المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الهمزة مع اللام واللام مع الموحدة على مقتضى ترتيب الحروف - التنوير شرح الجامع الصغير - جـ ٣

[الصنعاني]

الفصل: ‌الهمزة مع اللام واللام مع الموحدة على مقتضى ترتيب الحروف

‌الهمزة مع اللام واللام مع الموحدة على مقتضى ترتيب الحروف

وكان حق هذا تقديمه على الهمزة مع اللام وأن يكون عقب الهمزة مع الكاف وقد جرى في الجامع الكبير على هذا وهنا خالفه وكأنه قدم ذلك تبركا وإن فات مراعاة الترتيب لأنه بلفظ الجلالة ولفظ اللهم.

1555 -

"ألبان البقر شفاء وسمنها دواء ولحومها داء (طب عن ملكية بن عمرو) ".

(ألبان البقر شفاء) هو جمع لبن واللبن مركب من مائيه وحليبه ودسومه ولبن البقر أكثر الألبان دسومة وأكثر غذاء من سائر الألبان، قال ابن القيم (1): هو يغذو البدن ويحصبه ويطلق البطن باعتدال وهو من أعدل الألبان وأفضلها من لبن الضأن ولبن المعز في الرقة والغلظ والدسومة وفي حديث السنن عن ابن مسعود مرفوعاً عليكم بلبن البقر فإنها تقم من كل شجرة (2)(وسمنها دواء) في كتاب السنن عن علي رضي الله عنه أنه قال: لم يستشف الناس بشيء من السمن والسمن حار رطب في الأولى وفيه جلاء ولطافة ينفع في الأبدان الناعمة ويفتح البثور والأورام التي وراء الآذان وما بين الصدر وذكر جالينوس أنه أبرأ به الأورام الحادثة وفي الأرنبة وإذا دلك به موضع الأسنان أثبت سريعاً (ولحمها

(1) انظر: زاد المعاد (4/ 352).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 448)، والطبراني في الكبير (25/ 42 رقم 79)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 345)، وفي الشعب (5956). انظر تفاصيل عن تخريجه وأحكامه وشواهده ومتابعاته في الأجوبة المرضية للسخاوي بتحقيقنا (1/ 21 - 25).

ص: 180

داء) قال ابن القيم (1): لحمها بارد يابس عسير الانهضام بطيء الانحدار يولد دماً سوداوياً لا يصلح لأهل التعب الشديد والكد ويورث إدمانه الأمراض السوداوية كالبهق والجرب والقوباء والجذام وداء الفيل والسرطان والوسواس وحمى الربع وكثير من الأورام وهذا لمن يتعوده ويدفع ضره بالثوم والفلفل والدارصيني والزنجبيل ونحوه وذكره أقل برودة ويبساً، ولحم العجل ولا سيما السمين من أعدل الأغذية وأطيبها وألذها وأحمدها وهو حار رطب (طب عن ملكية بن عمرو) ورد في الكبير الجعفية (2).

1556 -

"البس الخشن الضيق حتى لا تجد العز والفخر فيك مساغاً (ابن مندة عن أنيس بن الضحاك) ".

(البس الخشن) غير الناعم (الضيق) غير الواسع أي من الثياب (حتى لا تجد العز) الترفع (والفخر) إدعاء العظم (فيك مساغاً) مدخلًا وهو نهى عن الذرائع (ابن منده عن أنيس) مصغر (بن الضحاك) ثم قال غريب فيه إرسال (3).

1557 -

"البسوا الثياب البيض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم (حم ت ن 5 ك عن سمرة) "(صح).

(البسوا الثياب البيض) أمر ندب (فإنها أطهر) لأنه يطهر ما تعلق بها من النجاسة (وأطيب) قيل لدلالتها على التواضع وعدم الكبر (وكفنوا فيها موتاكم)

(1) في زاد المعاد (4/ 240).

(2)

أخرجه الطبراني (25/ 42، رقم 79)، قال الهيثمي (5/ 90): رواه الطبراني، والمرأة لم تسم، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه البيهقي (9/ 345). وأخرجه أيضاً: أبو داود في المراسيل (450)، والبغوي في الجعديات (2683). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1233) والسلسلة الصحيحة (1533).

(3)

أخرجه ابن منده كما في الكنز (5731). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1146).

ص: 181

تفاؤلاً بأن العبد يقدم على ربه وقد نقى بدنه من الأدناس وصار أبيض وأنه من الذين تبيض وجوههم ومن الذين يسعى نورهم بين أيديهم (حم ت ن 5 ك عن سمرة) رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: حسن صحيح وصححه الحاكم وأقروه (1).

1558 -

"التمس ولو خاتماً من حديد (حم ق د عن سهل بن سعد" " (صح).

(التمس ولو خاتماً حديداً) الحديث عن سهل أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعّد النظرة وصوبه وطأطأ رأسه فلمَّا رأت أنَّه لم يقضِ فيها شيئًا جلستْ، فقام رجل فقال: يا رسولَ الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال: "هل عندك من شيء"[1/ 444] فقال: لا والله يا رسول الله فقال: "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً" فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئاً فقال: "انظر ولو خاتماً من حديد" فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد ولكن هذا إزاري، قال سهل: وما له رداء غيره فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته هي لم يكن عليك منه شيء" فجلس الرجل حتى طال مجلسه فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً فأمر به فدعي فقال: "ماذا معك من القرآن" فقال: معي سورة كذا وسورة كذا أعددها فقال: "تقرأهنَّ عن ظهر قلبك" قال: نعم، قال:"اذهب فقد ملكتكها" انتهى.

وفيه دليل على جواز أخذ الأجرة تعليم القرآن وعلى جواز كون الصداق

(1) أخرجه أحمد (5/ 13)، والترمذي (2810) وقال: حسن صحيح. والنسائي (8/ 205)، وابن ماجه (3567) وابن سعد (1/ 450)، والطبراني (7/ 180، رقم 6759)، والبيهقي (3/ 402). وأخرجه أيضًا: عبد الرزاق (6199)، والطبراني في الأوسط (3919)، والحاكم (1/ 354)، وقال: صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1235) وأحكام الجنائز (63).

ص: 182

منفعة لا مالًا وإليه ذهب الشافعي فقال: يجوز أن يجعل تعليم القرآن للمرأة مهراً عملاً بظاهر الحديث، وقال أحمد بن حنبل: أكرهه، وقال مالك والحنفية: لا يجوز، وقال مكحول: إنه لا يجوز لأحد بعده صلى الله عليه وسلم (حم ق د عن سهل بن سعد" (1).

1559 -

"التمسوا الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق (طب عن رافع بن خديج).

(التمسوا الجار قبل الدار) ابحثوا على حسن سيرته وجواره قبل سكونكم الدار فإنه عمدة تطيب الدار بطيبه وتخبث بخبثه كما يقال: بجيرانها تغلوا الديار وترخص. (والتمسوا الرفيق) الذي يرافقكم في السفر (قبل الطريق) قبل سلوكها ولذا نهى عن سفر الإنسان وحده ويقال: ما أضيق الطريق على من ليس له رفيق (طب عن رافع بن خديج) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عثمان الطرائفي (2).

1560 -

"التسموا الخير عند حسان الوجوه (طب عن أبي خصيفة) ".

(التمسوا الخير عند حسان الوجوه) تقدم (طب عن أبي خصيفة) بفتح الخاء المعجمة فصاد مهملة فمثناة من تحت ففاء، قال الشارح: إسناده ضعيف والمصنف سكت عليه (3).

(1) أخرجه أحمد (5/ 336)، والبخاري (4842)، ومسلم (1425)، وأبو داود (2111). وأخرجه أيضاً: مالك (1096) والنسائي (6/ 123)، والبيهقي (7/ 236).

(2)

أخرجه الطبراني (4/ 268، رقم 4379) قال الهيثمي (8/ 164): فيه أبان بن المحبر، وهو متروك. والخطيب في الجامع لأخلاق الرأوى وآداب السامع (2/ 233). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1147) والسلسلة الضعيفة (2013): موضوع.

(3)

أخرجه الطبراني (22/ 396، رقم 983). قال الهيثمي (8/ 195): رواه الطبراني من طريق يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلى عن أبيه، وكلاهما ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف =

ص: 183

1561 -

"التمسوا الرزق في النكاح (فر عن ابن عباس) ".

(التمسوا الرزق بالنكاح) بالتزوج فإنه جالب للبركة، إن قيل: هو حث على أن يتزوج الفقير ليرزق والله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور:33] قيل: ذلك من لا يجد ما ينكح به وهذا فيمن يجد ذلك لكنه لا يجد نفقة (فر عن ابن عباس) إلا أنه بإسناد ضعيف لكن له شواهد (1).

1562 -

"التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس (ت عن أنس) ".

(التمسوا الساعة التي ترجى يوم الجمعة) هي إشارة إلى الساعة (2) التي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري (3) وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: "في الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه" وقد اختلف العلماء هي باقية أو قد رفعت على قولين، حكاهما ابن عبد البر، والذين قالوا: هي باقية اختلفوا في تعيينها على قولين، هل هي في وقت معلوم من اليوم معين أو غير معين؟ والذين قالوا بعدم تعيينها اختلفوا هل هي تنقل في ساعات اليوم أم لا؟ على قولين، والذين قالوا بتعيينها اختلفوا على أحد عشر قولاً سردها ابن القيم في الهدي (4) وقال: أرجح الأقوال أنها بعد العصر، وقال: إنه قول أكثر السلف وعليه أكثر الأحاديث.

= الجامع (1148) والسلسلة الضعيفة (2855)

(1)

أخرجه الديلمي (282). قال المناوي (2/ 157): فيه مسلم بن خالد قال الذهبي في الضعفاء: قال البخاري وأبو زرعة: منكر الحديد وقال السخاوي: وشيخه ضعيف لكن له شواهد عن ابن عباس. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1146) والسلسلة الضعيفة (2487).

(2)

وُضع عنوان جانبي (مطلب في ساعة الجمعة).

(3)

أخرجه البخاري (4988)، ومسلم (852).

(4)

زاد المعاد (1/ 376).

ص: 184

قلت: منها حديث الكتاب فإنه قال (بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) ثم قال [1/ 445] ابن القيم: ويليه في الأرجحية أنها القول بأنها ساعة الصلاة، قال: وبقية الأقوال لا دليل عليها.

قلت: إلا أنه قد يقال: أن في حديث أبي هريرة: "لا يوافقها عبد وهو قائم يصلي"، وقد نهى عن الصلاة بعد العصر.

وجوابه أنه قد سُئل عنه سيد الرسل صلى الله عليه وسلم وأجاب بما يشفي ففي سنن ابن ماجة (1) عن عبد الله بن سلام قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله يعني التوراة في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله عز وجل فيها شيئاً إلا قضى الله حاجته، قال: عبد الله فأشار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو بعض ساعة" قلت: صدقت يا رسول الله أو بعض ساعة. قلت: أي ساعة هي قال: "آخر ساعة من ساعات النهار" قلت: إنها ليست ساعة صلاة قال: "بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يحبسه إلا الصلاة فهو في صلاة" انتهى.

فيكون قوله: "وهو قائم يصلي" أي كالقائم في أجره والحكم له بأنه في صلاة (ت عن أنس) سكت عليه المصنف، وقال في الكبير عن الترمذي: غريب ضعيف (2).

1563 -

"التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين (محمَّد بن نصر في الصلاة عن ابن عباس) ".

(1) أخرجه ابن ماجة (1139).

(2)

أخرجه الترمذي (489) وقال: غريب. وأخرجه ابن عدى (6/ 196، ترجمة 1671 محمَّد بن أبي حميد) وقال: ولمحمد بن أبي حميد غير ما ذكرت وحديثه متقارب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه. قال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 228): سنده ضعيف. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1237).

ص: 185

(التمسوا ليلة القدر) في النهاية (1) هي الليلة التي تقدر فيها الأرزاق وتقضى والحث على التماسها لما فيها من الفضل الذي نوه الله به في قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] وسبب منته تعالى بها على الأمة ما في سبب نزولها كما في كتب التفسير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فتعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت إليهم أعمالهم فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك المغازي، وقيل غير ذلك، ولما أعطوها أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم زمانها المعين كما أخرج ابن أبي شيبة (2) من حديث أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أريت ليلة القدر فأنسيتها -أو نسيتها- فالتمسوها في العشر الأواخر الوتر" الحديث ولهذا قال (في أربع وعشرين) وقد تعددت الأحاديث في زمن تعيينها فروي في سبع وعشرين في العشر الأواخر في الخامسة أو الثالثة في سابعة وتاسعة أخر ليلة في وتر في أحد وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين كل هذه روايات في الجامع هذا وفي الكبير. قال بعض العلماء: الظاهر أنهما تنتقل في العشر الأواخر قال: فإننا قد رأينا علاماتها اختلفت تجدها سنة في هذه وسنة في تلك قال: والذي أظنه أنه لما أراد الله تعالى لهم الخير بعموم اهتمامهم بها في تطلبها ليكثروا من الخير وأخفاها، لذلك جاءت أحاديث الحث عليها والحوم حولها موافقة لذلك ولذا يراها أو غالبها إنما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"التمسوها في كذا وتحروها" وذكر الوتر تارة باعتبار ما مضى وأخرى باعتبار ما بقي وصار الصحابة يخبر كل منهم باعتبار ما فهم، ولجزم قوم وتردد آخرون (محمد بن

(1) النهاية (4/ 22).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (9527).

ص: 186

نصر في الصلاة عن ابن عباس) (1).

1564 -

"التمسوا ليلة القدر في ليلة سبع وعشرين (طب عن معاوية) ".

(التمسوا ليلة القدر) كأنه قيل: متى نلتمسها؟ قال [1/ 446](ليلة سبع وعشرين) وإليه ذهب قوم (طب عن معاوية) قال الشاوح: إسناده صحيح (2).

1565 -

"التمسوا ليلة القدرآخر ليلة من رمضان (محمد بن نصر عن معاوية) ".

(التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان) المراد ليلة تسع وعشرين لا ليلة الثلاثين كما فسرته أحاديث أخرى ولعله يقال بل يحمل الآخرية على حقيقتها بلا تأويل (ابن نصر) أي محمد (عن معاوية)(3).

1566 -

"ألحدوا ولا تشقوا فإن اللحد لنا والشق لغيرنا (حم عن جابر) ".

(ألحدوا) اللحد شق القبر وهو معروف وأصل الأمر الإيجاب وزاده تأكيداً النهي بقوله (ولا تشقوا فإن اللحد لنا) أيها الأمة (والشق) وهو شق وسط القبر وإلقاء الميت فيه (لغيرنا حم عن جابر) سكت عليه المصنف وفيه عثمان بن عمير ضعفوه (4).

1567 -

"ألحد لآدم وغسل وتراً فقالت الملائكة هذه سنة ولد آدم من بعده

(1) أخرجه ابن نصر كما في مختصر قيام الليل للمقريزى (ص 131، رقم 43) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1151).

(2)

أخرجه الطبراني (19/ 349، رقم 814).

والحديث أصله عند أبى داود وغيره بطرف: "اليلة القدر ليلة سبع وعشرين". وصححه الألباني في صحيح الجامع (1240).

(3)

أخرجه ابن نصر كما في مختصر قيام الليل للمقريزى (36). وأخرجه أيضاً: ابن خزيمة (2189)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1238).

(4)

أخرجه أحمد (4/ 359). قال المناوي (2/ 159): فيه عثمان بن عمير أورده الذهبي في الضعفاء. وللحديث أطراف أخرى منها: "اللحد لنا والشق لغيرنا" وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1155).

ص: 187

(ابن عساكر عن أبي) ".

(ألحد) مغير صيغة (لآدم) الحد له أبناؤه (وغسل) بعد موته (بالماء) وتراً ثلاثاً كما دلت عليه أحاديث أخر أو خمساً كما في حديث أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن" الحديث. فيحتمل أن الأصل الاقتصار على الثلاث فإن اقتضى الحال الزيادة زيد عليها (وقالت الملائكة هذه سنة ولد آدم من بعده) يحتمل أنها قالته لأولاد آدم على جهة التبليغ عن الله أو قالته فيما بينها لأنه تعالى أعلمها بذلك وأنه سنة لهم على لسان نبيه وفيه دليل أن هذا أول عمل اتفق لميت وقد كان هابيل قتل في حياة آدم وكأنه تولى دفنه قابيل حين رأى الغراب يبحث في الأرض فدفنه من دون لحد ولا غسل (ابن عساكر عن أبي)(1).

1568 -

"ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل (حم ق ت عن ابن عباس) "(صح).

(الحقوا الفرائض بأهلها) تقدم تفسير الفرائض عن النهاية بأنه الأنصبة المقدرة المذكورة في الكتاب والسنة، والمراد بالإلحاق اتباعها لمن جعلها الله لهم (فما بقي فهو لأولى رجل ذكر) بعد إعطاء من له سهم ونصيب نصيبه فهو أي ما بقي لأول رجل قال في التناقيح شرح المصابيح للعلامة السلمي: المراد بأولى رجل: أقرب رجل ليس المراد بأولى أحق ووصف الرجل بأنه ذكر تنبيهًا على سبب استحقاقه وهي المذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الإرث ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين (2)(حم ق ت عن ابن عباس) زاد في

(1) أخرجه الديلمي (1625)، وابن عساكر (7/ 455). وأخرجه المحاملي في الأمالي (403)، والضياء (1252)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1154).

(2)

انظر: كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح للمناوي بتحقيقنا (2/ 560 رقم =

ص: 188

الكبير: ط ص رمز الموطأ ومصنف ابن أبي شيبة (1).

1569 -

"الزم بيتك طب عن ابن عمر".

(الزم بيتك) هو أمر بلزوم العزلة والخلوة عند هيجان الفتن واضطرابها وذكر في سببه أنه صلى الله عليه وسلم قاله لرجل استعمله على عمل فقال: خِرْ لي فذكره فالمراد التنزه عن نحو الإمارة وإشارة إلى العزلة قالوا: ينبغي للمعتزل أن ينوي بعزلته كف شره عن الناس أولاً ثم طلب السلامة من شر الأشرار ثانياً، ثم الخلاص من آفة القصور عن القيام بحقوق المسلمين ثالثاً، ثم التجرد لجمع الهمة بعبادة الله رابعاً، ثم ليكن مع خلوته مواظباً على العلم والعمل والذكر والفكر ليجتني ثمرة العزلة، وقد ألَّف السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله كتاباً في العزلة لطيفًا وفوائدها كثيرة وقد ذكرها الإِمام الغزالي وجرد لها كتاباً في الإحياء (2) في ربع المنجيات (طب عن ابن عمر) سكت عليه المصنف، وهو ضعيف لضعف الفرات (3).

1570 -

"الزم نعليك قدميك فإن خلعتهما فاخلعهما بين رجليك ولا تجعلها عن يمينك ولا يمين صاحبك، ولا وراءك فتؤذي بها من خلفك. (5 عن أبي هريرة) ".

(الزم) بكسر الزاي (نعليك قدميك) هذا حكم النع الذي المسجد [1/ 447]

= 2261).

(1)

البخاري (6351)، ومسلم (1615)، والترمذي (2098) وقال: حسن. وابن أبي شيبة (31133)، والنسائي في الكبرى (4/ 71، رقم 6331)، وابن الجارود (955)، وأبو عوانة (3/ 436)، والطبراني (11/ 20، رقم 10904)، والدارقطني (4/ 71)، والبيهقي (6/ 234).

(2)

الإحياء (2/ 244).

(3)

أخرجه الطبراني كما في المجمع (5/ 201). وقال العراقي في تخريج الإحياء (3/ 221): وفيه الغرب بن أبي الغراب ضعفه ابن معين وابن عدي وقال أبو حاتم: صدوق. وصححه الألباني في الجامع (1247) والصحيحة (1535).

ص: 189

إذا السنة الصلاة فيهما كما يأتي في حرف الصاد إلا لشيء يوجب خلعهما (فإن خلعتهما فاخلعهما بين رجليك ولا تجعلهما) بعد الخلع (عن يمينك)؛ لأن اليمين جهة شريفة تصان عن ذلك (ولا عن يمين صاحبك) من يمينك (ولا وراءك فتؤذي من خلفك)(5 عن أبي هريرة)(1).

1571 -

"الزموا هذا الدعاء اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر فإنه اسم من أسماء الله (البغوي وابن قانع طب عن حمزة بن عبد المطلب) ".

(ألزموا هذا الدعاء) الدعاء به كأنه قيل: ما هو؟ قال (اللهم إني أسألك) متوسلاً (باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر فإنه) أي ما ذكر (اسم من أسماء الله تعالى) فتوسل به إليه وأفرد الضمير لما أولناه ولفظ الاسم الأعظم ليس من أسمائه تعالى المعدودة التي يخبر عنه بها، إلا أنه لما كان صفة لاسمه الأعظم نفسه جعل كأنه صفة له والرضوان أيضًا ليس من أسمائه، إنما هو من أسماء أفعاله وهو رضاه عن عباده (البغوي وابن قانع طب عن حمزة بن عبد المطلب) سيد الشهداء وعم المصطفى صلى الله عليه وسلم وفي الكبير للمصنف عن أبي مرثد بن كنانة عن حمزة بن عبد المطلب انتهى (2).

1572 -

"الزموا الجهاد تصحوا وتستغنوا (عد عن أبي هريرة) ".

(الزموا الجهاد تصحوا) من الأسقام أو تصح قلوبكم من الشبهات والشهوات ويصح إيمانها (وتستغنوا) تصيروا أغنياء بما تغنمون من أموال

(1) أخرجه ابن ماجه (1432). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1157) والسلسلة الضعيفة (988): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه ابن قانع (1/ 187)، والطبراني (3/ 151 رقم 2959) وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (ص 117 رقم 237). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1159).

ص: 190

الكفار وقد صار السلف أغنياء بغنائمهم وما زال قتال الكفار غنى للمسلمين في كل عصر وحين وفيه جواز أن تصحب نية الأعمال الدينية مقاصد دنيوية (عد عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (1).

1573 -

"ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام (ت عن أنس) (حم ن ك عن ربيعة بن عامر) ".

(ألِظّوا بيا ذا الجلال والإكرام) في النهاية (2) في الظاء المعجمة ألظوا أي ألزموا واثبتوا عليه وأكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم يقال: لظ بالشيء إلظاظاً إذا لازمه وثابر عليه، وفيه أن الجلال العظمة وفي الكشاف في قوله ذو الجلال والإكرام الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم أو الذي يقال له: ما أجلك وأكرمك أو من عنده الجلال والإكرام المخلصين من عباده وهذه الصفة من أعظم صفات الله (ت عن أنس) وقال: هذا حديث غريب وقد روى هذا الحديث عن أنس من غير هذا الوجه (حم ن ك عن ربيعة بن عامر) بن بجاد الأزدي وقاله غيره (3).

1574 -

" ألق عنك شعر الكفر ثم اختتن حم د عن أبي كليب عن أبيه عن جده".

(ألق عنك شعر الكفر واختتن) قاله صلى الله عليه وسلم لجد عثيم بالمهملة والمثلثة فمثناة تحتية بن كليب ولفظه عن عثيم عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له،

(1) أخرجه ابن عدي (1/ 34). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1158) والسلسلة الضعيفة (1650): ضعيف جدًّا.

(2)

النهاية (4/ 252).

(3)

أخرجه الترمذي (3525) وابن عدي (7/ 103) عن أنس وأخرجه أحمد (4/ 177) والنسائي في الكبرى (4791) والحاكم (1/ 499) وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1250) والسلسلة الصحيحة (1536).

ص: 191

وفي تيسير الأصول ما لفظه عن عثيم بن كثير بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد أسلمت فقال له: "احلق واختتن" وفيه دليل لمن أوجب الختان وهو الشافعي ومن معه، وقد عورض بأحاديث أخرى، وهذا الحديث فيه كلام يتعلق بجهالة الراوي، قال ابن المنذر: ليس في الختان حديث يرجع إليه ولا سنة تتبع وقد بسطنا أدلة الفرق في ذلك في حواشينا على شرح العمدة بما ليس عليه زيادة (1) وأشرنا إليه في حواشي ضوء النهار (حم د عن أبي كليب عن أبيه عن جده) فالصحابي كليب وفيه انقطاع وضعف (2).

1575 -

"ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاما (ك هب) جابر".

(ألهم) مغير صيغة أي الهم الله (إسماعيل) بن إبراهيم (هذا اللسان العريي) في القاموس (3): ألهمه الله خيرًا ألقنه إياه، واللسان لغة العرب سمي لساناً تسمية نالته محله أو أنه مشترك بين الجارحة واللغة (إلهاماً) [1/ 448] تأكيدا لدفع توهم المجاز وفيه رد على من قال: إن إسماعيل تعلمه من جرهم (ك هب عن جابر) قال الحاكم: على شرط مسلم واعترض، وكأنه لذلك ترك المصنف الرمز بالصحة عليه (4).

1576 -

"الهوا والعبوا فإني أكره أن أرى في دينكم غلظة (هب عن المطلب بن عبد الله".

(الهوا) تقدم الكلام على اللهو في أحب (والعبوا) والمراد هنا ما أباحه الشرع

(1) انظر العدة حاشية على شرح العمدة.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 415) وأبو داود (356).

وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1251) والإرواء (79).

(3)

القاموس (ص 1498).

(4)

أخرجه الحاكم (2/ 439) والبيهقي في الشعب (1620). وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع (1220) والسلسلة الضعيفة (2919).

ص: 192

من ملاعبة الزوجة وتأديب الفرس والرمي وقوله: والعبوا هو كالعطف التفسيري (فإني أكره أن يرى في دينكم غلظة) فإنه تعالى قد بعثه بالحنيفية السهلة السمحة ووضع عن أمته الآصار والأغلال (هب عن المطلب بن عبد الله) المخزومي وفيه انقطاع وضعف (1).

1577 -

"إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية (طس هب عن أبي هريرة) ".

(إليك انتهت الأماني) جمع أمنية من يمناه أراده أي انتهت المرادات والطلبات إليك (يا صاحب العافية) يا من هي في يده يرسلها على من يشاء من عباده ولا يملكها غيره ولا تنال إلا منه فهي أجل مطلوبات الدنيا والدين (طس هب عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وإسناد الطبراني حسن (2).

1578 -

"أما إن ربك يحب المدح وفي لفظ الحمد (حم خد ن ك عن الأسود بن سريع) "(صح).

(أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تثنية قال نجم الأئمة: وفائدته المعنوية تأكيد مضمون الجملة قال: وكأنه مركب من همزة الإنكار وحرف النفي والإنكار نفي ونفي النفي إثبات ركب الحرفان لإفادة الإثبات والتحقيق وأن لا تكون بعده إلا مكسورة الهمزة لما عرفت من أنها لا تدخل إلا على جملة (إن ربك يحب المدح) لفظه في الكبير للمصنف عن الأسود بن سريع أتيت

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (6542).

وقال الشيخ الألباني في ضعيف الجامع (1221) والسلسلة الضعيفة (2257): موضوع.

(2)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6542) وقال: هذا منقطع وإن صح فإنه يرجع إلى اللهو المباح. والديلمي (357). قال المناوى (2/ 161): فيه مع ذلك يحيى بن يحيى الغساني، قال الذهبي في الضعفاء: جرحه ابن حبان. وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب أورده أيضاً في الضعفاء وقال: لينه يحيى وقال أحمد: لا بأس به وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1224).

ص: 193

رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إني قد حمدت ربي عز وجل بمحامد ومدح وإياك فقال: "إما إن ربك يحب المدح هات ما مدحت به ربك وما مدحتني فدعه" فجعل ينشده .. الحديث وفيه قصة (حم خد ن ك عن الأسود بن سريع) رمز المصنف لصحته (1).

1579 -

"أما إن كل بناء فهو وبال على صاحبه إلا ما لا إلا ما لا (د عن أنس) ".

(أما إن كل بناء وبال) سوء عقاب وطول عذاب (على صاحبه) بانيه (إلا مالا إلا مالا) قال المصنف في المرقاة قال الحافظ أبو الفضل العراقي في تخريج الإحياء، والحافظ ابن حجر في فتح الباري: إلا ما لا بد منه. انتهى.

قلت: وهذا من نوع البديع سمي بالاكتفاء ولا يقال إن فيه تعمية؛ لأنه قد علم المخاطب ما أراده صلى الله عليه وسلم وفيه جزر شديد عن بناء ما لا حاجة إليه وتكررت به الأحاديث (د عن أنس) ورجاله موثقون (2).

1580 -

"أما إن كل بناء فهو وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان في مسجد أو أو أو (حم 5 عن أنس) ".

(أما إن كل بناء فهو وبال) في النهاية (3) الوبال في الأصل الثقل والمكروه

(1) أخرجه أحمد (3/ 435). قال الهيثمي (10/ 95): أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. والبخاري في الأدب المفرد (859)، والنسائي في الكبرى (7745)، وابن سعد (7/ 41)، والطحاوي (4/ 298)، وابن قانع (1/ 18)، والطبراني (1/ 283، رقم 824)، والحاكم (3/ 712) وقال: صحيح الإسناد. والبيهقي في شعب الإيمان (4366)، والضياء (1447). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1228).

(2)

أخرجه أبو داود (5237)، وقال العراقي (4/ 119) وقال الحافظ في الفتح (11/ 93) رواته موثقون إلا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي فليس بمعروف وله شاهد عن واثلة عند الطبراني. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1230) والسلسلة الضعيفة (176).

(3)

النهاية (5/ 145).

ص: 194

ويريد به في الحديث العذاب في الآخرة (على صاحبه يوم القيامة إلا ما كان في مسجدٍ أو أو أو) مكرر ثلاثاً حذفت المعطوفات مع الإتيان بالعاطف للقرينة الداله عليه وقد قدر هنا بأن المراد رباط أو مسكن أو بيت للأضياف وكأنه دل على خصوص هذا المقدر السياق وهذا أعني حذف المعطوف مع بقاء عاطفة من غريب العربية لم يذكره الرضي ولا ابن هشام في المغني وفي الاكتفاء في الأول والحذف في هذا دلالة على كراهة البناء وأنه صلى الله عليه وسلم طوى تفاصيل ما يباح منه إبعاداً عن الإشكال به (حم 5 عن أنس) زاد في الكبير طس (1).

1581 -

"أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك (م، د عن أبي هريرة) "(صح).

(أما إنك) أيهما الرجل الذي لدغته العقرب (لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامة) تقدم تفسيرها [1/ 449](من شر ما خلق) عام لكل ذي شر (لم يضرك) العقرب فهذه عوذة لدفع شر كل ذي شر (م د عن أبي هريرة)(2).

1582 -

"أما إنه لو قال حين أمسى أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح (5 عن أبي هريرة) ".

(أما إنه لو قال) المصاب بلدغ العقرب (حين أمسى) دخل في المساء (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ما ضره لدغ) هو بالدال بعدها معجمة (عقرب حتى يصبح) تستمر حماية الله له عنها إلى الصباح والعموم في الاستعاذة قاض بالعموم في دفع كل شر لذي شر وإنما ذكرت العقرب لأنه السبب في

(1) أخرجه أحمد (3/ 220)، وابن ماجه (4161) قال البوصيرى (4/ 226): هذا إسناد فيه مقال عيسى بن عبد الأعلى لم أر من جرحه ولا من وثقه، وباقى رجال الإسناد ثقات. والطبراني في الأوسط (3081) قال الهيثمي (4/ 70): رجاله ثقات. والضياء (4370، رقم 1537). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1229) والسلسلة الضعيفة (176).

(2)

أخرجه مسلم (2709)، وأبو داود (3899).

ص: 195

الحديث (5 عن أبي هريرة)(1).

1583 -

"أما إن التعريف يدفع في النار دفعًا (طب عن يزيد بن سيف) ".

(أما إن التعريف) في القاموس (2): التعريف كأمير من يعرف أصحابه جمعه عرفاء والعريف رئيس القوم سمى به لأنه عرف بذلك أو النقيب وهو دون الرئيس وتقدم تفسيره عن النهاية (3)(يدفع في النار دفعاً) يلقى فيها ويطرح طرحاً وذلك لما في رياسته من الخطر ويأتي: العرافة حق والعرفاء في النار (طب عن يزيد بن سيف) اليربوعي وفيه مجهول (4).

1584 -

"أما بَلَغَكُمْ أنى لعنت من وَسَمَ البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها (د عن جابر) ".

(أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها) هو من الوسم العلامة وهو في البهائم بالكي والبهيمة كل ذات أربع ولو في الماء أو كل حي لا يميز وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم أنه قد سبق منه اللعن عن وسم البهيمة (أو ضربها في وجهها) وكان صلى الله عليه وسلم يسم البهائم في جواعرها واللعن المشار إليه هو ما في خبر أبي هريرة (5): "لعن الله من يسم البهيمة في الوجه". وفي حديث ابن عمر (6): "لعن الله من مثّل بالحيوان".

(1) أخرجه ابن ماجه (3518) قال البوصيري (4/ 72): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وأخرجه أيضًا: النسائي في الكبرى (10423). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1324).

(2)

القاموس المحيط (ص: 1081).

(3)

النهاية (3/ 218).

(4)

أخرجه الطبراني (22/ 248، رقم 646). قال المنذري (1/ 322): مودود -أحد رجال الإسناد- لا أعرفه. قال الهيثمي (3/ 89): مودود وأبوه لم أجد من ترجمهما. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1226).

(5)

أخرجه الطبراني كما في فيض القدير (5/ 275).

(6)

أخرجه البخاري (5196).

ص: 196

وأخرج عبد الرزاق (1) عن جابر قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بحمار قد وسم في وجهه يدخن منخراه فقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من فعل هذا لا يسمن أحد الوجه ولا يضربن الوجه" هذا وأما الوسم لعله في الوجه فالظاهر الجواز لدليله الخاص (د عن جابر)(2).

1585 -

"أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة (ق 5 عن عمر) "(صح)

(أما ترضى) يا عمر إذ الخطاب له (أن تكون لهم) ملوك الدنيا الذين ذكرهم عمر (الدنيا) يتوسعون فيها (ولنا الآخرة) وسببه أنه دخل عمر عليه صلى الله عليه وسلم في إيلائه من نسائه في الحديث الطويل وفيه: أنه دخل عمر عليه صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة فيها حصير وأهب معلقة وقد أفضى بجنبيه إلى الحصير وأثر الحصير في جنبه وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفاً، قال عمر: فلما رأيته بكيت قال: ما يبكيك قلت: يا رسول الله فارس والروم أحدهم يضطجع في الديباج والحرير فقال: "إنها عجلت لهم طيباتهم" هذا أحد ألفاظه (ق 5 عن عمر)(3).

1586 -

"أما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راضٍ أن لها مثل أجر الصائم القائم في سبيل الله وإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السماء والأرض ما أخفي لها من قرة أعين فإذا وضعت لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمص من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهم في سبيل الله سلامة! تدرين من أعني بهذا؟ الممتنعات الصالحات المطيعات لأزواجهن اللواتي لا يكفرن العشير".

(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (8451).

(2)

أخرجه أبو داود (2564). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1326).

(3)

أخرجه البخاري (4629)، ومسلم (1479)، وابن ماجه (4153).

ص: 197

(الحسن بن سفيان طس ابن عساكر) عن سلامة حاضنة السيد إبراهيم".

(أما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راض) بطاعتها له (أن لها مثل أجر الصائم) نهاره (القائم) ليله (في سبيل الله) الجامع بين جهاد النفس وحبسها عن مشتهياتها من الطعام والشراب وجهاد أعداء الله وتقدم أنه أفضل المجاهدين وهذا الأجر لها حال حملها (فإذا أصابها الطلق) بالطاء المهملة وسكون اللام وجع الولادة (فلا يعلم أهل السماء) ملائكتها وسكانها (والأرض) مثله (ما أخفي لها من قرة أعين) من أجر الطلق الذي أعد الله لها (فإذا وضعت لم يخرج من لبنها جرعة) مثلثة حسوة منه أو بالضم والفتح الاسم (ولم يمص من ثديها مصة [1/ 450] المصة المرة من مص الماء شربه شرباً رقيقاً (إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة) فلها بالمصة أجران من حيث أنها حسوة تخرج من ثديها أجر ومن حيث أنه يمصها الصبي أجر فالتقدير بكل جرعة حسنة وبكل مصة حسنة حذف الأول لدلالة الثاني عليه ويحتمل أن الحسنة لهما جميعاً (فإن أسهرها) المولود الدال عليه السياق (ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهم في سبيل الله) يحتمل أن يراد به القدر المعين بين العدد ويحتمل أن يراد التكثير من غير تعيين (سلامة) هو منادى حذف حرف ندائه أي يا سلامة وهو خطاب لسلامة حاضنة إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم ناداها إيقاظا لها ليصغى سمعها إلى ما يرد عليها من قوله (تدرين من أعني بهذا) أي من يثبت له هذا الأجر كأنها قالت من تريد قال (الممتنعات) جمع ممتنعة اسم فاعل من الامتناع أي عما حرم الله عليهن (الصالحات) القائمات بطاعة الله وطاعة أزواجهن (المطيعات) لله (ولأزواجهن اللواتي لا يكفرن العشير) في

ص: 198

النهاية (1): أي يجحدن إحسان أزواجهن، والعشير الزوج المعاشر كالمصادق في الصديق لأنها معاشرة (الحسن بن سفيان طب وابن عساكر عن سلامة حاضنة السيد إبراهيم) بن محمد صلى الله عليه وسلم بإسناد ضعيف بل قيل بوضعه (2).

1587 -

"أما كان يجد هذا ما يُسَكِّنُ به رأسه أما كان يجد هذا ما يغسل به ثيابه (حم د حب عن جابر) "(صح).

(أما كان يجد هذا) الشعث الذي أتاه صلى الله عليه وسلم وهو كذلك (ما يسكن به رأسه) أي من الدهن والترجيل فإنه سنة ويكون غباً (أما يجد هذا ما يغسل به ثيابه) فإنه رآه متسخ الثوب وفيه أن غسل الثوب سنة والله يحب النظافة (حم د حب عن جابر) رمز المصنف لصحته (3).

1588 -

"أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإِمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار (ق 4 عن أبي هريرة) "(صح).

(أما يخشى أحدكم) أيها المصلون في جماعة (إذا رفع رأسه) من ركوع أو سجود (قبل) رفع (الإِمام أن يجعل الله رأسَه رأسَ حِمار) وقوله: (أو يجعل الله صورته صورة حمار) شك من الراوي أي اللفظين قاله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه قد عرفهم صلى الله عليه وسلم أنه إنما جعل الإِمام ليؤتم به وأنه إذا ركع ركعوا وإذا سجد سجدوا، فهذا الوعيد بعد علمهم بوجوب المتابعة قال المصنف في (التوشيح) وفي رواية لمسلم وجه حمار وهي من تصرف الرواة والصورة بمعنى الوجه وخص الوجه والصورة والرأس بذلك؛ لأنها وقعت الجناية بها وهل المراد بهذا المجاز وهو

(1) النهاية (4/ 340).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6733)، قال الألباني في ضعيف الجامع (1234): موضوع.

(3)

أخرجه أحمد (3/ 357)، وأبو داود (4062) وأبو يعلى (2026)، وابن حبان (5483)، والحاكم (4/ 206) وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأبو نعيم في الحلية (3/ 156). قال المناوي (2/ 166): قال العراقي: إسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1333).

ص: 199

المسخ المعنوي بالبلادة والجهل أو الحقيقة وهو المسخ الحقيقي قولان قال: والراجح الثاني وإن لم يقع؛ لأنه لا يلزم من الوعيد الوقوع.

قلت: قد حكا ابن حجر الهيتمي في فهرسته أنه وقع حقيقة لبعض شيوخه ولابن حبان: "أن يحول الله رأسه رأس كلب"(1)، وليس للاستعجال سبب غير طلب الاستعجال ودواء هذا الداء أن يعلم أنه لا يسلم قبل الإِمام فلا فائدة في الاستعجال في هذه الأفعال (ق 4 عن أبي هريرة)(2).

1589 -

"أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه في الصلاة أن لا يرجع إليه بصره (حم م 5 عن جابر بن سمرة) "(صح).

(أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه في الصلاة) إلى السماء (أن لا يرجع إليه بصره) عقوبة له على عدم خشوعه ووقاره اللذين أمر بهما في الصلاة ويأتي حديث: لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة أو لنخطفن أبصارهم" وهذا [1/ 451] الوعيد في هذا والذي قبله دليل تحريم ما قرن به وأن فاعلها آثم (حم م 5 عن جابر بن سمرة)(3).

1590 -

"أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه (طب عن أبي رافع) ".

(أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض) أصله عند الطبراني وابن أبي شيبة وغيرهما عن أبي رافع قال: نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ضيف فبعثني إلى يهودي قال: قل له إن رسول الله يقول بعني أو أسلفني إلى رجب. فأتيته فقلت له ذلك

(1) أخرجه ابن حبان في صحيحه (2282).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 504)، وابن أبي شيبة (2/ 116، رقم 7147)، والبخاري (659)، ومسلم (427)، وأبو داود (623)، والنسائي (2/ 96)، وابن ماجه (961). وأخرجه أيضًا: الترمذي (582) وقال: حسن صحيح.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 90)، ومسلم (428)، وابن ماجه (1045).

ص: 200

فقال: والله لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "والله لو باعني أو أسلفني لقضيته إني لأمين في السماء أمين في الأرض اذهب بدرعي الحديد إليه" فنزلت هذه الآية تعزية له صلى الله عليه وسلم: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا} الآية هذا أحد ألفاظه وفيه جواز تزكية النفس لغرض ديني (طب عن أبي رافع)(1).

1591 -

"أما علمت أن الإِسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله (م عن عمرو بن العاصي) ".

(أما علمت) يا عمرو بن العاص إذ الخطاب له (أن الإِسلام يهدم ما كان قبله) من الذنوب لأن عُمْرًا لما جاء ليسلم قال: إني أشترط أن يغفر لي فقال له صلى الله عليه وسلم وزاده: (وإن الهجرة) من دار الكفر (تهدم ما كان قبلها) من الذنوب في دار الكفر ومن عدم الهجرة مع وجوبها (وأن الحج يهدم ما كان قبله) وهو ظاهر في هدم جميع ما ذكر حتى من حقوق العباد (م عن عمرو بن العاصي) ويقال العاص بدون ياء (2).

1592 -

"أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات لشغلكم عما أرى الموت فأكثروا ذكر هاذم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول: أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر: مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلى فإذ وليتك اليوم وصرت إلى فسترى صنيعي بك فيتسع له مد بصره ويفتح

(1) أخرجه البزار (3863)، والطبراني (1/ 331، رقم 989). قال الهيثمي (4/ 126): فيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف. وأخرجه أيضاً: الروياني (1/ 462، رقم 695). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1337).

(2)

أخرجه مسلم (121).

ص: 201

له باب إلى الجنة وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر: لا مرحباً ولا أهلاً أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلى فإذ وليتك اليوم فسترى صنيعي بك فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه ويقيض له سبعون تنيناً لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئاً ما بقيت الدنيا فينهشنه ويخدشنه حتى يفضي به إلى الحساب إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار (ت) عن أبي سعيد".

(أما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات) تقدم ضبطه بالمهملة والمعجمة (لشغلكم عما أرى) من الاشتغال بما لا يعود نفعه (الموت) بدل من هاذم اللذات فصل بينه وبين ما أبدل منه وهو جائز، فأكثروا ذكر هازم اللذات الموت ذكر استعداد له (فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه) أي قبر كل إنسان على انفراده وظاهره أنه كلام حقيقي ولا مانع منه، وقد حمله المتكلمون على المجاز. قالوا: لأنه لو كان حقيقة يلزم منه تجويز ما المعلوم خلافه كتجويز يا هذه الصخرة خطيبًا بلغيًا وعالمًا عاملاً وهذا الإنكار منهم لا وجه له وقد أخبر الصادق عن هذه الأشياء بما (يسند إلى العقلاء) فيجب تصديقه وإبقاؤها على ظاهرها والتجويز لا يدفع ذلك وقد أشبعنا الكلام على هذا في كتابنا إيقاظ الفكرة.

(أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة) الذي يكون ساكني عن تنافيه وحيدًا لا أهل له ولا مال ولا صاحب ولا صديق (أنا بيت التراب) لا يكون فراش من يدخلني فجميع ما يحف به إلا التراب (وأنا بيت الدود) الذي يصير ساكني فيه دوداً.

فإن قلت: هذا الذي يقوله القبر من الكلام أي فائدة فيه ونحن لا نسمعه حتى يكون فائدته الاعتبار والإيقاظ؟.

ص: 202

قلت: فائدته أن الصادق أخبرنا به لنؤمن به ونخبر به فننزجر ونتعظ ولأنه قد يكون هذا الكلام تسبيحًا للقبر فإنه تعالى يقول: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: 44] وليس المراد التنزيه فقط بل الأعم من ذلك فهو إخبار لنا بأن هذا تسبيح القبر.

(فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحباً) أي أتيت محلاً رحيباً من الأرض [1/ 452] لا ضيق فيه (وأهلاً) أتيت أهلاً لا أجانب فالرحابة في المكان لما يأتي من أنه يتسع له مد بصره والأهل ما يصحبه من عمله الصالح (أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إليَّ) فإن الله جعل للمؤمن وداد محبة حتى عند الجمادات حقيقة كما أسلفنا في حديث حب جبل أحد له صلى الله عليه وسلم (فإذ وليتك) هو من ولي الشيء صارت له ولاية عليه وسلطان أي إذا صرت متصرفاً فيك يجعل الله ذلك إلى (اليوم وصرت إلى) نزلت بي وصرت وطنك (فسترى صنيعي بك) وذلك أنه تعالى يأمر بحسن الصنيع وهو فعل المعروف (فيتسع له مَدَّ بصره) هو تفصيل لمجمل ما قبله (ويفتح لي باب إلى الجنة) يشاهدها من قبره وقد زاد في رواية البراء أخرجها ابن أبي شيبة في حديث طويل: "فيأتيه من طيبها وروحها ويأتيه رجل حسن الوجه والثياب طيب الريح، فيقول له: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول ومن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: ربِّ أقم الساعة أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي".

(وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر) لعله شك من الراوي وفي رواية ابن أبي شيبة: الكافر بغير شك (قال له القبر لا مرحباً ولا أهلاً أما إنك كنت لأبغض من يمشي على ظهري) فيه أن كل قبر قد تعين لمن هو له وقد عرف القبر ذلك (فإذا أوليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك) عبر بالصنيع مشاكلة وإلا فإنه لا

ص: 203

يكون إلا في فعل المعروف (فيلتئم عليه حتى تلتقي عليه ويختلف) يتنازعان في قوله (أضلاعه) فهي الملتقية والمختلفة تلتقي الأضلاع التي في الجانب الأيمن بالأضلاع التي في الجانب الأيسر ثم تختلف فتصير كل واحدة مكان الآخر أو تلتقي ثم تختلف بأن تعود كل واحدة من الجهتين مكانها وهذه هي ضغطة القبر (1) وقد سكت عنها في حق المؤمن، وذكرت في حق الفاجر ولكن دلت الأحاديث الآخر أنه لا ينجو منها المؤمن كما أفاده حديث المسند (2) عن حذيفة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما انتهينا إلى القبر قعد على ساقيه فجعل يردد بصره فيه ثم قال: يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله ويملأ على الكافر ناراً فالحمائل عروق الأنثيين وفي المسند (3) أيضًا من حديث جابر قال: خرجنا مع رسول صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ حين توفي فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع في قبره وسوي عليه التراب سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبحنا طويلاً ثم كبر فكبرنا فقيل: يا رسول الله لم سبحت ثم كبرت فقال: لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج الله عنه، فهذه دالة على ثبوتها في حق المؤمن والسكوت هنا في حديث الكتاب لا يقاوم ما ذكر، فيحتمل أن هذه التي للفاجر أشد من التي تكون في حق المؤمن فذكرت هذه وتركت تلك لأنها لا تستحق الذكر بالنظر إلى هذه فلذا أهملت ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قد سأل الله تعالى أن يخفف عن المؤمن تلك الضغطة التي اتفقت لسعد واستجيب له وأن هذا الحديث [1/ 453] متأخر من تلك الروايتين وهذا بعيد.

وأخرج الطبراني (4) عن أنس قال: توفيت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه- وسلم فخرجنا

(1) وضع في الحاشية عنوان: "مطلب في ضغطة القبر".

(2)

أخرجه أحمد (5/ 407).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 260).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 433 رقم 1054).

ص: 204

معه فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مهتماً شديد الحزن، وجعلنا لا نكلمه حتى انتهينا إلى المقبرة فإذا هو لم يفرغ من لحده فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدنا حوله، فحدث نفسه هنيهة وجعل ينظر إلى السماء ثم فرغ من القبر فنزل فيه فرأيته يزداد حزناً ثم إنه فرغ فخرج فرأيته يسري عنه وتبسم فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيناك مهتمًا حزينًا لم نستطع أن نكلمك ثم رأيناك سري عنك فلم ذلك؟ قال: كنت أذكر ضيق القبر وغمه وضعف زينب فكان ذلك يشق علي فدعوت الله أن يخفف عنها ففعل ولقد ضغطتها ضغطة سمعها ما بين الخافقين إلا الجن والإنس؛ فهذا يخبرك أنه ما سلم منها ابنة سيد الرسل صلى الله عليه وسلم بعد سؤاله التخفيف (ويقيض) يثبتّ ويقدر (له سبعون تنينًا) بزنة سكين حية عظيمة (لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئًا) لما في حرارة نفسه من الشدة التي تحرق الدنيا وتمنعها من الإنبات (ما بقيت الدنيا فينهشه) بالمعجمة لسعه وعضه وأخذه بأضراسه وبالمهملة أخذه بأطراف الأسنان (ويخدشه) بالمعجميتين بزنة من خدش الجلد إذا مزقه ويستمر على ذلك (حتى يفضي به إلى الحساب) إلى يوم الحساب وهو يوم القيامة (إنما القبر روضة من رياض الجنة) لأهل الإيمان (أو حفرة من حفر النار) لأهل الكفر والفجور (1).

واعلم: أنه قد شكك بعض الملاحدة ممن لا حظ له في الإيمان في عذاب القبر ووافقهم إخوانهم من أهل الابتداع وقالوا: كل حديث يخالف مقتضى العقل والحس يقطع بتخطئة ناقليه قالوا: ونحن نرى من يصلب على خشبة مدة طويلة لا يسأل ولا يجيب ولا يتحرك ولا يتوقد جسمه ناراً، قالوا: وقد نكشف القبر فلا نجد فيه ملائكة يضربون الميت بمطارق الحديد ولا نجد هناك حيات

(1) وضع في الحاشية عنوان: "مطلب في عذاب القبر والرد على من قدح فيه".

ص: 205

ولا ثعابين ولا نيراناً تأجج. قالوا: ومن افترسته السباع ونهشته الطيور وتفرقت أجزاؤه في أجواف السباع وحواصل الطيور وبطون الحيتان ومذارح الرياح كيف يسأل أجزاؤه مع تفرقها؟ وكيف يتصور مسألة الملكين لمن هذه صفته؟ وكيف يصير القبر عليه روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار ونحو هذا من أدلتهم الباطلة.

فنقول: اعلم أن الرسل عليهم السلام لا يخبرون بما تحيله العقول وتقطع باستحالته بل خبرهم قسمان:

أحدهما: ما تشهد به العقول.

والثاني: ما لا تدركه بمجردها كالغيوب التي أخبروا بها من تفاصيل البرزخ، وتفاصيل الثواب والعقاب.

والواجب الإيمان بما جاء به الرسول من غير غلو فيه ولا تقصير.

وثانيًا: أنه تعالى جعل الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكامًا تختص بها، فأحكام دار الدنيا جعلها [1/ 454] على الأبدان والأرواح تبع لها وقد جعل أحكامه الشريفة مترتبة على ما يظهر من حركات اللسان والجوارح وإن أضمرت النفوس خلافها وجعل أحكام البرزخ على الأرواح والأبدان تبع لها فالأرواح في دار البرزخ التي هي تباشر العذاب والنعيم والأبدان متابعة لها تألم بألمها وتنعم بنعيمها والأرواح خفية والأبدان كالقبور لها فتجري أحاكم البرزخ على الأرواح وتسري إلى الأبدان كما في دار الدنيا تجري على الأبدان وتسري إلى أرواحها.

وقد أرانا الله في الدنيا نوعاً من ذلك في النائم فإن الأمر الذي يتنعم به أو يتألم به في المنام يجري على روحه أصلاً والبدن تبع له في ذلك فقد يقوى ما ينال الروح من ذلك فتظهر على البدن ظهورًا بيناً من التألم أو المتنعم فقد يرى أنه

ص: 206

يضرب ويصبح وأثر الضرب في جسمه وقد يرى أنه يأكل وأثر الطعام في فمه ويذهب عنه الجوع والظمأ وقد ينام بين المستيقظين ويرى عجائب يخبر بها ولا يدرك من يشاهده من المستيقظين حوله شيئاً وذلك لأن هذا حكم يجري لروحه وهو منقطع عن بدنه انقطاعًا ما فإذا تجرد الروح عن البدن في البرزخ وانقطع عنه انقطاعًا أكمل من ذلك الانقطاع جرت عليه أحكامه من عذابه ونعيمه وسعة قبره عليه وضيقه أتم من حال النائم ولا يشاهده الأحياء فإذا حشرت الأجساد وكانت أحكام دار القرار على الروح والجسد جميعًا.

وثالثًا: أن الله تعالى جعل أمر الآخرة وما يتصل بها غيبًا محجوبًا عن إدراك المكلفين في هذه الدار وذلك لحكمة جليلة يتميز من يؤمن بالغيب من غيره، فأول ذلك أنها تنزل الملائكة على المحتضر وتجلس قريبًا منه ويشاهدهم عيانًا ويتحدثون عنده وقد يسلمون عليه ويرد عليهم تارة بإشارته وتارة بلفظه وقد يخاطبهم ويرحب بهم، وقد روي من هذا أنواعًا يخرج عن الحصر وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ} [الواقعة: 83 - 85] أي أقرب إليه بملائكتنا ورسلنا ولكنكم لا ترونهم وقال: {لَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ في غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ} [الأنعام: 193] فهذا أول الأمر وهو في دار الدنيا غير مشاهد لنا ثم يخرجون روحه ولها نور كشعاع الشمس ورائحة أطيب من رائحة المسك وذلك لا يشاهده الحاضرون.

ورابعًا: أن نار البرزخ من نار الآخرة ونار الآخرة ليست مثل نار الدنيا حتى يشاهدها من يشاهد نار الدنيا فهي أشد من نار الدنيا ولا ينظرها أهل الدنيا ولا يدركونها وقد يطلع الله بعض عباده عليها وثبت في الأحاديث أنه يدركها النائم وذكر ابن أبي الدنيا عن الشعبي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مررت ببدر فرأيت رجلاً يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حتى يغيب في الأرض ثم يخرج

ص: 207

[1/ 455] فيفعل به مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك أبو جهل بن هشام يعذب إلى يوم القيامة"(1).

وذكر من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه قال: بينا أنا أسير بين مكة والمدينة على راحلة إذ مررت بمقبرة فإذا رجل خارج من قبره يلتهب ناراً وفي عنقه سلسلة يجرها فقال: يا عبد الله انضح، يا عبد الله انضح فوالله ما أدري أعرفني باسمي أم كما تدعو الناس قال: فخرج آخر فقال: يا عبد الله لا تنضح يا عبد الله لا تنضح ثم اجتذب السلسلة فأعاده إلى قبره (2).

وقد سرد ابن أبي الدنيا في كتاب القبور من الروايات في هذا المعنى شيئًا واسعًا ونقل منه ابن القيم (3) في كتاب الروح شطرًا صالحًا وذكر مما روى له من شاهد ذلك روايات جمة ثم قال: وهذه الأخبار وأضعافها وأضعاف أضعافها مما لا يتسع له الكتاب مما أراه الله بعض عباده من عذاب القبر ونعيمه عيانًا، قال: وأما رؤية المنام لو ذكرنا لجاءت عشرة أسفار ومن أراد الوقوف عليها فعليه بكتاب المنامات لابن أبي الدنيا وكتاب التبيان للقيرواني وكيف ينكر هذا من يؤمن بأن جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويسد الأفق ولا يراه أحد غيره، وقد يتمثل له رجلاً يكلمه ولا يسمعه ولا يراه من إلى جنبه صلى الله عليه وسلم؟ وكيف ينكر هذا من

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في "القبور" برقم (92).

وأخرجه عن طريقه البيهقي في الدلائل (3/ 89)، وابن كثير في البداية والنهاية (3/ 289)، وابن القيم في الروح (ص: 93)، وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(6/ 1214)، له شواهد يتقوى بها إن شاء الله. وانظر: الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع (ص: 77) وقال: ضعيف.

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "القبور" برقم (93). وكذلك أخرجه في "من عاش بعد الموت"(ص: 36)، واللالكائي في السنة (6/ 1214)، وذكره ابن القيم في الروح (ص: 94) نقلاً عن ابن أبي الدنيا، وقال: محقق "القبور": وهو حسن لشواهده.

(3)

الروح (ص 70).

ص: 208

يؤمن بأن الملائكة تقطع ما بين السماء والأرض من المسافة في لحظة؟ وكيف ينكر هذا من يقر أن جبريل عليه السلام كان يقرئ النبي صلى الله عليه وسلم ويدارسه القرآن والحاضرون لا يرونه؟ وكيف ينكر هذا من يؤمن بأن الملائكة نزلت تجاهد الكفار على الخيل وتضرب منهم فوق الأعناق ولا يشاهدونها؟ وكيف ينكر هذا من يؤمن بأن لديه كاتبين للحسنات والسيئات لا يفارقانه ولا يراهما؟ وكيف ينكر هذا من يؤمن بما جاءت به الرسل من الأخبار الغائبة عنا خبر من هو يشاهدها؟

وبالجملة فإن الله تعالى قد حجب عن بني آدم أشياء كثيرة لا يدركونها في دار الدنيا والله بحكمته ولطفه حجب عن العباد عذاب القبر لأنها لا تحتمله عقولهم ولا تحتمله قلوبهم وقد ظهر ذلك فيمن أطلعه الله على ذلك، فقد أخرج ابن أبي الدنيا عن هشام بن عروة عن أبيه قال: بينما راكب يسير بين مكة والمدينة إذ مر بمقبرة فإذا رجل قد خرج من قبره يلتهب نارًا مصفدًا في الحديد فقال يا عبد الله انصح، يا عبد الله انصح، قال: وخرج آخر يتلوه فقال: يا عبد الله لا تنصح، يا عبد الله لا تنصح، قال: وغشي على الراكب وعدلت به راحلته إلى العرج وأصبح وقد ابيض شعره فلما كانت قلوب بني آدم لا تحتمل ذلك طواه الله عنهم، وقد يراه بعض عباده.

إذا عرفت هذا عرفت أن هذه التوسعة والإضاءة والخضرة والنار ليست من جنس ما نشاهده في الدنيا وإنما هي من أمر الآخرة الذي قد أسبل الله عليه الغطاء عن العيون [1/ 456] ليكون الإقرار به والإيمان سببًا لسعادتهم فإذا انكشف عنهم الغطاء صار عيانًا مشاهدًا وأنه لو كان الميت موضوعًا بين الناس لم يمتنع أن يأتيه الملكان فيسألانه من غير أن يشعر الحاضرون بذلك، ويضربانه ونحو ذلك ويجيبهما فإنه لا يمتنع أن يرد الله إلى المصلوب روحه وإلى الغريق روحه ويسأل ويجيب وهو كذلك وقد أخبرنا الله أنه ما من شيء إلا يسبح

ص: 209

بحمده وأزال عنا ما قصر إدراكه عن عقولنا بقوله: {وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] فبهذا زال ما توهمه من جعله مجازاً عن دلالتها على صانعها فإن الدلالة مفقوهة وعرفت أنه ليس مع المنكر لعذاب القبر والمشكك فيه إلا مجرد الإباء والرد لما ثبت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم (ت عن أبي سعيد)(1) وحسنه.

