الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتى يَضَعَ رَبُّ العَالمِينَ فيها قَدَمَه، فَيَنزوِي بَعْضُها إلى بَعْض، فَتَقُولُ: بِعِزَّتِكَ قَطْ، قَطْ; وَما يَزَالُ فِي الجَنَّةِ فَضْلٌ حتى يُنْشِئَ اللهُ خَلْقا فَيُسْكِنَه في فَضْلِ الجَنَّةِ ".
قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا قتادة، عن أنس، قال: ما تزال جهنم تقول: هل من مزيد فذكر نحوه " غير أنه قال: أو كما قال.
حدثنا زياد بن أيوب، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:" احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَقالَتِ النَّارُ: يَدْخُلُنِي الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ; وَقالَتِ الجنَّةُ: يَدخُلُنِي الفُقَرَاءُ وَالمَساكِينُ; فأَوْحَى اللهُ عز وجل إلى الجَنَّة: أنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ; وأَوْحَى إلى النَّار: أنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أشاءُ، وَلِكُلّ وَاحِدَةٍ مِنْكُما مِلْؤُها; فأمَّا النَّارُ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حتى يَضَعَ قَدَمَهُ فِيها، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ". ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ " دليل واضح على أن ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النفي، لأن قوله:"لا تزال" دليل على اتصال قول بعد قول.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
(31)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) }
يعني تعالى ذكره بقوله (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) وأُدنيت الجنة وقرّبت للذين اتقوا ربهم، فخافوا عقوبته بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) يقول: وأدنيت (غَيْرَ بَعِيدٍ) .
وقوله (هَذَا مَا تُوعَدُونَ) يقول: قال لهم: هذا الذي توعدون أيها المتقون، أن تدخلوها وتسكنوها وقوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ) يعني: لكل راجع من معصية الله إلى طاعته، تائب من ذنوبه.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: هو المسبح، وقال بعضهم: هو التائب، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته، غير أنا نذكر في هذا الموضع ما لم نذكره هنالك.
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس (لِكُلِّ أَوَّابٍ) قال: لكلّ مسبح.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم الأعور، عن مجاهد، قال: الأوّاب: المسبح.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، قال: ثني أبي، عن الحكم بن عتيبة في قول الله (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) قال: هو الذاكر الله في الخلاء.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن خباب، عن مجاهد (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) قال: الذي يذكر ذنوبه فيستغفر منها.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) . قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن عيسى الحناط، عن الشعبيّ، قال: هو الذي يذكر ذنوبه في خلاء فيستغفر منها (حَفِيظٍ) : أي مطيع لله كثير الصلاة.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) قال: الأوّاب: التوّاب الذي يئوب إلى طاعة الله ويرجع
إليها.
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن يونس بن خباب في قوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) قال: الرجل يذكر ذنوبه، فيستغفر الله لها.
وقوله (حَفِيظٍ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: حفظ ذنوبه حتى تاب منها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، قال: سألت ابن عباس، عن الأوّاب الحفيظ، قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها.
وقال آخرون: معناه: أنه حفيظ على فرائض الله وما ائتمنه عليه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (حَفِيظٍ) قال: حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأوّاب بأنه حفيظ، ولم يخصّ به على حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع، فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه، فيقال: هو حفيظ لكلّ ما قرّبه إلى ربه من الفرائض والطاعات والذنوب التي سلَفت منه للتوبة منها والاستغفار.
وقوله (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) يقول: من خاف الله في الدنيا من قبل أن يلقاه، فأطاعه، واتبع أمره.
وفي (مَن) في قوله (مَنْ خَشِيَ) وجهان من الإعراب: الخفض على إتباعه كلّ في قوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ) والرفع على الاستئناف، وهو مراد به الجزاء من خشي الرحمن بالغيب، قيل له ادخل الجنة; فيكون حينئذ قوله (ادْخُلُوهَا