المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اللام مع الهاء - التنوير شرح الجامع الصغير - جـ ٣

[الصنعاني]

الفصل: ‌اللام مع الهاء

‌اللام مع الهاء

1436 -

" الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن أذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه (ت عن عبد الله بن مغفل) "(صح).

(الله الله في أصحابي) منصوب على التحذير أي أحذركم الله فيهم ثم كرر وحذف فعله وجوبًا (لا تتخذوهم غرضا بعدي) بيانًا لما حذر منه وهو بفتح الغين المعجمة والراء وبالضاد المعجمة وهو الهدف يرمى فيه لا تتخذوهم هدفا ترمونهم بسهام ألسنتكم بالذم والوقيعة (فمن أحبهم فبحبي أحبهم) بسبب حبهم إياي أحبهم فمن أحب إنسانًا أحب صاحبه كما قيل: ويكرم ألف للحبيب المكرم.

بل بالغ الشعراء في ذلك كما قيل في حب من لونه لون الحبيب (1):

أحب لحبها السودان حتى

أحب لحبها سود الكلاب

(ومن أبغضهم فببغضي) أي بسبب بغضه إياي (أبغضهم) إذ لو أحبني لما أبغض أصحابي (ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) وقد توعد الله من أذاه تعالى ومن آذى رسوله وتوعد من أذى المؤمنين فمن أذى الصحابة في حياتهم وبعد وفاتهم فقد أذى الثلاثة (ومن آذى الله) وأذيته تعالى مجاز ومشاكلة وإلا فالعبد لا يبلغ مضرة ربه بالإيذاء فالمراد من فعل ما يكرهه الله (يوشك) يشرع لفظًا ومعنى (أن يأخذه) وهذا الحديث وما بعده من اللام مع اللام فحقه التقديم على الذي قبله كما لا يخفى، وفي الجامع الكبير جعل هذا وما بعده في

(1) منسوب إلى أبي الهدى الصيادي.

ص: 82

آخر حرف الهمزة وصدره بقوله: فصل فيما أوله: ال وبدأ بهذا الحديث وهو أولى مما فعله هنا وهذا له وجه لأنها لما كانت اللام لازمة لهذه الكلمات الآتية إلا أنه كان يلزم أن تكون من اللام مع الهاء (ت عن عبد الله بن مغفل)(1) رمز المصنف لحسنه وفي الكبير حم خ في تاريخه ت غريب حل هب.

1437 -

"الله الله فيما ملكت أيمانكم ألبسوا ظهورهم وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول ابن سعد طب عن كعب بن مالك"(صح).

(الله الله فيما ملكت أيمانكم) هو عام في كل مملوك إلا أنه خصصه بالإماء [1/ 407] والعبيد قوله (ألبسوا ظهورهم) فيه إيجاب الزيادة على ستر العورة إذ إلباس الظهر كناية عن الكسوة (وأشبعوا بطونهم) وهو في قدره عائد إلى عرف كل جهة في الأمرين (وألينوا لهم القول) في الخطاب وتقدم الأمر بإعانتهم فيما يكلفونه من الأعمال (ابن سعد طب عن كعب بن مالك) رمز المصنف لصحته (2).

1438 -

"الله الله في من ليس له ناصر إلا الله (عد) عن أبي هريرة".

(1) أخرجه الترمذي (3862)، وأحمد (5/ 54) والبخاري في تاريخه (5/ 131)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 287)، وابن حبان (7256)، وأبو يعلى (4175)، والبيهقي في الشعب (1511)، وقال المناوي في التيسير (1/ 411) في إسناده اضطراب وغرابة، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد لا يعرف إلا بهذه الرواية من طريق ابن أبي رائطة عنه. ولذلك قال الذهبي في الميزان (4/ 135) لا يعرف، قال البخاري: فيه نظر. وأقره الحافظ في اللسان (3/ 306) وذكر أنه اختلف في اسمه، وأنه مفسر في التهذيب (6/ 160) في ترجمة عبد الرحمن بن زياد قيل أنه أخو عبيد الله بن زياد بن أبيه وقيل عبد الله بن عبد الرحمن وقيل عبد الرحمن بن عبد الله وقيل عبد الملك بن عبد الرحمن. وهناك روى عن ابن معين أنه قال فيه: لا أعرفه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1160)، والضعيفة (2901).

(2)

أخرجه ابن سعد (2/ 254). والطبراني (19/ 41، رقم 89) وقال الهيثمي (4/ 237): فيه عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد وهما ضعيفان وقد وثقا. وقال العجلوني (1/ 20): رواه ابن سعد، والطبراني عن كعب بن مالك بسند ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1160).

ص: 83

(الله الله فيمن ليس له) أي عون ولا (ناصر) كاليتيم والضعيف والأرملة والحيوان المملوك (إلا الله) وتقدم أنه اشتد غضب الله على من ظلم من لا يجد له ناصرًا غير الله (عد عن أبي هريرة)(1).

1439 -

"الله الطبيب بل أنت رجل رفيق طبيبها الذي خلقها د عن أبي رمثة".

(الله الطبيب) أي المداوي الحقيقي لا غيره قاله لوالد أبي رمثة حين رأى خاتم النبوة فظنه سلعة فقال: إني طبيب أطبها فقاله صلى الله عليه وسلم، في النهاية (2) الطبيب في الأصل الحاذق بالأمور العارف بها وبه سمي (المطبب) الذي يعالج المرضى انتهى وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ عليه تعالى (د عن أبي رمثة)(3) بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة واسمه رفاعة البلوي (4).

1440 -

"الله مع القاضى ما لم يَجُر فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان (ت عن عبد الله ابن أبي أوفى) ".

(الله مع) المراد بالمعية النصر والتوفيق والهداية فإذا جار تخلى عنه أي قطع عنه إعانته وتسديده وتوفيقه لما أحدثه من الجور انتهى من قوت المغتذي للمؤلف (القاضي) يسدده ويعينه ويثبته (ما لم يجر) في حكمه وهو أن يحكم بغير

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 155) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1162) والسلسلة الضعيفة (1460) وقال: وابن المهلب هذا لم أجد له ترجمة، والإسناد ضعيف مسندا ومرسلا، وشيخ عيسى بن إبراهيم بن مثرود (رشدين بن سعد معروف بالضعف لسوء حفظه) قال الحافظ في التقريب (1942) ضعيف رجح أبو حاتم عليه بن لهيعة وقال ابن يونس كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث ..

(2)

النهاية (3/ 110).

(3)

الإصابة (7/ 140).

(4)

أخرجه أبو داود (4207). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1252). وانظر ترجمة الصحابي أبي رمثة البلوي في تهذيب الكمال (33/ 316).

ص: 84

الحق وهذه معية خاصة غير ما في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ} [المجادلة: 7] الآية فإنه معه سواء جار أو عدل بهذه المعية العامة (فإذا جار تخلى) بالخاء المعجمة وتشديد اللام (عنه) فوكله إلى نفسه وأعرض عنه (ولزمه الشيطان) بدلًا عن الرحمن {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50]، (ت عن عبد الله بن أبي أوفى) زاد المصنف في الكبير غريب، يريد أنه غربه الترمذي وزاد رمزًا ق وهو للبيهقي في غير الشعب (1).

1441 -

"الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له (ت 5 عن عمر (صح) ".

(الله ورسوله مولى من لا مولى له) في النهاية (2) قد تكرر في الحديث ذكر المولى وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والمحب والمانع والناصر والتابع والجار وابن العم والحليف والصهر والعبد والمنعم عليه والمعتق وأكثرها قد جاء في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه انتهى.

فيحتمل أن يراد هنا ناصر من لا ناصر له ويرشد إليه الله الله فيمن ليس له إلا الله أو المالك فيما يخلفه من ماله حيث لا مالك له بالإرث من قرابته كما يرشد إليه عطف قوله (والخال وارث من لا وارث له) ويدل له أيضًا ما أخرجه البخاري (3) وابن جرير وغيرهما من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن إلا أنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]

(1) أخرجه الترمذي (1330) وقال: حسن غريب وصححه ابن حبان (5062) وصححه ابن حبان، وقال الحافظ في الفتح (13/ 119) استغربه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1253).

(2)

النهاية (5/ 227).

(3)

أخرجه البخاري (4503).

ص: 85

فأيما رجل ترك مالًا فليرثه عصبته من كانوا فإن ترك دينا أو ضياعًا فأنا مولاه" قال بعض المحققين: فإما أن يكون إيثاره للعصبة مع استواء (الأوليتين) تكرمًا منه ولذا تحمل الدين ولم يحمله العصبة وإما أن يكون بيانًا لما شرعه الله انتهى.

فيكون حديث الكتاب إخبارًا بأنه المالك لمال من لا وارث له ويكون هذا بيانًا لمفهوم قوله فليرثه عصبته أي إن كانوا وإلا فوارثه بيت المال وتقيد وراثة بيت المال بمال من لا وارث له وفيه ما يدل على تقديم ذوي الأرحام بالإرث على بيت المال (ت 5 عن عمر) رمز المصنف لصحته وفي الكبير حم ت س 5 وابن الجارود وابن أبي عاصم والشاشي عد حب ق ط عن عمر عب ك ق عن عائشة، حب عن رجل ص عن طاووس مرسلًا انتهى (1).

1442 -

اللَّهم لا خير إلا خير الآخرة وفي لفظ لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة (حم ق 3 عن أنس حم ق عن سهل بن سعد) " (صح).

(اللَّهم) أصل هذه الكلمة يا الله إلا أنه [1/ 408] لا يجوز حذف حرف

(1) حديث عمر: أخرجه الترمذي (2103) وقال: حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (6351)، وابن ماجه (2737)، وابن الجارود (964) وابن حبان من طريق أبى يعلى (6037) والدارقطني (4/ 84)، والبيهقي (6/ 214)، والضياء من طريق ابن أبي عاصم (1/ 167 رقم 74)، ومن طريق الشاشي (رقم 77). وأخرجه أيضًا: أحمد (1/ 28).

حديث عائشة: أخرجه عبد الرزاق (16202)، والحاكم (4/ 383) وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي (6/ 215) وقال: هذا هو المحفوظ من قول عائشة موقوفاً عليها وكذلك رواه عبد الرزاق، وقد كان أبو عاصم يرفعه في بعض الروايات عنه ثم شك فيه فالرفع غير محفوظ والله أعلم. وأخرجه أيضًا: إسحاق بن راهويه موقوفاً (1232)، ومرفوعًا (1234)، والدارمي موقوفاً (2977)، والدارقطني مرفوعا مرة وموقوفاً أخرى (4/ 85)، وأبو عوانة مرفوعًا (5638)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1254).

ص: 86

النداء منه إلا مع إبدال الميمين منه في آخره وذلك لأنّ حق ما فيه الألف واللام أن يتوصل إليه بأي أو بحرف الإشارة فلما حذفت الوصلة مع هذه اللفظة لكثرة ندائها لم يحذف الحرف لئلا يكون إجحافًا قاله نجم الدين في شرح الكافية (لا عيش إلا عيش الآخرة) وهذا كان يقوله صلى الله عليه وسلم في مواطن منها عند عمارة مسجده بالمدينة فإنه كان ينقل الحجارة بيده الشريفة ويقوله، وتمامه:"فاغفر للأنصار والمهاجرة".

والعيش الحياة أي لا حياة إلا حياة الآخرة كما قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64]، وهذا الإخبار توصل إلى الدعاء بالمغفرة للأنصار والمهاجرين كأنه يقول: أنا في هذا العيش الذي ليس بعيش حقيقة فإنه لا حياة إلا الحياة الآخرة فاغفر للمذكورين لمحبتهم الحياة الآخرة الطيبة (حم ق3 عن أنس حم ق عن سهل بن سعد)(1).

1443 -

"اللَّهم اجعل رزق آل محمَّد قوتًا (م ت 5 عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم اجعل رزق آل محمَّد في الدنيا قوتًا)[قال النووي (2): هو ما يسد الرمق، وقال القرطبي: هو ما يقوتهم ويكفيهم بحيث لا يشوشهم الجهد ولا ترهقهم الفاقة ولا تذلهم المسألة والحاجة ولا يكون في ذلك أيضًا ولا فضول فيخرج إلى السرف والتبسط في الدنيا والركون إليها والله أعلم. في القاموس: الرزق ما ينتفع به، وفي النهاية (3): القوت قدر ما يمسك الرمق من المطعم وهذا الدعاء صيانة لآله من الدنيا فإن السعة فيها لا تأتي إلا بالطغيان في الغالب {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27] وقد ظهرت إجابة دعائه

(1) حديث سهل بن سعد: أخرجه أحمد (5/ 332)، والبخاري (6051)، ومسلم (1804). وأخرجه أيضًا: الترمذي (3856) وقال: حسن صحيح غريب.

(2)

انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 137).

(3)

النهاية (4/ 119).

ص: 87

في آله منذ أمير المؤمنين علي عليه السلام والبتول وما زال من بعدهم من صالحي أولادهم كذلك ممن سار سيرتهم وقد خير الله نبيه صلى الله عليه وسلم بين أن يكون عبدًا نبيًا أو نبيًا ملكًا فاختار الأول (م ت 5 عن أبي هريرة)(1).

1444 -

"اللَّهم اغفر للمتسرولات من أمتي (هق في الأدب) علي".

(اللَّهم اغفر للمتسرولات من أمتي) جمع متسرولة وهي لابسة السروال، لباس معروفه وتقدم حديث علي: "اتخذوا السراويلات

" الحديث، والدعاء لهن هنا حثًا على لبسهن ذلك لما فيه من كمال ستر العورات وناسب الدعاء بالمغفرة لأنهن سترن عوراتهن فدعا لهن بستر عورات الذنوب (البيهقي في الأدب عن علي) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف إبراهيم بن زكريا الضرير وغيره (2).

1445 -

"اللَّهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج (هب عن هريرة) ".

(اللَّهم اغفر للحاج) فرضًا أو نفلًا (ولمن استغفر له الحاج) حين حجه وبعده وإن كان ظاهرًا في الأول، وفيه أنه يطلب الاستغفار من الحاج ليدخل في دعائه صلى الله عليه وسلم (هب عن أبي هريرة) وكذا أخرجه الحاكم وصححه (3).

(1) أخرجه مسلم (1055)، والترمذي (2316)، وابن ماجه (4139).

(2)

أخرجه البيهقي في الأدب برقم (294)، وأخرجه أيضًا العقيلي في الضعفاء (1/ 54) في ترجمة إبراهيم بن زكريا الضرير، وقال: صاحب مناكير وأغاليط، ولا يعرف هذا الحديث إلا بهذا الشيخ فلا يتابع عليه، وأخرجه أيضًا ابن عدي في الكامل (1/ 256) وهذا الحديث منكر لا يرويه عن همام غير إبراهيم بن زكريا ولا أعرفه إلا من هذا الوجه، وإبراهيم حدث عن الثقات بالبواطيل. وذكره ابن أبي حاتم في العلل (1/ 492) وسأله أباه عنه فقال: هذا حديث منكر، وإبراهيم مجهول، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 45). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1178) والضعيفة (601).

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 609) وقال: صحيح على شرط مسلم. والبيهقي (5/ 261). وأخرجه أيضًا: ابن خزيمة (2516)، والطبراني الأوسط (8594)، وفي الصغير (1089) وقال الهيثمي في =

ص: 88

1446 -

"اللَّهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد نعوذ بك من النار (طب ك عن والد أبي المليح) "(صح).

(اللَّهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمد) لما كان هؤلاء الأربعة أشرف خلق الله، فالثلاثة الأول أشرف الملائكة ومحمد أشرف البشر أو أشرف الكل على الخلاف أضاف ربوبيته تعالى إليهم عند طلبه لقوله (نعوذ بك من النار) وليس هذا من باب التوسل بالمذكورين إليه بل من باب التوسل بربوبيته لهم وملكه إياهم وأما جواز التوسل إليه بالمخلوقين وسؤاله بحقهم فهي مسألة خلاف يأتي الكلام فيها وأعاذ به والتجاء إليه تعالى عذت أعوذ عوذًا ومعاذًا (طب ك عن والد أبي المليح) (1) اسمه عامر بن أسامة رمز المصنف لصحته وقال الشارح: فيه مجاهيل (2).

1447 -

"اللَّهم إنى أعوذ بك من علم لا ينفع وعمل لا يرفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع (حم حب ك عن أنس) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) يحتمل أنه لا ينفع لأنه ليس من علوم الدين كعلم النجوم والفلسفة والاستعاذة من ميل النفس إلى تعلمه أي من تعلم علم لا ينفع ويحتمل لا ينفع العالم به [1/ 409] وإن كان نافعًا في نفسه كمن أتاه الله آياته فانسلخ منها فالاستعاذة متوجهة إلى المقيد في قوة أعوذ بك من

= المجمع (3/ 270) رواه البزار والطبراني في الصغير وفيه شريك بن عبد الله النخعي وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. وفي إسناده شريك بن عبد الله المديني أورده الذهبي في المغني في الضعفاء (2763) وقال قال ابن معين والنسائي ليس بالقوي وقال ابن معين في موضع آخر لا بأس به. وقال النخعي الحافظ في التقريب (2788) صدوق يخطئ. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1177): ضعيف.

(1)

الاستيعاب (1/ 78).

(2)

أخرجه الطبراني (1/ 195، رقم 520)، والحاكم (3/ 622)، والضياء (4/ 205، رقم 1422). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1304) والسلسلة الصحيحة (1544).

ص: 89

عدم الانتفاع بالعلم (وعمل لا يرفع) هو كناية عن عدم قبوله لأنّ الأعمال المقبولة تصعد بها الملائكة والعمل الصالح يرفعه ويأتي: "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم"، (ودعاء لا يسمع) لا يجاب لعصيان الداعي واعتدائه في الدعاء أو لصدوره عن قلب غافل لاه (حم حب ك عن أنس) رمز المصنف لصحته (1).

1448 -

"اللَّهم أحيني مسكينًا وتوفني مسكينًا واحشرنى في زمرة المساكين فإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة (ك عن أبي سعيد) "(صح).

(اللَّهم أحيني مسكينًا وتوفني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين) في النهاية (2): قد تكرَّر في الحديث ذكر المسكين والمساكين والمسكنة والتمسكن وكلها تدور معناها على الخضوع والذلة وقلة المال والحال السيئة، وقد اختلف الناس في الفقير والمسكين فقيل الفقير الذي لا شيء له والمسكين الذي له بعض ما يكفيه وإليه ذهب الشافعي وقيل العكس فيهما وإليه ذهب أبو حنيفة، وقد عارض هذا الحديث حديث أنس الآتي وفيه الاستعاذة من المسكنة ومن الفقر والجمع بينهما أنه يفسّر هذا الحديث أعني حديث سؤال المسكنة ما قاله ابن الأثير من أن قوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم أحيني مسكينًا

" الحديث أراد به التواضع والإخبات وأن لا يكون من الجبارين والمتكبرين هذا كلامه، قلت: إلا أنه لا يناسبه قوله (وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة) فإنه ظاهر أنه أراد الفقر نفسه وقلة الشيء فالأولى أن نصرف التأويل إلى التعوذ

(1) أخرجه الطيالسي (2007)، وابن أبي شيبة (6/ 18)، وأحمد (3/ 192)، وابن حبان (83)، والحاكم (1/ 185)، والضياء (6/ 346، رقم 2373). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1290).

(2)

النهاية (2/ 385).

ص: 90

من الفقر بأن يكون تعوذًا عما ينشأ في الغالب عنه من عدم الرضا والصبر فإنه لا يصبر عليه ويرضى به إلا القليل قال صلى الله عليه وسلم: "كاد الفقر أن يكون كفرًا"(1) ويأتي الكلام فيه (ك عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (2).

1449 -

"اللَّهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم (الطيالسي طب عن جابر بن سمرة) "(صح).

(اللَّهم إني أسألك من الخير كله) سأل يتعدى بنفسه إلى المسؤل عنه فالمسئول مثل ما يأتي: "أسألك رحمةً من عندك" فهو هنا مضمن من الخبر (ما علمت منه وما لم أعلم) بدل من الخير بزيادة التعميم بعد تأكيده بكل (وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم) فيه من التعميم للمطلوب والمستعاذ ما لا يخرج معه شيء منهما وفيه من صنعة البديع الطباق ولا يقال مقتضى الكمال تقديم الاستعاذة من الشر على طلب الخير لأنّ دفع المفسدة أهم من جلب المصلحة لأنا نقول طلبه للخير بهذه العبارة العامة المؤكدة أكمل تأكيد، قد تضمن استدفاعه الشيء لأنه لا يتم ذلك إلا بعدم الشر هما جانب الاستعاذة إلا وهي كالمتممة والمؤكدة لما أفادته الجملة الأولى كما أن الاستعاذة من الشر بهذه العبارة، قد أفادت طلب الخير ضمنا، ولما كانت النفوس أشد رغبة إلى طلب الإفضال قدم في السؤال ما هي إليه أرغب وما هو نصب عينيها وعلى هذا الأسلوب ورد قوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] (الطيالسي طب عن جابر بن

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (6612).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 322) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: البيهقي (7/ 13). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1261).

ص: 91

سمرة) رمز المصنف لصحته (1).

1450 -

"اللَّهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة (حم حب ك عن بسر) "(صح).

(اللَّهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها)[1/ 410] الدينية والدنيوية وهذا أعم دعاء في شموله لطلب خير الدارين (وأجرنا من خزي الدنيا) هو الذل والإهانة سمى به عذاب الدنيا وخص خزي الآخرة بقوله (وعذاب الآخرة) تبعًا لقوله تعالى ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم وهذا الدعاء من جوامع الكلم وتمامه في الجامع الكبير من كان ذلك دعاؤه مات قبل أن يصيبه البلاء (حم حب ك عن بسر)(2) بالموحدة فمهملة فراء بزنة قفل هو (ابن أرطأة) وهو الذي فعل الأفاعيل، قال الذهبي في الميزان (3): اختلف هل له صحبة أم لا؟ وقال ابن معين: كان رجل سوء، وقال ابن حبان: تفرد عن ثابت بأشياء ليست من حديثه. انتهى. وفيه كلام كثير والعجب من المصنف حيث أوهم أنه صحابي ولم يقل مرسلًا كعادته في روايته عن التابعين على أن بسرًا ليس أهلًا لأنّ يروى عنه فإنه قاتل أولاده عبيد الله بن عباس وهما صغيران وفعل القبائح وقد رمز المصنف لصحة الحديث (4).

(1) أخرجه الطيالسي (785)، والطبراني (2/ 252، رقم 2058). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1277).

(2)

الاستيعاب (1/ 48)، وسير أعلام النبلاء (3/ 409)، والإصابة (1/ 98).

(3)

ميزان الاعتدال (1/ 309).

(4)

أخرجه أحمد (4/ 181)، وابن حبان (949)، وابن قانع (1/ 84)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (859)، والطبراني (2/ 33، رقم 1196)، والحاكم (3/ 683)، وابن عدي في الكامل (2/ 5، 6). قال الهيثمي (10/ 178): رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد، وأحد أسانيد الطبراني ثقات. في إسناده محمَّد بن أيوب بن ميسرة ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 385) وقال ابن أبي حاتم (7/ 197) عن أبيه هو صالح لا بأس به ليس بالمشهور. =

ص: 92

1451 -

"اللَّهم بارك لأمتي في بكورها (حم 4 حب عن صخر الغامدي) (5 عن ابن عمر) (طب عن ابن عباس وابن مسعود وعن عبد الله بن سلام وعن عمران بن حصين وعن كعب بن مالك وعن النواس بن سمعان) "(صح).