1593 -

"أما أنا فلا آكل متكئاً (ت) عن أبي جحيفة (صح) ".

(أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم حرف شرط بمعنى إن حذف شرطها لكثرة استعمالها وعوض منه حرفها مما في خبرها يفصل بينها وبين فإنها وهي موضوعة لتفصيل مجمل نحو: أما زيد ففاضل، وأما عمرو فعالم، وقد تستعمل بمجرد الشرطية فلا تفصيل كما اختاره نجم الأئمة الرضي، وهذا الحديث يحتمل أنه من الأول والتقدير أما (أنا فلا آكل متكئًا) وأما غيري فيأكل متكئًا وهو ظاهر فيه ويحتمل أن المراد غير ذلك لأنه من الثاني أي: أما أنا فسنتي وطريقتي ذلك (2).

فلا تقدير والاتكاء كما قال القاضي عياض: هو التمكن للأكل والتقعد والجلوس له كالتربع وشبهه من الجلسات التي يعتمد فيها الجالس على ما تحته قال: والجالس على هيئته يستدعي أكل ويستكثر منه، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان جلوسه للأكل جلوس المستوفز مقعيًا قال: وليس معنى الحديث الاتكاء على شق عند المحققين وإنما حكى تفسيره بذلك صاحب الإكمال فخالف في هذا

(1) أخرجه الترمذي في (2460) وإسناده فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو واهٍ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1231).

(2)

"مطلب في تفسير الاتكاء" هذا العنوان وضع في الحاشية.

ص: 210

أكثر الناس وعبارة ابن الأثير (1) المتكئ في العربية كل من استوى قاعدًا على وطاء متمكنًا والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمداً على أحد شقيه.

ومن فسر الاتكاء في الحديث بهذا قال: لأن الأكل كذلك مضر بالأكل فإنه يمنع مجرى الطعام الطبيعي عن هيئاته ويعوقه عن سرعة نفوذه إلى المعدة فلا تستحكم فيها الغذاء أو من فسره بالقعود على الأوطية والفرش قال: لأنه من جلوس الجبابرة ولأنه يستدعي كثرة الأكل ويناسب هذا الأخير ما أخرجه مسلم (2) وأبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن بُسر قال: أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقعد على ركبتيه فأكل فقال أعرابي: ما هذه الجلسة قال: إن الله جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا واختلف في كراهة الأكل للمتكئ قال الحافظ ابن حجر (3): إذا ثبت كونه مكروهًا أو خلاف الأولى فالمستحب للآكل أن يكون جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه أو يجلس وينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، قال ابن القيم (4) في الهدي:[1/ 457] ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس متوركًا على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر اليمنى تواضعًا لله تعالى وأدبًا بين يديه قال: وهذه الهيئة أنفع صفات الأكل وأفضلها لأن الأعضاء كلها تكون على وضعها الطبيعي الذي خلقه الله عليها (ت (5) عن أبي جحيفة) وفي الكبير: حسن صحيح وأخرجه ابن النجار عن جابر.

1594 -

"أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون؛ ولكن

(1) النهاية (1/ 193).

(2)

أخرج أبو داود (3773) وابن ماجه (3263)(3275) ولم أجده عند مسلم.

(3)

فتح الباري (9/ 541).

(4)

زاد المعاد (4/ 221).

(5)

أخرجه الترمذي (1830) وابن حبان (5240)، وأبو داود (3769)، والبيهقي في السنن (7/ 49)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1346).

ص: 211

ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل (حم م هـ) عن أبي سعيد (صح) ".

(أما أهل النار الذين هم أهلها) وهم الكفار لأنهم الذين يستحقون الإضافة إليها لخلودهم فيها (فإنهم لا يموتون فيها) فيستريحون من عذابها (ولا يحيون) حياة يحبونها ويتلذذون بها كما قال تعالى: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: 13](ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم) هم الموحدون الذين تقدم فيهم حديث أبي هريرة بلفظ: "إذا أدخل الله الموحدين النار أماتهم فيها فإذا أراد أن يخرجهم منها أمسهم ألم العذاب تلك الساعة" فهذا الحديث كالشرح لذلك والبيان (أماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحمًا) بالفاء والحاء المهملة في القاموس (1): الفحم محركة وبالفتح وكأمير الجمر الطافئ والفحمة واحدته (أذن بالشفاعة) فيهم للرسل وغيرهم على ما فصلناه في حواشي شرح العمدة (فجئ بهم ضبائر) بالضاد المعجمة والموحدة قال في النهاية (2): هم الجماعات في تفرقة واحدتها ضبارة مثل عمائر وعمارة وكل مجتمع ضبارة (ضبائر فبثوا) فرقوا (على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا) من الإفاضة الصب (عليهم) أي من الماء الذي في أنهار الجنة (فينبتون نبات الحبة) بالحاء المهملة مكسورة في النهاية (3) بالكسر بذور البقول وحب الرياحين وقيل هي نبت صغير ينبت في الحشيش والحبة بالفتح الحنطة ونحوها (تكون في حميل السيل) بالحاء المهملة المفتوحة

(1) القاموس المحيط (ص 1477).

(2)

النهاية (3/ 71).

(3)

النهاية (1/ 326).

ص: 212

والتحتانية المثناة في النهاية (1): هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء أو غيره فعيل بمعنى مفعول وإذا أينعت فيه حبَّة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة (حم م 5 عن أبي سعيد)(2).

1595 -

"أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما شبه الولد أباه وأمه فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع إليها (حم خ ن) عن أنس (صح) ".

(أما أول أشراط الساعة) جمع شرط بالفتح للواو وهو العلامة أي أول علامات قيام الساعة وهي القيامة أو الوقت الذي تقوم فيه القيامة وللساعة أشراط كثيرة والحديث لبيان أولها وأنه (فنار تخرج من المشرق) هي النار التي في حديث الترمذي (3) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس أيامًا أيامًا".

وأخرج (4) البخاري ومسلم وأبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فأيهما كانت فالأخرى على أثرها فإنه لا ينافي هذه الأولية لأن تلك أولية ظهور الآيات وهذه أولية الحشر ولذا قال: (فتحشر الناس إلى المغرب) يجمعهم إلى جهته (وأما أول ما يأكل أهل الجنة) هذا الحديث خرج على ترتيب أسئلة اليهود الذين سألوه [1/ 458]صلى الله عليه وسلم عن هذه الأمور (فزيادة كبد الحوت)

(1) النهاية (1/ 442).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 11) ومسلم (184) وابن ماجه (4309).

(3)

أخرجه الترمذي (2217) وقال: حديث حسن غريب صحيح.

(4)

أخرجه مسلم (2941). وأبو داود (4310).

ص: 213

قد بينه حديث آخر وأوضحه (وأما شبه الولد أباه وأمه) فإنهم سألوه عن ذلك (فإذا سبق ماء الرجل) أي إلى مستقره في الرحم (ماء المرأة نزع إليه الولد) بالنون فزاي فعين مهملة في النهاية (1) نزع إليه من الشبه إذا أشبهه (وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع) الولد بالشبه (إليها) ولما أجابهم بهذا صدقوه صلى الله عليه وسلم فهو من أعلام النبوة (حم خ ن عن أنس)(2).

1596 -

"أما صلاة الرجل في بيته فنور، فنوروا بها بيوتكم (حم هـ) عن عمر (ح) ".

(أما صلاة الرجل في بيته فنور) له ولمنزله (فنوروا بيوتكم) بالصلاة فيها لنوافلكم وتقدم الأمر بالصلاة في البيوت وأن لا تجعلوها قبورًا (حم (3) 5 عن عمر) وسكت عليه وقال شارحه: إنه حسن.

1597 -

"أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً: عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الكتاب حين يقال: {هاؤم اقرأوا كتابيه} حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره، وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم، حافتاه كلاليب كثيرة، وحسك كثير، يحبس الله بها من يشاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا (د ك) عن عائشة (صح) ".

(أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً) هو جواب سؤال عائشة له صلى الله عليه وسلم، قالت: ذكرت النار فبكيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فذكره (عند الميزان حتى يعلم أيخف

(1) النهاية (5/ 40).

(2)

أخرجه البخاري (3329) وأحمد (3/ 108) والنسائي في السنن الكبرى (8254).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 14). وابن ماجه (375)، قال البوصيري (72) هذا إسناد ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (237)، وفي ضعيف الجامع (1244).

ص: 214

ميزانه) أي كفة حسناته وتثقل كفة سيئاته (أم يثقل) كفة الحسنات (وعند الكتاب حين يقال: {هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ}) أي يقول: ذلك من أعطي كتابه بيمينه ابتهاجًا وسرورًا أي خذوا أيها الحاضرون كتابي فاقرأوه تسروا بما فيه من نجاتي والهاء من كاتبه هاء السكت (حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه) فيكون من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين (أم في شماله) فيكون من أصحاب المشأمة (أو من وراء ظهره) وهذه الثلاث الجهات التي قد ثبتت في القرآن أنها جهات إعطاء الكتاب إلا أن ظاهر كلام أئمة التفسير أن الإعطاء من وراء الظهر ومن جهة الشمال واحدة، قال المحقق أبو السعود في قوله:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ} [الانشقاق: 10] أي يؤتى بشماله من وراء ظهره قيل: تغل يمينه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله وقيل: تخلع يده اليسرى من وراء ظهره ومثله في الكشاف، وظاهر حديث الكتاب أنها ثلاث جهات ولا مانع أن يكون منهم من يعطاه بشماله من تلقاء وجهه ومنهم من يعطاه بها من وراء ظهره (وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم) على ظهرها ويكون كالجسر عليها (حافتاه) جهة يمينه ويساره (كلاليب) جمع كلوب مثل سنور وسنانير وهي حديدة معوجة الرأس (وحسك كثيرة) بالمهملتين مفتوحتان جمع حسكة وهي شوكة صلبة معروفة (يحبس الله بها) بالمذكورة (من يشاء من خلقه) عن النفوذ على الصراط ويلقى في جهنم أو يبقى محبوسًا حتى يشفع فيه أو يتفضل الله عليه (حتى يعلم) الواقف عند الصراط (أينجو عن الكلاليب) والحسك (أم لا) من هذه الثلاثة المواطن لا يذكر أحد أحد {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37] (د ك عن عائشة)(1).

(1) أخرجه أبو داود (4755) والحاكم في المستدرك (4/ 578) وقال: صحيح، وقال الذهبي: إسناده على شرط الشيخين لولا إرسال فيه بين الحسن وعائشة. وضعفه الألباني في ضعيف=

ص: 215

1598 -

"أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وإن أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. أتتكم الساعة بغتة، بعثت أنا والساعة هكذا، صبحتكم الساعة ومستكم. أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي، وأنا ولي المؤمنين (حم م ن هـ) عن جابر (صح) ".

(أما بعد) هو بضم الدال المهملة ظرف مبني على الضم عند قطعه عن الإضافة إن نوى المضاف إليه وإلا أعرب (فإن أصدق الحديث كتاب الله) تقدم فيه الكلام (وإن أفضل الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة السيرة والهيئة [1/ 459] والطريقة (هدي محمد) فإنه المنعوت بخير طريقة وسيرة وهيئة (وشر الأمور محدثاتها) في النهاية (1): هي ما لم يكن معروفًا في كتاب ولا سنة ولا إجماع وتقدم تفسير البدعة (وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وقد قسَّم ابن الأثير (2) البدعة إلى بدعة هدى وبدعة ضلال وتقدم، فبدعة الضلال هي ما كان على خلاف ما أمر الله به ورسوله والضلالة واحدة الضلال وهو خلاف الحق:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَاّ الضَّلَالُ} [يونس: 32](وكل ضلالة في النار) أي صاحبها أو هي وهو بأن تجعل جسمًا في الآخرة وتلقى هي وهو في النار (أتتكم الساعة بغتة) في النهاية (3): البغتة الفجأة والتعبير بالماضي من باب {وَنُفِخَ في الصُّورِ} [ق: 20](بعثت أنا والساعة) عطف على ضمير بعثت المتصل وكذا أكده بالمنفصل أي وبعثت الساعة (هكذا) الهاء للتنبيه والكاف للتشبيه وذا اسم

= الجامع (1245).

(1)

النهاية (1/ 351).

(2)

في النهاية: (1/ 267).

(3)

النهاية (1/ 142).

ص: 216

الإشارة أي تماثل وتشابه اجتماعنا أنا والساعة في البعثة وشأنها والمشار إليه هو ما فسر به الأحاديث الأُخَر من إشارته صلى الله عليه وسلم بالسبابة والوسطى (صبحتكم الساعة ومستكم) في أحد الوقتين وهو من البيان لقربها ودنوها (أنا أولى بكل مؤمن من نفسه) هو من قوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] والإطلاق ظاهر في أنه أولى بهم في أمور الدنيا والآخرة فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم وحكمه أنفذ عليهم من حكمها وحقه أكثر لديهم من حقوقها وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم على أنفسهم ثم أبان صلى الله عليه وسلم أنه مع هذه الأولوية والأحقية منزه نفسه عن أموالهم فقال (من ترك مالاً فلأهله) وهذا إفضال منه صلى الله عليه وسلم على الورثة وإلا فظاهر الأولوية أنه أحق بها وزاد صلى الله عليه وسلم في الإفضال والتكرم يحمل الدين عنهم كما قال (ومن ترك دينًا عليه أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة عيالاً يعولهم بالنفقة (فإلي ضياعهم) أقوم بكفايتهم (وعليَّ دينهم) أقضيه، فهو لف ونشر مشوش ويحتمل أنه مرتب من ترك دينًا فإلي قضاؤه أو ضياعًا فعلي كفايتهم ويحتمل أنهما متنازعان فيهما (وأنا أولى بالمؤمنين) تأكيد لما سلف وهذا الذي له وعليه لازم للخلفاء بعده (حم م ن 5 عن جابر)(1).

1599 -

"أما بعد، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وآكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب (خ) عن عمرو بن تغلب (صح) ".

(أما بعد فوالله) تأكيد للخبر (إني لأعطي الرجل وأدع الرجل) العطية (والذي أدع) أترك إعطاؤه (أحب إلي من الذي أعطي) فليس إعطاؤه دائرًا على

(1) أخرجه أحمد (3/ 311) ومسلم (867) والنسائي (3/ 89) وابن ماجه (45).

ص: 217

مقدار الأحبية وكأنه قيل: لماذا؟ قال: (ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع) هو أشد الجزع والضجر وهؤلاء هم المؤلفة قلوبهم (وآكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنا والخير) فلا جزع فيها ولا هلع (منهم عمرو بن تغلب) بالمثناة مفتوحة والغين المعجمة آخره موحده أي من الذين أكلهم إلى ما جعل الله في قلوبهم وفيه فضيلة لهذا الصحابي بأنه تعالى جعله من ذي القلوب الغنية المملوءة خيراً (خ عن عمرو بن تغلب) وفيه قصة (1).

1600 -

"أما بعد، فما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط. قضاء الله حق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق (ق 4) عن عائشة (صح) ".

(أما بعد فما بال أقوام)[1/ 460] ما شأنهم (يشترطون شروطًا) في البيوع ونحوها (ليست في كتاب الله) في النهاية (2) أنها ليست على حكمه ولا على موجب قضاء كتابه ومن قضاء كتابه إتباع رسوله وقد حكم بأن الولاء لمن أعتق، وسببه أن بريرة جاءت إلى عائشة تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من مكاتبها شيئاً فقالت عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابك ويكون ولاءك لي فعلت، فذكرت ذلك لأهلها فأبوا وقالوا: إن شاءت ابتياعك فعلت ويكون ولائك لنا فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابتاعي واعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام خاطبًا فقال: "ما بال أقوام

" الحديث. (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) فإنه لا حكم لما خالف أمر الله كثر أو قل (قضاء الله أحق وشرط الله أوثق) في النهاية (3): يريد

(1) أخرجه البخاري (923).

(2)

النهاية (4/ 147).

(3)

النهاية (4/ 147).

ص: 218

ما بينه وأظهره من حكمه بقوله (وإنما الولاء لمن أعتق) وقيل: هو إشارة إلى قوله تعالى: {فَإِخْوَنُكُمْ في الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] وفيها أن معنى الولاء لمن أعتق أنه إذا مات المعتَق ورثه معتِقه (ق 4 عن عائشة) وفيه القصة المذكورة ولها ألفاظ (1).

1601 -

"أما بعد، فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من عملكم، وهذا أهدي إلى. أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كان بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، فقد بلغت ["تيعر"، بفتح التاء وسكون الياء: لها صوت شديد] (حم ق د) عن أبي حميد الساعدي (صح) ".

(أما بعد فما بال العامل نستعمله فيأتينا) من عمله (فيقول هذا) إشارة إلى ما قبضه من المال (من عملكم وهذا أهدي إلى) فوضحه سببه عن أبي حميد قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد يقال له: أبي اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدى إلي قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد الحديث (أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر هل يهدي إليه أم لا) إعلام بأنه ما أهدي له إلا لكونه عاملَاّ ولا يستحق ما أخذه فلذا قال (فوا لذي نفس محمد بيده لا يغل) تقدم تفسير الغلول (أحدكم منها شيئًا) مما أخذه من صدقة أو هدية لأجل كونه عاملاً (إلا جاء به يوم القيامة يحمله) بعينه (على عنقه) عقوبة له وتشهيرًا بين الأولين والآخرين (إن كان) المغلول (بعيرًا جاء به) الغال على عنقه (له رغاء) بزنة غراب ليدل بصوته على إقبال الخلائق على

(1) أخرجه البخاري (2155) ومسلم (1504)، والترمذي (2124)، والنسائي (7/ 305)، وابن ماجه (2521) وأبو داود (3939).

ص: 219

رؤيته (وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار) تصويت بزنة الأول (وإن كانت شاة جاء بها تيعر) بكسر العين المهملة هو صوت الشاة (فقد بلّغت) ما يجب علي أبلغه إليكم من الأحكام الذي فيها هدى، وفيه دلالة على تحريم أخذ الهدية للعامل وأنها تفسير لبيت المال (حم ق د عن أبي حميد الساعدي)(1).

1602 -

"أما بعد، أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل، فخذوا بكتاب الله تعالى، واستمسكوا به؛ وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (حم) وعبد بن حميد (م) عن زيد بن أرقم"(صح).

(أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر) ومن ضرورة كل بشر الموت (يوشك) بزنة يسرع ومعناه (أن يأتي رسول ربي فأجيب) وأذهب عنكم (وأنا تارك فيكم ثقلين) في النهاية (2): سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ويقال لكل خطير نفيس ثقل، سماهما ثقلين إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما (أولهما كتاب الله) هو عند الإطلاق القرآن والأصل في الإضافة العهد ولأن كل كتاب سواه قد نسخ به (فيه الهدى) من الضلال (والنور) من ظلمات الشكوك والشبهات (من استمسك به وأخذ به) عطف أخذ بأحكامه تفسير للتمسك به وهو المقصود من باب أعجبني زيد وكرمه (كان على الهدى) كما قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9][1/ 461] وقال: {فِيهِ هُدًى وَنُورٌ} [المائدة: 46] وغيرها من الآيات (ومن أخطأه ضل) فماذا بعد الحق إلا الضلال (فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) زيادة السين للمبالغة أو للطلب أي

(1) أخرجه أحمد (5/ 423)، والبخاري (6979)(7174)، ومسلم (1832)، وأبو داود (2946).

(2)

النهاية (1/ 216).

ص: 220

اطلبوا الاستمساك به بمعونة الله (وأهل بيتي) هذا ثاني الثقلين (أذكركم الله في أهل بيتي) أذكركم الله ما أخذه عليكم من موالاتهم ومحبتهم ووصاكم به في قوله تعالى: {قُل لَّا أَسْالكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى} [الشورى: 23] وغيرها من الآيات والأحاديث (أذكركم الله في أهل بيتي) أذكرك التوصية بهم لما أعلمه الله أنها ستنتهك حرمتهم وتسفك دماؤهم ويجفوهم من لا يراقب في الله إلاً ولا ذمة. (حم (1) وعبد بن حميد م) الكل أخرجوه (عن زيد بن أرقم).

1603 -

"أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عوازمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير العلم ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب. واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبراً، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً، وأعظم الخطايا اللسان الكذوب، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما وقر في القلوب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جثا جهنم، والكنز كي من النار، والشعر من مزامير إبليس، والخمر جماع الإثم، والنساء حبالة الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب كسب الربى، وشر المأكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربع

(1) أخرجه أحمد (4/ 367)، ومسلم (2408) وعبد بن حميد (265).

ص: 221

أذرع، والأمر بآخره، وملاك العمل خواتمه، وشر الروايا روايا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق، وقتال المؤمن كفر، وأكل لحمه [اغتيابه]-من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتأل على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يصبر يضعف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله. اللهم اغفر لي ولأمتي، اللهم اغفر لي ولأمتي، اللهم اغفر لي ولأمتي، أستغفر الله لي ولكم (البيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عقبة بن عامر الجهني، أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي الدرداء)، (ش) عن ابن مسعود موقوفاً ".

(أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله) تقدم الكلام عليه (وأوثق العرى) كالسري جمع عروة وهو ما يتمسك به (كلمة التقوى) هي كلمة لا إله إلا الله كما قال تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] أضيفت إلى التقوى لأنها سببه وأساسه (وخير الملل) جمع ملة وهو الدين (ملة إبراهيم) وهي ملته صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل: 123](وخير السنن) جمع سنة وهي الطريقة (سنة محمد) طريقته وهديه (وأشرف الحديث ذكر الله) ذكر العبد ربه فهو من الإضافة إلى المفعول وتقدم تفسير ذكره تعالى وأنه يشمل الاشتغال بكل ما فيه قربه إليه تعالى (وأحسن القصص) مصدر قص الحديث بيّنه ومنه: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3](هذا القرآن) الإشارة إليه تعظيمًا لي وقد سمى الله القرآن حديثًا: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات: 50] وسماه قصصًا: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] فيحتمل أن الجملتين أي قوله: أشرف وأحسن يراد بهما القرآن فإنه يسمى ذكر الله بل هو رأس الذكر، ويحتمل أن يراد بالأولى مطلق الذكر فيشمل القرآن شمولاً أوليًا

ص: 222

(وخير الأمور عوازمها) في النهاية (1): أي فرائضها التي عزم الله عليه بفعلها والمعنى ذوات عزمها وقيل هي ما وكدت رأيك وعزمك عليه ووفيت بعهد الله فيه والعزم الجد والصبر ومنه: {كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35](وشر الأمور محدثاتها) جمع محدثة اسم مفعول وهو صفة لمحذوف أي خصلة أو فعلة وتقدم تفسيرها قريبًا (وأحسن الهدي) هو السيرة والطريقة (هدي الأنبياء وأشرف الموت) أحبه إلى الله تعالى (قتل الشهداء) مصدر أضيف إلى مفعوله وذلك لما فيه من الأجر ويحتمل أنه أحسنه لسهولته وأنه أسهل من الموت على الفراش (وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى) لأن الضلالة قبل الهدى عمى وأما بعد الهدى فإنه عمى العمى لأنه ضل أولاً ثم اهتدى ثم ضل فانضاف الثاني إلى الأول فكان ضلالاً على ضلال، ولذا قال الله في ذلك:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ} [النساء: 137] إلى قوله: {لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137](وخير العلم ما ينفع) تقدم في قوله: "وأعوذ بك من علم لا ينفع" بيان النافع (وخير الهدى ما أَتبع [1/ 462] ما تبع فاعله عليه غيره فكان فاعله متبوعًا مأجورًا (وشر العمى عمى القلب) لأنه يمنع عن النظر في الدين الذي فيه نجاة الدارين فكان شرًا من عمى العين الذي لا يفوت به إلا أمر دنيوي قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46](واليد العليا خير من اليد السفلى) تقدم تفسيرهما (وما قل وكفى) من الدنيا (خير مما كثر وألهى) تقدم في معناه أحاديث وكلام كثير (وشر المعذرة) الاعتذار إلى الله من التفريط (حين يحضر الموت) لأنها ساعة لا تقبل فيها توبة تائب قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ

(1) النهاية (3/ 231).

ص: 223

السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ

} [النساء: 17] إلى قوله: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ

} [النساء: 18] الآية. (وشر الندامة يوم القيامة) قال الله تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن: 9] لأنه يوم يفوز فيه من قدم الصالحات ويندم فيه من كسب السيئات (ومن الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبرًا) بضم الدال والموحدة وهو آخر وقت الشيء لا يأتي بها إلا آخر وقتها وهو إخبار يراد به ذم فاعله (ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرًا) بضم الهاء وسكون الجيم يراد به هجران القلب وترك الإخلاص في الذكر كأن قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له قاله في النهاية (1)(وأعظم الخطايا) خطايا (اللسان الكذوب) الكثير الكذب (وخير الغنى غنى النفس) كما سلف (وخير الزاد التقوى) هو لفظ قرآني (ورأس الحكمة) تقدم تفسيرها عن النهاية بأنها عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ولا شك أن (مخالفة الله) رأس هذه المعرفة إذ من لم يخفه ما عرفه ومن لم يعرفه لا حكمة له (وخير ما وقر) يقرر (في القلب اليقين) بالله وبما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم (والارتياب) الشك مبتدأ في الإيمان وهو خلاف اليقين (من الكفر) خبره (والنياحة من عمل الجاهلية) تقدم بيانها في أربع (والغلول) بضم الغين المعجمة (من جثا جهنم) بضم الجيم ومثلثة جمع جثوة وهو الشيء المجموع (والكنز كي من النار) ما يكنز من الأموال ولا يخرج منه واجبه من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الآية. (والشعر) الكلام المنظوم (من مزامير إبليس) من أصواته التي يرمز بها في القاموس (2) أنه جمع مزمار أو مزمور وهو من زمر إذا غنى في القصب والمراد

(1) النهاية (5/ 244).

(2)

القاموس المحيط (ص 513).

ص: 224

به ما كان في محرم من هجاء أو مدح ما ذمه الله (والخمر جماع الإثم) في القاموس (1): جماع كزمان وقال: كل ما يجتمع وينضم بعضه إلى بعض أو هو بزنة كتاب يقال فيه جمع الشيء جمعته قال في النهاية (2) أي مجمعه مظنته (والنساء حبالة الشيطان) بكسر الحاء المهملة ككتابة جمعها حبائل في النهاية (3): هي ما يصاد به الشيء أي هو يصطاد بها الرجال والنساء ويصيرهم من صيده وهو تحذير عنهن (والشباب شعبة من الجنون) في النهاية (4): جعله شعبة منه لأن الجنون يزيل العقل كذلك الشباب [1/ 463] قد يسرع إلى قلة العقل لما فيه من كثرة الميل إلى الشهوات والإقدام على المضار انتهى. وألم به من قال:

قالت عهدتك مجنونًا فقلت لها

إن الشباب جنون برؤه الكبر (5)

(وشر المكاسب كسب الربى) قالوا: لأن الله يمحق بركته {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللهِ} [الروم: 39](وشر المأكل مال اليتيم) فقد سمى الله أكله نارًا كما قال: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10](والسعيد من وعظ بغيره) من اتعظ بما يصاب به غيره من المصائب فيأهب لها قبل حلولها كمن مات جاره فاتعظ به واستعد للقاء الله (والشقي من شقي في بطن أمه) أي من علم الله أنه يختار الشقاء بعد وجوده وهو في بطن أمه فهو محكوم عليه بالشقاء وهو كذلك فلا تغني عنه الآيات والنذر (وإنما يصير أحدكم) بعد موته (إلى موضع أربع أذرع) والذراع من طرف المرفق إلى طرف

(1) القاموس المحيط (ص 917).

(2)

النهاية (1/ 295).

(3)

النهاية: (1/ 333).

(4)

النهاية (2/ 477).

(5)

منسوبة لأحمد بن أبي الغنم وهو شاعر عباسي (188 - 278 هـ).

ص: 225

الإِصبع الوسطى وهو مؤنث وقد يذكّر وجرد اسم العدد عن التاء ملاحظة لتأنيثه والمراد القبر فإنه غاية كل حي (والأمر) عام في كل أمر (بآخره) فلا اعتبار بأوائل الأمور فقد يجري على السداد ثم ينقلب أو على خلافه ثم يصلح في أمور الدين والدنيا (وملاك) بفتح الميم وكسرها وهو قوام (العمل خواتمه) وفي النهاية (1): ملاك الشيء بالفتح والكسر قوامه ونظامه وما يعتمد عليه (وشر الروايا روايا الكذب) في النهاية (2): في حديث عبد الله: "شر الروايا روايا الكذب" هي جمع روية وهي ما يروي الإنسان في قلبه من القول والعمل أي يزور ويفكر وأصله الهمز، ويقال: روات في الأمر، وقيل: هي جمع راوية للرجل الكثير الرواية والهاء للمبالغة، وقيل: جمع رواية أي الذين يروون الكذب، أو تكثر رواياتهم فيه انتهى.

(وكل ما هو آت قريب) فإن الليالي والأيام يقربان البعيد (وسباب المؤمن) بكسر السين المهملة في النهاية (3): السب الشتم يقال سبه سبًّا وسبابًا فهو مصدر أضيف إلى مفعوله أي سبابك المؤمن (فسوق) خروج عن الدين (وقتال المؤمن) كالأول في تركيبه (كفر) قيل: هو محمول على من سب أو قاتل مؤمنًا من غير تأويل وقيل إنما قال ذلك على جهة التغليظ وأنه يخرجه إلى الكفر والفسق ذكره في النهاية (4)(وأكل لحمه من معصية الله) كناية عن الاغتياب من قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12](وحرمة ماله كحرمة دمه) فكما لا يحل دمه فإنه لا يحل ماله (ومن يتآل) من

(1) النهاية (4/ 358).

(2)

النهاية (2/ 279).

(3)

النهاية (2/ 330).

(4)

النهاية (3/ 830).

ص: 226

الآلية وهي الحلف (على الله يكذبه) في النهاية (1): أي من حكم عليه وحلف كقوله: والله ليدخلن الله فلانًا النار.

قلت: ويصدق ذلك ما أخرج أحمد وأبو داود (2) عن أبي هريرة قال: "كان رجلان من بني إسرائيل متواخيان وكان أحدهما مذنبًا والآخر مجتهدًا في العبادة وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول له: أقصر فوجده يومًا على ذنب فقال له: أقصر فقال له: خلني وربي أُبعثت عليَّ رقيبًا؟، فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الجنة [1/ 464] فقُبض روحهما فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنتَ بي عالمًا أو كنتَ على ما في يدي قادرًا! وقال للمذنب: اذهب فأدخل الجنة وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار".

إن قلت: حديث: "رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" ونحوه حديث أنس عند البخاري والأربعة إلا الترمذي وأخرجه ابن ماجه (3) وفيه: "إنه من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"، يعارض هذا.

قلت: حديث الكتاب عام فيمن يتآلى وهذه خاصة في بعض العباد ولا تعارض بين خاص وعام أو المراد من يتآلى على الله سيئًا الظن به بأن لا يفعل الخير كالمغفرة لفلان وإنجاح مسعى فلان ونحو ذلك لا من يتآل عليه لإحسان ظنه به، كحديث أنس فإنه حلف لا يكسر ثنية الربيّع قصاصًا محسنًا لظنه بالله بأن يلقى في قلوب أولياء القصاص العفو فكان كذلك (ومن يغفر) زلة أخيه (يغفر الله له ومن يعف يعف الله عنه).

(1) النهاية (1/ 62).

(2)

أخرجه أبو داود (4951)، وأحمد (2/ 323).

(3)

أخرجه البخاري (2556)، ومسلم (1675)، وأبو داود (4595)، والترمذي (3854)، والنسائي (4/ 2222)، وابن ماجه (2649).

ص: 227

إن قلت: ما الفرق بين العفو والمغفرة؟ (1)

قلت: بين مفهوميهما بحسب الوضع عموم وخصوص فإن المغفرة من الغفر وهو الستر والعفو بمعنى المحو ولا يلزم من الستر المحو وعكسه كأن يحاسبه بذنب على رؤوس الأشهاد ثم يعفو عنه أو يستره ويجازيه عليه (أما ينظر) بكرم الله فإنه إذا ستر عفا فبينهما عموم وخصوص مطلقًا أفاده في نسيم الرياض (ومن يكظم الغيظ) هو تجرع الغيظ واحتماله والصبر عليه (يأجره الله) كما في القرآن (ومن يصبر على الرزية) هي المصيبة عامة للأبدان والأموال والأولاد (يعوضه الله عنها ومن يتبع السمعة) تقدم أنها ما نوّه به ليسمع ويرائي من طلبها بعمله (يُسمّع الله به) شهره بها يوم القيامة، وقيل: من أراد بعمله الناس أسمعه الله الناس وكان ذلك ثوابه وقيل من نسب إلى نفسه عملاً لم يفعله وادعى بها خيرًا لم يصنعه فإن الله يظهر للناس كذبه (ومن يصبر) عن فعل الطاعات أو عن إتيان المنكرات أو على المصائب المقدورات (يضعف الله له) الأجر (ومن يعص الله) بالذنوب مطلقًا (يعذبه الله) بها في أحد الدور الثلاثة.

(اللهم اغفر لي ولأمتي)(2) فيه شرعية الدعاء آخر الخطبة للنفس وللمؤمنين وفيه رد على ما حكاه الكرماني عن الغزالي أن قول القائل: اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين دعاء بالمحال لأن صاحب الكبيرة يدخل النار ودخول النار ينافي المغفرة وقد رد عليه العيني (3) فقال: فيه منع ومعارضة، أما المنع: فلا نسلم بالمنافاة إذ المنافاة هو الدخول المخلد كما في الكفار والإخراج بالشفاعة ونحوها أيضاً غفران وأما المعارضة فقوله تعالى حكايته عن نوح: (رَبِّ اغْفِرْ

(1) مطلب الفرق بين العفو والمغفرة هذا العنوان وُضع في الحاشية.

(2)

مطلب شرعية الدعاء للنفس وللمؤمنين، هذا عنوان هذا الحديث، وُضع على الجانب.

(3)

انظر: عمدة القاري للعيني (23/ 21)، وقد ذكر قول الكرماني.

ص: 228

لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28] انتهى.

قلت: وأبلغ من ذلك أمر الله رسوله أن يستغفر لهم كما قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

(اللهم اغفر لي ولأمتي اللهم اغفر لي وللمؤمنين) فيه مشروعية تكرار [1/ 465] طلب الحاجات إظهارًا للجأ والحاجة (أستغفر الله لي ولكم) فيه التفات إلى الدعاء للحاضرين بعد الدعاء لعامة الأمة (البيهقي (1) في الدلائل وابن عساكر عن عقبة بن عامر الجهني) بإسناد حسن (أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي الدرداء ش عن ابن مسعود موقوفًا) قيد للآخر.

1604 -

"أما بعد، فإن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى: منهم من يولد مؤمناً، ويحيا مؤمناً، ويموت مؤمناً؛ ومنهم من يولد كافراً، ويحيا كافراً، ويموت كافراً؛ ومنهم من يولد مؤمناً، ويحيا مؤمناً، ويموت كافراً؛ ومنهم من يولد كافراً، ويحيا كافراً، ويموت مؤمناً. ألا إن الغضب جمرة توقد في جوف ابن آدم؛ ألا ترون إلى حمرة عينيه، وانتفاخ أوداجه؟ فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فالأرض الأرض. ألا إن خير الرجال من كان بطيء الغضب سريع الرضا، وشر الرجال من كان سريع الغضب بطيء الرضا؛ فإذا كان الرجل بطيء الغضب بطيء الفيء، وسريع الغضب سريع الفيء، فإنها بها. ألا إن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب، وشر التجار من كان سيء القضاء سيء الطلب؛ فإذا كان الرجل حسن

(1) أخرجه البيهقي في الدلائل (5/ 241) وابن عساكر (33/ 180)(51/ 241) وأبو نصر السجزي كما في الكنز (43587) وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 6) رقم (34552).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1239) والسلسلة الضعيفة (2059).

ص: 229

القضاء سيء الطلب أو كان سيء القضاء حسن الطلب، فإنها بها. ألا إن لكل غادر لواء يقوم يوم القيامة بقدر غدرته؛ ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة. ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه؛ ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها، مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه (حم ت ك هب) عن أبي سعيد (صح) ".

(أما بعد فإن الدنيا خضرة) بالخاء المعجمة والضاد كذلك مكسورة فراء (حلوة) بضم الحاء المهملة وسكون اللام في النهاية (1): أي غضة ناعمة طرية (وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون) فيما استخلفكم ليبلوكم أيكم أحسن عملاً (فاتقوا الدنيا) أي فتنتها (واتقوا النساء) خاص بعد عام زيادة في التحذير منها (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) يريد قتل النفس التي أمر فيها بذبح البقرة فإنه قتل بن أخيه أو عمه ليتزوج زوجته أو بنته (إلا أن بني آدم خلقوا على طبقات شتى) جمع شتيت كمرضى في مريض وأبان هذه الطبقات (منهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت مؤمنًا) وهذا خير طبقاتهم (ومنهم من يولد كافرًا) محكومًا بكفره وإلا فعند الولادة لا يتصف بإيمان ولا كفر (ويحيى كافرًا ويموت كافرًا) وهذا شر طبقاتهم (ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت كافرًا) بسوء خاتمته (ومنهم من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت مؤمنًا) بتداركه الله قبيل موته للإيمان (ألا إن الغصب جمرة توقد في جوف بن آدم) كالجمرة في إلهابه للإنسان الغضبان ثم استدل لذلك بقوله (ألا ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه) فإنه دليل التهاب باطنه وقدمنا كلامًا وافيًا في الغضب (فإذا وجد أحدكم شيئًا من ذلك فالأرض الأرض) منصوب على

(1) النهاية (2/ 41).

ص: 230

الإغراء فليلزم الأرض ولا يقوم والتكرار أغنى عن ذكر العامل (ألا إن خير الرجال) والنساء كذلك كما علم من غيره أنه لا مفهوم له (من كان بطئ الغضب) لا يغضبه شيء سريعًا (سريع الرضى) إن وقع منه غضب رضي بسرعة (وشر الرجال من كان سريع الغضب) يغضب من أدنى شيء (بطئ الرضى) لا يكاد يرضى بعد غضبه (فإذا كان الرجل بطئ الغضب بطئ الفيء) أي الرجوع (وسريع الغضب سريع الفيء فإنها بها) أي فإن هذه الخلة والصفة المحمودة وهي بطئ الغضب في الأول وسرعة الغضب في الثاني مقابلة ومكافئة الخلة القبيحة وهي بطئ الفيء في الأول وسرعة الرجوع في الثاني فهي بها فيهما ولا يمدح على تلك ولا يذم على هذه (ألا إن خير التجار من كان حسن القضاء حسن الطلب وشر التجار من كان سيء القضاء) لغرمائه (سيىء الطلب) لمن عنده له شيء (فإذا كان الرجل حسن القضاء سيء الطلب أو كان سيئ القضاء حسن الطلب فإنها بها) فهذا الحديث الجليل قسم الناس إلى اثنتي عشرة طبقة باعتبار ست صفات الإيمان والكفر والغضب والرضا والقضاء والطلب: فطبقتان من القسم الأول محمودتان وطبقتان مذمومتان ومن التقسيم الثاني طبقة محمودة وطبقة مذمومة وطبقتان لا يتصفان بذم ولا مدح والتقسيم الثاني كالثالث [1/ 466] في ذلك.

إن قلت: قوله: يولد كافرًا يعارضه حديث الأسود بن سريع عند الطبراني (1) وصحح، وعند غيره بلفظ:"كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه" والأحاديث في ذلك كثيرة.

قلت: وجه الجمع أن يراد بقوله كافرًا أنه لا يعرف الإيمان لأنه لا يبلغ سن

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 284 رقم 2329)، وأحمد (3/ 435)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 316): رجاله رجال الصحيح.

ص: 231

الإدراك إلا وقد اعتقد اعتقاد المشركين فكأنه ولد كافرًا ولأنه لما لم تنفعه الولادة على الفطرة لتغييره لها بخلافها كانت كأنها لم تكن وكأنه ولد كافرًا وتقدم إشارة إلى التأويل بما يتم به الجمع أيضاً (ألا إن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته) ينصب له لواء الغدر تشهيرًا له بين الناس ويأتي أنه يعقد عند إسته (ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة) لأنه يتفرع عنه شر كبير ولأنه غدر عن غنى عن الغدر (ألا لا يمنعن أحدًا) مفعول والفاعل (مهابة الناس) أي مهابته الناس (أن يتكلم بالحق إذا علمه) إن قلت: قد عارضه حديث: أنه يقال لرجل مررت بمنكر فلم تغيره فنقول: إن وفق للجواب رجوتك يا رب وهبتهم هذا أو معناه.

قلت: وجه الجمع أن حديث الكتاب محمول على أنه ما خاف إنزال ضرر به لإنكاره بل حصلت له الهيبة من شرهم فقط، والحديث الذي عارضه محمول على أنه خاف إنزال ضراً به (ألا إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) تقدم الكلام عليها (ألا إن مثل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها مثل ما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه) في أنه قد ذهب أكثر عمرها وبقي الأقل منه وأحسن من قال:

كثير حياة المرء مثل قليلها

يزول وباقي عمره مثل ذاهبه (1)

(حم ت ك هب عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته وفيه علي بن زيد بن جدعان (2).

1505 -

"أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح (خ د) عن ابن عمر

(1) منسوب إلى المتنبي.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 19) والترمذي (2191) والحاكم في المستدرك (4/ 505) والبيهقي في الشعب (8289). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1240) والسلسلة الضعيفة (2927).

ص: 232

(صح) ".

(أمامكم) قدامكم في المحشر أو وراءكم (حوض كما بين جرباء) الجيم مفتوحة فراء ساكنة فباء موحدة ممدودة (وأذرح) بالذال المعجمة وراء مضمومة وحاء مهملة في النهاية (1) هما قريتان في الشام بينهما مسافة ثلاثة أيام وفي القاموس (2): جرباء قرية بجنب أذرح، وغلط من قال: بينهما ثلاثة أيام فإنما الوهم من رواة الحديث من إسقاط زيادة، ذكرها الدارقطني وهي ما بين ناحيتي حوض كما بين المدينة وجرباء وأذرح انتهى.

قلت: والوهم من ابن الأثير أو ممن نقل عنه ويؤيد ما في القاموس حديث حارثة بن وهيب: "حوضي كما بين صنعاء والمدينة"(3) متفق عليه، وحديث ابن عمر (4) عندهما أيضًا بلفظ:"حوضي مسافة شهر وساسان"، وبهذا يعرف صحة ما في القاموس لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بأن بين المدينة وبين هذين الموضعين لا ما بينهما في أنفسهما إذ هو يناف الأحاديث الثابتة سواء كان بينهما ثلاثة أيام أو ساعة (خ د عن ابن عمر)(5).

1606 -

"أمان أمتي من الغرق القوس، وأمان لأهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش، قريش أهل الله، فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس (طب ك) عن ابن عباس (صح) ".

(أمان أمتي من الغرق القوس) أي وجود قوس الله الذي في السماء ولا يقال قوس قزح فإن قزح اسم شيطان [1/ 467] (وأمان لأهل الأرض من

(1) النهاية (1/ 254).

(2)

القاموس المحيط (ص 279).

(3)

أخرجه البخاري (6219)، ومسلم (2298).

(4)

أخرجه البخاري (6202)، ومسلم (2292) عن ابن عمر وبنحوه.

(5)

أخرجه البخاري في (6577) ومسلم (2299)، وأبو داود (4745).

ص: 233

الاختلاف) فيما بينهم الذي ينشأ عنه الشر (الموالاة) منهم (لقريش) فإن قريشًا ولاة الناس والأحق بأمرهم فإذا ولَّاهم الناس سلموا شر الاختلاف (قريش أهل الله فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا حزب إبليس) هو مثل حديث: "الأئمة من قريش" وهذا كله مهما استقاموا على الحق كما بين في غيره من الأحاديث، قال الحكيم: أراد بقريش أهل الهدى منهم فبنوا أمية أو أضرابهم حالهم معروف (طب ك عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وتعقب بأنه واهٍ (1).

1607 -

"أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا البحر أن يقولوا {بسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُور رَّحِيم} ، {وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ

} الآية " (ع) وابن السني عن الحسين ".

(أمان لأمتي من الغرق) في البحر (إذا ركبوا البحر) وأمان مبتدأ خبره قوله (أن يقولوا) عند ركوبه {بِسْمِ اللهِ مَجْرَايهَا وَمُرْسَاهَا

} الآية إلى آخرها كما قاله نوح أول من ركب السفن {وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية.) إلى آخرها إلا أن في القرآن آيتان هذا صدرهما آخر أحدهما: {إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ من شَيْءٍ} [الأنعام: 91] والأخرى: {إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74] ولعل هذه هي المرادة والثالثة {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر: 67] الآية. فيحتمل أنها المراد (ع وابن السني (2) عن الحسين) هو عند

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 196) رقم (11479) والحاكم في المستدرك (4/ 75) رقم (11479)، وقال الذهبي في التلخيص: في إسناده ضعيفان. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1249)، والسلسلة الضعيفة (683): ضعيف جدًّا.

(2)

أخرجه أبو يعلى (6781) وابن السني (501) وقال الهيثمي (10/ 132): فيه جبارة بن مغلس وهو ضعيف، وأورده الذهبي في الميزان (7/ 205 ت 9599) في ترجمة يحيى بن العلاء: وقال: قال الدارقطني: متروك، وقال أحمد بن حنبل: كذاب يضع الحديث. وقال الألباني في ضعيف=

ص: 234

الإطلاق ابن علي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف جبارة وشيخه يحيى بن العلاء.

1608 -

"أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم (خ) عن أبي بكر"(صح).

(أم القرآن) هو اسم للفاتحة واختلف في وجه تسميتها بذلك فقيل: لأنه يبدأ بها في المصاحف ويقرأ بها في الصلاة قبل السورة، قاله أبو عبيدة في المجاز، وجزم به البخاري في الصحيح واستشكل بأن ذلك يناسب تسميتها "فاتحة الكتاب" لا "أم الكتاب": وأجيب بأن ذلك بالنظر إلى أن الأم مبدأ الولد.

وقال الماوردي: سميت بذلك لتقدمها وتأخر سواها تبعًا لأنها أمته أي تقدمته، وبذلك يقال لمقدمة الجيش أم لتقدمها واتباع الجيش لها.

وقيل: أم الشيء أصله فهي أصل القرآن لانطوائها على جميع أغراض القرآن.

وقيل: لأنها محكمة والمحكمات هن أم الكتاب.

وقيل: لأنها أفضل السور كما يقال لرئيس القوم أم القوم وقوله (هي السبع المثاني) خبر أم الكتاب وإنما سميت سبعًا لأنها سبع آيات.

وقيل: لأن فيها سبعة آداب في كل آية أدب قال المصنف: وفيه بعد.

وقيل: لأنها خلت عن سبعة أحرف الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والطاء والفاء، وهذا أضعف من الذي قبله لأن الشيء إنما يسمى بشيء وجد فيه لا بشيء فقد منه، وأما المثاني فيحتمل أنها من الثناء على الله تعالى، ويحتمل أنه من الاستثناء لأنه تعالى استثناها لهذه الأمة ويحتمل أنه من التثنية لأنها تثنى في كل ركعة ويؤيده قول عمر: السبع المثاني فاتحة الكتاب لأنها تثنى في كل ركعة وقيل غير ذلك من الوجوه، هذا والحديث تفسير للآية ولقد آتيناك سبعًا من المثاني (والقرآن العظيم) هو خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف وهي

= الجامع (1248)، والسلسلة الضعيفة (2932): موضوع.

ص: 235

فالحديث أفاد أن العطف في الآية للقرآن العظيم عطف لاسم على اسم يشملهما واحد (خ عن أبي هريرة)(1).

1609 -

"أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها منها عوض (قط ك) عن عبادة (صح) ".

(أم القرآن عوض عن غيرها) أي في الصلاة (وليس غيرها منها عوض) لأنه لا صلاة إلا [1/ 468] بفاتحة الكتاب ولفظ عوض محذوف الألف في النسخ خطًا وقياسه إثباتها، فهو إما على لغة ربيعة وقد وقع كثيراً في الحديث، ونبّهنا عليه في مواضع من هذا الشرح، أو لأنه يقرأ ولا يثبت خطًا كما في اصطلاح المحدثين فإنه وقع كذلك كثيراً، وفيه دليل على أن التسبيح لا يجزي عن الفاتحة إلا لمن لا يحسنها كما يدل عليه غير هذا الحديث (قط ك عن عبادة) رمز المصنف لصحته لأنه صححه الحاكم واعترض (2).

1610 -

"أم الولد حرة، وإن كان سقطا (طب) عن ابن عباس".

(أم الولد) من الإماء التي ولدت لمولاها (حرة) أعتقها ولدها (وإن كان سقطًا) في القاموس (3): السقط مثلثة الولد لغير تمام (طب عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف الحسن بن علي الحنفي (4).

1611 -

"أم مِلدَم تأكل اللحم، وتشرب الدم، بردها وحرها من جهنم

(1) أخرجه البخاري (4704).

(2)

أخرجه الدارقطني (1/ 322) والحاكم (1/ 238) وتعقبه الذهبي بقوله: أخرجه بغير هذا اللفظ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1274) وفي الإرواء (302).

(3)

القاموس المحيط (ص 324).

(4)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 239) رقم (1160). وقال الحافظ في التلخيص (4/ 217): إسناده ضعيف والصحيح أنه من قول ابن عمر. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1275) والسلسلة الضعيفة (2938).

ص: 236

(طب) عن شبيب بن سعد البلوي".

(أم ملدم) بكسر الميم الأولى كنية الحمى والدمت عليه الحمى أطبقت وهي بالدال المهملة وبعضهم يقرأها بالمعجمة (تأكل اللحم وتشرب الدم) هي فيمن كانت فيه ونزلت به (بردها) حين تبرد (وحرها من جهنم) الأول من الزمهرير والثاني من لهيبها ولذا كانت حظ كل مؤمن من النار (طب (1) عن شبيب بن سعد البلوي) وفيه بقية مدلس.

1612 -

"أم أيمن، أمي بعد أمي (ابن عساكر عن سليمان بن شيخ معضلاً".

(أم أيمن) هي مولاته صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه (أمي بعد أمي) لأنها كانت حاضنته بعد وفاة أمه وهي التي زوجها زيد بن حارثة مولاه وولد منها أسامة بن زيد وكانت من أكابر الصحابيات وكان يعظمها الصحابة ويزورونها إلى منزلها (ابن عساكر عن سليمان (2) بن شيخ معضلاً) تقدم تفسيره على اصطلاح أهل الحديث.

1613 -

"أمتي يوم القيامة غر من السجود، محجلون من الوضوء (ت) عن عبد الله بن بسر ".

(أمتي يوم القيامة غر) جمع أغر من الغرة بياض في الوجه (من السجود) بسببه (محجلون) في النهاية (3): بيض مواضع (من الوضوء) الأيدي والأقدام (ت عن عبد الله بن بسر) قال الترمذي: حسن صحيح (4).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 313) رقم (7233)، وفيه بقية بن الوليد وهو مدلس. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1283).

(2)

أخرجه بن عساكر (8/ 51) وهو معضل. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1276).

(3)

النهاية (3/ 354).

(4)

أخرجه الترمذي (607) وفي المطبوع: حسن صحيح غريب.

ص: 237

1614 -

"أمتي أمة مباركة، لا يدرى أولها خير أو آخرها (ابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلاً (صح) ".

(أمتي أمة مباركة لا يدرى أولها خير أو آخرها) قد عارضه حديث: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم

" الحديث. وألف شيخنا (1) رحمه الله رسالة في الجمع بينهما نقل فيها عن المحقق التفتازاني بأن الخيرية تختلف بالاعتبارات فالقرون السابقة بنيل الشرف وقرب العهد للزوم سيرة العدل والصدق واجتناب المعاصي ونحو ذلك وإما باعتبار كثرة الثواب فلا يدري أن الأول خير لكثرة طاعاته وقلة معصيته، أم الآخر لإيمانه بالغيب طوعًا ورغبة مع بعده عن مشاهدة آثار الوحي وظهور المعجزات وبالتزامه طريق السنة مع فساد الزمان انتهى. وتعقبه شيخنا بأن قوله: "لو أنفق أحدكم ملأ الأرض ذهباً لما نال مد أحدهم ولا نصيفه" بناء على أن خيرة ذلك القرن باعتبار كثرة الثواب ثم اختار أن المواد بالآخر هو ما بعد القرن الأوسط وأنه مجزوم له بالخيرية كما هو مجزوم للقرن الأول وحينئذ فلا يدري أهو خير أم الأول؟ قال: لأنه قد جاء: "خير أمتي أولها وآخرها وفي وسطها الكذب" قال: فليكن الجمع بأن ما دل عليه خير القرون هو الجزم بخيرية القرون المذكورة فتبقى مطلقة [1/ 469] أي الأول والآخر، لكن على القرون المتوسطة دون القرن الآخر لمقتضى هذا الحديث، فكأن قوله: "ثم يفشوا الكذب" مخصص لما عدى القرن الآخر من القرون المتوسطة، فعلى هذا لا يدري أوله خير أم آخره أي لا يمكن تفضيل الأول على الآخر لاشتراكهما في الجزم بالخيرية والاستواء فيها انتهى. وأراد بالآخر المجزوم له بالخيرية القرن الذي فيه المهدي والمسيح

(1) زيد بن محمد أبو الحسن قدس الله روحه (من الهامش).

ص: 238

الذين يقاتلون الدجال.

قلت: ويؤيد هذا الحديث الآتي في حرف اللام: "ليدركن الدجال قومًا مثلكم أو خيرًا منكم

" الحديث. أخرجه الحكيم والحاكم عن جبير بن نفير ورمز المصنف لصحتة، وخلاصته أنه صار مجموع الحديثين في قوة قوله: "خير القرون قرني إلا القرن الأخير فلا يدرى أهو خير أم قرني" (ابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلاً) قال الذهبي: وهو ثقة (1).

1615 -

"أمتي أمة مرحومة مغفور لها، يتاب عليها (الحاكم في الكنى عن أنس" ..

(أمتي أمة مرحومة مغفور لها) بتوبتها ولذا قال (يتاب عليها) يوفقها الله للتوبة إذا أذنبت (الحاكم في الكنى عن أنس) قال الشارح: إنه حديث منكر (2).

1616 -

"أمتي هذه أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة، إنما عذابها في الدنيا: الفتن، والزلازل، والقتل، والبلايا (د طب ك هب) عن أبي موسى".

(أمتي هذه أمة مرحومة) بين ذلك بقوله (ليس عليها عذاب في الآخرة) بل يعجل لها ما يكفر عنها الذنوب كما قال (إنما عذابها في الدنيا الفتن) فيما بينها وإذاقة بعضها بأس بعض (والزلازل) التي تفزع أهلها (والقتل والبلايا) عام للمصائب كلها.

(1) أخرجه ابن عساكر (26/ 286) عن عمرو بن عثمان مرسلاً. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1277).

(2)

أخرجه الحاكم في الكنى (1/ 158، 159). وأخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 246) رقم (1879)، وقال الهيثمي (10/ 69): فيه أحمد بن طاهر بن حرملة وهو كذاب. وقال المناوي (2/ 185): قال ابن الجوزي: قال النسائي: هذا حديث منكر. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1278).

ص: 239

واعلم أن هذه الأحاديث وأمثالها في فضل الأمة هي للمجموع من حيث هو فلا ينافيه خروج أفراد منه، وهذا مثل أحاديث: عصمتها عن الضلال؛ فإنه للمجموع لا للأفراد وبهذا تجتمع الأحاديث المخوفة والمبشرة (د طب ك هب عن أبي موسى)(1) قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي واعترض.

1617 -

"أمثل ما تداويتم به الحجامة، والقسط البحري، (مالك م حم ت ن) عن أنس (صح) ".

(أمثل) أعدل وأولى وأصوب (ما تداويتم به) للعلل الدموية (الحجامة والقسط البحري) عود هندي وعربي قال ابن القيم (2): هو ضربان أحدهما الأبيض الذي يقال له البحري والآخر الهندي وهو أشدهما حرًا والأبيض ألينهما، ومنافعهما كثيرة جدًا وهما حاران يابسان في الثالثة وينسفان البلغم ويقطعان الزكام وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ومن حمى الربع والدود وقطعا وجع الجنب ونفعا من السموم وإذا طلبي به الوجه معجونًا بالماء والعسل قلع الكلف انتهى. وفي القاموس (3): أنه نافع للكبد جدًا وللمعي والدود وحمى الربع شربًا والزكام والنزلات والوباء بخورًا وتقدم الكلام على الحجامة (مالك م حم ت ن عن أنس)(4).

1618 -

"امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار (حم) عن أبي هريرة".

(امرئ القيس) هو الملك الضليل الشاعر اسمه سليمان بن حجر جاهلي

(1) أخرجه أبو داود (4278)، والحاكم (4/ 444) والبيهقي في الشعب (9799). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1396) والسلسلة الصحيحة (959).

(2)

زاد المعاد (4/ 322).

(3)

القاموس المحيط (ص 881).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 703) والبخاري (5696)، ومسلم (1577)، والترمذي (1278)، والنسائي في الكبرى (7595).

ص: 240

هلك قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم (صاحب لواء الشعراء إلى النار) اللواء الراية ولا يحملها إلا صاحب الجيش وهو هنا ويحتمل الحقيقة وأنه يعقد له لواء تشميتًا به تشهيرًا له ويحتمل المجاز وأنه يقودهم كما يقول صاحب اللواء والمراد بالشعراء شعراء الجاهلية الذين هم أهل النار (حم عن أبي هريرة)(1).

1619 -

"امرؤ القيس قائد الشعراء إلى النار؛ لأنه أول من أحكم قوافيها (أبو عروبة في الأوائل، وابن عساكر عن أبي هريرة ".

(امرئ القيس قائد الشعراء إلى النار) كأنه قيل: ولم ذلك؟ قال (لأنه أول من أحكم قوافيها) جمع قافية قال في القاموس (2): القافية آخر كلمة في البيت أو آخر حرف منه إلى أول ساكن يليه مع الحركة التي قبل الساكن [1/ 470] أو هي الحرف تبنى عليه القصيدة. انتهى لأنه أول من تهتك في شعره وذكر ما يستهجن التصريح به وهو أول من نقد الشعر وأول من شبه النساء بالظباء وأول من استوقف على الطلول (أبو عروبة في الأوائل) كتاب له (وابن عساكر عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (3).

1620 -

"امرأة ولود أحب إلى الله تعالى من امرأة حسناء لا تلد، إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة. ابن قانع عن حرملة بن النعمان (ح) ".

(امرأة ولود) يتزوجها العبد (أحب إلى الله تعالى من امرأة حسناء لا تلد) أي

(1) أخرجه أحمد (2/ 228). وأورده ابن عدي (1/ 201) وقال: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 138): لا يصح. وقال الهيثمي (8/ 119): رواه أحمد والبزار وفي إسناده أبو الجهم شيخ هشيم بن بشير ولم أعرفه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1250) والسلسلة الضعيفة (2930).

(2)

القاموس المحيط (ص 1709).

(3)

أخرجه أبو عروبة في الدلائل كما في الكنز (7956)، وابن عساكر (9/ 235). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1235) والسلسلة الضعيفة (2930).

ص: 241

التزوج بها أحب إلى الله تعالى (إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) هو بيان لوجه الأحبية لكثيرة الولادة فمن كانت من النساء ذات أولاد حصلت بها الإعانة في هذا المعنى فكانت أحب إليه تعالى ممن لم يكن لها حظ في ذلك.

فإن قلت: هو تعالى الذي خلق الولود والعقيم ولو شاء جعلها ولودًا فما لها اختيار فيما به نقص حبها.

قلت: جوابه أن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقد أطلنا في هذا، موضع من إيقاظ الفكرة ينفع من عرف قدره.

فإن قلت: أما هذه المكاثرة من المباهاة المنهي عنها.

