الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) يقول تعالى ذكره: كذّبت قوم لوط بآيات الله التي أنذرهم وذكرهم بها.
وقوله (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا) يقول تعالى ذكره: إنا أرسلنا عليهم حجارة.
وقوله (إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ) يقول: غير آل لوط الذين صدّقوه واتبعوه على دينه فإنا نجيناهم من العذاب الذي عذّبنا به قومه الذين كذبوه، والحاصب الذي حصبناهم به بسحر: بنعمة من عندنا: يقول: نعمة أنعمناها على لوط وآله، وكرامة أكرمناهم بها من عندنا.
وقوله (كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) يقول: وكما أثبنا لوطًا وآله، وأنعمنا عليه، فأنجيناهم من عذابنا بطاعتهم إيانا كذلك نثيب من شكرنا على نعمتنا عليه، فأطاعنا وانتهى إلى أمرنا ونهينا من جميع خلقنا. وأجرى قوله بسحر، لأنه نكرة، وإذا قالوا: فعلت هذا سحر بغير باء لم يجروه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ
(36)
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) }
يقول تعالى ذكره: ولقد أنذر لوط قومه بطشتنا التي بطشناها قبل ذلك (فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ) يقول: فكذّبوا بإنذاره ما أنذرهم من ذلك شكا منهم فيه.
وقوله (فَتَمَارَوْا) تفاعلوا من المرية.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل:
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ) لم يصدّقوه، وقوله (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) يقول جلّ ثناؤه: ولقد
راود لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) يقول: فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شقّ، فلم يبصروا ضيفه. والعرب تقول: قد طمست الريح الأعلام: إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، كما قال كعب بن زُهَير:
مِنْ كُلّ نَصَّاخَةِ الذّفْرَى إذَا أعْتَرَقَتْ
…
عُرْضَتها طامِسُ الأعْلام مَجْهُولُ (1)
يعني بقوله (طامِسُ الأعْلامِ) : مندفن الأعلام.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) قال: عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) وذُكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطا، وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه، فصفقهم بجناحه، وتركهم عميا يتردّدون.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ) قال: هؤلاء قوم لوط حين راودوه عن ضيفه، طمس الله أعينهم، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون، فقالوا: إنا لا نترك عملنا فإياك أن تُنزل أحدا أو تُضيفه، أو تدعه ينزل عليك، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا. قال: فلما جاءه المرسلون، خرجت امرأته الشقية من الشقّ، فأتتهم فدعتهم، وقالت لهم: تعالوا فإنه قد جاء قوم
(1) البيت: لكعب بن زهير من لاميته المشهورة " بانت سعاد " التي مدح بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد شرحناه ثلاث مرات في (2: 402، 5: 123، 9: 157) من هذه الطبعة، فراجعه في أحد هذه المواضع، أو فيها كلها، لزيادة الفائدة.