الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجماعة يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل هم وسط في فرق الأمة، كما أن الأمة وسط في جميع الأمم وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم وفي أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين الجهمية والمرجئة وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج
[فصل في استواء الرحمن على عرشه]
فصل فإن المصنف رحمه الله: وقد دخل فيما ذكرناه من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأمة أحل الله لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، ونحو ذلك من الأمور التي منَّ الله على هذه الأمة بالتوسط فيها.
وكذلك أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة المبتدعة التي انحرفت عن الصراط المستقيم
فهم وسط (1)
(1) يمتاز أهل السنة والجماعة على غيرهم من الفرق أهل الضلالة والبدع بأنهم وسط وموافقون للحق في جميع أبواب العلم والدين، فلم يغلوا ولم يفرطوا كفعل أهل البدع، فهم وسط في باب صفات الله بين الجهمية المعطلة والمشبهة، فالجهمية نفوا صفات الباري والمشبهة، أثبتوها وغلوا في إثباتها حتى شبهوا الله بخلقه.
وأما أهل السنة فأثبتوها على الوجه اللائق بجلاله من غير تشبه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية؛ لأن الجبرية غلوا في إثبات القدر وزعموا أن العبد لا فعل له، بل هو بمثابة الشجرة التي تحركها الريح يمنة ويسرة. والقدرية فرطوا بجانب الله، وقالوا: إن العبد يخلق فعله بدون مشيئة الله وإرادته. وأهل السنة توسطوا وقالوا: للعبد اختيار ومشيئة، وليس يخلق فعله بل الله خالقه وخالق أفعاله، وقالوا: إن مشيئته وإرادته بعد مشيئة الله وإرادته، كما قال سبحانه:" لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "، وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم؛ لأن المرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان معصية، وزعموا أن العاصي لا يدخل النار، والوعيدية من القدرية وأشباههم أنفذوا الوعيد الوارد في حق العصاة، وقالوا: إن السارق والزاني ونحوهم من العصاة إذا لم يتوبوا مخلدون في النار. وأهل السنة توسطوا في ذلك فقالوا: إن المعاصي تنقص الإيمان، وصاحبها تحت المشيئة، وقد يدخل النار، ولكن لا يخلد فيها كما جاءت به النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهم وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية؛ لأن الحرورية والمعتزلة يقولون: إن الدين والإيمان قول وعمل واعتقاد ولكن لا يزيد ولا ينقص، فمن أتى بكبيرة كالزنا ونحوه كفر عند الحرورية وصار فاسقًا عند المعتزلة خالدًا في النار، ويقولون: إنه في الدنيا ليس مؤمنًا ولا كافرًا، ولكن جعلوه في منزلة بين المنزلتين وهي الفسق.
وأما المرجئة: وهم الذين يقولون إن الإيمان قول فقط أو قول وتصديق بالقلب - فهم يرون أن المعاصي لا تنقص الإيمان ولا يستحق صاحبها النار إذا لم يستحلها، والجهمية مثل المرجئة؛ لأنهم يقولون: إن الإيمان مجرد المعرفة. فأهل السنة توسطوا بين هذه الطوائف الأربع، فقالوا: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، ويزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. وقالوا: إن العاصي لا يكون كافرًا لمجرد المعصية، ولا مخلدًا في النار خلافًا لقول الخوارج والمعتزلة. وقالوا أيضًا: إن المعاصي تنقص الإيمان، ويستحق صاحبها النار إلا أن يعفو الله عنه، خلافًا للجهمية والمرجئة.
وهم وسط في أصحاب رسول الله بين الرافضة والخوارج؛ لأن الرافضة غلو في على وأهل البيت، والخوارج كفروا بعض الصحابة وفسقوا بعضهم، وأهل السنة خالفوا الجميع، فوالوا جميع الصحابة، ولم يغلوا في أحد منهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في باب صفات الله تعالى بين الجهمية أهل التعطيل وبين المشبهة أهل التمثيل كما تقدم بيان ذلك، وأن أهل السنة يثبتون جميع ما ثبت في النصوص من صفات الله على حقيقتها اللائقة بعظمة الباري
، فإن الجبرية يزعمون أن العبد مجبور على أفعاله لا قدرة له عليها، وأن أفعاله بمنزلة حركات الأشجار، وكل هذا غلو منهم في إثبات القدر.
