المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سورة‌ ‌ الدخان القول في تأويل قوله تعالى: {حم ‌ ‌(1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٢٢

[ابن جرير الطبري]

فهرس الكتاب

- ‌ الدخان

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(13)

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(38)

- ‌(39) }

- ‌(40)

- ‌(43)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(54)

- ‌ الجاثية

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(13) }

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(27) }

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(35) }

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(16) }

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(27)

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌ محمد

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌(4) }

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(26) }

- ‌(28) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38) }

- ‌ الفتح

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(28)

- ‌(29) }

- ‌ الحجرات

- ‌(1) }

- ‌(2) }

- ‌(3) }

- ‌ 4

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(18) }

- ‌ ق

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(5)

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26) }

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌ الذاريات

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(20)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(49) }

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(60) }

- ‌ الطور

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(42)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌ النجم

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(8)

- ‌(12)

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(40)

- ‌(52)

- ‌(55)

- ‌(59)

- ‌ القمر

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(18)

- ‌(22)

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28) }

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(53)

- ‌ الرحمن

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(13)

الفصل: سورة‌ ‌ الدخان القول في تأويل قوله تعالى: {حم ‌ ‌(1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ

سورة‌

‌ الدخان

القول في تأويل قوله تعالى: {حم ‌

(1)

وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) }

قد تقدم بياننا في معنى قوله (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) وقوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) أقسم جلّ ثناؤه بهذا الكتاب، أنه أنزله في ليلة مباركة.

واختلف أهل التأويل في تلك الليلة، أيّ ليلة من ليالي السنة هي؟ فقال بعضهم: هي ليلة القدر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) : ليلة القدر، ونزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، ونزلت التوراة لستّ ليال مضت من رمضان، ونزل الزَّبور لستّ عشرة مضت من رمضان، ونزل الإنجيل لثمان عشرة مضت من رمضان، ونزل الفُرقَان لأربع وعشرين مضت من رمضان.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) قال: هي ليلة القدر.

ص: 7

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله عز وجل (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) قال: تلك الليلة ليلة القدر، أنزل الله هذا القرآن من أمّ الكتاب في ليلة القدر، ثم أنزله على الأنبياء (1) في الليالي والأيام، وفي غير ليلة القدر.

وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.

والصواب من القول في ذلك قول من قال: عنى بها ليلة القدر، لأن الله جلّ ثناؤه أخبر أن ذلك كذلك لقوله تعالى (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) خلَقْنا بهذا الكتاب الذي أنزلناه في الليلة المباركة عقوبتنا أن تحلّ بمن كفر منهم، فلم ينب إلى توحيدنا، وإفراد الألوهة لنا.

وقوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم، نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله (فِيهَا) عائدة على الليلة المباركة، فقال بعضهم: هي ليلة القدر، يقضي فيها أمر السنة كلها من يموت، ومن يولد، ومن يعزّ، ومن يذل، وسائر أمور السنة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا ربيعة بن كلثوم، قال: كنت عند الحسن، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كلّ رمضان؟ قال: إي والله، إنها لفي كلّ رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر، أفي كل رمضان هي؟ قال:

(1) في فتح القدير للشوكاني (4: 554) :" وقال قتادة: أنزل القرآن كله في ليلة القدر من أم الكتاب، وهو اللوح المحفوظ، إلى بيت العزة في سماء الدنيا، ثم أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في الليالي والأيام، في ثلاث وعشرين سنة".

ص: 8

نعم والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، يقضي الله كلّ أجل وخلق ورزق إلى مثلها.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الحميد بن سالم، عن عمر مولى غفرة، قال: يقال: ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها، وذلك لأن الله عز وجل يقول:(إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وقال (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: فتجد الرجل ينكح النساء، ويغرس الغرس واسمه في الأموات.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، في قوله:(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة، أو نحو هذا.

قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن هلال بن يساف، قال: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان.

حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: يدبر أمر السنة في ليلة القدر.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ليلة القدر (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) كُنَّا نُحدَّثُ أنه يُفْرق فيها أمر السنة إلى السنة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هي ليلة القدر فيها يُقضى ما يكون من السنة إلى السنة.

ص: 9

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مجاهدا فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللهمّ إن كان اسمي في السعداء، فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم، واجعله بالسعداء، فقال: حسن، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن هذا الدعاء، قال:(إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: يقضى في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدّم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير.

وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا الفضل بن الصباح، والحسن بن عرفة، قالا ثنا الحسن بن إسماعيل البجلي، عن محمد بن سوقة، عن عكرمة في قول الله تبارك وتعالى (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة النصف من شعبان، يبرم فيه أمر السنة، وتنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.

حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المُغيرة بن الأخنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"تُقْطَعُ الآجالُ مِنْ شَعْبان إلى شَعْبانَ حتى إن الرَّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهْ وَقَدْ خَرَجَ اسمُهُ فِي المَوْتَى".

حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا عثمان بن حكيم، قال: ثنا سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس: إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات، قال: ثم قرأ هذه الآية (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: ثم قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد

ص: 10

تقدّم من بياننا عن أن المعني بقوله (إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) ليلة القدر، والهاء في قوله (فِيهَا) من ذكر الليلة المباركة.

وعنى بقوله (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، ووضع حكيم موضع محكم، كما قال:(الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يعني: المحكم.

وقوله (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول تعالى ذكره: في هذه الليلة المباركة يُفْرق كلّ أمر حكيم، أمرا من عندنا.

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله (أمْرًا) فقال بعض نحويي (1) الكوفة: نصب على (2) إنا أنزلناه أمرا ورحمة على الحال. وقال بعض نحويي (3) البصرة: نصب على معنى يفرق كل أمر فرقا وأمرا. قال: وكذلك قوله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) قال: ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها، فجعل الرحمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم.

وقوله (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) يقول تعالى ذكره: إنا كنا مرسلي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى عبادنا رحمة من ربك يا محمد (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يقول: إن الله تبارك وتعالى هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون فيما أنزلنا من كتابنا، وأرسلنا من رسلنا إليهم، وغير ذلك من منطقهم ومنطق غيرهم، العليم بما تنطوي عليه ضمائرهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور غيرهم.

القول في تأويل قوله تعالى: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ‌

(7)

لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ

(1) في الأصل بدون نقطتين.

(2)

كذا في الأصل. ولعل لفظة"على" زيادة من الناسخ.

(3)

في الأصل بدون نقطتين.

ص: 11

رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ ‌

(8)

بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) }

اختلف القرّاء في قراءة قوله (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة " رَبُّ السَّمَوَاتِ " بالرفع على إتباع إعراب الربّ إعراب السميع العليم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين " ربَّ السمَوَاتِ " خفضا ردّ على الرب في قوله جل جلاله (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

ويعني بقوله (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) يقول تعالى ذكره الذي أنزل هذا الكتاب يا محمد عليك، وأرسلك إلى هؤلاء المشركين رحمة من ربك، مالك السموات السبع والأرض وما بينهما من الأشياء كلها.

وقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) يقول: إن كنتم توقنون بحقيقة ما أخبرتكم من أن ربكم ربّ السموات والأرض، فإن الذي أخبرتكم أن الله هو الذي هذه الصفات صفاته، وأن هذا القرآن تنزيله، ومحمدا صلى الله عليه وسلم رسوله حق يقين، فأيقنوا به كما أيقنتم بما توقنون من حقائق الأشياء غيره.

وقوله (لا إِلَهَ إِلا هُوَ) يقول: لا معبود لكم أيها الناس غير ربّ السموات والأرض وما بينهما، فلا تعبدوا غيره، فإنه لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي لشيء سواه، يحيي ويميت، يقول: هو الذي يحيي ما يشاء، ويميت ما يشاء مما كان حيا.

وقوله (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ) يقول: هو مالككم ومالك من مضى قبلكم من آبائكم الأوّلين، يقول: فهذا الذي هذه صفته، هو الربّ فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضرّ ولا نفع.

وقوله (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) يقول تعالى ذكره ما هم بموقنين بحقيقة ما يقال لهم ويخبرون من هذه الأخبار، يعني بذلك مشركي قريش، ولكنهم

ص: 12

في شكّ منه، فهم يلهون بشكهم في الذي يخبرون به من ذلك.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ ‌

(10)

يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) }

يعني تعالى ذكره بقوله (فَارْتَقِبْ) فانتظر يا محمد بهؤلاء المشركين من قومك الذين هم في شكّ يلعبون، وإنما هو افتعل، من رقبته: إذا انتظرته وحرسته.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة (فَارْتَقِبْ) : أي فانتظر.