(اللَّهم بارك لأمتي في بكورها) بضم الموحدة والكاف مصدر بكر إليه وعليه وفيه بكورًا وبكرًا أتاه بكره وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كما في القاموس والدعاء يحتمل أنه دعاء بالبركة لنفس ذلك الوقت حتى ليتسع لما يعمل فيه أو ببركة نفس العمل فيكون العمل فيه مبروكًا وتقدم الحديث في الأمر بالغدوة في طلب العلم وهذا عام في الأعمال كلها، وحديث أبي هريرة الآتي قيده بيوم الخميس فيحتمل أن هذا تخصيص بعد التعميم وأنه خص يوم الخميس بزيادة الدعاء مع دخوله في عموم الدعاء الأول أو أنه تقييد والأول أقرب (حم 4 حب عن صخر الغامدي) بالمعجمة ثم المهملة زاد المصنف في الكبير وقاله غيره (5 عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته على رمز الأربعة (طب عن ابن عباس وابن مسعود وعن عبد الله بن سلام وعن عمران بن حصين وعن كعب بن مالك وعن النواس بن سمعان) بكسر المهملة وتقدم ضبط النواس (1).

= وأبوه أيوب بن ميسرة ذكره ابن حبان في الثقات (4/ 27) وقال أبو مسهر: كان أفقه (يعني من أخيه يونس)، وكان يفتي في الحلال والحرام، وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ديوانه؛ كما في تعجيل المنفعة (1/ 47) وقال الحافظ في اللسان (1/ 489) رأيت له ما ينكر. وفيه بسر بن أرطأة وقيل: ابن أبي أرطأة مختلف في صحبته، قال ابن عدي عقب هذا الحديث وحديث آخر ساقه: مشكوك في صحبته. وأورده الحافظ في اللسان (7/ 183) قال ابن معين رجل سوء كان أهل المدينة ينكرون صحبته. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1169).

(1)

حديث صخر الغامدي: أخرجه الطبراني (8/ 24 رقم 7277) وأحمد (3/ 431)، والدارمي (2435)، وأبو داود (2606)، والترمذي (1212) وقال: حسن. وابن حبان (4754). وأخرجه أيضًا: الطيالسي (1246)، والبيهقي (9/ 151).

ص: 93

1452 -

"اللَّهم بارك لأمتى في بكورها يوم الخميس (هـ عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس) تقدم الكلام عليه قريبا (5 عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (1).

1453 -

"اللَّهم إنك سألتنا من أنفسنا ما لا نملكه إلا بك اللَّهم فأعطنا منها ما يرضيك عنا (ابن عساكر عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم إنك سألتنا من أنفسنا) مقدم من تأخير وتقديره سألنا (ما لا نملكه إلا بك) من أنفسنا والمراد كلفتنا طاعتك التي لا نملكها ولا تنقاد لها أنفسنا ألا

= حديث عبد الله بن سلام: أخرجه أبو يعلى (7500)، والطبراني كما في مجمع الزوائد (4/ 61) قال الهيثمي: فيه هشام بن زياد، وهو ضعيف جدًّا. وأخرجه أيضًا: ابن عساكر (29/ 98)

حديث ابن عمر: أخرجه ابن ماجه (2238). وأخرجه أيضًا: الطبراني في الكبير (12/ 375، رقم 13390) وفي الأوسط (3312)، والقضاعي (1490). قال الهيثمي (4/ 62): رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمَّد بن عبد الرحمن الجدعاني، وثقه أحمد وأبو زرعة، وقال النسائي وغيره: متروك حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني (12/ 229، رقم 12966) قال الهيثمي (8/ 194): فيه عمرو بن مساور وهو ضعيف. وأخرجه أيضًا: البيهقي في شعب الإيمان (7750)، والقضاعي (1489).

حديث ابن مسعود: أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (4/ 61). وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (9/ 279 رقم 5406) قال الهيثمي (4/ 61): فيه علي بن عابس، وهو ضعيف. قال المناوى (2/ 104): قال الدارقطني: تفرد به علي بن عابس عن العلاء قال يحيى: ليس بشيء وقال ابن حبان: فحش خطؤه فاستحق الترك.

حديث كعب بن مالك: أخرجه الطبراني (19/ 78، رقم 156). قال الهيثمي (4/ 62): فيه عمار بن هارون وهو متروك.

حديث النواس: أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (4/ 62) قال الهيثمي: فيه عمار بن هارون، وهو متروك. وأخرجه أيضًا: أبو يعلى في المعجم (1/ 224، رقم 271). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1300).

(1)

أخرجه ابن ماجه (2237). قال البوصيرى (3/ 28): هذا إسناد ضعيف عبد الرحمن فمن دونه ضعفاء. وأخرجه أيضًا: ابن الجوزى (1/ 321، رقم 528). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1206).

ص: 94

بإعانتك كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43]{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127]، ولا شك أنه تعالى كلف العباد بالإتيان بالطاعات واجتناب المحرمات ولكنه لا يتم ذلك إلا بتوفيق الله وإعانته وتسديده وإرشاده كما قال عبد الله بن رواحة:

والله لولا الله ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فهو الذي حبب الإيمان إلى القلوب كما قال: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، (فأعطنا منها) من الأنفس (ما يرضيك عنا) اجعلها منقادة لأوامرك ونواهيك مطيعة [1/ 411] غير عاصية ويحتمل أن تتعلق من أنفسنا بطلبتنا أي طالبينا من هذه الأنفس المجبولة على الشر الأمارة بالسوء ما لما يملكه فيها وهو طاعتها وانقيادها إلا بتذليلك لها وتسديدك وإرشادك (ابن عساكر عن أبي هريرة)(1).

1454 -

"اللَّهم اهد قريشًا فإن عالمها يملأ طباق الأرض علمًا اللَّهم كما أذقتهم عذابًا فأذقهم نوالًا (خط وابن عساكر عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم أهد قريشًا) أي للإسلام وهذا قبل إسلامها ويحتمل أنه بعده أي ردها هدى (فإن عالمها يملأ أطباق الأرض علمًا) هو جمع طبق من قوله إذا مضى عالمٌ بدا طَبَقْ، والطبق: القرن، قيل للعالم طبق لأنه يطبق الأرض ثم ينقرض ويأتي طبق آخر. فقوله يملأ أطباق الأرض أي قرونها أي أن علمه ينتفع به كل قرن وفسر عالم قريش بالشافعي فإنه قرشي ولا شك في سعة علمه والأقرب أنه عام لكل من اتسع علمه وظهر نفعه من قريش فيدخل فيه أئمة الآل وغيرهم وذلك لأنّ اسم

(1) أخرجه ابن عساكر (36/ 321) في إسناده دلهاث بن جبير قال الأزدي ضعيف جدًا كما في الميزان (3/ 45) واللسان (2/ 432). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1187) والسلسلة الضعيفة (1742): ضعيف جدًا.

ص: 95

الجنس المضاف من ألفاظ العموم ويحتمل أنه أراد صلى الله عليه وسلم نفسه (اللَّهم كما أذقتهم نكالاً) هو العذاب وزنًا ومعنى وأراد به ما أصاب قريشًا من القحط والحروب (فأذقهم نوالًا) هو العطاء وقد ظهر بركة دعائه صلى الله عليه وسلم ففتحت لها الأقطار ونالت من الملك ما لم تنله أمة من الأمم (خط وابن عساكر عن أبي هريرة) وفيه ضعف لكن له شواهد بعضها عن البزار بإسناد صحيح (1).

1455 -

"اللَّهم إنى أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول (ك عن أبي هريرة) (صح) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة) بضم الميم الإقامة وتقدم حديث أبي هريرة: "استعيذوا بالله من شر جار المقام"، فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل (فإن جار البادية يتحول) أي جار السفر وإنما عبر عنه بها لأنّ الأسفار غالبها فيها ودار المقام دار الإقامة وهو مستقر الإنسان من الأوطان بقوله في حديث أبي هريرة: "استعيذوا

" أمر بالاستعاذة وهذا تعليم لكيفيتها ويحتمل أنه أراد بدار المقام البرزخ وتقدم حديث: "ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين فإن الميت يتأذى بجار السوء كما يتأذى الحي" (ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (2).

1456 -

"اللَّهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا

(1) أخرجه الخطيب (2/ 61)، وابن عساكر (51/ 326) وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/ 53) في سنده راو ضعيف.

قلت: في إسناد عبد العزيز بن عبيد الله الحمصي أورده الذهبي في الميزان (4/ 368) وقال ضعفوه وتركه النسائي، وقال الحافظ في التقريب (4111) ضعيف .. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1205) والسلسلة الضعيفة (399): ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 532)، وابن عساكر (53/ 313). وأخرجه أيضًا: ابن أبي شيبة (5/ 220، رقم 25421)، وأبو يعلى (6536). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1290) والسلسلة الصحيحة (1443).

ص: 96

استغفروا (5 هب عن عائشة) ".

(اللَّهم اجعلني من الذين إذا أحسنوا) إذا فعلوا الحسنات (استبشروا) بتيسير الله لهم فعلها فإن من صفات المؤمن أنه من سرته حسنته كما يأتي من حديث أبي موسى والاستبشار بالحسنة من حيث أنه تعالى أجراها على يديه وأهله لها ومن حيث أنه يحبها ويحب فاعلها ومن حيث أنه يجازى عليها الجزاء الأوفى ومن حيث أنه امتثل أمر مولاه وخالقه ومن حيث أنها تقربه إلى بارئه ومن حيث أنها سبب لانبعاث النفس للإتيان بغيرها بهداية الله له فمن هذه الجهات كان الاستبشار بالحسنات من المطلوبات لله تعالى (وإذا أساءوا استغفروا) قد جعل الله ذلك من صفات المتقين الذين أعد لهم جنات عرضها السماوات والأرض فقال في صفاتهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135]، الآية وتقدم حديث:"إذا أسأت فأحسن" وقال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].

إن قلت: هلا سأل الله أن يعصمه من الذنب [1/ 412] حتى لا يقع فلا يفتقر إلى تداركه بالاستغفار.

قلت: الدعاء تعليم للأمة وقد علم أن الله لم يعصم غير رسله وأن سائر الناس غير معصومين لقضاء حكمته تعالى بذلك فلا يجوز سؤال ما علم أنه تعالى قد قضى بخلافه فإن حكمته قد قضت بأنه يخطأ العبد تارة ويصيب أخرى وعليه حديث (1)"لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم".

وأما سؤاله صلى الله عليه وسلم ذلك مع أنه معصوم لا يأتي بذنب فمن باب التأدب مع ربه كاستغفاره في اليوم سبعين مرة كما في حديث: "إنه ليغان على قلبي"، سيأتي (5

(1) أخرجه مسلم (2749).

ص: 97

هب عن عائشة) سكت عليه المصنف وفيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف (1).

1457 -

"اللَّهم (2) اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى (ق ن عن عائشة) "(صح).

(اللَّهم اغفر لي وارحمني) فيه دليل على جواز الدعاء للأنبياء بالرحمة وقد منعه البعض، قال الحافظ ابن حجر: قال ابن عبد البر في الاستذكار: رويت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة وليس فيها وارحم محمدًا قال: ولا أحب لأحد أن يقوله ووافقه ابن العربي فبالغ في الإنكار وكذا قال النووي في الأذكار وغيره: وليس كما قالوا، ثم ذكر ابن حجر ما ورد في ذلك من حديث الصلاة وفيه ترحم على محمَّد وآل محمَّد كما ترحمت على إبراهيم، وقال بعض المحققين: أما جواز الترحم على الأنبياء فالقرآن يشهد بذلك قال تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ} [المؤمنون: 118] والخطاب إذا لم يكن خاصا به فهو عام له وقال آدم: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا} [الأعراف: 23]، وقال نوح:{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} [هود: 47]، وقال موسى:{وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ} (وألحقني بالرفيق الأعلى) في النهاية (3) الرفيق الأعلى جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليل يقع على الواحد والجمع ومنه {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] رفيقًا (ق ن عن عائشة)(4).

(1) أخرجه ابن ماجه (3820) قال البوصيري (4/ 135): هذا إسناد فيه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف انظر التقريب (4734). والبيهقي في شعب الإيمان (6992)، والخطيب (9/ 233)، وابن عساكر (4/ 62). وأخرجه أيضًا: إسحاق بن راهويه (1336)، والطيالسي (1533)، وأبو يعلى (4472). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1168).

(2)

هذا عنوان هذا الحديث، وضع في الحاشية.

(3)

أخرجه مسلم (1828).

(4)

أخرجه البخاري (4176) ومسلم (2444) والترمذي (3496). والنسائي في الكبرى=

ص: 98

1458 -

"اللَّهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به (م عن عائشة) "(صح).

(اللَّهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه) ظاهر في كل ولاية حتى على الصبيان في الكتاب وقد ذكر ابن تيمية (1): إن الوعيد على الجور شامل لذلك ولما هو أدون منه (ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به) وهو شامل لكل من تحت يده من له عليه أمر كالمرأة راعية في بيت زوجها وسيأتي كلكم راع (م عن عائشة) وأخرجه غيره.

1459 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل (م د ن 5 عن عائشة) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من شر ما عملت) يحتمل أن كلمة ما مصدرية أي من شر عملي الذي عملته من صالح فلا يصحبه رياء ولا سمعة ولا عدم قبوله ومن طاع فلا يعفها ولا تعفوا عنه، ويحتمل أنها موصولة حذف عائدها وهو الأنسب بقوله (ومن شر ما لم أعمل) أي أعوذ بك من شر الذي لم أعمله من الأعمال التي يكون تركها سببا للهلاك والغضب ويحتمل أن يريد شر عمل غيره من العصاة فإن عقوبته يتعدى كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25](م د ن 5 عن. عائشة)(2).

1460 -

"اللَّهم أعني على غمرات الموت وسكرات الموت (ت 5 ك عن عائشة) "(صح).

= (6/ 269).

(1)

النهاية (2/ 246).

(2)

أخرجه مسلم (2716) وأبو داود (1550)، والنسائي (3/ 56)، وابن ماجه (3839). وأخرجه أيضًا: إسحاق بن راهويه (1600)، وابن حبان (1031).

ص: 99

(اللَّهم أعني على غمرات الموت) جمع غمرة بالمعجمة مفتوحة وغمرة الشيء شِدَّ كما في القاموس (1)(وسكرات الموت) وفيه سكرة الموت والهم شدته فالعطف تفسيري مبالغة في الاستعاذة (ت 5 ك عن عائشة) وأخرجه النسائي ورمز المصنف لصحته (2).

1461 -

"اللَّهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وارض عنا ت ك عن عمر"(صح).

(اللَّهم زدنا) حذف مفعوله الثاني قصدا للتعميم أي من كل خير ديني ودنيوي ولما كان العبد لا يزال مفضلًا عليه [1/ 413] سأل الزيادة (ولا تنقصنا) مما أفضلت به من إنعامك علينا أو لا تنقصنا من غيرنا ممن أفضلت عليه (وأكرمنا) بطاعتك (ولا تهنا) بعصيانك فإن الطاعة سبب الإكرام في الدارين والمعصية سبب الإهانة فيهما وهو سؤال التوفيق الأعمال الصالحة وعدم الخذلان (وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا) هو من أثره يأثره إيثارًا إذا أعطاه فهو مثل أعطنا (ولا تؤثر علينا) لا تجعل غيرنا مؤثرا علينا (وأرضنا) أبلغنا ما نكون به من أهل الرضا عنك (وارض عنا) ولا تسخط علينا فيما نأتيه (ت ك عن عمر) رمز المصنف لصحته وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (3).

(1) القاموس المحيط (ص: 581).

(2)

أخرجه الترمذي (978) وقال: حسن غريب، وابن ماجه (1623) والحاكم (3/ 56) وأخرجه أيضًا النسائي في السنن الكبرى (7101)، وأبو يعلى (4510) وأحمد (6/ 64) وابن أبي شيبة (6/ 42)(29333). وفي سنده موسى بن سرجس مجهول الحال قال الحافظ في التقريب (6964) مدني مستور. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1176).

(3)

أخرجه الترمذي (3173) والحاكم (2/ 392) وأخرجه أيضًا أحمد (1/ 34)، والنسائي في السنن الكبرى (1439) وقال: هذا حديث منكر لا نعلم أحدا رواه غير يونس بن سليم ويونس بن سليم لا نعرفه والله أعلم. وأخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 460) في ترجمة يونس بن سليم الصنعاني لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به. قال الحافظ في يونس بن سليم مجهول (انظر التقريب 7950) =

ص: 100

1462 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن دعاء لا يسمع ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع، (ت ن) عن ابن عمرو (د ن هـ ك) عن أبي هريرة عن أنس".

(اللَّهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع) عند ذكرك وسماع كلامك وهو القلب القاسي وهو القلب الميت والقلب المريض وهذه صفات قلوب الكفار (ومن دعاء لا يسمع) لا يجاب ولا يقبل (ومن نفس لا تشبع) مما أعطيت (ومن علم لا ينفع) لعدم العمل به أو لأنه علم غير نافع في نفسه كما سلف قال الطيبي: أي لا يهذب الأخلاق الباطنة فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة فيفوز بها إلى الثواب الآجل وأنشد:

يا من تقاعد عن مكارم خلقه

ليس التفاخر بالعلوم الزاخرة

من لم يهذب علمه أخلاقه

لمن ينتفع بعلومه في الآخرة

انتهى.

(أعوذ بك من هؤلاء الأربع) زاده تأكيدا للاستعاذة بطلبها تفصيلًا ثم جملة (ت ن عن ابن عمرو د ن 5 ك عن أبي هريرة ن عن أنس) قال الترمذي: حسنٌ غريبٌ (1).

1463 -

"اللَّهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك اللَّهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب اللَّهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا

= وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1208).

(1)

رواية أبي هريرة: أخرجها: أحمد (2/ 340)، وأبو داود (1548)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (3837)، والحاكم (1/ 534) وقال: صحيح. ورواية ابن عمرو: أخرجها الترمذي (3482)، والنسائي في الكبرى (7869)، ورواية أنس أخرجها: النسائي في الكبرى (7870)، والحاكم (1/ 185)، والبيهقي في الشعب (1779).

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1297).

ص: 101

لي فيما تحب (ت) عن عبد الله ابن يزيد الخطمي".

(اللَّهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك) وهو من أمر الله بحبه من أنبيائه ورسله وصالح المؤمنين ومحبة الخير من الأقوال والأفعال فهو شامل له ولذا قال لمن قال له: إنه يحب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حبك إياها أدخلك الجنة (اللَّهم ما رزقتني مما أحب) هو كل ما أعطاه الله عبده من سلامة بدنه وكمال حواسه وإدرار سوابغ نعمه عليه (فاجعله قوة لي فيما تحب) هو طلب لأنّ يجعل الله كل نعمة أنعمها عليه قوة على طاعاته ومحبوباته (اللَّهم وما زويت) بالزاي قال في النهاية (1) أي صوفته عني ونقصته (عني مما أحب واجعله فراغًا لي فيما تحب) اجعل صوفه عني سببًا للتفرغ لفعل ما تحبه وذلك لأنّ غالب ما يعطاه العبد يشغله عن صالح أعماله وإذا زوى عنه تفرغ للعبادة (ت عن عبد الله ابن يزيد الخطمي) بفتح المعجمة وفتح المهملة قال الترمذي: حسن غريب (2).

1464 -

"اللَّهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي فسئل عنهن فقال وهل تركن من شيء (ت) عن أبي هريرة".

(اللَّهم اغفر لي ذنبي) أصل الغفر التغطية والستر أي غط ذنبي واستره بأن لا تعاقبني عليه فلا يظهر أثره حتى كأنه غطاء وستر فهما كناية عن عدم أثره ومحوه بالكلية (ووسع لي في داري) الدار تعم دار الدنيا والآخرة والبرزخ

(1) النهاية (2/ 320).

(2)

أخرجه الترمذي (3491) وقال: حسن غريب. وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 616) كلهم ثقة، إلا سفيان بن وكيع، فإنه متهم بالكذب. وسفيان هذا أورده الذهبي في الميزان (3/ 249) وقال قال البخاري يتكلمون فيه لأشياء لقنوه إياها وقال أبو زرعة يتهم بالكذب، وقال الحافظ في التقريب (2456) كان صدوق إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1172).

ص: 102

فتوسيع دار الدنيا الرضى بها والقناعة واتساعها للضيق ويحتمل أن يراد توسيعها حقيقة بأن يوسعها تعالى كذلك ودار البرزخ يجعلها واسعة برحمته وإدخال الروح والريحان ونحوه ودار الآخرة كذلك وغيره من الزلفى (وبارك لي في رزقي) البركة الزيادة والنماء وهو مطلوب للعبد في أرزاقه وغيرها أو بالرضا به والقناعة (ت عن أبي هريرة)(1).

1465 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك (م د ت عن ابن عمر) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك) ذهابها وأفردها طلبًا لبقاء النعمة الواحدة فبالأولى النعم الكثيرة ولأن زوالها لا يكون إلا بتسبب من العبد أن الله لا يغير [1/ 414] ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (وتحول عافيتك) إبدالها بضدها من الأسقام والآلام (وفجأة) بالضم والمد وتفتح وتقصر بغتة (نقمتك) بكسر النون غضبك (وجميع سخطك) تعميم شامل لكل ما سلف ولغيره (م د ت عن ابن عمر)(2).

1466 -

"اللَّهم إنى أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء (ت طب ك عن عم زياد بن علاقة) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) أي الأخلاق المنكرة وتقدم تفسير الخلق الحسن، والمنكر منه ما كان على خلافه (والأعمال والأهواء) جمع هوى مقصور وهو هوى النفس وميلها إلى شهواتها وهو عطف على منكرات لا الأخلاق حتى يكون معناه من منكرات الأهواء ومثله (والأدواء) فإنه ليس

(1) أخرجه الترمذي (3500). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1265).

(2)

أخرجه مسلم (2739) وأبو داود (1545). وأخرجه أيضًا: البخاري في الأدب المفرد (685) والنسائي في الكبرى (7955).

ص: 103

المراد منكراتها فإن جميعها منكر وهو جمع داء ويحتمل عطفه على المضاف إليه وأن الاستعاذة من منكرات النوعين (ت طب ك عن عم زياد بن علاقة)(1) بالقاف هو طبقة ابن مالك قال الترمذي: حسن غريب، والمصنف رمز لصحته (2).

1467 -

"اللَّهم متعنى بسمعى وبصرى واجعلهما الوارث مني وانصرنى على من ظلمنى وخذ منه بثأرى (ت ك عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني) في النهاية (3): أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت وقيل أراد بقاؤهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية فيكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها، وقيل: أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به وبالبصر الاعتبار بما يرى انتهى. (وانصرني على من ظلمني وخذ منه بثأري) بالهمز هو طلب الدم والمراد انتصف لي كما ينتصف الطالب للدم (ت ك عن أبي هريرة)(4).

1468 -

"اللَّهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك (طب عن أبي مالك الأشعري) ".

(اللَّهم حبب الموت إلى من يعلم أني رسولك) ليكون ممن يحب الله لقاؤه لحديث عائشة: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاؤه"(5) فهو سؤال بأن يحب الله

(1) الإصابة (5/ 262).

(2)

أخرجه الترمذي (3591) وقال: حسن غريب والطبراني في الكبير (19/ 36) والحاكم (1/ 532). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1298).

(3)

النهاية (5/ 171).

(4)

أخرجه الحاكم (1/ 523) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضًا: البخاري في الأدب المفرد (650). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1310).

(5)

أخرجه البخاري (6142)، ومسلم (2683).

ص: 104

لقاء من علم أنه رسول الله فأقام السبب مقام المسبب (طب عن أبي مالك الأشعري) وفيه راو ضعيف (1).

1469 -

"اللَّهم اجعل فناء أمتي قتلًا في سبيلك بالطعن والطاعون (حم طب عن أبي بردة الأشعري) ".

(اللَّهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن) هو معروف وأراد مطلق القتل بطعن أو رمي إلا أنه عبر به لأنه الغالب (والطاعون) تقدم تفسيره وأنه شهادة لكل مسلم فلذا قرنه بالطعن لأنه شهادة، وسؤاله لذلك لتنال الأمة بمصائب الدنيا مراتب الشهداء (حم طب عن أبي بردة الأشعري) هو بضم الموحدة وسكون الراء ودال مهملة اسمه الحارث أو عامر وهو ابن أبي موسى الأشعري (2) وثقه غير واحد، وفاته سنة ثلاث ومائة.

