسنة إطلاقه على العصاة من المؤمنين وأجمع على ذلك سلف الأمة وأئمتها، قال تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] ومن المعلوم دخول أي مؤمن من الأرقاء في هذا النص، وكذلك قوله تعالى:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] فسماهم إخوة بعد وجود الاقتتال. ويقال أيضًا في توضيح ذلك: إن الإيمان الممدوح الذي يؤتى به في سياق الثناء على أهله إنما يتناول الإيمان الكامل، والإيمان الذي يقال لصاحبه إنه من المؤمنين يدخل فيه هذا وهذا. ويقال أيضًا الإيمان الذي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يمنع صاحبه من التجرئ على الزنا وشرب الخمر والسرقة ونحوها من الفواحش هو الإيمان الكامل. والإيمان الذي لا يمنع من ذلك هو الناقص. وهذا وجه الحديث الذي ذكره المنصف: (لا يزني الزاني. . .) إلخ.
ويقال أيضًا: الإيمان الذي يمنع دخول النار هو الإيمان الكامل، والإيمان الذي يمنع من الخلود فيها يكون إيمانًا ناقصًا. وقد تواترت الأحاديث بخروج من في قلبه حبة خردل من إيمان. ويقال أيضًا: الأحكام الأصولية والفروعية تدور مع أسبابها وعللها، وإذا وجد في العبد أسباب متعارضة عمل كل سبب في مسببه، فالطاعات سبب لدخول الجنة والثواب، والمعاصي سبب لدخول النار والعقاب، فأعمل كل واحد في مقتضاه. ولكن لما كانت رحمة الله قد سبقت غضبه، وفضله على العباد قد غمرهم وتنوع عليهم من كل وجه، كان أقل القليل من الإيمان له الأثر المستقر الذي يضمحل ضده من كل وجه، وإن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان معه شيء من الإيمان فإن مآله إلى الخلود في دار النعيم.
وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدعاء الصادر ممن اتبع المهاجرين والأنصار بإحسان يدل على كمال محبتهم لأصحاب رسول الله وثنائهم عليم؛ لأن من سعى في أمر من الأمور فهو ساع في تحقيقه، فاجتهد في طلبه متضرعًا لربه أن يتم ذلك له، وأولى من دخل في هذا الدعاء الصحابة الذين سبقوا إلى الإيمان، وحققوه وحصل لهم من براهينه وطرقه ما لم يحصل لغيرهم، ونفي الغل من جميع الوجوه يقتضي تمام المحبة لهم، فهم يحبون الصحابة لفضلهم وسبقهم واختصاصهم لصحبة الرسول ولإحسانهم إلى جميع الأمة؛ لأنهم هم المبلغون جميع ما جاء به نبيهم، فما وصل لأحد علم ولا خير إلا على أيديهم وبواسطتهم.
فعلى الأمة أن يطيعوا النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر، وخصوصًا في هذا الأمر الخاص، وأن يوقروا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحابه ويحترموه، ويعتقدوا أن العمل القليل منهم يفضل العمل الكثير من غيرهم، كما في هذا الحديث، وهذا من أعظم براهين فضلهم على غيرهم.
وقد ذكر الله ورسوله للصحابة فضائل كثيرة على الأمة، فيجب على الأمة الإيمان بها، وأن يحبوا الصحابة لأجلها. وقيل لصلح الحديبية فتح؛ لما ترتب عليه من المصالح والخير الكثير ودخول الكثير في الإسلام؛ ولهذا كان من أسلم قبل ذلك وأنفق وقاتل أفضل ممن فعل ذلك بعده؛ لما حصل لهم من السبق في الإسلام وقت ضعف المسلمين، وكثرة الأعداء، ووجود الموانع والمصاعب الكثيرة في طريق الإسلام
. ثم قال المصنف وهذا لأن المهاجرين جمعوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الوصفين النصرة والهجرة، ولهذا كان الخلفاء الراشدون وبقية العشرة من المهاجرين. وقد قدم الله ذكر المهاجرين على الأنصار في سورة التوبة والحشر، وهذا التفضيل للجملة على الجملة لا لكل فرد من هؤلاء على كل فرد من الآخرين.