قلت: لا لأن ذلك ليس للمباهاة المذمومة بل للاستبشار بأن من كان أكثر اتباعًا من الرسل فهو أكثر أجرًا عند الله لأن له أجر كل عامل عمل خيرًا من أمته فالمراد إني أستبشر بكثرة غلبتكم للأمة في الكثرة (ابن قانع عن حرملة بن النعمان) وأخرجه الدراقطني وغيره (1).

1621 -

"أمر النساء إلى آبائهن، ورضاهن السكوت (طب خط) عن أبي موسى".

(أمر النساء إلى آبائهن) يعني في النكاح، والمراد الأولياء إلا أن أصلهم الآباء فإذا فقدوا فإلى من جعلهم الشارع خلفاء عنهم (ورضاهن) بالزواج (السكوت) عند عرضه عليهن وفيه اعتبار رضاهن وهذا في حق البكر وأما الثيب فتعرب عن نفسها كما في الأحاديث الآخر (طب خط عن أبي موسى)

(1) أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة كما في الكنز (44540). وعزاه له الحافظ ابن حجر في الإصابة (2/ 52) ت (1672) وعزاه أيضًا في التلخيص الحبير (3/ 116) للدارقطني في المؤتلف وابن قانع وقال: وإسناده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1254).

ص: 242

سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف علي بن عاصم (1).

1622 -

"أمرا بين أمرين، وخير الأمور أوساطها (هب) عن عمرو بن الحارث بلاغاً [أي قال: بلغنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم] ".

(أمرًا) منصوب بفعل محذوف أي اقصد واتبع أمرًا (بين أمرين) أي بين الإفراط والتفريط فكلا طرفي قصد الأمور ذميم وهذا عام في أمور الدنيا والدين ولذا قال (وخير الأمور أوساطها) وهو مشتق من الآية {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] أي بالتوسط في كل أمر قصده العبد ولذا نهى عن الغلو في الدين وعن البطالة والتضييع (هب عن عمر بن الحارث بلاغًا)(2) قائلاً: بلغنا كذا.

1623 -

"أمر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل (حم د هـ ك) عن عدي بن حاتم ".

(إمر) بكسر الهمزة وتخفيف الراء قال الخطابي أي أسله وأجره من مرا يمري قال الخطابي: وهذا الحديث يروونه مشدد الراء وهو غلط والصواب إمر ساكن العين خفيفة الراء، وفي النهاية (3) قد جاء في سنن أبي داود والنسائي (4):"أمرر برائين مظهرين" أي اجعل الدم يمر أي يذهب فعلى هذا من رواه مشدد الراء يكون قد أدغم وليس بغلط (الدم بما شئت) من الآلات ما لم يكن سنًا أو ظفرًا كما قيده غيره (واذكر) عند إمرائه (اسم الله عز وجل وهذا في تذكية الصيد (حم د هـ ك عن عدي بن حاتم) قال: قلت: يا رسول الله إنا نصيد فلا نجد سكينًا إلا

(1) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (4/ 279)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 216) وقال المناوي (2/ 188): فيه علي بن عاصم قال الذهبي: قال النسائي: متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1256).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (6229)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1252).

(3)

النهاية (4/ 322).

(4)

أخرجه أبو داود (2824)، وابن ماجه (3177).

ص: 243

الطرارة أي الحجر الصلب وشق العصا أي ما شق فيها وهو محدد فذكره (1).

1624 -

"أمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله (ق 4) عن أبي هريرة، وهو متواتر (صح) ".

(أمرت)[1/ 471] حذف فاعله للعلم به فإنه لا يأمره صلى الله عليه وسلم إلا الله تعالى (أن أقاتل الناس) عام لكل ولد آدم (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) فلا يتم حقن الدماء إلا بالإقرار بهما (فإذا قالوها عصموا) منعوا (مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) أي بالحق الذي أوجبته هذه الكلمة أو هذه الشهادة وحقها طاعة الله تعالى وطاعة رسوله الله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به فإذا خالف قائلها ما يلزم من أحكامها كالزكاة ونحوها لم يبق معصوم الدم والمال، وبهذا الحديث استدل أبو بكر في قتال مانعي الزكاة وأما اليهود فهم مخصوصون بضرب الجزية بدلاً عن دمائهم وأموالهم (وحسابهم على الله) في أعمالهم (ق 4 عن أبي هريرة وهو متواتر) معناه وإن اختلفت ألفاظه رواه خمسة عشر صحابيًا (2).

1625 -

" أمرت بالوتر والأضحى، ولم يعزم علي (قط) عن أنس".

(أمرت بالوتر والأضحى) الضحية (ولم يعزم علي) لم يفرض، وهو بهذا اللفظ عند ابن شاهين (قط عن أنس) وهو من طريق عبد الله بن محرر قال الحافظ ابن حجر: وهو متروك ثم قد عارضه حديث ابن عباس عند أحمد (3) بألفاظ منها: "ثلاث هن عليَّ فرائض ولكم تطوع: النحر، والوتر، وركعتا

(1) أخرجه أحمد (4/ 256) وأبو داود (2824) وابن ماجه (3177)، والحاكم (4/ 240)، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(2)

أخرجه البخاري (1400)، ومسلم (20)، وأبو داود (1556) الترمذي (2606)، والنسائي (6/ 6)، وابن ماجه (71، 72).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 231).

ص: 244

الفجر" سيأتي وإن كان ضعيفًا أيضًا (1).

1626 -

"أمرت بيوم الأضحى عيدٍ، جعله الله لهذه الأمة (حم د ن ك) عن ابن عمرو".

(أمرت بيوم الأضحى عيدٍ) بالجر بدل من يوم (جعله الله تعالى لهذه الأمة) وعرفهم ما فيه من الأحكام وفيه أنه لا عيد إلا عن أمر الله وإلا كان ابتداعًا وتعظيمًا لما لم يعظمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (حم د ن ك عن بن عمرو) صححه ابن حبان (2).

1627 -

"أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي (حم) عن واثلة ".

(أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي) يفرض وفيه الإشفاق من الفرائض لما في تحملها من المشقة (حم عن واثلة) بن الأسقع بإسناد حسن (3).

1628 -

"أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني (طب) عن ابن عباس ".

(أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني) من كثرة إمراره عليها، (طب عن ابن عباس) وفيه عطاء بن السائب فيه مقال (4).

1629 -

"أمرت بالنعلين والخاتم، الشيرازي في الألقاب (خد خط) والضياء

(1) أخرجه عبد الرزاق (3/ 5) رقم (4572)، والدارقطني (2/ 21) وأورده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 18)، وقال: ضعيفٌ جداً. وعبد الله بن محرر متروك قاله الحافظ في التقريب (3573) وانظر تهذيب التهذيب (5/ 390). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1360) والسلسلة الضعيفة (2937): ضعيف جدًّا.

(2)

أخرجه أحمد (2/ 169) وأبو داود (2789) والنسائي (7/ 212) وابن حبان (9514) والحاكم 4/ 223). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1265).

(3)

أخرجه أحمد في المسند (3/ 490) وقال الهيثمي في المجمع (2/ 98): فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعن.

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 453) رقم (12286) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 98): فيه عطاء بن السائب. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1377) والسلسلة الصحيحة (1556).

ص: 245

عن أنس ".

(أمرت بالنعلين) باتخاذهما صيانة للأقدام أو بالصلاة بهما كما يأتي (والخاتم) فهو سنة في حقه، (الشيرازي في الألقاب خد خط والضياء عن أنس)(1).

1630 -

"أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب (حم حب ك) عن عبد الله بن جعفر (صح) ".

(أمرت أن أبشر خديجة) هي بنت خويلد زوجه صلى الله عليه وسلم (ببيت في الجنة من قصب) بالقاف فصاد مهملة فباء موحدة قال في النهاية (2): القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف والقصب من الجواهر ما استطال (لا صخب فيه) بالمهملة فالمعجمة هو اضطراب الأصوات للخصام (ولا نَصَب) هو التعب والحديث فضيلة لأم المؤمنين رضي الله عنها حيث بشرها به صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى ابتداء وهو الذي سألته امرأة فرعون حيث قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا في الْجَنَّةِ} [التحريم: 11](حم حب ك عن عبد الله) بن جعفر قال الحاكم على شرط مسلم وأقروه ورمز المصنف لصحته (3).

1631 -

"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، واليدين،

(1) أخرجه الخطيب في تاريخه (8/ 448) والطبراني في الأوسط (3603) وقال الهيثمي (5/ 138) فيه عمر بن هارون البلخي وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 691) رقم (1152). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1259).

(2)

النهاية (4/ 67).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 205) وابن حبان (7005) والحاكم (3/ 184) وقال: صحيحٌ صحيح على شرط مسلم.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 223): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع.

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1368)، والسلسلة الصحيحة (1554).

ص: 246

والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب ولا الشعر (ق د ن هـ) عن ابن عباس (صح) ".

(أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة) بدل من سبعة بإعادة العامل وأخذ منه عدم وجوب السجود على الأنف (واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب) في النهاية (1): ومنه نهينا أن نكفت الثياب في الصلاة أي نضمها ونجمعها من الانتشار أي لا يجمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود (ولا الشعر)[1/ 472] شعر الرأس (ق د ن 5 عن بن عباس)(2).

1632 -

"أمرت بالوتر، وركعتي الضحى، ولم يكتب عليكم (حم) عن ابن عباس ".

(أمرت بالوتر) بصلاته (وركعتي الضحى ولم يكتب عليكم) لم يفرض. تقدم قريباً (حم) عن ابن عباس (3) وفيه جابر الجعفي كذاب.

1633 -

"أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد (ق) عن أبي هريرة (صح) ".

(أمرت بقرية) قال المصنف: في التوشيح (4) أي بالهجرة إليها وسكناها والمراد المدينة (تأكل القرى) تغلبهم لأن الآكل يغلب المأكول كني به عن الغلبة وقيل يفتح بأهلها القرى فتأكل غنائمها وقيل: المراد الفضل فإن الفضائل

(1) النهاية (4/ 184).

(2)

أخرجه البخاري (809)، ومسلم (490) وأبو داود (889) والنسائي (2/ 209).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 234) وأخرجه أيضاً البزار كما في كشف الأستار (3/ 144) رقم (2434) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 264) وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1261)، والسلسلة الضعيفة (2937).

(4)

انظر شرح السيوطي (3/ 419) على مسلم وتنوير الحوالك له أيضاً (1/ 202)، وفتح الباري (4/ 87).

ص: 247

تضمحل في جنب عظيم فضلها (يقولون يثرب) في الإطلاق عليها وهو اسم مكروه لأنه من الثرب وهو الفساد أو التثريب وهو التوبيخ وكلاهما مستقبح وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح (وهي المدينة تنفي) بالمثناة الفوقية مفتوحة فنون ساكنة ففاء فمثناة تحتية (الناس) قال عياض: هذا خاص بزمنه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانه، وقال النووي: وليس هذا ظاهراً؛ لأن عند مسلم: "لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها" وهذا والله أعلم لا يكون إلا في زمن الدجال (1). (كما ينفي) روي بالفاء، وبالقاف في النهاية (2) الرواية المشهورة بالفاء وقد جاء في رواية بالقاف، فإن كانت مخففة وهي من إخراج المخ المستخرج خبثها وإن كانت مشددة فهي من التنقية إخراج الجيد من الرديء (كما ينفي الكبير خبث الحديد) نسبته إلى الكبير لأنه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع بها التمييز (ق عن أبي هريرة)(3).

1634 -

"أمرت الرسل أن لا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحاً (ك) عن أم عبد الله بنت أخت شداد بن أوس (صح) ".

(أمرت الرسل) رسل الله وكأنه يراد به ما يعم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم (أن لا تأكل إلا طيبًا) وهو الحلال (ولا تعمل إلا صالحًا) هو من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51] قال جار الله (4): الطيبات ما حل وطاب، وقيل: طيبات الرزق: حلال وصاف وقوام،

(1) انظر شرح النووي على مسلم (9/ 154)، وشرح السيوطي لمسلم (3/ 417)، وانظر: كذلك فتح الباري (4/ 88)، وفيه تفصيل جيد للمسألة.

(2)

النهاية (5/ 110).

(3)

أخرجه البخاري (1871) ومسلم (1382).

(4)

انظر: تفسير الشاف لجار الله الزمخشري (1/ 818).

ص: 248

فالحلال: الذي لا يعصى الله فيه، والصافي: الذي لا ينسى الله عز وجل فيه، والقوام: ما يمسك النفس ويحفظ العقل (ك عن أم عبد الله بنت أخت شداد) بن أوس رمز المصنف لصحته لأنه قال الحاكم: صحيح وردّه الذهبي (1).

1635 -

"أمرنا بإسباغ الوضوء، الدارمي عن ابن عباس".

(أمرنا بإسباغ الوضوء) إتمامه وإبلاغه مواضعه (الدارمي عن ابن عباس) وفي الباب غيره (2).

1636 -

"أمرنا بالتسبيح في أدبار الصلوات ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، وثلاثا وثلاثين تحميدة، وأربعاً وثلاثين تكبيرة (طب) عن أبي الدرداء ".

(أمرنا) نحن والأمة (بالتسبيح في أدبار الصلوات) جمع دبر بالضم وبضمتين هو من كل شيء عقبه والمراد بالصلوات الفرائض، اللام للعهد (ثلاثًا وثلاثين تسبيحة وثلاثًا وثلاثين تحميدة) عده من التسبيح تغليبًا أو لأن التسبيح يراد به التنزيه مطلقًا كما عد التكبير في قوله (وأربعًا وثلاثين تكبيرة) وهذا الأمر للندب.

واعلم: أن خاصية هذه الأعداد لا يعلمها إلا الله فلا يقول القائل: أزيد عليها لأنه زيادة خير لأنا نقول ما عينه الشارع يعين وإلا لزيد في أعداد الركعات، هذا وقد وردت روايات أخر أن التكبير ثلاث وثلاثون ويختم ذلك بقول: لا إله إلا الله الخ وحينئذ فيخير العبد بين هذا وهذا (طب [1/ 473] عن أبي الدرداء)(3).

1637 -

"أمرني جبريل أن أكبر (الحكيم (حل) عن ابن عمر ".

(أمرني جبريل) أي عن الله (أن أكبر) أقول الله أكبر أو أقدم الأكبر وأوقره

(1) أخرجه الحاكم (4/ 126). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1367) والسلسلة الصحيحة (1136).

(2)

أخرجه الدارمي (700). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1380).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (15/ 101) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجالهما رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1381).

ص: 249

وقد كان صلى الله عليه وسلم يفعل الأمرين (الحكيم حل عن ابن عمر)(1).

1638 -

"امسحوا على الخفين والخمار (حم) عن بلال ".

(امسحوا على الخفين) في الوضوء (والخمار) بكسر الخاء المعجمة في النهاية (2) أراد به العمامة لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بالخمار وذلك إذا كان قد اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحَنَك فلا يستطيع نزعها في كل وقت فتصير كالخفين غير أنه يحتاج إلى مسح القليل من الرأس ثم يمسح على العمامة بدل الاستيعاب، وهو تأويل قاد إليه المذهب وإلا فظاهره المسح على العمامة مطلقًا وعليه حديث المغيرة وغيره من الأحاديث الصحيحة (حم عن بلال)(3).

1639 -

"امسح رأس اليتيم هكذا، إلى مقدم رأسه، ومن له أب هكذا، إلى مؤخر رأسه (خط) وابن عساكر عن ابن عباس ".

(امسح رأس اليتيم) أي بالدهن أو للتلطف به (هكذا إلى مقدم رأسه) فيبدأ من مؤخره (ومن له أب هكذا إلى مؤخر رأسه) والله أعلم بحكمة التفرقة (خط وابن عساكر عن ابن عباس) بإسناد ضعيف (4).

1640 -

"أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك (ق 3) عن كعب بن مالك ".

(1) أخرجه الحكيم (2/ 71) وأبو نعيم في الحلية (8/ 174). وكذلك الطبراني في الأوسط (8/ 32) والبيهقي في (1/ 40). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1382) والسلسلة الصحيحة (1555).

(2)

النهاية (1/ 297).

(3)

أخرجه أحمد (6/ 12)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1270) والسلسلة الضعيفة (2935).

(4)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (5/ 291)، وابن عساكر (53/ 129). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1269) والسلسلة الضعيفة (3072): موضوع.

ص: 250

(أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) قاله صلى الله عليه وسلم لكعب أحد الثلاثة الذين خلفوا وتاب الله عليهم فإنه لما تابا عليهم قال: يا رسول الله إن من توبتي أن أخرج من مالي لله وفي سبيله فقاله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه لا يتصدق العبد بكل ما يملك (ق 3 عن كعب بن مالك)(1).

1641 -

"امش ميلاً عد مريضاً، امش ميلين أصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال زر أخاً في الله، ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن مكحول مرسلاً ".

(امش ميلاً) قدره وهو ثلث الفرسخ وهو اثنا عشر ألف ذراع أو عشرة آلاف (عد مريضًا) أي هذه المسافة التي لا يسقط بدونها عيادة المريض (امش ميلين أصلح بين اثنين) فأكثر (امش ثلاثة أميال ذر أخًا في سبيل الله) وزيارة الأخ في الله أفضل المذكورات (ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن مكحول مرسلًا) ورواه البيهقي عن أبي أمامة وإسناده ضعيف (2).

1642 -

"امشوا أمامي، خلوا ظهري للملائكة ابن سعد عن جابر ".

(امشوا أمامي) خطاب لأصحابه الذين يمشون معه (خلوا ظهري للملائكة) يمشون خلفه ابن سعد عن جابر (3).

1643 -

"أمط الأذى عن الطريق فإنه لك صدقة (خد) عن أبي برزة ".

(أمط) أزل (الأذى) ما يؤدي المارين (عن الطريق فإنه لك صدقة) وتقدم فيه

(1) أخرجه البخاري (2757)، ومسلم (2769).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان (101) مرسلاً عن مكحول، وأخرجه ابن عدي (5/ 178) مرفوعاً من رواية أبي أمامة وفيه علي بن يزيد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1272) والسلسلة الضعيفة (2936).

(3)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 178)، وكذلك أبو نعيم في الحلية (7/ 117). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1389) والسلسلة الصحيحة (1557).

ص: 251

الكلام (خد عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) اسمه نضلة بالنون بن عبيد مصغر عبد (1).

1644 -

"أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم الأقرب فالأقرب (حم د ت ك) عن معاوية بن حيدة (هـ) عن أبي هريرة ".

(أمك ثم أمك ثم أمك) منصوب على تقدير قدم أمك في البر على أبيك ودل على المقدر قول السائل: من أبر يا رسول الله (ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب) على منازل قربهم نسبًا (حم د ت ك عن معاوية بن حيدة 5 عن أبي هريرة)(2).

1645 -

"أملك يدك (تخ) عن أسود بن أصرم ".

(أملك يدك) أصله على ما في الكبير بعد ذكر قصة قال الأسود: قلت: يا رسول الله أوصني، قال:"هل تملك لسانك"؟ قلت: فماذا أملك إذا لم أملك لساني؟! قال: "هل تملك يدك"؟ قلت: فماذا أملك إذا لم أملك يدي؟! قال: "فلا تقل بلسانك إلا معروفًا ولا تبسط يدك إلا إلى خير"، هذا لفظه وكأن ما ذكره المصنف هنا أحد ألفاظه وهو منسوب للبخاري في التاريخ كما هنا وللبغوي وقال: ولا أعلم له غيره (تخ عن الأسود بن أصرم)(3).

1646 -

"أملك عليك لسانك ابن قانع (طب) عن الحارث بن هشام ".

(أملك عليك لسانك) في النهاية (4): أي لا تجره إلا بما يكون لك لا عليك

(1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (228). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1390) والسلسلة الصحيحة (1158).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 3) وأبو داود (5139) والترمذي (1897) وقال: حديث حسن، والطبراني (19/ 404) رقم (957) والحاكم (4/ 150). وحديث أبي هريرة: أخرجه أحمد (2/ 327)، وابن ماجه (3658) قال البوصيري (4/ 98) هذا إسناد صحيح. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1399) والإرواء (837)(2163).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ (1/ 444). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1393) والسلسلة الصحيحة (1560).

(4)

النهاية (4/ 358).

ص: 252

(ابن قانع طب عن الحارث بن هشام) بإسناد جيد (1).

1647 -

"أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك (ت) عن عقبة بن عامر".

(أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك) إشارة إلى العزلة [1/ 474] وطلب السلامة (ت عن عقبة بن عامر) قيل: صوابه عن أبي أمامة وفي إسناده مقال (2).

1648 -

"أملكوا العجين؛ فإنه أعظم للبركة (5 عد) عن أنس".

(أملكوا العجين) في النهاية (3): يقال ملكت العجين وأملكته إذا أنعمت عجنه وأجدته (فإنه أعظم للبركة) لأنه ينمو بحسن عجنه فيكثر خبزه (5 عد عن أنس) وهو حديث منكر (4).

1649 -

"أمناء المسلمين على صلاتهم وسحورهم المؤذنون (هب) عن أبي محذورة ".

(أمناء المسلمين على صلاتهم) بمعرفة أوقاتها (وسحورهم) وكذا فطورهم إنما لم يذكره لأنه قد دخل في الأوقات (المؤذنون) فليعرفوا قدر هذه الأمانة فإنهم مقلدون بذلك وفيه جواز تقليدهم بذلك (هب عن أبي محذورة)(5).

(1) أخرجه ابن قانع (1/ 185). والطبراني في الكبير (3/ 260) رقم (3348، 3349) قال الهيثمي في المجمع (10/ 299) رواه الطبراني بإسنادين وأحدهما جيد.

(2)

أخرجه الترمذي (2406) وقال حديث حسن وأما حديث أبي أمامة أخرجه أحمد (5/ 259). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1393) والسلسلة الصحيحة (890).

(3)

النهاية (4/ 359).

(4)

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 313). وضعفه الألباني في الجامع (1273) والسلسلة الضعيفة (1825).

(5)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 426) وأخرجه الطبراني (7/ 176) رقم (6743)، وقال الهيثمي (2/ 2): وإسناده حسنٌ. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1403) وفي الإرواء=

ص: 253

1650 -

"أمنع الصفوف من الشيطان الصف الأول أبو الشيخ ابن حبان عن أبي هريرة ".

(امنع الصفوف) أكثرها ممنوعية (من الشيطان الصف الأول) لأنه صف الملائكة فتطرد عنه الشياطين أو أشدها مانعية فإنه يمنع الشياطين من فتنة المصلين والإسناد إليه مجاز (أبو الشيخ عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (1).

1651 -

"أمنوا إذا قرأ "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" ابن شاهين في السنة عن علي ".

(أمِّنوا) قولوا آمين (إذا قرأ) الإِمام أضمر للعلم به (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) تقدم الكلام فيه ابن شاهين في السنة عن علي (2).

1652 -

"أميران وليسا بأميرين؛ المرأة تحج مع القوم فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة، فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها، والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها، فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها (المحاملي في أماليه عن جابر".

(أميران) تثنية أمير وهو مبتدأ أو خبر مبتدأ محذوف (وليسا بأميرين) حقيقة (المرأة تحج مع القوم فتحيض قبل أن تطوف بالبيت طواف الزيارة) فإنه لا يجبرها شيء بل يجب بقاؤها حتى تأتي به (فليس لأصحابها) الذين هم في

= (221).

(1)

أخرجه أبو الشيخ كما في الكنز (20568)، وذكره الغماري في المداوى (2/ 216) رقم (808). قال المناوي (2/ 198): فيه محمد بن سنان قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو داود وابن خراش وقال الدارقطني: لا بأس. وحكيم بن يوسف قال أبو حاتم صدوق لا يحتج به. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1284) والسلسلة الضعيفة (2941): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه ابن شاهين في السنة كما في الكنز (19175). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1401).

ص: 254

صحبتها (أن ينفروا) عن مكة (حتى يستأمروها) يأخذوا الأمر بالإذن لهم (والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها) ظاهر هذا أنه كالأول على وجه الإيجاب (المحاملي) بفتح الميم وحاء مهملة نسبة إلى المحامل التي تحمل الناس في السفر وهو القاضي أبو عبد الله في (أماليه عن جابر)(1).

1653 -

"إن الله أبى علي فيمن قتل مؤمناً. ثلاثاً (حم ن ك) عن عقبة بن مالك (صح) ".

(إن الله أبى علي) امتنع تعالى في قبول الشفاعة (فيمن قتل مؤمنًا ثلاثًا) مرات أو شفاعات أو قاله ثلاثًا وهو نظير ما تقدم من حديث أنس: "أبى الله أن يجعل لقاتل العمد توبة"(حم ن ك عن عقبة بن مالك) بإسناد صحيح (2).

1354 -

"إن الله أبى لي أن أتزوج أو أزوج إلا أهل الجنة (ابن عساكر عن هند بن أبي هالة ".

(إن الله أبى لي أن أتزوج) من النساء (أو أزوج) من الرجال بناتي ونحوهن (إلا أهل الجنة) فيه بشارة لأزواجه وأصهاره وهل كان الأنبياء قبله يتزوجون غير المؤمنات كامرأة لوط ونوح يحتمل أنه كان جائزًا ويحتمل أنهما ما كان يعلمان بأمرهما إلا عند إعلام الله سبحانه ويبعده أنه لو كان محرمًا ما أقرهما الله

(1) أخرجه المحاملي (4970) كنز) والبزار كما في كشف الأستار (2/ 36) رقم (1144) وقال الهيثمي (3/ 281) رواه البزار وقال: لا نعلمه بهذا اللفظ من وجه أحسن من هذا، وعزاه الحافظ في الفتح إلى البزار من حديث جابر والبيهقي في فوائده من حديث أبي هريرة وقال: في إسناد كل منهما ضعيفاً جداً. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1285)، والضعيفة (2942).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 110) والنسائي في الكبرى (8593) والحاكم (1/ 19) وقال المناوي في الفيض (2/ 199): قال العراقي في أماليه: حديث صحيح. وقال الذهبي في الكبائر: على شرط مسلم. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1698) والسلسلة الصحيحة (689).

ص: 255

عليه ولأمرهما بفراقهما ثم لعل هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم كان متأخرًا فإنه قد زوج ابنته زينب قبل الهجرة بأبي العاص بن الربيع وكان كافرًا ثم أسلم أو المراد من قول أمره إلى أن يكون من أهل الجنة وقد كان أبو العاص كذلك وأنه أسلم وحسن إسلامه (ابن عساكر عن هند بن أبي هالة) هو ابن خديجة خال الحسنين السبطين (1) عليهما السلام.

1655 -

"إن الله تعالى اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وإن خليلي أبو بكر (طب) عن أبي أمامة (ض) ".

(إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) والخلة له تعالى مشتركة بينهما (وإن خليلي أبو بكر) يعارضه ما يأتي من حديث ابن عباس وابن الزبير: "لو كنت متخذًا خليلاً دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن أخي وصاحبي"، وقد يدفع بأن مراتب الخلة متفاوتة فالمنفية هنالك غير الذي أثبتت هنا والأرجح إلى الترجيح والخبر الآتي أرجح من هذا فإنه أخرجه أحمد وصححه المصنف وأخرجه البخاري أيضًا وهذا قد ضعفه المصنف (طب عن أبي أمامة)(2).

1656 -

"إنَّ الله تعالى أجاركم من ثلاث خلال: أن لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعاً، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة (د) عن أبي مالك الأشعري (صح) ".

(إن الله تعالى أجاركم) أيها الأمة [1/ 475](من ثلاث خلال) بينها بقوله (أن لا يدعو عليكم نبيكم) كما قد وقع للأنبياء على أممها (فتهلكوا جميعًا)

(1) أخرجه ابن عساكر (69/ 149) وقال المناوي في الفيض (2/ 199): إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1529) والسلسلة الضعيفة (3040).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 201) رقم (7816) قال الهيثمي في المجمع (9/ 45): فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1531) والسلسلة الضعيفة (3035): موضوع.

ص: 256

والثانية (أن لا يظهر أهل الباطل) وهم الكفار (على أهل الحق) على المسلمين فلا تغلبونهم عليه وتجتاحونهم منه حتى لا يبقى لهم باقية كما فسرتها الأحاديث غير هذا (وأن لا تجتمعوا على ضلالة) بل لا يكون الإجماع والاجتماع إلا على الهدى (د عن أبي مالك الأشعري) وفيه انقطاع وضعف (1).

1657 -

"إن الله احتجر التوبة على كل صاحب بدعة (ابن قيل طس هب) والضياء عن أنس (صح) ".

(إن الله احتجر) بالحاء المهملة بعد المثناة الفوقية جيم آخره راء احتجرت الأرض إذا ضَرَبَت عليها مناراً تمنعها عن غيرك كما في النهاية (2)(التوبة عن كل صاحب بدعة) تمنع قبولها عنه إذا تاب وهو على بدعة أو منعه عن التوفيق للتوبة وتقدم حديث: "إن الله لا يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته" والتوبة من أشرف أعماله (ابن قيل) ضبط بالفاء والمثناة التحتية على اسم الحيوان المعروف (طس هب والضياء عن أنس)(3).

1658 -

"إن الله تعالى إذا أحب عبدا جعل رزقه كفافاً، أبو الشيخ ابن حبان عن علي ".

(إن الله إذا أحب عبدًا جعل رزقه كفافًا) تقدم تفسير الكفاف وهذا نظير حديث: "إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا" بأن المراد حماه ما زاد على الكفاف (أبو

(1) أخرجه أبو داود (4253) والطبراني في الكبير (3/ 292) رقم (2440). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1532) والسلسلة الضعيفة (1510).

(2)

النهاية (1/ 341).

(3)

أخرجه ابن فيل كما في الكنز (1105) والطبراني في الأوسط (4202) والبيهقي في الشعب (9456) والضياء (2055)، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 189) رجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1699) والسلسلة الصحيحة (1620).

ص: 257

الشيخ عن علي) بإسناد ضعيف (1).

1659 -

"إن الله تعالى إذا أحب إنفاذ أمر سلب كل ذي لب نبه (خط) عن ابن عباس ".

(إن الله إذا أحب إنفاذ أمر) إمضائه وتمامه (سلب كل ذي لب نبه) اللب بالضم هو العقل أي سلبه استعمال عقله ونظيره فيما يدفع ما نزل به من الحوادث ليتم نفاذ أمره وتقدم في: إذا أراد (خط عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وفيه ضعف لضعف لاحق بن الحسين (2).

1660 -

"إن الله إذا أراد إمضاء أمر نزع عقول الرجال حتى يمضي أمره، فإذا أمضاه رد إليهم عقولهم ووقعت الندامة أبو عبد الرحمن السلمي في سنن الصوفية عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ".

(إن الله إذا أراد إمضاء أمر نزع عقول الرجال) عما يختص بتدبير ذلك الأمر (حتى يمضي أمره فإذا أمضاه رد عليهم عقولهم) فعرفوا ما أهملوه من وجوه التدبير (ووقعت الندامة) حيث لا تنفع (أبو عبد الرحمن السلمي في سنن الصوفية عن جعفر بن محمد عن أبيه) محمد الباقر (عن جده) علي بن الحسين زين العابدين إذا كان الضمير لجعفر أو علي بن أبي طالب إذا كان الضمير لأبيه والأول هو الأظهر ويكون منقطعًا والثاني يؤيده أنه كان سيقول مرسلاً (3).

(1) أخرجه أبو الشيخ في الثواب كما في الكنز (7089) وقال المناوي في الفيض (2/ 201): فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ضعفوه وعلي بن هاشم غال في التشيع وعبيد الله بن الوليد ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1539).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (14/ 99) وابن عساكر (64/ 17) وأخرجه أيضاً أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 342)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1538) والضعيفة (3043).

(3)

أخرجه أبو عبد الرحمن السلمي كما في الكنز (511) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1540) والسلسلة الضعيفة (2212).

ص: 258

1661 -

"إن الله تعالى إذا أنزل سطواته على أهل نقمته فوافت آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم، ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم (هب) عن عائشة (ح) ".

(إن الله إذا أنزل سطواته) سطى عليه يسطو سأل وقهر بالبطش (على أهل نقمته) من يريد الانتقام منهم (فوافقت) السطوات (آجال قوم صالحين فأهلكوا بهلاكهم) مصاحبين له لا أنهم هلكوا انتقامًا (ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم) فقد يهلك الصالحون مع الفجار ولكن ليس عليهم من هلاكهم معهم شيء (هب عن عائشة) رمز المصنف لحسنه (1).

1662 -

"إن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه، ويكره البؤس والتباؤس ويبغض السائل الملحف، ويحب الحيي العفيف المتعفف (هب) عن أبي هريرة (ح) ".

(إن الله إذا أنعم على عبد نعمة) في ماله وحاله (يحب أن يُرى) مغير صيغة يرى الناس (أثر النعمة عليه) وفي رواية: "في مأكله وملبسه"، وفيه أنه يندب لذي النعمة إظهار أثرها في طعامه ولباسه إذ دلالة كونه تعالى يحب الشيء على ندبيته أقل ما يكون (ويكره البؤس) هو من بأس كسمع اشتدت حاجته (والتباؤس) هو إظهار الحاجة والتفاقر (ويبغض السائل الملحف) الملح يقال: ألحف في المسألة إذا ألح فيها (ويحب الحيي) فعيل من الحياء صفة مشبهة ككريم من الكرم (العفيف) فعيل أيضًا من عف كف عما لا يحل ولا يحمل (المتعفف) المظهر للعفة المتكلف لها بالمراد العفيف في نفسه الحامل لنفسه على العفة والكراهة منه تعالى للأمر والشيء يحتمل تحريمه له ويحتمل عدمه ومثله بغضه

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (7599). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1710) والسلسلة الصحيحة (1622).

ص: 259

للشيء يحتمل الأمرين (هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه (1).

1663 -

"إن الله تعالى إذا رضي عن العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الخير لم يعمله، وإذا سخط على العبد أثنى عليه بسبعة أصناف من الشر لم يعملها (حم حب) عن أبي سعيد (صح) ".

(إن الله إذا رضي عن العبد أثنى عليه) في القاموس: الثناء وصف مدح أو ذم أو خاص بالمدح انتهى (2). [1/ 476]

وقد استعمل في الحديث بهما الأول للمدح والثاني للذم (بسبعة أصناف من الخير) أي أن رضاه تعالى سبب لأن يثني على العبد بما لم يأت به ولذا قال (لم يعمله وإذا سخط على العبد أثنى عليه) هو للذم فإما لأنه مشترك أو مجاز المشاكلة أو تهكمًا به (بسبعة أصناف من الشر لم يعمله) وكأن المراد ألقى على ألسنة العباد الأمرين والتعبير بالسبعة كأنه لإرادة التكثير كما يستعمل السبعون لذلك وهذا سر رضا الله وسخطه يظهر على أفواه عباده. (حم حب عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (3).

1664 -

"إن الله إذا قضى على عبد قضاء لم يكن لقضائه مرد (ابن قانع عن شرحبيل بن السمط".

(إن الله إذا قضى بعبده قضاء لم يكن لقضائه مرد) لا راد لما أراد، إلا أنه قد

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (6202). وكذلك أحمد (2/ 311). وقال المناوي: في الفيض (3/ 202): قال الذهبي في المهذب: إسناده جيد.

وصححه الألباني في صحيح الجامع (1711) والسلسلة الصحيحة (1320).

(2)

القاموس المحيط (ص 1637).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 38) وابن حبان (368) وقال الهيثمي (10/ 272): رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم، وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 826) وقال: لا يصح قال أحمد: أحاديث دراج مناكير. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1548) والسلسلة الضعيفة (3046).

ص: 260

ثبت: "أن الدعاء يرد القضاء" وفي الحقيقة الذي رده هو الله تعالى (ابن قانع عن شرحبيل بن السمط) الكندي مختلف في صحبته (1).

1665 -

"إن الله تعالى إذا أراد بالعباد نقمة أمات الأطفال، وعقم النساء، فتنزل بهم النقمة، وليس فيهم مرحوم (الشيرازي في الألقاب عن حذيفة، وعمار بن ياسر معا ".

(إن الله إذا أراد بالعباد نقمة) نقمة عذاب يستأصلهم به عقوبة على معاصيهم (أمات الأطفال) لئلا يصابوا بذنوب غيرهم ويكون قد قدر تعالى آجالهم قصيرة وأعمالهم حقيرة أو لئلا تكون حياتهم سببًا لدفع العذاب (وأعقم النساء) وقوله (فينزل بهم النقمة وليس فيهم مرحوم) يؤيد الثاني إلا أنه كأنه أمر أغلبي وإلا فقد ثبت في الحديث الذي تقدم أنه يصاب من لا ذنب له بسبب إصابة ذي الذنب ويبعثون على نياتهم ودل له أحد الوجهين في تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاَصَّةً} [الأنفال: 25](الشيرازي في الألقاب عن حذيفة وعمار بن ياسر معًا) زيادة معاً لدفع توهم أنه راوٍ غير واحد ولا حاجة إليها ولم يلتزمها أيضًا (2).

1666 -

"إن الله إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقتا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيماً ملعناً نزعت منه ربقة الإِسلام (هـ) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى إذا أراد أن يهلك عبدًا نزع منه الحياء) فإنه أشرف صفات

(1) أخرجه ابن قانع (409). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1550).

(2)

أخرجه الشيرازي في الألقاب كما في الكنز (6011)، وكذلك الديلمي (1/ 245) رقم (951). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1544).

ص: 261

الإنسان وإنه لا يأتي إلا بخير (فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتًا) فعيل من المقت وهو البغض يقال مقته مقتًا أبغضه (ممقتًا) من مقته كقطعه أي ألقى الله في قلوب عباده البغض له فلا يلقاه إلا مبغوضًا عند الله مبغضًا إلى عباده أو فعل هنا للتشبيه يقال فسقه نسبه إلى الفسق فالمراد ممقتًا منسوبًا إلى البغض مشتهرًا به (فإذا لم تلقه إلا مقيتًا ممقتًا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنًا مخونًا) هو كما سلف (نزعت منه الرحمة) كأن المراد فإذا نزعت منه الأمانة، نزعت منه الرحمة وكأنه حذف الشرط لدلالة ما قبله عليه كما حذف قبل قوله نزعت منه ربقة الإِسلام والمراد فإذا لم تلقه إلا رحيمًا ملعنًا نزعت منه ربقة الإِسلام (فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيماً) بالجيم من الرجم اللعن والشتم والهجران ورمي بالحجارة (ملعنًا) من لعّن محمول كثر لعنه وغيرت الصيغة للإشارة إلى أنه يلعنه كل شيء (نزعت منه ربقة) بكسر الراء وسكون الموحدة فقاف (الإِسلام) والربقة في الأصل عروة في حبل تجعل في رجل الدابة وهو هنا استعارة بما لزم من حدود الإِسلام وأحكامه (5 عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وضعفه المنذري (1).

1667 -

"إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله تعالى يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض (م) عن أبي

(1) أخرجه ابن ماجه (4054) وقال البوصيري في مصباح الزجاجه (4/ 195): هذا إسناد ضعيف لضعف سعيد بن سنان والاختلاف في اسمه.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1543) والسلسلة الضعيفة (3044).

ص: 262

هريرة (صح) ".

(إن الله إذا أحب عبدًا) تقدم الكلام فيه في حرف: إذا فإنه تقدم فيه بلفظه (دعا جبريل) كأن المراد أوحى إليه تعالى (فقال: إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل) امتثالاً لأمر الله (ثم ينادي) جبريل (في السماء) المراد الجنس فيشمل السماوات والنداء بأمر الله تعالى. (إن الله يحب فلانًا فأحبوه) تنويهًا لشانه وتعظيمًا له (فيحبه أهل السماء ثم يرجع له القبول في الأرض) أي المحبة في قلوب العباد كما قيل:

وإذا أحب الله يومًا عبده

ألقى عليه محبة في الناس (1)

(وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فقال إني أبغض فلانًا فأبغضه) وهو تعالى لا يبغض العبد [/ 477] إلا لمخالفته أمره وتوثبه على ما نهى عنه (فيبغضه جبريل ثم ينادي في السماء إن الله يبغض فلانًا فيبغضونه) أهل السماوات (ثم يوضع له البغضاء في الأرض) فحب أهل الأرض للإنسان وبغضهم له يتفرع عن حب الله وبغضه (م عن أبي هريرة) ولم يخرج البخاري لفظه بل رواه بدون ذكر البغضاء (2).

1668 -

"إن الله تعالى إذا أطعم نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده (د) عن أبي بكر".

(إن الله إذا أطعم نبيًا طعمة) في النهاية (3): الطعمة بالضم شبه الرزق يريد ما كان له من الفيء وغيره انتهى. ويأتي تفسيرها قريبًا في حديث ابن عباس إن الله جعل لكل نبي طعمة الحديث (ثم قبضه فهي للذي يقوم من بعده) أي للخليفة

(1) منسوب إلى ابن عبد ربه الأندلسي المتوفى (246 - 328 هـ).

(2)

أخرجه مسلم (2637) وأخرج البخاري بعضه بدون ذكر البغضاء (7485).

(3)

النهاية (3/ 126).

ص: 263

القائم بأمر الأمة (د عن أبي بكر)(1) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف محمد بن فضيل والوليد بن جميع.

1669 -

"إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا أراد هلكة أمة عذبها ونبيها حي، فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها، حين كذبوه وعصوا أمره (م) عن أبي موسى (صح) ".

(إن الله إذا أراد رحمة أمة من عباده) أي إمهالها وتأخيرها (قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطاً) في النهاية (2): يقال: فرط يفرط فهو فارط وفرط إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء ويهيئ لهم الدِّلاء والأرشية (وسلفًا) قال: فيها هو من سلف المال كأنه قد أسلفه وجعله ثمنًا للأجر والثواب الذي نجازى به على الصبر عليه وقيل سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته ولذا سمي الصدر الأول من التابعين السلف الصالح انتهى. فالمراد الآخر (بين يديها وإذا أراد هلكة) بفتح الهاء واللام (أمة عذّبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر) كما وقع لنوح مع قومه وغيره من الأنبياء (فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه) فرّحه وبلغه أمنيته وذلك لأن المستبشر يخرج من عينيه ماء بارد فتقر عينه (وعصوا أمره) خالفوا ما أمرهم به (م عن أبي موسى)(3).

1670 -

"إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق عبدا للخلافة مسح يده على جبهته (خط) عن أنس".

(إن الله إذا أراد أن يجعل عبدًا للخلافة) على أهل الأرض (مسح يده) اليد النعمة (على جبهته) جعل على جبهته نعمة القبول والحظ عند كل من رآه كما

(1) أخرجه أبو داود (2973) وكذلك أحمد (1/ 4). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1709).

(2)

النهاية (3/ 434).

(3)

أخرجه مسلم (1188).

ص: 264

يفسره ما بعده (خط عن أنس) سكت عليه المصنف وقد قال الخطيب بعد إخراجه مسرة بن عبد الله ذاهب الحديث (1).

1671 -

"إن الله تعالى إذا أراد أن يخلق خلقا للخلافة مسح يده على ناصيته، فلا تقع عليه عين إلا أحبته (ك) عن ابن عباس (صح) ".

(إن الله إذا أراد أن يخلق خلقًا) أي مخلوقًا (للخلافة مسح يده على ناصيته فلا تقع عليه عين إلا أحبته) فيتم امتثال العباد له وتقدم الحديث في: إذا (ك عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وقال الحافظ ابن حجر: شيخ الحاكم ضعيف (2).

1672 -

"إن الله تعالى إذا أنزل عاهة من السماء على أهل الأرض صرفت عن عمار المسجد ابن عساكر عن أنس ".

(إن الله تعالى إذا أنزل عاهة) هي الآفة (من السماء على أهل الأرض صرفها عن عمار) بضم المهملة وتشديد الميم (المساجد) بالصلاة والتلاوة والذكر وتقدم في: إذا أيضًا (ابن عساكر عن أنس)(3).

1673 -

"إن الله تعالى إذا غضب على أمة، ولم ينزل بها عذاب خسف ولا مسخ، غلت أسعارها، ويحبس عنها أمطارها، ويلي عليها أشرارها ابن عساكر

(1) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 150)، وقال: مسرة بن عبد الله ذاهب الحديث. انظر: الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 115) ولسان الميزان (6/ 20). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1541) والسلسلة الضعيفة (2217).

(2)

أخرجه الحاكم (3/ 331)، وقال ابن حجر كما قال المناوي في الفيض (2/ 207) شيخ الحاكم ضعيف وهو من الحفاظ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1542) والسلسلة الضعيفة (806).

(3)

أخرجه ابن عساكر (17/ 11) وفي إسناده كما عند ابن عدي (3/ 232) زافر بن سليمان وقال: ولزافر غير ما ذكرت وكأن أحاديثه مقلوبة الإسناد مقلوبة المتن وعامة ما يرويه لا يتابع عليه ويكتب حديثه مع ضعفه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1545).

ص: 265

عن علي ".

(إن الله تعالى إذا غضب على أمة) بمعاصيها (لم ينزل بها عذاب خسف) في القاموس (1): خسف المكان يخسف خسوفًا ذهب في الأرض (ولا مسخ) فيه أيضًا مسخه حول صورته إلى أخرى وجملة لم ينزل إلى هنا صفة لأمة أي أمة موصوفة تقدم نزول خسف بها ولا مسخ لا أنه جواب إذا فإن جوابها قوله (غلت أسعارها) جمع سعر جعل عقوبتها ذلك (وتحبس عنها أمطارها) فهو من أسباب غلاء الأسعار وأتى به مضارعًا إشارة إلى أن حبس الأمطار يتجدد فصلاً وفصلاً فلا يرتقبون فصلاً إلا حبس [1/ 478] عنهم قطره ولذلك جمع المطر إرادة لأمطار كل فصل (ويلي عليها أشرارها) فتقسوا قلوبهم بالعسف والقهر والظلم (ابن عساكر عن علي)(2).

1674 -

"إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش، وهو يقول: سبحانك، ما أعظمك فيرد عليه: لا يعلم ذلك من حلف بي كاذباً (أبو الشيخ ابن حبان في العظمة (طس) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله أذن لي أن أحدث) تقدم وجه تقديم هذه المقدمة قبل التحديث (عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض) هو من مرق السهم عن الرمية إذا خرج والمراد خرجت رجلاه من تحت الأرض (وعنقه مثنية) بمثلثة فنون فمثناة تحتية من ثنى الشيء كسعا بعضه على بعض أي منعطفه (تحت العرش وهو يقول سبحانك ما أعظمك فيرد) الرب تعالى (عليه لا يعلم ذلك من حلف بي كاذبًا) ولو علم ما

(1) القاموس المحيط (ص 1039).

(2)

أخرجه ابن عساكر (27/ 391). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1549) والسلسلة الضعيفة (1837).

ص: 266

حلف به إلا صادقًا إنما جهله بعظمة مولاه أطلق لسانه لما لا يرضاه وليس المراد نفي معرفة الخالق بعظمته تعالى حتى يكون معذورًا فيما حلف به بل الإخبار أن معرفته بعظمته كجهله وإلا فإن عظمته تعالى قد عرفها كل أحد يفكر في خلق السماوات والأرض.

وأخرج أبو الشيخ (1) في العظمة بسند جيد قوي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لله عز وجل ديكًا رجلاه تحت سبع أراضين ورأسه قد جاوز سبع سماوات يصيح في إبان الصلوات فلا يبقى ديك من الديكة في الأرض إلا أجابه، فالله أعلم هل هذا هو المذكور في الحديث أم غيره (أبو الشيخ في العظمة طس عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقروه (2).

1675 -

"إن الله تعالى استخلص هذا الدين لنفسه، ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق، ألا فزينوا دينكم بهما (طب) عن عمران بن حصين ".

(إن الله تعالى استخلص هذا الدين) الإِسلام (لنفسه) ارتضاه واختاره (ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق) تقدم الكلام فيهما مرارًا (فزينوا دينكم بهما) بالتخلق بهما (طب عن عمران بن حصين) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عمر العقيلي أحد رجاله (3).

(1) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (523).

(2)

أخرجه أبو الشيخ في العظمة (524، 1248) والطبراني في الأوسط (7324) وقال: لم يرو هذا الحديث عن معاوية بن إسحاق إلا إسرائيل تفرد به إسحاق بن منصور، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 80): رجاله رجال الصحيح. وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 297)، وقال المنذري (2/ 389): إسناد صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1714)، والصحيحة (150).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 159) رقم (347) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 127): فيه عمرو بن الحصين العقيلي وهو متروك. وأورده أبو نعيم في الحلية (2/ 160) وقال: غريب من حديث عمران والحسن تفرد به أبو عبدة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع=

ص: 267

1676 -

"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم (م ت) عن واثلة (صح) ".

(إن الله اصطفى كنانة) بكسر الكاف وتخفيف النون وهو وابن خزيمة أبو قبيلة (من ولد إسماعيل) هو ابن إبراهيم الخليل (واصطف قريشًا) مأخوذ عن القرش وهو القطع والجمع سميت بذلك لتجمعها إلى الحرم أو بغير ذلك من وجوه سبعة عدها في القاموس (1)(من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم) هم أولاد هاشم بن عبد المطلب واسمه عمرو سمي هاشمًا لأنه أول من ثرد الثريد وهشمه (واصطفانى من بني هاشم م ت عن واثلة) وله طرق كثيرة وأفردت بالجمع (2).

1677 -

"إن الله تعالى اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم (ت) عن واثلة (صح) ".

(إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل) وهو الذبيح على ما هو الحق (واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) والأول ذكر كنانة فدل أن المراد كنانة وبنيه بدليل الأول وأما هذا فما دل إلا على اصطفاء بنيه دونه (واصطفى من بني كنانة قريشًا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) وفيه جواز التحدث بتشريف النسب وهو من التحدث بنعمة الله واصطفاء الله لهذه القبائل بأن جعل إليها أمر الناس وجعلها أهل صفات الخير من الكرم والشجاعة

= (1551) والسلسلة الضعيفة (1282).

(1)

انظر: القاموس المحيط (ص 776).

(2)

أخرجه مسلم (2276) والترمذي (3606).

ص: 268

والنجدة وعلو الهمة (ت عن واثلة)(1) وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ. [1/ 479]

1678 -

"إن الله اصطفى من الكلام أربعاً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فمن قال: "سبحان الله" كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال "الله أكبر" مثل ذلك، ومن قال "لا إله إلا الله" مثل ذلك ومن قال "الحمد لله رب العالمين" من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة (حم ك) والضياء عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً (صح) ".

(إن الله اصطفى من الكلام أربعًا) أي كلمات أو جمل وإطلاق الكلمة على ما فوق الواحدة صحيح كتسمية الشهادة بكلمة، وقوله: كلمة التقوى أراد بها كلمة التوحيد وبينها بقوله (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) وتقدم في فضائلها عدة أحاديث (فمن قال سبحان الله كتبت له عشرون حسنة) يحتمل أنه كتب للكلمة الأولى عشر وللأخرى عشر وأنهما حسنتان {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] ويحتمل أنها حسنة واحدة ضوعف أجرها (وحطت عنه عشرون سيئة) فضلاً من الله، وكأن المراد من الصغائر (ومن قال الله أكبر مثل ذلك) كتبًا وحطًا وَترك: ومن قال الحمد لله إما سهوًا من أحد الرواة أو اكتفاء بأحد القرينتين عن الأخرى (ومن قال لا إله إلا الله مثل ذلك) كتبًا وحطًا (ومن قال الحمد لله رب العالمين) زيادة على الأربع ولذا قال (من قبل نفسه) أي من دون أن يبعثه عليها باعث أو يرشده إليها مرشد (كتبت له

(1) أخرجه الترمذي (3605) وقال الترمذي: حسنٌ صحيح. وضعّفه الألباني في ضعيف الجامع (1553)، وقال: في صحيح الترمذي (2855): صحيح دون الاصطفاء الأول، وانظر: السلسلة الصحيحة (302).

ص: 269

ثلاثون حسنة) كأن زيادة العشر لزيادة وصفه الرب تعالى، فدل على أن قول:"الحمد لله" فيه عشرون حسنة كقرائنه (وحطت عنه ثلاثون خطيئة) هذا والظاهر أن هذا النوع من الجزاء لكل كلمة إنما هو مع إيضامها إلى الأخرى من قرائنها المذكورات فلو انفردت سبحان الله عنها ما كان لها إلا عشر حسنات كغيرها من الطاعات ويضاعف الله لمن يشاء ولعل إفراد جملة الحمد لله إشارة إلى أن ما ذكر من الأجر لهذه الكلمات ثابت ولو انفردت (حم ك والضياء عن أبي سعيد وأبي هريرة (1) معًا) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: على شرط مسلم وأقروه.

1679 -

"إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام، وإبراهيم بالخلة (ك) عن ابن عباس (صح) ".

(إن الله تعالى اصطفى موسى بالكلام) من غير واسطة وكلم الله موسى تكليمًا (وإبراهيم بالخلة) واتخذ الله إبراهيم خليلاً (ك عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقروه (2).

1680 -

"إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى اطلع على أهل بدر) على من شهدها من المسلمين وهي أول وقعة في الإِسلام انتصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أهلها الذين معه ثلثمائة رجل

(1) أخرجه أحمد (2/ 310) والحاكم في المستدرك (1/ 512) وقال: صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي (10/ 87): رواه أحمد والبزار ورجالهما رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1718).

(2)

أخرجه الحاكم (2/ 575) وقال صحيح على شرط البخاري. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1554) والسلسلة الضعيفة (3045).

ص: 270

وثلاثة عشر رجلاً وفيها أنزل الله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، (فقال اعملوا ما شئتم) من الأعمال النهي عنها كما يدل له قوله (فقد غفرت لكم) كتبت لكم مغفرة ما يأتي منكم وهذا الإخبار تبشير لهم لا أمرًا بالمعاصي أو إخبار بأنهم إذا أتوا بمعصية وفقهم الله للتوبة عنها فيغفرها لهم أو المراد اعملوا ما شئتم فإني قد جعلت لكم لطفًا من عندي يقودكم إلى التوبة والرجوع أو قد غفرت لكم ما تأتونه وإن لم تتوبوا لعظم شأن هذه الطاعة التي سبقت لكم هذا ولا يتوهم من التعبير بالماضي في غفرت أن المراد غفران ماض الذنوب وأما في المستقبل {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46] فإنه خلاف ما سيق له الحديث، وما فهمه الناس ولأنه صلى الله عليه وسلم قاله في قصة عمر مع حاطب بن أبي بلتعة وقد قال عمر: قد نافق حاطب، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك يا عمر أن الله قد اطلع على أهل

": الحديث [1/ 480] فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم (ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (1).

1681 -

"إن الله تعالى أعطاني فيما من به علي إني أعطيتك فاتحة الكتاب، وهي من كنوز عرشي، ثم قسمتها بيني وبينك نصفين ابن الضريس (هب) عن أنس".

(إن الله تعالى أعطاني فيما من به علي) إذ قال لي ممتنًا علي (إني أعطيتك فاتحة الكتاب) تقدم بيان وجه التسمية وقال: (وهي من كنوز عرشي ثم قسمتها بيني وبينك نصفين) قد فسر هذه القسمة حديث أبي هريرة يقول الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال

(1) أخرجه الحاكم (4/ 77). وقال: صحيح على شرط البخاري. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1719).

ص: 271

الله: مجَّدني عبدي وإذا قال: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى علي عبدي وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: فوض إلى عبدي وإذا قال: {وإِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال: هذه بيني وبين عبدي وإذا قال: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} قال الله: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل

" الحديث سيأتي بطوله في حرف القاف في: قال الله، إن شاء الله تعالى وأطلق الصلاة على القرآن في هذا الحديث كما أطلقها عليها في قوله:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110] الآية. ومعنى هذا التصنيف أن بعضها ثناء على الله ورسوله وبعضها دعاء من العبد فهو له (ابن الضريس هب (1) عن أنس) والحديث يأتي أنه أخرجه م وغيره.

1682 -

"إن الله تعالى أعطاني السبع مكان التوراة، وأعطاني الراءات إلى الطواسين مكان الإنجيل، وأعطاني ما بين الطواسين إلى الحواميم مكان الزبور، وفضلني بالحواميم والمفصل، ما قرأهن نبي قبلي محمد بن نصر عن أنس ".

(إن الله تعالى أعطاني السبع) يعني الطوال كما قيدها بذلك في حديث واثلة الذي سلف في الهمزة مع العين المهملة وقدمنا تفسيرها هنالك (مكان التوراة) عوضًا عنها (وأعطاني الراءات) جمع راء وأراد بها السور المفتتحة بالراء وهي ست متصلات أولها يونس وآخرها الحجر (إلى الطواسين) أي وأعطاني الراءات منهية العطية أو العطاء، والغاية داخلة في المغيا بقرينة السياق وهي ثلاث سور متصلات أولها الشعراء وآخرها القصص وتقدم في حديث واثلة وأعطيت المثاني مكان الإنجيل فهذا الحديث تفسير لذلك وتقدم تفسيرها والكلام فيها (مكان الإنجيل) عوضًا عنه (وأعطاني ما بين الطواسين إلى

(1) أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (ص 79) رقم (144)، والبيهقي في الشعب 23631). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1561) السلسلة الضعيفة (3051).

ص: 272

الحواميم) وهي من العنكبوت إلى الزمر إحدى عشرة سورة (مكان الزبور) عوضًا عنه يحتمل في الأجر لتاليها أو أنهما مشتملة على معانيها أو فيهما معًا ويجري هذا في كل ما ذكر من الأعواض (وفضلت بالحواميم) وهي سبع سور متصلات أولها حم المؤمن وآخرها الأحقاف.

إن قلت: قد تقدم في حديث معقل بن يسار أنه صلى الله عليه وسلم أعطي الحواميم من ألواح موسى فكيف جعلها هنا من الذي فضل به وخص به وقال: ما قرأهن نبي قبلي.

قلت: قد روي في كتب التفسير أن موسى حين غضب من عبادة قومه العجل كما قصه الله، ألقى الألواح وكانت سبعة فكسرت ورفعت منها ستة أسباع وهي سبع واحد وحينئذ فيكون المراد بها من ألواح موسى التي رفعت فيصدق عليها الأمران إنها من ألواح موسى وأنه ما قرأها نبي قبله (والمفصل) تقدم الخلاف في تعيينه والكلام فيه، (فأقرأهن) أي الحواميم والمفصل (نبي قبلي).

إن قلت: الذي تقدم في حديث واثلة وحديث معقل أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم إنما فضل بالمفصل وهنا ضم الحواميم إلى ذلك التفصيل.

قلت: لا مانع أن يستوفي في محل ما فضل به [1/ 481] وخص به من إكرام الله ويقتصر في محل آخر كما ذكرنا نظير هذا في حديث جابر: "أعطيت خمسًا

" الحديث. (محمد بن نصر عن أنس)(1).

1683 -

"إن الله أعطى موسى الكلام، وأعطاني الرؤية، وفضلني بالمقام المحمود، والحوض المورود ابن عساكر عن جابر ".

(إن الله تعالى أعطى موسى) فضيلة له (الكلام) سلف فيه الكلام (وأعطاني)

(1) أخرجه محمد بن نصر في مختصر قيام الليل (ص 275) رقم (197). وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو متروك. وقال المناوي (2/ 213): إسناده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1556) وفي السلسلة الضعيفة (3051).

ص: 273

فضيلة لي (الرؤية) ليلة الإسراء، وكونه رأى ربه مسألة اختلف فيها الصحابة أثبتها قوم ونفاها قوم آخرون والمسألة مستوفاة في محلها وبسطناها في إيقاظ الفكرة (وفضلني) زيادة على غيري (بالمقام المحمود) الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة العظمى في فصل القضاء بعد أن يعتذر منها كل نبي من الأنبياء ذوي القربى (والحوض المورود) تأتي صفته وهو دليل على اختصاصه به وقد ورد أن لكل نبي حوضًا فيكون الاختصاص من حيث أنه أعظمها وأعمها للخلائق (ابن عساكر (1) عن جابر) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

1684 -

"إن الله تعالى افترض صوم رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا ويقينا كان كفارة لما مضى (ن هب) عن عبد الرحمن بن عوف (ح) ".

(إن الله تعالى افترض شهر رمضان) جعله فرضًا واجبًا على العباد (وسننت لكم قيامه) قيام ليله بالعبادة والتلاوة والذكر (فمن صامه وقامه إيمانًا) بوجوبه وتصديقًا (واحتسابًا) لأجره عند الله في النهاية (2): الاحتساب من الحسب كالاعتداد من العدد وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه؛ لأن له حينئذ أن يعتد بعمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتد به (ويقينًا) زيادة في تأكيد إيمانه (كان كفارة لما مضى) من أعمال سيئة من صغائرها وكبائرها على ظاهره وإن كان في الكبائر خلاف (ن هب عن عبد الرحمن بن عوف) وإسناده حسن

(1) أخرجه ابن عساكر (39206) وكما في الكنز، والديلمي في الفردوس (600) وفيه بشر بن عبيد الدارمي كذاب. قاله المناوي (2/ 213). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1555) والسلسلة الضعيفة (3049).

(2)

النهاية (1/ 382).

ص: 274

ورمز المصنف لحسنه (1).

1685 -

"إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني، وأن أؤدبكم: إذا قمتم على أبواب حجركم فاذكروا اسم الله يرجع الخبيث عن منازلكم، وإذا وضع بين يدي أحدكم طعام فليسم الله حتى لا يشارككم الخبيث في أرزاقكم، ومن اغتسل بالليل فليحاذر عن عورته، فإن لم يفعل فأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه، ومن بال في مغتسله فأصابه الوسواس فلا يلومن إلا نفسه، وإذا رفعتم المائدة فاكنسوا ما تحتها فإن الشياطين يلتقطون ما تحتها فلا تجعلوا لهم نصيبا في طعامكم، الحكيم، عن أبي هريرة ".

(إن الله تعالى أمرني أن أعلمكم مما علمني) من العلوم والآداب (وأن أؤدبكم) ثم ذكر ما يعلمهم (إذا قمتم على أبواب حجركم) بزنة صُرَد جمع حجرة وهي الغرفة والمراد: إذا قمتم على أبوابها داخلين إليها (فاذكروا اسم الله يرجع الخبيث) أي الشيطان وقد شرح هذا حديث جابر عند مسلم (2) وغيره: "إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله حين يدخل وحين يطعم قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء

" الحديث (عن منازلكم وإذا وضع بين يدي أحد منكم طعام فليسم) تقدم الكلام باستيفاء في التسمية عند الطعام (حتى لا يشارككم الخبيث في أرزاقكم ومن اغتسل بالليل فليحاذر عن عورته) لا يبرزها وكذلك في النهار إلا أنه في الليل آكد لما علله بقوله (فإن لم يفعل فأصابه لمم) في

(1) أخرجه النسائي (4/ 158) وقال النسائي: الصواب حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، والبيهقي في الشعب (3614)، وانظر العلل الواردة في الأحاديث للدارقطني (4/ 283). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1562).

(2)

أخرجه مسلم (2018)، وأحمد (3/ 346)، وابن حبان (819).

ص: 275

القاموس (1): اللمم محركة الجنون (فلا يلومن إلا نفسه) لأنه فرط فيما أمر به (ومن بال في مغتسله) محل اغتساله (فأصابه الوسواس) بفتح الواو أي الشيطان (فلا يلومنَّ إلا نفسه) في النهاية (2): إنما نهى عن ذلك إذا لم يكن للبول مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلدًا فيتوهم المغتسل أنه أصابه منه شيء، فيحصل فيه الوسواس انتهى. قاله في كلامه على حديث الترمذي (3):"نهى أن يبول الرجل في مستحمه"، سيأتي. وكأنه جعل الوسواس في معنى الوسوسة وهي حديث النفس والأفكار (وإذا رفعتم المائدة) في القاموس (4): المائدة الطعام والخوان عليه الطعام فيراد هنا الأمران والأظهر الثاني ولعل إطلاقها على الطعام مجاز من إطلاق المحل [1/ 482] على الحال إلا أنه خلطه كما هي قاعدته (فاكنسوا ما تحتها) إن كان تحتها شيء من الطعام كما يفيده العلة بقوله (فإن الشياطين يلتقطون ما تحتها [لا تعارضه أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستجمار بالعظم (والفحم) والروث، وأخبر أن الأولى طعام الجن ومنهم الشياطين والثالث بدوابهم وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم استطعموه فأطعمهم ذلك لأنه ليس فيه أنهم لا يأكلون إلا ذلك، وأنهم لا يأكلون الطعام، ولأنه يحتمل أن ذلك الذي أبيح لهم ولهذا يأكلونه غصبًا (فلا تجعلوا لهم نصيبًا في طعامكم) فإنهم عدو لكم فلا تجعلوا لهم حظًا في رزقكم (الحكيم عن أبي هريرة) لكنه لم يسنده بل علقه (5).

(1) القاموس المحيط (ص 1496).

(2)

النهاية (1/ 445).

(3)

أخرجه أبو داود (27)، والترمذي (21)، والنسائي (36)، وابن ماجه (304).

(4)

القاموس المحيط (ص 409).

(5)

أخرجه الحكيم (1/ 385). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (165).

ص: 276

1616 -

"إن الله تعالى أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي منهم، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان (ت هـ ك) عن بريدة (صح) ".

(إن الله تعالى أمرني بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم) من الصحابة (علي) هو ابن أبي طالب عليه السلام (منهم وأبو ذر) هو الغفاري (والمقداد) هو ابن الأسود الكندي (وسلمان) هو الفارسي وهؤلاء من أعيان الصحابة وثلاثة منهم تشتاق إليهم الجنة علي وأبو ذر والمقداد، كما أخرجه ابن عساكر من حديث ابن عباس. (ت هـ ك عن بريدة) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: على شرط مسلم ورده الذهبي (1).

1687 -

"إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي (طب) عن ابن مسعود (ح) ".

(إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي) ذكر المصنف الحديث في الكبير ولفظه عن أنس قال: كنت قاعدًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فغشيه الوحي فلما سري عنه قال: يا أنس أتدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش قلت: بأبي أنت وأمي ما جاءك به جبريل من عند صاحب العرش قال: "إن الله أمرني أن أزوج

" الحديث.

وهذه فضيلة اختص بها علي وفاطمة وقد كان خطبها جماعة من أعيان الصحابة ويجيب عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه منتظر للوحي فيها كما أخرجه أبو الخير القزويني الحاكمي من حديث أنس قال: خطب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنته

(1) أخرجه الترمذي (3718). وابن ماجه (149) والحاكم (3/ 130)، وتعقبه الذهبي بقوله: ما خرج مسلم لأبي ربيعة الأيادي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1566) والسلسلة الضعيفة (1549).

ص: 277

فاطمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل القضاء بعد ثم خطبها عمر مع عدة من قريش كلهم يقول له مثل قوله لأبي بكر فقيل لعلي: قد خطبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخليق أن يزوجكها فقال: كيف وقد خطبها أشراف قريش ولم يزوجهم، فخطبها فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أمرني ربي بذلك" وقد استوفى المحب الطبري في ذخائر العقبى (1) صفة التزويج وما فيه من كرامات الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولبنته ولوصيه (2) وقد ذكرنا من ذلك شطرًا صالحًا في الروضة الندية شرح التحفة العلوية. (طب عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه (3).

1688 -

"إن الله أمرني أن أسمي المدينة طيبة (طب) عن جابر بن سمرة".

(إن الله تعالى أمرني أن أسمي المدينة طيبة) من الطيب وكان اسمها قبل ذلك يثرب وذلك لطيبها وطهارتها عن الشرك وحلول الطيب صلى الله عليه وسلم بها ولكونها تنفي خبثها وتنصع طيبها وقد عد لها السمهودي في خلاصة الوفا (4) في أخبار دار المصطفى صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعين اسمًا وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى (طب عن جابر بن سمرة)(5).

1689 -

"إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس، كما أمرني بإقامة الفرائض (فر) عن عائشة ".

(إن الله تعالى أمرني بمداراة الناس) مدافعتهم وملاينتهم وهي غير المداهنة

(1) ذخائر العقبى (ص: 30 - 31).

(2)

تكرر ذلك من المؤلف رحمه الله وهو لا يجوز إطلاقه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، انظر المقدمة

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 156) رقم (10305) وقال الهيثمي في المجمع (9/ 204): رواه الطبراني ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1564) والسلسلة الضعيفة (1845) وقال: موضوع.

(4)

خلاصة الوفا (1/ 83).

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 236) رقم (1987). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1723).

ص: 278

فإنها إضمار خلاف ما يظهر من الغش وهي محرمة فالمداراة المدافعة للشر بالخير وتلقي شدة اختلاف الناس باللين وغلظتهم باللطف (كما أمرني بإقامة الفرائض) في وجوب ذلك والمحافظة عليه (فر عن عائشة) بإسناد ضعيف (1).

1690 -

"إن الله تعالى أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام (د) عن أبي الدرداء (صح) ".

(إن الله تعالى أنزل الداء والدواء) قدرهما (وجعل لكل داء دواء) ظاهره العموم وأنه بتناول الأدواء التي لا يمكن طبيباً [1/ 483] بدوائها ويكون الله تعالى قد جعل لها أدوية تبرئها ولكن علم ذلك من علمه الله وجهله من جهله (فتداووا ولا تداووا بحرام) وتأتي علة النهي وأنه تعالى لم يجعل شفائهم فيما حرم عليهم وقد خص من هذا العموم جواز لبس الحرير للحكة كما رخص فيه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام.

وفي الحديث الإرشاد إلى التداوي وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع ذا الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا باستعمال الأسباب التي جعلها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا فإن تركها عجز ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه وقدمنا في هذا المعنى كلامًا، وفي هذا الإخبار تقوية لنفس المريض وترويح لخاطره وحث للطبيب على التفتيش والبحث على طلب الدواء فإن المريض إذا علم أن لدائه دواء قويت طبعته وانبعثت الحرارة الغريزية (د عن أبي الدرداء) وفيه إسماعيل بن عياش فيه مقال والمصنف رمز لصحته (2).

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (659). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1567)، والسلسلة الضعيفة (810).

(2)

أخرجه أبو داود (3874)، وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج (2/ 9): إسناده صحيح. وكذلك=

ص: 279

1691 -

"إن الله تعالى أنزل بركات ثلاثاً: الشاة، والنخلة، والنار (طب) عن أم هانئ ".

(إن الله تعالى أنزل بركات ثلاًتا) أي مخلوقات منها البركة أو سماها بركة مبالغة كأنها نفسها (الشاة) بالنصب بدل من بركات وهي الواحدة من الغنم من الذكر والأنثى وتكون من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام قاله في القاموس (1)، والمراد هنا من الضأن والمعز والبركة في هذا النوع من أظهر الأشياء وأوضحها فإنه لا يزال المذبوح منها في كل حين في كل قطر ولا يزداد إلا كثرة ووفرة ثم إنها كلها منافع صوفها للأثاث والمتاع كما قال تعالى، وفيه البركة العجيبة فإنه في كل منزل وينتفع به كل إنسان ودرها للغذاء ولحمها وجلدها لذلك (والنخلة) بالخاء المعجمة واحدة النخل وهي الشجر المعروف وهي من أعظم الشجر وأنفعها فإن بركتها موجودة في جميع أجزائها مثمرة في جميع أحوالها من حين يطلع إلى حين تيبس توكل أنواعًا ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى علف للدواب والليف للحبال وغير ذلك (والنار) هي من أبرك الأشياء وأعمها نفعًا فإن الجمرة الحقيرة ينتفع بها أهل البلاد فإنه يقتبس منها كل أحد ولا يضرها ثم نورها يهدي الخلائق والاصطلاء بها والطبخ وغير ذلك ولذا امتن الله بها في قوله:{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة: 71] الآية (طب عن أم هانئ) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف النضر بن حميد (2).

= أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/ 254) رقم (649) وقال الهيثمي (5/ 86): رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1569).

(1)

القاموس المحيط (ص 1611).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 435) رقم (1065)، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 66) فيه النضر بن حميد وهو متروك.=

ص: 280

1692 -

"إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد (م د هـ) عن عياض بن حمار (صح) ".

(إن الله تعالى أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد) يفتخر عليه بحسب ولا نسب ولا نشب (ولا يبغي أحد على أحد) تقدم الكلام في البغي مرارًا (م د 5 عن عياض بن حمار)(1) بزنة اسم الحيوان المعروف ولفظه (2).

1693 -

"إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا، لا يبغي بعضكم على بعض (خد هـ) عن أنس (صح) ".

(إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا ولا يبغي بعضكم على بعض خد هـ عن أنس) رمز المصنف لصحته (3).

1694 -

"إن الله تعالى أيدني بأربعة وزراء: اثنين من أهل السماء: جبريل وميكائيل، واثنين من أهل الأرض: أبي بكر وعمر (طب حل) عن ابن عباس ".

(إن الله تعالى أيدني) قواني (بأربعة وزراء) أعوان وفي القاموس (4): الوزير حَبَأُ يحمل عن الملك ثقله ويعينه برأيه وفسر الحَبأَ أنه جليس [1/ 484] الملك وخاصته وقد ثبت أن علي بن أبي طالب عليه السلام من وزرائه صلى الله عليه وسلم فمفهوم العدد غير مراد قال في الهمزية:

ووزيرا ابن عمه في المعالي

ومن الأهل تسعد الوزراء

(اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل) قد ثبت أنه ميكائيل صحبه أول البعثة أيامًا ثم لازمه جبريل (واثنين من أهل الأرض أبو بكر وعمر) تقدم

= وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1570).

(1)

أخرجه مسلم (2865) وأبو داود (4895) وابن ماجه (4179).

(2)

في المطبوعة هذا حديث آخر غير الأول.

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (426). وصححه الألباني صحيح الجامع (1726).

(4)

القاموس المحيط (ص 633).

ص: 281

الكلام في أول هذا الجزء (طب حل عن ابن عباس) ضعيف لضعف محمد بن مجيب الثقفي (1).

1695 -

"إن الله تعالى بارك ما بين العريش والفرات، وخص فلسطين بالتقديس ابن عساكر عن زهير بن محمد بلاغاً ".

(إن الله تعالى بارك ما بين العريش) بالعين المهلة فراء فمثناة تحتية فسين معجمة بلدة من أعمال مصر خربت قاله القاموس (2)(والفرات) بالفاء بزنة غراب نهر بالكوفة (وخص فلسطين) بفتح الفاء وكسرها كورة بالشام وموضع بالعراق (بالتقديس) بالتطهير للبقعة أو لأهلها (ابن عساكر عن زهير بن محمد بلاغًا) قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).

1696 -

"إن الله تعالى بعثني رحمة مهداة، بعثت برفع قوم وخفض آخرين ابن عساكر عن ابن عمر".

(إن الله تعالى بعثني رحمة) قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107](مهداة) من الهدية وهي ما يتحف به أي إن الله أتحف البشر ببعثته ليدلهم على خير الدارين (بعثت برفع قوم) علوهم وهم من اتبعه (وخفض آخرين) إذلالهم وهم أعداؤه فإن الله كتب الصغار والذلة على من خالفه إلى يوم الدين (ابن عساكر عن ابن عمر)(4).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 179) رقم (11422) وأبو نعيم في الحلية (8/ 160) وفي إسناده محمد بن مجيب الثقفي وهو كذاب قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 51)، وقال الحافظ في اللسان (4731): متروك، كذبه يحيى بن معين، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1574) والسلسلة الضعيفة (3054): موضوع.

(2)

القاموس المحيط (ص 729).

(3)

أخرجه ابن عساكر (1/ 140) وقال: هذا منقطع. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1576).

(4)

أخرجه ابن عساكر كما في الكنز (31985). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1580) =

ص: 282

1697 -

"إن الله تعالى بني الفردوس بيده، وحظرها عن كل مشرك، وعن كل مدمن خمر سكير (هب) وابن عساكر عن أنس ".

(إن الله تعالى بني الفردوس بيده) هو من الأودية ما تنبت ضروبًا من النبات والبستان يجمع كل ما في البساتين وهي هنا جنة من جنات الآخرة (وحظرها) بالحاء المهملة من الحظر المنع (على كل مشرك وعلى كل مدمن خمر سكير) فعيل من السكر أي كثيرة (البيهقي في الشعب وابن عساكر عن أنس (1)) وفيه اضطراب وضعف.

1698 -

"إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم به أو تعمل به (ق 4) عن أبي هريرة (طب) عن عمران بن حصين (صح) ".

(إن الله تجاوز لأمتي) عما عنها (ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به) فحديث النفس معفو عنه، فإذا تكلم به أو عمل عوقب، وهل يعاقب على حديث النفس والعمل؟ أو على العمل فقط؟ يحتمل ذلك.

إن قلت: حديث ابن عباس عند الشيخين (2) وفيه: "من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن همَّ بها وعملها كتبها عنده عشر حسنات" الحديث، "وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها عنده حسنة كاملة، فإن عملها كتبها عنده سيئة واحدة" يقضي بالمحاسبة بحديث النفس؟

قلت: حديث الكتاب أفاد أنه تعالى تجاوز للأمة عن حديث النفس والتجاوز لا يكون إلا عن ذنب وهو غير مناف لحديث ابن عباس، إذ هو في بيان أن ترك السيئة

= والسلسلة الضعيفة (2087).

(1)

أخرجه ابن عساكر (53/ 306)، والبيهقي في الشعب (5590). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1582)، والسلسلة الضعيفة (1719).

(2)

أخرجه البخاري (6126)، ومسلم (128).

ص: 283

مع الهمِّ بها حسنة وليس فيه ما ينافي هذا، بل فيه بيان ما سكت عنه في هذا من أنه ترك السيئة مع الهمِّ بها حسنة (ق 4 عن أبي هريرة طب عن عمران بن حصين)(1).

1699 -

"إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه (هـ) عن أبي ذر (طب ك) عن ابن عباس (طب) عن ثوبان (صح) ".

(إن الله تعالى تجاوز لي) لأجل إكرامي (عن أمتي الخطأ) وهو خلاف العمد أي عقوبة ما وقع من المناهي خطأ أو وقع عما ذكر من قوله (والنسيان وما استكرهوا عليه) وظاهره عموم ذلك والتجاوز عن الإثم ولا ينافيه الضمان لما أتلف والديه ونحوها فالتجاوز عن حقه تعالى الخاص به (5 عن أبي ذر طب ك عن ابن عباس رمز المصنف لصحته) وقال الحاكم: صحيح (طب عن ثوبان) وقال: ضعيف (2).

1700 -

"إن الله تعالى تصدق بفطر رمضان على مريض أمتي ومسافرها ابن سعد عن عائشة (ض) ".

(إن الله تعالى [1/ 485] تصدق بفطر رمضان) بجوازه (على مريض أمتي ومسافرها) والصدقة ما يعطى في ذات الله تعالى كما في القاموس (3) فإطلاقها على

(1) أخرجه البخاري (2528) ومسلم (127) وأبو داود (2209) والترمذي (1183) وابن ماجه (2040) والنسائي (6/ 156) من رواية أبي هريرة، والطبراني (18/ 216) رقم (599) وقال الهيثمي في المجمع (6/ 250): فيه المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح.

(2)

أخرجه ابن ماجه (2043) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 125): هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم علي ضعف أبي بكر الهذلي. وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 282): فيه شهر بن حوشب وفي الإسناد انقطاع. ورواية ابن عباس أخرجها الطبراني في الكبير (11/ 133)(11274) والحاكم (2/ 216) رقم (2801). ورواية ثوبان أخرجها الطبراني (2/ 97) رقم (1430). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 250): فيه يزيد بن ربيعه الرحبي وهو ضعيف وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 282): في إسناده ضعف. وقد صححه الألباني في صحيح الجامع (1731) وفي الإرواء (82).

(3)

القاموس المحيط (ص 1162).

ص: 284

رخصة الله لعباده من حيث أنهم ينتفعون بها كانتفاع المتصدق عليه بالصدقة في وقت حاجته فإن المريض والمسافر أحوج ما يكون إلى الغذاء ليرد عليهم ما يحلله المرض والسفر من قواهم (ابن سعد عن عائشة)(1).

1701 -

"إن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم، وجعل ذلك زيادة لكم في أعمالكم (هـ) عن أبي هريرة (طب) عن معاذ، وعن أبي الدرداء ".

(إن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم) قريب حلولها بكم (بثلث أموالكم) لما كان مال الميت قد جعله الله لوارثه فكان قد خرج عنه فتصدق عليه تعالى بإباحة ثلث ينفقه في وجوه الخير (زيادةً لكم في أعمالكم) في أعمال البر التي قدمتم (5 عن أبي هريرة طب عن معاذ وعن أبي الدرداء) قال ابن حجر: إسناده ضعيف، لكنه يقوى بتعدد طرقه (2).

1702 -

"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه (حم ت) عن ابن عمر (حم د ك) عن أبي ذر (ع ك) عن أبي هريرة (طب) عن بلال، وعن معاوية ".

(إن الله تعالى جعل الحق على لسان عمر) بن الخطاب (وقلبه) أي جعله موفقًا مسددًا في رأيه وما يقوله وقد ظهر صدق هذا الإخبار بما كان يراه عمر ثم نزل به القرآن، في آيات منها قوله:"لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى" فأنزل الله {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، وقصة رأيه في أسارى بدر فأنزل الله القرآن موافقًا له، ومن ذلك رأيه أن لا يصلي النبي صلى الله عليه وسلم على المنافقين

(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 122) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1585) والسلسلة الضعيفة (2195).

(2)

أخرجه ابن ماجه (2709). والطبراني في الكبير (20/ 54) رقم (94) قال البوصيري في مصباح الزجاجه (3/ 143) هذا إسناد ضعيف وقال الهثيمي في مجمع الزوائد (4/ 212): فيه عقبة بن حميد الضبي وثقه ابن حبان وغيره. انظر: التلخيص الحبير (3/ 91) وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (1733) والإرواء (1641).

ص: 285

فأنزل الله ذلك كما رآه وغير ذلك (حم ت عن ابن عمر) وقال: حسنٌ صحيحٌ (حم د ك عن أبي ذر) قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم وأقروه (ع ك عن أبى هريرة، طب عن بلال وعن معاوية) بإسناد فيه ضعف (1).

1703 -

"إن الله تعالى جعل ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا (حم طب هب) عن الضحاك بن سفيان (صح) ".

(إن الله تعالى جعل ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا) أصل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال للضحاك بن سفيان: ألست تؤتى بطعامك وقد فلح وقرح ثم تشرب عليه اللبن والماء؟ قال: بلى، قال: وإلى ما يصير؟ قال: إلى ما قد علمت، قال: فإن الله عز وجل ضرب مثل الدنيا إلى ما يصير إليه طعام ابن آدم. هذا أحد ألفاظه والمثل محركة الشبه والنظير أي أنه جعل الرجيع الخارج من الإنسان نظيراً وشبهًا لشهوات الدنيا فشهوات الدنيا في القلب كشهوة الأطعمة في المعدة وسوف يجد العبد عند الموت لشهوات الدنيا في قلبه من الكراهة والنتن والقيح ما يجده للأطعمة اللذيذة إذا انتهت في المعدة غايتها فكما أن الأطعمة إذا كانت ألذ طعمًا وأكثر دسمًا وحلاوة كان رجيعها أقذر كذلك كل شهوة كانت في النفس ألذ أقوى فالتأذي بها عند الموت أشد وكان بعض السلف يقول لأصحابه: انطلقوا أريكم الدنيا فيذهب بهم إلى مزبلة فيقول: انظروا إلى دجاجهم وعسلهم وغنمهم وسمنهم كذا قيل، ويحتمل: أن المعنى أن الدنيا كما يلتذ بها صاحبها وبما يناله من طيباتها كالتذاذه بطعامه وشرابه فإذا فارقها ورحل إلى دار القرار ورأى وبال ما كان فيه تأذى به وتألم من حسابه فهو كالعذرة كانت مأكولاً لذيذًا ثم صار رجيعًا

(1) أخرجه أحمد (2/ 95) والترمذي (3682) عن ابن عمر وأحمد (5/ 165) وأبو داود (2362) والحاكم (3/ 87) عن أبي ذر، وأبو يعلى (كما في الكنز 32714) عن أبي هريرة والطبراني في الكبير (1/ 1077) رقم (1077) عن معاوية. وصححه الألباني في صحيح الجامع (338).

ص: 286

قبيحًا (حم طب [1/ 486] هب عن الضحاك بن سفيان) ورجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان، وقد وثق والمصنف رمز لصحته (1).

1704 -

"إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلاً ما بقي منها إلا القليل، كالثغب شرب صفوه وبقي كدره (ك) عن ابن مسعود".

(إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلاً) أي مدتها من أولها إلى آخرها بالنظر إلى الآخرة والعمر في القليل أقل (وما بقي منها إلا القليل كالثغب) بالمثلثة مفتوحة وغين معجمة ساكنة وهو الموضع المطمئن من أعلى الجبل يستنقع فيه الماء من المطر (شرب صفوه وبقي كدره) إشارة إلى أنه قد ذهب من الدنيا صفوها وبقي كدرها وذلك لأنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه وفي تشبيهها بالثغب إشارة إلى أنها من أولها إلى آخرها شيء حقير مستخف به غير ملحوظ ولا محفوظ بل كحوض في جبل من الأرض وكما أنه لا يملكه أحد ولا يحتفل به كذلك الدنيا لا يملكها أحد ملكًا حقيقيًا بل ما ينال من جمعها أقصاها وأدناها إلا قدر حاجته ولا يقال عن حوض في جبل من الجبال إلا ذلك ويتركه لغيره (ك عن ابن مسعود) سكت عليه المصنف وقال الحاكم: صحيح وأقروه (2).

1705 -

"إن الله جعل هذا الشعر نسكاً، وسيجعله الظالمون نكالاً ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز بلاغاً ".

(إن الله تعالى جعل هذا الشعر) أي شعر الإنسان أي حلقه وتقصيره (نسكًا

(1) أخرجه أحمد (3/ 452) والطبراني (8/ 299) رقم (8138) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 288): رجاله رجال الصحيح غير علي بن زيد بن جدعان وقد وثق. وقال المنذري في الترغيب (3/ 103) رواته رواة الصحيح إلا علي بن زيد بن جدعان. وصححه الألباني في صحيح الجامع (336).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 320).

وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1737) والسلسلة الصحيحة (3067).

ص: 287

وسيجعله الظالمون نكالاً) أي الأشعار ويكون بشق أحد جانبي سنام البعير حتى يسيل دمه فصار فعله ذلك حرامًا النكال العقوبة التي ينكل الناس أي يبتعد وينتهي عن فعل ما جعله له جزاء قاله في النهاية (1)، من ذلك ما فعله الجبابرة من حلق الرؤوس والقفا لمن يعاقبونه من أعدائهم وهذا أثر عنه ثبوته وقد وقع ما أخبر به. أي عبادة من عبادات الحج فأمر به ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدخول المسجد الحرام محلقة رؤوسهم ومقصرين. (ابن عساكر عن عمر ابن عبد العزيز بلاغًا)(2).

1706 -

"إن الله تعالى جعل لكل نبي شهوة، وإن شهوتي في قيام هذا الليل، إذا قمت فلا يصلين أحد خلفي، وإن الله تعالى جعل لكل نبي طعمة، وإن طعمتي هذا الخمس، فإذا قبضت فهو لولاة الأمر من بعدي (طب) عن ابن عباس".

(إن الله تعالى جعل لكل نبي شهوة) أي مشتهى يحبه وتشتاق نفسه إليه (وإن شهوتي التي جعلها لي في قيام هذا الليل) أي في قيامي فأضيف المصدر إلى المفعول مجاز في الإيقاع من باب فكر الليل وقيامه عبارة عن إحيائه بالعبادة والتلاوة وهو نظير قوله في الحديث الآخر: "وجعلت قرة عيني في الصلاة"(إذا قمت فلا يصلين أحد خلفي) كأن وجهه ما صرح به في تركه الخروج في بعض ليالي رمضان وقد رآهم قاموا بقيامه فتخلف عنهم خشية أنه يفرض عليهم وقد اختلف هل كان قيام الليل فريضة عليه أم لا اختار المحققون أنه كان فريضة عليه ثم نسخ (وإن الله جعل لكل نبي طعمة) رزقًا خصه به (وإن طعمتي هذه الخمس) من الغنيمة والفيء (فإذا قبضت فهو لولاة الأمر من بعدي) تقدم

(1) النهاية (2/ 479).

(2)

أخرجه ابن عساكر (3/ 45) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1594) والسلسلة الضعيفة (3067).

ص: 288

قريبًا (طب عن ابن عباس) بإسناد فيه مقال (1).

1707 -

"إن الله تعالى جعل للمعروف وجوهاً من خلقه، حبب إليهم المعروف، وحبب إليهم فعاله، ووجه طلاب المعروف إليهم، ويسر عليهم إعطاءه، كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة ليحييها ويحيى بها أهلها. وإن الله تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف، وبغض إليهم فعاله، وحظر عليهم إعطاءه كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك بها أهلها، وما يعفو أكثر ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج عن أبي سعيد ".

(إن الله تعالى جعل للمعروف وجوهًا من خلقه) لما كان الوجه أشرف عضو في الإنسان عبر به عن جملته يقال وجوه القوم ووجوه البلد أي أعيانهم (حبب إليهم المعروف) والمعروف هو النصفة وحسن الصحبة كما سلف عن النهاية (2) والمراد ذلك هنا وأسد الصنائع بالمال والجاه (وحبب إليهم فعاله) يفعلونه محبة له ورغبة فيه لا كمن يفعله تكلفاً ومرآءة (ووجه طلاب المعروف إليهم) ألقي في قلوبهم ذلك (ويسر) سهل (عليهم إعطاؤه) من باب تيسير اليسرى لهم (كما يسر الغيث) سهله وساقه (إلى الأرض الجدبة) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة الأرض التي أصابها المحل لبعد عهدها بالغيث (فيحييها) يجعلها حية غضة النبات (ويحيى بها أهلها) وفي هذا التشبيه إرشاد بأن العبد الذي أجرى الله المعروف على يديه كالأرض الجدبة لا تنفع نفسها ولا تنفع أهلها وأنه لولا ما ساقه الله إليه من المعروف الذي أحياه به وأحيى به

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 84) رقم (12552). وقال الهيثمي في المجمع (2/ 217) فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه، وإسحاق لينه أبو حاتم وأبوه ووثقه ابن حبان. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1590) والسلسلة الضعيفة (3063): ضعيف جداً.

(2)

النهاية (3/ 216).

ص: 289

طلابه لكان لا ينفع ولا ينتفع كالأرض الجدبة فسبحان من الخير كله بيده خلق فاعل المعروف ثم حببه إليه ثم وجه إليه طلابه ثم يسر له ما يسدي به المعروف فإن تيسير إعطائه لا يكون إلا بإعطائه تعالى لما يسدونه إلى عباده من أفضاله ولذلك شبه تيسير الإعطاء بتيسير الغيث، ولك أن تجعل [1/ 487] المصدر أعني أعطاه بمعنى المفعول أي المعطى (وأن الله تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه) يسرهم للعسرى لما علمه منهم من قبيح النيات (وبغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله وحظر) منع (عليهم إعطاؤه كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها) بالجدب والقحط فلا يبقى لها ثمن ولا ثمر (ويهلك به أهلها) إخبار بأن من منع إجراء الخير على يديه قد أريد هلاكه ولذا قال (وما يعفو الله أكثر) عن عباده {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [فاطر: 45] (ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج عن أبي سعيد) بإسناد ضعيف لكن له شواهد (1).

1708 -

"إن الله تعالى جعل السلام تحية لأمتنا، وأمانا لأهل ذمتناً (طب هب) عن أبي أمامة".

(إن الله تعالى جعل السلام) أي قول القائل: السلام عليكم (تحية لأمتنا) في القاموس (2): التحية السلام، إن قلت: كيف هذا التركيب في الحديث فإنه حمل الشيء على نفسه.

قلت: التحية أعم لأنها الدعاء بالحياة والملك فقولهم: حياك الله أبقاك أو

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (4) والحاكم (4/ 321). وقال الذهبي في التلخيص: الأصبغ واهٍ وحبان. ضعفوه. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1592)، والسلسلة الضعيفة (2849): ضعيف جداً.

(2)

القاموس المحيط (ص 1649).

ص: 290

ملكك فأخبر الشارع أن تحية هذه الأمة هي لفظ السلام أي أنه تعالى جعل هذا اللفظ تحيتنا المشروعة وقد كان للعرب ألفاظ في التحية نحو عم صباحًا وعم مساءً (وأمانًا لأهل ذمتنا) بكسر الذال المعجمة هو العهد والضمان والحرمة والحق فشمول أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم على ما في النهاية فإذا سلم علينا أهل الذمة بتحيتنا كان أمانًا لهم كما في قصة أسامة ونزول قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [السناء: 94] وتحية السلام أو سلمنا عليه فإنه تأمين له وهذ ابناء على جواز ابتداء أهل الذمة بالسلام منا وقد أجازه بعض السلف ومنعه الجمهور وحملوا الحديث على حال الضرورة بأن نخاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن ترك (طب هب عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف بكر بن سهل أحد رواته (1).

1709 -

"إن الله تعالى جعل البركة في السحور، والكيل الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى جعل البركة) هي الزيادة والنمو (في السحور) في أكلة السحور والكيل فيما يكال فلا يدخل ولا يخرج إلا بمكيال (الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة (2).

1710 -

"إن الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا القتل (حل) عن عبد الله ابن يزيد الأنصاري".

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 209) رقم (7518) والأوسط (3/ 298) رقم (3210)، والبيهقي في الشعب (8798). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1587) والسلسلة الضعيفة (3064).

(2)

أخرجه الشيرازي في الألقاب (كما في الكنز (23958)، وأخرجه أيضًا الطبراني في مسند الشاميين (724). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1735) والسلسلة الصحيحة (1291).

ص: 291

(إن الله جعل عذاب هذه الأمة في الدنيا) القتل وقد سلف بلفظه قريبًا والمراد الفتنة فيما بينهم (حل عن عبد الله بن يزيد الأنصاري) بإسناد ضعيف (1).

1711 -

"إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب (طب) عن جابر (خط) عن ابن عباس (ض) ".

(إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي) الذرية ولد الرجل كما في القاموس (2) والصلب عظم من لدن الكاهل إلى العجب قاله فيه، وهو مخرج ماء الرجل كما قال تعالى:{يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 7] والمراد جعل ذريته الباقين المتناسلين (في صلب علي بن أبي طالب) وإلا فقد كان له صلى الله عليه وسلم ذرية اثنان ذكورًا إبراهيم والقاسم درجا صغيرين ومن الإناث أربع فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم فهؤلاء المتفق عليه من أولاده وقيل: إن له ثلاثة ذكور عبد الله والطيب والطاهر وقيل الطيب والطاهر اسمان لعبد الله فهو واحد، وقيل غير ذلك، وقد استوفى الخلاف منهم المحب الطبري في الذخائر فالمراد من الذرية الباقون المتناسلون ثم ظاهر الحديث أن كل من كان من صلب علي عليه السلام فإنه ذرية له صلى الله عليه وسلم[1/ 488] سواء كان من فاطمة أو من غيرها وقد كان لعلي من الولد أربعة عشرًا ذكرًا وثمانية عشر أنثى وليس من فاطمة إلا خمسة حسن وحسين ومحسن مات صغيرًا وأم كلثوم ورقية فهؤلاء أولاده من البتول والباقون من غيرها إلا أن هذا الظاهر قد قيده حديث فاطمة الزهراء رضي الله عنها عند الطبراني (3) وصححه بلفظ: "كل بني آدم ينتهون إلى عصبة

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 308). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1738).

(2)

القاموس المحيط (ص 507).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 423 رقم 1042).

ص: 292

إلا ولد فاطمة فأنا أبوهم وأنا عصبتهم"، ومثله حديث عمرو يأتيان، فالمراد جعل ذريتي في صلب علي في ولده من فاطمة ويبقى ولده من غيرها داخلون في عموم كل بني أنثى ينتمون إلى عصبة فأولاد علي من فاطمة رضي الله عنها أولاده صلى الله عليه وسلم حقيقة خاصة من الله له وقد عدها أهل الفقه والحديث من خواصه صلى الله عليه وسلم وهم أولاد علي أيضًا فإنهم عصبتان حينئذ وهذه فضيلة لعلي وفاطمة لا تغادر قدرها (طب عن جابر) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف يحيى بن العلاء (خط (1) عن ابن عباس) وهو ضعيف أيضًا لضعف كدر بن المرزبان، قلت: ما يأتي عن فاطمة وعمر شواهد له.

1712 -

"إن الله تعالى جعلها لك لباساً وجعلك لها لباساً، وأهلي يرون عورتي، وأنا أرى ذلك منهم (ابن سعد (طب) عن سعد بن مسعود ".

(إن الله تعالى جعلها) أي الزوجة أو المرأة المذكورة في سبب الحديث (لك لباسًا) وهو مأخوذ من الآية: {هُنَّ لِبَاسٌ لكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لهُنَّ} [البقرة: 187](وجعلك لها لباسًا. وأهلي يرون عورتي وأنا أرى ذلك منهم) أي العورة.

إن قلت: قد عارضه حديث عائشة: "ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رأى مني"(2). قلت: قد يقال تكون الرؤية وقعت من غير عائشة، وهذا إن ثبت الحديث وإلا فإني ما وقفت عليه إنما يذكره أهل علم البيان.

(1) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 317) وابن الجوزي في العلل المتناهة (1/ 214) رقم (338) وقال لا يصح عن رسول الله من حديث ابن عباس، والطبراني في الكبير (3/ 43)(2630)، وقال الهيثمي (9/ 172): فيه يحيى بن العلاء وهو متروك. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1589) والسلسلة الضعيفة (801): موضوع.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (2197)، وابن عدي في الكامل (2/ 47)، وقال: فيه بركة بن محمد أحاديثه باطله وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/ 110): قال الدارقطني: بركة بن محمد كذاب يضع الحديث.

ص: 293

إن قلت: كان مقام أدبه أن يكني عن العورة كما أن عائشة حذفت مفعول الرؤية لاستهجان التصريح به.

قلت: لكل مقام مقال ومقام التعليم يقتضي الإيضاح وقد صرح تعالى بذلك في قوله: {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لكُمْ} [النور: 58] وكنى في أخرى، (ابن سعد طب عن سعد بن مسعود) الأنصاري الصحابي (1).

1713 -

"إن الله تعالى جعلني عبداً كريما، ولم يجعلني جباراً عنيداً (د هـ) عن عبد الله بن بسر".

(إن الله تعالى جعلني عبدًا كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا د 5 عن عبد الله بن بسر)(2) وتقدم بلفظه وأصله عن عبد الله بن بسر قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فجثى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه فأكل فقال أعرابي: ما هذه الجلسة فذكره، والجبار العاتي والعنيد الذي يخالف الحق ويرده كما في القاموس (3).

1714 -

"إن الله تعالى جميل يحب الجمال (م ت) عن ابن مسعود (طب) عن أبي أمامة (ك) عن ابن عمر، ابن عساكر عن جابر وعن ابن عمر (صح) ".

(إن الله جميل) أي حسن الأفعال كامل الأوصاف كما في النهاية (4)، (يحب الجمال) يحب من العباد أن يتصفوا بما يجملهم من الأفعال الشريفة والأخلاق الفاضلة من الحلم والكرم والرحمة والعفو وفي الديباج (5) للمصنف إن الله جميل

(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 301) والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (4/ 294). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1593) والسلسلة الضعيفة (3066).

(2)

أخرجه أبو داود (3773) وابن ماجه (3263). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1740)، والإرواء (1966).

(3)

القاموس المحيط (ص 386).

(4)

النهاية (1/ 299).

(5)

الديباج شرح مسلم بن الحجاج للسيوطي (1/ 107).

ص: 294

أي أمره تعالى جميل فله الأسماء الحسنى وصفات الكمال والجمال، وقيل: معناه جميل الأفعال بعباده يكلف اليسير ويعين عليه ويثيب على القليل ويشكر عليه وقيل: معناه ذو النور والبهجة أي مالكهما (م ت عن ابن مسعود طب عن أبي أمامة ك عن ابن عمر وابن عساكر عن جابر وعن ابن عمر) بأسانيد كلها صحيحة (1).

1715 -

"إن الله تعالى جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس (هب) عن أبي سعيد ".

(إن الله تعالى جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده) كما سلف (ويبغض البؤس والتباؤس)[1/ 489] سلف أيضًا وفيه دليل أن المراد بمحبته الجمال محبته لإظهار العباد نعمهم (هب عن أبي سعيد) ضعيف لضعف السلمي الكوفي لكن له شاهد عند أبي يعلى (2).

1716 -

"إن الله تعالى جميل يحب الجمال، سخي يحب السخاء، نظيف يحب النظافة (عد) عن ابن عمر ".

(إن الله جميل يحب الجمال سخي يحب السخاء) تقدم الكلام في السخاء وهو دليل على جواز إطلاقه عليه تعالى وفيه خلاف (نظيف يحب النظافة) في النهاية (3): نظافة الله كناية عن تنزهه عن سمات الحدث وتعاليه في ذاته عن كل نقص والنظافة عن غيره كناية عن خلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة

(1) أخرجه مسلم (91) والترمذي (1999) عن ابن مسعود والطبراني في الكبير (8/ 203) رقم (7822)، والحاكم في المسندرك (1/ 26) عن ابن عمرو وابن مسعود وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 367) عن جابر.

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (6201) وأبو يعلى (1055) عن أبي سعيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1742) والسلسلة الصحيحة (1320، 1626).

(3)

النهاية (5/ 77).

ص: 295

الأهواء ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشبه ثم نظافة الظاهر بملابسة العبادات (عد عن ابن عمر) بإسناد ضعيف (1).

1717 -

"إن الله تعالى جواد يحب الجود، ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها (هب) عن طلحة بن عبيد الله (حل) عن ابن عباس ".

(إن الله تعالى جواد يحب الجود) فإنه يحب للعبد الاتصاف بصفاته التي أذن له فيها لهم (ويحب معالي الأخلاق) عطف عام على خاص (ويكره سفسافها) في النهاية (2): السفساف الأمر الحقير الرديء من كل شيء وهو ضد المعالي والمكارم وأصله ما يطير من غبار الدقيق إذا نُخِل والتراب إذا نثر (هب عن طلحة بن عبيد الله) هكذا في صحيح نسخ الجامع عبيد الله بالتصغير قال في الشرح: وطلحة الصحابي بن عبد الله بالتكبير ثم قال: قال العراقي: هذا مرسل والمؤلف ظن أنه طلحة الصحابي فوهم انتهى كلام الشارح (حل عن ابن عباس) بإسناد لا يصح (3).

1718 -

"إن الله تعالى حرم من الرضاع ما حرم من النسب (ت) عن علي (صح) ".

(إن الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب) وقد نص تعالى في كتابه على تحريم سبع من النسب: الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت، ونص في الرضاع على الأمهات والأخوات فألحق

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 291). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1596).

(2)

النهاية (2/ 373).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (10840) عن طلحة بن عبيد الله وأخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 29) عن ابن عباس. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1744) السلسلة الصحيحة (1627).

ص: 296

- صلى الله عليه وسلم الخمس المسكوت عنهن بهما: وهن البنات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فهؤلاء أربع عشرة محرمات من النسب والرضاع بالنص القرآني تسع وبالسنة خمس وأما من الصهر كأخت الزوجة من الرضاعة ففيه خلاف وأبحاث استوفينا بعضه في حواشي ضوء النهار ت (عن علي) وقال: حسن صحيح ورمز المصنف لصحته (1).

1719 -

"إن الله تعالى حرم الجنة على كل مراء (حل فر) عن أبي سعيد".

(إن الله تعالى حرم الجنة) أي جعلها ممنوعة كما منع من الحرام من قوله: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72](على كل مرائي) وتقدم أنه الشرك الخفي وكأن المراد حرمها ابتداء أو بعد دخول النار أو المراد به المنافق (حل فر عن أبي سعيد) ضعيف لضعف سليمان الحراني أحد رجاله (2).

1720 -

"إن الله تعالى حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال (ق) عن المغيرة بن شعبة (صح) ".

(إن الله تعالى حرم عليكم عقوق) تقدم تفسير العقوق وهو مشتق من العق وهو الشق والقطع وقد فرق الجوهري بين مصدر قولهم عق عن ولده وعق والده فقال: عق عن ولده يعق عقاً إذا ذبح عنه يوم سابعه، وعق والده عقوقًا أو يعقه وهو عاق وعقق والجمع عققة مثل كفرة وظاهر كلام صاحب المحكم [1/ 490] التسوية بينهما (الأمهات) جمع أم أصلها أمهه وتخصيص الأمهات هنا لأن حقهن آكد من الآباء ولأن التوصية بهن لعجزهن وإلا فإنه قد نهى عن

(1) أخرجه الترمذي (1146)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1753) والإرواء (1877).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية والديلمي كما في الكنز (7487). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1598) والسلسلة الضعيفة (3068).

ص: 297

عقوق الآباء (ووأد البنات) في القاموس (1): وأد بنته يئدها وأداً إذا دفنها حية وكان هذا دأب المشركين كما قال تعالى: {وَإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58](2).

يقال أن أول من فعل ذلك رجل من العرب يقال إنه الضحاك بن قيس كما في "الإسعاف" أغار عليه عدوه فسبى ابنة له ثم اتخذها لنفسه ثم تصالحا على أن تختار البنت من شاءت منهما فاختارت من سباها فكان أبوها بعد ذلك يدفن كل ولد له من بنت حية فاقتدى به العرب (ومنعًا) عن الخير وفعله (وهات) طلبًا وحرصًا على الأخذ من الناس وهي اسم فعل معناه أعط (وكره لكم قيل وقال) وقال: أي نهي عن فضول ما يتحدث به المتجالسون من قولهم قيل كذا وقال كذا وهما مبنيان على أنهما فعلان ماضيان منضمتان للضمير ويعربان على إجرائهما مجرى الأسماء خلو من جر الضمير وإدخال حرف التعريف عليهما في قولهم القيل والقال، وقيل: القيل الابتداء والقال الجواب، وهذا على كون الرواية قيل وقال على أنهما فعلان فيكون النهي عن القول بما لا يصح ولا يعلم حقيقته فيكون نظير حديث:"بئس مطية الرجل زعموا"، فأما من حكى ما يصح ويعرف حقيقته وأسنده إلى ثقة صادق فلا وجه للنهي عنه ولا ذم، وقال أبو عبيد فيه نحو وعربية وذلك أنه جعل القال مصدرًا كأنه نهى عن قيل وقول، يقال: قلت قولاً وقالاً وقيلاً وهذا التأويل على أنهما اسمان، وقيل: أراد النهي عن كثرة الكلام مبتدئًا ومجيبًا وقيل: أراد به حكاية أقوال الناس والبحث على ما لا يجدي عليه خيرًا ولا يعنيه أمره (وكثرة السؤال) في النهاية (3): السؤال في كتاب

(1) القاموس المحيط (ص 413).

(2)

وُضع في الحاشية عنوان: مطلب أول من وأد البنات.

(3)

النهاية (2/ 328).

ص: 298

الله والسؤال نوعان، أحدهما: ما كان على وجه التبيين والتعليم مما تمس الحاجة إليه فهو مباح أو مندوب أو مأمور به والآخر ما كان على طريقة التكلف والتعنت فهو مكروه ومنهي، عنه فكل ما كان من هذا النوع ووقع السكوت على جوابه فإنما هو ردع وزجر للسائل، وإن وقع الجواب عنه فهو عقوبة وتغليظ، ومنه الحديث:"نهى عن كثرة السؤال"(1) قيل: هو من هذا، وقيل: هو سؤال الناس أموالهم من غير حاجة (وإضاعة المال) إنفاقه في غير وجهه وإنفاقه فيما يحرم والإسراف والتبذير (ق عن المغيرة بن شعبة)(2).

1721 -

"إن الله تعالى حرم علي الصدقه وعلى أهل بيتي (ابن سعد عن الحسن بن علي) ".

(إن الله تعالى حرم الصدقة علي) ظاهره العموم للفريضة والنافلة ويدل له حديث سلمان وأنه أتى إليه بصدقة فلم يأكل منها ثم أتى إليه بهدية فأكل منها وسلمان لم يكن أسلم حينئذ وهو أيضًا مملوك فهي صدقة نفل وبيناه في حواشينا على ضوء النهار عموم التحريم للنفل، ومن خص الصدقة بالفرض قال: لأنها إذا أطلقت لا يتبادر منها إلا ذلك وهي الزكاة (وعلى أهل بيتي) هم الذين فسرهم زيد (3) بن أرقم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس وفيهم خلاف هذا أصح الأقوال دليلا وأوضحناه في حواشي ضوء النهار (ابن سعد [1/ 491] عن الحسن بن علي)(4).

1722 -

"إن الله تعالى حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا (حم) عن أنس"

(1) أخرجه البخاري (6862) و (6108) ولفظه: كان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال

"، والدارمي (2751)، والأدب المفرد (16) وابن حبان (5556).

(2)

أخرجه البخاري (5975) ومسلم (592).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 182) رقم (5025)، وابن خزيمة (2356).

(4)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 390). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1750).

ص: 299

(صح).

(إن الله تعالى حيث خلق الداء خلق الدواء) فما خلق داء إلا خلق له دواء فتداووا تقدم قريبًا والأصل في الأمر الإيجاب (حم عن أنس) رمز المصنف لصحته (1).

1723 -

"إن الله تعالى حيي ستير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر (حم د ن) عن يعلى بن أمية (صح) ".

(إن الله تعالى حيي) فعيل من الحياء وهو تغير وانكسار من فعل ما يعاب به الفاعل فهو مجاز في حقه تعالى عن كراهته لما يعاب ولذلك عقبه بقوله: يحب الحياء كالتفسير (ستير) فعيل بمعنى فاعل أي من شأنه ذلك وإرادته يحب الستر والصون قاله في النهاية (2)(يحب الحياء والستر) فيحب لكم أن تكونوا كذلك (فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) ولا يكتشف عورته (حم د ن عن يعلى بن أمية) رمز المصنف لصحته (3).

1724 -

"إن الله تعالى حيي كريم، يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبين (حم د ت هـ ك) عن سلمان (صح) ".

(إن الله تعالى حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه) مثلاً (يديه) سائلاً له (أن يردهما صفرًا) خلو من العطاء والإجابة خائبتين من الخيبة إلا جاب في المطلب وقد فسره غيره من الأحاديث أنه إذا سأله تعالى عبده فعنده له ثلاث

(1) أخرجه أحمد (3/ 156). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1754).

(2)

النهاية (2/ 341).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 224) وأبو داود (4012)، والنسائي (1/ 200). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1756).

ص: 300

خلال إما أن يعطيه أو يدخر له ما هو خير مما سأل أو يؤخر ما طلبه (حم (1) د ت 5 ك عن سلمان) رمز المصنف لصحته وقال الترمذي: حسن غريبٌ، وقد رواه بعضهم ولم يرفعه.

1725 -

"إن الله تعالى ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش، فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم؛ فإنهما صلاة وقرآن ودعاء (ك) عن أبي ذر".

(إن الله تعالى ختم سورة البقرة بآيتين) من قوله: {آمَنَ الرَّسُولُ

} إلى آخرها (أعطانيها من كنزه الذي تحت العرش) تقدم بيانه (فتعلموهن) جمع باعتبار الكلمات (وعلموهن نساءكم وأبناءكم) لأنهم الأخص بالإنسان، ابدأ بنفسك ثم بمن تعول في كل خير ديني ودنيوي (فإنها صلاة) تقرأ بهما في الصلاة أطلق الصلاة على القراءة لأنها أعظم أجزائها (وقرآن) تتليان (ودعاء) بدعائهما بما اشتملتا عليه من الدعاء وتقدم أحاديث في فضلها (ك عن أبي ذر) وقال: على شرط البخاري ورد، وسكت عليه المصنف (2).

1726 -

(إن الله تعالى خلق الجنة بيضاء) وأحب شيء إلى الله البياض البزار عن ابن عباس ".

(إن الله تعالى خلق الجنة بيضاء) في لونها كثيرة الأنوار وإن كانت تربتها الزعفران وجداراتها لبنة من فضة ولبنة من ذهب وشجرها أخضر لكنها تلألأ نورًا

(1) أخرجه أحمد (5/ 438) وأبو داود (1488) والترمذي (3556) والحاكم (1/ 497) وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 143): إسناده جيد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 562) وقال: صحيح على شرط البخاري، وقال الذهبي في التلخيص: معاوية لم يحتج به البخاري ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلاً. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1601).

ص: 301

(وأحب شيء إليه) من الألوان (البياض) ولذا أمر بلباسه وتكفين الموتى فيه البزار عن ابن عباس (1)) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف هشام بن زياد.

1727 -

"إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور يومئذ اهتدى، ومن أخطأه ضل (حم ت ك) عن ابن عمرو".

(إن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة) في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ضرب الله متن آدم فخرجت كل نسمة مخلوقة للجنة (2) بيضاء فقال: هؤلاء أهل الجنة وخرجت كل نسمة مخلوقة للنار سوداء فقال: هؤلاء أهل النار أمثال الخردل في صور الناس فكأنه نفس هذا الحديث (فألقى عليهم من نوره) فيكون هذا ضربة لمتن آدم الضربة الأولى (فمن أصابه من ذلك النور) شيء (يومئذ اهتدى) فكان من أهل الجنة (ومن أخطأه ضل) وهذا يدل أنه خلق الكل أولاً في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فالله أعلم بمراده (حم ت ك عن ابن عمرو) قال الترمذي: هذا حديث حسن (3).

1728 -

"إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض: جاء منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك؛ والسهل، والحزن، والخبيث، والطيب، وبين ذلك (حم د ت ك هق) عن أبي موسى (صح) ".

(1) أخرجه البزار كما في المجمع (5/ 128) وقال الهيثمي: فيه هشام بن زياد وهو متروك. وأورده ابن عدي في الكامل (7/ 105) في ترجمة هشام بن زياد. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1604) والسلسلة الضعيفة (800): موضوع.

(2)

الدر المنثور (3/ 605) وكذلك أخرجه ابن المستفاض في القدر (ص 70).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 176) والترمذي (2642) والحاكم (1/ 30) وقال الحاكم: صحيح واحتجا بجميع رواته ولا علة له. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1764) والسلسلة الصحيحة (1627).

ص: 302

(إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض) من طيبها وخبيثها ومختلف ألوانها (فجاء بنوا آدم على قدر الأرض) أي في الألوان كما عده في الألوان الثلاثة [1/ 492] جاء (منهم الأحمر) كالتركي (والأبيض) كالعرب (والأسود) كالحبشة (وبين ذلك) لون غير متمخض إلى أحد الثلاثة بل يأخذ من كل منها ومن أحدها وأصول الألوان عند المتكلمين خمسة هذه الثلاثة والصفرة والخضرة وكأنه ليس في ألوان الأرض من هو خالص إلى هذين اللونين فلذا لم يعدهما في الحديث بل الموجود الثلاثة (والسهل) في الطباع كسهل الأرض (والحزن) فيها وهو ما غلظ من الأرض (والخبيث) في طباعه وأحواله كالأرض الخبيثة التي لا يخرج منها إلا نكدًا (والطيب) المأخوذ من الأرض الطيبة التي يخرج نباتها بإذن ربها (وبين ذلك) من الطيب والخبيث وكان مقتضى خلق آدم منها كلها أن يكون كل من هذه الألوان والطباع فيه وفي بنيه إلا أنه كان غلب على كل نوع من بنيه لون ولا مانع من اجتماعها في آدم وإن كان غالب لونه الأدمة لكنه فيه غلب ما طاب على ما خبث لأنه عجنه بماء الجنة كما يأتي وكأنه خصه بأثر ذلك فيه وإلا فإن بنيه من طينته وماء الجنة في جبلتهم (حم د ت ك هق عن أبي موسى)(1) رمز المصنف لصحته.

1729 -

"إنَّ الله تعالى خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم، وخير الفرقتين، ثم تخير القبائل فجعلني في خير قبيلة، ثم تخير البيوت فجعلني في خير بيوتهم. فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً (ت) عن العباس بن عبد المطلب ".

(1) أخرجه أحمد (4/ 406) وأبو داود (4693) والترمذي (2955) وقال: حسن صحيح والحاكم (2/ 61) وقال: صحيح الإسناد. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1759) وفي السلسلة الصحيحة (630).

ص: 303

(إن الله تعالى خلق الخلق فجعلني في خير فرقهم) جمع فرقة وهم الثلاث الفرق السابقون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال فهو من السابقين (وغير الفرقتين ثم خيّر القبائل) هو من خيّره فضله كما في القاموس (1) فهو على حذف مضاف أي خير أحد الفريقين (فجعلني في خير القبيلة ثم خيّر البيوت) أي أحدها (فجعلني في خير بيوتهم فأنا خيرهم نفسًا) وهو مستنتج عن شيء مطوي أي ثم خير النفوس (وخيرهم بيتًا) فهو الخيار من الخيار كما أنه صفوة الصفوة (ت عن العباس بن عبد المطلب)(2).

1730 -

"إن الله تعالى خلق آدم من طينة الجابية، وعجنه بماء من ماء الجنة ابن مردويه عن أبي هريرة ".

(إن الله تعالى خلق آدم من طين الجابية) بالجيم فموحدة فتحتية مثناة قرية بدمشق.

إن قلت: يعارضه ما سلف آنفًا من أنه خلقه من جميع الأرض؟

قلت: المراد أنه جمع تربته إلى الجابية من جميع الأرض ثم خلقه منها فصح أنه خلق من الجابية (وعجنه) أي الطين (بماء من ماء الجنة) ليعتدل طبعه ويكون مركبًا من طيب كله ومما خبث وطاب (ابن مردويه عن أبي هريرة (3)) ورواه عنه

(1) القاموس (2/ 183).

(2)

أخرجه الترمذي (3532) وقال: حديث حسنٌ، وقال الحافظ ابن حجر في "الأمالي المطلقة" (ص 70): يزيد بن أبي زياد صدوق لكنه سيء الحفظ وقد اختلف فيه في صحابي هذا الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1605) والسلسلة الضعيفة (3073).

(3)

أخرجه ابن مردويه كما في الكنز (5127) وفي إسناده إسماعيل بن رافع وأخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 281) في ترجمة إسماعيل ومن طريقة بن الجوزي في الموضوعات (364) وقال: هذا حديث لا يصح. وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 297): قال أبي: حديثٌ منكرٌ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1603).

ص: 304

أيضًا ابن عدي وسنده ضعيف.

1731 -

"إن الله تعالى خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، صفحاتها من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور. لله في كل يوم ستون وثلاث مائة لحظة، يخلق ويرزق، ويميت ويحيى، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء (طب) عن ابن عباس (ح) ".

(إن الله تعالى خلق لوحًا محفوظًا) عن الشياطين أو عن كل ناظر من ملك وغيره أصله (من درة) بضم الدال المهملة وهي كبار اللؤلؤ (بيضاء) هو وصف كاشف وإلا فلا يكون إلا كذلك (صفحاتها) جوانبها (ياقوتة حمراء) هو كوصف الدرة بالبيضاء (قلمه نور وكتابه) أي ما يكتب به وهو المداد (نور لله في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة) يجب الإيمان به وعدم البحث عن كيفيته (يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويدل ويفعل ما يشاء) عام بعد خاص والحديث خرج كالتفسير لقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، ففي كتب التفسير أنه صلى الله عليه وسلم تلاها فقيل له: وما ذاك الشأن؟ قال: من شأنه أن يغفر ذنبًا ويفرج كربا ويرفع قومًا ويضع آخرين ولا تنافي كونه قد جف القلم [1/ 493] بما هو كائن فهذه شئون يبديها لا شئون يبتديها (طب (1) عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه.

1732 -

"إن الله تعالى خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه قامت الرحم، فقال: مه؟ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فذلك لك (ق ن) عن أبي هريرة (صح) ".

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 72) رقم (12511) وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 305) وقال: غريب من حديث سعيد -بن جبير- وابنه عبد الملك لم نكتبه إلا من هذا الوجه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1608).