قلت: كان على المصنف أن يقول مرسلاً (3).

1470 -

"اللَّهم إنى أسألك غناى وغنى مولاى (طب عن أبي صرمة) ".

(اللَّهم إن أسألك غناي وغنى مولاي) تقدم ما في المولى من المعاني والأقرب أن يراد هنا المحب وبالغنى غنى النفس لحديث: "ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس" سيأتي فلا ينافيه سؤال المسكنة على أحد

(1) أخرجه الطبراني (3/ 297، رقم 3457). قال الهيثمي (10/ 309): فيه محمَّد بن إسماعيل بن عياش، وهو ضعيف انظر التقريب (5735) والكاشف (4726). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1207) والضعيفة (5614).

(2)

الإصابة (7/ 36).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 417)، والطبراني في الكبير (22/ رقم 793)، والأوسط (1396)، والصغير (351)، والحاكم (2/ 102)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأبو يعلى (7226). قال الهيثمي (2/ 312): رواه أحمد بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى، والبزار، والطبراني في الثلاث، وقال المنذري: رواة أحمد بإسناد حسن. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1258)، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (1405): حسن صحيح.

ص: 105

الوجهين (طب عن أبي صرمة)(1) بكسر الصاد المهملة فراء اسمه: مالك بن قيس أو عكسه المازني شهد بدرًا وغيره (2).

1471 -

"اللَّهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي وتجمع بها أمري وتلم بها شعثي وتصلح بها غائبي وترفع بها شاهدي وتزكي بها عملي وتلهمني بها رشدي وترد بها ألفتي وتعصمني بها من كل سوء، اللَّهم أعطني إيمانًا ويقينًا ليس بعده كفر ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة، اللَّهم إني أسألك الفوز في القضاء ونزل الشهداء وعيش السعداء والنصر على الأعداء، اللَّهم إني أنزل بك حاجتي فإن قصر رأيي وضعف عملي افتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيوني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور، اللَّهم ما قصر عنه رأيي ولم تبلغه نيتي ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدًا من خلقك أو خير أنت معطيه أحدًا من عبادك فإني أرغب إليك فيه وأسألك برحمتك يا رب العالمين، اللَّهم يا ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد أسألك الأمن يوم الوعيد والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود الركع السجود الموفين بالعهود إنك رحيم ودود وإنك تفعل ما تريد، اللَّهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين سلمًا لأوليائك وعدوًا لأعدائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك، اللَّهم هذا الدعاء وعليك

(1) الإصابة (5/ 500).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 453)، والطبراني (22/ 329، رقم 828). قال الهيثمي (10/ 178): رواه أحمد، والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذلك الإسناد الآخر وإسناد الطبراني غير لؤلؤة مولاة الأنصار، وهي ثقة. وأخرجه أيضًا: ابن أبي شيبة (6/ 24)، والبخاري في الأدب المفرد (662) رجال هذا الحديث ثقات غير لؤلؤة مولاة الأنصار فإنها مجهولة لم يرو عنها غير محمَّد بن يحيى بن حبان هذا. قال الحافظ في التقريب (8677) مقبولة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1197) والسلسلة الضعيفة (2912).

ص: 106

الإجابة وهذا الجهد وعليك التكلان، اللَّهم اجعل لي نورًا في قلبي ونورًا في قبري ونوراً بين يدي ونورًا من خلفي ونورًا عن يميني ونورًا عن شمالي ونورًا من فوقي ونورًا من تحتي ونورًا في سمعي ونورًا في بصري ونورًا في شعري ونورًا في بشري ونورًا في لحمي ونورًا في دمي ونورًا في عظامي، اللَّهم أعظم لي نورًا وأعطني نورًا واجعل لي نورًا سبحان الذي تعطف بالعز وقال به سبحان الذي لبس المجد وتكرم به سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له سبحان ذي الفضل والنعم سبحان ذي المجد والكرم سبحان ذي الجلال والإكرام (ت ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة طب والبيهقي في الدعوات عن ابن عباس) ".

(اللَّهم إني أسألك رحمة) عظيمة كما يفيده التنكير (من عندك) من غير سبب (تهدي بها قلبي) إلى انبعاثه إلى كل خير (وتجمع بها أمري) عن الشتات والتفرق (وتلم بها شعثي) بالمعجمة فمهملة مفتوحات فمثلثة مكسورة في النهاية: تجمع بها ما تفرق من أمري فيراد هنا جمع ما تفرق وفي الأول جمع الأمر قبل تفرقه (وتصلح بها غائبي) كل ما غاب عن العيون سواء كان محصلًا في القلوب أو غير محصل كما في النهاية (1) فيراد هنا الأمران ما هو في القلب من الاعتقادات الخفية وإصلاحها ثبات القلب عليها ونموها فيه وما غاب عن الإنسان من أهل ومال (وترفع بها شاهدي) أي عملي الشاهد من الصلاة ونحوها ورفعها قبولها وخصها بطلب الرفع لأنها [1/ 415] مظنة عدم القبول بما يتطرق إليها من الرياء (وتزكى بها عملي) هو من زكا نفسه إذا وصفها وأثنى عليها أي تقبل عملي فإنه إذا أثنى عليه فقد قبله أو من التزكية التطهير أي يطهره عن كل ما لا يوضاه (وتلهمني بها رشدي) هو خلاف الغي أي تلهمني فعل خلاف الغي (وترد بها ألفتي) هو مصدر ألفه يألفه وأريد به هنا المفعول أي

(1) النهاية (3/ 399).

ص: 107

المألوف من إحسانك الجم وإفضالك الذي عم والمراد إدامة المألوف لكنه عبر عنها بالرد إشارة إلى أن العبد بتقصيره في حق مولاه لا يستأهل إدامة نعمه فكأنه قد انتزعه منه فسأله رده عليه (وتعصمني) تمنعني (بها من كل سوء) هو عام لأسوأ الذنوب والأدواء من أمور الأولى والأخرى وفيه دليل لجواز سؤال العبد العصمة وتقدم قصة خلاف هذا، وهذه تسع طلبات وصف بها الرحمة المطلوبة (اللَّهم أعطني إيمانا ويقينا ليس بعده كفر) يحبطه فإن القلب إذا ملأه نور اليقين خرجت عنه ظلمة الكفر والمعاصي (ورحمة أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة) أي تشريفك إياي بالكرامة التي أنالها (اللهم إني أسألك الفوز) هو النجاة (في القضاء) فيما قضيته وقدرته (ونزل الشهداء) بضم النون والنزل المنزل وما هيئ للضيف وهو يحتملها هنا (وعيش السعداء) في الأولى والأخرى (والنصر على الأعداء) بالحجة في المقال والغلبة في القتال (اللَّهم إني أنزل بك حاجتي) أطلبها منك (وإن قصر رأيي) أي في النظر فيما تستحقه ذاتك المقدسة ونعمك المفاضة من العبادة (وضعف عملي) عما يجب لك (افتقرت إلى رحمتك) جواب الشرط ولا مفهوم له (فأسألك يا قاضي الأمور) القضاء الفصل أي يا فاصل أمور الخلائق من قوله:{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} [المرسلات: 38] ومنه قوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ} [يونس: 93]{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [غافر: 20] والأمور شاملة لأمور الدنيا والآخرة (ويا شافي الصدور) من ألم الجهل بالعلم ومن ألم الشهوات بالقنوع والورع ومن ألم الاعتقادات الباطلة بالاعتقادات الحقة (كما يجير) بالجيم يجير أي يفصل (بين البحور) فلا يختلط أحدهما بالآخر ولا يمتزج به مع تلاصق المائين واتصالهما وهو إشارة إلى قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20] قال أئمة التفسير: هما البحران المالح والعذب يتصلان لا فصل بين المائين في رأي العين وبينهما برزخ من قدرة الله لا يمتزج أحدها بالآخر أن (تجرني) تمنعي (من

ص: 108

عذاب السعير) هي النار كما في القاموس (1)(ومن دعوة الثبور) التي في قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] والثبور الهلاك والويل والدعوة بها من صفات سكان النار فالسؤال للإجارة من الدعوة سؤال للإجارة من سبيها وهو حلول النار (ومن فتنة القبور) من عذابها وسؤال الملكين وهذا الدعاء جرى على طريقة تقديم الأهم فالأهم لا على تقديم الواقع. (اللَّهم ما قصر عنه رأيي ولم يبلغه نيتي ولم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحداً من خلقك أو خيرٍ أنت معطيه) ابتدأ من غير سؤال (أحدًا من عبادك فإني أرغب إليك فيه وأسألك رحمتك يا رب العالمين) هذا الفصل تعميم للسؤال لكل خير بعد التخصيص لما سلف من تلك الدعوات [1/ 416] المسئولات (اللَّهم ذا الحبل الشديد) ضبط على ما قوبل على خط المصنف بالحاء المهملة فمثناة تحتية في النهاية (2): إنه يرويه المحدثون بالباء الموحدة أي مع الحاء المهملة والمراد به القرآن أو الدين أو السبب ووصفه بالشدة لأنها من صفات الحبال والشدة في الدين الثبات فيه والاستقامة قال الجوهري (3): الصواب الحيل بالياء يريد المثناة التحتية وهو القوة يقال حيل وحول بمعنى (والأمر الرشيد) المرشد لكل أحد إلى جهة الخير (أسألك الأمن يوم الوعيد) يوم القيامة والوعيد يستعمل في الشر والوعد يقال فيهما وإضافته إلى الوعيد لأنه يوم الشدة والمشقة وهو يوم الفزع الأكبر (والجنة يومَ الخلود) من قوله: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق: 34] قال جار الله: أي يوم تقدير الخلود لقوله: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] أي مقدرين الخلود (مع

(1) القاموس (ص: 518).

(2)

النهاية (1/ 332).

(3)

انظر: الصماح (4/ 1682).

ص: 109

المقربين) منه تعالى قرب تشريف لا قرب مكان (الشهود) جمع شاهد وهم الأنبياء قال تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا

} إلى قوله: {

وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} [النحل: 84 - 89]، (الركع السجود الموفين بالعهود) بما عهد الله به إليهم من الإيمان والطاعات وترك المحرمات (إنك رحيم) صفه مشبهة من الرحمة ويوصف به غيره تعالى بخلاف رحمن فإنه يختص به تعالى (ودود) في النهاية (1) فعول بمعنى مفعول من الود المحبة فالله مودود أي محبوب في قلوب أوليائه أو هو فعول بمعنى فاعل أي أنه يحب عباده الصالحين أي يرضى عنهم.

قلت: الأنسب بقرانه برحيم المعنى الأخير (وإنك تفعل ما تريد) ليس لك مكره على أفعالك بل قدرتك عامة واختيارك شامل (اللَّهم اجعلنا) بتوفيقك وتسديدك (هادين) لغيرنا (مهتدين) والاتصاف بكونهم مهتدين مقدم على الاتصاف بكونهم هادين لكنه قدمه في اللفظ إشارة إلى أنه ينبغي الاهتمام بحال الغير وتقديمه على شأن النفس وجرى على الأصل في قوله (غير ضالين) في أنفسنا (ولا مضلين) لغيرنا واجعلنا (سلماً) بكسر المهملة وكسر اللام مسلمين لهم غير محاربين (لأوليائك وعدوًا لأعدائك) واجعلنا (نحب بحبك) بسبب حبنا إياك (من أحبك) فحب من يحب الله من صفات المؤمنين (ونعادي بعداوتك) سبب عداوة الغير إياك (من خالفك) عصاك (اللَّهم هذا الدعاء) الذي أمرت به في قولك ادعوني (وعليك الإجابة) التي وعدت بها في قولك: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60](وهذا الجهد) بضم الجيم الطاقة كما تقدم (وعليك التكلان) بضم المثناة الفوقانية من التوكل وهو إظهار العجز

(1) النهاية (2/ 138).

ص: 110

والاعتماد على الغير كما في القاموس (1)(اللَّهم اجعل لي نورًا في قلبي) قال المصنف في المرقاة: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ليس المراد هنا حقيقة النور الذي يقهر الأبصار لكنه معبر عن النور بالمعارف وبالظلمات عن الجهل وذلك من مجاز التشبيه لأنّ المعارف والإيمان تبسط النفوس وتذهب عنها الغم ويستبشر بالنجاة من المعاطب تشبيهًا كما يتفق لها ذلك من النور الحقيقي وكذلك تنقص من الجهالات ويستشعر الهلاك تشبيهًا [1/ 417] كما يتفق لها ذلك في الظلمات فلما تشابها عبر بأحدهما عن الآخر إلا أنه هنا يصح جوابًا على نور القلب وأما سائر ما ذكر في الحديث فليس كذلك لأنّ المعارف مختصة بالقلب إلا أن ما عدى القلب مما ذكر في الحديث تتعلق به التكاليف (ونورًا في قبري) أما نور القبر فيحمل على الحقيقة كما يحمل عليها في قوله (ونورًا من بين يدي ونورًا من خلفي ونورًا عن يميني ونورًا عن شمالي) وأما قوله (ونورًا من فوقي ونورًا من تحتي ونورًا في سمعي ونورًا في بصري ونورًا في شعري ونورًا في بشري ونورًا في دمي ونورًا في عظامي) فالظاهر أنه مجاز يراد به انقياد هذه الأعضاء لما خلقت له من الطاعة كأنها صارت نورًا لا يأتي منه إلا كل خير وتدفع بها كلمة المعاصي والآثام (اللَّهم أعظم لي نورًا) اجعل لي نورًا عظيمًا (واجعل لي نورًا وأعطني نورًا) تعظيم طلب النور بعد تلك التخصيصات وقد سمى الله نفسه نورًا فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] وفي أسمائه الحسنى النور وبعد المسألة رجع إلى الثناء فقال (سبحان الذي تعطَّف بالعزِّ) في النهاية (2): تعطف بالعز أي تردَّى به وهو مجاز في حق الله

(1) القاموس (ص: 1381).

(2)

النهاية (3/ 228).

ص: 111

يراد به الاتصاف كان العزّ شَمِله شُمول الرِّداء (وقال به) في النهاية اختصه لنفسه وأحبه، وقدمنا لك أن الإيمان بما ورد من صفاته تعالى بغير تأويل الكيفية هو الأولى (سبحان الذي لبس المجد ويكرم به) سبب كونه اتصف بالمجد (سبحان الذي لا ينبغي) لا يليق ولا يجوز (التسبيح إلا له) فيحرم إطلاق لفظ التسبيح على غيره تعالى (سبحان ذي الفضل والنعم) صاحبها (سبحان ذي المجد والكرم سبحان ذي الجلال والإكرام) أي الذي أكرم عباده بما لا يحصونه من أياديه (ت) وقال حديث غريب (ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة طب والبيهقي في الدعوات عن ابن عباس) وفي إسناده مقال (1).

1472 -

"اللَّهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا تنزع مني صالح ما أعطيتني (البزار) ابن عمر".

(اللَّهم لا تكلني إلى نفسي) تسلمني من وكل يكل استسلم إليه كما في القاموس (2)(طرفة عين) المراد بها ما في قوله تعالى: {قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]، قال جار الله: أي تحريك أجفانك إذا نظرت فالمراد مقدار رد الطرف وهو مقدمة النظر كما أن النظر مقدمة الرؤية وهو مقدار من الزمان لا

(1) أخرجه الترمذي (3419) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ليلى من هذا الوجه. وأخرجه أيضًا ابن خزيمة (1119)، وابن عدي (3/ 90) ومحمد بن نصر في الصلاة كما في الكنز (3608) والبيهقي في الدعوات كما في الكنز (4987). في سنده محمَّد بن عمران بن أبي ليلى قال الحافظ في التقريب (6197) صدوق. وداواد بن علي أورده الذهبي في المغني (2013) وقال ليس حديثه حجة قال ابن معين أرجو أنه لا يكذب. قال الحافظ في التقريب (1802) مقبول. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (5/ 444) في ترجمة داود بن علي مشيرا إلى هذا الحديث: له حديث طويل في الدعاء، تفرد به عنه ابن أبي ليلى وقيس، وما هو بحجة، والخبر يعد منكرا، ولم يقحم أولو النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1194) والسلسلة الضعيفة (2916).

(2)

القاموس المحيط (ص: 1381).

ص: 112

يتحرى وهو منصوب على الظرفية الزمانية (ولا تنزع) تأخذ (مني صالح ما أعطيتني) زيادة صالح إشارة إلى أن كل ما أعطاه الله صالحا فلا يتوهم أنه له مفهوما (البزار عن ابن عمر)(1).

1473 -

"اللَّهم اجعلنى شكورًا واجعلنى صبورًا واجعلني في عيني صغيرًا وفي أعين الناس كلبيرًا (البزار عن بريدة) ".

(اللَّهم اجعلني شكورًا) بفتح المعجمة مبالغة شاكر ومثله صبور ولا يقال في شيء من صفاته تعالى صيغة مبالغة فكل عبارة لا تبلغ ما يستحقه الرب من الثناء وإنما يقال ذلك باعتبار ما اتصف بها من العباد وقد وصف الرب نفسه بالشكور فيما حكاه عن أهل الجنة وأقره حيث قال: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] وأخبر أن قليلًا من عباده الشكور ووصف نوحا حيث قال: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] وصيغة المبالغة تكون تارة باعتبار كثرة المتصف بها وتارة باعتبار كثرة المفعول والأول أكثر.

وحقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع وله حقائق كثيرة هذا أحدها وقد بسطنا فيه في كتابنا الصارم الباتر [1/ 418](واجعلني صبورًا) لقوة الصبر لم يصف الله به بهذه الصيغة أحدًا بل وصف أيوب بأنه صابرًا {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] ووصف جماعة من الأنبياء بأنهم من الصابرين هذا وحقيقة الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجوز وهو قوة من قوى النفس به صلاحها وقوام أمرها وله حقائق كثيرة هذا أجمعها وبسطنا الكلام فيه في ذلك الكتاب ويأتي في حرف الصاد شيء من ذلك والمراد اجعلني كثير الصبر على فعل الطاعات وعن ترك السيئات وعلى تجرع

(1) أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد (10/ 181) وقال الهيثمي: فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك وانظر الميزان (1/ 204). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1217) وقال في الضعيفة (7052): ضعيف جدًّا.

ص: 113

مصائب الدنيا التي لا بد لكل إنسان منها فإنه لا بد للعبد من الأنواع الثلاثة من الصبر صبر على أداء الأوامر من الطاعات حتى يؤديها كما أمر وصبر عن المناهي من المخالفات حتى لا يقع فيها وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها ويرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاث صبر على فعل المأمور وصبر على ترك المحظور وصبر على الأمر المقدور.

واعلم أنه صلى الله عليه وسلم جمع في هذا الحديث بين الصبر والشكر كما جمع الله بينهما في أربع آيات من كتابه ووجه الجمع بينهما أنهما رضيعا لبان في التكليف ولذلك قال ابن مسعود: الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر، ووجهه أن الإيمان اسم لمجموع القول والعمل والنية وهي ترجع إلى أمرين فعل وترك فالعمل هو العمل بطاعة الله وهو حقيقة الشكر والترك هو الصبر عن المعصية والدين كله في هذين الأمرين فعل المأمور وترك المحظور فلهذا كان ضيعي لبان، وقد ذكرنا في ذلك الكتاب عشرة وجوه في وجه التصنيف، هذا أحدها، وحققنا هنالك أن الصبر والشكر يدخل كل واحد منهما في حقيقة الآخر ولا يمكن وجود أحدهما إلا بالآخر وقدم صلى الله عليه وسلم سؤال الشكر على الصبر لأنّ نعم الله متقدمة على التكاليف فإنها من حين ينفخ في روحه بخلاف طلب الصبر فإنما هو للإعانة على التكاليف فهو متأخر وأما في الآيات الأربع فاطرد تقديم صفة الصبر على الشكر لسر يعرفه من له ذوق من سياق الآيات (واجعلني في عيني صغيرًا) متواضعًا غير متكبر ولا رائيًا لنفسه حقًا على غيره (وفي أعين الناس كبيرًا) مكرمًا عندهم مصون العرض مشكوراً عندهم محبوبًا (البزار عن بريدة) تصغير بردة تقدم مرارًا (1).

(1) أخرجه البزار في المسند (4439) وقال: وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه إلا عقبة الأصم وهو رجل من أهل البصرة ليس به بأس، وقال الهيثمي في المجمع=

ص: 114

1474 -

"اللَّهم إنك لست بإله استحدثناه ولا برب ابتدعناه ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك ولا أعانك على خلقنا أحد فنشركه فيك تباركت وتعاليت"(طب، عن صهيب).

(اللَّهم إنك لست بإله استحدثناه) اتخذناه حادثًا كما يتخذ المشركون من دون الله أوثانًا ويخلقون إفكًا، ويحتمل أن السين للطلب أي طلبنا إحداثه لنا من الغير كما كان المشركون يطلبون إحداث الصنم من الصائغ كما قال قوم موسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} [الأعراف: 138](ولا برب ابتدعناه) أي اخترعناه من قبل أنفسنا فالأول في طلب الغير أن يحدثه وهذا نفي كونهم أحدثوه اختراعًا منهم (ولا كان قبلك من إله) أي قبل عبادتنا لك وإلا فلا قبلية له تعالى هو الأول قبل كل شيء (نلجأ إليه ونذرك) ونتركك (ولا أعانك على خلقنا أحد فنشركه فيك) نجعله شريكا لك فالأول نفي لإله سواه ورب غيره والثاني نفي للشريك (تباركت) قال جار الله: البركة كثرة الخير وزيادته وفي تبارك الله معنيان تزايد خيره وتكاثر أي تزايد على كل شيء وتعالى في أفعاله وصفاته (وتعاليت) التعالي الارتفاع أي ارتفع شأنه وعظم برهانه وهذا اللفظ يختص بالله تعالى وقوله لست بإله إلى آخره، صورته صورة الخبر وليس بخبر فإنه لا يفيد الحكم ولا لازمه إذ هو خطاب لعالم الغيب والشهادة وإنما هو إقرار واعتراف بأنه تعالى الأول القديم والإله الحق الخالق للخلق المستحق للعبادة لتفرده بالإلهية والربوبية فهو مثل كلمة الشهادة (طب عن صهيب) بالمهملة

= (10/ 181) وفيه عقبة بن عبد الله الأصم وهو ضعيف وحسن البزار حديثه. وأورده ابن أبي حاتم في العلل (2/ 162، رقم 1978) وقال: هذا منكر لا يعرف وعقبة لين الحديث، وعقبه هذا قال فيه ابن حبان في المجروحين (2/ 199) كان ممن ينفرد بالمناكير عن الثقات المشاهير، حتى إذا سمعها من الحديث صناعته شهد لها بالوضع. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1167) وقال في الضعيفة (911): منكر.

ص: 115

آخره موحدة مصغر (1).

1475 -

"اللَّهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري وأنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسمه ورغم لك أنفه اللَّهم لا تجعلني بدعائك شقيًّا وكن بي رءوفاً رحيمًا يا خير المسئولين ويا خير المعطين، اللَّهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي لا يخفى عليك شيء من أمري وأنا البائس الفقير المستغيث المستجير الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه أسألك مسألة المسكين وابتهل إليك ابتهال المذنب الذليل وأدعوك دعاء الخائف الضرير من خضعت لك رقبته وفاضت لك عبرته وذل لك جسمه ورغم لك أنفه اللَّهم لا تجعلني بدعائك شقيًّا وكن بي رءوفاً رحيمًا يا خير المسئولين ويا خير المعطين (طب عن ابن عباس) ".