وقوله (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) اختلف أهل التأويل في هذا الذي أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرتقبه، وأخبره أن السماء تأتي فيه بدخان مبين: أي يوم هو، ومتى هو؟ وفي معنى الدخان الذي ذُكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش ربه تبارك وتعالى أن يأخذهم بسنين كسني يوسف، فأخذوا بالمجاعة، قالوا: وعنى بالدخان ما كان يصيبهم حينئذ في أبصارهم من شدّة الجوع من الظلمة كهيئة الدخان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: دخلنا المسجد، فإذا رجل يقص على أصحابه. ويقول:(يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) تدرون ما ذلك

ص: 13

الدخان؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة، فيأخذ أسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام؟ قال: فأتينا ابن مسعود، فذكرنا ذلك له وكان مضطجعا، ففزع، فقعد فقال: إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) إن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: الله أعلم، سأحدثكم عن ذلك، إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان.

قال الله تبارك وتعالى (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) فقالوا (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) قال الله جل ثناؤه (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قال: فعادوا يوم بدر فانتقم الله منهم.

حدثني عبد الله بن محمد الزهريّ، قال: ثنا مالك بن سُعَير، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: كان في المسجد رجل يذكر الناس، فذكر نحو حديث عيسى، عن يحيى بن عيسى، إلا أنه قال: فانتقم يوم بدر، فهي البطشة الكبرى.

حدثنا ابن حميد، وعمرو بن عبد الحميد، قالا ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا وهو مضطجع بيننا، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن: إن قاصا عند أبواب كندة يقص ويزعم أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام، فقام عبد الله وجلس وهو غضبان، فقال: يا أيها الناس اتقوا الله، فمن علم شيئا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم.

وقال عمرو: فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم، وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله عز وجل يقول لنبيه محمد صلى الله

ص: 14

تفسير سورة‌

‌ الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ ‌

(1)

عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الإنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (1) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) }

يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن. فأنعم بذلك عليكم، إذ بصَّركم به ما فيه رضا ربكم، وعرّفكم ما فيه سخطه، لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم، وعملكم بما أمركم به، وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه، وتنجوا من أليم عقابه.

ورُوي عن قتادة في ذلك ما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان العقيلي، قال: ثنا أبو العوام العجلي، عن قتادة أنه قال: في تفسير (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) قال: نعمة والله عظيمة.

وقوله: (خَلَقَ الإنْسَانَ) يقول تعالى ذكره: خلق آدم وهو الإنسان في قول بعضهم.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله:(خَلَقَ الإنْسَانَ) قال الإنسان: آدم.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (خَلَقَ الإنْسَانَ) قال الإنسان: آدم صلى الله عليه وسلم.

وقال آخرون: بل عنى بذلك الناس جميعا، وإنما وحد في اللفظ لأدائه

ص: 7

عن جنسه، كما قيل:(إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ، والقولان كلاهما غير بعيدين من الصواب لاحتمال ظاهر الكلام إياهما.

وقوله: (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) يقول تعالى ذكره: علَّم الإنسان البيان.

ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالبيان في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به بيان الحلال والحرام.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) : علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه، ليحتجّ بذلك على خلقه.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) الدنيا والآخرة ليحتجّ بذلك عليه.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة، في قوله:(عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) قال: تَبَيَّنَ له الخيرُ والشرّ، وما يأتي، وما يدع.

وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن الله عز وجل علم الإنسان البيان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) قال: البيان: الكلام.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: أن الله علَّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك مما به الحاجة إليه، لأن الله جلّ ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك، أنه علَّمه من البيان بعضا دون بعض، بل عمّ فقال: علَّمه البيان، فهو كما عمّ جلّ ثناؤه.

ص: 8

وقوله: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: الشمس والقمر بحسبان، ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا إسرائيل، قال: قال: ثنا سماك بن حرب، عن عكرِمة، عن ابن عباس، في قوله:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: بحساب ومنازل يرسلان.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: يجريان بعدد وحساب.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: بحساب ومنازل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) : أي بحساب وأجل.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: يجريان في حساب.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: يحسب بهما الدهر والزمان لولا الليل والنهار، والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلا كله، كيف يحسب، أو نهارا كله كيف يحسب.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: بحساب وأجل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما يجريان بقدر.

ص: 9

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا عبد الله بن داود، عن أبي الصهباء، عن الضحاك، في قوله:(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) قال: بقدر يجريان.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا محمد بن يوسف، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبو يحيى عن مجاهد، قال: ثنا محمد بن يوسف، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(بِحُسْبَانٍ) قال: كحسبان الرحا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله (بِحُسْبَانٍ) قال: كحسبان الرحا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل، لأن الحسبان مصدر من قول القائل: حسبته حسابا وحسبانا، مثل قولهم: كفرته كفرانا، وغفرته غُفْرانا. وقد قيل: إنه جمع حساب، كما الشهبان: جمع شهاب.

واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر، فقال بعضهم: رفعا بحسبان: أي بحساب، وأضمر الخبر، وقال: وأظنّ والله أعلم أنه قال: يجريان بحساب. وقال بعض من أنكر هذا القول منهم: هذا غلط، بحسبان يرافع الشمس والقمر أي: هما بحساب، قال: والبيان يأتي على هذا: علَّمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان، قال: فلا يحذف الفعل ويُضمر إلا شاذّا في الكلام.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ

ص: 10

يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) }

اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع، مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق، فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الأرض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله:(وَالنَّجْمِ) قال: ما يُبسط على الأرض.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله:(وَالنَّجْمِ) قال: النجم كل شيء ذهب مع الأرض فرشا، قال: والعرب تسمي الثبل نجما.

حدثني محمد بن خلف العسقلانيّ، قال: ثنا رَوّاد بن الجرّاح، عن شريك، عن السديّ (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: النجم: نبات الأرض.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَالنَّجْمِ) قال: النجم: الذي ليس له ساق.

وقال آخرون: عُنِي بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن

ص: 11

أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(وَالنَّجْمِ) قال: نجم السماء.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله:(وَالنَّجْمِ) يعني: نجم السماء.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: إنما يريد النجم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، نحوه.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت لعطف الشجر عليه، فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان لله، بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه، أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وأما قوله:(وَالشَّجَرُ) فإن الشجر ما قد وصفت صفته قبل.

وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: الشجر: كل شيء قام على ساق.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله:(وَالشَّجَرُ) قال: الشجر: كلّ شيء قام على ساق.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله:(وَالشَّجَرُ) قال: الشجر: شجر الأرض.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان (وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: الشجر الذي له سُوق.

ص: 12

وأما قوله: (يَسْجُدَانِ) فإنه عُنِي به سجود ظلهما، كما قال جلّ ثناؤه (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) .

كما حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا تميم بن عبد المؤمن، عن زبرقان، عن أبي رزين وسعيد (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قالا ظلهما سجودهما.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) : ما نزل من السماء شيئا من خلقه إلا عَبَّده له طوعا وكرها.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) فثنى وهو خبر عن جمعين.

وقد زعم الفراء أن العرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل السدر والنخل، جعلوا فعلهما واحدا، فيقولون الشاء والنعم قد أقبل، والنخل والسدر قد ارتوى، قال: وهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة.

وقوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا) يقول تعالى ذكره: والسماء رفعها فوق الأرض.

وقوله: (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) يقول: ووضع العدل بين خلقه في الأرض.

وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله (خَفَضَ المِيزَانَ) ، والخفض والوضع متقاربا المعنى في كلام العرب.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ص: 13

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) قال: العدل.

وقوله: (أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخسوا في الوزن.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) : اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك، وأوف كما تحبّ أن يُوَفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس.

وكان ابن عباس يقول: يا معشر المَوالِي، إنكم قد وليتم أمرين، بهما هلك من كان قبلكم، هذا المكيال والميزان.

حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن مغيرة، عن مسلم، عن أبي المغيرة، قال: سمعت ابن عباس يقول في سُوق المدينة: يا معشر الموالي، إنكم قد بُليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الأمم: المِكْيال، والميزان.

قال: ثنا مروان، عن مغيرة، قال: رأى ابن عباس رجلا يزن قد أرجح، فقال: أقم اللسان، أقم اللسان، أليس قد قال الله:(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) .

وقوله: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) يقول: وأقيموا لسان الميزان بالعدل.

وقوله: (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) يقول تعالى ذكره: ولا تنقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

ص: 14