ص: 305

(إن الله تعالى خلق الخلق) أي المخلوق من إطلاق المصدر على اسم المفعول من باب هذا الدرهم ضرب الأمير (حتى إذا فرغ من خلقه) في عالم الذر (قامت الرحم فقال) أي الله (مه) ما استفهامية حذفت ألفها وعوض عنها الهاء للسكت أي ما سبب هذا القيام (قالت: هذا مقام العائذ) من عاذ به إذا لجأ إليه واستجار به (بك من القطيعة قال نعم أما ترضين) خطاب مؤنث لأن لفظ الرحم مؤنث معنوي، وإلا فالرحم شامل للذكر والأنثى (أن أصل) بالرحمة والإحسان (من وصلك) بما يسمى صلة (وأقطع) من رحمتي وإحساني (من قطعك) من الصلات (قالت بلى يا رب قال فذلك) المذكور من الصلة والقطيعة (لك) وهي لم تستعذ إلا من القطيعة فزادها عز وجل أن يصل من وصلها وهذا القيام والكلام يحتمل أنه حقيقة في ذلك المقام أو أنه تمثيل (ق ن عن أبي هريرة)(1).

1733 -

"إن الله تعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار (ق) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى خلق الرحمة) أي رحمته لعباده وإيقاع الخلق عليها صحيح إذ هو الإيجاد (يوم خلقها مائة رحمة) هو تمثيل لسعة رحمته والتفرقة بين حال الدارين (فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة) ودخرها لعباده للآخرة (وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة) بها يتراحم بنو آدم والأنعام وغيرهم (فلو يعلم الكافر) يؤمن (بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة) ولطمع أن تشمله الرحمة فيدخل في سعة

(1) أخرجه البخاري (5987) ومسلم (2554) والنسائي في السنن الكبرى (11497).

ص: 306

رحمته ولذا ورد أن الله تعالى يغفر يوم القيامة مغفرة حتى يطمع إبليس أن تشمله هذا أو معناه (ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار) ولذا يخاف كل نبي ويقول نفسي نفسي وخص في الأول الكافر لأنه الذي وعد بالعذاب وبالثاني المؤمن لأنه الذي وعد بالنجاة (ق عن أبي هريرة)(1).

1734 -

"إن الله تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، وأخر تسعاً وتسعين، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة (حم م) عن سلمان (حم هـ) عن أبي سعيد (صح) ".

(إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق) بكسر القاف (ما بين السماء والأرض) الطبق من كل شيء ما ساواه وقد طابقه مطابقة وطباقًا فهو مصدر طابق أي ساوى.

واعلم: أن ما ورد من هذا القبيل أعني من التقدير للمعاني بأنها تملأ الأجسام مثل الحمد لله ملأ السماوات ونحوه فهو محمول على أحد أمرين: إما على التمثيل بأنها لو كانت أجسامًا لملأت هذه الأماكن، أو على أنها في النشأة الأخرى تجعل أجسامًا محسوسة تملأ هذه الأماكن، أو أنها الآن كذلك وقدرة الله قابلة للكل وما طوى عنا أضعاف أضعاف ما علمنا (فجعل منها في الأرض رحمة) فرقها في مخلوقاته (فيها) بمصاحبتها (تعطف) تحنو (الوالدة على ولدها والوحش) في القاموس: الوحش حيوان البر (2)(والطير) جمع طائر وتقع على الواحد (بعضها على بعض) كبيرها على صغيرها وقويها على ضعيفها (وأخر)

(1) أخرجه البخاري (6469) ومسلم (2752).

(2)

القاموس المحيط (ص 786).

ص: 307

عنده تعالى (تسعًا وتسعين) رحمة (فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) فرحم تعالى بها عباده ورحم العباد أيضًا بعضهم بعضًا فعفى المقتول عن قاتله والمظلوم عن ظالمه وغير ذلك [1/ 494](حم م عن سلمان، حم 5 عن أبي سعيد)(1).

1735 -

"إن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار، فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلاً (م) عن عائشة (صح) ".

(إن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار) هذا من أدلة أنهما مخلوقتان (فخلق لهذه أهلاً) يسرهم لليسرى (ولهذه أهلاً) يسرهم للعسرى.

واعلم أنه تعالى ما خلق الخلق إلا لعبادته كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فاللام هنا في الحديث لام الصيرورة والعاقبة لا لام العلة، مثلها في قوله تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف: 179] الآية (م عن عائشة)(2).

1736 -

"إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر، وكره لها العسر (طب) عن محجن بن الأدرع (صح) ".

(إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر) فيما فرض عليها (وكره لها العسر) هو مأخوذ من قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185](طب عن محجن) بالحاء المهملة ثم الجيم فنون بزنة درهم (بن الأدرع) بفتح الهمزة فدال مهملة والعين مهملة ورواته ثقات (3).

(1) أخرجه مسلم (2753) وأحمد (5/ 439) عن سلمان وأخرجه أحمد (3/ 55) وابن ماجه (4294) عن أبي سعيد.

(2)

أخرجه مسلم (2662).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 298) رقم (707) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 15): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1769) والسلسلة الصحيحة (1635).

ص: 308

1737 -

"إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف (خد د) عن عبد الله بن مغفل (5 حب) عن أبي هريرة (حم هب) عن علي (طب) عن أبي أمامة، البزار عن أنس ".

(إن الله تعالى رفيق يحب الرفق) هو بكسر الراء وسكون الفاء لين الجانب وهو خلاف العنف قاله في النهاية (1)(ويعطي عليه) من الأجر (ما لا يعطي على العنف) ويأتي حديث عائشة: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله"(خد د عن عبد الله بن مغفل، 5 حب عن أبي هريرة، حم هب عن علي، طب عن أبي أمامة البزار عن أنس) بأسانيد رجال بعضها ثقات (2).

1738 -

"إن الله تعالى زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وامرأة فرعون، وأخت موسى (طب) عن سعد بن جنادة (صح) ".

(إن الله تعالى زوجني في الجنة) يحتمل أنه وقع ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم دخل الجنة مرارًا كما ثبت في الأحاديث أنه من باب {وَنُفِخَ في الصورِ} [يس: 51] من تنزيل ما سيقع منزلة الواقع (مريم بنت عمران) أم عيسى (وامرأة فرعون) واسمها آسية بنت مزاحم القائلة: {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا في الْجَنَّةِ} [التحريم: 11](وأخت موسى) هي التي ذكرها الله تعالى في قوله حاكيًا: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص: 11] وهي القائلة: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} [القصص: 12] قال جار الله (3): كان اسمها مريم وهؤلاء الثلاث من نساء بني

(1) النهاية (2/ 246).

(2)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (472) وأبو داود (4857) عن عبد الله ابن مغفل ومسلم (2593) عن عائشة، وابن ماجه (3688)(3689) وابن حبان (549) عن أبي هريرة. وأحمد (1/ 112) والبيهقي في الشعب والبزار (756)(8415) عن علي والطبراني في الكبير (8/ 95) رقم (7477) عن أبي أمامة، كما في مجمع الزوائد (8/ 18) عن أنس.

(3)

انظر: الكشاف (1/ 922).

ص: 309

إسرائيل (طب عن سعد (1) بن جنادة) بضم الجيم رمز المصنف لصحته، وقال الشارح: في إسناده من لا يعرف.

1739 -

"إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته (ن حب) عن أنس "(صح).

(إن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه) في النهاية (2): الراعي الحافظ المؤتمن والرعية كل من شمله حفظ الراعي ونظره ويأتي: "كلكم راع

" الحديث كأنه قيل: عن ماذا يسأله؟ قال: (أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى سأل الرجل عن أهل بيته) فإنه راعيهم وهم رعيته والإخبار بذلك تحذير عمن يضيع من صاروا له رعية ن (حب عن أنس) رمز المصنف لصحته (3).

1740 -

"إن الله تعالى سمى المدينة طابة (حم م ن) عن جابر بن سمرة (صح) ".

(إن الله تعالى سمى المدينة) مهاجره صلى الله عليه وسلم وبلدة وفاته (طابة) من الطيب في الكتب القديمة أو عند تكلمه بذلك ويقال: طيبة طابت سكناه به وهو إخبار بأنه لا يحسن أن يطلق عليها إلا ما سماها الله (حم م ن عن جابر بن سمرة)(4).

1741 -

"إن الله تعالى صانع كل صانع وصنعته (خ) في خلق أفعال العباد (ك) والبيهقي في الأسماء عن حذيفة (صح) ".

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/ 52)(5485) وابن عساكر في تاريخ دمشق (70/ 118). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 218): وفيه من لم أعرفهم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1611) والسلسلة الضعيفة (812).

(2)

النهاية (2/ 236).

(3)

أخرجه النسائي (9174) وابن حبان (4492). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1774) والسلسلة الصحيحة (1636).

(4)

أخرجه أحمد (5/ 94) ومسلم (1385) والنسائي في السنن الكبرى (4260).

ص: 310

(إن الله تعالى صانع كل صانع وصنعته) قدرته وقوته التي حصل الصنعة بها وفعلها ودليل التقدير ما تقرر في الأصول من مسألة خلق الأفعال واستوفينا ذلك في "إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" وأما البخاري فقد أدخله في كتابه الذي ألفه في خلق الأفعال قال بعض المحققين: ليته ما ألفه فإنه خاص في فن المتكلمين وما هو شأن أئمة الحديث فإنها طريقة مبتدعة مذمومة لم يكن عليها سلف الأمة ولا خاضوا فيها (خ) كان حقه أن يأتي بلفظه لا برمزه إذ رمزه ليس إلا لما يخرجه في الصحيح (في خلق أفعال العباد ك والبيهقي في الأسماء عن حذيفة) رمز المصنف لصحته (1).

1742 -

"إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود (ت) عن سعد (صح) ".

(إن الله تعالى طيب يحب الطيب) من كل شيء ولذا حبب إليه صلى الله عليه وسلم الطيب (نظيف [1/ 495] يحب النظافة) في الأبدان والأثواب والأفعال (كريم يحب الكرم جواد يحب الجود) يحب من اتصف بهما (فنظفوا أفنيتكم) جمع فناء بكسر الفاء المتسع أمام الدار (ولا تشبهوا باليهود) عائد إلى التنظيف فإنهم أوسخ خلق الله أبدانًا وثيابًا ولذا تجد منهم زهومة مكروهة ومنازلهم معدن الأوساخ والأقذار بحيث تدرك لأثارهم رائحة (ت عن سعد) رمز المصنف لصحته (2).

(1) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص 46)، والحاكم في المستدرك (1/ 32). والبيهقي في الأسماء (1/ 59) وفي الشعب (190) والبزار (2837) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 197) رجاله رجال الصحيح. وصححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/ 498). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1777)، وفي الصحيحة (1637).

(2)

أخرجه الترمذي (2799) وقال: حديث غريب وخالد بن إلياس يضعف ويقال ابن إياس قلت: قال البخاري: فيه منكر الحديث ليس بشيء وقال النسائي: متروك وقال: مرة ليس بثقة ولا =

ص: 311

1743 -

"إن الله تعالى عفو يحب العفو (ك) عن ابن مسعود (عد) عن عبد الله بن جعفر (صح) ".

(إن الله تعالى عفو) فعول مثل غفور وصبور أي عن ذنوب عباده (يحب العفو) ويحب العافين عن الناس (ك عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته (عد عن عبد الله بن جعفر)(1).

1744 -

"إن الله تعالى عند لسان كل قائل، فليتق الشر عبد، ولينظر ما يقول (حل) عن ابن عمر الحكيم عن ابن عباس ".

(إن الله تعالى عند لسان كل قائل) يطلع على ما يقوله موكل ملائكة يكتبون ما يلفظ به (فليتق الله عبد ولينظر ما يقول حل عن ابن عمر الحكيم عن ابن عباس)(2).

1745 -

"إن الله تعالى غيور يحب الغيور، وإن عمر غيور رستة في الإيمان عن عبد الرحمن بن رافع مرسلاً ".

(إن الله غيور) فعول من المغيرة وهي الحمية والأنفة يقال رجل غيور وامرأة غيور بلا تاء لأن فعولاً يستوي فيه الذكر والمؤنث ومنه حديث أم سلمة: "إني امرأة غيور"(3)، والسكوت عن التأويل في إطلاقه عليه تعالى أسلم من الخوض

= يكتب حديثه. وأورده ابن حبان في المجروحين (296) في ترجمة خالد بن إلياس. وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 99): في إسناده مقال. وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 712) وقال لا يصح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1616).

(1)

أخرجه الحاكم (4/ 382) وابن عدي في الكامل (7/ 201). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1779).

(2)

أخرجه الحكيم الترمذي (كنز 7842)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 160) عن ابن عمر وقال: غريب لم نكتبه متصلاً مرفوعاً إلا من حديث وهيب. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1617) والسلسلة الضعيفة (1953).

(3)

أخرجه أحمد (6/ 320).

ص: 312

في تأويله (يحب الغيور وإن عمر غيور) فالله يحبه لاتصافه بالغيرة (رستة) بضم الراء وسكون المهملة ثم مثناة فوقية مفتوحة اسمه عبد الرحمن الأصفهاني (في الإيمان عن عبد الرحمن بن رافع مرسلاً) قال الذهبي: منكر الحديث (1).

1746 -

"إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن: يكره الموت، وأنا أكره مساءته (خ) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى قال من عادى لي ولياً) الولي هو المؤمن المتقي كما فسره الله بذلك في قوله: {أَلا إِنَّ أوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَخزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] فهذا تفسيره تعالى للولي لا يقبل غيره ويرشد إليه قوله آخر الحديث: "نفس المؤمن"، وأما اصطلاح الصوفية وغلوهم وجعلهم للولي من اتصف بصفات جمعوها وبلوغهم به إلى فوق رتبة النبوة فمن الهوس والأباطيل (فقد آذنته بالحرب) أعلمته أني محارب له وحرب الله لا تنحصر في نوع معين (وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه) بأدائه للفرائض وفيه أن فعل الواجبات أحب إليه تعالى مما سواها (ومما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل) من الطاعات (حتى أحبه) كأن المراد ويزداد حباً عندي وإلا فإنه تعالى يحب المؤمن الآتي بالواجبات لا غير، (فإذا أحببته كنت سمعه الدي يسمع به وبصره الدي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي

(1) أخرجه رسته كما في الكنز (32746) عن عبيد الرحمن بن رافع مرسلاً وقول "الذهبي في المغني" في الضعفاء (3562). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1618).

ص: 313

يمشي بها) زاد أحمد في رواية: "وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي ينطق بها" قال المصنف في (التوشيح) على الجامع الصحيح إني كنت متوليه في جميع حركاته وسكناته.

قال الطولي: اتفق العلماء ممن يعتد بقوله على أنهما مجاز وكناية عن نصرة الله العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه تعالى ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولهذا وقع في رواية: "فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وفي يمشي"(وإن سألني لأعطينه) مطلوبه (ولإن استعاذ بي [1/ 496] لأعيذنه) من كل مكروه (وما ترددت في شيء) قال الخطابي (1): التردد في حق غيره جائز فله هنا تأويلان:

أحدهما: أن العبد قد يشرف على الهلاك من داء يصيبه فيدعوا الله تعالى فيعافيه فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمرًا ثم يبدو له فيتركه.

والثاني: أن المراد تردد الرسل، كما رُوي في قصة موسى، قال: وحقيقة المعنى على الوجهين: عطف الله على العبيد ولطفه به وشفقته عليه انتهى.

قلت: وطريقة عدم التأويل أسلم (أنا فاعله) حتمًا (ترددي عن قبض نفس المؤمن) هو من أدلة أن الولي هو المؤمن التقي، وزيادة التقى مأخوذه من الآية ومن الحديث أيضًا، إذ المراد بالمؤمن من سلف ذكره وهو من أتى بالواجبات وتقرَّب بالنَّوافل (يكره الموت) الكراهة الطبعية البشرية ولا ينافيه محبته لقاء الله (وأنا أكره مساءته) الأمر الذي يسوؤه (خ (2) عن أبي هريرة) قال الذهبي:

(1) انظر: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري للخطابي (3/ 22509)، وفتح الباري (11/ 345).

(2)

أخرجه البخاري (6502)، وقول الذهبي في الميزان (1/ 641) في ترجمة خالد بن مخلد القطواني وقال: فهذا حديث غريب جدًّا، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوّه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه

ص: 314

غريبٌ جدًّا، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوّه من المنكرات.

1747 -

"إن الله تعالى قال: لقد خلقت خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، فبي حلفت: لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران. فبي يغترون أم علي يجترئون!؟ (ت) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقًا ألسنتهم أحلى من العسل) أي أقوالهم تعجب السامعين كما يعجبهم العسل ذوقًا وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس (وقلوبهم أمر من الصبر) هم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ونحوهم من اتصف بصفاتهم، وقيل: أريد به الأخنس بن شريق الذي نزل فيه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة: 204](فبي حلفت) باسمي وعزتي (لأتيحنهم) بالحاء المهملة من أتاح بفتح أي تهيأ فالمراد لأهيأ (لهم فتنة) وأقدرها (تدع الحليم منهم حيران) هو من حار نظر في الشيء فغشي عليه ولم يهتد لسبيله لا يهتدي لوجهها ولا يخلص من شرها وتنكير الفتنة للتعظيم وهي شاملة لفتنة الدنيا والدين (فبي يغترون) هو استفهام حذفت أدواته لظهوره أي بسبب إمهالي لهم وحلمي عليهم يغترون وينخدعون ويطمعون في الباطل وهو عدم مفتي لهم على ما يأتون من ذلك (أم علي يجترئون) هو دليل تقدير همزة الاستفهام أي يتشجعون على غضبي وعذابي فيأتون بأسباب ذلك وهذا وعيد شديد. ت (عن ابن عمر) قال الترمذي: غريب (1).

1748 -

"إن الله تعالى قال: أنا خلقت الخير والشر، فطوبى لمن قدرت على يده الخير، وويل لمن قدرت على يده الشر (طب) عن ابن عباس ".

(إن الله تعالى قال أنا خلقت الخير والشر فطوبى) طوبى اسم للجنة وقيل:

(1) أخرجه الترمذي (2405) قال: حديث حسنٌ غريبٌ من حديث عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1620).

ص: 315

شجرة فيها وأصلها فعلاً من الطيب فلما ضمت الفاء انقلبت الياء واوًا وهو من باب تيسير اليسرى (لمن قدرت على يديه الخير) وهو تعالى لا يخص به إلا من علم خيريته (وويل لمن قدمت على يديه الشر) تقدم تفسير الويل وأنه واد في جهنم (طب عن ابن عباس)(1).

1749 -

"إن الله تعالى قبض أرواحكم حين شاء، وردها عليكم حين شاء، يا بلال قم فأذن الناس بالصلاة (حم خ د ن) عن أبي قتادة (صح) ".

(إن الله تعالى قبض أرواحكم) بالنوم (حين شاء) قبضها (وردها عليكم) بالاستيقاظ (حين شاء) لإيقاظكم وهذا قاله صلى الله عليه وسلم لما ناموا في الوادي عن صلاة الصبح عند انصرافه صلى الله عليه وسلم راجعًا من غزوة خيبر إلى المدينة فإنه سار ليله حتى إذا كان ببعض الطريق عرس وقال لبلال: أكلأ لنا الليلة فغلبته عيناه فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال [1/ 497] ولا أحد من الصحابة حتى ضربتهم حر الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظًا ففزع وقال: ما هذا (يا بلال) فقال: أخذني الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله الحديث. وهذا أحد ألفاظه في الكتاب (حم خ د ن عن أبي قتادة)(2).

1750 -

"إن الله تعالى قد حرم على النار من قال "لا إله إلا الله"، يبتغي بذلك وجه الله (ق) عن عتبان بن مالك (صح) ".

(إن الله تعالى قد حرم على النار) منع عليها، والتحريم لا يكون إلا على مكلف ففي الكلام قلب تقديره: حرم على من قال لا إله إلا الله النار أي منعه من

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 173) رقم (12797) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 192): فيه مالك بن يحيى النكري وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1619) والسلسلة الضعيفة (2429).

(2)

أخرجه البخاري (595) وأحمد (5/ 307) وأبو داود (439) والنسائي (2/ 105).

ص: 316

دخولها مثل فقد حرم الله عليه الجنة والنكتة في هذا القلب أنها جعلت هي الممنوعة منه حين لا يمكنه ولا يساعده على دخولها لو أراد ذلك وجعلت هي الموجه إليها الخطاب بالمنع عنه (من قال لا إله إلا الله) محمد رسول الله لما علم من أنها لا تقبل أحد الكلمتين إلا بالأخرى (يبتغي بذلك) القول (وجه الله) مرضاته تعالى، والمراد: قالها آتيا بما تستلزمه من الواجبات لما علم من غيره وتقدم البحث في ذلك وأقوال الناس في المسألة (ق عن عتبان بن مالك)(1) بكسر المهملة وسكون المثناة الفوقية فموحدة.

1751 -

"إن الله تعالى قد أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: الوتر، جعلها الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر (حم د ت هـ قط ك) عن خارجة بن حذافة (صح) ".

(إن الله قد أمدكم) في القاموس (2): الإمداد والإعطاء والإعانة أو في الشر مددته وفي الخبر أمددته (بصلاة هي خير لكم من حمر النعم) فإن العرب كانت تحب حمر النعم وتراها أشرف ما يعطى ثم بينها بعد الإجمال فقال (الوتر) أي صلاته قال في النهاية (3): الوتر هو أن يصلي مثنى مثنى في آخرها ركعة أو تضيفها إلى ما قبلها من الركعات (جعلها لكم) أي جعل وقتها (ما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر) وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم أوتر من جميع أجزاء الليل أوله ووسطه وآخره وظاهره أنه إذا طلع الفجر فلا وتر، أو المراد أن المذكور وقته الذي يختار فيه فإذا طلع الفجر أجزأه الإيتار بعد طلوعه لأحاديث أخر (حم د ت 5 قط ك عن

(1) أخرجه البخاري (6423) ومسلم (33).

(2)

القاموس المحيط (ص 630).

(3)

النهاية (5/ 146).

ص: 317

خارجة بن حذافة) رمز المصنف لصحته (1).

1752 -

"إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث (هـ) عن أنس (صح) ".

(إن الله تعالى قد أعطى) في آية المواريث (كل ذي حق) مستحق من مال الميت (حقَّه) الذي قدره الله بحكمته (فلا وصية لوارث) أي لا حق له في الإيصاء يجب على الموصي أن يفعله لأنه قد كان شرع في أول الإِسلام وجوب الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ

} [البقرة:180] الآية وتسمى هذه آية الوصية ثم نسخ بهذا الحديث المتلقي بالقبول عند الأمة بل قال الحافظ في فتح الباري (2): أن الشافعي قال في الأم: إنه حديث متواتر قال: وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي وغيرهم لا يختلفون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: "لا وصية لوارث" ويروونه عمن حفظوا عنهم من أهل العلم فكان نقل كافة عن كافة انتهى.

فقد نسخ وجوبها وأما هل يحرم أو يندب بعد النسخ فإذا قام الدليل على أي الأمرين اتبع، وقيل: لم ينسخ والوارث يجمع له بين الوصية والإرث بحكم الاثنين، وقيل: لأن الحديث [1/ 498] لا يخالف آية المواريث وقد حقق أبو السعود الرومي في تفسيره (3) المقال في ذلك حيث قال بعد سرد هذه الأقوال: التحقيق أن الناسخ حقيقة آية المواريث وإنما الحديث مبين لجهة نسخها ببيان أنه تعالى كان قد كتب عليكم أن تؤدوا إلى الوالدين والأقربين حقوقهم بحسب

(1) أخرجه أحمد (6/ 7) وأبو داود (1418) والترمذي (452) وابن ماجه (1186) والدارقطني (2/ 30) والحاكم (1/ 306) وقال الحافظ في التلخيص الحبير (2/ 16): قال ابن حبان: إسناد منقطع ومتن باطل. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1622) والإرواء (423).

(2)

فتح الباري (5/ 372).

(3)

انظر: تفسير أبي السعود (1/ 197).

ص: 318

استحقاقهم من غير تعيين لمراتب استحقاقهم ولا تعيين لمقادير أنصبائهم بل فوض ذلك إلى رأيكم حيث قال بالمعروف، أي بالعدل والآن قد رفع ذلك الحكم عنكم وتولي التبيين لطبقات استحقاق كل واحد منهم وتعيين مقادير حقوقهم بالذات وإعطاء كل ذي حق منهم حقه الذي يستحقه بحكم القرابة من غير نقص ولا زيادة ولم يدع شيئًا فيه مدخل لرأيكم أصلاً حيثما تعرب عند الجملة المنفية بلا النافية للجنس وتصديرها بكلمة التنبيه إذا حققت هذا ظهر لك إنما نقل من أن آية المواريث لا تعارضه بل تحققه وتؤكده من حيث أنها تدل على تقديم الوصية مطلقًا، والحديث من الآحاد وتلقي الأمة له لا يلحقه بالتواتر ولعله احترز عنه من فسر الوصية بما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين بقوله:{يُوصِيكُمُ اللهُ} أو بإيصاء المختص بهم بتوفير ما أوصى الله به عليهم بمعزل عن التحقيق وكذا ما قيل من أن الوصية كانت واجبة للوارث من غير تعيين لأنصبائهم فلما نزلت آية المواريث بيانًا للأنصباء بلفظ الإيصاء بهم منها تبيين النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد منه هذه الوصية التي كانت واجبة بهذه الآية ولم يفوضها إليكم فكان هذا معنى النسخ لا أن فيها دلالة على رفع ذلك الحكم فإن مدلول آية الوصية حيث كان بتفويض الأمر إلى أراء المكلفين على الإطلاق ويتسنى الخروج عن عهدة التكليف بإذا ما أدى إليه أداؤهم بالمعروف فتكون آية المواريث الناطقة بمراتب الاستحقاق وتفاصيل مقادير الحقوق الناطقة بامتناع الزيادة والنقص بقوله: فريضة من الله رافعة لها ناسخة لحكمها مما لا يشتبه على أحد. انتهى (5 عن أنس)(1) رمز المصنف لصحته، وقد سمعت كلام الشافعي أنها متواترة.

1753 -

"إن الله تعالى قد أوقع أجره على قدر نيته مالك (حم د ن هـ حب

(1) أخرجه ابن ماجه (2714) وانظر قول الحافظ ابن حجر عن الشافعي في الفتح (5/ 372). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1788) والإرواء (1413، 1655).

ص: 319

ك) عن جابر بن عتيك (صح) ".

(أن الله قد أوقع أجره) أي أجر عبد الله بن ثابت الذي تجهز مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للغزو ومات قبل خروجه (على قدر نينه) فإن الأعمال بالنيات (مالك حم د ن 5 حب ك عن جابر بن عتيك) بفتح المهملة فمثناة فوقية فمثناة تحتية فكاف ورمز المصنف لصحته (1).

1754 -

"إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة (ابن أبي عاصم عن أنس ".

(إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة) تقدم قريبًا (ابن أبي عاصم عن أنس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لكن له شواهد (2).

1755 -

"إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء: فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته (حم م 4) عن شداد بن أوس (صح) ".

(إن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء) أي فرضه وأمر به والإحسان ضد الإساءة (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) ذكر من الأشياء ما يظن [1/ 499] أنه لا إحسان فيه وهو القتل والقتلة بالكسر مصدر نوعي كما في قوله (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) بالكسر أيضًا ثم أبان ذلك بقوله (وليحد شفرته) بفتح

(1) أخرجه مالك في الموطأ (1/ 233) رقم (554) وأحمد (5/ 446) وأبو داود (3111) والنسائي (4/ 13) وابن حبان (3189) والحاكم (1/ 352). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1791) وفي أحكام الجنائز (39).

(2)

أخرجه ابن أبي عاصم (83) وأورده الذهبي في الميزان (6/ 434) والحافظ في اللسان (6/ 42) في ترجمة مصعب بن إبراهيم العيسى وقال العقيلي: في حديثه نظر وقال ابن عدي: منكر الحديث. قال الألباني في صحيح الجامع (1786): حسنٌ، وقال في الصحيحة (1331): حسن بمجموع طرفه.

ص: 320

المعجمة وسكون الفاء (وليرح ذبيحته) هو من أراح الله فلانًا أدخله في الراحة والمراد سرعة إزهاق الروح ولا يعذبها والذبيحة فعيلة بمعنى مفعول وسميت مذبوحة لمسارعتها إلى الذبح واستحسان قتلة الإنسان أن لا يمثل به ولا يعذبه بل يريحه (حم م 4 عن شداد بن أوس)(1).

1756 -

"إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة. فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه (حم ق 5) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) نصيبه منه والمراد بكتابة ذلك علمه تعالى أنه لا بد أن يفعله ولذلك قال (أدرك ذلك لا محالة) لأن ما علم الله وقوعه فإنه واقع باختيار فاعله والمحالة بالفتح بمعنى لا بد (فزنا العين النظر) إلى ما حرمه الله فهو كالزنا في حقها فإنه يستلذ به كاستلذاذ النفس بالزنا (وزنا اللسان النطق) أي الخوض فيما لا يحل مما يهواه ويحبه من ذكر الزنا ومحاسن النساء (والنفس تمني وتشتهي) ما يحرم عليها فهذا زناها بوساوسها وما تخيله في خاطرها (والفرج) الذي هو محل الزنا (يصدق ذلك) أي المذكور من النظر واللفظة والخطرة بإيقاع الزنا (أو يكذبه) وفيه إرشاد إلى أن ابتداء الزنا هو النظرة ثم اللفظة ثم الخطرة ثم الوقوع في المحظور فمن حفظ نظره سلم من ذلك كله ولذا يقال: كل المصائب مبدأها من النظر (حم ق 5 عن أبي هريرة)(2).

(1) أخرجه أحمد (4/ 124) ومسلم (1955)، وأبو داود (2815) والترمذي (1409) والنسائي (7/ 227) وابن ماجه (317).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 276) والبخاري (6243) ومسلم (2657)، وأبو داود (2152) والنسائي (11544).

ص: 321

1757 -

"إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك: فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله تعالى عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة؛ وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى سيئة واحدة، ولا يهلك على الله إلا هالك (ق) عن ابن عباس (صح) ".

(إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات) قدر جزائهما في الكتاب كما بين ذلك بقوله (ثم بين ذلك فمن هم بحسنة) الهم مبدأ الإرادة (فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة) كاملة الأجر كأنه أبرزها وأوقعها فلا نقص معها عن الكمال إنما لا مضاعفة فيها كالتي يوقعها حقيقة ومن هنا قيل: "إن نية المؤمن خير من عمله"؛ لأنه ينوي من الخير أضعاف ما يصدره ويوقعه فأجر نياته أكثر من أجر أعماله (فإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة) تقدم تفسير الضعف أنه المثل والعشر الحسنات لا بد منها في المضاعفة لكل عامل كما وعد به تعالى في قوله: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وأما الزيادة عليها إلى السبعمائة إلى أكثر أو أقل فهو فضل الله يؤتيه من يشاء (وإن هم بسيئة فلم يعملها) كبيرة كانت أو صغيرة (كتبها الله عنده حسنة كاملة) وظاهره أن ترك عملها سبب في كتبها حسنة كاملة سواء كان ترك العمل بلا إضراب ولا إقلاع عنها ولا خوف من الله أو لمانع عرض مع الإصرار على فعلها والعزم لأنه يصدق عليه أنه تركها، ولكن حديث الثلاثة أهل الغار، وحديث الكفل من بني إسرائيل، يدلان على أن المراد من تركها مخافة لله والعازم على إتيانها والتارك لا لمخافة الله يحتمل أنه لا يكون تركه حسنة (فإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) لقد عامل الله عباده بعدله فلا يجزئ بالسيئة إلا مثلها كما في الآيات القرآنية وعاملهم [1/ 500] بفضله

ص: 322

في الحسنات فأضعفها أضعافًا كثيرة وهذا الإضعاف محض الفضل.

قال النووي (1): في دعائم الإِسلام بعد سرد هذا الحديث: انظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظم لطف الله وتأمل هذه الألفاظ، وقوله عنده إشارة إلى الاعتناء بها، وقوله كاملة للتأكيد وشدة الاعتناء بها، وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها:"كتبها الله حسنة كاملة" فأكدها بكاملة، وقال:"وإن عملها كتبها الله سيئة واحدة" فأكدها تقليلاً لها بواحدة ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة سبحانه لا نحصي ثناء عليه وبالله التوفيق. انتهى (2).

(ولا يهلك على الله إلا هالك) لا يفوت على رحمته وفضله إلا مستحق للهلاك راد لفضل الله شاذ عن طاعته ق عن ابن عباس (3).

1758 -

"إن الله تعالى كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، هو عند العرش، وإنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة، ولا يقرآن في دار ثلاث ليالي فيقربها شيطان (ت ن ك) عن النعمان بن بشير (صح) ".

(إن الله كتب كتابًا) مكتوبًا (قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام) قال المصنف في قوت المغتذي: قال الطيبي (4): فإن قيل كيف الجمع بين هذا وبين حديث عبد الله بن عمرو وهو: قدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة (5)؟ فالوجه أن يقال: اختلاف الزمانين في إثبات الأمر لا يقتضي التناقض بينهما لأن من الجائز أن لا يكون مظهر الكوائن في

(1) انظر تحت الحديث السابع والثلاثين من الأربعين النووية (ص: 55).

(2)

فتح الباري (11/ 326).

(3)

أخرجه البخاري (6491) ومسلم (131).

(4)

انظر شرح الطيبي على مشكاة المصابيح (4/ 253).

(5)

أخرجه الترمذي (2156)، وأحمد (1/ 169).

ص: 323

اللوح دفعة واحدة بل ثبته الله شيئًا فشيئًا فيكون أمر المقادير على ما ذكر وفائدة التوقيت تعريفه صلى الله عليه وسلم إيانا فضل الآيتين فإن سبق الشيء بالذكر على سائر أنواعه وأجناسه يدل على فضيلة مختصة به. انتهي.

وحاصله: أن المقادير في حديث ابن عمرو ليست للاستغراق بل أريد به أنه أثبت شيء من الأشياء في ذلك الوقت، وقول الطيبي: فإن سبق الشيء أي الآيتين على سائر جنسه أي القرآن وهذا ينافيه على أن القرآن جميعًا لم يدخل في لفظ المقادير في حديث ابن عمرو لأنه لو شمله كان أقدم من هاتين الآيتين ولا دليل على ذلك فالأحسن أنه يقال: لا تعارض بين الحديثين لأن حديث ابن عمرو في تقدير المقادير وحديث النعمان هذا في كتب كتاب أنزل منه هاتان الآيتان والتقدير غير الكتب كما قدمنا تحقيقه فإن الكتب هو رقم ما قدر فأي مانع عن تقديم المقادير بخمسين ألف سنة على خلق السماوات والأرض وكتب هذا الكتاب قبلها بألفي عام (وهو عند العرش) تعظيمًا لشأنه برفعة مكانه (وأنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاثة أيام فيقربها شيطان) تقدم أنهما من قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولَ

} إلى آخر السورة (ت ن ك عن النعمان بن بشير) رمز المصنف لصحته (1).

1759 -

"إن الله تعالى كتب في أم الكتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض: إنني أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته (طب) عن جرير (صح) ".

(إن الله تعالى كتب في أم الكتاب) هو اللوح المحفوظ (قبل أن يخلق

(1) أخرجه الترمذي (2882) والنسائي (10803) والحاكم (1/ 562). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1799).

ص: 324

السماوات والأرض).

فإن قلت: فأين استقر اللوح قبل السماوات؟

قلت: {وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85] ومن أين أنه الآن في السماوات ليس معنا إلا الإيمان بما ورد عن الله وعن رسوله [1/ 501](إنني أنا الرحمن الرحيم خلقت الرحم) هي ما سلف تحقيقه أول الجزء (وشققت لها اسمًا من اسمي) تعظيمًا لأمرها (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) تقدم بيانه قريبًا (طب عن جرير) رمز المصنف لصحته (1).

1760 -

"إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا (طب) عن ابن عباس (ض) ".

(إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا) أي بين الصفا والمروة وفيه دليل على وجوبه وهو قول الأكثر وذهب ابن عباس وغيره إلى أنه تطوع بدليل رفع الجناح في الآية، ودليله على التخيير بين الفعل والترك مثل:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا} [البقرة: 230] ورد بأن رفع الجناح كان بسبب تحرج المسلمين عن الطواف بينهما لأنه كان للجاهلية عليهما صنمان يتمسحون بهما فلما جاء الإِسلام بكسر الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما لما اعتاده الجاهلية فرفع الله الجناح عنهم ثم أوجبه بهذا الأمر وبفعله صلى الله عليه وسلم مع قوله: "خذوا عني مناسككم"(2)(طب عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه وقال الشارح: إنه ضعيف لضعف الفضل بن صدقة (3).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 355)(2496). قال الهيثمي (8/ 150) فيه الحكم بن عبد الله أبو مطيع وهو متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1628) وفي الضعيفة (520).

(2)

أخرجه مسلم (1297).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 184) رقم (11437) وكذلك في الأوسط (5032)، وقال =

ص: 325

1761 -

"إن الله تعالى كتب الغيرة على النساء، والجهاد على الرجال، فمن صبر منهن إيمانا واحتسابا كان لها مثل أجر الشهيد (طب) عن ابن مسعود (صح) ".

(إن الله تعالى كتب الغيرة على النساء) من غار الرجل على امرأته وهي عليه غَيرة بالفتح للغين المعجمة كما في القاموس (1)، وتقدم أنها الأنفة والحمية (والجهاد على الرجال) والجامع بينه وبين الغيرة حتى يعطف عليها لأنه متفرع عنها فإنه لولا الأنفة والحمية عن عبادة غير الله لما قامت نفوس أهل الإِسلام للجهاد فكل من المجاهد والمرأة قد اشتمل على هذه الصفة فالمجاهد يذلها لله ببذل نفسه والمرأة بالصبر كما قال (فمن صبر منهن إيمانًا واحتسابًا كان لها مثل أجر الشهيد) فمجاهدة نفسها بدفع غيرتها على زوجها فإن المراد منهن ذوات الأزواج والضرائر ولا يكاد يتخلف منهن عنها امرأة وفي الصحيحين (2) من حديث أنس: أن أم سلمة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا في صحفة أو جفنة وهو في بيت عائشة فضربت عائشة يد الخادم فانقلبت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلف الصحفة ثم جعل يجمع لها الطعام الذي في الصحفة ويقول: "غارت أمكم" مرتين ثم أخذ صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة وبعث بها إلى أم سلمة وأعطى عائشة صحفة أم سلمة (طب عن ابن مسعود)(3) رمز المصنف لصحته وقال الشارح: إسناده لا

= الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 248): فيه الفضل بن صدقة وهو متروك. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1798) والإرواء (1072).

(1)

القاموس المحيط (ص 582).

(2)

أخرجه البخاري (4927).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 87) رقم (10040) وقال الهيثمي في المجمع (4/ 209): فيه عبيد بن الصباح ضعفه أبو حاتم ووثقه البزار وبقية رجاله ثقات وقال الحافظ في الفتح (9/ 325) أخرجه البزار وأشار إلى صحته. ورجاله ثقات لكن اختلف في عبيد بن الصباح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1626) والسلسلة الضعيفة (813).

ص: 326

بأس به.

1762 -

"إن الله تعالى كره لكم ثلاثاً: اللغو عند القرآن، ورفع الصوت في الدعاء، والتخصر في الصلاة (عب) عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً ".

(إن الله تعالى كره لكم) كراهته تعالى للشيء عدم رضاه به وعدم محبته وهل يدل على التحريم لما أخبر عنه أن يكرهه يحتمل (ثلاثاً اللغو) في النهاية (1): لغا الإنسان يلغو ولغي يلغى ولغا يلغي إذا تكلم بالمطرح من القول وما لا معنى له (عند القرآن) عند تلاوته سواء كان اللغو من قارئه أو من سامعيه وقد كان ذلك من صفة المشركين الذين قالوا: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26](ورفع الصوت في الدعاء) وقد فسر ابن جريج [1/ 502] الاعتداء الذي نهى الله عنه في قوله: {وَلَا تَعْتَدُواْ} [البقرة: 190] برفع الصوت في الدعاء ومنه الصياح بالدعاء مكروه وقد ثبت النهي عنه في الصحيحين وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنكم لا تدعون أصم"(2)(والتخصر) بالخاء المعجمة فصاد مهملة فراء وفي رواية الاختصار (في الصلاة) وفي النهاية (3): هو من المخصرة وهو أن يأخذ بيده عصا يتكئ عليها وقيل معناه أن يقرأ من آخر السورة آية أو آيتين ولا يقرأ السورة بتمامها في فريضة هكذا رواه ابن سيرين عن أبي هريرة ورواه غيره مختصرًا أي يصلي واضعًا يده على خاصرته. انتهى. قال المصنف في المرقاة: وهذا القول الذي عليه المحققون والأكثرون من أهل الفقه، واختلف في المعنى الذي نهى عن الاختصار لأجله فقيل التشبه بإبليس لأنه أهبط مختصراً، وقيل:

(1) النهاية (4/ 257).

(2)

أخرجه البخاري (2830)، ومسلم (2704).

(3)

النهاية (2/ 98).

ص: 327

التشبه باليهود لأنهم يفعلونه في صلاتهم ولهذا ورد في صحيح البخاري (1) بلفظ: "فإنه فعل اليهود"، وقيل: إنه راحة أهل النار، وقيل: إنه شكل من شكل أهل المصائب وأنهم يضعون أيديهم في الخواصر إذا قاموا في المآتم (عب عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً) ورواه الديلمي عن جابر مرفوعًا (2).

1763 -

"إن الله تعالى كره لكم ستاً: العبث في الصلاة، والمن في الصدقة، والرفث في الصيام، والضحك عند القبور، ودخول المساجد وأنتم جنب، وإدخال العيون البيوت بغير إذن (ص) عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً ".

(إن الله تعالى كره لكم ستًا) من الخصال (العبث في الصلاة) هو اللعب والمراد هنا الإتيان في الصلاة بما ينافي الخشوع والسكون من تحريك الأطراف واللعب بالشعر كحديث: "أما هذا فلو خشع قلبه لخشعت جوارحه فيمن رآه يعبث بلحيته"(3)(والمن بالصدقة) هو الاعتداد بالصدقة أو ذكرها لمن أعطى على جهة إظهار الصنيعة (والرفث في الصيام) في النهاية (4) قال الأزهري: الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة وفي القاموس (5): الرفث محركة الجماع والفحش وكلام النساء في الجماع أو ما يواجهن به من الفحش (والضحك عند القبور) لأنه يدل على الغفلة وقسوة القلب (ودخول المساجد وأنتم جنب) أما هذا فقد وردت الأدلة بتحريمه إلا لعابري سبيل فذكره هنا في المكروهات دال على إن أريد بما يكرهه الله أعم من الحرام والمكروه (وإدخال

(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3308)، وانظر فتح الباري (3/ 88 - 89).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3343) وكذلك ابن المبارك في الزهد (1560)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (163) وفي السلسلة الضعيفة (3078).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6787) وأبو نعيم في الحلية (10/ 230).

(4)

النهاية (2/ 241).

(5)

القاموس المحيط (ص 218).

ص: 328

العيون في البيوت بغير إذن) التطلع إلى نظر أهل البيوت من غير إذن أهلها وقد قال تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] والاستئذان إنما جعل من أجل النظر وهذا محرم ولذا أبيح فقء عين من فعل ذلك (ص عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً) وفيه انقطاع مع إرساله (1).

1764 -

"إن الله تعالى كره لكم البيان كل البيان (طب) عن أبي أمامة".

(إن الله تعالى كره لكم البيان) هو إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم وبكاء القلب وأصله الكشف والظهور وأراد هنا كراهية التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس لأنه نوع من الكبر والعجب (كل البيان) عطف بيان أي لا البعض منه فلا يكرهه لأنه لا بد منه ولأن أحاديث النهي عن التعمق في المنطق وأن العي من صفات أهل الإيمان (طب عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عفير [1/ 503] بن معدان (2).

1765 -

"إن الله تعالى كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها (طب حل ك هب) عن سهل بن سعد".

(إن الله تعالى كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق) عطف أعم على أخص (ويكره سفسافها) تقدم تفسيره قريبًا (طب حل ك هب عن سهل بن سعد) سكت عليه المصنف وإسناده صحيح (3).

(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه كما في الكنز (44025). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1613) والسلسلة الضعيفة (3079).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 166) رقم (7695) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 116) في إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف. وقال المناوي (2/ 251) قال الزين العراقي: رواه ابن السني في رياض المتعلمين عن أبي أمامة بسند ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1629).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 181) رقم (5928) وأبو نعيم في الحلية (8/ 133) والحاكم (1/ 48) والبيهقي في الشعب (8011)، وقال المناوي (2/ 251)، وقال الحافظ العراقي: إسناده=

ص: 329

1766 -

"إن الله تعالى لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً؛ ومن يوق بطانة السوء فقد وقي (خد عب) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله لم يبعث نبياً) البعث الإرسال كما في القاموس (1)، فقوله (ولا خليفة) أي ولا استخلف خليفة من باب علفتها تبنا وماءً باردًا لأنه لا يسمى الخليفة رسولًا ولا مبعوثًا (إلا وله بطانتان) في النهاية (2): بطانة الرجل صاحب سره وداخلة أمره الذي يشاوره في أحواله (بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر) فيه أن الذي يحتاج إلى من يرشده في بعض أحواله إلى المعروف وينهاه عن المنكر (وبطانة لا تألوه خبالًا) هو من ألوت إذا قصرت والخبال في الأصل الفساد ويكون في الأفعال والأبدان والعقول والمراد لا تقصر في إفساد أحواله ومنه: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} [آل عمران: 118](ومن يوق بطانة السوء فقد وقي) الشر كفي كل سوء وحذف المفعول لإفادة التعميم (خد عب عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وهو في البخاري بزيادة ونقص (3).

1767 -

"إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم (طب) عن أم سلمة (صح) ".

(إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حَرَّم عليكم) قال المصنف في المرقاة نقلاً

= صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (8011) والسلسلة الصحيحة (1378، 1626).

(1)

القاموس المحيط (ص 378).

(2)

النهاية (1/ 36).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (25) والترمذي (2369) وقال: حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1805) والسلسلة الصحيحة (1641).

ص: 330

عن البيهقي (1): إن ذلك في غير حال الضرورة وأما معها فيجوز التداوي بالمحرم كما أذن صلى الله عليه وسلم للعرنيين شرب أبوال الإبل.

قلت: هذا منه بناء على تحريم أبوال الإبل والدليل يرده ثم في تصريحه صلى الله عليه وسلم بنفي الدواء عن المحرم وأنه تعالى لم يجعل فيه شفاء دليل على أن الأدواء في حال الضرورة وغيرها لأنه قد نفى عنه الشفاء كما قال الشيخ تقي الدين السبكي: لا نقول كما يقول الأطباء إن في الخمر منافع بشهادة القرآن وأن ذلك كان قبل تحريمها فلما نزل التحريم والله هو الخالق لكل شيء سلبها المنافع جملة فليس فيها شيء من المنافع قال: وبهذا سقطت مسألة التداوي بالخمر فعلى هذا أنزل قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها" وقد حسمنا ذلك في منحة المختار حاشية ضوء النهار (طب عن أم (2) سلمة) رمز المصنف لصحته ورجاله رجال الصحيح إلا أن إسناده منقطع.

1768 -

"إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم. ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته (د ك هق) عن ابن عباس (صح) ".

(إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بقية أموالكم) لذا سماها الله تعالى بطهرة للمال وهذا حكمه بالنسبة إلى من يجب عليه وبالنسبة إلى المال الحكمة في ذلك تزكيته ونماؤه الدال عليه تسميتها زكاة من الزكاة وهو النمو والحكمة بالنسبة إلى من يصير إليه مساواة الفقير ونفعه (وإنما فرض المواريث) لتكون

(1) انظر: السنن الكبرى (10/ 5)، والآداب (ص: 378).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 326) رقم (749) وأبو يعلى (6966) والبيهقي في السنن (10/ 5)، قال الهيثمي (5/ 86) رجال أبي يعلى رجال الصحيح خلا حسان بن مخارق وقد وثقه ابن حبان. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1637) والسلسلة الضعيفة (1633).

ص: 331

الأموال (لمن بعدكم) فحكمة فرض المواريث أنه نفع من يخلفه الإنسان من قراباته (ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء) مما هو أنفع من المال (المرأة الصالحة)[1/ 504]، وفسرها بوصفها (إذا نظر إليها سرته) لحسنها وطلاقة أخلاقها (وإذا أمرها أطاعته) فيما يريد (وإذا غاب عنها حفظته) في نفسها وماله وهي التي قال فيها تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34](د ك هق عن ابن عباس)(1) رمز المصنف لصحته قال الحاكم: على شرطهما واعترض.

1769 -

"إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء (د) عن زياد بن الحرث الصدائي".

(إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات) أي الزكوات جمعها لتعدد أنواعها أي لم يفوض ذلك إليه صلى الله عليه وسلم (حتى حكم فيها) هو تعالى في كتابه (فجزأها ثمانية أجزاء) كما في آية براءة وسببه عن راويه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته وإني رجل فقال: أعطني من الصدقة قال له صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض

" الحديث وتمامه: فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك، وفيه دليل قبول قول المصرف وتحريم إعطاء من ليس من الثمانية (د (2) عن زياد بن الحارث الصدائي) وفيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف.

1770 -

"إن الله تعالى لم يبعثني معنتا ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً

(1) أخرجه أبو داود (1664) والحاكم (1/ 804) والبيهقي (4/ 83). قال المناوي (2/ 253) قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي في التلخيص ورده في التهذيب. فقال: عثمان القطان أي أحد رجاله لا أعرفه والخبر عجيب وقال في المهذب: فيه عثمان أبو القطان ضعفوه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1643) والسلسلة الضعيفة (1319).

(2)

أخرجه أبو داود (1630) وفيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي ضعيف وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1642) والسلسلة الضعيفة (1320) وفي الإرواء (859).

ص: 332

(م) عن عائشة (صح) ".

(إن الله تعالى لم يبعثني معنتًا) هو من عنته تعنيتًا شدد عليه وألزمه ما يصعب عليه أداؤه (ولا متعنتًا) يقال جاءه متعنتًا أي طالبًا زلته كما في القاموس (1)، فالمعنى أن الله تعالى لم يبعثني مشددًا على الغير ملزمًا له ما يصعب عليه أداؤه ولا طالب لزلته، والحديث ورد في سياق طلب شأن التخيير (ولكن بعثني معلمًا ميسرًا) بالمهملة بعد المثناة التحتية من اليسر ولذا كان يقول يسروا ولا تعسروا (م عن عائشة)(2).

1771 -

"إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة واللبن والطين (م د) عن عائشة (صح) ".

(إن الله تعالى لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسوا الحجارة والطين) أصله عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكًا، وفي لفظ: نمطًا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فلما قدم رأى النمط عرفت الكراهة في وجهه حتى هتكه أو قطعه (3) وذكر الحديث. قالت: قطعت منه وسادتين وحشوتهما ليفاً فلم يعب صلى الله عليه وسلم ذلك، وفيه دليل على كراهة ستر الجدار أو تحريمها إلا أن قوله لم يأمرنا يدل على الكراهة وهتكه له لأنه يكره ما يكرهه الله ولا يقال الهتك من حيث أن فيه تصاوير الخيل وذوات الأجنحة أي التحاليف لا لأجل ستر الجدار لأنا نقول قوله لم يأمرنا أن نكسوا الحجارة والطين صريح أن الكراهة لذلك لا لما فيه من التصاوير فتلك كراهة معلومة

(1) القاموس المحيط (ص 200).

(2)

أخرجه مسلم (1478).

(3)

أخرجه مسلم (2107)، وأحمد (6/ 208، 281).

ص: 333

من غير هذا (م د عن عائشة) ورواه البخاري أيضًا (1).

1772 -

"إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك (حم م) عن ابن مسعود (صح) ".

(إن الله تعالى لم يجعل لمسيخ) بالسين المهملة والخاء المعجمة أي ممسوخ وفي النهاية (2): مسيخ بمعنى فعيل بمعنى مفعول من المسخ وهو قلب الخلقة من شيء إلى شيء (نسلاً) بسكون السين المهملة (ولا عقبًا) العقب بفتح المهملة وكسر القاف وسكونها وهو الولد وولد الولد فالعطف تفسيري أو أنه أريد بالأول الولد وبالثاني ولد الولد إبانة لانتفاء التوالد وإلا فإنه يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني وهو عام في كل ممسوخ من الحيوانات إلا أن القرآن حكى أنه تعالى مسخ أمة [1/ 505] من بني إسرائيل الذين مسخوا قردة وخنازير ولذا قال (وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك) أي قبل أن يمسخ بني إسرائيل.

فإن قلت: يعارضه حديث أبي هريرة عند الشيخين وأحمد بلفظ: "فقدت أمة من بني إسرائيل لا تدري ما فعلت وإني لأراها الفأر

" (3) الحديث سيأتي في حرف الفاء، وحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال في الضباب: "أن أمة من بني إسرائيل مسخت في الأرض دواب وإني أخشى أن يكون هذا يعني الضباب منها" (4).

قلت: يمكن الجمع أن هذا شك منه صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين فقد جزم في هذا بأنه لا نسل للمسيخ فيكون ذلك الشك متقدمًا ثم أعلمه الله بأنه لا يجعل لمسيخ نسلاً أو يقال أنه أخبره: أنه لا نسل للقردة والخنازير من المسخ كما

(1) أخرجه البخاري (5611)، مسلم (2106) وأبو داود (4153) وأخرجه البخاري (3225).

(2)

النهاية (4/ 329).

(3)

أخرجه البخاري (3129)، ومسلم (1951)، وأحمد (3/ 5).

(4)

أخرجه البزار (2813).

ص: 334

يرشد إليه ذكرها آخر الحديث والأول أولاً مسخًا نكره في سياق النفي فهو عام وذكر بعض أفراده لا يقصره عليه (حم م عن ابن مسعود)(1).

1773 -

"إن الله تعالى لم يجعلني لحاناً، اختار لي خير الكلام: كتابه القرآن الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى لم يجعلني لحانًا) بالحاء المهملة قال أبو عبيد: هو الخطأ في الكلام، والمراد لم يبعثني مخطئًا في الكلام للغة العرب والإتيان بصيغة المبالغة لا لإفادة نفي الزيادة مع ثبوت أصلها بل لإفادة نفي أصل اللحن وإنما أتى به على تلك الصيغة إشارة إلى أنه لو اتفق منه صلى الله عليه وسلم القليل من اللحن لكان كثيراً لأنه ينقله كل ناقل ويقتدي به كل عاقل كما هو أحد الوجوه في الإتيان بصيغة المبالغة في قوله:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] وأغرب الشارح فقال: وأفعل التفضيل ليس هنا على بابه يوهم أن صيغة المبالغة اسم تفضيل وهو من أعجب الوهم (اختار لي خير الكلام) بينه بالإبدال منه (كتابه القرآن) وهو استدلال على أنه ليس بلحان لأن من نزل بلسانه القرآن لا يكون لحانًا (الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة) بإسناد حسن لغيره (2).

1774 -

"إنَّ الله تعالى لم يخلق خلقاً هو أبغض إليه من الدنيا، وما نظر إليها منذ خلقها بغضاً لها (ك) في التاريخ عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى لم يخلق خلقًا هو أبغض إليه من الدنيا) إنما جعلها فتنة للعباد ليبلوهم أيهم أحسن عملاً (ما نظر إليها منذ خلقها) ما أكرمها ولا أقام لها وزنًا من قوله: {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 77] وإنما بغضها لأنها تكون

(1) أخرجه أحمد (1/ 433) ومسلم (2163).

(2)

أخرجه الشيرازي في الألقاب كما في الكنز (31990) وانظر المداوى للغماري (2/ 306) رقم 856). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1638).

ص: 335

في الغالب مبعدة عن الله تعالى وعما يرضاه (بغضًا لها. ك في التاريخ)(1) لا في المستدرك وكان الأولى أن يأتي باسمه (عن أبي هريرة) وهو ضعيف لضعف داود بن المحبر.

1775 -

"إن الله تعالى لم يصنع داء إلا وضع له شفاء. فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر (حم) عن طارق بن شهاب (صح) ".

(إن الله تعالى لم يضع داء) خلقه (إلا وضع له شفاء فعليكم) الزموا (بألبان البقر فإنها ترم) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء وضمها من رمت ترم وترم كما في القاموس (2) وفي النهاية (3): أي تأكل وهو علة لمحذوف لأنه قيل: فعليكم بألبان البقر فإنها شفاء لأنها تأكل (من كل الشجر) وقد أودع الله في الأشجار أدوية لعدة من العلل وهي تأكل الأشجار ثم يستحيل لبنًا فهو عصارة الأشجار التي فيها النفع فتوافق عللاً يبرئها (حم عن طارق بن شهاب)(4)[1/ 506] رمز المصنف لصحته.

1776 -

"إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل شجر (ك) عن ابن مسعود (صح) ".

(إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم) هو أقصى الكبر كما في

(1) أخرجه الحاكم في التاريخ كما في الكنز (6102) وأخرجه البيهقي في الشعب (10500) مرسلاً. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1641) والسلسلة الضعيفة (3080): موضوع. وانظر: المداوي للغماري (2/ 307) رقم (808).

(2)

القاموس المحيط (صـ 1435).

(3)

النهاية (2/ 268).

(4)

أخرجه أحمد في المسند (4/ 315). وانظر العلل للدارقطني (6/ 28) رقم (958). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1808) والسلسلة الصحيحة (1650).

ص: 336

القاموس (1) وجعله من الأدواء لأنه علة تولدت عن علو السنن وهو تخصيص لإطلاق الحديث الأول كما أن الثاني يخصصهما معًا (فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر ك عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته (2).

1777 -

"إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، إلا السام وهو الموت (ك) عن أبي سعيد (صح) ".

(إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه) من أراد الله أن يعلمه وأهله له وكذا في قوله (وجهله من جهله) فلا يقال إن الإسناد لاغٍ (إلا السام وهو الموت) ولعل المراد إلا مرض الموت لأن الموت نفسه لا يسمى مرضًا وهو استثناء منقطع (ك عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (3).

1778 -

"إن الله تعالى لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها منكم مطلع؛ ألا وإني ممسك بحجزكم أن تهافتوا في النار كما يتهافت الفراش والذباب (حم طب) عن ابن مسعود (صح) ".

(إن الله تعالى لم يحرم حرمة) بزنة ظلمة وهي ما لا يحل انتهاكه (إلا وقد علم أنه سيطلعها منكم مطلع) أي يطلب الطلوع إليها والانتهاك لها وإنما سمى انتهاكها طلوعًا وفاعله مطلعًا لأنه تعالى قد خص ما حرمه بالوعيد عليه والنهي عنه فالهاتك للحرمة قد ارتقى مرتقًا صعبًا وقد جبلت النفوس على حب ما منعت منه كما قيل: أحب شيء إلى الإنسان ما منعاً (وإني ممسك بحجزكم) جمع حجزة وهي في الأصل موضع عقد الإزار ثم قيل للإزار حجزة للمجاورة

(1) القاموس المحيط (ص 1509).

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 196)، وأخرجه كذلك البيهقي (9/ 345). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1810) والسلسلة الصحيحة (518).

(3)

أخرجه الحاكم (4/ 401) وعزاه السيوطي في المنهج السوي (ص 97) لابن السني وأبي نعيم في الطب. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1809) والسلسلة الصحيحة (452).

ص: 337

واحتجز الرجل بالإزار إذا شده على وسطه فاستعاره هنا للمبالغة في النصح والوعيد وإبلاغ كل ما أمر به وضرب الأمثال وتصوير كل كائنة حتى كأنه متعلق أخذ بحجزهم (أن تهافتوا) مخافة أو لئلا تهافتوا والهفت هو السقوط (في النار كما يتهافت الذباب والفراش) وفي تشبيههم بهما إشارة إلى أنهم كالحيوان الذي لا يعقل فيلقي نفسه في المهالك (حم (1) طب عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وفيه المسعودي قد اختلط.

1779 -

"إن الله تعالى لم يكتب على الليل صياما، فمن صام تعنى ولا أجر له ابن قانع والشيرازي في الألقاب عن أبي سعد الخير".

(إن الله تعالى لم يكتب) يفرض (على الليل صيامًا) أي عليكم في الليل فإيقاع الكتب على الليل مجاز عقلي للملابسة الزمانية (فمن صام الليل تعنى) بالمثناة الفوقية والعين المهملة أي أوقع نفسه في العناء (ولا أجر له) فإنه لا أجر فيما لا يشرع (ابن قانع والشيرازي في الألقاب عن أبي سعد الخير) بالإضافة وهو الأنماري (2) اسمه عامر بن سعد وفي إسناده من لا يعرف (3).

1780 -

"إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها، فلم ينظر إليها من هوانها عليه ابن عساكر عن علي بن الحسين مرسلاً ".

(1) أخرجه أحمد (1/ 390) والطبراني في الكبير (10/ 215) رقم (10511)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 210): رواه أحمد وأبو يعلى وفيه المسعودي وقد اختلط. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1639) والسلسلة الضعيفة (3082).

(2)

انظر: الإصابة (3/ 580).

(3)

أخرجه ابن قانع (173) والشيرازي في الألقاب كما في الكنز (2392)، وأخرجه الترمذي في العلل الكبير بترتيب القاضي (1/ 338) رقم (113) وقال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: أرى هذا الحديث مرسلاً وما أرى عبادة بن نسي سمع من أبي سعد الخير. وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 225). وضعفه الألبان في ضعيف الجامع (164) والسلسلة الضعيفة (383).

ص: 338

(إن الله تعالى لما خلق الدنيا أعرض عنها فلم ينظر إليها) نظر عظمة (من هوانها عليه) هو علة نظره إليها (ابن عساكر عن علي بن الحسين) زين العابدين (مرسلاً)(1).

1781 -

"إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها ثم أعرض عنها، ثم قال: وعزتي وجلالي لا أنزلتك إلا في شرار خلقي ابن عساكر عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى لما خلق الدنيا نظر إليها) فحديث لم ينظر إليها مقيد بهذه (ثم أعرض عنها ثم قال وعزتي وجلالي لا أنزلتك إلا في شرار خلقي) فأريد بالدنيا هنا المال ونحوه من الحظوظ العاجلة (ابن عساكر عن أبي هريرة)(2).

1782 -

"إن الله تعالى لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي (ت هـ) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى لما خلق الخلق) المخلوق (كتب بيده) بقدرته (على نفسه) كتب ولزم {عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} الآية. (إن رحمتي تغلب غضبي) ولذا كانت من صفاته الرحمن الرحيم الغفور أرحم الراحمين وغير ذلك ولم يأت من صفاته صفة مأخوذة من الغضب ولذا قالت الملائكة: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رحْمَةً وَعِلْمًا} و (ت 5 عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (3).

1783 -

"إن الله تعالى ليؤيد الإِسلام برجال ما هم من أهله (طب) عن ابن عمرو".

(1) أخرجه ابن عساكر (20/ 200). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1635) والسلسلة الضعيفة (3081).

(2)

أخرجه ابن عساكر (55/ 117) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1635) والسلسلة الضعيفة (3081).

(3)

أخرجه الترمذي (3543) وقال: حسن صحيح غريب. وابن ماجه (4295). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1803).

ص: 339

(إن الله تعالى ليؤيد الإِسلام) أي دين الإِسلام (برجال ما هم من أهله) أي ما لهم حظ فيه ولا يعدون [1/ 507] من أهله وسبب هذا الحديث والذي بعده قصة قزمان وهو رجل حضر معه صلى الله عليه وسلم أحدًا وكان له مع الكفار أشد جهاد وقتل منهم جماعة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار فعجب أصحابه صلى الله عليه وسلم من ذلك مع ما يرونه من جهاده وجلادته، فلما كان آخر اليوم أثخنته الجراحة فاتكأ على سيفه حتى خرج من عرضه فقتل نفسه فعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين

(طب عن ابن عمرو)(1) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عبد الرحمن بن زياد.

1784 -

"إن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (طب) عن عمرو بن النعمان بن مقرن ".

(إن الله تعالى ليؤيد) يقوي (الدين) بجهاد أو غيره ولذا قال بعضهم: يدخل فيه العالم الفاسق والإمام الجائر (بالرجل الفاجر. طب عن عمرو بن النعمان بن مقرن) وأصله في الصحيحين (2).

1785 -

"إن الله تعالى ليبتلي المؤمن، وما يبتليه إلا لكرامته عليه (الحاكم في الكنى عن أبي فاطمة الضمري".

(إن الله تعالى ليبتلي المؤمن) بالفقر والإسقام والمخاوف ونحوها (وما يبتليه إلا لكرامته عليه) لأن البلاء خير محض للعبد إما في الدنيا فلأنها تنكسر شريته النفسانية وتخلع عنه ثوب الكبرياء ويلتذ بمقدار النعمة التي يعقب البلاء

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (13/ 28 رقم 56) وقال الهيثمي في المجمع (5/ 303) فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1647) والسلسلة الضعيفة (1649).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/ 39) رقم (81) عن عمرو بن النعمان بن مقرن، و (9/ 225) رقم (9094) عن عبد الله بن مسعود وأصله في الصحيحين أخرجه البخاري (3062) ومسلم (111) عن أبي هريرة.

ص: 340

فلولا المرض ما عرف مقدار العافية ولولا الفقر ما عرف مقدار الغنى ولولا الخوف ما عرف مقدار الأمن وكل نعيم في الكون ما عرفت نعمته إلا بضده كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء، وأما في الآخرة فلما أعد الله لأهل البلاء من المثوبة التي يتمنى معها أهل العافية لو قرضوا بالمقاريض في الدنيا (الحاكم) هو أبو أحمد وليس من أهل الرموز (في الكنى عن أبي فاطمة الضمري)(1).

1786 -

"إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير، وإن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي المريض أهله الطعام (هب) وابن عساكر عن حذيفة".

(إن الله تعالى ليتعاهد عبده المؤمن) لا الفاجر فإنه يمد له مدًا (بالبلاء كما يتعاهد الوالد ولده بالخير) لأن البلاء خير للعبد (وإن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا) من نعيمها وحظها العاجل (كما يحمي المريض أهله الطعام) وذلك أنهم يحمونه منه خشية من زيادة العلة أو تأخر برئها عن ظن منهم لذلك والرب تعالى يعلم أنه لا يأتي من الدنيا إليه إلا ضره الضر الذي لا نسبة لضر طعام المريض إليه فإنها تضر قلبه وقالبه ودنياه وآخرته فإذا أحبه حماه كما أن من أحب مريضه حماه عما يضره كما شرحه الحديث الثاني (هب وابن عساكر عن حذيفة) وفيه اليمان بن المغيرة ضعفوه (2).

1787 -

"إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، وهو يحبه، كما تحمون

(1) أخرجه الحاكم في الكنى كما في الكنز (6808) وابن سعد (7/ 507) والطبراني في الكبير (22/ 323) رقم (813) قال الهيثمي في المجمع (2/ 293): فيه محمَّد بن أبي حميد وهو ضعيف إلا أن ابن عدي قال: وهو مع ضعفه يكتب حديثه. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1648) والسلسلة الضعيفة (1302).

(2)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (10121) وابن عساكر (12/ 288). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1649) والسلسلة الضعيفة (1302).

ص: 341

مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه (حم) عن محمود بن لبيد (ك) عن أبي سعيد (صح) ".

(إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه) فما حماه إياها إلا محبة له (كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه) تقدم بسط معناه (حم عن محمود بن لبيد ك عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (1).

1788 -

"إن الله تعالى ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء (طب) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه).

إن قلت: هذه الأحاديث الماضية قاضية أن (البلاء) أسرع شيء إلى العبد المؤمن فكيف يدفع به عن غيره؟.

قلت: هذا البلاء هنا هو بلاءً العقوبة وحلول الغضب [1/ 508] والأول بلاءً الامتحان والاختبار ولذلك قال خليل الله لما أخبرته الملائكة أنهم يهلكوا قوم لوط: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} وأجيب بنجاته.

فإن قلت: فلم لم يدفع عن قوم لوط بجواره؟.

قلت: هذا الحديث في مسلم بين عصاة من أهل الإِسلام استحقوا العقوبة وأما المشركون مثل قوم لوط فإنه لا يحل للمسلم الإقامة بينهم فضلاً عن أن يدفع به عنهم على أنه قد أخرج من بينهم قبل حلول البلاء فلم ينزل بهم وهم جيرانه طب عن ابن (2) عمر سكت عليه المصنف وضعفه المنذري وغيره.

(1) أخرجه أحمد (5/ 427) والحاكم (4/ 208). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1814).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (8/ 164)، وكذلك الطبراني في الأوسط (4/ 239) رقم (4080) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 164): فيه يحيى بن سعيد العطار وهو ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1651) والسلسلة الضعيفة (815): ضعيف جداً.

ص: 342

1789 -

"إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها (حم م ت ن) عن أنس (صح) ".

(إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها) فالرضا منه تعالى يتسبب عن حمده المتسبب عن الأكلة والشربة سبحانه ما أكرمه أعطى المأكول وأقدر على أكله وجعل سائغًا وساقه إلى عبده وأوجده من العدم ثم أقدره على حمده وألهمه قوله وعلمه النطق به ثم كان سببًا لرضائه اللهم لك الحمد حمدًا يدوم بدوامك على جميع نعمائك (حم م ت ن عن أنس)(1).

1790 -

"إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة، حتى يسأله ما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن الله العبد حجته قال: يا رب رجوتك وفرقت من الناس (حم هـ حب) عن أبي سعيد (صح) ".

(إن الله تعالى ليسأل العبد يوم القيامة) أي عن كل شيء (حتى يسأله ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره) فإنه فرض عليك إنكاره فلم تركت ما فرض (فإذا لقن الله) من التلقين التفهيم أي فهم (العبد حجته) برهانه في جوابه على ربه (قال يا رب رجوتك) أن تغفر لي ولا تؤاخذني بترك النكير (وفرقت) خفت لفظًا ومعنى (من الناس).

إن قلت: يعارضه حديث أبي سعيد الماضي قريبًا: "ألا، لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه".

قلت: لعل الأول في مهابة لا تقضي إلى شيء تنزل به وهذا في خوف حصل منه ظن إنزال المكروه به ولذا عبر هنالك بتهاب وهنا بفرق وفيه دليل على أنه لا

(1) أخرجه أحمد (3/ 100) ومسلم (2734) والترمذي (1816) والنسائي في السنن الكبرى (6899).

ص: 343

يسقط الإنكار مخافة شر من ينكر عليه إذ لو سقط لما سئل عنه وعوقب على تركه (حم 5 حب عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (1).

1791 -

"إن الله تعالى ليضحك إلى ثلاثة: الصف في الصلاة، والرجل يصلي في جوف الليل، والرجل يقاتل خلف الكتيبة (هـ) عن أبي سعيد"(صح).

(إن الله تعالى ليضحك إلى ثلاثة) المراد يدر رحمته ويجزل مثوبته قلت: وتعديته بإلى لتضمينه معنى يرغب، والضحك كناية عن لازمه فإن من لازم الضاحك استحسان ما يضحك منه فالمعنى ليستحسن راغبًا إلى إكرام هؤلاء (الصف في الصلاة) بدل من ثلاثة (وللرجل يصلي في جوف الليل) وسطه (وللرجل يقاتل خلف الكتيبة) هي القطعة العظيمة من الجيش أي يقاتل من خلفهم ذبًا عنهم وهو أعظم ممن يقاتل مع الكتيبة لانفراده عنها والجامع بين الثلاثة أنها مقامات كلها لرضا الله تعالى ومقامات جهاد للنفس والشيطان (5 عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (2).

1792 -

"إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن (هـ) عن أبي موسى".

(إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان) وهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم (فيغفر لجميع خلقه إلا الشرك) فإن الله لا يغفر أن يشرك به (أو مشاحن) هو من شحن عليه كفرح أي حقد وفسره آخرون بأهل البدع المفارقون للجماعة وليس بمعناه اللغوي إلا أن يكونوا مشاحنين حاقدين (5

(1) أخرجه أحمد (3/ 29) وابن ماجه (14017) وابن حبان (7368) وقال في الزوائد (4/ 185): إسناده صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1818) والسلسلة الصحيحة (929).

(2)

أخرجه ابن ماجه (200) قال البوصيري في الزوائد (1/ 27): إسناده فيه مقال. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1656) والسلسلة الضعيفة (3103).

ص: 344

عن أبي موسى) (1) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف ابن لهيعة وللجهل بحال الضحاك [1/ 509].

1793 -

"إن الله تعالى ليعجب من الشاب ليست له صبوة (حم طب) عن عقبة بن عامر (صح) ".

(إن الله تعالى ليعجب) يعظم عنده ويكبر لديه.

واعلم: أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفي عليه سببه وقيل معنى عجيب ربك أي رضي وأثاب فسماه عجبًا مجازًا وليس بعجب في الحقيقة (من الشاب ليس له صبوة) في النهاية (2) أي ميل إلى الهوى وهي المرة منه انتهى.

وإنما عجيب تعالى منه لأن الشباب مظنة الصبوة ومحلها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "الشباب شعبة من الجنون"(3) إن ثبت حديثًا وإلا فهو كلام صحيح (حم طب (4) عن عقبة بن عامر) رمز المصنف لصحته.

1794 -

"إن الله تعالى ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته (ق ت 5) عن أبي موسى (صح) ".

(إن الله تعالى ليملي للظالم) من الإملاء الإمهال (حتى إذا أخله) بظلمه (لم يفلته

(1) أخرجه ابن ماجه (1390) وقال البوصيري في الزوائد (2/ 10): إسناده ضعيف. وحسنه الألباني في الجامع (1819) والصحيحة (1844)، (1651).

(2)

النهاية (3/ 11).

(3)

أخرجه القضاعي في الشهاب (116)، وهناد في الزهد (497)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2464).

(4)

أخرجه أحمد (4/ 151) والطبراني في المعجم الكبير (17/ 209) رقم (853). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1658) والسلسلة الضعيفة (2426).

ص: 345

لم يتركه ولم يمهله إن أخذه أليم شديد (ق ت 5 عن أبي موسى الأشعري)(1).

1795 -

"إن الله لينفع العبد بالذنب يذنبه (حل) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى لينفع العبد بالذنب يذنبه) وذلك لأنه قد يكون سببًا لندامته وإقلاعه وإقباله على الله واستغفاره من كل ذنب وإذهاب عجبه بنفسه، وفي نهج البلاغة: سيئة تسوؤك خير من حسنة تعجبك لأن الإعجاب قد يبطلها والإساءة من السيئة قد تمحوها ويأتي حديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون

" الحديث (حل عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وفيه ضعف وجهالة (2).

1796 -

"إن الله تعالى محسن فأحسنوا (عد) عن سمرة".

(إن الله تعالى محسن) إليكم بإنعامه (فأحسنوا إليه) بصالح الأعمال أو محسن إلى عباده فأحسنوا إليهم وهو أخص من الأول لأن الإحسان إلى عباده إحسان إليه تعالى (عد عن سمرة) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف (3).

1797 -

"إن الله تعالى مع القاضي، ما لم يحف محمداً (طب) عن ابن مسعود (حم) عن معقل بن يسار".

(إن الله تعالى مع القاضي) الحاكم بين المسلمين سواء سمي قاضيًا أو لا، أي يؤيده ويسدده ويثبته (ما لم يحف) يجر وغيرها عق الحق (عمدًا) لطفًا بالعباد

(1) أخرجه البخاري (4686) ومسلم (2583)، والترمذي (3110) وابن ماجه (4018).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 199) وقال العقيلي (4/ 258) ت (1858): مضر بن نوح السلمي: حديثه غير محفوظ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 787) رقم (1135): هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضر لا يعرف ونقل كلام العقيلي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1661) والسلسلة الضعيفة (3105).

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 426). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1823) والسلسلة الصحيحة (469).

ص: 346

حيث لم يؤاخذهم بالخطأ (طب عن ابن مسعود (1) حم عن معقل بن يسار) كذا في نسخ الجامع بتقديم رمز الطبراني على رمز أحمد وهو خلاف ما عده المصنف فإنه قدم رمز أحمد حتى على رمز الشيخين لتقدمه زمنًا.

1798 -

"إن الله تعالى مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تبرأ الله منه وألزمه الشيطان (ك هق) عن ابن أبي أوفى (صح) ".

(إن الله تعالى مع القاضي ما لم يحف) من الحيف الجور ولذا قال (فإذا جار) أي عمدًا كما دل له الأول (تبرأ الله منه) فلم يكن معه بالتأييد والنصر والتسديد (وألزمه الشيطان) جعله ملازمًا له يضله ويغويه (ك هق عن ابن أبي أوفى) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح وأقروه رواه الترمذي أيضًا (2).

1799 -

"إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه، ما لم يكن دينه فيما يكره الله (تخ هـ ك) عن عبد الله بن جعفر (صح) ".

(إن الله تعالى مع الدائن) رجل داين ومدين ومديون ومدان ويشدد داله عليه دين كما في القاموس (3) أي يعينه على أداء دينه (حتى يقضي دينه ما لم يكن دينه فيما يكره الله) فإنه لا يكون معه ولا يعينه على قضاء دينه (تخ 5 ك عن عبد الله ابن جعفر) رمز المصنف لصحته (4).

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 15) رقم (9792) عن ابن مسعود وأحمد في المسند (5/ 21) عن معقل بن يسار. وقال الهيثمي (4/ 194): فيه حفص بن سليمان القارئ وثقه أحمد وضعفه الأئمة ونسبوه إلى الكذب والوضع. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1828).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 93) والبيهقي في السنن (10/ 134) عن ابن أبي أوفى وأخرجه الترمذي (1330) وقال: حسنٌ غريب، وابن ماجه (2312). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1827).

(3)

القاموس المحيط (صـ 1475).

(4)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 475) وابن ماجه (2409) والحاكم (2/ 23). وحسنه =

ص: 347

1800 -

"إن الله تعالى هو الخالق القابض الباسط الرزاق المسعر. وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال (حم د ت هـ حب هق) عن أنس (صح) ".

(إن الله تعالى هو الخالق) لكل موجود (القابض) في النهاية (1): هو الذي يمسك الرزق وغيره عن العباد بلطفه ورحمته ويقبض الأرواح عند الممات (الباسط) فيها الذي يبسط الرزق لعباده ويوسعه عليهم بجوده ورحمته ويبسط الأرواح والأجساد (الرزاق المسعر) الذي يرخص [1/ 510] الأسعار ويغليها ولا اعتراض لأحد عليه ولذلك لا يجوز التسعير (وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطالبني أحد بمظلمة) بكسر اللام هي ما يظلمه الرجل والحديث قاله صلى الله عليه وسلم لما غلت الأسعار وطلب منه أن يسعرها وفيه دليل أنه لا يجوز التسعير، وقد حققنا ذلك في حواشينا على ضوء النهار (ظلمتها إياه في دم ولا مال) فذكر الدم استطرادًا لعظمته (حم د ت 5 حب (2) هق عن أنس) رمز المصنف لصحته.

1801 -

"إن الله تعالى وتر يحب الوتر ابن نصر عن أبي هريرة وعن ابن عمر".

(إن الله تعالى وتر) تقدم الكلام عليه (يحب الوتر) يحب كل ما كان وترًا من الطاعات ونحوها كما سلف (ابن نصر (3) عن أبي هريرة وابن عمر) ورواه عنه

= الحافظ ابن حجر في الفتح (5/ 54). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1825) والسلسلة الصحيحة (1000).

(1)

النهاية (4/ 6).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 156) وأبو داود (3451) والترمذي (1314) وابن ماجه (2200) وابن حبان (4935) والبيهقي (6/ 29). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1846).

(3)

أخرجه ابن نصر كما في الكنز (19532) وأحمد (2/ 109) والبزار كما في كشف الأستار (1/ 356) رقم (843) وقال الهيثمي (2/ 240): رجاله موثقون، ورواية أبي هريرة أخرجها =

ص: 348

أيضًا أحمد ورجاله ثقات.

1802 -

"إن الله تعالى وتر يحب الوتر، فأوتروا يا أهل القرآن (ت) عن علي (هـ) عن ابن مسعود".

(إن الله تعالى وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن)(1) أي يا مؤمنون فإنهم أهل القرآن؛ لأنه كتابهم وفيه أحكامهم ويحتمل يا حفاظه ونقلته فيختص الوتر بهم وإليه ذهب البعض من أهل العلم (ت عن علي) وقال: حسن (5 عن ابن مسعود) وفيه إبراهيم الجوهري ضعيف (2).

1803 -

"إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه (هـ) عن ابن عباس".

(إن الله تعالى وضع عن أمتي) هو من وضعه يضعه حطه أي حط عنها إثم الثلاثة: "الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه) لا هي نفسها فإنهم يصدرونها وقد تقدم، قال المصنف قاعدة الفقه أن الخطأ والجهل فسقط الإثم مطلقًا، أما الحكم فإن وقعا في ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه ولا يحصل الثواب المرتب عليه لعدم الاختيار أو فعل منهي ليس من باب الإتلاف فلا شيء فيه أو فيه إتلاف لم يسقط الضمان فإن أوجب عقوبة كان سببه في إسقاطها وخرج عن ذلك صور نادرة (5 عن ابن (3) عباس) سكت عليه المصنف وضعف سنده

= عبد الرزاق (9801) وأحمد (2/ 277) والدارمي (1580) وابن خزيمة (1071). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1831).

(1)

ويؤيد الحلال في ضوء النهار فقال إنه يختص شرعية الوتر بأهل القرآن وحفاظه.

(2)

أخرجه ابن ماجه (1170) عن ابن مسعود والترمذي (453) وقال: حديث حسنٌ عن علي. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1831).

(3)

أخرجه ابن ماجه (2045) وقال البوصيري (2/ 126): إسناده صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع. وأخرجه الحاكم (2/ 198) وقال: هذا حديث صحيح على شرط =

ص: 349

الزيلعي (1) ونوزع في ذلك وقال المصنف في الأشباه: أنه حسن وقال في موضع آخر: له شواهد قوته.

1804 -

"إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة (حم 4) عن أنس بن مالك القشيري وما له غيره".

(إن الله تعالى وضع) أسقط وحط (عن المسافر) الصوم إيجاب الإتيان به في سفره إذا سافر في رمضان (وشطر الصلاة) تقدم عن القاموس (2) أن الشطر نصف الشيء وجزئه والمراد جزؤه فإنه الموضوع لأن الفرائض سبع عشرة ركعة وضع منها عن المسافر ست ركعات.

فإن قلت: حديث عائشة: "إن الصلاة فرضت ركعتان ركعتان، ثم أقرت في السفر وزيدت في الحضر"(3) يقضي أنه لا وضع.

قلت: غايته أن وضع مجاز عن حتف بأن أبقى فرضه من غير زيادة (حم 4 عن أنس) بن مالك القشيري، قال الترمذي:(وما له غيره). قال العراقي: هو كما قال (4).

1805 -

"إن الله تعالى وكل بالرحم ملكا يقول: أي رب نطفة، أي رب علقة، أي رب مضغة، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها، قال. أي رب شقي أو

= الشيخين، والبيهقي في الكبرى (6/ 84)، وانظر: علل ابن أبي حاتم (4/ 115) وقال بعد ذكر طرق هذا الحديث: هذه أحاديث منكرة، كأنها موضوعة وذكر ابن الملقن ثمانية طرق لهذا الحديث انظرها في البدر المنير (4/ 177 - 183). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1836) والإرواء (82).

(1)

انظر: نصب الراية (2/ 38).

(2)

القاموس المحيط (ص 533).

(3)

أخرجه البخاري (343).

(4)

أخرجه أحمد (5/ 29) والترمذي (715) وأبو داود (2408) والنسائي (4/ 180) وابن ماجه (1667). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1835).

ص: 350

سعيد؟ ذكر أو أنثى؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب كذلك في بطن أمه (حم ق) عن أنس (صح) ".

(إن الله تعالى وكّل) جعله وكيلاً قائمًا بأمرها (بالرحم) ككتِف: بيت منبت الولد كما في القاموس (1)(ملكًا يقول: أي) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية حرف نداء (ربّ نطفة) أي الماء المدلول عليه بالسياق فإن المراد وكل بها إذا أراد أن يخلق منها خلقًا والنطفة بالضم ماء الرجل استفهام من الملك للرب أي أهو نطفة فأكتبها؛ فإنه لا يعلم ما في الأرحام إلا الله وإنما الملك موكل بالحفظ والكتابة ومثله ما بعده من قوله (أي ربّ علقة) بتحريك اللام الدم الغليظ (أي ربّ مضغة) بالضم بضعة من لحم وقد بين حديث ابن مسعود عند الشيخين أن مدة كل واحد [1/ 511] من هذه الأطوار أربعين يومًا (فإذا أراد الله أن يقضي خلقها) أي المضغة لأنها آخر الأطوار، والمراد بالقضاء إمضاء خلقها وذلك بنفخ الروح فيها كما بينه حديث ابن مسعود أيضًا وذلك بعد مائة وعشرين يومًا (قال أي رب شقي أو سعيد) أي أهو شقي فأكتبه أو سعيد فكذلك (ذكر أو أنثى) وهو استفهام عما يكتبه كما بينه حديث ابن مسعود حيث قال بعد ذلك: ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد وبينه آخر الحديث هنا (فما الرزق) أي قليل أو كثير (فما الأجل) طويل أم قصير (فيكتب) أي ما ذكر (كذلك) أي كما أمر الله به (في بطن أمه) حال من نائب فاعل يكتب أي يكتب حال كون الولد في بطن أمه وتمام حديث ابن مسعود: "فوالذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل النار فيدخلها"، وقال مثل ذلك في العامل

(1) القاموس المحيط (ص 1436).

ص: 351

بعمل أهل النار

الحديث. ولعله يأتي (حم ق عن أنس)(1).

1806 -

"إن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر، ولم يعطها من كان قبلهم (فر) عن أنس".

(إن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر) المذكورة في القرآن (ولم يعطها من كان قبلهم) فهي خاصة بهذه الأمة إكرامًا منه تعالى وتقدم قريبًا وجه الاختصاص (فر (2) عن أنس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف إسماعيل بن أبي زياد الشامي (3).

1807 -

"إن الله تعالى وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة (حم حب ك) عن عائشة (صح) ".

(إن الله تعالى وملائكته يصلون) هو نظير: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز إن أريد يرحموكم ويستغفرون أن لكم أو يجعل من عموم المجاز كما قال الطيبي في توجيه كلام الزمخشري أن المراد من يصلون معنى الرأفة والرحمة وإطلاق هذا المعنى على الصلاتين مجاز (على الذين يصلون) من الوصل أي يلتصقون بها ليصلوها ولا يخفى الجناس بين اللفظين (الصفوق) صفوف الصلاة في الجماعة (ومن سد فرجة) في الصف وهي الانفراج بين المصلين في الصف وسدها بأن ينضم إليها

(1) أخرجه أحمد (3/ 116)، والبخاري (8/ 3) ومسلم (2646) عن أنس.

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (621). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1669) والسلسلة الضعيفة (3106): موضوع.

(3)

قال الحافظ في اللسان (1/ 406): قال الدارقطني هو: إسماعيل بن مسلم متروك الحديث، وقال الخليلي: شيخ ضعيف بالمشهور. وقال ابن عدي (1/ 314): عامة ما يرويه لا يتابعه أحد عليه إما إسناداً وإما متناً.

ص: 352

(رفعه الله بها درجة) وقد تقدم النهي عن الفرج (حم حب ك عن عائشة)(1) رمز المصنف لصحته.

1808 -

"إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول (حم د هـ ك) عن البراء (هـ) عن عبد الرحمن بن عوف (طب) عن النعمان بن بشير، البزار عن جابر (ح) ".

(إن الله وملائكته يصلون على الصف) أي على أهل الصف (الأول) في الجماعة وتقدمت فضائله (حم د هـ ك عن البراء) بن عازب، (5 عند عبد الرحمن بن عوف، طب عن النعمان بن بشير والبزار عن جابر)(2).

1809 -

"إن الله تعالى وملائكته يصلون على ميامن الصفوف (د هـ حب) عن عائشة (صح) ".

(إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف) أهل جهة يمين الإِمام من أي صف فأفادت هذه الأحاديث أنه ينبغي لداخل المسجد من الناس في صلاة جماعة مثلاً أن يقصد اليمين من الصف الأول أو يسد فرجة في أي صف أو يصل صفاً منقطعًا أو يقصد اليمين من أي صف ومن أقيمت الصلاة وهو في المسجد فيقصد أيمن الصف الأول (د 5 حب عن عائشة)[1/ 512] رمز المصنف لصحته (3).

(1) أخرجه أحمد (6/ 89) وابن ماجه (995) وابن حبان (216) والحاكم (1/ 214). وقال المنذري (1/ 189) رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1843).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 285) وأبو داود (664) وابن ماجه (999) والحاكم في المستدرك (1/ 575) وابن ماجه (997) عن عبد الرحمن بن عوف والطبراني في الكبير (8/ 174) رقم (7727) والبزار في مجمع الزوائد (2/ 92). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1938). وللحديث طرق أخرى كثيرة.

(3)

أخرجه أبو داود (676) وابن ماجه (1005) وابن حبان (2160). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1668).

ص: 353

1810 -

"إن الله وملاتكته يصلون على المتسحرين (حب طس حل) عن ابن عمر (صح) ".

(إن الله تعالى وملائكته يصلون على المتسحرين) آكلين أكلة السحر في الصوم ولو جرعة من ماء (حب طس حل عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته وفيه مجهول (1).

1811 -

"إن الله تعالى وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة (طب) عن أبي الدرداء".

(إن الله وملائكته يصلون على أهل العمائم) جمع عمامة بالكسر وهي المغفر والبيضة وما يلف على الرأس كما في القاموس (2)، وقوله (يوم الجمعة) يخصها بما يلف على الرأس لأنها تحمل لذلك اليوم وهو يوم عيد لأهل الإِسلام (طب عن أبي الدرداء)(3) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف أيوب بن مدرك بل كذبوه.

1812 -

"إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار (ت) عن ابن عمر".

(إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة) أي لا يخذلها حتى تجتمع على ذلك

(1) أخرجه ابن حبان (3467) والطبراني في الأوسط (6434)، وقال الهيثمي (3/ 150) رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به يحيى بن يزيد الخولاني، قلت: ولم أجد من ترجمه وأورد ابن أبي حاتم هذا الحديث في العلل (10243) وقال: قال أبي: هذا حديث منكر. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1844) والسلسلة الصحيحة (1654).

(2)

القاموس المحيط (ص 1473).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد (2/ 176) وفي إسناده أيوب بن مدرك كذاب. وأخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 115) ت (134) وابن الجوزي في الموضوعات (977). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1665) والسلسلة الضعيفة (159): موضوع.

ص: 354

والمراد بالضلالة الكفر فالاستدلال به وبنظائره من الوارد في عصمتها عن الضلالة لا يتم دليلاً على حقيَّة إجماعها كما في كتب الأصول الاستدلال بذلك (ويد الله على الجماعة) كناية عن حفظه لهم والدفاع عنهم (من شذ) عن الجماعة (شذ في النار) هو من شذ يشذ بكسر المعجمة وضمها أي نذر والمتفرد عن الجماعة أي جماعة المسلمين في النار والمراد من فارق الإِسلام (ت عن ابن (1) عمر) سكت عليه المصنف ورجال إسناده ثقات إلا أن فيه اضطرابًا.

1813 -

"إن الله تعالى لا يحب الفاحش المتفحش، ولا الصياح في الأسواق (خد) عن جابر (صح) ".

(إن الله لا يحب) ونفي المحبة لا تدل على إثبات البغاضة فإذا قام دليل آخر عليها عمل به كما سيأتي في هذا أن الله يبغض (الفاحش) في النهاية (2): ذو الفحش (والمتفحش) الذي يتكلف الفحش في كلامه وفعاله (ولا) يحب (الصياح) هو من الصياح وهو الصوت بأقصى الطاقة (في الأسواق) هو في صفاته صلى الله عليه وسلم في الكتب الإلهية القديمة غير صياح في الأسواق (خد (3) عن جابر) رمز المصنف لصحته.

1814 -

"إن الله تعالى لا يحب الذواقين ولا الذواقات (طب) عن عبادة بن الصامت".

(1) أخرجه الترمذي (2167) وأبو نعيم في الحلية (3/ 37)، والحاكم (1/ 115)، وقال الحاكم: استقر الخلاف في إسناد هذا الحديث على المعتمر بن سليمان وقد روي عنه هذا الحديث بأسانيد يصح بمثلها الحدث أهـ. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1848).

(2)

النهاية (3/ 514).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (310) وأبو يعلى كما في إتحاف الخيرة (3649) وقال المناوي (2/ 271): قال الزين العراقي: وسنده ضعيف. انظر تخريج الإحياء (3/ 78) المطبوع مع الإحياء. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1674) والإرواء (2133).

ص: 355

(إن الله تعالى لا يحب الذواقين) جمع ذواق (ولا الذوقات) في النهاية (1) أي السريعي النكاح السريعي الطلاق انتهى.

وقال الزمخشري (2): هو استطراف النكاح وقتًا بعد وقت (طب (3) عن عبادة بن الصامت) سكت عليه المصنف وفيه راوٍ لم يسم وبقية رجاله ثقات.

1815 -

"إن الله تعالى لا يرضى لعبده المؤمن، إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب، بثواب دون الجنة (ن) عن ابن عمرو".

(إن الله تعالى لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه) صفى الرجل الذي يصافيه ويخلص له الود فعيل بمعنى مفعول أو فاعل كما في النهاية (4)(من الأرض فصبر واحتسب) أجره عند الله (بثواب) على مصابه به (دون الجنة ن عن ابن عمر)(5).

1816 -

"إن الله تعالى لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن (ن) عن خزيمة بن ثابت (صح) ".

(إن الله لا يستحي من الحق) لا يترك ذكر ما ينهاكم عنه وإن كان مستهجنًا ترك من يستحي (لا تأتوا النساء في أدبارهن) فإنه محرم وتقدم الكلام فيه (ن عن خزيمة (6) بن ثابت) رمز المصنف لصحته.

(1) النهاية (2/ 172).

(2)

الفائق (2/ 19).

(3)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد (4/ 335). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1673).

(4)

النهاية (3/ 40).

(5)

أخرجه النسائي (4/ 23). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1185)، وأحكام الجنائز (23).

(6)

أخرجه النسائي في الكبرى (8982) وابن ماجه (1924). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1852) وآداب الزفاف (271) والإرواء (2005).

ص: 356

1817 -

"إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة: يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة بعطى بها خيراً (حم م) عن أنس (صح) ".

(إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة) لا ينقصه إياها بل (يعطي عليها في الدنيا) خيرًا لو لم تكن إلا إنها تكون لطفًا له في فعل حسنة أخرى (ويثاب عليها في الآخرة) فله فيها خير الدنيا والآخرة (وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا) يوفر عليه خير الدنيا (حتى إذا أفضى) وصل (إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرًا) إن قلت: قوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] فسر العمل بما كانوا يفعلونه من صدقة وصلة رحم فدلت الآية أنها تبطل أعمالهم في الآخرة والحديث دل على أنه لا عمل لهم يوافون به في الآخرة.

قلت: الحديث [1/ 513] أفاد أنهم يعطون عليها الجزاء في الدنيا فيصدق أنهم يوافون الآخرة ولا عمل لهم وأنها تصير هباء لأنهم يؤجرون عليها في الدنيا وبهذا سقط السؤال بأنه ما وجه إبطال أعمالهم الصالحة مع أنه جور لا يجوز عليه فإنه يقال ما هنا إبطال لأعمالهم بل قد جوزوا عليها في الدنيا فأفاد الحديث أن فعل الخير من أي عامل لا بد من جزاء فالكافر يختص جزاء فعله بالدنيا والمؤمن يكافئ في الدارين (حم م عن أنس)(1).

1818 -

"إن الله تعالى لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد الذي يتمرد على الله، وأبى أن يقول لا إله إلا الله (هـ) عن ابن عمر (صح) ".

(إن الله لا يعذب من عباده إلا المارد) في النهاية (2): المارد من الرجال

(1) أخرجه أحمد (3/ 283) ومسلم (2808).

(2)

النهاية (4/ 315).

ص: 357

العاصي الشرير وأصله من مردة الجن والشياطين انتهى (المتمرد) المتكلف للتمرد وأبانه قوله (الذي يتمرد على الله وأبى) امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) والمراد بنفي العذاب عذاب الخلود أي لا يعذب مخلدًا في النار إلا من امتنع عن كلمة الشهادة لأنه قد ثبت أنه يدخل النار من عصاة المسلمين من يشاء الله إدخاله فيها (1)(5 عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته.

1819 -

"إن الله تعالى لا يغلب، ولا يخلب، ولا ينبأ بما لا يعلم (طب) عن معاوية".

(إن الله تعالى لا يغلب) مغير صيغة لا يغلبه أحد بل هو الغالب القاهر (ولا يخلب) بالخاء المعجمة والموحدة أي لا يخدع (ولا ينبأ) من نبأه أخبره أي لا يخبره أحد (بما لا يعلم) بل هو العالم كل غيب وشهادة (طب عن (2) معاوية) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف يزيد الصنعاني.

1820 -

"إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالا؛ فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا (حم ق ت هـ) عن ابن عمرو (صح) ".

(إن الله لا يقبض العلم) يقبض بكسر الموحدة من باب ضرب يضرب (انتزاعًا ينتزعه من العباد) نصب على المصدر قائم مقام المحذوف أصله لا يقبض العلم قبض انتزاع أي هذا النوع من القبض فحذف المصدر وأقيم

(1) أخرجه ابن ماجه (4297) وقال البوصيري (4/ 258): هذا إسناد فيه إسماعيل بن يحيى وهو متهم وعبد الله ضعيف. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1676) والسلسلة الضعيفة (1309): موضوع.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (19/ 369) رقم (868). وقال الهيثمي في المجمع (1/ 84): فيه يزيد بن يوسف الصنعاني وهو ضعيف متروك الحديث. وقال الألباني في ضعيف الجامع (16770): ضعيف جداً.

ص: 358

المضاف إليه مقامه وانتصب انتصابه مثل ضربته سوطًا أي ضرب سوط والانتزاع من نزعه من مكانه قلعه أي لا يأخذ العلم عن العباد هذا الأخذ بقلعه من الصدور مع قدرته على ذلك (ولكن يقبض العلم بقبض العلماء) وفاتهم (حتى إذا لم يبق) بضم حرف المضارعة أي الله (عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالاً) قال في الديباج (1): هو بضم الهمزة والتنوين جمع رأس وبالمد جمع رئيس كلاهما صحيح والأول أشهر وفيه تحذير من اتخاذ الجهال رؤوسًا انتهى (فسألوا) عن مسائل الدين (فأفتوا) من أفتاه في الأمر أبان له والفتيا والفتوى ما أفتى به الفقيه قاله في القاموس (2)(بغير علم فضلوا) أنفسهم (وأضلوا) من أفتوه لإعلامهم له بما لا يحل له فإن قلت: قد عارضه حديث (3): "أن الأمة لا تجتمع على ضلالة" فإن هذا يقضي بإجماعهم عليها.

قلت: قد تخبط الناس في وجه الجمع بين هذين الحديثين فقيل انتزاع العلماء لا يكون إلا آخر الزمان بعد نزول عيسى صلى الله عليه وسلم ووفاته. وقيل: هذا محمول على المبالغة إذ لو بقي عالم أو أكثر ولم ينتفع به الناس كان كأنه قد قُبض كل عالم إذ المراد بالقبض قبض نفع العلماء ونفوذ أقوالهم وهذه الأجوبة مبنية على أنه لم يرد بالضلالة الكفر وقدمنا لك أنه المراد فلا يرد الإشكال فإنه وإن قبض العلماء وبقيت الرئاسة للجهال فإنه لا تجتمع الأمة على الكفر وإن أريد بالضلالة ما عدا الكفر فالجواب أن المراد [1/ 514] بالأمة في حديث: "لا تجتمع الأمة على ضلالة" المجتهدون من علماء الأمة كما قاله الأصوليون وجعلوه دليلاً لحقية الإجماع فإذا قُبض المجتهدون وبقيت

(1) الديباح (6/ 43).

(2)

القاموس المحيط (ص 1702).

(3)

أخرجه الحاكم (1/ 200).

ص: 359

العامة على ضلالة لم يناف ذلك لأن المنفي إجماعهم عليها والفرض أنهم قد انقرضوا والباقون ليسوا المرادين.

فإن قلت: حديث: "إنها لا تزال طائفة على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال" يعارض حديث الكتاب.

قلت: المراد بهم المجاهدون فلا ينافي قبض العلماء المجتهدين بقاؤهم وإنما قيدنا العلماء بالمجتهدين لأنهم الذين يرادون عند الإطلاق وأما المقلِّد فليس بعالم حقيقة (حم ق ت 5 عن ابن (1) عمرو) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

1821 -

"إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره (د) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) أي لا يثيبه عليها وإن أسقطت عنه الواجب أو لا يسقط عنه الواجب واستوفينا هذا في حواشي شرح العمدة وإسبال الإزار ما جاوز الكعبين كما سلف غير مرة وقد قيده لمن فعل ذلك لقصد الخيلاء بحديث أبي بكر وهل تلحق بالإزار العباءة والقميص الظاهر أنه مثله (د عن أبي هريرة (2)) وفي إسناده مجهول لكن شواهده كثيرة.

1822 -

"إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغي به وجهه (ن) عن أبي أمامة (صح) ".

(إن الله تعالى لا يقبل) يثيب ويكتب (من العمل إلا ما كان خالصًا) غير مشوب برياء ولا سمعة (وابتغي به وجهه) قصد به فاعله ما أراده الله فلا يكون

(1) أخرجه أحمد (2/ 162) والبخاري (100) ومسلم (2673) والترمذي (4652) وابن ماجه (52).

(2)

أخرجه أبو داود (638). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1678).

ص: 360

خاليًا عن النية (ن عن أبي (1) أمامة) رمز المصنف لصحته.

1823 -

"إن الله تعالى لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه الأرض (طب) عن أم عطية".

(إن الله تعالى لا يقبل صلاة من لا يصيب أنفه) عند السجود (الأرض) وبه استدل من أوجب ذلك ومن لم يقل به حمل الحديث على نفي كمال القبول والأول أوضح إلا أنه تقدم حديث ابن عباس: "أمرت أن أسجد على سبعة"، ولم يعد منها الأنف، ولكنه أشار إليها فلعله يقال: الإشارة أغنت عن ذكره لفظًا (طب (2) عن أم عطية) سكت عليه المصنف وقد ضعف لضعف سليمان الطالقاني أحد رواته.

1824 -

"إن الله تعالى لا يقدس أمة لا يعطون الضعيف منهم حقه (طب) عن ابن مسعود".

(إن الله تعالى لا يقدس) لا يطهرها عن أدناس الذنوب ولا يعظمها ولا يرفع لها شأناً (أمة) هي الجيل من كل حي كما في القاموس (3)(لا يعطون الضعيف) الذي لا ظهر له ولا قوة ولا معين ولا ناصر (منهم حقه) ما هو له عند القوي وهو مثل حديث: "لا يقدس أمة لا تنتصر لضعيفها من قويها"(4) ويحتمل أن يراد بالضعيف الفقير وبحقه ما فرض الله على الأغنياء وهو داخل في الأول

(1) أخرجه النسائي (6/ 25) قال الحافظ في الفتح (6/ 28): إسناء جيد. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1856) والسلسلة الصحيحة (52).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (25/ 55) رقم (120) وقال الهيثمي (2/ 126): وفيه سليمان بن محمَّد الباقلاني وهو متروك. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1679) والسلسلة الضعيفة (2112): ضعيف جداً.

(3)

القاموس المحيط (ص 1391).

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4949) عن ابن مسعود.

ص: 361

دخولاً أوليًا (طب (1) عن ابن مسعود) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف أبي سعيد القفال.

1825 -

"إن الله تعالى لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام. يخفض القسط ويرفعه. يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل. حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه (م هـ) عن أبي موسى (صح) ".

(إن الله تعالى لا ينام) فإن النوم من خواص ذوي الأجسام (ولا ينبغي له أن ينام) هو من ابتغاء الشيء إذا يسر وتسهَّل (يخفض) من باب ضرب يضرب (القسط) العدل أي ينزله إلى الأرض مرة (ويرفعه) أخرى كما في النهاية (2)، وفيها القسط الميزان سمي به القسط العدل أراد أنه تعالى يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم النازلة من عنده كما يرفع الوازن يده عند الوزن ويخفضها وهو تمثيل لما ينزله الله ويقدره وقيل: أراد بالقسط القسم من الرزق الذي هو يصيب كل مخلوق وحفظه تقليله ورفعه تكثيره انتهى (يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار) يرفع إلى خزائنه كما يقال رفع المال إلى الملك ويحفظه تعالى ليوم القيامة (وعمل النهار قبل عمل الليل) ترفعه الملائكة الذين يتعاقبون [1/ 515] فيها ينزلون في الليل والنهار ويحضرون مواقف الطاعات (حجابه النور ولو كشفها) هكذا في نسخ الجامع الصحيحة بالتأنيث، وقال الشارح: بالتذكير والتأنيث باعتبار إنه أريد بالحجاب الحجب لأنه ليس المراد

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 222) رقم (10534)، والطبراني في الأوسط (5/ 162) رقم (4149)، والحاكم (3/ 256) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 93) عن أبي سفيان. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1858 هـ).

(2)

النهاية (4/ 60).

ص: 362

به الحجاب الواحد ولأن النور في معنى النار فإنه ثبت في رواية: حجابه النار، ويجوز أنه تداخل على الراوي اللفظ فأفث الضمير ظنًا منه أنه أتى بلفظ النار (لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) في النهاية (1): سبحات الله جلاله وعظمته وهي في الأصل جمع سبحة، وقيل: أضواء وجهه، وقيل: سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأيته حسن الوجه. قلت: سبحان الله، وقيل: معناه تنزيهًا له أي سبحان وجهه، وقيل: سبحات وجهه كلام يعترض بين الفعل والمفعول أي لو كشفها لأحرقت كل شيء أدركه بصره فكأنه قال: لأحرقت سبحات الله كل شيء أبصره كما يقول لو دخل البيت الملك لقتل والعياذ بالله كل من فيه وأقرب من هذا كله أن المعنى لو انكشف من أنوار الله التي يحجب العباد عنه شيء لأهلك كل من وقع عليه ذلك النور كما خر موسى صعقًا وتقطع الجبل وكالماء لما تجلى الله له (م 5 عن أبي موسى)(2).

1826 -

"إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (م هـ) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم) لا يعاملكم بالنظر إليهما وفي النهاية (3): النظر هنا الاختبار والرحمة (ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) فيجازيكم عليها فطهروا القلوب والأعمال عما لا يرضاه (م 5 عن أبي هريرة)(4).

1827 -

"إن الله تعالى لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً (م) عن أبي هريرة

(1) النهاية (3/ 113).

(2)

أخرجه مسلم (79) وابن ماجه (195، 196).

(3)

النهاية (5/ 76).

(4)

أخرجه مسلم (2564) وابن ماجه (4143).

ص: 363

(صح) ".

(إن الله تعالى لا ينظر إلى من يجر رداءه بطراً) في النهاية (1): البطر الطغيان عند النعمة وطول الغنى (م (2) عن أبي هريرة).

1828 -

"إن الله تعالى لا ينظر إلى مسبل إزاره (حم) عن ابن عباس (صح) ".

(إن الله تعالى لا ينظر إلى مسبل إزاره) أي بطرًا كما قيده الأول (حم عن ابن عباس)(3) رمز المصنف لصحته.

1829 -

"إن الله تعالى لا ينظر إلى من يخضب بالسواد يوم القيامة ابن سعد عن عامر مرسلاً ".

(إن الله تعالى لا ينظر إلى من يخضب شعره بالسواد) بخلاف الصفرة ونحوها فإنه سنة كما تقدم: اخضبوا بالحناء، وأما الخضاب بالسواد ففيه تغرير وإيهام الشباب والغش وقال:"ليس منا من غش" وقد اختلفت الروايات هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم شعره فروي النفي والإثبات وجمع المصنف بينهما بأن النافي أراد أنه لم يغلب الشيب عليه حتى يحتاج إلى الخضب، ولم يتيقن أنه رآه وهو مخضب ومن روى الإثبات بأن فعله لإرادة تبيين الجواز ولم يواظب عليه وقدمنا جزم أحمد بن حنبل أنه خضب (يوم القيامة) ظرف لينظر لأنه فعل ما نهي عنه فكان حقيقًا بالإعراض عنه (ابن (4) سعد عن عامر مرسلاً) لعله عامر

(1) النهاية (1/ 135).

(2)

أخرجه مسلم (2087).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 322) والنسائي (8/ 207). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1863) والسلسلة الصحيحة (1656). لا يوجد في الأصل إلا رمز أحمد وفي المطبوع من الجامع رمز النسائي كذلك.

(4)

أخرجه ابن سعد (1/ 441) عن عامر مرسلاً. ومثله قال المناوي (2/ 278) وضعفه الألباني في =

ص: 364

الشعبي.

1830 -

"إن الله تعالى لا يهتك ستر عبد فيه مثقال ذرة من خير (عد) عن أنس".

(إن الله تعالى لا يهتك) لا يرفع (ستر عبد) عصاه (فيه مثقال ذرة من خير) بل يستره مهما بقي فيه ذلك (عد (1) عن أنس) بإسناد ضعيف.

1831 -

"إن الله تعالى لا يؤاخذ المزاح الصادق في مزاحه ابن عساكر عن عائشة".

(إن الله تعالى لا يؤاخذ المزاح) هو من مزح يمزح كمنع يمنع إذا داعب (الصادق في مزاحه) هو مصدر مزح يقال مزح مزحًا ومزاحًا ومزاحة الأول بفتح ميمه والآخر أن يضمها.

وذلك كمزاحه صلى الله عليه وسلم مع بعض من سأل عن الرجل الذي في عينيه بياض لامرأة سألت عن زوجها وقوله: "لا يدخل الجنة عجوز"[1/ 516](ابن عساكر (2) عن عائشة) ورواه عنها أيضًا الديلمي وإسناده ضعيف.

1832 -

"إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم (ن حب) عن أنس (حم طب) عن أبي بكرة"(صح).

(إن الله تعالى يؤيد) يقوي ويشد (هذا الدين) دين الإِسلام (بأقوم لا خلاق)

= ضعيف الجامع (1680) والسلسلة الضعيفة (3115).

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 129). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1681).

(2)

أخرجه ابن عساكر (4/ 37) من طريق يوسف بن الضحاك حدثني أبي نا خالد الخذاء عن أبي قلابة عن عائشة كذا قال ابن عساكر وليس هذا الإسناد بمتصل فإن يوسف بن الضحاك متأخر يروي عن أبي سلمة التبوذكي ومحمد بن سنان العوفي وأقرانهما وأراه سقط منه اسم شيخه الذي روى عنه عن أبيه عن خالد والله أعلم. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1670) والسلسلة الضعيفة (3107).

ص: 365

لا نصيب (لهم) في الدين ولا حظ وتقدم (ن حب عن أنس حم طب عن أبي بكرة) رمز المصنف لصحته (1).

1833 -

"إن الله تعالى يباهي بالطائفين (حل هب) عن عائشة".

(إن الله تعالى يباهي) في النهاية (2) المباهاة المفاخرة وقد باهى يباهي مباهاة (بالطائفين) حول الكعبة وحذف المفاخر ولعله الملائكة كما في الحديث الثاني (حل هب عن عائشة) بإسناد فيه ضعف (3).

1834 -

"إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، يقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثاً غبراً (حم طب) عن ابن عمرو (صح) ".

(إن الله يباهي ملائكته عشية عرفة) من بعد الزوال إلى فجر وهو تاسع ذي الحجة وإنما قلنا إلى فجر النحر لقوله (بأهل عرفة يقول انظروا عبادي أتوني شعثًا غبرًا) فإنه وقت وقوف وإتيان إلى عرفة على هذه الصفة (حم طب عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته (4).

1835 -

"إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة يقول: انظروا إلى عبدي، ترك شهوته من أجلي ابن السني (فر) عن طلحة".

(إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة يقول) هو بيان لكيفية المباهاة

(1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى (8883) وابن حبان (4517) عن أنس وأخرجه أحمد (5/ 45) والطبراني في الصغير (1/ 97) رقم (132) عن أنس. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1866) والسلسلة الصحيحة (1649).

(2)

النهاية (1/ 169).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 216) والبيهقي في الشعب (4097). وفي إسناده عائذ بن بشير قال ابن معين: ضعيف وقد أورده ابن عدي في الكامل (5/ 354) في ترجمته. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1683) والسلسلة الضعيفة (3114).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 224) والطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد (3/ 252) وفي الصغير (1/ 345) رقم (575) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1868).

ص: 366

(انظروا إلى عبدي ترك شهوته من أجلي) محبة لي وتجنبًا ما نهيت عنه (ابن السني عن طلحة)(1) هو ابن عبيد الله وهو ضعيف لضعف يحيى بن سطام وغيره.

1836 -

"إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم حتى يكفر عنه كل ذنب (طب) عن جبير بن مطعم (ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالسقم) بضم فسكون (حتى يكفر عنه كل ذنب) عام للكبائر والصغائر وهو ظاهر حديث حتى يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والجماهير أنه خاص بالصغائر ولا يكفر الكبائر إلا بالتوبة وهذه عدة منه تعالى بتكفير الأمراض للذنوب.

قال بعض العلماء: لا يجوز أن يقول المريض: اللهم اجعله أي مرضه مكفرًا للذنوب لأنه طلب شيء قد أعطاه الله إياه.

ثم هل التكفير بالمرض وألمه أو بالصبر عليه فيه نزاع (طب عن (2) جبير بن مطعم ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته.

1837 -

"إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه، فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه ووسعه، وإن لم يرض لم يبارك له ولم يزد على ما كتب له (حم) وابن قانع (هب) عن رجل من بني سليم (صح) ".

(إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه) من مال وجاه وغيرهما (فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه) ووسعه فيه بسبب الرضا (وإن لم يرض لم يبارك له ولم يزد على ما كتب له) وهو في بطن أمه كما سلف أنه يكتب رزقه وهو فيه (حم وابن قانع

(1) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (753). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1682) والسلسلة الضعيفة (3113): موضوع.

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/ 129) رقم (1548).

ص: 367

هب عن رجل من بني سليم) رمز المصنف لصحته ورجاله رجال الصحيح (1).

1838 -

"إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها (م) عن أبي موسى (صح).

(إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار) من أوقع الإساءة بالعصيان نهارًا (ويبسط يده) قبوله (بالنهار ليتوب مسيء الليل) فباب قبول التوبة مفتوح في كل الأوقات يدخله من يتوب (حتى تطلع الشمس من مغربها) وعند ذلك لا تقبل من نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً (م عن أبي موسى الأشعري)(2).

1839 -

"إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها (د ك) والبيهقي في المعرفة عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) قال المصنف في حاشية سنن أبي داود المسماة: "مرقاة الصعود"(3) ما لفظه: قد أفردت لهذا الحديث تأليفًا مستقلاً في التنبيه على من يبعثه الله على رأس كل مائة سنة، وأنا ألخص فوائده هنا ثم قال: ما حاصله وزيد به فأقول: هذا الحديث اتفق الحفاظ على تصحيحه منهم الحاكم في المستدرك (4) والبيهقي في المدخل

(1) أخرجه أحمد (5/ 24) وابن قانع (604) والبيهقي في الشعب (9726) قال الهيثمي في المجمع (10/ 257): رجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1869) والسلسلة الصححة (1608).

(2)

أخرجه مسلم (2759).

(3)

انظر مرقاة الصعود (189/ ب).

(4)

الحاكم (4/ 522).

ص: 368

وممن نص على تصحيحه من المتأخرين الحافظ أبو الفضل (1) ابن حجر وقد لهج المتأخرون بهذا الحديث فأخرج الحاكم في المستدرك عقب رواية هذا الحديث [1/ 517] عن أبي وهب عن يونس عن الزهري قال (2): فلما كان في رأس هذه المائة من الله على هذه الأمة لعمر بن عبد العزيز. قال ابن حجر: وهذا يشعر بأن هذا الحديث كان مشهورًا في ذلك العصر تقوية لمسنده مع أنه قوي لثقة رجاله انتهى.

وقال أبو جعفر (3) النحاس في كتاب الناسخ والمنسوخ: قال سفيان بن عيينة: بلغني أنه يخرج في كل مائة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من العلماء يقوي الله به الدين وإن يحيى بن آدم عندي منهم.

وقال أبو بكر البزار (4): سمعت عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون يقول: كنت عند أحمد بن حنبل فجرى ذكر الشافعي فرأيت أحمد يرفعه ويقول: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها كان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى، وأخرج أبو إسماعيل الهروي من طريق حميد بن زنجويه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول: روي في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: "أن الله يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة رجل من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم"(5) وإني نظرت في مائة سنة فإذا هو رجل من آل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عمر بن عبد العزيز

(1) توالي التأسيس (45 - 49).

(2)

وُضع في الحاشية عنوان: "مطلب: إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها".

(3)

الناسخ والمسنوخ (2/ 462) رقم (617).

(4)

انظر معرفة السنن والآثار للبيهقي (1/ 121) وفتح الباري (13/ 295) وتوالي التأسيس (45 - 49).

(5)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 297)، وانظر عون المعبود (11/ 261).

ص: 369

وفي رأس الثانية فإذا هو محمَّد بن إدريس الشافعي ثم نقل عن ابن السبكي كلامًا واعترضه ليس جديرًا بالنقل وتسويد وجوه الأوراق به وكذلك المصنف أتى بكلام طويل الذيل قليل النيل قد كنا نقلناه أولاً ثم رأينا الإضراب عنه ثانيًا.

وأجود ما يحمل عليه الحديث ما قاله ابن الأثير ونقله عنه المصنف أيضًا حيث قال: وذهب بعض العلماء إلى أن الأولى أن يحمل الحديث على العموم فإن قوله: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" لا يلزم فيه أن يكون المبعوث رجلًا واحداً بل قد يكون واحدًا وقد يكون أكثر منه، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان انتفاعًا عامًا في أمور الدين فإن انتفاعهم بغيرهم أيضاً كبير مثل أولي الأمر وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ وأصحاب الطبقات من الزهاد ينتفع بشيء ولا ينتفع بالآخر إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون الرئاسة وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ويتمكن من إقامة قانون الشرع وهذه وظيفة أولي الأمر وكذلك أصحاب الحديث [1/ 518] ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع والوعاظ ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى ولزوم الزهد في الدنيا وكل أحد ينفع بما لم ينفع به الآخر فالأحسن والأجدر أن يكون الحديث إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة يجددون للناس دينهم ويحفظونه عليهم في أقطار الأرض قال: لكن ينبغي أن يكون المبعوث رجلاً مشهورًا معروفاً مشارًا إليه من كل فن من هذه الفنون فإذا حمل تأويل هذا الحديث على هذا الوجه كان أولى وأشبه بالحكمة قال وقد كان قبل المائة أيضًا من يقوم بأمور الدين وإنما المراد بالذكر من انقضت المائة وهو عالم مشهور مشار إليه. انتهى كلام ابن الأثير ومثله قال الحافظ ابن كثير في البداية

ص: 370

والنهاية (1): ومثله قال الحافظ ابن حجر. ثم قال المصنف بعد نقله لجماعة من أئمة الشافعية وإيمائه أنهم مجددون كل مائة.

قلت: وقد من الله تعالى وجعلني على رأس هذه المائة التاسعة وحباني منصب الاجتهاد وأتاني البراعة وطول الباع في فنون العلم ونشر تصانيفي في الشرق والغرب ولله الحمد.

أقول ويتعين حمل الحديث على ما قاله ابن الأثير ومن تبعه فإن قطر الإِسلام قد اتسع نطاقه فلا يقوم واحد بتجديد الدين في كل قطر ثم إنه ليس أمر الدين دائرًا على العلم فقط بل دورانه على الجهاد أكثر ولذا قيل: قاصت شريعته بكل مجرد ماضي المضارب لا بكل مجدد. فتجديد الدين شامل لغير العلماء وهم لا شك من أنفع الناس في تجديد الدين ثم إنه لا يبعد أيضًا تعدد أفراد المجددين في كل قطر من الأقطار بل في كل قرية من القرى لا سيما والحديث أتى بكلمة من العامة وليس مقصورًا على بطن من البطون ولا شك أن آل الرسول في جميع الأقطار فيهم أئمة العلم والجهاد والزهد وغيره وقول المصنف: أنه مجدد التاسعة لا شك أنه من أئمة العلم فهو من مجدديها بتآليفه التي ملأت الدنيا وقربت كثيراً من الفنون فهو منهم لا أنه منحصر فيه ذلك، أما ابن السبكي فأتى بكلام يكاد تضحك منه الصحف والورق (د ك (2) والبيهقي عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وقد عرفت من كلامه صحته.

1840 -

"إن الله تعالى يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبَّة من إيمان إلا قبضته (ك) عن أبي هريرة"(صح).

(1) البداية والنهاية (6/ 239).

(2)

أخرجه أبو داود (4291) والحاكم (4/ 522) والبيهقي في المعرفة (ص 52) قال المناوي (2/ 282) قال الزين العراقي وغيره: سند صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1874) والسلسلة الصحيحة (599).

ص: 371

(إن الله تعالى يبعث ريحًا من اليمن) وفي رواية من الشام قال النووي (1): ووجه الجمع أنه يحتمل أنهما ريحان يمانية وشامية أو أنها تبتدئ من أحدهما وينتشر إلى الآخر (ألين من الحرير) فيه إشارة إلى اللطف والإكرام (لا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبَّة من إيمان إلا قبضته) قال النووي: يخالفه ظاهر: "لا يزال المؤمنين ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة" فالمراد لا يزالون على الحق حتى تضر بهم [1/ 519] هذه الريح اللينة قرب القيامة عند تظاهر أشراطها.

قلت: ويعارض الأحاديث والآيات القاضية بأن قبض الأرواح إلى ملك الموت إلا أنه قد يقال: إن الريح تحدث فيهم ما يكون سببًا لقبض أرواحهم لا أنها التي تقبضها (ك عن (2) أبي هريرة) رمز المصنف لصحته.

1841 -

"إن الله تعالى يبغض السائل الملحف (حل) عن أبي هريرة ".

(إن الله تعالى يبغض السائل الملحف) من ألحف في السؤال ألح فيه والمراد السائل لغير الله لا له تعالى فإن الله يحب الملحين في الدعاء (حل عن أبي هريرة) ضعيف لضعف أحد رجاله (3).

1442 -

"إن الله تعالى يبغض الطلاق، ويحب العتاق (فر) عن معاذ بن جبل".

(إن الله تعالى يبغض الطلاق) لما فيه من كسر الخاطر وفراق الغير والتعرض لعدم العفة والمراد مع حسن العشرة بين الزوجين لا مع عدمها وإلا

(1) المنهاج (2/ 178).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 455). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1873) والسلسلة الصحيحة (3159).

(3)

أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 206). قال المناوي (2/ 283): رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة وفيه ورقاء فإن كان اليشكري فقد لينه ابن القطان والأسدي فقال يحيى: ما كان بالذي يعتمد عليه وقد أوردهما معا الذهبي في الضعفاء. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1876) والسلسلة الصحيحة (1320).

ص: 372

فقد قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ} [البقرة: 229] فأذن في التسريح (ويحب العتاق) لأن فيه تخليص الرق عن حقوق سيده وفيه استكماله لمنافعه (فر عن معاذ بن جبل) وفيه ضعف وانقطاع (1).

1843 -

"إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها (حم د ت) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال) في القاموس (2): البليغ الفصيح يبلغ بعبارته كنه ضميره (الذي يتخلل) بالخاء المعجمة (بلسانه تخلل الباقرة) في القاموس (3) أن الباقرة اسم جمع للبقر (بلسانها) في النهاية (4): هو الذي يتشدق في الكلام ويقحم به لسانه ويلفه كما تلف البقرة بلسانها (حم د ت عن ابن عمر) قال الترمذي: حسنٌ غريبٌ (5).

1844 -

"إن الله تعالى يبغض البذخين الفرحين المرحين (فر) عن معاذ بن جبل".

(إن الله تعالى يبغض البذخين) بالذال والخاء المعجمتين جمع بذخ وهو المتكبر وفي النهاية (6): أنه الفخر والتطاول، وفي القاموس (7): البذخ محركة الكبر (الفرحين) بما لا يحبه الله وأما الفرح بما يحبه فهو جائز {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (559). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1689) والسلسلة الضعيفة (3118).

(2)

القاموس المحيط (ص 1007).

(3)

القاموس المحيط (ص 1285).

(4)

النهاية (2/ 73).

(5)

أخرجه أحمد (2/ 165) وأبو داود (5000)، والترمذي (1853). وقال: حسن غريب. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1875) والسلسلة الصحيحة (880).

(6)

النهاية (1/ 110).

(7)

القاموس المحيط (ص 318).

ص: 373

الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم: 4، 5](المرحين) المرح الخيلاء (فر عن معاذ بن جبل (1)) ضعيف لضعف إسماعيل بن أبي زياد الشامي.

1845 -

"إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب (عد) عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى يبغض الشيخ الغربيب) بالغين المعجمة مكسورة أي الذي لا يشيب، وقيل: الذي يخضبه بالسواد (عد عن أبي هريرة) ضعيف لضعف رشدين (2).

1846 -

"إن الله تعالى يبغض الغني الظلوم، والشيخ الجهول، والعائل المختال (طس) عن علي".

(إن الله تعالى يبغض الغني الظلوم) هو تعالى يبغض الظلوم مطلقًا لكنه إذا كان غنيًا كان أشد بغضًا له لعدم الحامل على الظلم إذ غالبه يكون للحاجات وكذلك قوله (الشيخ الجهول) فإنه يبغض الجهول شيخاً أو شابًا إلا أن الشيخ أحق وأولى لأنه قد مضى له من العمر ما يزيل بالتعلم عنه الجهل (والعائل) بالعين المهملة من العيلة الفقر (المختال) بالخاء المعجمة من الاختيال وهو التكبر المعجب بنفسه وهو يبغض من كان كذلك وإن كان غنيًا إلا أن العائل أحق بالبغض لأن عنده من الحاجة والفقر ما يكسر خيلاءه ويقصم ظهره (طس عن علي) وإسناده ضعيف (3).

1847 -

"إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش (حم) عن أسامة بن زيد

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (559) وفي إسناده إسماعيل بن زياد ويقال ابن أبي زياد الكوفي قال الحافظ ابن حجر: متروك كذَّبوه (تقريب 446). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1687) والسلسلة الضعيفة (3117): موضوعٌ.

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 157)، وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (1942). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1688) والسلسلة الضعيفة (4711).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5458) وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف جداً. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1790) والسلسلة الضعيفة (1805): ضعيف جداً.

ص: 374

(صح) ".

(إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش) تقدم وتفسيره في: "إن الله لا يحب

" (حم عن أسامة بن زيد) رمز المصنف لصحته (1).

1848 -

"إن الله تعالى يبغض المعبس في وجوه إخوانه (فر) عن علي".

(إن الله تعالى يبغض المعبس) بالمهملتين بينهما موحدة ثقيلة (في وجوه إخوانه) الذي يلقاهم عابس الوجه منقبض عنهم وفيه إشارة إلى أنه يحب من يلقاهم بالبشر والطلاقة (فر عن علي) بإسناد ضعيف (2).

1849 -

"إن الله تعالى يبغض الوسخ والشعث (هب) عن عائشة".

(إن الله تعالى يبغض الوسخ) ثيابه وبدنه وذلك [1/ 520] لأن النظافة من الإيمان (الشعث) الذي لا يأخذ من شعره فإنه من سوء الهيئة الله يحب للعبد أن يحسن هيئته.

إن قلت: يعارضه حديث: "رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره"(3).

قلت: ذلك في بعض الشعث الغبر كما يرشد إليه رُبَّ، وهو من كان متقللاً من الدنيا راغبًا في الآخرة غير متصل بالناس مختلط بهم فهذا إذا لم يحسن هيئته فهو محمود والأول فيمن تغشاه الناس ويغشاهم (هب عن عائشة) وهو

(1) أخرجه أحمد (5/ 202). قال الهيثمي (8/ 64) رواه أحمد والطبراني والأوسط بأسانيد وأحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات، وأخرجه ابن حبان (5694)، والطبراني في الكبير (1/ 165 رقم 399)، وفي الأوسط (328). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1877) والسلسلة الصحيحة (876).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (555)، وفي إسناده محمَّد بن هارون الهاشمي وهو كذابٌ رافضي. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1692) والسلسلة الضعيفة (3119): موضوع.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 375

ضعيف لضعف محمَّد بن حسين الصوفي (1).

1850 -

"إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة (ك) في تاريخه عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى يبغض كل عالم بالدنيا جاهل بالآخرة) لأنه علم ما لا يحبه الله ولا رسوله ولا ينفعه علمه وجهل ما يضره جهله وأحسن من قال (2):

أبني إن من الرجال بهيمة

في صورة الرجل السميع المبصر

فطن بكل مصيبة في ماله

وإذا أصيب بدينه لم يشعر

(ك في تاريخه عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وإسناده حسن (3).

1851 -

"إن الله تعالى يبغض البخيل في حياته، السخي عند موته (خط) في كتاب البخلاء عن علي".

(إن الله تعالى يبغض البخيل في حياته) بمنع الواجبات (السخي عند موته) لأن سخاءه عند موته ليس بسخاء بل لما علم أنه مفارق لما له سمح به وفي الحياة حرص عليه حيث كان ينفعه نبله (خط في كتاب البخلاء عن علي)(4).

1852 -

"إن الله تعالى يبغض المؤمن الذي لا زبر له (عق) عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى يبغض المؤمن الذي لا زبر له) بالزاي المفتوحة والموحدة

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (6226). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1993) والسلسلة الضعيفة (2324): موضوع.

(2)

وهو منسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(3)

أخرجه الحاكم في التاريخ كما في الكنز (28982). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1879) والسلسلة الصحيحة (195).

(4)

أخرجه الخطيب في كتاب البخلاء (7376)(ص 59 رقم 37). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1686): ضعيف.

ص: 376

والراء في النهاية (1) الذي لا عقل له يزبره وينهاه على الإقدام على ما لا ينبغي (عق عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (2).

1853 -

"إن الله تعالى يبغض ابن السبعين في أهله، ابن عشرين في مشيته ومنظره (طس) عن أنس".

(إن الله تعالى يبغض ابن سبعين في أهله ابن عشرين في مشيته ومنظره) يحتمل أنه الذي بلغ تلك السن في أهله وهو في مشيته ومنظره كأنه ابن عشرين أو الذي يعامل أهله معاملة من يبلغ تلك السن فلا يقربهم ولا يغشاهم وهو ينزل أسواقهم والأول أوضح (طس عن أنس) ضعيف لضعف موسى بن محمَّد (3).

1854 -

"إن الله تعالى يتجلى لأهل الجنة في مقدار كل يوم جمعة على كثيب كافور أبيض (خط) عن أنس ".

(إن الله تعالى يتجلى لأهل الجنة في مقدار كل جمعة) في الأسبوع مرة وإنما قال: مقدار لأنه لا ليل ولا نهار ولا يوم يسمى (على كثيب كافور أبيض) الكثيب التل من الرمل والكافور يكون من شجر يختال بحر الهند والصين وخشبه أبيض هش يوجد من أجوافه الكافور وهذا اليوم يدعوه أهل الجنة يوم المزيد كما في حديث أنس (4) وفيه: أن جبريل قال في ذكره يوم الجمعة، ووصفه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعوه أهل الجنة في الآخرة يوم المزيد، قال: قلت: "يا جبريل

(1) النهاية (2/ 293).

(2)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 247) في ترجمة مسمع بن محمَّد الأشعري وقال: لا يتابع ولا يعرف بالنقل ولا يتابع عليه بهذا الإسناد. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1691) والسلسلة الضعيفة (1803).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5782)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 271): فيه موسى بن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1685).

(4)

أخرجه الشافعي في الأم (1/ 259)، وانظر حاشية ابن القيم (1/ 209).

ص: 377

وما يوم المزيد"؟ قال: ذلك أن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديًا أفيح من مسك، أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجئ النبييون حتى يجلسوا عليها ثم حف المنابر بمنابر من ذهب فيجئ الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ويجئ أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثيب

الحديث بطوله ذكره ابن القيم في زاد المعاد (1) وقال: له عدة طرق وذكره في بعض أشعاره فقال:

وسلم على جنات عدن فإنها

منازلك الأولى بها كنت نازلاً

إلى أن قال:

وحي على يوم المزيد بجنة

الخلود فجد بالنفس إن كنت باذلاً

[1/ 521] واعلم أن هذا التجلي وذكر الكرسي والقعود عليه مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وأمثاله يجب الإيمان به ولا يكيف بل ينزه الرب عن مشابهة المخلوقات ونؤمن بما جاء عنه وعن رسوله ونوكل بيان معناه إليه تعالى كما في الآيات المتشابهة وقد قدمنا أن هذا أحد الوجوه وهو أسلمها وفي الناس من يتأول ذلك (خط عن أنس) قد تقدم ما شهد له وإن قال الشارح: أنه حديث موضوع (2).

1855 -

"إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه (هب) عن عائشة (ح) ".

(إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً) دينًا أو دنيويًا له تعلق بالدين (أن يتقنه) الإتقان الإحسان والتكميل أي يحسنه ويكمله (هب عن عائشة) رمز

(1) انظر: زاد المعاد (1/ 395).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (7/ 220). قال المناوي (2/ 286): حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: لا أصل له جعفر وجده وعاصم مجهولون وتبعه على ذلك المؤلف في مختصر الموضوعات فأقره ولم يتعقبه. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1694) والسلسلة الضعيفة (3120): موضوع.

ص: 378

المصنف لحسنه (1).

1856 -

"إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن (هب) عن كليب".

(إن الله تعالى يحب من العامل) فتسميته عاملاً من باب من قتل قتيلاً كما يدل له (إذا عمل أن يحسن) هو المحبوب له تعالى وهو كالذي قبله (هب عن كليب) الجرمي بإسناد ضعيف (2).

1857 -

"إن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان ابن عساكر عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى يحب إغاثة اللهفان) في القاموس (3) هو المظلوم المضطر يستغيث وإغاثته إعانته وإذا أحب الإغاثة أحب فاعلها (ابن عساكر عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضًا أبو يعلى والديلمي (4).

1858 -

"إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله (خ) عن عائشة (صح) ".

(إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله) وهو لين الجانب وهو ضد العنف ويفسر أيضًا باللطف (خ عن عائشة) ورواه عنها مسلم فهو متفق عليه (5).

1859 -

"إن الله تعالى يحب السهل المطلق (الشيرازي هب) عن أبي

(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5312)، وأخرجه أيضاً: أبو يعلى (4386)، قال الهيثمي (4/ 98): فيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وضعفه جماعة والطبراني في الأوسط (1/ 275، رقم 897) وابن عدي (6/ 361) ترجمة 1842 مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (18880) والسلسلة الصحيحة (1113).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (5315). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1891) والسلسلة الصحيحة (1113).

(3)

القاموس (4/ 210).

(4)

أخرجه ابن عساكر (52/ 159)، وأخرجه أيضًا: ابن حبان في الضعفاء (2/ 313 ترجمة 1023) محمَّد بن يونس الكديمي) وقال: كان يضع على الثقات الحديث وضعًا ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1698).

(5)

أخرجه البخاري (6032)، وأخرجه أيضاً مسلم (2165)، والترمذي (2701) وقال: حسنٌ صحيح. وابن حبان (6441)، والبيهقي (9/ 203).

ص: 379

هريرة ".

(إن الله تعالى يحب السهل) ضد الصعب والحزن (الطليق) هو الذي وجهه منبسط مهلل ومثله الطلق وهو ضد المعبس الذي سلف (الشيرازي هب عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف (1).

1860 -

"إن الله تعالى يحب الشاب التائب رواه أبو الشيخ ابن حبان عن أنس".

(إن الله تعالى يحب الشاب التائب) لأنه تاب من قريب وفي أيام شهوته وعزبته (أبو الشيخ عن أنس) وإسناده ضعيف (2).

1861 -

"إن الله تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله (حل) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله) لما مر قريبًا من أنه حبس نفسه عن شهواته في أشد أيام دواعيه (حل عن ابن عمر) ضعيف لضعف محمد بن الفضل عن ابن عطية (3).

1862 -

"إن الله تعالى يحب الصمت عند ثلاث: عند تلاوة القرآن، وعند الزحف، وعند الجنازة (طب) عن زيد بن أرقم".

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (8055)، والخرائطي في مكام الأخلاق (144)، والديلمي (574)، وأخرجه أيضاً: ابن عدي (2/ 122، ترجمة 329 جويبر بن سعيد الأزدي الخراساني)، وقال: الضعف على حديثه ورواياته بين. والقضاعي (1083). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1700) والسلسلة الضعيفة (3124).

(2)

أخرجه أبو الشيخ كما في الكنز (1085)، وقال المناوي (2/ 288): قال الزين العراقي: سنده ضعيف، وقال الألباني في ضعيف الجامع (3624): ضعيف جداً، وقال في الضعيفة (97): ضعيف.

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 360) وقال: غريب، قال المناوي (2/ 288): فيه محمَّد بن الفضل بن عطية قال الذهبي في الضعفاء: تركوه واتهمه بعضهم، وسالم الأفطس قال ابن حبان: ينفرد بالمعضلات. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1702) والسلسلة الضعيفة (98): موضوع.

ص: 380

(إن الله تعالى يحب الصمت عند ثلاث) الأولى (عند تلاوة القرآن) قال تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [الأعراف: 204](وعند الزحف) في النهاية (1) الزحف الجيش يزحفون إلى العدو أي يمشون يقال زحف إليه زحفًا إذا مشى أي يحب الصمت عند المشي إلى العدو وذلك لأنه أعم في ثبات القلب وعدم الفشل (وعند الجنازة) عند تشييعها والمشي معها وغسلها وتكفينها وجميع ملابساتها وذلك لأنه موقف اتعاظ وذكر وتحديث للنفس ما تؤول إليه (طب عن زيد بن أرقم) سكت عليه المصنف وفيه راو لم يسم وآخر مجهول (2).

1863 -

"إن الله تعالى يحب العبد التقي الغني الخفي (حم م) عن سعد بن أبي وقاص (صح) ".

(إن الله تعالى يحب العبد المتقي الغني) غنى النفس لا غنى المال (الخفي) الذي ليس له شهرة ولا يشار إليه بالأصابع (حم م عن سعد بن أبي وقاص)(3).

1864 -

"إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المفتن التواب (حم) عن علي (صح) ".

(إن الله يحب العبد المؤمن المفتن) اسم مفعول من فتن مشدَّدًا من الفتنة والمراد به الممتحن يمتحنه الله بالذنب فيتوب ثم يعود أفاده في النهاية (4) ولذا قال (التَّواب) أي الكثير الامتحان بالذنب الكثير التوبة وعليه إن الله يحب التوابين. ويأتي في معناه

(1) النهاية (2/ 297).

(2)

أخرجه الطبراني (5/ 213، رقم 5130) قال الهيثمي (3/ 29): فيه رجل لم يسم، وأخرجه أيضًا: أبو يعلى كما في المطالب العالية (5/ 291، رقم 814)، وإتحاف الخيرة (3/ 255، رقم 2644). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1703).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 168) ومسلم (2965).

(4)

النهاية (3/ 410).

ص: 381

حديث: "المؤمن واهٍ راقع"(1)(حم عن علي)(2) رمز المصنف لصحته.

1865 -

"إن الله تعالى يحب العطاس، ويكره التثاؤب (خ د ت) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى يحب العطاس) قال المصنف في التوشيح [1/ 522] لأنه يدل على خفة البدن وانفتاح المسام وعدم الغاية في الشبع، (ويكره التثاؤب) لأنه يدل على امتلاء البدن وكثرة الأكل والتخليط فيه، ولأن الأول يستدعي النشاط، والثاني عكسه فالمحبة والكراهة تنصرف على سببهما كما قاله الخطابي (خ د ت (عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (3).

1866 -

"إن الله تعالى يحب المؤمن المتبذل، الذي لا يبالي ما يلبس (هب) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى يحب المؤمن المتبذل) بالمثناة الفوقية مفتوحة فموحدة فذال معجمة في النهاية (4) أن التبذل ترك التزين والتهيئ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع وقد فسره في الحديث بقوله (الذي لا يبالي ما لبس) فهو وصف كاشف من قوله:

الألمعي الذي يظن بك الظق

كان قد وأى وقد سمعا (5)

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (1867)، والبيهقي في الشعب (7123)، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (4/ 17): أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث جابر بسند ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (12676).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 80) وقال الهيثمي في المجمع (1/ 20): وفيه من لم أعرفه، وقال المناوي في الفيض (2/ 189) قال: العراقي سنده ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1705) والسلسلة الضعيفة (96).

(3)

أخرجه البخاري (3289) وأبو داود (5028) والترمذي (2747).

(4)

النهاية (1/ 111).

(5)

منسوب إلى أوس بن حجر وهو شاعر في الجاهلية من تميم توفي (2 ق. هـ). انظر.

ص: 382

(هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته (1).

1867 -

"إن الله تعالى يحب العبد المؤمن المحترف الحكيم (طب هب) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف) بالحاء المهملة بعدها مثناة فوقية فراء ففاء من الحرفة الصناعة ومهنة الكف والكسب ومنه قول البعض من السلف: إني لأرى الرجل فأسأل هل له من حرفة فيقال: لا فيسقط من عيني وذلك لأن الحرفة تمنعه من سؤال الناس وبذل ماء وجهه، ولأنه يشتغل بها عن كثير من اللهو وإنفاق الساعات في الباطل، وقد كان غالب السلف له حرفة يقوم بها على عياله ومنه قول أبي بكر رضي الله عنه لما استخلف لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي (الحكيم طب هب عن (2) ابن عمر) ضعيف لضعف الربيع السمان وغيره.

1868 -

"إن الله تعالى يحب المداومة على الإخاء القديم، فداوموا عليه (فر) عن جابر".

(إن الله تعالى يحب المداومة على الإخاء القديم) الدوام على حفظه والقوام به والوفاء لأهله وذلك لأنه لا يكون إلا من كرم الطباع وحسن العهد (فداوموا عليه) عملاً بما يحبه الله (فر عن جابر)(3).

1869 -

"إن الله تعالى يحب حفظ الود القديم (عد) عن عائشة".

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (6175) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1707) والسلسلة الضعيفة (2324).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 308) رقم (13200) والبيهقي في الشعب (1237)، وأورده ابن عدي في الكامل (1/ 378) في ترجمة أبي الربيع السمان قال يحيى: ليس بشيء وقال الدارقطني: متروك. وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 128) والعلل المتناهية (2/ 589). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3627)، والضعيفة (1301).

(3)

أخرجه الديلمي في الفردوس (563) قال في اللسان (3/ 354): هذا منكر بمرة وما أظن سفيان حدث به قط. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1708) والضعيفة (2888): ضعيف جداً.

ص: 383

(إن الله تعالى يحب حفظ الود القديم) هو كالأول في معناه (عد عن عائشة)(1).

1870 -

"إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء الحكيم (عد هب) عن عائشة".

(إن الله تعالى يحب الملحين في الدعاء) المكثرين فيه الملحفين وهو الذي خصص ما سلف قريبًا لأن الدعاء عبادة والعبادة محبوبة لله تعالى (الحكيم عد هب عن عائشة) ضعيف لتفرد يوسف بن السفر به عن الأوزاعي (2).

1871 -

"إن الله تعالى يحب الرجل له الجار السوء يؤذيه فيصبر على أذاه ويحتسبه حتى يكفيه الله بحياة أو موت (خط) وابن عساكر عن أبي ذر".

(إن الله تعالى يحب الرجل له الجار السوء يؤذيه فيصبر على آذاه ويحتسبه) فالمحبة على صبره واحتسابه لأنه من حسن الجوار والله يحب حسن الجوار (حتى يكفيه الله) آذاه (بحياة) ترجع في مدتها عن أذيته (أو موت) يكفي به شره (خط وابن عساكر عن أبي ذر) بإسناد ضعيف (3).

1872 -

"إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه (عد) عن عائشة ".

(إن الله تعالى يحب أن يعمل بفرائضه) فإنه ما فرضها وأوجبها إلا ليعمل بها

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 190) في ترجمة عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1721) والسلسلة الضعيفة (3125) وقال: ضعيف جداً.

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 163) في ترجمة يوسف بن السفر والبيهقي في الشعب (1108) وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/ 199) قال أبي: هذا حديث منكر وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 95)، ويوسف بن السفر عن الأوزاعي: متروك. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1710) والسلسلة الضعيفة (637) والإرواء (677): موضوعٌ.

(3)

أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (10/ 133) وابن عساكر (58/ 292) وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 731): وهذا لا يصح قال يحيى: عيسى بن إبراهيم ليس بشيء. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1699): ضعيف جداً.

ص: 384

العباد فهو محب للعمل بها وتقدم حديث أبي هريرة: وما تقرب إلى عبدي بأحب من أداء ما افترضت عليه (عد عن عائشة) بإسنادين (1) ضعيفين.

1873 -

"إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه (حم هق) عن ابن عمر (طب) عن ابن عباس وعن ابن مسعود".

(إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه) تقدم تفسير الرخصة ومثالها كالإفطار في السفر (كما يحب أن تؤتى عزائمه) ما عزم به على العبد كالصوم في الحضر فالإفطار في السفر نظير الصوم في الحضر [1/ 523](حم هق عن ابن عمر طب عن ابن عباس وعن ابن مسعود) والأصح أنه موقوف (2).

1874 -

"إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (ت ك) عن ابن عمرو (صح) ".

(إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) في ملبسه ومطعمه والحديث في مأكله ومشربه وتقدم في: "إذا آتاك الله

" (ت ك عن ابن عمرو) رمز المصنف لصحته (3).

1875 -

"إن الله تعالى يحب أن تقبل رخصه، كما يحب العبد مغفرة ربه (طب) عن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس".

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 203). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1718) والسلسلة الضعيفة (3127): موضوع.

(2)

أخرجه أحمد (2/ 108) والبيهقي (3/ 104) عن ابن عمر، والطبراني في الكبير (11/ 323) رقم (11880) (11881) عن ابن عباس وابن مسعود. وقال الهيثمي (3/ 162) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه معمر بن عبد الله الأنصاري قال العقيلي: لا يتابع على رفع حديثه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1885) والإرواء (564).

(3)

أخرجه الترمذي (2819) والحاكم (4/ 135) وقال: حديث صحيح. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1887).

ص: 385

(إن الله تعالى يحب أن تقبل رخصه) التي تفضل بها على عباده (كما يحب العبد مغفرة ربه) لما كانت المغفرة معناها إسقاط ذنب العبد والرخصة هي إسقاط لحق الرب من العزيمة شبهها بها (طب عن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس) وسكت عليه المصنف وهو ضعيف لتفرد إسماعيل العطار به ولكن شواهده كثيرة (1).

1876 -

"إن الله تعالى يحب أن يرى عبده تعبا في طلب الحلال (فر) عن علي".

(إن الله تعالى يحب أن يرى عبده تعبًا) التعب الإعياء (في طلب الحلال) من الإضافة إلى مفعول المصدر أي في طلبه وحرف في تعليل أي لأجل ذلك لأنه تعالى قد أمره بطلب الحلال فهو يتعب فيما طلبه منه أن يفعله. (فر عن علي) بإسناد ضعيف بل قيل بوضعه (2).

1877 -

"إن الله تعالى يحب أن يعفى عن ذنب السَّري ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وابن لال عن عائشة".

(إن الله تعالى يحب أن يعفى) مغير صيغة أن يقع العفو ممن إليه الإساءة (عن ذنب السري) بفتح السين المهملة وسكون الراء أي الشريف وقيل: السخي ذو المروءة والجمع سراة بالفتح على غير القياس وقد تضم السين، وهو نظير حديث: "أقيلوا السخي زلته

" الحديث، ونظيره: "أقيلوا ذوي الهيئات

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 153) رقم (7661) عن أبي الدرداء. وقال الهيثمي في المجمع (3/ 163): فيه عبد الله بن يزيد ضعفه أحمد وغيرها وكذلك عن أبي الدرداء وواثلة أبي أمامة وأنس. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1713): موضوع، وفي السلسلة الضعيفة (508): باطل.

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (763). وقال الألباني في ضعيف الجامع (716) والسلسلة الضعيفة (10): موضوع.

ص: 386

عثراتهم إلا الحدود" تقدما (ابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن لال) هو أبو بكر (عن عائشة) ضعيف لضعف هانئ بن المتوكل (1).

1878 -

"إن الله تعالى يحب من عباده الغيور (طس) عن علي".

(إن الله تعالى يحب من عبده الغيور) أي يحب الغيرة المحمودة من العبد الغيور فحذف مفعول المحبة لدلالة الصفة عليه وتقدم مثله (طس عن علي) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لصعف المقدام (2).

1879 -

"إن الله تعالى يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء (ت ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى يحب سمح البيع سمح الشراء) أي العبد المتصف بالسهولة والمسامحة المساهلة (سمح القضاء) فيما له وعليه وتقدم معناه وذلك لأن هذه الصفات من مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق (ت ك عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح، وأقروه (3).

1880 -

"إن الله تعالى يحب مَنْ يُحِب التمرَ (طب عد) عن ابن عمرو".

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (564) وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن لال كما في الكنز (12922) قال المناوي (2/ 294): فيه هانئ بن يحيى المتوكل قال الذهبي في الضعفاء: جرحه ابن حبان ويزيد بن عياض قال النسائي وغيره: متروك. وانظر لترجمته: ميزان الاعتدال (4/ 291)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1717): ضعيف جداً.

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8441) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1725).

(3)

أخرجه الترمذي (1319) والحاكم (2/ 56) وقال: صحيح الإسناد. وقال الترمذي في العلل الكبير (1/ 196) رقم (349) سألت محمداً -البخاري- عن هذا الحديث فقال: هو حديث خطأ روى هذا الحديث إسماعيل بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال محمَّد: وكنت أخرج بهذا الحديث حتى روى بعضهم هذا الحديث عن يونس عمن حدث عن سعيد المقبري عن أبي هريرة. وصححه الألباني في صحيح الجامع (1888) والسلسلة الصحيحة (899).

ص: 387

(إن الله تعالى يُحِب مَنْ يُحب التمرَ) كأنه لدلالته على شرف طبعه حيث أحب ما كمله الله من الفواكه ويدل أنه يحب الحسن من الأشياء فهو أقرب إلى محبة الله ورسوله وما يحبه الله ورسوله ولذا عاب علي بني إسرائيل طلب الثوم والقثاء والبصل وقال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] وقال صاحب الهمزية (1):

وسفيه من ساءه المن والسلوى

وأرضاه القوم والقثاء

(طب عد عن ابن عمرو) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف إبراهيم بن أبي حية (2).

1881 -

"إن الله تعالى يحب عبده المؤمن الفقير المتعفف أبا العيال (هـ) عن عمران (صح) ".

(إن الله تعالى يحب عبده المؤمن الفقير) فقر مثوبة لا فقر عقوبة قالوا: وعلامة الأول أن يحسن خلقه ويطيع ربه ولا يشكوه ويشكر الله على فقره وعلامة الثاني أن يسوء خلقه ويعصي ربه وهذا لا يحبه الله (المتعفف) هذا موضع المحبة (أبا العيال) وذلك أنه تعفف وتكلف ذلك مع شدة الداعي إليه (5 عن عمران) هو ابن حصين [1/ 524] ورمز المصنف لحته، وقيل: إنه ضعيف لكن له شواهد (3).

(1) شرف الدين البوصيري (608 - 696) سبق التعريف به.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 69) رقم (169) وابن عدي (4/ 51) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 40) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه إبراهيم بن أبي حية وهو متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1726) والسلسلة الضعيفة (3129).

(3)

أخرجه ابن ماجه (4121) قال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 216): هذا إسناد ضعيف القاسم بن مهران لم يثبت سماعه من عمران وموسى بن عبيدة الربذي ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1722)، والسلسلة الضعيفة (51).

ص: 388

1882 -

"إن الله تعالى يحب كل قلب حزين (طب ك) عن أبي الدرداء (صح) ".

(إن الله تعالى يحب كل قلب حزين) أي من ذنوبه منكسر لبعده عن طاعة مولاه لا حزين على فقد الدنيا وما فات من لذاتها فهذا قلب مبغوض لا محبوب ويقال المؤمن سروره في وجهه وحزنه في قلبه ولذا خص القلب لأنه ينبغي للمؤمن أن يكون طلق الوجه بسام غير عَباس (طب ك عن أبي الدرداء) رمز المصنف لصحته (1).

1883 -

"إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها (طب) عن الحسن بن علي".

(إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها) الأخلاق الشريفة والخصال الشريفة فهي معالي الأمور لاحب العلو والفساد في الأرض (ويكره سفسافها) حقيرها ورديئها يقال الإنسان يشابه الملك بقوة التفكر وحسن الإدراك ويشابه الحيوان البهيمي بما ركب فيه من الشهوة والدناءة فمن قصرت همته على أكتساب معالي الأخلاق أحبه الله وشابه الملائكة ومن صرفها إلى السفساف وردائل الأخلاق التحق بالعالم البهيمي وتتنوع في المشابهة فإما صار كالكلب وإما سترها كالخنزير أو حقود كالجمل أو متكبر كالنمر أو رواغًا كالثعلب أو جامعًا للكل كالشيطان (طب عن الحسين بن علي) السبط ورجاله موثقون وسكت عليه المصنف (2).

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد (10/ 309) وقال: إسناده حسن. وأخرجه الحاكم (4/ 315) وقال: صحيح. فتعقبه الذهبي في التلخيص: مع ضعف أبي بكر بن أبي مريم منقطع. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1723) والسلسلة الضعيفة (483).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 131) رقم (2894)، وأورده ابن عدي (3/ 5) في ترجمة خالد بن إلياس بن صخر وقال: أحاديثه كأنها غرائب وإفرادات عن من يحدث عنهم ومع ضعفه يكتب =

ص: 389

1884 -

"إن الله تعالى يحب أبناء الثمانين ابن عساكر عن ابن عمر".

(إن الله تعالى يحب أبناء الثمانين) من أهل الإيمان لأنه قد كثر منه فعل الطاعات ومرت عليه أحوال يزداد بها إيمانه وصار غريبًا بين أبناء جنسه (ابن عساكر عن ابن عمر)(1).

1885 -

"إن الله تعالى يحب أبناء السبعين، ويستحيي من أبناء الثمانين (حل) عن علي".

(إن الله تعالى يحب أبناء السبعين) لا ينافي ما سلف من محبته أبناء الثمانين فإنهما أفاد أنه يحبهما معًا (ويستحي من أبناء الثمانين) يعاملهم معاملة من يستحي منه فيغفر لهم السيئات ويتقبل منهم الحسنات، وفي مسند أنس في الجامع الكبير:"ما من عبد يعمر في الإِسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين لين الله عليه الحساب، فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين تقبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"(2)(حل عن علي) سكت عليه المصنف وإسناده حسن (3).

1886 -

"إن الله تعالى يحب أن يحمد (طب) عن الأسود بن سريع".

(إن الله تعالى يحب أن يُحمَدَ) تقدم أن الله تعالى يحب المدحة فهو نظيره وذلك لأنه

= حديثه وصححه الألباني في صحيح الجامع (1890) والسلسلة الصحيحة (1378).

(1)

أخرجه ابن عساكر (7/ 22). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1695) والسلسلة الضعيفة (1920).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 217) والحاكم (3/ 544)، وأبو يعلى (4246).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 199).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1696) والسلسلة الضعيفة (3121).

ص: 390

حق وهو يحب الحق والحديث وحديث يحب المدحة فهو حديث واحد إنما اختلفت عبارة الرواة (طب عن الأسود بن سريع) تقدم ضبطه وأنه فعيل من السرعة (1).

1887 -

"إن الله تعالى يحب الفضل في كل شيء، حتى في الصلاة ابن عساكر عن ابن عمر".

(إن الله تعالى يحب الفضل) هو الزيادة (في كل شيء حتى في الصلاة) وهو بزيادة التلاوة فيها والذكر في محلاته وفي نوافلها لا في عدد ركعاتها ونحوه فإنه محرم والمراد أيضًا الفضل في إدخال الخير لا في التوسع في الدنيا وشهواتها فإنه لا يحبه (ابن عساكر عن ابن عمر)(2).

1888 -

"إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته (حم حب هب) عن ابن عمر (صح) ".

(إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه) كما سلف (كما يكره أن تؤتى معصيته) أي أنه يثيب على ذلك [1/ 525] كما يعاقب على هذا (حم حب هب عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته (3).

1889 -

"إن الله تعالى يحب أن تعدلوا بين أولادكم، حتى في القبل ابن النجار عن النعمان بن بشير".

(إن الله يحب أن تعدلوا) من العدل المساواة (بين أولادكم حتى في القبل) لأنه أدعى إلى برهم بالآباء فيكون قد أعانهم على بره ويأتي حديث: "رحم الله من أعان

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 283) رقم (825) وأخرجه الضياء في المختارة (4/ 851) وقال: إسناده منقطع. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1714).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 318). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1706) والسلسلة الضعيفة (3069): ضعيف جداً.

(3)

أخرجه أحمد (2/ 108) وابن حبان (3568) والبيهقي في الشعب (3890). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1886) والإرواء (564).

ص: 391

ولده على بره"، وبالأولى في الهبة ونحوها فإنه يحبه ويحرم التفضيل فيه كما بيناه في مسألة مستقلة (ابن النجار عن النعمان بن بشير)(1) وأصله في الصحيح عنه.

1890 -

"إن الله تعالى يحب الناسك النظيف (خط) عن جابر".

(إن الله تعالى يحب الناسك) العابد (النظيف) بدنه وثوبه وفي أفعاله وأقواله ومأكله ومشربه وكل ما يلابسه كما سلف قريبًا (خط عن جابر)(2).

1891 -

"إن الله تعالى يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل (السجزي في الإبانة عن زيد بن ثابت".

(إن الله تعالى يحب أن يقرأ القرآن كما أنزل) كما أنزله غضًا طريًا وذلك بتحسين قراءته وترتيبها بالصوت والخشوع والرقة حتى إذا سمعه السامع ارتاح لسماعه كأنه لم يسمعه قبل ذلك وكأنها ساعة إنزاله والتبيين لحروفه كما قالت أم سلمة في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم، وفي حديث عائشة: كان يرتل آية آية، أخرجه إسحاق بن راهويه، وكذلك حديث أنس: أنه كان صلى الله عليه وسلم يقرأ {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمد بسم ويمد الرحمن ويمد الرحيم، أخرجه البخاري (3) من حديث أنس أنه سئل كيف كان قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وآداب قراءته صلى الله عليه وسلم على هذا النحو (السجزي في الإبانة عن زيد بن ثابت)(4).

1892 -

"إن الله تعالى يحب أهل البيت الخصب ابن أبي الدنيا في قرى الضيف عن ابن جريج معضلاً".

(1) أخرجه ابن النجار كما في الكنز (45350). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1712).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخه (10/ 11) وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 711): هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1711) والسلسلة الضعيفة (99): موضوع.

(3)

أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (7311).

(4)

أخرجه السجزي في الإبانة (3069 - كنز). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1719).

ص: 392

(إن الله تعالى يحب أهل البيت الخصب) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة الكثير الخير وذلك لأنه ينال منه الفقير ويكرم فيه الضعيف (ابن أبي الدنيا في قرى الضيف عن ابن جريج)(1) بالجيمين مصغر (معضلاً) تقدم ضبطه وبيان معناه أول الكتاب.

1893 -

"إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، في مأكله ومشربه ابن أبي الدنيا فيه عن علي بن زيد بن جدعان مرسلاً".

(إن الله تعالى يحب أن يرى) بتغيير صيغة يرى (أثر نعمته على عبده) الذي أنعم عليه (في مأكله ومشربه) فيوسع فيهما كما وسع عليه وكذلك في ملبسه وهو سبب الحديث كما سلف في قوله لأبي الأحوص: "إذا أتاك الله مالاً

" الحديث (ابن أبي الدنيا فيه) في كتاب قِرى الضيف (عن علي بن زيد بن جدعان مرسلاً) ولهم في علي بن زيد كلام وتضعيف وتقدم مرفوعًا (2).

1894 -

"إن الله تعالى يحشر المؤذنين يوم القيامة أطول الناس أعناقا بقولهم: لا إله إلا الله (خط) عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى يحشر المؤذنين) الذين ينادون بالصلوات الخمس (أطول الناس أعناقًا) تقدم الكلام عليه في: "أطول الناس أعناقًا" في الهمزة مع الطاء وزاد هنا (بقولهم لا إله إلا الله) فأبان سبب ذلك وهذه الكلمة وإن كان كل مسلم يقولها إلا أنهم يقولونها في أوقات مخصوصة بصوت معروف ويحتمل

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتابه "قرى الضيف" برقم (47)، وفي كتاب "العيال"(373)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3643) والضعيفة (5471).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في "قرى الضيف"(برقم 48)، وأخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2046)، ويشهد له ما أخرجه الترمذي (2819) بسند حسن مرفوعاً:"إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده". وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1715).

ص: 393

أنه عبر بها عن الآذان من إطلاق الجزء على الكل (خط عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عمر بن عبد الرحمن الوقاصي (1).

1895 -

"إن الله تعالى يحمي عبده المؤمن كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة (هب) عن حذيفة".

(إن الله تعالى يحمي) من الحماية المنع وحذف المحمي منه [1/ 226] للعلم به وهو الدنيا (عبده المؤمن) لا الفاجر فإنه يطلق له الدنيا (كما يحمي الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة) وتقدم سببه كما نبه تعالى له بحماية المريض يحميه أهله عما يشتهيه (هب عن حذيفة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف حسين الجعفي (2).

1896 -

"إن الله تعالى يخفف على من يشاء من عباده طول يوم القيامة كوقت صلاة مكتوبة (هب) عن أبي هريرة".

(إن الله تعالى يخفف على من يشاء من عباده طول يوم القيامة) الذي يفهم الآيات مثل قوله: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)} [المدثر: 10] وقوله: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8] إن المؤمنين لا يعسر عليهم وأجمل هنا في الحديث فيحتمل أنهم على المؤمنين وهم الذين يشأ التخفيف عليهم والمراد بهم خلص أهل الإيمان فإنهم الذين يخفف عليهم إلى أن يصير (كوقت صلاة مكتوبة) وغيرهم من أهل الإيمان وإن خفف عليهم لا يبلغ هذه الغاية (هب عن أبي هريرة) وإسناده حسن (3).

(1) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/ 384).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1727) والسلسلة الضعيفة (3130).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (10451).

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1779). وفي السلسلة الضعيفة (3102).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (362). وقال المناوي (2/ 299): فيه نعيم بن حماد أورده الذهبي في الضعفاء وقال أحمد: ثقة وقال النسائي غير ثقة وقال ابن عدي والأزدي يضع الحديث.

وقال الألباني في ضعيف الجامع (1730): ضعيف.

ص: 394

1897 -

"إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومنبله (حم 3) عن عقبة بن عامر (صح) ".

(إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد) من سهام الرمي (ثلاثة نفر الجنة صانعه محتسب في صنعته الخير) يقصد بها نفع أهل الجهاد من المؤمنين (والرامي به) في سبيل الله (ومنبله) من نبله أعطاه النبل ويحتمل أن يراد بائعه أو واهبه أو مناوله الرامي الرمي (حم 3 عن عقبة بن عامر) رمز المصنف لصحته (1).

1898 -

"إن الله تعالى يدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر، ومثله مما ينفع المسكين، ثلاثة الجنة: صاحب البيت الآمر به، والزوجة المصلحة، والخادم الذي يناول المسكين (ك) عن أبي هريرة "(صح).

(إن الله تعالى يدخل بلقمة الخبز وقبضة التمر) بالضاد المعجمة ما يقبضه الإنسان بيده وقال الشارح: بالصاد المهمة وهو خلاف ما رأيناه فيما قوبل على خط المصنف (ومثله مما ينفع المسكين) قبضة الزبيب وقطعة لحم (ثلاثة) مفعول يدخل (الجنة) مفعول فيه ليدخل (صاحب البيت الآمر به) بالتصدق (والزوجة المصلحة) للطعام (والخادم الذي يناول المسكين) وقد سلف في حديث عائشة: أن الزوجة إذا أنفقت كان لها أجرها بالإنفاق ولزوجها بالكسب وهذا الحديث يقضي بأن لها بالإصلاح أجر وللزوج بالآمر به أجر ولا منع من تعدد الأجور بتعدد الفيء وفضل الله واسع (ك عن أبي هريرة)(2) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: على شرط مسلم وتعقبه الذهبي.

(1) أخرجه أحمد (4/ 154) والترمذي (1637) وأبو داود (2513) وابن ماجه (2814) والنسائي (6/ 222). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1732).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 134)، وقال الذهبي: سويد متروك. وقال الألباني في ضعيف الجامع (1833): ضعيف جداً.

ص: 395

1899 -

"إن الله تعالى يدخل بالحجة الواحدة ثلاثة نفر الجنة: الميت، والحاج عنه، والمنفذ لذلك (عد هب) عن جابر".

(إن الله تعالى يدخل بالحجة الواحدة ثلاثة نفر الجنة) وهو (الميت) الذي أوصى أو حج عنه من غير وصية إلا أن قوله (والحاج عنه والمنفذ لذلك) يناسب الأول فإن التنفيذ يكون للوصية (عد هب عن جابر) ضعيف لضعف أبي معشر (1).

1900 -

"إن الله تعالى يدنو من خلقه فيغفر لمن استغفر إلا البغي بفرجها، والعشار (طب عد) عن عثمان بن أبي وقاص".

(إن الله تعالى يدنوا من خلقه) كأن المراد في ثلث الليل الآخر كما وردت به أحاديث أو نحوه من الأوقات التي ورَد أنه تعالى يدنوا دنواً فقال: وإفضال الأقرب مكان وانتقال (فيغفر لمن استغفر) طلب غفرانه (إلا البغي بفرجها) الزانية (والعشار) المكاس في النهاية (2) أنه من يأخذ العشر على ما كانت عليه أهل الجاهلية انتهى.

قلت: ومن يأخذه في الإِسلام مثله وهذا للاستثناء لهذين إعلام بأنه تعالى لا يقبل توبتهم واستغفارهم وهو موضع [1/ 527] لشأن الخطيئة بأنها لا تقبل عنها توبة أو إخبار بأنهما لا يتوبان حقيقة.

(طب عد عن عثمان بن أبي وقاص) برجال ثقات (3).

(1) أخرجه البيهقي (5/ 180) وابن عدي في الكامل (1/ 342) في ترجمة إسحاق بن بشر أبو يعقوب الكاهلي وقال: قد روى غير هذه الأحاديث وهو في عداد من يضع الحديث.

وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1731) والسلسلة الضعيفة (1964).

(2)

النهاية (3/ 476).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 54) رقم (8371) وابن عدي في الكامل في التراجم الساقطة من الكامل (1/ 103) ترجمة سلمة بن سليمان الموصلي الأزدي. وعزاه ابن حجر في الإصابة (5/ 515) لابن عساكر وضعف سنده. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1734) والسلسلة الضعيفة (1963).

ص: 396

1901 -

"إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه. وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] (حم ق ن هـ) عن ابن عمر"(صح).

(إن الله تعالى يدني) يقرب من أدناه إذا قربه إليه (المؤمن فيضع عليه كنفه) بفتح الكاف والنون في النهاية (1) أي يستره، وقيل: يرحمه ويلطف والكنف بالتحريك الجانب والناحية (ويستره من الناس) في يوم القيامة (ويقرره بذنوبه) يجعله مقرًا بها بتذكيره إياها وبين كيفية ذلك بقوله: (أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا، فيقول: نعم أي ربِّ) إقرارًا بذنبه (حتى إذا أقر بذنوبه ورأى) اعتقد وظن (في نفسه أنه قد هلك قال) الرب (فإني قد سترتها عليك في الدنيا) وفي الآخرة أيضًا فستره عن الناس عند إقراره (وأنا أغفرها لك اليوم) فيه أن الستر في الدنيا مما يؤنس ويدل على أنه من أدلة المغفرة لأن الدارين كلها وأحكامها بيده تعالى وأشار إلى ذلك من قال:

ركبنا خطايانا وسترك مسبل

وليس لستر أنت ساتره كشف

(فيعطى) بعد ذلك (كتاب حسناته بيمينه وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد) هم الملائكة أو الأنبياء (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) باتخاذ الشريك والولد ونحوها من قبائحهم (ألا لعنة الله على الظالمين) ليس لهم شفيع ولا رحمة وهذا الحديث من أحاديث الرَّجاء ومن أكثرها بشارة لأهل

(1) النهاية (4/ 375).

ص: 397

الإيمان (حم ق ن 5 عن ابن عمر)(1).

1902 -

"إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا. فرضي لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم. ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال (حم م) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثًا) يحبها ويثيبكم على فعلها (ويكره لكم ثلاثًا) قال المصنف في الديباج (2): يرضى في الحديث ويكره قال العلماء: الرضا والسخط والكراهة من الله تعالى المراد بها أمره ونهيه أو ثوابه وعقابه (فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا) لا أكبر ولا أصغر قال النووي (3): هاتان ثنتان وعندي أنهما واحدة والثالثة قوله (ولا تفرقوا) هكذا نقله المصنف وسكت عليه والظاهر أن الثانية قوله (وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا) وهو التمسك بكتابه والاتباع له وعدم الاختلاف والثالثة قوله (وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) من الأئمة فإن النصيحة لله ولأئمة المسلمين (ويكره لكم قيل وقال) تقدم تفسيره قريبًا (وكثرة السؤال) للناس أموالهم أو المسائل العلمية التي لا حاجة إليها ولا تعني الإنسان (إضاعة المال) إنفاقه فيما لا يحل والإسراف وتقدمت هذه الثلاث قريبًا (حم م عن أبي هريرة)(4).

1903 -

"إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين (م) عن

(1) أخرجه أحمد (2/ 74) والبخاري (4685) ومسلم (3768) وابن ماجه (183) والنسائي في الكبرى (11242).

(2)

الديباح (4/ 318).

(3)

شرح مسلم (12/ 11).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 367) ومسلم (1715).

ص: 398

عمر (صح) ".

(إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا) القرآن وقد سماه الله كتابًا في عدة آيات والرفع به إعلاء شأن حامليه والعارفين به والمتبعين لأحكامه والرفعة تحتمل أنها في دار الدنيا فإنها كانت العزة لأهل العلم أو في الآخرة فإنه يأتي أن بين العالم والعابد مائة درجة [1/ 528] بين كل درجتين حصر الجواد المضمر سبعين سنة أو في الدارين (ويضع به آخرين) هم المكذبون به والذين اتخذوه هزواً ولعبًا (م عن عمر بن الخطاب (1)).

1904 -

"إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل ببره والديه ابن منيع (عد) عن جابر".

(إن الله يزيد في عمر الرجل) أو المرأة (ببر والديه) أو أحدهما والظاهر أنها زيادة حقيقة وأنه يزيد في أيام عمره الذي قدره له تعالى وقيل: يكتب له من أعمار أعمال من زاد عمره وقد مضى في صلة الرحم مثله ويأتي أيضًا وهذا من المجازاة بأعمال الخير في الدنيا (ابن منيع عد عن جابر) ضعيف لضعف الكلبي (2).

1905 -

"إن الله تعالى يسأل العبد عن فضل علمه كما يسأله عن فضل ماله (طص) عن ابن عمر (صح) ".

(إن الله تعالى يسأل العبد عن فضل علمه) الفضل الزيادة والمراد ما زاد من علمه على ما يحتاجه فيسأل عنه لماذا تعلمه وفيم أنفقه (كما يسأل عن فضل ماله) من أين كسبه وفيم أنفقه وأما أصل علمه الذي لابدَّ له منه فإنه إنما يسأل ماذا علم منه وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي: "لا تزول قدما عبد حتى

(1) أخرجه مسلم (817) وابن ماجه (218).

(2)

أخرجه ابن منيع كما في الكنز (45467) وابن عدي في الكامل (3/ 43) وقال الألباني في ضعيف الجامع (1735): موضوع.

ص: 399

يسأل عن أربع

" (1)(طص عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته (2).

1906 -

"إن الله تعالى يسعر جهنم كل يوم في نصف النهار، ويخبتها في يوم الجمعة (طب) عن واثلة".

(إن الله تعالى يسعر جهنم) هو من سعر النار أوقدها أي يأمر بتسعيرها (كل يوم في نصف النهار) ولذا كان حر القيظ نفس من نفس جهنم (ويخبتها) بالخاء المعجمة يطفئها من خبت النار خبواً وخبوا طفئت وسكنت (يوم الجمعة) إكراماً لذلك اليوم. قيل: ولذا لا يكره فيه النافلة ساعة الزوال من يوم الجمعة وهذا في دار الدنيا أما في الآخرة فإنها دائمة التسعير لا تنطفئ ولا يخفف من عذابها (طب عن واثلة) هو ابن الأسقع (3).

1907 -

"إن الله تعالى يطلع في العيدين إلى الأرض، فابرزوا من المنازل تلحقكم الرحمة ابن عساكر عن أنس".

(إن الله تعالى يطلع في العيدين) عيد الفطر وعيد الأضحى (إلى الأرض ما برز وأمر المنازل) إلى الجنان كما هو الأظهر ويحتمل إلى المساجد (تلحقكم) بالبرور (الرحمة) التي تفاض على العباد فإنه تعالى إنما يطلع عليهم ليرحمهم وفيه أنه لا ينال ذلك إلا بالخروج ابن عساكر عن أنس وإسناده ضعيف (4).

1908 -

"إن الله تعالى يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء (حل) والضياء عن أنس (صح) ".

(1) أخرجه الدارمي (539)، والطبراني في الكبير (11/ 102 رقم (11177).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (448) وإسناده فيه يوسف بن يونس الأفطس وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1736).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 60)(593). وقال الألباني في ضعيف الجامع (1737): موضوع.

(4)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (55/ 161). وأورده الألباني في ضعيف الجامع (1714) والسلسلة الضعيفة (1806) وقال: موضوع.

ص: 400

(إن الله تعالى يعافي) من ألم العقاب (الأميين) جمع أمي وهو من لا يحسن الكتابة أو من على جلو الأمة لا يتعلم الكتاب باقٍ على أصل خلقته قاله القاموس (1) والمراد به هنا من ليس بعالم وإن كان يحسن الكتابة بدليل مفاعلته به (يوم القيامة ما لا يعافي العلماء) فإنه يتجاوز عن الجاهل بما لا يتجاوز عن العالم لأن الجاهل معذور فيما يفعله ولأن العالم يقتدي به الجاهل فيما يأتيه (حل والضياء عن أنس) رمز المصنف لصحته (2).

1909 -

"إن الله تعالى يعجب من سائل يسأل غير الجنة، ومن معي يعطي لغير الله، ومن متعوذ يتعوذ من غير النار (خط) عن ابن عمر".

(إن الله تعالى يعجب من سائل يسأل غير الجنة) في النهاية (3) تفسير عجيب الرب بأن كبر ذلك عنده وكبر عليه فالتعجب إخبار من عظمة المتعجب منه عنده تعالى؛ لأنه خلاف ما لا ينبغي وما يترقب كسؤال الله غير الجنة وكعدم صبوة الشباب كما سلف (و) يعجب (من معط) اسم فاعل من أعطى (يعطي لغير الله) لأنَّ العطاء لأجله تعالى لسبب، فالإخلاف في العاجل والأجر في الآخرة بخلاف الإعطاء لغيره فإنه إضاعة للمال وإخراج له عن يده بلا فائدة (و) يعجب (من متعوذ) اسم فاعل من استعاذ أي التجأ (يتعوذ من غير النار) لأنه كما يعلل غير النار عافية.

إن قلت: قد سلف في الأدعية الماضية النبوية سؤال غير الجنة والاستعاذة من غير النار.

(1) القاموس (ص 165).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 331)، (9/ 222) وقال: قال عبد الله بن أحمد قال أبي: هذا حديث منكر وما حدثني به إلا مرة وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 140) رقم (204). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1741) والسلسلة الضعيفة (3154).

(3)

النهاية (3/ 403).

ص: 401

قلت: من تأملها علم أنها عائدة إلى سؤال الجنة والاستعاذة من النار فإنه سؤال العافية مثلاً طلب لاقتداره لأداء الواجبات وكل قربة وقس عليه غيره وقس عليه الاستعاذة مثلاً من الجبن والبخل استعاذة من ترك واجب الجهاد وواجب المال الذي إلى النار وقس عليه غيره (خط عن ابن عمر)(1).

1910 -

"إن الله تعالى يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا (حم م د طب) عن هشام بن حكيم (حم هب) عن عياض بن غنم (صح) ".

(إن الله تعالى يعذب يوم القيامة) أي بالنار (الذين يعذبون الناس) لغير حق بل ظلمًا وعدوانًا (في الدنيا) ولفظه عام للكفار فلا يعذبهم بل إن قتلهم أحسن القتلة (حم (2) م د طب عن هشام بن حكيم) بن حزام (حم هب عن عياض بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون وأسانيده صحيحة.

انتهى رقم الجزء الأول من التنوير ولله الحمد على الإعانة يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين ومائة وألف سنة. بعناية مؤلفه سيدي السيد الجليل العلامة بدر الإِسلام المنير محمَّد بن إسماعيل الأمير أطال الله بقاءه وحرس ذاته وحماه وجزاه عن الإِسلام وأهله أحسن الجزاء آمين آمين.

(1) أخرجه الخطيب (9/ 267). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1741) وفي السلسلة الضعيفة (3134).

(2)

أخرجه مسلم (2613) وأحمد (3/ 403) وأبو داود (3045) والطبراني (22/ 170) رقم (437) من رواية هشام بن حكيم بن حزام وأحمد (3/ 404) والبيهقي في الشعب (5355) من رواية عياض بن غنم.

ص: 402

أول الجزء الثاني والله المستعان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي منه تلتمس المطالب، وبه يستعان على إبلاغ عبده المآرب، الأول الذي لا ثاني له في الوجود والإمكان، الذي بث الأدلة على وحدانيته في كل شيء وبقية مجرات الأكوان:

ففي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

الفاتح لمن قرع باب المعارف، أبواباً إلى رياض يقتطف أزهارها كل عارف، الذي منّ على هذه الأمة المحمدية، بسطوع أنوار الأحاديث النبوية، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي تفضل علينا بأن نظمنا في سلك حملة الآثار، وجعلنا من ذرية نبيه المختار، صلى الله عليه وعلى آله ما تعاقب ليل ونهار، فنحن أولاده بالإنساب، وأولى الناس بخدمة السنة والكتاب:

يا أهل بيت النبي من بذلت

في حبكم نفسه فما غبنا

من جاء في بيتكم يحدثكم

قولوا له البيت والحديث لنا

فلنا من علمي الكتاب والسنة وراثة نبوية، وسهم قامر مع علماء الأمة المحمدية:

فلنا الحديث وراثة نبوية

ولكل محدث بدعة إحداثه

والصلاة والسلام على رسوله أكمل الخلائق هديًا محمَّد بن عبد الله سيد أهل الأولى والأخرى وعلى آله حملة الكتاب والسنة، ومن لهم على أمته أكمل المنة.