(اللَّهم إنك تسمع كلامي) قال الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:1](وترى مكاني) قال تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218]{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14]{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46](وتعلم سري وعلانيتي) قال الله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [البقرة: 77] فهذه الجملة قرآنية كما أن قوله (لا يخفى عليك شيء من أمري) من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران: 5]

(1) أخرجه الطبراني (8/ 34، رقم 7300)، قال الهيثمى (10/ 179): فيه عمرو بن الحصين العقيلي، وهو متروك انظر التقريب (5012). وأبو نعيم في الحلية (1/ 155). وأخرجه أيضًا: الحاكم (3/ 453) وقال: صحيح الإسناد. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1188) والسلسلة الضعيفة (1153) موضوع.

ص: 116

(وأنا البائس) الذي اشتدت ضرورته (الفقير)

المحتاج إليك في في جميع أحوالي (المستغيث) المستعين المستنصر بك (المستجير) بك من غضبك وعذابك (الوجل) الخائف (المشفق) الحذر (المقر) المعترف (بذنبه) توسل بهذه الصفات الثمان المتقاربة في معانيها تلطفًا وإظهارًا لحاجته ثم عقبها بطلب ما يريده فقال: (أسألك مسألة المسكين) الخاضع الضعيف (وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل) الذي أذلته ذنوبه وخطاياه (وأدعوك دعاء الخائف الضرير) في القاموس (1) أنه الذاهب البصر جمعه أضِرَّاء والمريض المهزول وهي: بهاء وكلما خالطه ضَرٌّ انتهى.

والمراد هنا الأخير وهذه الصفات ناظرة إلى تلك الأربع القرائن التي وصف بها نفسه وهي ثمان عدًا وإنما وقع في الترتيب مخالفة كأنه يقول كما كنت بائسا فقيرًا فأسألك مسألة المسكين ولما كنت مذنبًا فأبتهل إليك ابتهال المذنب ولما كنت مستغيثًا مستجيرًا فأسألك سؤال الذليل إلا أنه جمع ما بين القرينتين في قرن ولما كنت وجلًا مشفقًا فأسألك سؤال الخائف (من خضعت لك رقبته) من خضع كمنع تطامن وتواضع أي المسكين الذي خضعت لك رقبته وهذه الأربع صفات ناظرة إلى الأربع الأول فهذا يناسب البائس الفقير (وفاضت لك عبرته) يناسب المستغيث المستجير (وذل لك جسمه) يناسب الوجل المشفق (ورغم لك أنفه) أي ذل والتصق بالرغام التراب وهو يناسب المقر المعترف بذنبه (اللَّهم لا تجعلني بدعائك شقيًا) غير مجاب الدعوة فإن الشقي لا يجاب له دعوة ولذلك قال زكريا: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4]، (وكن بي رءوفًا رحيماً) ملتصقاً بي أثار صفة رأفتك ورحمتك (يا خير المسؤولين ويا خير

(1) القاموس (ص: 550)، والنهاية (3/ 82).

ص: 117

المعطين) فهو تعالى خير من يطلب منه وخير من يعطى (طب عن ابن عباس) بإسناد ضعيف كما في المغني (1).

1476 -

"اللَّهم أصلح ذات بيننا وألف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن اللَّهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابلين لها وأتمها علينا (طب ك عن ابن مسعود) "(صح).

(اللَّهم أصلح ذات بيننا) تقدم الكلام على هذا التركيب (وألف بين قلوبنا) من الألفة أجمعها واجعلها مؤتلفة متفقة غير متفرقة ولا متباعدة وقد امتن الله تعالى بتأليفه بين قلوب أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم {هُوَ الَّذِي أيَّدَكَ بِنَصرِهِ} إلى قوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 62، 63]، الآية فالجملة الأولى دعاء بإصلاح ذات البين إن وقع بين العباد ما لا يكاد يخلو عنه البشر، والثانية: بجمع القلوب وتأليفها (واهدنا سبل السلام) وفي النهاية (2) هدايته الطريق وإلى الطريق هداية عرفته والسبل جمع سبيل وهي الطريق والسلام في الأصل السلامة فيقال سلم سلامًا وسلامة ومنه قيل للجنة: دار السلام لأنها ذات السلامة من الآفات

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 174، رقم 1140)، والخطيب (6/ 163). وأخرجه أيضًا: الطبراني في الصغير (696)، قال الهيثمي (3/ 252): رواه الطبراني في الكبير والصغير، وفيه يحيى بن صالح الأيلي قال العقيلي: روى عنه يحيى بن بكير مناكير، وبقية رجاله رجال الصحيح. والديلمي (1803)، وابن الجوزى في العلل المتناهية (1412) وقال: لا يصح. قال الدارقطني: كان إسماعيل بن أمية يضع الحديث. قال المناوي (2/ 118): قال الحافظ العراقى في تخريج الإحياء (1/ 209): سنده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1186). ويبدو أن المؤلف يعني بالمغني: كتاب: المغني عن حمل الأسفار للعراقي كما ذكرت في العزو إليه.

(2)

النهاية (2/ 33912).

ص: 118

والمعنى عرفنا طريق النجاة والسلامة من شر الدارين أو عرفنا طريق الجنة والأفعال الموصلة إليها كما قال الله تعالى في صفة القرآن: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} [المائدة: 16](ونجنا من الظلمات إلى النور) الظلمات: الشرك والمعاصي، والنور: الإيمان والطاعات كما قال تعالى: {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] أي من الكفر إلى الإيمان أو نجنا من ظلمات الآخرة إلى النور الذي يعطيه أهل الإيمان المشار إليه [1/ 420] بقوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] ونحوها وإطلاق النور على الإيمان والطاعات والظلمة على المعاصي والكفر إطلاق قرآني وحديثي فإما أن يكون من باب الاستعاذة وأن صاحبه يكون في نور من جميع جهاته كما سلف حديث: "اللَّهم اجعل في قلبي نورًا" والكفر يجعل صاحبه في ظلمات في جميع أحواله كما قال تعالى في صفة المنافقين: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17] أو باعتبار أن يكون الإيمان نورًا حقيقة في النشأة الآخرى والكفر ظلمات فيها وقد فسره قوله تعالى: {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13] بالظلمة وجمع الظلمات وأفرد النور على الأسلوب القرآني فإنه ما ورد فيه هاتان القرينتان إلا بجمع الظلمات وإفراد النور لازم مراد الجنس أو لأنه نوع واحد بخلاف الظلمة كما أفاده جار الله في تفسير سورة الأنعام، (وجنبنا) بعدنا (الفواحش) جمع فاحشة في القاموس (1): الفاحشة الزنا وما اشتد قبحه من الذنوب وكل ما نهى الله عنه وأريد هنا الأخير (ما ظهر منها وما بطن) مراد به ما في قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120] ما أعلنتم به وما أسررتم وقيل: ما عملتم وما نويتم وقيل: الظاهر الزنا في الحوانيت والباطن الزنا في أكثر أقوال في كتب التفسير.

(1) القاموس المحيط (ص 774).

ص: 119

(اللَّهم بارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا) هذه الثلاثة هي عمدة الإنسان وهي طرق الإيمان والكفر وهي التي سلب الله الكفار الانتفاع بها وجمع بينهما في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ} [البقرة: 7] وهي التي امتن الله في قوله: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النحل: 78] الآية. وجمع الأسماع في الحديث مع إفراده في الآيات لأنه أريد به المسموع أي بارك لنا فيما نسمعه من العلوم فننتفع به ونتبع أحسنه فليس بمصدر هنا بخلاف الآيات فإنه فيها مصدر كما وجه له إفراده في كتب التفسير والبركة في الإبصار الانتفاع بالمبصرات والاعتبار بها والبركة في القلوب الانتفاع بها في النظر والاعتقادات الحقة، ويحتمل أنه أريد بارك لنا في نفس الحواس بسلامتها من الآفات نحو أحاديث:"متعنا بأسماعنا وأبصارنا واجعلها الوارث منا"، ويحتمل أنهما مرادان معًا (وأزواجنا وذرياتنا) وجمع بينهما هنا كما جمع بينهما في قوله تعالى:{هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] وذلك لأنه لما كان عمدة الإنسان أهله وذريته فسأل الله أن يبارك فيهما وأن يجعلهما على وفق إرادته والانقياد لأمره والإعانة له في جميع شأنه ولأنه تعالى قد أخبر أن من الأزواج والأولاد عدوًا، وحذر عنهم فسؤال البركة فيما يهم الإنسان (وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) لفظ قرآني في القاموس (1) تاب عليه وفقه للتوبة أو رجع به من التشديد إلى التخفيف أو رجع عليه تفضله وقبوله، التواب: اسم فاعل مبالغة أي كثير القبول لتوبة عبده يعصيه ثم يتوب عليه ثم يعصيه، ثم يتوب عليه أو بالنظر إلى كثرة التائبين من العباد وتعليل قبوله التوبة بأنه تواب رحيم من باب التوسل إليه بصفات عفوه ورحمته (واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين) هو كالتفسير لشاكرين والثناء هو الشكر (بها) بسببها أوصلة مثنين

(1) القاموس المحيط (ص 79).

ص: 120

(قابلين لها) متلقين لها بالقبول والرضا والشكر والإحسان إلى العباد (وأتمها علينا) لا تنزعها بسبب تقصيرنا عن شكرها (طب ك عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته (1). [1/ 421]

1477 -

"اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتى وهواني على الناس يا أرحم الراحمين إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري إن لم تكن ساخطًا عليَّ فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السماوات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل عليَّ غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك (طب عن عبد الله بن جعفر) ".

(اللَّهم أشكوا إليك) هذا الدعاء قاله صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من الطائف بعد أن نال من أهله ما نال من أذاهم وتقديم الظرف للحصر أي إليك لا إلى غيرك (ضعف قوتي) عن دفع الأعداء (وقلة حيلتي) احتيالي في هدايتهم (وهواني على الناس) حقارتي عندهم (يا أرحم الراحمين إلى من تكلني) تسلمني (إلى عدو يتجهمني) في القاموس (2): الجهم الوجه الغليظ المجتمع السمج جهم ككرم جهامة وجهومة وجهمه كمَنعَه وسَمِعَه استقبله بوجه كريه فيجهمه والمعنى إلى عدو يستقبلني بوجه قبيح (أم إلى قريب ملّكته أمري) فلا تصرُّف لي معه، وكأنه أراد بالقريب قريشًا وتمليكهم أمره أنه لم يجعل تعالى له ناصراً عليهم فكان مملكا لهم لا يطيعون له أمراً وأراد بالعدو من عداهم (إن لم تكن ساخطا علي فلا

(1) أخرجه ابن حبان (996)، والطبرانى (10/ 191، رقم 10426)، والحاكم (1/ 265)، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأبو نعيم في الحلية (4/ 110). قال الهيثمي (10/ 179): رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناد الكبير جيد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1174).

(2)

القاموس المحيط (ص: 1409).

ص: 121

أبالي) أي فالعمدة رضاك عني فكل ما أصابني لا أبالي به ولا أكترث به (غير أن عافيتك أوسمع لي) استثناء منقطع أي لا أبالي ما وقع مع رضاك عني لكن عافيتك لي من أذى عبادك أوسع فأسألك إياها (أعوذ بوجهك الكريم الذي أضاءت له السماوات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة) عوذ إلى الاستعاذة من غضبه تعالى ونزول سخطه والمراد بنور وجهه الأنوار الصادرة عن رضاه، والأولى ما أسلفناه من الإيمان بما ورد من غير تأويل والمستعاذ منه قوله (أن يحل على غضبك) من قوله تعالى:{وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81] وهو بضم المهملة وكسرها والمكسور في معنى الوجوب من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه، والمعنى أن يجب على غضبك (أو ينزل على سخطك) هو قريب من التأكيد والتفسير للأول فإن الحلول والنزول متلاقيان والغضب والسخط كذلك فإنه فسرهما في القاموس (1) بضد الوضا (ولك العتبى حتى ترضى) هي بضم المهملة وسكون المثناة الفوقية فموحدة فألف مقصورة هي الترضي وهو طلب رضا الله أي لك مني أن أرضيك من نفسي حتى ترضى عني (ولا حول ولا قوة إلا بك) هو بعد قوله:"لك العتبى" كالاحتراس عما يوهمه استقلاله بإرضائه من نفسه وعدم احتياجه إلى إعانته تعالى (طب عن عبد الله بن جعفر)(2).

1478 -

"اللَّهم واقية كواقية الوليد قال أبو يعلى يعني المولود (ع عن ابن عمر) ".

(1) القاموس المحيط (ص 154).

(2)

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (6/ 35) وقال الهيثمي: فيه ابن إسحاق، وهو مدلس ثققع وبقية رجاله ثقات. وأخرجه أيضًا: ابن عدى (6/ 111، ترجمة 1623 محمَّد بن إسحاق بن يسار) وقال: هذا حديث أبى صالح الراسبي لم نسمع أن أحدا حدث بهذا الحديث غيره ولم نكتبه إلا عنه. وأخرجه الضياء في المختارة من طريق الطبراني (9/ 179، رقم 162).

ص: 122

(اللَّهم واقية) بالنصب مفعول وهي مصدر وقاه يقيه حفظه عما يحذر (كواقية الوليد) هو الطفل فعيل بمعنى مفعول وقيل: أراد به موسى عليه السلام لقوله تعالى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] أي كما وقيت موسى عليه السلام فرعون وهو في حجر فرعون فقني شر قومي وأنا بين أظهرهم أفاده في النهاية (1)(ع عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وإسناده مجهول (2).

1479 -

"اللَّهم كما حسَّنت خَلْقي فأحسن خلقي (حم عن ابن مسعود) ".

(اللَّهم كما حسنت خلقي) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام بأن خلقتني في أحسن تقويم (فحسّن خلقي) بضم المعجمة وسكون اللام وقد يضم هي السجية والطبع والمروءة والدين قاله في القاموس (3) وتقدم تفسيره مرارًا وهذا توسّل بالإحسان السابق إلى طلب الإحسان اللاحق كما قال زكريا: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4](حم عن ابن مسعود) قال الشارح: بإسناد جيد جدًا (4).

1480 -

اللَّهم احفظني بالإِسلام قائمًا واحفظني بالإِسلام قاعدًا واحفظني بالإِسلام راقدًا ولا تشمت بي عدوًا لي اللَّهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك (ك عن ابن مسعود) ".

(اللَّهم احفظني بالإِسلام قائماً) أي احفظني بمصاحبة الإِسلام [1/ 422] في حال قيامي (واحفظني بالإِسلام قاعدًا) مثله (واحفظني بالإِسلام راقدًا)

(1) النهاية (5/ 223).

(2)

أخرجه أبو يعلى (5527). قال الهيثمي (10/ 182): فيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1216) والسلسلة الضعيفة (686).

(3)

القاموس المحيط (1137).

(4)

أخرجه أحمد (6/ 68) قال الهيثمي (10/ 173): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1307).

ص: 123

واحفظني عن الأسواء في هذه الأحوال بسبب الإِسلام لك والانقياد (ولا تشمت بي) في القاموس (1) شمت كفرح شماتًا وشماتة فرح ببلية العدو أي لا تفرح (عدوا لي) ببلية أقع فيها (ولا حاسدًا) وهو دعاء بأن يحفظه من أن يحل به بلية (اللَّهم إني أسألك من كل خير خزائنه) مبتدأ (بيدك) خبره (وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) وقد علم أن خزائن الأمر بيده تعالى فهو عام لخير الدارين (ك عن ابن مسعود)(2).

1481 -

"اللَّهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار (ك عن ابن مسعود) ".

(اللَّهم إني أسألك موجبات رحمتك) أي كلمة لا إله إلا الله وفروعها من الأعمال الصالحة، سميت موجبات لأنه توجب لصاحبها الجنة أي تثبتها له فضلًا من الله ونعمة (وعزائم مغفرتك) جمع عزيمة وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الزكاة: عزمة من عزمات ربنا أو واجب من واجباتها، والمراد هنا موجبات المغفرة وهي التوبة والأعمال الصالحة وفي القاموس (3): عزائم الله فرائضه التي أوجبها ويحتمل أن يكون المراد أسألك الإعانة على الفرائض التي هي سبب مغفرتك (والسلامة من كل إثم) الإثم الذنب (والغنيمة من كل بر) من كل خير، وسماه غنيمة ما تزود به من دار الدنيا لدار الآخرة كالغنيمة التي تؤخذ من غير مال الإنسان وذاك لأنّ دار الدنيا ليست بدار حقيقية ولا مالها مال اتخاذ وبقاء فما أخذ منه فما هو إلا غنيمة (والفوز بالجنة) الفوز هو النجاة والظفر بالخير

(1) القاموس المحيط (ص 898).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 525) وقال: صحيح على شرط مسلم. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1260) والسلسلة الصحيحة (1540).

(3)

القاموس المحيط (ص 1468).

ص: 124

(والنجاة من النار أي) الخلوص منها (ك عن ابن مسعود)(1).

1482 -

"اللَّهم متعني بسمعي وبصري حتى تجعلهما الوارث مني، وعافني في ديني، وفي جسدي وانصرني على من ظلمني حتى تريني فيه بثأري، اللَّهم إني أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك لا ملجأ منك إلا إليك آمنت برسولك الذي أرسلت وبكتابك الذي أنزلت (ك عن علي) "(صح).

(اللَّهم متعني بسمعي وبصري) في القاموس (2) أمتعه بكذا أبقاه وأنشأه إلى أن ينتهي شبابه كمتّعه انتهى أي متعني ببقائهما صحيحين (حتى تجعلهما الوارث مني) أي كأنهما يرثان كل قوة تضعف مني (وعافني في ديني) بالسلامة عن أسقام الآثام (وعافني في جسدي) من العلل والأسقام (وانصرني على من ظلمني حتى يريني فيه ثأري) إن قلت هلا سأل أن لا يظلمه أحد؟.

قلت: جرت حكمة الله يجعل بعض البشر لبعض عدوًا فلم يسأله خلاف ما جرت به حكمته إنما سأله النصر الذي تكفل به لعباده المؤمنين (اللَّهم إن أسلمت نفسي إليك) قدرتها لك مستسلمًا لأمرك (وفوضت أمري إليك) في النهاية (3): يُقال فوض الأمر إليه تفويضا إذا رده إليه وجعله الحاكم فيه (وألجأت) بالهمز (ظهري إليك) فيها أيضًا لجأت إلى فلان إذا استندت إليه واعتضدت به والظهر خلاف البطن ويزاد في الكلام إشباعًا كما مر في قوله عن ظهر غنى (وخليت) بالخاء المعجمة على ضبط النسخ وفي بعضها بالجيم

(1) أخرجه الحاكم (1/ 525) وقال: صحيح على شرط مسلم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1184) والسلسلة الضعيفة (2908).

(2)

القاموس المحيط (980).

(3)

النهاية (3/ 479).

ص: 125

والأول واضح وجهي إليك والثاني يراد به جليته عن إرادة سواك بعبادته (لا ملجأ) بالهمز (منك) لا معقل ولا ملاذ يعصمني منك ويمنعني منك (إلا) ينتهي (إليك) ويرجع وهو نهاية التفويض (آمنت برسولك الذي أرسلت) يحتمل الإضافة العهدية وهي الأصل أي بمحمد وهو يلزم منه الإيمان بكل رسل الله أو الجنس بكل رسول أرسلته ويلزم منه ما لزم في الأول ويجري الاحتمالان في إضافة (وبكتابك الذي أنزلت) وهذه الجملة كالبيان لقوله اللَّهم إني أسلمت نفسي إليك، ولذا فضلت عنها لأنّ في ضمن هذا الإِسلام بالرسول والكتاب إسلام النفس والتفويض الأمر فإن من آمن بالرسول والكتاب كانت هذه صفاته (ك عن علي) رمز المصنف لصحته (1).

1483 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعِيْلَة والذلة والمسكنة وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسيء الأسقام (ك) والبيهقي في الدعاء عن أنس"(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من العجز) في النهاية (2): هو ترك ما يجب فعله بالتسويف وهو عام في أمور الدنيا والدين (والكسل) في القاموس (3) وهو التثاقل عن الشيء والفتور فيه والعجز والكسل أخوان لأنّ بهما يفوت على العبد منافعه وفواتها إما من عدم قدرة وهو العجز أو من عدم إرادة وهو الكسل (والجبن والبخل) هما أخوان أيضًا لأنّ بهما يحبس الخير عن العبد والنفع

(1) أخرجه الحاكم (2/ 142) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضًا: البخاري في الأدب المفرد (650). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1269).

(2)

النهاية (3/ 186).

(3)

القاموس المحيط (ص 1360).

ص: 126

لنفسه لبني جنسه؛ لأنه إما أن يكون منع نفعه بيده وهو الجبن أو بماله وهو البخل ولهذا قرن في الأحاديث بين هاتين الصفتين كما قرن بين الأولتين (والهرم) وهو الكبر وهو استعاذة من أن يرد إلى أرذل العمر كما ورد بهذا اللفظ في الأحاديث الأخرى ويأتي قريبًا [1/ 423] في حديث ابن مسعود عطفه عليه تفسيرًا له به لأنه يعود في الحال ضعيف البنية، سخيف العقل قليل الفهم كما قال تعالى:{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل: 70]{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس: 68] نجعله يتناقص حتى يصير في حالة شبيهة كحالة الصبي (والقسوة) قسوة القلب فقد ذم الله أهلها في الآيات وهي غلظته وصلابته (والغفلة) هي الاسم من غفل عنه يغفل تركه وفسرت بغيبة الشيء المهم عن البال وعدم تذكره والسهو عنه (والعيلة) بالمهملة ومثناة تحتية وهي الفقر من قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28](والذلة) الهوان على الناس ونظرهم إليه بعين الاحتقار (والمسكنة) قلة المال والحال السيئة (وأعوذ بك من الفقر) فقر النفس لا ما هو المتبادر من الحاجة الضرورية (والكفر) قرن بينهما كما ورد أنه: كاد الفقر يكون كفرا (والفسوق) مصدر فسق وهو الخروج عن طاعة الله (والشقاق) بكسر الشين المعجمة وقاف وبعد الألف فقاف وهو الخلاف والعداوة بحيث يصير كل واحد من المشاقين في شقاء (والنفاق) فعل المنافقين وهو إظهار الإيمان وإبطان الكفر (والسمعة) بضم المهملة وتفتح هو إظهار العمل ليسمع (والرياء) هو كالتفسير للسمعة وكثيرًا ما يقرن بينهما أي ليسمع العمل من غاب عنه ويراه من شاهده ومنه الحديث: "إنما فعله سمعة ورياء" أي ليسمعه الناس ويروه (وأعوذ بك من الصمم) محركه انسداد الأذن وثقل السمع (والبكم) محركة الخرس (والجنون) زوال العقل (والجذام) تقدم فيه الكلام (والبرص) داء معروف (وسيئ الأسقام) عام لما سلف وغيره من

ص: 127

الأمراض الفاحشة مثل الاستسقاء والمرض الطويل وإنما استعاذ صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنه يؤدى إلى النفرة وتشويه الخلقة قال الخطابي (1): يشبه أن تكون استعاذته من هذه الأسقام لأنها عاهات تفسد الخلقة وتبقى الشين وبعضها يؤثر في العقل وليست كسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات وإنما هي كفارات وليست بعقوبات ولم يقل صلى الله عليه وسلم من سائر الأسقام لأنّ بعضها قد يثاب عليه بالصبر وعدم القلق كالصدل والحمى والرمد. انتهى (ك والبيهقي في الدعاء عن أنس) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح وأقروه (2).

1484 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع ومن الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البطانة ومن الكسل والبخل والجبن ومن الهرم وأن أرد إلى أرذل العمر ومن فتنة الدجال وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات اللَّهم إني أسألك قلوبًا أواهة مخبتة منيبة في سبيلك، اللَّهم إنا نسألك عزائم مغفرتك ومنجيات أمرك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار (الحاكم عن ابن مسعود) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) بالنفي متوجه إلى القيد كما في قوله (وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع) تقدم الكلام على كل ما ذكر (ومن الجوع) وهو الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة (فإنه بئس الضجيع) المضاجع سمى به الجوع لأنه ألصق شيء بالإنسان ولأن أثره يتصل

(1) انظر: معالم السنن للخطابي (1/ 258).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 530) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه الطبراني في الصغير (316)، وفي الدعاء (1343)، والبيهقي في الدعوات الكبير (297)، والضياء (6/ 344، رقم 2370). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1285).

ص: 128

بالإنسان اتصال الضجيع ويتألم به من قمته إلى قدمه (ومن الخيانة) هو أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح (فإنها بئست البطانة) بكسر الموحدة أي ليس الشيء الذي يبطنه الإنسان أي من أن أخون أو أخان (ومن الكسل والبخل والجبن ومن الهرم وأن أرد إلى أرذل العمر) هو تفسير للهرم (ومن فتنة الدجال) تقدم الكلام فيه (وعذاب القبر) شامل لضمته ولسؤال الملكين (وفتنة المحيا والممات)[1/ 424] عام لكل ما سبق (اللَّهم إنا نسألك قلوباً أوَّاهةً) هو المتأوه المتضرع وقيل الكثير البكاء، وقيل الكثير الدعاء (مخبتةً) بالخاء المعجمة فموحدة فمثناة فوقية والمخبت الخاشع المطيع (منيبة) من الإنابة وهي الرجوع إلى الله بالتوبة (في سبيلك) قيد لما سلف أي يكون كل ما ذكر في سبيلك (اللَّهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) جمع عزيمة وهي ما يعزم بها تعالى على غفران الذنوب من رحمته أو الطاعات التي تكون سببا للرحمة وللمغفرة (ومنجيات أمرك) ما ينجينا من أمرك (والسلامة من كل إثم) بعصمتك لنا (والغنيمة من كل بر) بتوفيقك (والفوز بالجنة والنجاة من النار)(ك عن ابن مسعود) ورمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: صحيح وقال العراقي: ليس كما قال (1).

1485 -

"اللَّهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري (ك عن عائشة) "(صح).

(اللَّهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سنين وانقطاع عمري) لأنه وقت تضعف فيه القوى عن طلب المعاش ووقت يكثر من الطبيعة تقاضيها لما يقويها من الأغذية والأكسية وعطف انقطاع العمر من التفسيري (ك عن عائشة)

(1) أخرجه الحاكم (1/ 534) وقال: صحيح الإسناد. وقال العراقي (1/ 279): وليس كما قال، إلا أنه ورد مفرقًا في أحاديث جيدة الأسانيد. وقال الذهبي: حميد متروك أهـ وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1201) والسلسلة الضعيفة (2908)

ص: 129

رمز المصنف لصحته (1).

1486 -

"اللَّهم إني أسألك العفة والعافية في دنياي وديني وأهلي ومالي اللَّهم استر عوراتي وأمن روعتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي (البزار عن ابن عباس) ".

(اللَّهم إني أسألك العفة) بكسر العين المهملة قال في القاموس (2): هي الكف عما لا يحل ولا يَجْمُل (والعافية في دنياي) هي السلامة من شرور الدنيا (وديني) السلامة من شرور الدين (وأهلي ومالي) من الخاص بعد العام (اللَّهم استر عوراتي) العورة كلما ما يستحى منه إذا ظهر (وأمن روعتي) تقدم الكلام في هذا كله (واحفظني من بين يدي ومن خلفي) من جهة الأمام والوراء (وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي) من الثلاث الجهات وهي الجهات التي قال: فيها إبليس أنه يأتي بني آدم منها إلا أنه زيد هنا جهة الفوق والتحت كما قال (وأعوذ بك أن أغتال من تحتي) بالغين المعجمة والمثناة الفوقية في النهاية (3): يقال غاله يغول واغتاله إذا ذهب به وأهلكه انتهى. وأريد هنا الخسف ونحوه وأفرده بالاستعاذة لأنه من عذاب الله الذي يصيب به أعداؤه كما في قارون (فخسفنا به وبداره الأرض)(البزار (4) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف يونس (بن خباب).

(1) أخرجه الحاكم (1/ 542) وقال: حسن الإسناد والمتن غريب. وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (3611). قال الهيثمي (10/ 182): إسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1255) والصحيحة (1539).

(2)

القاموس المحيط (ص 1089).

(3)

النهاية (3/ 397).

(4)

أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد (10/ 277) وقال: يونس بن خباب وهو ضعيف وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (1274).

ص: 130

1487 -

"اللَّهم أسألك إيمانًا يباشر قلبي حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ورضني من المعيشة بما قسمت لي (البزار عن ابن عمر) ".

(اللَّهم إني أسألك إيمانًا يباشر قلبي) يخالطه ويتصل ببشرته وباشر المرأة إذا جامعها وصارا في ثوب واحد فباشرت بشرته وبدنه فيوصف الإيمان بصفات الأجسام لكمال المخالطة (حتى أعلم أن لا يصيبني إلا ما كتب لي) فيتم له الرضا بالقضاء كما في حديث: "أسألك الرضا بالقضاء"(1) ولا يتم ذلك إلا لمن كمل إيمانه (وأسألك رضا من المعشية بما قسمت لي) فإن الرضا بذلك يتم به طيب الحياة (البزار عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف سعيد بن سنان (2).

1488 -

"اللَّهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة وأنا محمَّد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين (ت عن علي) ".

(اللَّهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) تقدم الكلام على الخليل (دعاك لأهل مكة بالبركة) وهو دعاؤه لأهلها بأن يرزقهم من الثمرات الذي حكاه الله وفي ضمنه الدعاء بالبركة لأنه عام الرزق إذ رزق لا بركة فيه لا خير فيه (وأنا محمَّد عبدك ورسولك) قد شاركت إبراهيم في صفة العبودية والرسالة ولم يذكر صلى الله عليه وسلم اختصاصه بالحبيب كاختصاص إبراهيم بالخلة تواضعا وإلا فقد تقدم حديث أبي هريرة إن الله اتخذ إبراهيم خليلًا وموسى نجيا واتخذني حبيبًا وقال: وعزتي وجلالي [1/ 425] لأوثرن حبيبي على خليلي ونجي وقد ورد في حديث

(1) أخرجه الحاكم (1/ 697).

(2)

أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد (10/ 181) قال الهيثمي: فيه أبو مهدى سعيد بن سنان، وهو ضعيف في الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1192) وقال: ضعيف جدًا.

ص: 131

آخر أنه صلى الله عليه وسلم خليل الله (أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) فيما يكال بهما من إطلاق المحل على الحال أو في المذكورين حتى تفيض البركة منهما وتتصل بالمكيال وفي القاموس (1) المد هو رطلان أو رطل وثلث أو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما وبه سمى مدًا وقد جربت ذلك فوجدته صحيحًا وقال الصاع أربعة أمداد كل مد رطل وثلث قال الداودي: في معياره الذي لا يختلف أربع حفنات بكفي الرجل الذي ليس بعظيم الكفين ولا صغيرهما (مثلي ما باركت) فيه (لأهل مكة مع البركة بركتين) تضاعف لأهل المدينة مع بركة أهل مكة بركتين فيكون لأهل المدينة مثلى أهل مكة مع بركة أهل مكة الذي سألها إبراهيم فيكون لأهل المدينة ثلاث بركات بركة أهل مكة المشار إليها بقوله مع البركة ومثليها المشار إليه بقوله بركتين فزيادة قوله مع البركة بركتين أفاد أن المطلوب ليس مثلى بركة مكة على الأصل المبارك فيه فقط كما هو المتبادر من قوله مثلي ما باركت بل المطلوب مثليها على المبارك مع بركة مكة فيكون مد أهل مكة بمدين من غيرها ومد المدينة بأربعة (ت عن علي) وأخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح (2).

1489 -

"اللَّهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرامًا وإني حرمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها أن لا يراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال ولا يخبط فيها شجرة إلا لعلف، اللَّهم بارك لنا في مدينتنا اللَّهم بارك لنا في صاعنا اللَّهم بارك لنا في مدنا، اللَّهم اجعل مع البركة بركتين والذي نفسي بيده ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها (م عن أبي سعيد) "(صح).

(1) القاموس المحيط (ص 407).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 115). وأخرجه أيضًا: الترمذي (3914) وقال: حسن صحيح. والنسائي في الكبرى (4270)، والضياء (543). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1272).

ص: 132

(اللَّهم إن إبراهيم حرم مكة) حرمها الله على لسانه أو فوض ذلك إليه (فجعلها حرمًا وإني حرمت المدينة) على أحد الوجهين ويدل للأول حديث أبي هريرة عند البخاري: "حرم ما بين لابتي المدينة على لساني حرامًا"(1)، (ما بين مازميها) مازم كمدين ومأزم الأرض مضايقها. قال السمهودي في الخلاصة (2): مأزما المدينة جبلاها كما صوَّبه النووي (3) وهما عَيْر وثَوْر كما في رواية مسلم: "حرم ما بين عير إلى ثور"(4) ولأبي داود مثله، وزاد:"لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقيطها إلا من أشاد بها ولا يصلح للرجال أن يحمل فيها سلاح لقتال ولا يقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره"(5)، وللطبراني برجال ثقات:"وما بين عير وأحد حرام حرمه رسول الله". ولأحمد نحوه (6)، وللبخاري (7) عن أبي هريرة: "لو رأيت الظباء بالمدينة ما ذعرتها والأحاديث في ذلك كثيرة، قال السمهودي (8): وهذا مذهب الأئمة الثلاثة يعني القول بتحريمها وخالف فيه أبو حنيفة وهو مردود عليه بالأحاديث الثابتة (أن لا يراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح لقتال) هذا كتحريم القتال في مكة (ولا تخبط منها شجرة إلا لعلف) وقد ثبت أيضًا استثناء ما يساق به الجمل وقد أباح صلى الله عليه وسلم سلب من وجد يفعل ذلك في حديث سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) أخرجه البخاري (1770).

(2)

انظر: خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى (1/ 191).

(3)

في شرح صحيح مسلم (9/ 147).

(4)

انظر شرح صحيح مسلم (9/ 143).

(5)

أخرجه أبو داود (2030)، وانظر: معالم السنن (2/ 532).

(6)

أخرجه أحمد (5/ 450)، وانظر: فتح الباري (2/ 93).

(7)

أخرجه البخاري (1873)، ومسلم (1372) وانظر: فتح الباري (4/ 89)

(8)

انظر: خلاصة الوفاء (1/ 217).

ص: 133

يقول: "من وجد من يعضد أو يخبط شيئًا من عضاه المدينة بريدًا في بريد فله سلبه"، ولمسلم (1): أن سعدًا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدًا يخبط شجرة أو يقطع فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فسألوه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ على غلامهم فقال معاذ الله أن أرد شيئًا فضلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم[1/ 426] وقد زيد في رواية أحمد (2): "لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا يلتقط لقطتها"، (اللَّهم بارك لنا في مدينتنا اللَّهم بارك لنا في صاعنا اللَّهم بارك لنا في مدنا اللَّهم اجعل مع البركة بركتين) لأنه ليس المراد التثنية بل مطلق الزيادة من باب:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4]، (والذي نفسي بيده ما من شِعب) بكسر المعجمة في القاموس (3) أنه الطريق في الجبل مسيل الماء في بطن الأرض أو ما انفرج بين جبلين انتهى.

فيحتمل أنه أراد كل هذه المعاني (ولا نقب) بفتح النون وسكون القاف (إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا إليها) هذا الحديث قاله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره يخبر أصحابه بأن الملائكة يحرسون المدينة عن العدو وقد ثبت مثل هذا في حفظها من الدجال (م عن أبي سعيد)(4).

1490 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم ومن فتنة القبر وعذاب القبر ومن فتنة النار وعذاب النار ومن شر فتنة الغني وأعوذ بك من فتنة الفقر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، اللَّهم اغسل عني خطاياي بالماء والثلج والبرد ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد

(1) مسلم (1364).

(2)

بل وجدت هذه الزيادة كذلك عند البخاري (1984).

(3)

القاموس المحيط (ص: 130).

(4)

أخرجه مسلم (1374).

ص: 134

بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب (ق ت ن 5 عن عائشة) ".

(اللَّهم إن أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم) مصدر وُضِع موضع الاسم ويراد به مغرم الذنوب والمعاصي ويقال المغرم كالغرم وهو الدين ويراد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز عن أدائه فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فالاستعاذة منه وتقدم غير هذا (ومن فتنة القبر) سؤال الملكين فهو استعاذة عن الجواب بما لا ينجو به (وعذاب القبر) خاص بعد عام إن أريد بالفتنة ما يشمل العذاب وأنه أريد ما فسرناه بها فهو عام بعد خاص أو هما غيران (ومن فتنة النار) هي المعاصي التي تأول بصاحبها إلى النار أو المراد ما يفتق به أهل النار من عذابها فيكون عطف عذاب النار كالتفسير لها (ومن شر فتنة الغني) هي الطغيان الذي أشار إليه قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]، والتي أشار إليها قوله تعالى:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 27](وأعوذ بك من فتنة الفقر) فقد كاد يكون كفرًا (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) سمي الدجال بالمسيح لأنّ إحدى عينيه ممسوحة يقال رجل ممسوح العين ومسيح وهو لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا استوى وقيل: لأنه يمسح الأرض أي يقطعها قاله في النهاية (1)(اللَّهم اغسل عني خطاياي بالماء والثلج والبرد) خصهما بالذكر تأكيدًا للطهارة ومبالغة فيها، قال بعض المحققين: خصهما لشدة بردهما وهو يضاد ما في المعاصي من النارية والحرارة والضد يدفعه الضد (ونق قلبي من الخطايا) خلصه عنها وفيه أن الخطايا كامنة في القلب يحتاج إلى التنقية ولذا لم يقل واجعله خالصًا عن الخطايا (كما نقيت الثوب الأبيض من

(1) النهاية (4/ 698).

ص: 135

الدنس) بمهملة مفتوحة وسين مهملة الوسخ يقال تدنس الثوب إذا اتسخ (وباعد بيني وبين خطاياي) بمغفرتك أي باعد بيني وبين جزائها ويحتمل حل بيني وبين مواقعة الذنوب بألطافك حتى لا أقربها (كما باعدت بين المشرق والمغرب) أي لا يبقى لها اتصال بي كما لا يتصل المشرق بالمغرب (ق ت ن 5 عن عائشة)(1)(صح).

1491 -

"اللَّهم إنى أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم اللَّهم إنى أسألك من الخير ما سألك عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك اللَّهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرًا (5 عن عائشة) ".

(اللَّهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله) بدل من الخير بعد تأكيده (ما علمت منه وما لم أعلم) تأكيد بعد تأكيد (وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم) هو أجمع حديث في سؤال الخير والاستعاذة من الشر فهو من جوامع الكلم (اللَّهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك) الإضافة للعهد والمراد به محمَّد صلى الله عليه وسلم وهذا تخصيص بعد التعميم وكلمة "من" لبيان المسئول وأنه من الخير الذي سأله صلى الله عليه وسلم ولو حذفت [1/ 427] لأفاد إنه طلب أفضل مما طلبه صلى الله عليه وسلم وليس بمراد أو تبعيضية إشارة إلى أنه لا يحسن من العبد أن يسأل مثل ما سأله صلى الله عليه وسلم وأنه من الاعتداء المنهي عنه إذا كان الدعاء تعليما للغير كما هو المتبادر من العبارة وأما إذا كان من أدعيته صلى الله عليه وسلم لنفسه وأنه

(1) أخرجه البخارى (6007) ومسلم (589) وأبو داود (880)، والترمذي (3495) وقال: حسن صحيح. والنسائي (5466)، وابن ماجه (3838).

ص: 136

وضع الظاهر موضع الضمير في عبدك ونبيك وهي لبيان المسئول أي أسألك خير ما سألتك عنه (وأعوذ بك من شر ما عاذ به) الباء في به سببيه أي ما طلب العوذ بك بسبب كراهته وليست صلة للاستعاذة لعدم مناسبته المقام كما لا يخفى (عبدك ونبيك) كذلك في الأمرين (اللَّهم إني أسألك الجنة) وأسألك فعل (ما قرب إليها من قول وعمل) ولم يذكر التروك لأنها داخلة تحت الأعمال وفي عطفه على سؤال الجنة إشارة إلى أنها لا تدخل إلا بعمل كما أن تقديم سؤال الجنة إشارة إلى أنها لا تدخل بمجرد العمل وقدمنا تحقيق ذلك (وأعوذ بك من النار وما قرب منها من قول أو عمل وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرًا) أي أعده وأراه خيرًا فأرضى به وإلا فإنه معلوم أن كل قضاء قضاه الله عز وجل فهو خير للعبد وإن كان شرًا في الظاهر، ويشهد له حديث:"عجبًا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيراً"(1)(5 عن عائشة) ورواه أيضًا عنها أحمد وغيره (2).

1492 -

"اللَّهم إني أسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت وإذا استرحمت به رحمت وإذا استفرجت به فرجت (5 عن عائشة) ".

(اللَّهم إني أسألك) متوسلًا إليك (باسمك الطاهر) من كل دنس (الطيب) لفظه ومعناه (المبارك) الزائد خيره على كل اسم وكل أسمائه تعالى لها الطهارة والطيب والبركة لكن بعضها أكمل في ذلك من بعض إما لكمال معناه أو لسر

(1) أخرجه مسلم (2999).

(2)

أخرجه ابن ماجه (3846) قال البوصيرى (4/ 141): هذا إسناد فيه مقال. وأحمد (6/ 57)، وابن حبان (869). وأخرجه أيضًا: ابن أبي شيبة (29345)، وأبو يعلى (4473). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1276).

ص: 137

استأثر الله به (الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت) عام في استجلاب المحبوب واستدفاع المكروه (وإذا سئلت به أعطيت) خاص في الأول ويحتمل أنه لهما فدفع المكروه عطية (وإذا استرحمت به رحمت وإذا استفرجت) طلب منك الفرج متوسل به (فرّجت) كربته وهذا توسل إليه باسمه الأعظم لديه ولم يذكر المتوسل إليه والمراد ثم يدعو بما شاء (5 عن عائشة) وبوب عليه باب اسم الله الأعظم (1).

1493 -

"اللَّهم من آمن بي وصدقني وشهد أن ما جئت به الحق فأقل ماله وولده وعجل قبضه، اللَّهم ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أن ما جئت به الحق فأكثر ماله وولده وأطل عمره (5 عن عمر بن غيلان الثقفي طب عن معاذ) ".

(اللَّهم من آمن بي وصدقني) عطف تفسيري فإن الإيمان به تصديقه كما أن قوله (وعلم أنما جئت به هو الحق من عندك) قد شمله ذلك جملة (فأقلل ما لَه وولَده) لما كان كثرة المال والولد مطغاةً ملهاةً سأل الله تعالى أن يقلل مالَ من آمن به وولده لتقل فتنته في الدنيا ويتم توفره على ما فيه صلاح حاله (وحبب إليه لقاءك) فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (وعجل له القضاء) الموت لأنّ طول الحياة مظنة الفتنة (ومن لم يؤمن بي ولم يصدقني ولم يعلم أنما جئت به الحق من عندك) لتعاميه وإعراضه عما دعاه الله إليه (فأكثر ماله وولده وأطل عمره) اخذله بهذه الأسباب واشغله عما ينفعه في المعاد وقد علل موسى عليه السلام ضلال فرعون بكثرة ما أعطاه الله من الزينة والأموال فقال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ} [يونس: 88] (5 عن

(1) أخرجه ابن ماجه (3859). قال البوصيري (4/ 146): هذا إسناد فيه مقال. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1193).

ص: 138

عمر بن غيلان الثقفي طب عن معاذ [1/ 428] سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عمرو بن واقد إلا أنه يعتضد بوروده من طرق أخر (1).

1494 -

"اللَّهم من آمن بك وشهد أنى رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وأقلل له من الدنيا ومن لم يؤمن بك ولم يشهد أنى رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا (طب عن فضالة) ".

(اللَّهم من آمن بك وشهد أني رسولك) هذا ملزوم للأول إذ من صدق أنه رسوله تعالى فقد آمن بالله ولا عكس (فحبب إليه لقاءك) فإذا أحب لقاء الله تعالى اجتهد في الأعمال الصالحة (وسهّل عليه قضاؤك) وهو الموت المقضى به أو كل قضاء جرى به قضاؤه عليه (وأقلل له من الدنيا) ليزداد بالآخرة شغلًا (ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك) خذلانًا له (ولا تسهّل عليه قضاءك) في كل أموره (وكثر له من الدنيا) حتى تشغله بها من كل شيء لتكثر عليه أسباب العقاب ولا يرد عليه أنه دعا لأنس بكثرة المال والولد لاختلاف ذلك باختلاف الأشخاص كما يفيده الحديث القدسي: "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى"(2) الحديث (طب عن فضالة) بزنة سحابة (بن عبيد) مصغر عبد ورجاله ثقات (3).

1495 -

"اللَّهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك لسانًا صادقًا وقلبًا سليمًا وأعوذ بك من

(1) أخرجه ابن ماجه (4133) وابن عدى (5/ 118 ترجمة 1283 عمرو بن واقد)، والطبرانى (20/ 85، رقم 161) قال الهيثمي (10/ 285): فيه عمرو بن واقد، وهو متروك. والبيهقي في شعب الإيمان (1476). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1215).

(2)

تاريخ بغداد (6/ 14)، الفردوس بمأثور الخطاب (8098).

(3)

أخرجه الطبراني (18/ 313 رقم 808) قال الهيثمي (10/ 286): رجاله ثقات. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (208). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1311).

ص: 139

شر ما تعلم وأسألك من خير ما تعلم وأستغفرك مما تعلم إنك أنت علام الغيوب (ت ن) عن شداد بن أوس".

(اللَّهم إني أسألك الثبات) هو مصدر ثبت على الشيء إذا لازمه ودام عليه (في الأمر) هو ما أمر الله به من فعل واجب أو ترك محرم أي أسألك الملازمة والدوام على فعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه (وأسألك عزيمة الرشد) هي مصدر عزم على الأمر إذا أراد فعله وقطع عليه أو جد في الأمر كما في القاموس (1) والرشد مصدر رشد كنصر وفرح رشدا بضم الراء وسكون الشين ورشدا بفتحها اهتدى أي أسألك إرادة الرشد والجد في فعله فالأول سؤال للدوام على أوامر الله والثاني سؤال على إرادة الهدى والجد في فعله (وأسألك شكر نعمتك) يحتمل أن التاء للوحدة الحقيقية أي شكر نعمة واحدة من نعمك إشارة إلى أن العبد وإن اجتهد في الشكر لم يقم على شكر نعمة واحدة مع سؤاله لمولاه الإعانة ويحتمل أنه للجنس (وحسن عبادتك) أي العبادة المتصفة بالإحسان الذي فسرها حديث: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه"، والمراقبة لله فإن من راقب مولاه أحسن عبادته وإحسان الطاعة أن لا (يشوبها) بشيء من المخالفات لأوامر الله ولا بشيء من الرياء (وأسألك لسانا صادقًا) تقدم (وقلبًا سليماً) من أمراض الشهوات والشبهات (2).

واعلم أن القلوب ثلاثة مريض وميت وحي وهو السليم وقد أشار الله تعالى إلى الثلاثة في آيات من القرآن في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} إلى قوله: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 52، 53] الآية. ثم {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54]

(1) القاموس المحيط (ص 543).

(2)

وضع المؤلف هنا عنوانًا في الحاشية: (مطلب في تقسيم القلوب).

ص: 140

فجعل القلوب ثلاثة: قلبين مفتونين وقلبًا ناجيًا فالأَولان القلب الذي فيه مرض والقاسي والثالث القلب الناجي المؤمن المخبت إلى ربه وهو المطمئن له الخاضع المستسلم المنقاد (1) وهو القلب السليم وقد اختلف الناس في حقيقته والقول الجامع أنه الذي يسلم من كل شهوة مخالفة لأمر الله ونهيه ومن كل شبهة تخالف خبره وسلم من عبودية ما سواه وسلم من تحكيم غير مولاه ورسوله وسلم [1/ 429] من محبة غير الله معه ومن خوفه ورجاءه والتوكل عليه والإنابة إليه والذل له وإيثار مرضاته في كل حال والتباعد عن سخطه بكل طريق فهذا هو القلب السليم ولما كان القلب ملك الأعضاء والمتصرف فيها وهي جنوده لا تقدم ولا تحجم إلا عن أمره ويستعملها فيما شاء من أوامره فكلها تحتم ملكه وعبوديته وقهره تكسب منه الاستقامة والزيغ فخص الدعاء بسلامته لأنه إذا سلم سلمت جميع الجوارح عن المخالفة وإذا سلمت فكل الناس قد سلموا (وأعوذ بك من شر ما تعلم وأسألك من خير ما تعلم) رد الأمر إليه تعالى في الأمرين تفويضا وإقرارا بالعجز عن معرفة ما ينفعه وما يضره (وأستغفرك مما تعلم) من إتيان ما لا ترضاه (إنك أنت علام الغيوب) هو تعليل للثلاثة أمور (ت ن عن شداد بن أوس)(2).

1496 -

"اللَّهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللَّهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون (م عن ابن عباس) "(صح).

(اللَّهم لك أسلمت) أنقدت بما أمرت به (وبك آمنت) تقديم الطرفين للحصر كما أنه في قوله (وعليك توكلت) كذلك وفي (وإليك أنبت) وتقدم

(1) عنوان آخر في الحاشية: (مطلب في القلب السليم).

(2)

أخرجه الترمذي (3407) والنسائي (3/ 54). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1190).

ص: 141

تفسير الكل (وبك خاصمت) بسبب الإيمان بك جادلت الكفار والمنافقين أو بقدرتك التي أقدرتني بها (اللَّهم إني أعوذ بعزتك) ألتجأ بصفة العزة التي لك فإن من التجأ إلى ذي العزة نجا (لا إله إلا أنت أن تضلني) وهو المستعاذ منه وجملة التوحيد اعتراضية والضلال ضد الاهتداء استعاذة من أسباب الإضلال من قسوة القلب بالمعاصي فتعسر الطاعة عليه وتسهل عليه المعصية كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 13]{وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الأنعام: 25] ونحوها وهذا أقرب ما يحمل عليه الإضلال أينما ورد مسندًا إليه تعالى وللمعتزلة فيه وفي نظائره تأويلات وتكلفات وللأشعرية شيء من ذلك تبعًا للمذهب (أنت الحي الذي لا تموت) تمسك بصفة الحياة الدائمة التي لا يشاركه فيها أحد بأن تحيي القلب عن إماتته بالإضلال (والجن والإنس يموتون) خصهما لأنهما أعظم ما يعرفه العباد وإلا فكل حيوان يموت (م عن ابن عباس) وأخرجه غيره (1).

1497 -

"اللَّهم لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول: اللَّهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي وإليك مآبي ولك ربِّ تراثي، اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الأمر، اللَّهم إني أسألك من خير ما تجيء به الرياح وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح (ت هب) عن علي".

(اللَّهم لك الحمد) مختص بك كما نقول نحن معاشر الخلائق أي لك الحمد حمدا يشبه حمد الخلائق أجمعين كما يقتضيه المقام (وخيرًا مما نقول) معاشر العباد وهو حمد الله نفسه المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(اللَّهم لك صلاتي) أي لأجل امتثال أمرك وطاعتك

(1) أخرجه مسلم (2717).

ص: 142

(ونسكي) عبادتي عام بعد خاص وقيل: أراد به ذبحي وقرن بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وقيل: صلاتي وحجي (ومحياي ومماتي) أي ما آتيه في مدة حياتي وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح أفاده في الكشاف، (وإليك مآبي) مرجعي من باب وإليه المصير وفيه الإقرار بالبعث (ولك رب تراثي) أصله وراث أبدلت الواو تاء مالي الذي أخلفه فإنه لله تعالى وهو الذي يصرف فيه [1/ 430] فعينه لمن أراده من الورثة أو المراد: لك تراثي لأنك ترث الأرض ومن عليها من قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40] وفي الآية تفسيران أي لا يبقى لأحد عليهما ولا عليهم ملك أو يتوفى الأرض ومن عليها من الإفناء والإهلاك توفي الوارث لإرثه (اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر) تقدم الكلام عليه مرارًا (ووسوسة الصدر) ما يلقيه إليه الشيطان من الوساوس الباطلة وإبعاد الفقر والمخافة (وشتات) تفرق (الأمر) أمر نفسه فإنه لا يلتئم له حال فيذهب ساعاته في المحال أو أمر الأمة من اختلافها وتفرقها ومصيرها شيعًا (اللَّهم إني أسألك من خير ما تجيء به الرياح) جمع ريح وتجمع على أرواح لأنّ أصلها الواو وجاء بصيغة الجمع عند سؤال خيرها كما كان يقول في دعائه إذا هاجت الرياح: "اللَّهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا"(1) وذلك لأنّ العرب تقول أنها لا تلقح الأشجار إلا من الرياح المختلفة وجاء بالمفرد في قوله (وأعوذ بك من شر ما تجيء به الريح) لأنها لا تأتي إلا بالعذاب كما قال تعالى: {الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] التي لا تنتج خيرًا (ت هب عن علي) قال

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 213 رقم 11533)، وأبو يعلى في مسنده (2456)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4461)، والضعيفة (4217)، وقال: ضعيف جدًا.

ص: 143

الترمذي: هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي (1).

1498 -

"اللَّهم عافني في جسدي وعافني في بصري واجعله الوارث مني لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم الحمد لله رب العالمين (ت ك) عن عائشة"(صح).

(اللَّهم عافني) سلمني من الأسقام (في جسدي) وهو عام للمشاعر فعطف (وعافني في بصري) من الخاص بعد العام (واجعله) أي البصر (الوارث مني) تقدم بيان معناه فخصه دون السمع مع الجمع بينهما في عدة أحاديث إبانة لشرفه على السمع وللناس كلام طويل في بيان أي الحاستين أفضل أي أكثر نفعا (لا إله إلا الله) عاد إلى التوحيد بعد الطلب (الحليم) الذي لا يعاجل من عصاه بالعقوبة (الكريم) في النهاية (2): الكريم هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه وهو الكريم المطلق، وهذا الحديث جمع بين الدعاء والتوحيد والتنزيه بقوله (سبحان الله رب العرش العظيم) والثناء بقوله (الحمد لله رب العالمين) وقدم التنزيه على التحميد على قاعدة تقدم التخلية على التحلية وهو توسل إليه بوحدانيته وشريف صفاته إلى إجابة الدعاء على الطريق البرهاني كأنه يقول: إذا كان المتفرد بالوحدانية وصفات الكمال فمنه يرجى نيل كل خير (ت ك عن عائشة) رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: هذا حديث غريب سمعت محمدًا يقول. حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا (3).

(1) أخرجه الترمذي (3520)، والبيهقي في الشعب (3842). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1214).

(2)

النهاية (4/ 300).

(3)

أخرجه الترمذي (3480) والحاكم (1/ 530)، وأبو يعلى (4690)، وضعفه الألباني (1211)، والضعيفة (2917). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1211)

ص: 144

1499 -

"اللَّهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا (ت ك عن ابن عمر) "(صح).

(اللَّهم اقسم) اجعل (لنا من خشيتك) خوفك وهو مصدر مضاف إلى المفعول أي من خشيتنا إياك أو إلى الفاعل ويراد الخشية التي تجعلها في قلوب أوليائه وإسنادها إلى الله تعالى لأنه يؤيد بها قلوب عباده الصالحين في تجنب معاصيه (ما تحول به بيننا وبين معاصيك) فإن من خاف عذاب مولاه ترك عصيانه أي لا يتصل منا ولا يتصل بها واقسم لنا (من طاعتك ما تبلغنا به جنتك) وفيه أن بلوغ الجنة بالطاعات وقد سلف فيه الكلام واقسم لنا (من اليقين) وهو خلاف الشك والمراد به عزم القلب وعدم تردده في أن كل ما أصابه لم يكن ليخطأه وكل ما أخطأه لم يكن ليصيبه فلا يحزن على فقد فائت ولا يفرح بآت (ما تهون) ما تخفف (علينا مصيبات الدنيا) هو ناظر إلى الأهم فقد اشتمل على سؤال الإعانة على ترك المعاصي والإعانة على فعل الطاعات والإعانة على تحمل المصيبات وهذه الثلاثة لا يخلو عنها المكلف ما دام في دار الدنيا (ومتعنا) انفعنا (بأسماعنا) فنسمع ما ينفع (وأبصارنا) كذلك (وقوتنا) في الأبدان (ما أحييتنا) مدة حياتنا أو متعنا بإبقائها سالمة عن الاعتلال كما سلف [1/ 431](واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على من ظلمنا) تقدم لفظه ومعناه كما تقدم أيضًا قوله (وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) فإنها هي المصيبة الحقيقية ولذا يقال:

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه

فما فاته فيها فليس بضائري

ص: 145

(ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا) بأن تجعل همنا سلما لنيلها أو تجعل علمنا كله هو العلم بأحوال الدنيا وبترك العلم بما يجب الله ولرسوله (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا. ت ك عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته قال ابن عمر رضي الله عنه: قل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعوا بهؤلاء الدعوات لأصحابه اللَّهم اقسم

الحديث (1).

1500 -

"اللَّهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علمًا الحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار (ت 5 عن أبي هريرة) ".

(اللهم انفعني بما علمتني) بالعمل بمقتضاه وقد تضمن طلبه أن يعلمه العلم (وعلمني ما ينفعني) لما كان الدعاء بتعليمه العلم في الأول ضمنًا جاء به صريحًا ثم طلب الزيادة بقوله (وزدني علمًا، أي نافعًا (الحمد لله على كل حال) من السراء والضراء والشدة والرخاء (وأعوذ بالله من حال أهل النار) فإنه أشر الأحوال في الثلاثة الدور والاستعاذة من حالهم تضمن الطلب للتوفيق للأعمال الصالحة وللرحمة (ت 5 عن أبي هريرة) قال الترمذي: حديث غريب (2).

1501 -

"اللَّهم اجعلني أعظم شكرك وأكثر ذكرك وأتبع نصيحتك وأحفظ وصيتك (ت - عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم اجعلني أعظم شكرك) في القاموس (3) عظمه فخمه وكبره وتقدم

(1) أخرجه الترمذي (3502) وقال: حسن غريب. والحاكم (1/ 709) وقال: صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أيضًا: النسائي في الكبرى (10234)، والديلمى (1981). قال المناوى (2/ 133): فيه عبيد الله بن زحر ضعفوه، قال في المنار: فالحديث لأجله حسن لا صحيح. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1268) والكلم الطيب (225).

(2)

أخرجه الترمذي (3599) وقال: حسن غريب. وابن ماجه (3833)، والبيهقي في شعب الإيمان (4376). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1183).

(3)

القاموس المحيط (ص 1470).

ص: 146

الكلام في الشكر والمراد من تفخيم الشكر وتكبيره إعظام المشكور وإكباره (وأكثر ذكرك)(وأتبع نصيحتك) قدمنا في النهاية تفسيرها بأنها كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة المخبر للمنصوح له والمعنى نصحه الله وهو مصدر أضيف إلى فاعله أي ما نصحتنا به على لسان رسولك وكتابك وهذبت به عقولنا فقد نصحنا تعالى على لسان الأكوان حيث جعلها دلائل تدل على وحدانيته وكمال صفاته وصفات كماله بل وعلى لسان الأحلام حيث جعل الرؤيا تقدمه بين يدي الخير والشر بل وعلى لسان قلب كل إنسان حيث جعل في القلب خاطرًا واعظًا وزاجرًا كما قلت.

وقد ملأ الكون الإله نصائحًا

وقد عميت أبصارنا والبصائر

عسى رحمة من لطفه تكشف العمى

وتدركنا في يوم تبلى السرائر

(وأحفظ وصيتك) في القاموس (1): الوصاة والوصية هو الموصى به أي احفظ ما وصيت به من القرب المقربة إليك كتوصيته تعالى بتقواه في قوله: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131]، وقوله:{وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] وكل ما أمر به ونهى عنه فإنه وصية منه وليس المطلوب حفظ الوصية لفظًا بل مع العمل بها (ت عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وفيه مجهول (2).

(1) القاموس المحيط (ص 1731).

(2)

أخرجه الترمذي في الدعوات كما في تحفة الأشراف (10/ 454)، وأحمد (2/ 311). قال الهيثمي (10/ 172): رواه أحمد من طريق أبى يزيد المدني، وفي رواية عن أبي سعيد الحمصى، ولم أعرفها، وبقية رجالهما ثقات. وأخرجه أيضًا: الطيالسي (2553)، والديلمى (1927). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3091). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1166).

ص: 147

1502 -

"اللَّهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمَّد نبي الرحمة يا محمَّد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللَّهم فشفعه في (ت 5 ك عن عثمان) ".

(اللَّهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمَّد) عطف بيان أي أتوسل إليك في طلب الحاجات به وبمقامه عندك وكرامته لديك (1).

وقد اختلف في جواز التوسل إليه تعالى بشيء من مخلوقاته فقال أبو محمَّد بن عبد السلام في فتاويه (2): أنه لا يجوز التوسل إليه بشيء من مخلوقاته لا الأنبياء ولا غيرهم، وتوقف في حق نبينا صلى الله عليه وسلم لاعتقاده أنه ورد في ذلك حديث، وإن لم يعرف صحة الحديث وكأنه يريد هذا الحديث وقال [1/ 432] أبو حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعوا الله إلا به، قال: وأكره أن يقال أسألك بمعاقد العز من عرشك وأكره أن يقال بحق فلان وبحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام وعن أبي الحسن قال: أما المسألة بغير الله فمنكرة في قولهم لأنه لاحق لغير الله عليه وإنما الحق لله على خلقه، وأما قوله: بمعقد العز من عرشك فكرهه أبو حنيفة ورخص فيه أبو يوسف قال: وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بذلك، قال: ولأن معقد العز من العرش إنما يراد به القدرة التي خلق الله بها العرش مع عظمته فكأنه سأله بأوصافه أفاد ذلك ابن القيم في إغاثة اللهفان (3)(نبي الرحمة) صفة لمحمد صلى الله عليه وسلم مأخوذ من قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] فإنه تعالى رحم به الكفرة بإخراج من آمن منهم من ظلمات الكفر

(1) وُضِع لهذا الموضوع عنوان: (مطلب في التوسل إلى الله بالمخلوق).

(2)

انظر هذا القول في مجموع الفتاوى لشيخ الإِسلام ابن تيمية (1/ 347)، ونقله كذلك ابن القيم في إغاثة اللهفان (1/ 217).

(3)

المصدر السابق.

ص: 148

إلى نور الإِسلام ورحمة لمن قبله منهم بتقليل معاصيهم لو عاشوا وبأن الله لم يعذبهم وهو فيهم (يا محمَّد إني توجهت بك إلى ربي) إن قلت: لمن الخطاب؟

قلت: له صلى الله عليه وسلم لأنّ الداعي غيره وإنما علمه صلى الله عليه وسلم من يقوله في دعاءه قضاء الحاجة إن قلت: كيف يخاطبه ويناديه وهو ميت؟

قلت: تقدم في كيفية إبلاغه صلى الله عليه وسلم صلاة الخلائق ما يعرف منه أن هذا أيضًا يبلغ إليه فيسأل صلى الله عليه وسلم ربه عند ذلك نجاح حاجة السائل كما يدل له آخر الحديث (في حاجتي هذه لتقضى لي) تعليل التشفع أي لأجل تقضى بجاهه صلى الله عليه وسلم (اللَّهم فشفعه في) بقضاء حاجتي وهو يدل أنه صلى الله عليه وسلم يسأل الله قضاء حاجة الداعي كما أشرنا إليه (ت 5 ك عن عثمان) بن حنيف بالحاء المهملة فنون آخره فاء مصغر رمز المصنف لصحته وسببه كما قال راويه المذكور: أنه جاء رجل ضرير إليه صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني فقال: "إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت لك"، قال: فادعه فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء قال الحاكم: صحيح (1).

1503 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي (د ك عن شكل) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من شر سمعي) آفات السمع لا تنحصر كسماع الغناء وما حرم الله سماعه وسماع أقوال الناس بعضهم في بعض وسماع كلام الزنادقة والدعاة إلى التشكيك في الدين وسماع الدعاة إلى الشهوات (ومن شر بصري) أفاته أيضًا لا تنحصر وهو مبدأ كل بلاء وهو رائد القلب وقدمنا فيه ما فيه غنية

(1) أخرجه أحمد (4/ 138)، والترمذي (3578) وقال: حسن صحيح غريب. وابن ماجه (1385)، والحاكم (1/ 313) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضًا: عبد بن حميد (379). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1279).

ص: 149

عن الإعادة كما قدمنا في قوله (ومن شر لساني) ما في اللسان من الآفات كما سبق أيضاً بيان قوله (ومن شر قلبي) فإن القلب سلطان البدن وعنه يتولد كل سوء وكل بلاء ومحنة (ومن شر مني) معروف وهو من الأدواء وهو الباعث على الزنا وعلى مقدماته من المحرمات، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الدلالة على دواء هذا الداء:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة"(1) الحديث (د ك عن شكل) بفتح الشين المعجمة وفتح الكاف في التقريب (2) ابن حميد العبسي الكوفي صحابي له حديث ورواه الترمذي وقال: حسن غريب عن بشير بن شكل عن أبيه [1/ 433] قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: علمني تعوذًا أتعوذ به، قال: فأخذ بكفي وقال: "قل اللَّهم إني أعوذ بك" الحديث (3).

1504 -

"اللَّهم عافني في بدني اللَّهم عافني في سمعي اللَّهم عافني في بصري اللَّهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت (د ك عن أبي بكرة) "(صح).

(اللَّهم عافني في سمعي اللَّهم عافني في بصري) تقدم كل ذلك (اللَّهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت) تقدمت كل جملة منه والكلام عليها (د ك عن أبي بكرة) رمز المصنف لصحته وضعفه النسائي (4).

1505 -

"اللَّهم إنى أسألك عيشة نقية وميتة سوية ومردًا غير مخزٍ ولا فاضح

(1) أخرجه البخاري (4778)، ومسلم (1400).

(2)

التقريب (2820).

(3)

أخرجه أبو داود (1551)، والترمذي (3492) وقال: حسن غريب. والنسائي (8/ 255). والحاكم (1/ 532) وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1292).

(4)

أخرجه أبو داود (5090). والحاكم (1/ 252). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1210).

ص: 150

(البزار طب ك عن ابن عمرو) " (صح).

(اللَّهم إني أسألك عيشة نقية) وهو من نقى كرضى نقاوة فهو نقي أي خالص فالعيشة النقية الخالصة عن كل ما يشنها في الدنيا والدين (وميتة سوية) هي من السواء وهو العدل والوسط أو من مكان سوى بمعنى مستو والمراد ميتة سهلة لا جور فيها ولا مشقة ولا شدة (ومردًا) مصدر رده أي ردا (غير مخزٍ) هو من خزى كرضى أي وقع في بلية وشهرة فذل لذلك (ولا فاضح) هو من فضحه كشف مساوئه والمعنى أسألك ردًا إليك لا أقع به في بلية اشتهر بها وأذل ولا تنكشف فيه عيوبي ومساوئي ويحتمل أن مردًا اسم زمان أي أسألك وقت رد وإيابًا إليك لا تخزيني ولا تفضحني والنسبة إليه مجاز على التقديرين (البزار طب ك عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته (1).

1006 -

"اللَّهم إن قلوبنا وجوارحنا بيدك لم تُمِلِّكْنَا منها شيئًا فإذا فعلت ذلك بهما فكن أنت وليهما (حل عن جابر) ".

(اللَّهم إن قلوبنا) في الإحياء (2): القلب يطلق على معنيين: أحدهما: اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وهو لحم مخصوص في باطنه تجويف وفي ذلك التجويف دم أسود وهو منبع الروح ومعدنه.

والثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهي المدركة العالمة العارفة من الإنسان وهي المخاطب والمعاقب والمطالب (وجوارحنا بيدك) أنت المصرف لها

(1) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (10/ 179)، والحاكم (1/ 541) وقال: صحيح الإسناد.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1196) والسلسلة الضعيفة (2912).

(2)

الإحياء (3/ 3).

ص: 151

والمتصرف فيها (لم تملكنا منها شيئًا) بل هي لك وبك (فإذا فعلت ذلك بهما) جعلتهما بيدك ولم تملكنا إياها (فكن أنت وليهما) تولهما بإرشادهما إلى وجوه رضاك وإبعادهما عن مساخطك (حل عن جابر)(1).

1507 -

"اللَّهم اجعل في قلبي نورًا وفي لساني نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا ومن فوقي نورًا ومن تحتي نورًا ومن أمامي نورًا ومن خلفي نورًا واجعل لي في نفسي نورًا وأعظم لي نورًا (حم ق ن ك عن ابن عباس) "(صح).

(اللَّهم اجعل في قلبي نوراً) تقدم الكلام عليه (وفي لساني نورًا) فلا ينطق إلا بما ترضاه (وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا ومن فوقي نورًا ومن تحتي نورًا ومن أمامي نورًا ومن خلفي نورًا واجعل لي في نفسي نورًا) أعم من كل ما سلف (وأعظم لي نورًا) اجعل النور الذي تعطيني عظيمًا نفعًا (حم ق ن ك عن ابن عباس)(2).

1508 -

"اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير واجعل الموت راحة لي من كل شر (م عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) العصمة المنع والعاصم المانع فمعنى: عصمة أمري المانع لكل شأن من شأني في الدنيا والآخرة عن خلاف ما ترضاه (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) حياتي فإنه لا يتم صلاح

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 367).

وقال الألباني في ضعيف الجامع (1185) والسلسلة الضعيفة (2909): ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه أحمد (1/ 352)، والبخاري (5957)، ومسلم (763)، والنسائي (2/ 218). والحاكم (3/ 617).

ص: 152

الدين المطلوب أولًا إلا بصلاح الدنيا (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) عودي إلى لقائك والمراد من صلاح الدارين صلاح أمورهما التي بها تطيب الحياة والممات والتحقيق أنه إذا صلح الدين فقد صلح حال الدارين (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أزداد فيها من الأعمال الصالحة (واجعل الموت [1/ 434] راحة لي من كل شر) اجعله خيرًا من الحياة التي لا تخلو عن شر فلا يصيبني شر عذاب القبر وفتنته ولا شر النار فهذا دعاء جامع لأنواع الخير كلها في الدين والدنيا والآخرة والأولى (م عن أبي هريرة)(1).

1509 -

"اللَّهم إني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني (م ت هـ عن ابن مسعود) "(صح).

(اللَّهم إني أسألك الهدى) إلى الصراط المستقيم (والتقى) الخوف من الله وحسن معاملته (والعفاف) عن مطامع الدنيا (والغنى) غنى النفس والاستغناء عن العباد (م ت هـ عن ابن مسعود)(2).

1510 -

"اللَّهم استر عورتي وآمن روعتي واقض ديني (طب عن خباب) ".

(اللَّهم استر عوراتي) سوءتي وكل ما يسوء ظهوره فيشمل طلب ستر الذنوب بالمغفرة وستر أحوال الدنيا والآخرة (وآمن روعتي) خوفي وفزعي، والمراد: لا تنزل بي أمرًا أخافه أو أمني إن قضيت أنه لا بد منه (واقضي عني ديني) بالإعانة عليه فإنه لا يخلو عنه العبد في معاشه (طب عن خباب) بالمعجمة مفتوحة فموحدة مشددة هو ابن الأرت تقدم مرارًا سكت عليه المصنف وفيه مجاهيل (3).

(1) أخرجه مسلم (2720).

(2)

أخرجه أحمد (3950)، ومسلم (2721)، والترمذي (3489) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3832).

(3)

أخرجه الطبراني (4/ 81، رقم 3710). قال الهيثمي (10/ 180): فيه من لم أعرفه. وحسنه =

ص: 153

1511 -

"اللَّهم اجعل حبك أحب الأشياء إليَّ واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندي واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك وإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فأقر عيني من عبادتك (حل عن الهيثم بن مالك الطائي) ".

(اللَّهم اجعل حبك) أي حبي إياك فهو مضاف إلى مفعوله (أحب الأشياء إلي) وإذا كان أحب شيء إليه حب مولاه اجتهد في تحصيل ما يرضاه: إن المحب لمن يحب مطيع، ويحتمل أن يراد حبك إياي أي أجعلني أحب حبك إياي فأجتهد فيما يحصل لي ذلك عندك لطاعاتك (واجعل خشيتك) خشيتي إياك كالأول (أخوف الأشياء) من المخوفات (عندي) فإذا خافه تجنب ما لا يرضاه (واقطع عني حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك) في القاموس (1) الشوق نزاع النفس وحركة الهوى أي اجعل حاجات الدنيا منقطعة عني فلا أهتم بها ولا أوثرها على رضاك واجعل حركة نفسي ونزوعها إلى لقائك فإن المشتاق يجتهد في طلب ما اشتاق إليه فلا يبقى همه سواه (وإذا أقررت) هو من قرت عينه إذا اقتطع بكاؤها ورأت ما كانت متشوقة إليه كما في القاموس (2)(أعين أهل الدنيا بدنياهم) بما أعطيتهم منها وفرحتهم به (فأقرر عيني) يحتمل الإفراد بالجنس والتشبيه (من عبادتك) اجعل فرحي وسرووي ناشئا ومبتدأ من عبادتك (حل (3) عن الهيثم بن مالك الطائي) الشامي الأعمى.

1512 -

"اللَّهم إنى أعوذ بك من شر الأعميين السيل والبعير الصؤول (طب عن عائشة بنت قدامة) ".

= الألباني في صحيح الجامع (1262).

(1)

القاموس المحيط (ص 1161).

(2)

القاموس المحيط (ص 592).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 282).

ص: 154

(اللَّهم إني أعوذ بك من شر الأعميين) وكأنه قيل: وما هما فقال: (السيل والبعير الصؤول) من الصولة وهي الحملة والوثبة في النهاية (1) نعوذ بالله من الأعميين هما: السيل والحريق بما يصيب من يصيبانه من الحيرة في أمره أو لأنهما إذا حدثًا ووقعًا لا يبقيان موضعا ولا يتجنبان شيئًا كالأعمى لا يدري أين يسلك فهو يمشي حيث أدته رجله انتهى. وكأنه ما وقف على هذا الحديث لأنه فسر الثاني بالبعير الصؤول (طب عن عائشة بنت قدامة) بضم القاف وتخفيف المهملة بن مظعون وهو حديث ضعيف لضعف عبد الرحمن الحاطبي (2).

1513 -

"اللَّهم إني أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر اللَّهم إني أسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر البزار طب عن ابن عمر".

(اللَّهم إني أسألك الصحة) في الأبدان والأديان (والعفة) كما سلف (والأمانة وحسن الخلق) وتقدم (والرضا) اجعلني راضيًا (بالقدر) ما قدر من خير وشر (البزار طب عن ابن عمرو) بفتح المهملتين سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد بن أنعم أحد رجاله (3).

1514 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة (طب عن عقبة بن عامر) ".

(1) النهاية (5/ 303).

(2)

أخرجه الطبراني (24/ 344، رقم 858). قال الهيثمي (10/ 144): فيه عبد الرحمن بن عثمان الحاطبى وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1164).

(3)

حديث ابن عمرو: أخرجه هناد (445). قال الهيثمي (10/ 173): رواه الطبراني، والبزار، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف الحديث، وقد وثق وبقية رجال أحد الإسنادين رجال الصحيح. وأخرجه أيضًا: البخاري في الأدب المفرد (307)، والبيهقي في شعب الإيمان (8540)، والديلمى (1/ 456، رقم 1852). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1191).

ص: 155

(اللَّهم إني أعوذ بك من يوم السوء) بضم السين المهملة وفتحها ضد الحسن من قولهم رجل سوء وأريد به اليوم الذي يأتي ما تكرهه النفوس من أيام الدنيا والآخرة ويحتمل أن يخص به يوم الحشر لأنه يأتي بأعظم الشدائد (و) مثله (ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقامة)[1/ 435] تقدم الكلام على دار المقامة قريبًا وهو بالضم للميم المصدر وبالفتح المنزل والمكان (طب عن عقبة بن عامر) ورجاله ثقات وسكت عليه المصنف (1).

1515 -

"اللَّهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (م 4 عن عائشة) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ برضاك من سخطك) بصفة الرضا من صفة الغضب أي ألتجئ إلى هذه من هذه (وبمعافاتك) ألتجئ إليها (من عقوبتك) ولما كان تعالى لا ضد له يعادله ولا يعيذ منه تعالى أحد قال (وأعوذ بك منك) ألتجئ إليك خوفا منك ثم رأيت في المرقاة للخطابي (2) معنى ما قلناه قال: فلما صار إلى ما لا ضد له وهو الله سبحانه استعاذ به منه لا غير ومعنى ذلك الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه ثم نزه الذات المقدسة بالاعتراف بأنه لا يحصى الثناء عليه يريد بقوله (لا أحصي ثناء عليك) قال في النهاية (3): لا أحصي

(1) أخرجه الطبراني (810). قال الهيثمي (10/ 144): رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت، وهو ثقة. وأخرجه أيضًا: الديلمى (1873). وحسنه الألباني في ضعيف الجامع (1299)، وصححه في الصحيحة (1443).

(2)

أظنه وهم من المؤلف؛ لأنّ المرقاة للسيوطي وليس للخطابي، وقد استفاد المؤلف كثيرًا من مرقاة الصعود للسيوطي والله أعلم.

(3)

النهاية (1/ 397).

ص: 156

نعمك والثناء عليك ولا أبلغ الواجب مثله انتهى.

قلت: وهو إقرار بأنه لا يحصيه أحد لأنه إذا لم يحصه أعرف الخلق به وأشدهم له عبادة لم يحصه غيره (أنت كما أثنيت على نفسك) أنت مثنى عليك من الخلائق أجمعين ثناء يشبه ثناءك على نفسك على أن الكاف للتشبيه وما مصدرية أو أنت الذي أثنيت على نفسك أي أنت مثنى عليه الثناء الذي أثنيته أنت على نفسك أو الثناء الذي تستحقه نثنيه لك وإن جهلنا ما تستحقه إنما نثنيه بقولنا أنت كما أثنيت على نفسك إذا كانت الكاف زائدة وما موصولة حذف عائدها ثم رأيت في المرقاة أنه سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام كيف يشبه ذاته بثنائه وهما في غاية التباين؟ فأجاب بأن في الكلام حذفا تقديره ثناؤك المستحق كثنائك على نفسك فحذف المضاف من المبتدأ فصار الضمير المجرور مرفوعًا انتهى. وما ذكرناه أمتن في المعنى (م 4 عن عائشة)(1).

1516 -

"اللَّهم لك الحمد شكرًا ولك المن فضلًا (طب عن كعب بن عجرة) ".

(اللَّهم لك) لا لغيرك (الحمد شكرًا) لأجل الشكر لك أحمدك أي لأجل شكرك الذي أمرت به {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7](ولك السنن فضلًا) في النهاية (2): كثيرًا ما يرد المن في كلامهم بمعنى الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه انتهى فالمعنى لك الإحسان تفضلًا منك لا يطلب عليه من الإثابة والجزاء فإنك لو طلبت ذلك لما قام العبد بحق نعمة واحدة من النعم

(1) أخرجه مسلم (486)، وأبو داود (879)، والترمذي (3493) وقال: حسن. والنسائي (1130)، وابن ماجه (3841) وأخرجه أيضًا: إسحاق بن راهويه (544)، وابن خزيمة (671)، وابن حبان (1932)، والبيهقي (1/ 127).

(2)

النهاية (4/ 365).

ص: 157

وذكر هذه الجملة بعد الأولى كالاحتراس عما توهمه قوله شكرًا من أن العبد قد زعم أنه قام بما يستحقه به من شكره وهيهات (طب عن كعب بن عجرة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عبد الله بن شعيب وغيره من رجاله (1).

1517 -

"اللَّهم إني أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال وصدق التوكل عليك وحسن الظن بك (حل عن الأوزاعي مرسلًا الحكيم الترمذي عن أبي عبيدة) ".

(اللَّهم إني أسألك التوفيق لمحابك من الأعمال) بفتح الميم جمع محبة اسم لما يحب أو الموافقة لما يحبه من الأفعال والأقوال (وصدق التوكل عليك) التوكل الصادق فاعله الذي يطابق الجنان فيه اللسان (وحسن الظن بك) أي تجعلني محسنًا للظن بك وسلف الكلام فيه مستوفى (حل عن الأوزاعي مرسلًا الحكيم الترمذي عن أبي عبيدة) بإسناد ضعيف (2).

1518 -

"اللَّهم افتح مسامع قلبي لذكرك وارزقني طاعتك وطاعة رسولك وعملا بكتابك (طس) علي".

(اللَّهم افتح مسامع قلبي لذكرك) جمع مسمع وهو محل السمع أي المحل الذي ينتفع بفتحه بما يلقى إليه من ذكرك (وارزقني طاعتك) وفقني لها (وطاعة رسولك وعملًا بكتابك) بما فيه من الوحي أو بما كتبته [1/ 436] وفرضته علي من الفرائض والأول أشمل (طس عن علي) سكت عليه المصنف وضعفه غيره

(1) أخرجه الطبراني (19/ 144، رقم 316) قال الهيثمي (4/ 185): فيه سليمان بن سالم المدني وهو ضعيف. وأخرجه أيضًا: البيهقي في شعب الإيمان (4391). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1213).

(2)

حديث الأوزاعي: أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 224).

حديث أبى هريرة: ذكره الحكيم (1/ 317). قال المناوي (2/ 140): فيه عمر بن عمرو، وفيه كلام. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1189): ضعيف.

ص: 158

لضعف الحارث الأعور وقد بحثنا في ذلك في رسالتنا ثمرات النظر في علم الأثر بما يعرف منه أنه لا قدح في الحارث الأعور (1).

1519 -

"اللَّهم إني أسألك صحة إيمان وإيمانًا في خلق حسن ونجاحًا يتبعه فلاح يعني ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوانًا قال أبي وهن مرفوعة في الكتاب يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك (طس ك عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم إني أسألك صحة في إيمان) أي إيمانًا صحيحا عن كل ما يفسده من أمراض الشهوات والشبهات (وإيمانًا في حسن خلق) يلازم حسن الخلق ملازمة المظروف لظرفه (ونجاحًا) إنجاحًا لما تريده من فعل أو ترك (يتبعه فلاح) فوز بالأجر فإنه لا نفع بنجاح لا يتبعه فلاح (ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضوان) منك وعنك (طس ك عن أبي هريرة)(2).

1520 -

"اللَّهم اجعلني أخشاك حتى كأني أراك وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك وخر لي في قضائك وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت واجعل غناي في نفسي وأمتعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني وانصرني على من ظلمني وأرني فيه ثأري وأقر بذلك عيني (طس عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم اجعلني أخشاك كأني أراك) قد تقدم في الإحسان أنه عبادته تعالى كأنه يراه العبد وإلا فإن الرب يراه (وأسعدني) اجعلني من السعداء الذين تقول فيهم {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} [هود: 108](بتقواك) تقواي إياك (ولا تشقني) تجعلني

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (1286). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1180) والسلسلة الضعيفة (2506).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (9333) والحاكم (1/ 532) وكذلك أحمد (2/ 321). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1195) والسلسلة الضعيفة (2911).

ص: 159

من الذين شقوا الذين تقول فيهم {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود: 106](بمعصيتك) بسبب عصياني إياك (وخر لي في قضاءك) هو من خار الله في الأمر جعل له فيه الخير اجعل لي الخير في قضائك (وبارك لي في قدرك) اجعل لي الخير في القضاء وبارك لي فيه إذ القضاء والقدر أخوان (حتى لا أحب تعجيل ما أخرت) غاية لما سأله من التقوى وما أضيف إليها (ولا تأخير ما عجلت واجعل غناي في نفسي) هو بيان لما يجمله من طلب الغنى وأنه لا يراد الغنى بالمال بل غنى النفس (أمتعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني وانصرني على من ظلمني) فيه أنه لا بد من الظلم في هذه الدار وإنما يطلب النصر لا عدم وقوع الظلم (وأرني فيه ثأري وأقر بذلك عيني) بجميع ما أطلبه ويحتمل عوده على الأخير (طس عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وفيه إبراهيم بن خيثم بن عراك ضعيف (1).

1521 -

"اللَّهم الطف لي في تيسير كل عسير فإن تيسير كل عسير عليك يسير وأسألك اليسر والمعافاة في الدنيا والآخرة (طس عن أبي هريرة) ".

(اللَّهم الطف) في النهاية (2): يقال لطف به وله بالفتح يلطف لطفًا إذا رفق به أي ارفق بي (في تيسير كل عسير فإن تيسير كل عسير عليك يسير) بل لا عسير بالنظر إليه تعالى بل هو كل مقدور هين عليه فالمراد العسير على العباد (وأسألك اليسر) سهولة الأمور وسرعة انقيادها (والمعافاة في الدنيا والآخرة) من شرورهما (طس عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وفي إسناده مجاهيل (3).

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (5982). قال الهيثمي (10/ 178): رواه فيه إبراهيم بن خيثم بن عراك، وهو متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1165).

(2)

النهاية (4/ 251).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1250). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1165).

ص: 160

1522 -

"اللَّهم اعف عني فإنك عفو كريم (طس عن أبي سعيد) ".

(اللَّهم اعف عني فإنك عفو كريم) من باب التوسل إليه بصفات عفوه إلى عفوه (طس عن أبي سعيد) سكت عليه المصنف وفيه يحيى بن ميمون التمار ضعيف (1).

1523 -

"اللَّهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب وعيني من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (الحكيم خط عن أم معبد الخزاعية) ".

(اللَّهم طهر قلبي من النفاق) إظهار خلاف ما يبطنه ومحله القلب (وعملي) يشمل الأقوال (من الرياء) فإنه يبطله (ولساني من الكذب) فإنها آفاته في الدنيا والدين (وعيني من الخيانة) في النظر إلى ما يحرم (فإنك تعلم خائنة الأعين) في النهاية (2) ما تخون فيه من مسارقة النظر إلى ما لا يحل والخائنة بمعنى الخيانة وهو من المصادر التي جاءت على لفظ الفاعل كالعامية (وما تخفي الصدور) إقرار بعلمه تعالى بكل ظاهر وخفي وكل مكتوم لا يبدئ فهو توسل بعلمه إلى كفاية شر نفسه وعينه (الحكيم خط عن أم معبد الخزاعية) بإسناد ضعيف (3).

1524 -

"اللَّهم ارزقنى عينين هطالتين تشفيان القلب بذروف الدموع من خشيتك قبل أن تكون الدموع دمًا والأضراس جمرًا (ابن عساكر عن ابن عمر) ".

(اللَّهم ارزقني عينين هطالتين) هذا المطلوب وهو الصفة إذ الموصوف

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (7742). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1175).

(2)

النهاية (2/ 89).

(3)

ذكره الحكيم (2/ 227)، وأخرجه الخطيب (5/ 267)، والديلمي (1953). وأخرجه أيضًا: الرافعي (2/ 301). قال المناوي (2/ 143): قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1209).

ص: 161

موجود وهو من الهطل [1/ 437]، قال في القاموس (1) هو المطر الضعيف الدائم (تشفيان) من الشفاء بالمعجمة والفاء (القلب بذروف الدموع) في القاموس (2): ذرف الدمع يذرف ذروفًا سأل فهو بضم الذال المعجمة (من خشيتك) لما ورد في ذلك من الأجر ولأن القلب لا تشفيه عن أمراض شهواته وشبهاته إلا الدموع من خشية مولاه فهي الغاسلة لأدرانه (قبل أن تكون الدموع دمًا والأضراس جمرًا) وذلك في النار أعاذنا الله منها (ابن عساكر عن ابن عمر) بضم المهملة بإسناد حسن (3).

1525 -

"اللَّهم عافني في قدرتك وأدخلني في رحمتك واقض أجلي في طاعتك واختم لي بخير عملي واجعل ثوابه الجنة (ابن عساكر عن ابن عمر) ".

(اللَّهم عافني في قدرتك) بقدرتك فيما جرى به قلم قضاءك (وأدخلني في رحمتك) يحتمل دار رحمته وهي الجنة لقوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 107](واقض أجلي) أجل حياتي (في طاعتك) فلا أستعمله في غيرها والأجل محركه غاية الوقت في الموت وهو المراد وله معان أخرى كما في القاموس (4) وإنما قلنا: هو المراد هنا لقوله (واختم لي بخير عمل) فالأمور بخواتمها (واجعل ثوابه) أي عملي (الجنة)(ابن عساكر عن ابن عمر)(5).

1526 -

"اللَّهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وكرمني بالتقوى وجملني

(1) القاموس المحيط (ص 138).

(2)

القاموس المحيط (ص 1948).

(3)

أخرجه ابن عساكر (11/ 120). وأخرجه أيضًا: أبو نعيم في الحلية (2/ 196)، وخيثمة (1/ 191). قال المناوي (2/ 143): قال الحافظ العراقى: إسناده حسن. وضعفه الألباني في الجامع (1173) والسلسلة الضعيفة (2905).

(4)

القاموس (ص 1241).

(5)

أخرجه ابن عساكر (27/ 64). وضعفه الألباني في الجامع (1212).

ص: 162

بالعافية (ابن النجار عن ابن عمر) ".

(اللَّهم أغنني) اجعلني غنيًا (بالعلم) من علم الكتاب والسنة فإن الجاهل فقير وإن اتسع ماله إذ الغني بالعلم مع العمل هو الغني الحقيقي (وزيني بالحلم) فالحلم زينة للعبد وهو أشرف صفاته سيما إذا انضاف إلى العلم (وأكرمني بالتقوى) فإن {أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، (وجملني بالعافية) فإنه مهما كان العبد في عافية فهو في جمال (ابن النجار عن ابن عمر) ورواه عن الرافعي (1).

1527 -

"اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت (طب عن ابن مسعود) ".

(اللَّهم إني أسألك من فضلك ورحمتك) يحتمل أنه حذف المسؤول ويحتمل أنه الفضل والرحمة (فإنه لا يملكها إلا أنت) فلا يسألان من غير مالكهما (طب عن ابن مسعود)(2).

1528 -

"اللَّهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة (5 عن أنس) ".

(اللَّهم) اجعلها (حجة) في القاموس (3) الحجة بالكسر المرة الواحدة شاذ لأنّ القياس الفتح (لا رياء فيها ولا سمعة) أصل الحديث عن أنس قال: حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة خلقة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال:

(1) أخرجه ابن النجار كما في الكنز (3663) وأخرجه الرافعي (2/ 324). وضعفه الألباني في الجامع (1179).

(2)

أخرجه الطبراني (10/ 178، رقم 10379). قال الهيثمي (10/ 159): رجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن زياد البرجمى، وهو ثقة. وأخرجه أيضًا: أبو نعيم في الحلية (5/ 36). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1278).

(3)

القاموس المحيط (ص 234).

ص: 163

اللَّهم الحديث (5 عن أنس)(1).

1529 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من خليل ماكر عيناه ترياني وقلبه يرعاني إن رأى حسنة دفنها وإن رأى سيئة أذاعها (ابن النجار عن سعيد المقبري مرسلًا.) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من خليل ماكر) من المكر وهو الخديعة أي خادع وقد فسره بقوله (عيناه ترياني وقلبه يرعاني) يراعي أذاي والخديعة لي إن رأى حسنة دفنها لم يذكرها (وإن رأى سيئة أذاعها) نشرها وأظهر خبرها وفي معناه:

إن يسمعوا سبة طاروا بها فرحًا

مني وما سمعوا من صالح دفنوا

صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به

وإن ذكرت بشر عندهم آذنوا

(ابن النجار عن سعيد المقبري مرسلًا) أرسل عن أبي هريرة وغيره قال أحمد: لا بأس به (2).

1530 -

"اللَّهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها اللَّهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدى لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت (طب عن أبي أمامة) ".

(اللَّهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي) عطف تفسيري أو أريد بأحدهما الصغائر وبالآخر الكبائر على القول أنها تغفر من غير توبة أو على أن هذا الدعاء تقارنه التوبة والتأكيد بقوله (كلها) يشعر أنه عام لهما (اللَّهم أنعشني) يقال أنعشه الله ينعشه نعشا إذا رفعه وانتعش العاثر إذا نهض (واجبرني) سد مفاقري (واهدني لصالح الأعمال والأخلاق فإنه لا يهدي لصالحها) وكأنه قال: واصرف عني

(1) أخرجه ابن ماجه (2890) قال البوصيرى (3/ 182): إسناده ضعيف. وأخرجه أيضًا: هناد (821) وابن أبي شيبة (3/ 442، رقم 15805). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1302).

(2)

أخرجه ابن النجار كما في الكنز (3666)، وأخرجه أيضًا: هناد (2/ 645، رقم 1402) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1199) والسلسلة الضعيفة (2913)

ص: 164

سيئها ولكنه دل عليه بقوله (ولا يصرف سيئها إلا أنت)(طب عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف [1/ 438] ورجاله موثقون (1).

1531 -

"اللَّهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، اللَّهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بالقضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللَّهم زينًا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين (ن ك عن عمار بن ياسر) (صح) ".

(اللَّهم بعلمك الغيب) أتوسل إليك والمراد بالغيب الخفي الذي لا ينفذ فيه إلا علم اللطيف الخبير ولما كان علم الغيب مما استأثر الله به خصه وإلا فهو عالم الغيب والشهادة (وبقدرتك على الخلق) على إبداع الشيء واختراعه على غير مثال سبق كما في القاموس (2) والخلق الناس أيضًا كما في النهاية (3)(أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي) وهي الحياة التي تكون زيادة في كل خير والتوسل بالعلم والقدرة يناسب المطلوب غاية المناسبة فإن علم الحياة خير أعلم غيب وطلب الإحياء لا يسأل إلا من القادر على الخلق كما في (وتوفني) بالموت (إذا كانت الوفاة خيرًا لي) وهي الوفاة التي تكون راحة من كل شر (اللَّهم وأسألك خشيتك) خشيتي إياك (في الغيب) في ما غاب عن أعين العباد مما أفعله أو مما

(1) أخرجه الطبراني (8/ 200، رقم 7811). قال الهيثمي (10/ 112): رجاله رجال الصحيح غير الزبير بن خريق، وهو ثقة. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1266).

(2)

القاموس المحيط (1137).

(3)

(النهاية (2/ 70).