أي رضي الله عنهم في قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] وكان عددهم يتراوح ما بين ألف وأربعمائة أو خمسمائة، فأهل بدر وأهل بيعة الرضوان يشهد لهم بالجنة والنجاة من النار على وجه أخص من الشهادة بذلك لجميع الصحابة في قوله:{وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: 95] ؛ ولهذا قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المصنف
: وهذا من أعظم الفضائل؛ تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالشهادة بالجنة، وهو من جملة براهين رسالته صلى الله عليه وسلم؛ فإن جميع من عينه النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة له بالجنة ولوازمها لم يزالوا مستقيمين على الإيمان حتى وصلوا إلى ما وعدوا به رضى الله عنهم.
أي: والخلافة، وخلافة أحد الاثنين لم تكن إلا بعد مشاورة جميع المسلمين على اختلاف طبقاتهم، والقصة مشهورة في كتب التاريخ.
يريد المؤلف رحمه الله أن الخلاف الكائن بين الأمة على وجهين:
أحدهما: الخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية التي إذا اجتهد فيها الحاكم من قاض ومفتٍ ومصنف ومعلم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر واحد.
الوجه الثاني: الخلاف في المسائل الأصولية، كمسائل
وعلي رضي الله عنهم بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر رضى الله عنهما، أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا، وقدم قوم عليا وتوقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي، وإن كانت هذه المسألة- مسألة عثمان وعلى - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم:«أذكركم الله في أهل بيتي» وقال أيضا للعباس عمه، وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال:«والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي» ويتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصًا خديجة أم أكثر أولاده وأول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة الطيبة. والصديقة بنت الصديق التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذرون، إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى أنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحوا السيئات ما ليس لمن بعدهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صفات الباري والقدر والإيمان ونحوها، وهذا يضلل فيها المخالفون؛ لما دل عليه الكتاب والسنة. وما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان. فمسألة الخلافة وتقديم علي على عثمان فيها يعد من البدع التي من اعتقدها فهو في الغالب متشيع، وقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، كما قال ذلك غير واحد من السلف.
وأما التفضيل بينهما: فإنها مسألة خفيفة من جنس مسائل الخلاف في المسائل الاجتهادية.
فمحبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة من وجوه: -
منها: أولًا لإسلامهم وفضلهم وسوابقهم. ومنها: لما تميزوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به من قرب النبي صلى الله عليه وسلم واتصالهم بنسبه. ومنها: لما حث عليه ورغب فيه. ولما في ذلك من علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال: «إن اللهّ اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار، وقد جمع الله له أنواع الشرف من كل وجه.
فإن جميع أولاده الذكور والإناث منها إلا إبراهيم، فإنه من سريته مارية القبطية.
وعائشة وخديجة هما أفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد اختلف العلماء أيهما أفضل. والتحقيق أن لكل واحدة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منهن من الفضائل والخصائص ما ليس للأخرى؛ فلخديجة من السبق ومعاونة النبي صلى الله عليه وسلم على أمره في أول الأمر وتثبيته، وكون أكثر أولاد النبي صلى الله عليه وسلم منها- ما ليس لعائشة. ولعائشة من العلم والتعليم ونفع الأمة ما ليس لخديجة، رضى الله عنهما.
وأول من سمى الروافض بهذا اللقب زيد بن علي الذي خرج في أوائل (1) دولة بني العباس، وبايعه كثير من الشيعة، ولما ناظروه في أبي بكر وعمر وطلبوا منه أن يتبرأ منهما فأبى رحمه الله تفرقوا عنه، فقال:(رفضتموني) فمن يومئذ قيل لهم: الرافضة، وكانوا فرقًا كثيرة؛ منهم الغالية، ومنهم من هم دون ذلك، وفرقهم معروفة.
(1) صوابه في أواخر دولة بني أمية؛ لأنه قتل في خلافة هشام بن عبد الملك سنة 122 هـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما النواصب فهم الذين نصبوا العداوة والأذية لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لهم وجود في صدر هذه الأمة؛ لأسباب وأمور سياسية معروفة، ومن زمن طويل ليس لهم وجود والحمد لله.
ثم قال المصنف رحمه الله: أي: وهذه الأمور إذا قوبلت بالمساوئ - على فرض أن هناك مساوئ- اضمحلت تلك المساوئ معها، ولا يقاربهم أحد في شيء من ذلك رضى الله عنهم.
وهذا كلام نفيس في غاية التحقيق والإبداع، ولا زيادة عليه في إقامة البرهان على كمال فضل الصحابة رضى الله عنهم، لا يحتاج إلى شرح أو بيان.
تواترت نصوص الكتاب والسنة
وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم ثم إذا كان قد صدر عن أحد منهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أحق الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر، والخطأ مغفور. ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة