المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ربكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل - تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث - جـ ٢٢

[ابن جرير الطبري]

فهرس الكتاب

- ‌ الدخان

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(13)

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(38)

- ‌(39) }

- ‌(40)

- ‌(43)

- ‌(49)

- ‌(51)

- ‌(54)

- ‌ الجاثية

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(13) }

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(22) }

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(27) }

- ‌(29)

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(35) }

- ‌(1)

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(16) }

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(21) }

- ‌(22) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(27)

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌ محمد

- ‌(1)

- ‌(3) }

- ‌(4) }

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(26) }

- ‌(28) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38) }

- ‌ الفتح

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(8)

- ‌(10) }

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(28)

- ‌(29) }

- ‌ الحجرات

- ‌(1) }

- ‌(2) }

- ‌(3) }

- ‌ 4

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(18) }

- ‌ ق

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(5)

- ‌(7)

- ‌(12)

- ‌(15) }

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23)

- ‌(26) }

- ‌(29)

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌ الذاريات

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(14)

- ‌(17)

- ‌(20)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(47)

- ‌(49) }

- ‌(50)

- ‌(52)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(60) }

- ‌ الطور

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22)

- ‌(24)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(37)

- ‌(39)

- ‌(42)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌ النجم

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(8)

- ‌(12)

- ‌(16) }

- ‌(17)

- ‌(19)

- ‌(23) }

- ‌(24)

- ‌(27)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(33)

- ‌(40)

- ‌(52)

- ‌(55)

- ‌(59)

- ‌ القمر

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(15)

- ‌(18)

- ‌(22)

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28) }

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(53)

- ‌ الرحمن

- ‌(1)

- ‌(10)

- ‌(13)

الفصل: ربكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل

ربكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدنيا، فأهلككم، وكشف الله عنهم، فعادوا، فبطش بهم جلّ ثناؤه بطشته الكبرى في الدنيا، فأهلكهم قتلا بالسيف.

وقد اختلف أهل التأويل في البطشة الكبرى، فقال بعضهم: هي بطشة الله بمشركي قريش يوم بدر.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود، أنه قال: البطشة الكبرى: يوم بدر.

حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: يوم بدر، البطشة الكبرى.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن محمد، قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) يوم بدر.

حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يوم بدر.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يوم بدر.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن عوف قال: سمعت أبا العالية في هذه الآية (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يوم بدر.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: يعني يوم بدر.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام بن عليّ، عن الأعمش، عن إبراهيم،

ص: 22

قال: قلت: ما البطشة الكبرى؟ فقال: يوم القيامة، فقلت: إن عبد الله كان يقول: يوم بدر; قال. فبلغني أنه سُئل بعد ذلك فقال: يوم بدر.

حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب قالا ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، بنحوه.

حدثنا بشر، ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن مجاهد، عن أبيّ بن كعب، قال: يوم بدر.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) يوم بدر.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فى قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال: هذا يوم بدر.

وقال آخرون: بل هي بطشة الله بأعدائه يوم القيامة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا خالد الحذّاء، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس: قال ابن مسعود: البطشة الكبرى: يوم بدر، وأنا أقول: هي يوم القيامة.

حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال: مرّ بي عكرمة، فسألته عن البطشة الكبرى فقال: يوم القيامة; قال: قلت: إن عبد الله بن مسعود كان يقول: يوم بدر، وأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدر.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) قال قتادة عن الحسن: إنه يوم القيامة.

وقد بينَّا الصواب في ذلك فيما مضى، والعلة التي من أجلها اخترنا ما اخترنا من القول فيه.

ص: 23

وقوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) يعني تعالى ذكره: ولقد اختبرنا وابتلينا يا محمد قبل مشركي قومك مثال هؤلاء قوم فرعون من القبط (وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) يقول: وجاءهم رسول من عندنا أرسلناه إليهم، وهو موسى بن عمران صلوات الله عليه.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) يعني موسى.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله (رَسُولٌ كَرِيمٌ) قال: موسى عليه السلام، ووصفه جل ثناؤه بالكرم، لأنه كان كريما عليه، رفيعا عنده مكانه، وقد يجوز أن يكون وصفه بذلك، لأنه كان في قومه شريفا وسيطا.

وقوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) يقول تعالى ذكره: وجاء قوم فرعون رسول من الله كريم عليه بأن ادفعوا إليّ، ومعنى"أدوا": ادفعوا إليّ فأرسلوا معي واتبعون، وهو نحو قوله (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) فأن في قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ) نصب، وعباد الله نصب بقوله (أَدُّوا) وقد تأوله قوم: أن أدّوا إليّ يا عباد الله، فعلى هذا التأويل عباد الله نصب على النداء.

وبنحو الذي قلنا في تأويل (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ) قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) قال: يقول: اتبعوني إلى ما أدعوكم إليه من الحق.

حدثني محمد بن عمرو، قال: يقول: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: أرسلوا معي بني إسرائيل.

ص: 24

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: بني إسرائيل.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) يعني به بني إسرائيل، قال لفرعون: علام تحبس هؤلاء القوم، قوما أحرارا اتخذتهم عبيدا، خلّ سبيلهم.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: يقول: أرسل عباد الله معي، يعني بني إسرائيل، وقرأ (فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) قال: ذلك قوله (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ) قال: ردّهم إلينا.

وقوله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) يقول: إني لكم أيها القوم رسول من الله أرسلني إليكم لا يدرككم بأسه على كفركم به، (أمين) : يقول: أمين على وحيه ورسالته التي أوعدنيها إليكم.

ص: 25

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ‌

(19)

وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21) }

يقول تعالى ذكره: وجاءهم رسول كريم، أن أدّوا إلي عباد الله، وبأن لا تعلوا على الله.

وعنى بقوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) أن لا تطغوا وتبغوا على ربكم، فتكفروا به وتعصوه، فتخالفوا أمره (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) يقول: إني آتيكم بحجة على حقيقة ما أدعوكم إليه، وبرهان على صحته، مبين لمن تأملها وتدبرها أنها حجة لي على صحة ما أقول لكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

ص: 25

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) : أي لا تبغوا على الله (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ) : أي بعذر مبين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ) يقول: لا تفتروا على الله.

وقوله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) يقول: وإني اعتصمت بربي وربكم، واستجرت به منكم أن ترجمون.

واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبيّ الله عليه السلام بربه منه، فقال بعضهم: هو الشتم باللسان.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: يعني رجم القول.

حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: ثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: الرجم: بالقول.

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا يحيى بن يمان، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: أن تقولوا هو ساحر.

ص: 26

وقال آخرون: بل هو الرجم بالحجارة.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) : أي أن ترجمون بالحجارة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَنْ تَرْجُمُونِ) قال: أن ترجمون بالحجارة.

وقال آخرون: بل عنى بقوله (أَنْ تَرْجُمُونِ) : أن تقتلوني.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما دلّ عليه ظاهر الكلام، وهو أن موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجُمه فرعون وقومه، والرجم قد يكون قولا باللسان، وفعلا باليد. والصواب أن يقال: استعاذ موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذًى ومكروه، شتما كان ذلك باللسان، أو رجما بالحجارة باليد.

وقوله (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نبيه موسى عليه السلام لفرعون وقومه: وإن أنتم أيها القوم لم تصدّقوني على ما جئتكم به من عند ربي، فاعتزلون: يقول: فخلوا سبيلي غير مرجوم باللسان ولا باليد.

كما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) : أي فخلُّوا سبيلي.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ‌

(22)

فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24) }

يقول تعالى ذكره: فدعا موسى ربه إذ كذّبوه ولم يؤمنوا به، ولم يؤدّ

ص: 27

والريحان: الصحيح الذي لم يؤكل.

واختلفت القراء في قراءة قوله: (وَالرَّيْحَانُ) ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين، وبعض الكوفيين بالرفع عطفا به على الحبّ، بمعنى: وفيها الحبّ ذو العصف، وفيها الريحان أيضا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين. (وَالرَّيْحَانُ) بالخفض عطفا به على العصف، بمعنى والحبّ ذو العصف وذو الريحان. (1)

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه بالخفض للعلة التي بينت في تأويله، وأنه بمعنى الرزق. وأما الذين قرءوه رفعا، فإنهم وجَّهوا تأويله فيما أرى إلى أنه الريحان الذي يشمّ، فلذلك اختاروا الرفع فيه وكونه خفضا بمعنى: وفيها الحبّ ذو الورق والتبن، وذو الرزق المطعوم أولى وأحسن لما قد بيَّناه قبل.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ‌

(13)

خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16) }

يعني تعالى ذكره بقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) : فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم تكذّبان.

كما حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سهل السراج، عن الحسن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) : فبأيّ نعمة ربكما تكذّبان.

قال عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله:(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قال: لا بأيتها يا ربّ.

(1) هذا من كلام الفراء في معاني القرآن صفحة 320 من المخطوطة.

ص: 22

حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري، قالا ثنا يحيى بن سليمان الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة الرحمن، أو قُرئت عنده، فقال "ما لِيَ أسْمَعُ الجنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبِّها مِنْكُمْ؟ " قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: "ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللهِ: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ؟ إلا قالت الجنّ: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنا نُكَذّبُ."

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول: فبأيّ نعمة الله تكذّبان.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول للجنّ والإنس: بأيّ نِعم الله تكذّبان.

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قال: لا بأيتها ربنا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قال: الآلاء: القدرة، فبأيّ آلائه تكذّب خلقكم كذا وكذا، فبأيّ قُدرة الله تكذّبان أيها الثَّقَلان، الجنّ والإنس.

فإن قال: لنا قائل: وكيف قيل: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فخاطب اثنين، وإنما ذكر في أول الكلام واحد، وهو الإنسان؟ قيل: عاد بالخطاب في قوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إلى الإنسان والجانّ، ويدلّ على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام، وهو قوله:(خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) . وقد قيل: إنما جعل الكلام خطابا لاثنين، وقد ابتدئ الخبر عن واحد، لما قد جرى من فعل العرب تفعل ذلك، وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين، فيقولون: خلياها يا غلام، وما أشبه ذلك، مما قد بيَّناه من كتابنا هذا في غير موضع.

ص: 23

وقوله: (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) يقول تعالى ذكره: خلق الله الإنسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار، يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخا، كالذي قد طُبخ بالنار، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار، والفخار: هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيريّ، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، يعني الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله:(مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) قال: هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الأرض كأنه خزف رقاق.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: خلق الله آدم من طين لازب، واللازب: اللَّزِج الطيب من بعد حمأ مسنون مُنْتن.

قال: وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب، قال: فخلق منه آدم بيده، قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل فيصوّت، قال: فهو قول الله تعالى: (كَالْفَخَّارِ) يقول: كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن، قالا ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: الصلصال: التراب المدقق.

ص: 24

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: الصلصال: التراب المدقَّق.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) يقول: الطين اليابس.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله:(مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) قال: الصلصال: طين خُلط برمل فكان كالفخار.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) والصلصال: التراب اليابس الذي يُسمع له صلصلة فهو كالفخار، كما قال الله عز وجل.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:(مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، قال: من طين له صلصلة كان يابسا، ثم خلق الإنسان منه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد في قوله: (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ)، قال: يبس آدم في الطين في الجنة، حتى صار كالصلصال، وهو الفخار، والحمأ المسنون: المنتن الريح.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوّام، عن قتادة (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) قال: من تراب يابس له صلصلة.

قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب، عن عكرِمة، عن ابن عباس (خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ) قال: ما عصر فخرج من بين الأصابع، ولو وجه موجه قول صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صلّ اللحم: إذا أنتن وتغيرت ريحه، كما قيل من صرّ الباب صرصر، وكبكب من كب، كان وجها ومذهبا.

وقوله: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) يقول تعالى ذكره: وخلق الجانّ من مارج من نار، وهو ما اختلط بعضه ببعض، من بين أحمر، وأصفر

ص: 25

وأخضر من قولهم: مَرج أمر القوم: إذا اختلط، ومن قول النبيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو:" كَيْفُ بِكَ إذَا كُنْتَ فِي حُثالَةٍ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأماناتُهُمْ! وَذلكَ هُوَ لَهَبُ النَّارِ وَلِسانُهُ".

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.

* ذكر من قال ذلك:

حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيريّ أبو حفص، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله:(مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، قال: من أوسطها وأحسنها.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) يقول: خلقه من لهب النار، من أحسن النار.

حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) يقول: خالص النار.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: خلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت.

حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله:(مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، قال: من أحسن النار.

حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، قال: اللهب الأصفر والأخضر، الذي يعلو النار إذا أوقدت.

وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: والأحمر.

ص: 26

حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، قال: هو اللهب المنقطع الأحمر.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك، في قوله:(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، قال: أحسن النار.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، قال: من لهب النار.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) : أي من لهب النار.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله:(مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) قال: من لهب النار.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال: ابن زيد، في قوله:(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) قال: المارج: اللهب.

حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) قال: من لهب من نار.

وقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذّبان؟

ص: 27