ص: 165

غاب في القلب من الاعتقادات الفاسدة والظنون السيئة والعزوم الضالة (والشهادة) فيما شهده الناس من الأعمال الصالحة التي يتطرق إليها الرياء ونحوه، فإذا خشيتك فيها طهرت أعمالي عما يشوبها من المبطلات له (وأسألك كلمة الإخلاص) في رواية كلمة الحق (في الرضا) حال كوني راضبًا (والغضب) مثله والمراد في الحالين معًا فمن الناس من يخرجه غضبه عن الحق وهو يعم كونه هو الغاضب والراضي أو كونه مغضوبا عليه ومرضيا عنه (وأسألك القصد) هو التوسط في الأمور والمراد هنا في النفقة لقوله (في الفقر والغنى وأسألك نعيمًا لا ينفد) لا ينقطع وهو نعيم الجنة (وأسألك قرة عين لا تنقطع) ما تقر به عيني من أمور الدنيا والدين (وأسألك الرضا بالقضاء) في رواية: بعد القضاء وعليها كلام ابن القيم أي بما قضيته لي فأتلقاه بصدر مشرح (وأسألك برد العيش بعد الموت) كناية عن طيب ما بعد الموت (وأسألك لذة النظر إلى وجهك) ولا يتم على التأويل وعلى غيره إلا للأبرار فهو سؤال أن يجعله منهم (والشوق إلى لقاءك) مقيدا بقوله (في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) فإنه قد يشتاق إلى لقائه تعالى فيهما ولكنه ليس شوقا إليه تعالى مجردًا عن العوارض الموجبة لمحبة فراق الدنيا (اللَّهم زينا بزينة الإيمان) في القلوب (واجعلنا هداة) لغيرنا لننال أجر الهادين للأنام (مهديين) في أنفسنا. وأعلم أنه قد تكلم ابن القيم على هذا الحديث في الإغاثة (1) فقال: جمع في هذا الحديث الجليل القدر بين أطيب شيء في الدنيا وهو الشوق إلى لقاء الله وأطيب شيء في الآخرة وهو النظر إلى وجهه سبحانه ولما كان كمال ذلك وتمامه موقوفًا على عدم ما يضر في

(1) إغاثة اللهفان (1/ 28).

ص: 166

الدنيا يعين في الدين قال: "في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة" ولما كان كمال العبد في أن يكون عالمًا بالحق متبعًا له معلمًا لغيره ومرشدًا له قال: اجعلنا هداة مهديين، ولما كان الرضا النافع المحصل للمطلوب هو الرضا بعد وقوع القضاء لا قبله فإن ذلك عزم على الرضا فإذا وقع القضاء انفتح ذلك العزم فينال الرضا بعده فإن القدر يكتنفه أمران الاستخارة قبل وقوعه والرضا بعد وقوعه فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند (1) وغيره عنه صلى الله عليه وسلم[1/ 439] من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله وأن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله ولما كانت خشية الله رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل، سأل الله أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضا، ولذا قال بعض السلف لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه عن الحق، ولما كان الفقر والغنى محنتين وبليتين يبتلي بهما عباده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله القصد في الحالين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير ولما كان النعيم نوعين نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ولما كانت الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمها قدرًا وأجلها خطرًا وإذا حصلت حصلت زينة البدن في العقبى على أكمل الوجوه، فسأل ربه الزينة الباقية فقال: زّينا بزينة الإيمان، ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنًا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام

(1) أخرجه أحمد (1/ 168).

ص: 167

الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت (ن ك عن عمار بن ياسر) رمز المصنف لصحته (1).

1532 -

"اللَّهم ربَّ جبريل وميكائيل وربَّ إسرافيل أعوذ بك من حرِّ النار ومن عذاب القبر (ن عن عائشة) ".

(اللَّهم رب جبريل وميكائيل ورب إسرافيل) توسل بربوبيته تعالى لمن ذكر (أعوذ بك من حر النار ومن عذاب القبر) وسلف غير مرة (ن عن عائشة) ورواه عنها أحمد (2).

1533 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء (ن ك عن ابن عمرو) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) بفتح الدال المهملة ثقله وشدته وحيث لا قدرة له على وفائه (وغلبة العدو) فإنه قهر الرجال الذي استعاذ منه صلى الله عليه وسلم فيما سلف (وشماتة الأعداء) فرحهم بما ينزل بعدوهم من البلايا وهو استعاذة من حلول البلاء (ن ك عن ابن عمرو) ورمز المصنف لصحته (3).

1534 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من غلبة الدين ومن غلبة العدو ومن بوار الأيم ومن فتنة المسيح الدجال (قط في الإفراد طب عن ابن عباس) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وبوار) بالموحدة المفتوحة

(1) أخرجه أحمد (4/ 264)، والنسائي (3/ 54)، والحاكم (1/ 705) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: ابن حبان (1971). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1301).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 61)، والنسائي (3/ 72). وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (3858). قال الهيثمي (10/ 110): رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه علي بن سعيد الرازي، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله ثقات.

(3)

أخرجه أحمد (2/ 173)، والنسائي (8/ 265)، والحاكم (1/ 713) وقال: صحيح على شرط مسلم.

ص: 168

آخره راء (الأيم) قال في النهاية (1) كسادها من بارت السوق إذا كسدت والأيم التي لا زوج وهي مع ذلك لا يرغب فيها أحد (ومن فتنة المسيح الدجال) كما سلف (قط في الأفراد طب عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وفيه عباد بن زكريا مجهول وبقية رجاله ثقات (2).

1535 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من التردّي، والهدم، والغَرَق، والحَرَق، وأعوذ بك أن يتخبَّطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرًا وأعوذ بك أن أموت لديغًا (ت ك عن أبي اليسر) (صح) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من التردي) أي السقوط، من تردّى في البئر إذا سقط فيها (والهدم) هو من هدم البناء نقضه (والغرق والحرق) هما معروفان والمراد الاستعاذة من الوقوع في هذه الأشياء أو الهلاك فيها (وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت) في النهاية (3) أي يصرعني ويتلعب بي والخبط باليدين كالرمح بالرجلين انتهى، قال الخطابي: هو أن يستولي عليه عند مفارقة الدنيا فيضله ويحول بينه وبين التوبة أو يغويه من إصلاح شأنه والخروج من مظلمة مكورة قبله أو يوئسه من رحمة الله أو يكره إليه الموت ويؤسفه على حياة الدنيا [1/ 440] والرضا بما قضاه الله عليه من الفناء والنقلة إلى الدار الآخرة فيختم له بالسوء ويلقى الله وهو غاضب عليه (وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرًا) أي فارا من الزحف (وأعوذ بك أن أموت لديغًا) في النهاية (4): اللديغ الملدوغ

(1) النهاية (1/ 161).

(2)

أخرجه الطبراني (11/ 323، رقم 1182)، والخطيب (12/ 450). وأخرجه أيضًا: الطبراني في الأوسط (2142)، والديلمي (1876). قال الهيثمي (10/ 143): رواه الطبراني في الصغير والأوسط والكبير، وفيه عباد بن زكريا الصريمى، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(3)

النهاية (2/ 8).

(4)

النهاية (4/ 245).

ص: 169

فعيل بمعنى مفعول (ت ك عن أبي اليَسر) بالتحريك وإهمال السين ورمز المصنف لصحته (1).

1536 -

"اللَّهم إني أعوذ بوجهك الكريم واسمك العظيم من الكفر والفقر (طب في السنة عن عبد الرحمن بن أبي بكر) ".

(اللَّهم إني أعوذ بوجهك الكريم) أي بذاتك (واسمك العظيم) تقدم الكلام فيه وفي تعيينه قريبًا (من الكفر والفقر)(طب) في كتاب السنة (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) وخالف المصنف قاعدته فإن كلمة طب رمز للطبراني في الكبير لا غير وإذا المروي لأحد من أهل الرموز في غير الكتاب الذي جعل له الرمز أتى باسمه صريحًا (2).

1537 -

"اللَّهم لا يدركني زمان ولا تدركوا زمانًا لا يتبع فيه العلم ولا يستحيى فيه من الحليم قلوبهم قلوب الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب (حم عن سهل بن سعد ك عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم لا يدركني زمان) دعاء لنفسه ودعاء لأمته المخاطبين بقوله (ولا تدركوا زمانًا) والمدعو بعدم إدراكه هو الزمان المتصف بقوله (لا يتبع فيه العليم) فيما يقوله (ولا يستحى فيه من الحليم) فلا يوقر ولا يرجع إليهما فإنه زمان الفساد (قلوبهم) أي أهل ذلك الزمان (قلوب الأعاجم) كناية عن غباوتها أو أنها قلوب كافرة (وألسنتهم ألسنة العرب) حلوة العبارة يخدعون الناس بها وهو الزمان الذي يكثر فيه الجهال ويقل فيه أهل الكمال (حم عن سهل بن

(1) أخرجه أحمد (3/ 427)، وأبو داود (1552)، والنسائي (8/ 283)، والطبراني (19/ 170)، رقم 381). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1282).

(2)

أخرجه أيضًا: الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (10/ 143) قال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم وانظر: إرواء الغليل (3/ 358)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1302).

ص: 170

سعد ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وقال الشارح: ضعفوه (1).

1538 -

"اللَّهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس (طس عن علي) ".

(اللَّهم ارحم خلفائي) كأنه قيل من هم قال (الذين يأتون من بعدي) يتصفون بأنهم (يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس) سماهم خلفاؤه لأنهم خلفوه في تبليغ أحاديثه إلى الأمة وما جاء به من الأحكام وسلكوا ما سلكه من ذلك (طس عن علي) سكت عليه المصنف قال الشارح أنه ضعيف منكر لضعف أحمد بن عيسى العلوي انتهى. قلت: إن أراد صاحب الأمالي فهو إمام جليل لا يتجه فيه قيل ولا قال (2).

1539 -

"اللَّهم إنى أعوذ بك من فتنة النساء وأعوذ بك من عذاب القبر (الخرائطي في إعتلال القلوب عن سعد ابن أبي وقاص) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من فتنة النساء) الابتلاء بحبهن بل كل ما يأتي من قبلهن مثل فتنة الزوجة وغيرها. فإنها من أعظم الفتن ولذا قدم الله شأنهن في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] الآية. (وأعوذ بك من

(1) حديث سهل بن سعد: أخرجه أحمد (5/ 340) قال الهيثمي (1/ 183): فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. وأخرجه أيضًا: الرويانى (1116)، والديلمى (1/ 493، رقم 2009).

حديث أبى هريرة: أخرجه الحاكم (4/ 555) وقال: صحيح الإسناد. قال المناوي (2/ 149): قال الزين العراقى: سنده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1218).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5846). قال الهيثمي (1/ 126): فيه أحمد بن عيسى الهاشمي قال الدارقطني: كذاب. والرامهرمزي في المحدث الفاصل (1/ 163). وأخرجه أيضًا: الديلمي (1960). قال الذهبي في الميزان (1/ 270، ترجمة 508) ووافقه الحافظ في اللسان (1/ 241، ترجمة 756) كلاهما في ترجمة أحمد بن عيسى الهاشمي. قال الدارقطني: كذاب. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1171): موضوع.

ص: 171

عذاب القبر) (الخرائطي في اعتلال القلوب عن سعد ابن أبي وقاص)(1).

1540 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أَظلم أو أُظلم (د ن 5 ك عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من الفقر) فقر النفس وعدم قنوعها (والقلة) قلة الشيء المحتاج إليه (والذلة) الهوان عند العباد (وأعوذ بك من أن أظلم) غيري فأكون من الظالمين (أو أظلم) فأكون مظلومًا مقهورًا (د ن 5 ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (2).

1541 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة (د ن 5 عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع) تقدم بلفظه (وأعوذ بك من الخيانة) للأمانة (فإنها بئس البطانة) لصاحبها في دينه ودنياه (د ن 5 عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (3).

1542 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق (د ن عن أبي هريرة) "(صح).

(اللَّهم إني أعوذ بك من الشقاق) المشاقة بينه وبين العباد (والنفاق) إظهار خلاف ما يبطنه (وسوء الأخلاق) فإنه يأتي بشر الدنيا والدين (د ن عن أبي

(1) أخرجه الخرائطي في اعتلال القلوب (200)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1301).

(2)

أخرجه أبو داود (1544)، والنسائي (8/ 261)، وابن ماجه (3842)، والحاكم (1/ 725)، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم. والبيهقي (7/ 12). وأخرجه أيضًا: أحمد (2/ 305)، والبخاري في الأدب المفرد (678)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1287).

(3)

أخرجه أبو داود (1547)، والنسائي (8/ 263)، وابن ماجه (2/ 1113، رقم 3354). وأخرجه أيضًا: إسحاق بن راهويه (1/ 316، رقم 299)، وأبو يعلى (11/ 297، رقم 6412)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1283).

ص: 172

هريرة) رمز المصنف لصحته (1).

1543 -

"اللَّهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأقدام (حم د ن عن أنس) ".

(اللَّهم إني أعوذ بك من البرص) ألم معروف (والجنون والجذام) تقدم الكلام فيه (وسيئ الأسقام) عام بعد خاص (حم د ن عن أنس) وأخرجه غيرهم (2).

1544 -

"اللَّهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة (حم ق عن أنس) "(صح).

(اللَّهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة) تقدم (حم ق عن أنس)(3).

1545 -

"اللَّهم رب الناس مذهب البأس اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما (حم خ) عن أنس"(صح).

(اللَّهم رب الناس) صرح جماعة من أئمة اللغة أن لفظ الناس [1/ 441] يشمل الجن وصرح به ابن خالويه، والعرب تقول: ناس من الجن ولذا جوز بعضهم أن قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} بيان للناس (مذهب البأس) بهمزة ساكنة شدة المرض (اشف أنت الشافي) منزل الشفاء من الأسقام (لا شافي إلا أنت) وصريح ما أفاده مفهوم أنت الشافي فإن مفهومه الحصر (اشف شفاء لا يغادر) بالمعجمة ثم المهملتين (سقمًا) وصفه لأنه قد يحصل الشفاء ويبقى من الألم

(1) أخرجه أبو داود (1546)، والنسائي (8/ 264). ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (1198)، وضعيف أبي داود (332).

(2)

وأحمد (3/ 192)، وأبو داود (1554)، والنسائي (8/ 270)، وابن حبان (1017)، والحاكم (1/ 712) والضياء (2363). وأخرجه أيضًا: أبو يعلى (2897)، والطبراني في الصغير (316). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1281).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 142)، والبخاري (1786)، ومسلم (1369).

ص: 173

بقية وهذا قاله صلى الله عليه وسلم في الدعاء لمريض عند عيادته (حم خ عن أنس)(1).

1546 -

"اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (ق عن أنس) "(صح).

(اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة) قال الحسن: الحسنة في الدنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنة، وقال قتادة: هي في الدنيا العافية، وقال السدي: في الدنيا المال وفي الآخرة الجنة وقال محمَّد بن كعب: الزوجة الصالحة من الحسنات (2). (وفي الآخرة حسنة) هي السلامة من غضب الله وعقابه (وقنا عذاب النار) اصرفه عنا، وفي البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء، قال عياض (3): إنما كان يكثر منه لجمعه ما في الدعاء كله من أمر الدنيا والآخرة (ق عن أنس) وأخرجه غيرهما (4).

1547 -

"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال (حم ق 3 عن أنس) "(صح).

(اللهم إني أعوذ بك من الهم) لما يستقبل (والحزن) على ما فات (والعجز) عن أفعال الخير (والكسل) تقدم الفرق بينهما (والبخل والجبن وضلع الدين) في النهاية (5) الضلع الاعوجاج أي يثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال يقال: ضلع بالكسر يضلع ضلعا بالتحريك انتهى، والمراد بالميل عدم استقامة الحال لثقل الدين (وغلبة الرجال) شدة تسلطهم بغير حق (حم ق

(1) أخرجه البخاري (5742) وأحمد (3/ 152) وأبو داود (3890) والترمذي (973) والنسائي في الكبرى (10848).

(2)

ينظر: الدر المنثور (1/ 560) أقوال السلف فيها.

(3)

انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم لعياض (8/ 190).

(4)

أخرجه البخاري (6026)، ومسلم (2690).

(5)

النهاية (3/ 97).

ص: 174

3 عن أنس) أخرجوه بألفاظ متقاربة (1).

1548 -

"اللهم أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين (عبد بن حميد عن أبي سعيد طب والضياء عن عبادة بن الصامت) "(صح).

(اللهم أحيني مسكيناً) أراد مسكنة القلب على أحد الأقوال فيه وفيما بعده (وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة) جماعة (المساكين) وقد سبق التعوذ من الفقر ولذا تأول هذا بما سلف (عبد بن حميد عن أبي سعيد طب والضياء عن عبادة بن الصامت) رمز المصنف لصحته (2).

1549 -

"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات (حم ق 3 عن أنس) "(صح).

(اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم) الرجوع إلى أرذل العمر (وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) تقدمت هذه مراراً (حم ق 3 عن أنس)(3).

(1) أخرجه البخاري ومسلم (2706)، وأحمد (220: 3)، أبو داود (1541)، والترمذي (3484)، والنسائي (8/ 274).

(2)

حديث أبي سعيد: أخرجه عبد بن حميد (1002). وأخرجه أيضًا: ابن ماجه (4126). قال البوصيري (4/ 218): هذا إسناد ضعيف.

حديث عبادة بن الصامت: أخرجه البيهقي (12930)، والضياء من طريق الطبراني (8/ 270، رقم 332)، وابن عساكر (38/ 194). وأخرجه أيضاً: الطبراني في الدعاء (1427). قال الهيثمي (10/ 262): رواه الطبراني، وفيه بقية بن الوليد، وقد وثق على ضعفه وشيخ الطبراني، وعبيد الله بن زياد الأوزاعى، لم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1261) وفي السلسلة الصحيحة (308).

(3)

أحمد (3/ 214)، والبخاري (2668)، ومسلم (2706)، وأبو داود (1540)، والترمذي (3485) وقال: حسن صحيح. والنسائي (8/ 257)، وابن حبان (1009). وأخرجه أيضًا: أبو =

ص: 175

1550 -

"اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من عذاب النار وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال (خ ن عن أبي هريرة) "(صح).

(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من عذاب النار) الاستعاذة من هذه استعاذة من ارتكاب أسبابها (وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات) عام بعد خاص كما أن قوله " وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) خاص بعد عام فإنه من فتنة المحيا (خ ن عن أبي هريرة)(1).

1551 -

"اللهم إني أتخذ عندك عهدًا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فأيما مؤمن آذيته أو شتمته أو جلدته أو لعنته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة (ق عن أبي هريرة) "(صح).

(اللهم إني أتخذ عندك عهداً) يأتي تفسيره (لن تخلفنيه) صفه للعهد (فإنما أنا بشر) هو تعليل لاتخاذ العهد (فأيما مؤمن آذيته) قال العيني في شرح البخاري (2): الفاء جزائية وشرطها محذوف يدل عليها السياق أي إن كنت آذيت مؤمناً (أو شتمته) هو عطف خاص على عام وفيه أنه يعطف بأو (أو جلدته أو لعنته) هو من الشتم لكنه خاص من خاص فإنه من الأذية (فاجعلها) الخصلة الصادرة مني إليه (له) للمؤمن (صلاة وزكاة) الواحدة (وقربة) أي فاجعل كل خصلة صدرت مني مجموع ما ذكر أو كل واحدة له والقربة تعم ما قبلها ووصفها بقوله (تقربه بها إليك يوم القيامة) فيه بيان تسمية القربة أنها لتقربها

= يعلى (3074).

(1)

أخرجه البخاري (1311)، والنسائي (4/ 103).

(2)

انظر: عمدة القاري (22/ 310).

ص: 176

[1/ 442] فاعلها إليه تعالى قال الكرماني (1) إن كان مستحقاً لما ذكر لم يكن له قربة وأجيب بأن المراد غير المستحق له بدليل الروايات الأُخر الدالة عليه انتهى.

قلت: أو كان ذلك أيضاً في حال الغضب كما يدل للأمرين روايات من جملة الروايات ما أخرجه مسلم وفيه: "فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر وأرضى كما يرضى البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهوراً" الحديث، ويأتي في هذا الحرف (ق عن أبي هريرة)(2).

1552 -

"اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة الدجال، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع وصلاة لا تنفع ومن دعوة لا يستجاب لها (حم وعبد بن حميد م ن زيد عن بن أرقم)(صح).

(اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر وفتنة الدجال) تقدم كل ما ذكر (اللهم آت نفسي تقواها) دينها ويسرها لفعل ما يقها العذاب (وزكها) التزكية جعل الشيء زاكياً إما في ذاته أو في الاعتقاد والخبر عنه كما يقال عدلته وفسقته إذا جعلته كذلك في الخارج أو في الاعتقاد والخبر عنه بقوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] مراد به لا تخبروا بزكاتها قائلين نحن أتقياء ونحوه وأما قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9] فهو مطابق للدعاء فإن المراد من زكى الله نفسه فهو الفاعل له تعالى فالآية إخبار بأن المفلح من زكى الله نفسه، وهذا الحديث سؤال أن يزكي الله نفس الداعي

(1) المصدر السابق.

(2)

أخرجه أحمد (2/ 316)، والبخاري (6000)، ومسلم (2601).

ص: 177

به وهذا هو الحق في معنى الآية، فالله تعالى هو المزكي والعبد هو المتزكى وما جاء من الآيات التي فيها إسناد التزكية إلى العبد وإضافتها إليه مثل {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 18] فالمراد أفلح من قبل تزكية الله له وهل لك إلى قبول تزكية الله إياك بالإيمان فالرب فاعل التزكية والعبد مطاوع (أنت وليها) سلطانها والمتصرف فيها (ومولاها) مالك أمرها فلك عليها الولايتان ولاية السلطان وولاية الملك (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع) بأن لا يكون نافعاً في نفسه كعلم النجوم والكهانة وكل ما لا ينفع في الآخرة أو يكون نافعاً لكن لا ينتفع به صاحبه (ومن قلب لا يخشع) عند التذكير فإنه ليس بقلب مؤمن (ومن نفس لا تشبع) من الدنيا وحطامها (ومن دعوة لا يستجاب لها) هو كلفظ ومن دعاء لا يسمع (حم وعبد بن حميد م ن عن زيد بن أرقم)(1).

1553 -

"اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت (ق عن أبي موسى)(2)(صح).

(اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي) قال النووي (3): قال ذلك تواضعاً، وقيل: أراد ما كان سهو وقيل: ما كان قبل النبوة وإلا فإنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فدعاؤه بهذا تواضعًا ولأن الدعاء عباده، قال العيني (4): قلت: هو إرشاد لأمته وتعليم

(1) أخرجه أحمد (4/ 371) ، وعبد بن حميد (267) ، ومسلم (2722) والنسائي (8/ 260).

(2)

أخرجه البخاري (6399) ومسلم (2719).

(3)

شرح مسلم (17/ 40).

(4)

انظر: عمدة القاري للعيني (23/ 20).

ص: 178

لهم وإلا فإنه معصوم عن الذنوب جميعها قبل النبوة وبعدها (وإسرافي في أمري) الإسراف مجاوزة الحد بالإفراط أو أن السؤال طلب لإدامة ما تفضل الله به على العباد من العفو عن الخطأ (وما أنت أعلم به مني) عام لما سلف وغيره (اللهم اغفر لي خطاياي) الخطأ معفو عنه فالمراد: العفو عما تسبب إليه الخطأ مما تعمده من أسبابه (وعمدي وهزلي) إن تعدى إلى ما لا يحسن (وجدّي وكل ذلك عندي) أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها وهذا اعتراف جملي بعد الاعتراف التفصيلي (أنت المقدم) تقدم من تشاء برحمتك فتوفقه لطاعتك (وأنت المؤخر) تؤخر من تشاء عن ذلك بخذلانك (وأنت على كل شيء قدير) عام بعد خاص (ق عن أبي موسى)(1).

1554 -

"اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها اللهم أسألك العافية (م عن ابن عمر)(صح).

(اللهم أنت خلقت نفسي [1/ 443] وأنت تتوفاها) أي الإيجاد من الإعدام إليك لا يقدر عليه غيرك (لك مماتها ومحياها) هو مثل (وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ)[الأنعام 162] أي أنت المالك للأمرين فيها (إن أحييتها فاحفظها) عن شرور الحياة شرور الأديان والأبدان (وإن أمتها فاغفر لها) فهي بعد الموت أحوج إلى المغفرة (اللهم إني أسألك العافية) من شرور الدنيا والآخرة (م عن ابن عمر)(2).

(1) أخرجه البخاري (7004)، ومسلم (2719).

(2)

أخرجه مسلم (2712).

ص: 179