والقدرية قابلوهم فنفوا متعلق قدرة الله بأفعال العباد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنزيهًا لله بزعمهم. فأفعال العباد عندهم لا تدخل تحت مشيئة الله وإرادته، وكل من هاتين الطائفتين ردت طائفة كبيرة من نصوص الكتاب والسنة. وهدى الله أهل السنة والجماعة للتوسط بين الطائفتين المنحرفتين، فآمنوا بقضاء الله وقدره، وشمولهما للأعيان والأوصاف والأفعال التي من جملتها أفعال المكلفين وغيرهم، وآمنوا بأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وآمنوا مع ذلك بأن الله تعالى جعل للعباد قدرة وإرادة تقع بها أقوالهم وأفعالهم على حسب اختيارهم وإرادتهم، فآمنوا بكل نص فيه تعميم قدرة ومشيئة، وبكل نص فيه إثبات أن العباد يعملون ويفعلون كل الأفعال الكبيرة والصغيرة بإرادتهم وقدرتهم، وعلموا أن الأمرين لا يتنافيان، كما سيأتي توضيح ذلك.
وذلك أن المرجئة جعلت الإيمان تصديق القلب فقط، وأخرجت عنه جميع الأعمال الباطنة والظاهرة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجوزوا على الله أن يعذب المطيعين وأن ينعم العاصين، وأما الوعيدية من القدرية فخلدوا في النار كل من مات مصرًا على الكبائر التي دون الشرك، فانحرفت كل واحدة وردت؛ لأجل ذلك من النصوص ما ردت، وهدى الله أهل السنة والجماعة، فتوسطوا، وقالوا: إن الإيمان اسم لجميع العقائد الدينية والأعمال القلبية والبدنية، وأنه يكون ناقصًا إذا تجرأ المؤمن على المعاصي بدون توبة، وأن الله لا يظلم من عباده أحدا، ولا يعذب الطائعين بغير جرم ولا ذنب، وأنه لا يخلد في النار من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان ولو فعل الكبائر، كما تواترت بذلك النصوص في الكتاب والسنة.
وقد تقدم ذلك، لكن الفرق بين الحروريه والمعتزلة: أن الحرورية -وهم الخوارج- يطلقون الكفر على العصاة من المؤمنين ويخلدونهم في النار، وأما المعتزلة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فلا يطلقون عليهم الكفر، بل يقولون: إنهم لا مسلمون ولا كفار، ولكنهم يخلدون في النار، كما تقول الخوارج، والنصوص ترد قولهم جميعًا.
فإن الرافضة تسبهم وتلعنهم، وربما كفرتهم أو كفرت بعضهم، وأما الرافضة الغالية فإنهم مع سبهم لطائفة من الصحابة وللخلفاء الثلاثة فإنهم يغلون في علي ويدعون فيه الألوهية، وهم الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار. وقابلهم الخوارج فقاتلوه وقاتلوا الصحابة وكفروهم واستحلوا دماءهم ودماء المسلمين.
وهدى الله أهل السنة والجماعة، فاعترفوا بفضل الصحابة جميعا، وأنهم أعلى الأمة في كل خصلة، ومع ذلك فلم يغلوا ولم يعتقدوا عصمتهم، بل قاموا بحقوقهم وأحبوهم لما لهم من الحق الأكبر على جميع الأمة. كما سيأتي.
شرح المصنف رحمه الله في هذا الفصل مسألة علو الله واستوائه على عرشه، وأن ذلك داخل في الإيمان بالله، وذلك لما حصل في هذه المسألة من الاختلاف والمخاصمات لله بين أهل السنة والجماعة وبين طوائف الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم في هذه المسألة من الأشعرية ونحوهم. فإن مسألة العلو صنفت فيها المصنفات المستقلة، وأورد أهل السنة من نصوص الكتاب والسنة ما لا يمكن أو دفع بعضه، وحققوا ذلك بالعقل الصحيح، وأن
الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة، من أن الله سبحانه فوق سماواته على عرشه، علي على خلقه، وهو تعالى معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، كما جمع بين في ذلك في قوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4] وليس معنى قوله وهو معكم أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موجود في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم مطلع إليهم، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكل هذا الذي ذكر الله من أنه فوق العرش