وبعد:

فإن الله وله الحمد والثناء قد من بالفراغ من الجزء الأول من شرح الجامع الصغير الذي سميناه بالتنوير وهذا أوان الشروع في الجزء الثاني قد سقنا فيه ما

ص: 403

يسره الله من حل ألفاظه وإبانة المعاني، ونسأل الله أن ينفع به العباد ويجعله ذخيرة للنجاة في يوم المعاد.

1911 -

"إن الله تعالى يعطي الدنيا على نية الآخرة، وأبى أن يعطي الآخرة على نية الدنيا". ابن المبارك عن أنس".

(إن الله تعالى يعطي الدنيا على نية الآخرة) أي على نية العبد الآخرة أي لأعمالها، والمعنى أن من نوى بأعماله الآخرة أعطى الدنيا، ومن نوى بها للدنيا لم يعطها. (وأبى أن يعطي الآخرة على نية الدنيا) أي على نية العبد بأعمال الآخرة الدنيا وذلك كأن يتصدق على الفقير رجاء ثوابه تعالى وجزائه فإنه يعطيه الأجر في الآخرة ويخلف عليه في الدنيا بخلاف إذا أعطى الفقير على غير نية الآخرة فلا يعطى الأجر في الآخرة وأما الإخلاف في الدنيا فمسكوت عنه هنا، وقد أفيد من غيره أنه يعطاه. ابن المبارك (1) عن أنس، ورواه عنه أيضاً الديلمي بإسناد ضعيف.

1912 -

"إن الله تعالى يغار للمسلم فليغر". (طس) عن ابن مسعود (صح) ".

(إن الله تعالى يغار للمسلم) أي لأجله وتقدم تفسير الغيرة أنها الحمية والأنفة: أي بين متعلقها لا أنه بين معناها في حقه تعالى، يجيء فيها القولان: التسليم والتفويض أو التأويل بالحمل على المجاز فيراد بها الكراهة لأنه منه لازم الغيرة، وقد فسرت غيرته تعالى في الحديث الآتي بأنها تعلق بإتيان المؤمن ما حرم عليه. (فليغر) فليكره ما حرم الله عليه ويتجنبه ويغار على نفسه أن يراه مولاه عاصياً له. (طس)(2) عن ابن مسعود رمز المصنف لصحته وفيه عبد

(1) أخرجه ابن المبارك في الزهد (549)، والديلمي في الفردوس (546)، والقضاعي في الشهاب (1108)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1744)، والضعيفة (3156).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (1068)، والقضاعي في الشهاب (1091)، وانظر المجمع (4/ 327)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1745)، والضعيفة (3131).

ص: 404

الأعلى الثعلبي ضعيف.

1913 -

"إن الله تعالى يغار وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه". (حم ق ت) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعالى يغار وإن المؤمن يغار) وكأنه قيل وماذا غيرة الله فقال: (وغيرة الله إن يأتي المؤمن ما حرم عليه) من معاصيه. (حم ق ت (1) عن أبي هريرة).

1914 -

"إن الله تعالى يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم مهره، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد". (ت) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعال يقبل الصدقة) عام لواجبها ونفلها قليلها وكثيرها. (ويأخذها بيمينه) في النهاية (2) كلما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليد والأيدي واليمين إليه تعالى وغير ذلك من أسماء الجوارح إنما هو على سبيل المجاز والاستعارة والله تعالى منزه عن التشبيه والتجسيم. (فيربيها) ينميها. (لأحدكم) من أهل الإيمان.

(كما يربي أحدكم مهره) قال في القاموس (3): المهر: ولد الفرس أو أول ما ينتج منه ومن غيره، ليتوفر له أجرها ويصير صغيرها كبيرًا وقليلها كثيراً. (حتى أنَّ اللقمة لتصير مثل أحد) الجبل المعروف ويحتمل أن المراد يكافئ عليها فيجعل جزاء القليل كثيراً، والأول أظهر أنها تنمو في نفسها حتى يراها العبد يوم القيامة في ميزانه. (ت)(4) عن أبي هريرة رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي:

(1) أخرجه أحمد (2/ 343)، والبخاري (5223)، ومسلم (2761)، والترمذي (1168).

(2)

انظر: النهاية في غريب الحديث (5/ 301).

(3)

انظر: القاموس المحيط (2/ 137).

(4)

أخرجه الترمذي (662)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1902)، وقال في ضعيف الترمذي (106): منكر بزيادة: وتصديق ذلك

ص: 405

صحيح وزاد: وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] و {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] انتهى وظاهره أنه مرفوع.

1915 -

"إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". (حم ت هـ حب ك هب) عن ابن عمر (صح).

(إن الله تعالى يقبل توية العبد) فيمحق ذنوبه في كل حين من الأحيان. (ما لم يغرغر) بغين معجمة وراء بعدهما مثلهما وكسر الغين المعجمة الثانية أي يجود بنفسه عند الموت كما في القاموس (1) وهي من الغررة تردد الماء في الحلق، يقال: غرر المريض إذا تردد الماء في حلقه، وعن عطاء ولو حصل قبل موته بفواق ناقة، وعن النخعي ما لم يؤخذ بكظمه وإنما لم يقبل التوبة عند الغررة لأنها توبة إلجاء فقد شاهد هول المطلع ورأى الملائكة {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 22] ولأن من شرط التوبة العزم على ألا يعود وقد فات ذلك، وقد فسر التوبة حديث ابن مسعود:"التوبة من الذنب أن لا يعود إليه أبداً"(2)، وحديث أُبيّ (3) "التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك وتستغفر الله منه ثم أن لا يعود إليه أبداً، ويأتي حديثه والحديث مشتق من الآية {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} الآية. [النساء: 17] (حم ت هـ حب ك هب)(4) عن ابن عمر رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: حسن غريب.

(1) انظر القاموس المحيط (2/ 102).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (7035).

(3)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5457)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (2516): موضوع ومثله في الضعيفة (2250).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 153)، والترمذي (3537)، وابن ماجة (4253)، وابن حبان (628)، والحاكم (4/ 257)، والبيهقي في الشعب (7063). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1903).

ص: 406

1916 -

"إن الله تعالى يقول: لأهون أهل النار عذاباً لو أن لك ما في الأرض من شيءٍ كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلا الشرك ". (ق) عن أنس (صح).

(إن الله تعالى يقول) يوم القيامة. (لأهون أهل النار عذاباً) قد بين أهونهم عذاباً حديث النعمان بن بشير عند مسلم (1) بلفظ "أهون أهل النار عذاباً رجل يوضع في أخمص قدميه نعلان يغلي منهما دماغه"، ويأتي أيضاً "أن أهونهم عذابا أبو طالب وهو ينتعل النعلين من نار يغلي منهما دماغه" فيحتمل أن يراد به أبو طالب أو غيره ممن هو في مثل حاله. (لو أن لك ما في الأرض من شيءٍ) وهذا القول زيادة في عذابه وتحسيره وتنديمه. (كنت تفتدي به؟) هو جواب لو ويأتي باللام وبحذفها ومن الأول {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} ومن الثاني {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70]. (قال نعم) من باب {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} قيل: الآية {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ} [المائدة: 36] وهنا وقع ما في الأرض.

قلت: ذلك عام لكل كافر وهذا خاص بالأهون عذابًا وذلك في الإخبار أنه ما يتقبل منه الفداء، وهذا في أنه يعرض عليه ويخاطب به وأيضاً يحتمل أن يخاطب بهذا تارة وهذا تارة وفي التنصيص على الأهون عذاباً إفادة أن الأشد عذاباً أكبر توبيخًا وتنديماً وتحسيراً. (قال) الله. (فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئاً) هو بدل من قوله أهون من هذا وهو إشارة إلى ما ثبت في أحاديث واسعة من أنه تعالى لما خلق آدم مسح ظهره وسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها تعالى إلى يوم القيامة أمثال الذر ثم أخذ عليهم الميثاق فقال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] طائفة

(1) مسلم (213) وهو في البخاري أيضًا برقم (6193).

ص: 407

قالوا: كارهين وطائفة طائعين والأحاديث في ذلك كثيرة قال بعض المحققين لو أدعى فيها التواتر لما بعد وقد سرد المصنف منها في الدر المنثور في تفسير الآية ما تقر به عين الناظر -وقد عارض أحاديث عالم الذر هذه أحاديث "كل مولود يولد على الفطرة" وقد جمعنا بينهما في رسالتنا: رفع الأستار في رد أدلة القائلين بعدم خلود الكفار في النار-. فقوله: وأنت في صلب آدم لأنه أعاده إليه وإلا فالسؤال كان بعد إخراجه منه. (فأبيت إلا الشرك) إشارة إلى الطائفة الذين قالوا، وهم كارهون وتأتي زيادة في الكلام في حرف الخاء المعجمة في "خلق الله آدم فضرب كتفه اليمنى" الحديث. (ق)(1) عن أنس.

1917 -

"إن الله تعالى يقول: الصوم لي، وأنا أجزي به، إن للصائم فرحتين: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح، والذي نفس محمَّد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". (حم م ن) عن أبي هريرة وأبي سعيد معا (صح).

(إن الله تعالى يقول الصوم لي) أي أنه عبادة لم يعبد بها أحد من العباد شيئاً من الآلهة التي كانوا يتعبدون لها، ويأتي زيادة كلام فيه في شرح الصوم جنة في حرف الصاد المهملة. (وأنا أجزي به) على قدر اختصاصي به وأتولى الجزاء بنفسي لا أكله إلى أحد غيري. (إن للصائم فرحتين) هما من أول الجزاء. (إذا أفطر فرح) بما أداه من طاعة مولاه وبما أنعم به عليه من نعماءه. (وإذا لقي الله تعالى فجزاه) أعطاه أجر صومه. (فرح) {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]. (والذي نفس محمَّد بيده) وهو الله تعالى. (لخلوف) بضم الخاء المعجمة وضم اللام تغير رائحة. (فم الصائم) عند خلو المعدة. (أطيب عند الله من ريح المسك) أحب إليه تعالى من ريح المسك، يكون التطيب به

(1) أخرجه البخاري (3334)، ومسلم (2805).

ص: 408

قربة كالتطيب للجمعة مثلاً، نبأ على أن المراد طيب الأفواه نفسها، أو عند ملائكته أطيب من المسك عند بني آدم، وعلى هذا فهو يدل على أن الله تعالى جعل للملائكة إدراكا للرائحة كما جعله لبني آدم، وقد ثبت أنهم يتأذون من الرائحة الكريهة، وأنهم يتأذون مما يتأذى به بنوا آدم كما ورد في النهي عن دخول المسجد لمن أكل الكراث فإنه علل للأذى، وهل المراد في الدنيا أو يوم القيامة بأن تصير رائحة أفواه الصائمين أطيب من المسك محتمل وقد وقع فيه نزاع بين أئمة من أهل الحديث. (حم م ن)(1) عن أبي هريرة وأبي سعيد معاً أي اجتمعا على روايته.

1918 -

"إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما". (د ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعالى يقول) الآن في الدنيا. (أنا ثالث الشريكين) هما كل مشتركين في أمر من الأمور متعاونين عليه فإنه تعالى ثالثهما في الإعانة على ما اشتركا فيه. (ما لم يخن) من الخيانة ضد الأمانة. (أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما) تركت معونتهما وكلتهما إلى أنفسهما وأصابت عقوبة الخيانة الاثنين مع أن الخائن واحد لشؤم الخيانة: اعلم أن المعصية لا يختص شؤمها بفاعلها بل يتعدى إلى غيره وأدلته كثيرة منها هذا ومنها في صحيح البخاري "أنه صلى الله عليه وسلم خرج ليخبر أصحابه بتعيين ليلة القدر فتلاحى رجلان"(2) فرفع تعيينها لتلاحي الرجلين فأصاب شؤم تلاحيهما الأمة كلها وحرمت تعيين ليلة القدر، وثبت في الأحدث أن إمام الصلاة إن تلبس عليه القراءة فيها لإساءة من خلفه المأمومين للوضوء وفي القرآن: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ

(1) أخرجه أحمد (2/ 232)، ومسلم (1151)، والنسائي (4/ 162).

(2)

أخرجه البخاري (49).

ص: 409

أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]، فحرمت لأبنائهم الطيبات لشؤم ظلم الآباء وهذا المعنى كثير في الكتاب والسنة فالعاصي يظلم نفسه ويظلم لشؤم معصيته غيره ويأتي عكس هذا في أهل الطاعة فينال خيرهم غيرهم، قال الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33]، وفيه حث على التشارك في المكاسب ونحوها وعدم الخيانة. (د ك)(1) عن أبي هريرة رمز المصنف لصحته لأنه صححه الحاكم وأما أبو داود فسكت عنه فقيل الصواب أنه مرسل.

1919 -

"إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنَى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلَا، ولم أسد فقرك". (حم ت هـ ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعالى يقول) ورسوله بلغه النبأ. (يا ابن آدم تفرغ لعبادتي) تجرد وتخلى لها. (أملأ صدرك غنَى) قلبك الذي في صدرك والغنى ضد الفقر كما في القاموس، قال تعالى:{الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، إذ القلب محل الغنى والفقر والمراد من التفرغ للعبادة إيثارها على حظوظ الدنيا والإتيان بما أمر به منها فلا تلهيه عن ذكر الله لا أنه لا يفعل إلا العبادة. (وأسد فقرك) هو من سد الثلمة أصلحها ووثقها والمراد أنه لا يبقى للفقر ضرر بل يغنيه الله في نفسه ويبارك له في القليل من ماله. (وإن لا تفعل) لا تفرغ لعبادتي. (ملأت يديك شغلاً) بضم المعجمتين وتسكن الثانية. (ولم أسد فقرك) بل يبقى ملتهب القلب على الدنيا غير بالغ منها أمله وفي معناه عدة من الأحاديث وهو من الأحاديث القدسية. (حم ت هـ ك)(2) عن أبي هريرة رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقروه.

(1) أخرجه أبو داود (2/ 52)، والحاكم (2/ 60)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1748).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 358)، والترمذي (2466)، وابن ماجة (4107)، والحاكم (2/ 443)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1914)، والصحيحة (1359).

ص: 410

1920 -

"إن الله تعالى يقول: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا، لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة". (ت) عن أنس (ح).

(إن الله تعالى يقول: إذا أخذت) سلبت. (كريمتي عبدي) في النهاية (1): يريد عينيه أي جارحتيه الكريمتين عليه، وكل شيء يكرم عليك فهو كريمك وكريمتك. (في الدنيا)، يتعلق بأخذت وهو ظاهر فيمن أصيب بعينيه بعد أن رزقهما وأما من ولد مسلوبهما فلا يدخل في ذلك ويجهل دخوله. (لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة) والمراد مع الاحتساب والصبر كما قيدته به أحاديث أخر. (ت) (2) عن أنس رمز المصنف لحسنه وقال الشارح: رجاله ثقات.

1921 -

"إن الله تعالى يقول: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي". (حم م) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعالى يقول) يوم القيامة إذ هو يوم الجزاء. (أين المتحابون) الذين يحب كل واحد الآخر. (بجلالي) بالجيم مصدر جل جلالاً أي عظم. (اليوم أظلهم في ظلي) تقدم الكلام عليه وفي النهاية: أنه الرحمة وذلك مكافأة لهم على التحاب لأجل الله أي لأمره بالتحاب على لسان رسوله والمراد لأجل تعظيم أمري -أي أمري الخاص وسواء أمر بالتحاب، فالإضافة في أمري عهدية وهو الأمر بالتحاب الذي تقدم قريبا وفي صحيح مسلم وغيره مرفوعا والذي نفسي بيده:"لا تؤمنوا" هكذا يروى، ويروى: "لا تؤمنون حتى تحابوا

" الحديث. فأقسم صلى الله عليه وسلم ألا تثبت لهم حقيقة الإيمان حتى يتحابوا، وذلك أن الله تعالى يريد من عباده أن تكون قلوبهم مجتمعة غير متفرقة، متحابة غير متباغضة والآثار في هذا واسعة جدًا وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ

(1) النهاية (4/ 300).

(2)

أخرجه الترمذي (2400)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1904).

ص: 411

قُلُوبِكُمْ} [آل عمران: 103] وانظر كيف ذم الله النمام وجعل النميمة كبيرة وجعل عقوبتها عاجلة في القبر كما في حديث القبرين الذين أخبر صلى الله عليه وسلم أنهما يعذبان وأخبر أن أحدهما كان يمشي بالنميمة، فحرم الله النميمة وإن كانت صدقا وحقا لما فيها من إفساد القلوب وإثارة البغض والعداوة فقبح الحسن وهو الصدق وحرمه وعاقب فاعله وأباح الكذب وحسنه على صلاح بين الرجلين لما فيه من جمع القلوب وحصول الألفة فحسن هنا القبح كما قبح هناك الحسن وأثيب فاعل القبح وعوقب فاعل الحسن باعتبار إفساد القلوب وإصلاحها، تحابوا وتقدمت عدة أحاديث في الحث على الحب في الله بل تقدم حصر الإيمان عليه وعلى البغض فيه وهذا الاستفهام في ذلك المقام تنويه لشأنهم وتعظيمهم. (يوم لا ظل) مبني على الفتح اسم لا. (إلا ظلي) أي رحمتي وفيه حث على التحاب في الله. (حم م)(1) عن أبي هريرة.

1922 -

"إن الله تعالى يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه". (حم هـ ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعالى يقول) الآن. (أنا مع عبدي) هي معية خاصة غير المعية العامة. (ما ذكرني) مدة ذكره إياي. (وتحركت بي) بذكري. (شفتاه) قيل إن الذكر على الإطلاق اللساني ولا كمال فيه إلا مع مصاحبة القلب اللسان فقوله: "وتحركت بي شفتاه" دليل أن لا كمال في الذكر القلبي بل الأكمل هو ذكر القلب مع اللسان، وأنه أفضل من ذكر اللسان من غير ذكر القلب فهي رتب ثلاث. (حم ك هـ)(2) عن أبي هريرة رمز المصنف لصحته.

(1) أخرجه أحمد (2/ 237)، ومسلم (2566).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 540)، والحاكم (1/ 496)، وابن ماجة (3792)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1906).

ص: 412

1923 -

"إن الله تعالى يقول: إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاق قرنه". (ت) عن عمارة بن زعكرة.

(إن الله تعالى يقول) الآن في دار الدنيا. (إن عبدي كل عبدي) لفظ كل هنا صفة قال نجم الأئمة: إن من الجوامد الواقعة أوصافاً قياسيًا لفظ كل مانعاً للجنس مضافاً إلى مثل متنوعة لفظاً: ومعنى الحديث الرجل كل الرجل بمعنى كل الرجال أي أنه اجتمع فيه من خلال الخير ما يعرف في جميع الرجال، وذكر في معنى اللبيب أن من وجوه "كل" أن يكون نعتاً لنكرة أو معرفة ويدل على كماله ويجب إضافتها إلى اسم ظاهر يماثله لفظًا ومعنى وأشد على المعرفة قوله:"هم القوم كل القوم يا أم خالد". (الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) بكسر القاف وسكون الراء كفؤك في الشجاعة وهذه جملة حالية من فاعل يذكر أي يكون ذكره إياي حال لقاء عدوه والقرن وإن كان لا يدل على العداوة فالسياق مرشد، إليه أي أن عبدي الكامل في العبودية من يذكرني في أشد أحواله وأعظم أهواله حال ملاقاة قرنه ونزاله، وذلك لأنه لا يثبت على الذكر في تلك الحال إلا كامل العبودية من الرجال وإلا فإنه حال إزهاق مهجته وتجرع كأس حمامه، فذكره مولاه في ذلك المقام دال على أنه ما أذهله عن ذكره ملاقاة الحمام، فهو دليل على ثبات محبته وحقيقة عبوديته ولذا يفتخر الشعراء بذكر الأحبة في موقف إزهاق الأرواح واختطاف السيوف لها والرماح، قال عنترة:

ولقد ذكرتك والرياح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل الرماح لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

وهو كثير في أشعار المتأخرين كقول (الطغرائي):

ولقد أقول لمن يسدد سهمه

نحوي وأطراف المنية شرع

بالله فتش عن فؤادي هل ترى

فيه لغير هوى الأحبة موضع

ص: 413

(ت (1) عن عمارة) بضم المهملة وتخفيف الميم فراء، بن زعكرة بفتح أوله والكاف بينهما عين مهملة الكندي أبو عدي الحمصي له حديث (2).

1924 -

"إن الله تعالى يقول: إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشته، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليَّ لمحروم". (ع حب) عن أبي سعيد (صح).

(إن الله تعالى يقول إن عبداً) مطلق في أي عبد. (أصححت له جسمه) فلم تنزل به علة. (ووسعت عليه في معيشته) بالزيادة على كفايته. (تمضي عليه خمسة أعوام) من بعد تكليفه أو من بعد حجه حجة الإِسلام. (ثم لا يفد) بالفاء والدال المهملة من وفد إليه وعليه يفد وفدًا ووفودًا ووفادة. (إليَّ) إلى بيتي الذي جعلت الوفادة إليه كالوفادة (إليّ لمحروم) عن خير الدنيا والآخرة لأنه ترك ما في قصده خير الدارين لغير عذر فقد أحرم نفسه الخير، والأظهر أن المراد بعد حجة الفرض، إذ حجة الفرض يخاطب بها عقب بلوغه ولا تقدر خمسة أعوام، والحديث قاض بتأكد معاودة البيت على من كملت له الصفتان. (ع حب)(3) عن أبي سعيد رمز المصنف لصحته، وقال الشارح: ضعيف لضعف صدقه بن يزيد الخراساني، في المغني للذهبي (4) أنه وثق صدقة أبو زرعة، وقال ابن معين: صالح، وقال ابن حبان: لا يجوز الاشتغال بحديثه انتهى.

1925 -

"إن الله تعالى يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي، من أشرك بي شيئاً فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك بي، أنا عنه غني". الطيالسي

(1) أخرجه الترمذي (3580)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1750).

(2)

ليس له غير هذا الحديث، انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/ 353)، والإصابة (4/ 581).

(3)

أخرجه أبو يعلى (1031)، وابن حبان في موارد الظمآن (7703)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1909)، والصحيحة (1662).

(4)

انظر المغني (1/ 308).

ص: 414

(حم) عن شداد بن أوس.

(إن الله تعالى يقول أنا خير قسيم) مقاسم. (لمن أشرك بي) بتعبير صيغته أي لمن جعله العباد لي شريكاً وبين الأخيرية بقوله: (من أشرك بي شيئاً فإن عمله قليله وكثيره) بالنصب بدل من عمله. (لشريكه الذي أشرك بي) شرك عبادة كعباد الأصنام القائلين أنها تقربهم إليه زلفى وشرك رياء (أنا عنه) عن عمله. (غني) هو تعالى غني عن العمل الخالص فبالأولى عن المشوب (الطيالسي حم)(1) كذا في نسخ الجامع وهو خلاف قاعدته فإنه يقدم أحمد على الشيخين لتقدمه زمنًا وعلى غيرهم كأبي نعيم والطيالسي (عن شداد بن أوس)، سكت عنه المصنف وقال الشارح: إسناده حسن.

1926 -

"إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً". (حم ق ت) عن أبي سعيد (صح).

(إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة) إضافتهم إليها لتشريفه لهم بها ولم يقل: يا عبادي، ولا يا أهل الإيمان؛ لأن أهل الجنة أشرف من الوصفين وأخص إذ هم المؤمنون الذين خرجوا عن الذنوب فأدخلوا الجنة (فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك) تقدم الكلام على هذين اللفظين (فيقول هل رضيتم) إعلاماً لهم بأنه تعالى يريد رضاهم ليتم قوله في صفة أهل الجنة رضي الله عنهم ورضوا عنه. (فيقولون وما لنا لا نرضى) أيُّ أمر يوجب لنا عدم

(1) أخرجه أحمد (4/ 125)، والطيالسي (1120)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 369)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1749).

ص: 415

الرضى؟ (وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك) الذين لم يدخلهم الجنة (فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك) أي مما أعطيتم من دخول الجنة (فيقولون يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك) لم يكن في علمهم أنه يوجد شيء أفضل من ذلك. (فيقول أحل عليكم) هو من أحله المكان أنزله به والمراد أنزله مرتفعًا عليكم غامراً لكم شاملاً لجميعكم (رضواني) هو مصدر رضي عليه مضاف إلى فاعله (فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) تفريع على إحلال الرضا بهم وأنه لا يعقبه سخط لأنهم لا يأتون في دار كرامته ما يسخطه عليهم؛ لأنه تعالى ينزع عنهم شهوات القبائح التي بسببها ينزل بهم السخط أو لأن الجنة ليست دار تكليف، والسخط من لوازم التكليف (حم ق ت (1) عن أبي سعيد)، قال الترمذي: هذا حديث صحيح حسن.

1927 -

"إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، إن خير فخير، وإن شر فشر". (طس حل) عن واثلة.

(إن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي) أي رحمتي وغضبي موجودان عند العبد والأحاديث في حسن ظن العبد بالله قد تكررت وتكاثرت قد مضى شطر منها ويأتي كثير، وقد تكلمنا فيما مضى بما لا يخلو عن الفائدة ووردت الأحاديث بألفاظ متقاربة ولفظ الأمر نحو: ظنوا بالله أن يغفر لكم، ولفظ الخير.

قال بعض المحققين من المتأخرين: فإن قلت: كيف يتحصل الظن فإنه ليس موكولاً إلى الاختيار (2).

قلت: هو واقف على سببه والسبب واقف على اختيار العبد وذلك كما أمر

(1) أخرجه أحمد (3/ 88)، والبخاري (7518)، ومسلم (2829)، والترمذي (2555).

(2)

هنا وُضع عنوان: مطلب في أسباب حسن الظن الله.

ص: 416

بتحصيل العلم وليس واقفاً على الاختيار بل على سببه وهو الاستدلال والنظر وهو واقف على الاختيار وأكثر التكاليف ظنية وإنما يكلف بتحصيل أسبابها، فإن قلت فما أسباب الظن بأن الله سيغفر لي؟

قلت: منها النظر إلى سابق فضله حيث خلقك من المسلمين ووفقك للإسلام ثم ترادفت ألطافه المفضية بك إلى فعل كثير من الخير وترك الشرور وأنها لك بعد المعصية لعلك تستعتب وفتح باب التوبة، وحفظك لكتاب الله يعود عليك بركته ومواعظه بكرةً وأصيلا، وكذلك غيره من الوحي الذي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها كثيرة من أسمائه الحسنى، مثل الرحمن، الرحيم، الرؤوف، البر، الودود، الغفار، العفو، القريب، المجيب، ونحوها، وما تضمنته السنة من ذكر قضايا من المغفرة بأدنى شيء.

ومنها: أنه واسع المغفرة ولو ضايق العبيد بعض المضايقة لهلكوا، ولكنه لا يهلك على الله إلا هالك أي شأنه الهلاك لا علاج له.

ومنها: فضائل الأعمال التي أوتيت طرفاً منها مثل كلمة الشهادة وتلاوة القرآن وسائر الأذكار والصلاة والصيام والحج وغير ذلك.

ومنها: أن ترزق المحافظة على ما كلفت به من فعل أو ترك، لا سيما الاستغفار والتوبة على الدوام والإسراع إلى ذلك فإنك كالملثوغ وذلك ترياقه.

ومنها: أن يفتح الله عليك بذكره في قلبك ولسانك في كثير أوقاتك.

ومنها: ذكر الموت ومراقبة هجومه وأي سبب ذلك للإقبال على الله والإدبار عن الدنيا، وذلك من مثيرات الظن بالله أنه يريد بك الرحمة.

ومن حسن الظن: أنك تقبض على أحسن أحوالك فتصير جامعاً بين خوفك ورجائك للرب سبحانه.

ومنها: أن يسرك حسنتك وتسؤك سيئتك، فإن ذلك من علامة الإيمان.

ومنها: أن يرزقك حسن الظن به مع سوء ظنك بنفسك مما علمت من شرها

ص: 417

لأن ذلك أصلها وسبيلها فتنتهي عن الغرور.

وحاصل هذا البحث أحسن ما يقال في قوله تعالى: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18] فإن النظر في صورة الأعمال مع عدم الوثوق بها وتحوير اختلالها لا يكاد يسكن قلب المؤمن التقي ما لم تدرج هذه الأمور المذكورة فيصير قد قدم بعد حسن الظن بالله (إن خيراً فخير) فجزاؤه خير (وإن شراً فشر) فجزاؤه شر أي إن كان ظنه في خير فجزاؤه خير ومثله قسمه ولا بد من الفرق بين حسن الظن والغرور ويأتي تحقيقه (طس حل)(1) عن واثلة هو ابن الأسقع.

1928 -

"إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه؟ أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي". (م) عن أبي هريرة (صح).

(إن الله تعالى يقول) معاتباً ومخاطباً (يوم القيامة يا ابن آدم) خطاب لغير معين بل لمن يصلح لذلك العتاب وحين كان الموقف موقف عتب لم يشرِّفه بالإضافة إليه تعالى بيا عبدي (مرضتُ فلم تَعدني) بفتح المثناة من العيادة تقدم تفسيرها في قوله "اغبوا في العيادة" بأنها زيارة المريض (قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) كيف للسؤال عن الحال أيّ على أيّ حال وكيفية أعودك

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (401)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 306)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1905)، والصحيحة (1663).

ص: 418

والحال أنك الذي ليس كمثله شيء، والعيادة إنما هي بين المتجانسين، فعلى أي حال يتأتى للمربوب عيادة خالقه.

إن قلت: أما كان الأهم أن يسأل عن المرض لأنه سبب عيادته ولم يسأل عن كيفية العيادة التي هي متفرعة عن تقرر المرض؟

قلت: الأمر الذي وبخ عليه العبد ووجه إليه العيب على عدم فعله له هو العيادة التي هي متفرعة عن تقرر المرض. فالأهم تقصيه عما لامه ربه على تركه، ووبخه من أجله فهو الذي يتوجه إليه السؤال، ولأنه قد علم العبد أن رب العالمين لا يجوز عليه شيء مما يجوز على العباد من الأمراض والأسقام وما ذكر معه، إذ هي من عوارض الأجسام وصار هذا يقيناً عند العبد فعلم أنه قد أريد بإسناد المرض إليه تعالى معنىً مجازاياً، وأنه هذا الذي يعنيه السؤال عنه، ولأنه سؤال عن كيفية العيادة فيستفيد من جوابها معرفة المعنى المجازي الذي أريد بتركيب مرضت (قال أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده) أفاد أنه أريد بمرضت مرض عبدي فلان، وأن الكيفية المسئول عنها هي عيادة ذلك العبد الذي علم بمرضه وهو مجاز عقلي إسناد إلى السبب والقرينة عقلية وإيثار المجاز على الحقيقة ليفيد تعظيم شأن العيادة وما ذكر فيها. (أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) لوجدت إثابتي ومغفرتي ورحمتي عند المريض (يا ابن آدم إستطعمتك فلم تطعمني) طلبت منك الأطعام فلم تفعل (قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين) هو كما سلف تقريره فإن المواد ليس الطعم ولا الاستطعام من شأنك فإنك تطعم ولا تطعم (قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه) بخلاً منك إذ لو كان عن عدم لكان عذراً لا غبار عليك (أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي) لم يقل لوجدتني عنده كما في الأول وذلك لعظم شأن العيادة وأنه يجد الأجر نفسه عند المريض كأنه ضالة قد أعدت عنده وبحضرته، ويأتي حديث ثوبان "من عاد مريضاً لم يزل في خرفة

ص: 419

الجنة حتى يرجع" (1) ثم المراد وجد أن ثواب الإطعام عنده تعالى والإطعام بمعنى الطعام نفسه لأن وجود ثوابه كوجوده أو لأنه تعالى يجعل له عين ما وهبه عنده كما ورد "أنه تعالى يأخذ الصدقة بيمينه فيربها لعبده" (2) ثم إسناد الاستطعام إليه تعالى يحتمل الحقيقة ويراد طلبت إطعامك عبدي بما أمرتك به من الصدقة وحتيتك عليه فلم تطعمني أي لم تمتثل أمري وعبَّر عنه بالإطعام مشاكلة، ويكون قول العبد وكيف أطعمك ذهاباً منه إلى المعنى الحقيقي لعظمة الموقف دهشاً لهول المقام فلم يلاحظ القرينة العقلية وهي استحالة طعمه، ويحتمل أنه مجاز عقلي لعلاقة السببية والمسببة ويجري هذا في قوله: يا ابن آدم، يحتمل أن المخاطب واحد وأنها اتفق له هذه الخلال ويحتمل التعدد (استسقيتك فلم تسقني قال: يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك) لم يقل أما علمت كما في الأولين كأنه اكتفى بذلك من الراوي أو أنه تعالى يقول هذا تارة وهذا تارة (عبدي فلان فلم تسقه) يحتمل أيضاً أن العبد في الثلاث واحد وأنه اتفق له المرض وأخويه ويحتمل التعدد، ويحتمل أن كل خله من الخلال اتفقت لرجل من الرجال، ويحتمل أن كل خله اتفقت لإنسان مع إنسان أو مع جماعة أو اثنين مع واحد أو نحو ذلك. (أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي) حذف اللام مع جواب لو مع إتيانها في قرينتيها تنبيهاً على أهمية العيادة والإطعام عليه كما وقع ذلك في قوله تعالى:{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} ، وفي المشروب {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا} [الواقعة: 70] قال جار الله (3): دخلت اللام في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر

(1) أخرجه مسلم (2568).

(2)

انظر: التمهيد لابن عبد البر (4/ 302)، وفيض القدير (5/ 332).

(3)

انظر: الكشاف (1/ 1223).

ص: 420

المطعوم يقدم على أمر المشروب. (م)(1) عن أبي هريرة).

1929 -

"إن الله تعالى يقول: إن لأهم بأهل الأرض عذاباً فإذا نظرت إلى عُمَّار بيوتي والمتحابين في والمستغفرين بالأسحار صرفت عذابي عنهم". (هب) عن أنس.

(إن الله تعالى يقول إن لأهم) أريد (بأهل الأرض عذاباً) على قبائح ما أتوه مما لا يرضاه. (فإذا نظرت إلى عُمَّار بيوتي) بالطاعات وتقدم إذا أراد الله بقوم عاهة نظر إلى أهل المساجد فصرف عنهم. (والمتحابين فيَّ) الذين يتحابون في الله (والمستغفرين بالأسحار) فإنه أشرف أوقات ذلك. (صرفت عذابي عنهم) يحتمل عوده إلى الثلاثة الأصناف المذكورين، ويحتمل أنه لأهل الأرض بسبب طاعات هؤلاء، وهذا الأخير أقرب لأنه يرشد إليه الحديث الماضي الذي أشرنا إليه، وفيه أنه يدفع العذاب عن القوم المستحقين له بجوار الصالحين ففيه حث على جوار أهل الصلاح. (هب (2) عن أنس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف صالح المري، ففي المغني: صالح بن بشير المري الزاهد، عن الحسن، تركه أبو داود والنسائي (3).

1930 -

"إن الله تعالى يقول: إني لست على كل كلام الحكيمٍ أقبل على همه وهواه فإن كان همه وهواه فيما يحب الله ويرضى جعلت صمته حمدًا لله ووقاراً وإن لم يتكلم". ابن النجار عن المهاجر بن حبيب.

(إن الله تعالى يقول إني لست على كل كلام الحكيم) هو ذو الحكمة وتقدم أنها عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. (أقبل) بالإثابة عليه والرضى به. (ولكن أقبل) إقبال رضي وإثابة (على همِّه وهواه) على إرادته وما يهوى من

(1) أخرجه مسلم (2569).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (9051)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1751): ضعيف جدًا.

(3)

انظر: المغني رقم (2817).

ص: 421

كلامه (فإن كان همه وهواه فيما يحب الله ويرضى) قاصداً وجهه تعالى (جعلت صمته حمدًا الله) كتبت له بصمته ما أكتبه للحامدين مقابلة له بنيته (ووقاراً) وقوله: (وإن لم يتكلم) بعد قوله صمته يراد به هذا الكلام الخاص وهو حمده فيجعل عدم حمده حمداً لله وإن لم ينطق به فالعمدة في الإثابة والقبول هو النية. ابن النجار (1) عن المهاجر بن حبيب) بالحاء المهملة، بزنة قريب.

1931 -

"إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته ما دام في وثاقه وللمسافر أفضل ما كان يعمل في حضره". طب عن أبي موسى (صح).

(إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته) تقدم الكلام في: "إذا مرض العبد أو سافر" الحديث، إلا أنه هناك لم يصرح بأنه يكتب له أفضل بل مثل ما كان يعمل فهو مقيد لمطلق ذلك، والمراد كتابة ما كان يفعله من أفعال الخير كما صرح به، كتب الله له من الأجر فهذا العموم مراد به الخصوص، (ما دام في وثاقه) بكسر الواو وتفتح ما يشد به، وأوثقه به شدة كما في القاموس (2) شبه ما يُقْعِده عن الطاعات من الأمراض بآلةٍ يوثق بها الأسرى ونحوهم، وفيه أن علة الكَتْب له أنه تعالى أوثقه بالمرض عن طاعاته فكتب له أفضل من أجر عمله الذي فاته. (وللمسافر) عطف على المريض أي يكتب له. (أفضل ما كان يعمل في حَضَره) لأنه بالسفر شُغل عن الطاعات المضادة له، وفيه أنه ينبغي للعبد الصحيح المقيم الإكثار من الطاعات ليكتب له أفضل منها إذا قعد عنها. (طب (3) عن أبي موسى) رمز المصنف لصحته.

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (5/ 213)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1752)، والضعيفة (2050): ضعيف جدًّا.

(2)

القاموس (ص: 1197).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8609)، وفي الصغير (1092)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1755).

ص: 422

1932 -

"إن الله يكره فوق سمائه أن يُخَّطَّأ أبو بكر الصديق في الأرض". الحارث، (طب) وابن شاهين في السنة عن معاذ.

(إن الله يكره فوق سمائه) يظهر الكراهة لسكان سماءه. (أن يخطَّأ) ينسب. (أبو بكر الصديق) رفيق المصطفى في الغار إلى الخطأ. (في الأرض) لما علمه من إخلاص نيته وكمال إيمانه وليس لعصمته عن الخطأ لأن خطأه إن وقع مغفور له بما له من السوابق. (الحارث بن أبي أسامة طب (1) وابن شاهين) في السنة كتابه الذي ألفه فيها (عن معاذ)، سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

1933 -

"إن الله تعالى يكره من الرجال الرفيع الصوت، ويحب الخفيض من الصوت". (هب) عن أبي أمامة.

(إن الله تعالى يكره من الرجال الرفيع الصوت) جهورته، يقال رفع ككرم رفاعة صار رفيع الصوت (ويحب خفيض الصوت) من الخفض وهو غض الصوت كما في القاموس (2)، ووجهه أن شدة الصوت ينافي الوقار ويدل عل الوقاحة وينبئ عن الشرية وعكسه خفضه إلا أنه قد يحسن رفعه في تعليم علم أو وعظ أو خطابة (هب (3) عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وقال مخرجه: ليس إسناده بالقوي.

1934 -

"إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل". (د) عن عوف بن مالك.

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 67) رقم (124)، والحارث بن أبي أسامة (956)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجمه (286)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1757)، والضعيفة (3136): موضوع.

(2)

القاموس المحيط (ص: 933).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (8537)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1758)، والضعيفة (3142): ضعيف جداً.

ص: 423

(إن الله تعالى يلوم على العجز) هو ترك ما يجب فعله بالتسويف كما في النهاية (1)، (ولكن عليك) أغرى أي ألزم. (بالكيس) بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية آخره مهملة وهي الكياسة وهي تجري مجرى الرفق (فإذا غلبك أمر) بعد الكياسة فيه. (فقل حسبي الله ونعم الوكيل) كلمة التفويض واجعلها عوض لو كان كما يقوله من غلبه أمر. (د (2) عن عوف بن مالك) سكت عليه المصنف وهو ضعيف للجهل بحال سيف الشامي وفي التقريب: سيف الشامي وثقه العجلي (3).

1935 -

"إن الله تعالى يمهل حتى إذا كان ثلث الليل الآخر نزل إلى سماء الدنيا، فنادى: هل من مستغفر؟، هل من تائب؟، هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر"(حم م) عن أبي سعيد وأبي هريرة معه معا (صح).

(إن الله تعالى يمهل) من الإمهال وهو التأخير (حتى إذا كان) وجد (ثلث الليل الآخر نزل إلى السماء الدنيا) في النهاية (4): النزول والصعود والحركات والسكون من صفات الأجسام والله يتعالى عن ذلك ويتقدس والمراد به نزول الرحمة والألطاف الإلهية وقربها من العباد، وتخصيصها بالليل وبالثلث الأخير لأنه وقت التهجد وغفلة الناس، وهذا على رأي، وأما غيرهم فيقولون نؤمن به ولا نكيفه، ولا نأوله وهو أولى. (فنادى هل من مستغفر) أي فأغفر له كما صرح به في غيره. (هل من تائب) أي فأتوب عليه كما صرح به كذلك. (هل من سائل) فأجيب سؤاله كما في غيره. (هل من داع) كأنه أريد سائل لأمر خاص، وبداع ما هو أعم فيكون من عطف العام على الخاص ويستمر هذا. (حتى ينفجر الفجر)

(1) النهاية (3/ 406).

(2)

أخرجه أبو داود (3627)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1759).

(3)

انظر: التقريب (2729).

(4)

النهاية (5/ 104).

ص: 424

وفيه أن الثلث الأخير أفضل الأوقات الليلية وأنه ينبغي تحريه للدعاء والسؤال. (حم م)(1) عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة معاً).

1936 -

"إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب". (حم ت هـ) عن عائشة.

(إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان) وهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم. (إلى سماء الدنيا فيغفر) ظاهره مغفرة مبتدأه لا عن سبب توبة واستغفار وظاهره الكبائر والصغائر وهذا محض فضل من الله الأكثر من عدد شعر غنم كلب) قبيلة كثيرة الأغنام. (حم، ت، هـ عن عائشة)(2) سكت عليه المصنف وقال الترمذي: لا يعرف إلا من حديث حجاج بن أرطأة، قال وسمعت محمداً يضعف هذا الحديث.

1937 -

"إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد مسجد مكة في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين". (طب) والحاكم في الكنى وابن عساكر عن ابن عباس.

(إن الله تعالى ينزل على أهل هذا المسجد) فيه تفخيم لشأنه بالإشارة أولاً ثم الإبهام بعدها ثم الإبدال بقوله: (مسجد مكة) المراد به حول الكعبة وهو الذي كان في عصره صلى الله عليه وسلم، والمراد بأهل المسجد كل من يتصل ولو غريبًا (في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة) كأن التجزئة لها وإن كانت معنى باعتبار آثارها. (ستين للطائفين) يحتمل أن المراد لكل طائف لأن اللام قد أخرجت الجمع إلى الجنس كما نص عليه الأئمة في {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] أي

(1) أخرجه أحمد (3/ 43)، ومسلم (758).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 238)، والترمذي (739)، وابن ماجة (1389)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1761).

ص: 425

كل محسن وهو الأظهر، ويحتمل أن يراد لجملة الطائفين يفرق بينهم وقس عليه قوله:(وأربعين للمصلين) أي فرضاً أو نفلاً. (وعشرين للناظرين) المشاهدين للبيت ثم الطائف يحتمل أن يراد به المحلق حول البيت فيدخل بصلاة ركعتي الطواف في المصلين ويدخل أيضاً في الناظرين ويحتمل أن يراد الطواف بلازمه وهو ركعتاه ثم الناظر هل يشمل من عرض له عن النظر مانع العمى مثلاً يحتمل. ويدخل من نظره أي نظره ولو من خارجه ولو مرئياً به. (طب والحاكم في الكنى وابن عساكر (1) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف، وقال الأئمة: إنه ضعيف لضعف عبد الرحمن بن السفر (2) وغيره لكنه قال ابن الصلاح في شرح مناسك ابن الرءوف: أن له طريقاً يرتقي بها إلى الحسن.

1938 -

"إن الله تعالى ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر البلاء". (عد)، وابن لال عن أبي هريرة.

(إن الله تعالى ينزل المعونة) هي الاسم من أعانه ويقال فيها العون. (على قدر المؤنة) من التمون وهو كثرة النفقة على العيال، يقال: مانه يمونه وهو نظير: "أنفق ينفق عليك". (وينزل الصبر) في القلوب. (على قدر البلاء) على قياسه إن كان عظيماً أنزله تسليه عما أصابه وإن كان حقيراً كان كذلك، فهو تعالى يمد العباد بإعانته على الأمور الحسية والفعلية. (عد وابن لال (3) د ن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عبد الرحمن بن واقد.

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 195) رقم (11475)، وانظر الترغيب والترهيب (2/ 123)، وضعفه الألباني ما ضعيف الجامع (1760)، والضعيفة (187).

(2)

انظر المغني (2/ 381).

(3)

أخرجه البخاري في التاريخ (3124)، وابن عدي في الكامل (6/ 401)، والبيهقي في الشعب (9954)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (423)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1919)، وحسنه في الصحيحة (1664).

ص: 426

1939 -

"إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم". (حم ق 4) عن ابن عمر (صح).

(إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) تقسموا بهم على أي أمر، وتخصيص الآباء مع أنه منهي عن الحلف بغير الله لأنهم كانوا يحلفون بهم، فخرج النهي على ما عهدوه وهم عليه، ويأتي حديث ابن عمر "من حلف بغير الله فقد أشرك"(1) ووجه النهي أن الحلف بالشيء تعظيم له إلى نهاية لا يكون إلا الله، وأما حديث مسلم (2) "أفلح وأبيه إن صدق" فقد أول بما قال الخطابي (3): هذه كلمة جارية على ألسنة العرب تستعملها كثيراً في خطابها تريد بها المبالغة، وقيل: يحتمل أنه قبل النهي عن الحلف بالآباء، ويحتمل أنه على تقدير ورب أبيه إلا أنه تقدير يوجب عدم الثقة بروايات الثقات. (حم ق 4 (4) عن ابن عمر) ولفظه عند الشيخين:"ألا إن الله نهى أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت" فاختصره المؤلف.

1940 -

"إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثاً، إن الله يوصيكم بآبائكم مرتين، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب". (خد هـ طب ك) عن المقدام (صح).

(إن الله يوصيكم) يعهد إليكم. (بأمهاتكم) بالبر بهن. (ثلاثًا) يؤكد الوصية في شأنهن ثلاث مرات، وتقدم حديث:"أمك ثم أمك ثم أمك" مكرر ثلاثاً لفظاً. (إن الله يوصيكم بآبائكم مرتين) فحق الأم آكد. (إن الله يوصيكم بالأقرب

(1) أخرجه أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، وأحمد (2/ 69)، وابن حبان (4358)، وقال الألباني: صحيح.

(2)

أخرجه مسلم (11).

(3)

انظر: معالم السنن مع مختصر المنذري لسنن أبي داود (1/ 230).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 8)، والبخاري (7401)، ومسلم (1646)، وأبو داود (3249)، والترمذي (1534)، والنسائي (7/ 5)، وابن ماجة (2094، 2101).

ص: 427

فالأقرب) أطلقه عن القيدين الأولين والمراد مره والإطلاق لها وهو من عطف العام على الخاص، وفي الحديث تفصيل الحقوق وبيان شأنها وأنه يبدأ بالأم في البر ثم الأب ثم الأقرب فالأقرب. (خد هـ طب ك (1) عن المقدام بن معدي كرب) بإسناد حسن ورمز المصنف لصحته.

1941 -

"إن الله تعالى يوصيكم بالنساء خيراً، فإنهن أمهاتكم، وبناتكم، وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما تعلق يداها الخيط، فما يرغب واحد منهما عن صاحبه". (طب) عن المقدام.

(إن الله تعالى يوصيكم بالنساء خيراً) ظاهره توصية بمطلق النساء قرابات وغيرهن ويرشد إليه قوله: (فإنهن أمهاتكم) أي الكبرى منهن بمنزلة الأم، فبروا بها. (وبناتكم) أي الصغرى بمنزلة البنت. (وخالاتكم) أي الوسطى في منزلة الأم، ويعلم منه البر بالقرابة بطريق الأولى. (إن الرجل من أهل الكتاب) هو استئناف بيان لخلة ممدوحة من خلال أهل الكتاب. (يتزوج المرأة وما تعلق يداها الخيط) كناية عن أنه لا يعطيها شيء، أو عن أنها صغيرة لا تقدر تحمل الحلي. (فما يرغب واحد منهما عن صاحبه) لصبر كل واحد على الآخر حتى يموت هرمًا وهو إخبار عن صحبة أهل الكتاب لنسائهم وحث للمؤمنين على التخلق بهذا الخلق فهم أحق بحسن الصحبة من أهل الكتاب لأن المؤمنين أولى بالتخلق بكل مكرمة. (طب (2) عن المقدام) سكت عليه المصنف ورجاله ثقات.

(1) أخرجه البخاري في الأدب (60)، وابن ماجة (3661)، وأحمد (4/ 132)، والطبراني في الكبير (20/ 270) رقم (637)، والحاكم (4/ 151)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1924)، والصحيحة (1666).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 274) رقم (648)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1763)، وصححه الألباني في الصحيحة (2871).

ص: 428

1942 -

"إن الإبل خلقت من الشياطين، وإن وراء كل بعير شيطاناً". (ص) عن خالد بن معدان مرسلاً.

(إن الإبل خلقت من الشياطين) كلمة من ابتدأ به مثلها في خلقه من سلالة من طين أي خلقت من الجنس الذي خلقت من الشياطين وهو النار، ويحتمل أنها خلقت من نفس الشياطين ولا ينافيه قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45] إما لأن هذا تخصيص لذلك أو لأن المراد هذا التناسل المشاهد فإنه من ماء والأصل من الشياطين. (وإن وراء كل بعير شيطاناً) فيه أنها تلازمها الشياطين ولذلك أمر من شرى بعيراً بالأخذ بذروته والتعوذ ونهى عن الصلاة في معاطن الإبل (ص (1) عن خالد بن معدان مرسلاً) أرسل عن ابن عمر وغيره.

1943 -

"إن الأرض لتعج إلى الله تعالى من الذين يلبسون الصوف رياءا". (فر) عن ابن عباس.

(إن الأرض لتعج إلى الله) العج: رفع الصوت من عج عجًا وعجيجاً شاكية. (من الذين يلبسون الصوف رياءاً) إيهاماً للناس أنهم من الزاهدين في الدنيا وهم بخلافه وفيه كراهة الأرض للمعاصي ومن الرياء وشكاؤها إلى الله فيها وهو محمول على الحقيقة فيه رفع صوتها ويحتمل المجاز. (فر (2) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وسنده ضعيف.

1944 -

"إن الأرض لتنادي كل يوم سبعين مرة: يا بني آدم كلوا ما شئتم واشتهيتم، فوالله لآكلن لحومكم وجلودكم". الحكيم عن ثوبان.

(1) أخرجه الدارمي (2667)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1579).

(2)

أخرجه الديلمي في الفردوس (6805)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1409): موضوع، وقال في الضعيفة (2259): باطل.

ص: 429

(إن الأرض لتنادي كل يوم سبعين مرةً) يحتمل حقيقة العدد أو التكثير كما يحتمل النداء الحقيقة والمجاز قائلة. (يا بني آدم كلوا مما شئتم) هو من باب اعملوا ما شئتم. (واشتهيتم فوالله لآكلن لحومكم وجلودكم) أي تأكلها هوامي التي خلقت علي وأبليكم وأحيلكم، وهو غير مخصوص بالأنبياء والشهداء فإن الله حرم على الأرض أكل لحومهم كما ورد في الأحاديث.

إن قيل: ما فائدة النداء ولا يسمعه بنو آدم؟

قلت: إخبار الصادق به ليؤمن به فيفوز بالإيمان بالغيب فيؤجر وكأنا قد سمعناه منها. (الحكيم (1) عن ثوبان) بالمثلثة مثنى ثوب وهو مولاه صلى الله عليه وسلم.

1945 -

"إن الإِسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء"(م هـ) عن أبي هريرة (ت هـ) عن ابن مسعود (هـ) عن أنس (طب) عن سلمان وسهل بن سعد وابن عباس (صح).

(إن الإِسلام بدأ) مقصور وقيل يجوز همزه أي ظهر. (غريباً) في النهاية أنه كان أول أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل عنده لقلة المسلمين حينئذٍ. (وسيعود غريباً كما بدأ) لقلة أهل الإيمان آخر الزمان فيصير كالغريب. (فطوبى) اسم للجنة أو شجرة فيها. (للغرباء) أي أنها لأولئك الغرباء في أول ذلك الزمان الذي بدأ فيه وتكون أيضاً لهم في آخره، وذلك لصبرهم على الغربة وأذى من يخالفهم وقد ألف بعض العلماء رسالة في هذا الحديث وفي الكلام عليه. (م هـ) عن أبي هريرة (ت هـ) عن ابن مسعود (هـ) عن أنس (طب)(2) عن سلمان وسهل ابن سعد وابن عباس) وعن غيرهم.

(1) أخرجه الحكيم في نوادره (2/ 306)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1410).

(2)

أخرجه مسلم (145)، وابن ماجة (3986) عن أبي هريرة، والترمذي (2629)، وابن ماجة (3988) عن ابن مسعود، وابن ماجة (3987) عن أنس، والطبراني في الكبير (6/ 164) رقم (5867) عن سهل بن سعد (6/ 256) رقم (6147) عن سلمان.

ص: 430

1946 -

"إن الإِسلام بدأ جذعاً، ثم ثنياً، ثم رباعياً، ثم سديساً، ثم بازلاً". (حم) عن رجل.

(إن الإِسلام بدأ جذعاً) بجيم وذال معجمة والجذع من الدواب الفتى من الإبل ما دخل في الخامسة ومن البقر والمعز في الثانية وقيل في الثالثة ومن الضأن ما تمت له سنة وانتصاب جذعاً على الحال من فاعل بدا أو على أنه خبره على أنه من الأفعال الناقصة كما يقول الرضى: أنه لا انحصار لها. (ثم ثنياً) في القاموس (1) أنه البعير في السادسة والفرس الداخلة في الرابعة والشاة في الثانية كالبقرة. (ثم رباعياً) بفتح الراء، وهو يقال لذات الخف إذا دخلت في السادسة، وللغنم في الرابعة وللبقر، وذات الحافر في الخامسة، فهو مثل الثني إلا أنه يقال إنه إذا كان في أول السادسة قيل له ثني وإذا كان في آخرها قيل رباعياً. (ثم سديساً) بفتح أوله في النهاية (2) السديس من الإبل ما دخلت في السنة الثامنة وذلك إذا ألقى السنن التي بعد الرباعية. (ثم بازلاً) وفيها البازل من الإبل الذي له ثمان سنين ودخل في التاسعة وحينئذٍ يطلع نابه وتكمل قوته (3)، قال عمر صلى الله عليه وسلم (4): ما بعد البزول إلا النقصان فهذه رتب خمس ذكرها صلى الله عليه وسلم تكون للإسلام، والغربة آخره تكون بعد البزول والغربة في أوله قلة أهله، وإلا فإنه جذع مقبل الثنية، وهو إعلام أنه يقوي أمر الدين وقد كان كذلك فإنه كما قال الحافظ الذهبي في التذكرة في آخر الطبقة الثانية (5): كان في هذا القرن الفاضل خلق عظيم من أهل العلم وأئمة الاجتهاد وأبطال الجهاد في أقطار البلاد، وساده عباد

(1) انظر القاموس (4/ 309).

(2)

انظر النهاية (2/ 354).

(3)

هذه الكلمات تستعمل في تحديد أسنان الدواب، انظر غريب الحديث للهروي (3/ 72 - 73).

(4)

قول عمر ذكر مع الحديث في المسند وغيره.

(5)

انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (1/ 70).

ص: 431

أبدال وأوتاد وكان الإِسلام ظاهراً عالياً قد طبق الأرض وافتتحت بلاد الترك وإقليم الأندلس بعد التسعين في دولة الوليد وجميع الأمة من تحت أوامره بل بعض نوابه وهو الحجاج الظالم في رتبة أعظم سلطان يكون انتهى. (حم)(1) عن رجل) أي من الصحابة وفيه راو لم يسم وبقية رجاله ثقات.

1947 -

"إن الإِسلام نظيف فتنظفوا، فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف"(خط) عن عائشة.

(إن الإِسلام نظيف) أي أوامره ونواهيه وجميع آدابه وردت لتنظيف الظاهر والباطن. (فتنظَّفوا) بإتباعه وامتثال ما فيه. (فإنه لا يدخل الجنة إلا نظيف) عن أدناس الذنوب ولو بعد تنظيفه بالعذاب. (خط عن عائشة)(2) سكت عليه المصنف وفيه ضعيف.

1948 -

"إن الأعمال ترفع يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة (هب) عن أسامة بن زيد.

(إن الأعمال) أي أعمال العباد من خير أو شر. (ترفع) إلى الله تعالى. (يوم الإثنين والخميس) وهذا رفع خاص غير ما في حديث: "يرفع الله عمل الليل قبل عمل النهار" تقدم بل هذا رفع عراضة كما دل له حديث أبي هريرة: "تعرض الأعمال كل إثنين وخميس"(3). (فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) قاله صلى الله عليه وسلم حين قيل له يا رسول الله: ما نراك تدع صيام هذين اليومين، ففيه بيان وجه تخصيص هذين اليومين بالصيام. الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة

(1) أخرجه أحمد (3/ 463)، (5/ 52)، وأبو يعلى في مسنده (1/ 171) رقم (192)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1412)، والضعيفة (2064).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخه (5/ 143)، والطبراني في الأوسط (4893)، وانظر العلل المتناهية (2/ 713)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1414)، والضعيفة (2982): موضوع.

(3)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (20226)، وانظر: الإرواء (4/ 104).

ص: 432

(هب)(1) عن أسامة بن زيد) ورواه عنه أبو داود وغيره.

1949 -

"إن الإِمام العادل إذا وضع في قبر ترك على يمينه، فإذا كان جائراً نقل من يمينه على يساره". ابن عساكر عن عمر بن عبد العزيز بلاغاً.

(إن الإِمام العادل) هو العارف بالحق العامل به. (إذا وضع في قبره ترك على يمينه) هذا من أول أنواع إكرامه وفيه إشارة إلى أنه من أصحاب اليمين.

(فإذا كان جائراً نقل من يمينه على يساره) أي إهانة له وتحويلاً لوجهه عن القبلة كأنه ليس من أهلها. (ابن عساكر (2) عن عمر بن عبد العزيز) بلاغاً قال بلغنا عن رسول إلى صلى الله عليه وسلم ذلك.

1950 -

"إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم". (د ك) عن جبير بن نفير وكثير بن مرة والمقدام وأبي أمامة.

(إن الأمير إذا ابتغى) طلب وتتبع. (الريبة) بكسر الراء الشك والتهمة. (في الناس أفسدهم) وجدهم فاسدين أو صيرهم فاسدين بسوء ظنه فيهم، وفيه الحث على ترك الناس على ظواهرهم من غير تفتيش عن سرائرهم وخفيات أمورهم سيما للأمراء. (د ك)(3) عن جبير بن نفير) مصغرين، (وكثير بن مرة والمقدام وأبي أمامة).

1951 -

"إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ". (طب ك) عن ابن عمر (صح).

(1) أخرجه البخاري في التاريخ (219) عن أبي هريرة والبيهقي في الشعب (3820) عن أسامة بن زيد، أخرجه النسائي (4/ 201)، وأحمد (5/ 201)، وانظر: الإرواء (4/ 103). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1583).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 139)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1416).

(3)

أخرجه أبو داود (4889)، والحاكم (4/ 378)، وأحمد (6/ 4)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1585).

ص: 433

(إن الإيمان ليخلق) يبلى من خلق الثوب إذا بلى. (في جوف أحدكم) في قلبه فهو محل الإيمان. (كما يخلق الثوب) وكأنه قيل: فماذا؟ فقال: (فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) فبسؤال الله تعالى أن يعود جديداً. (طب) بإسناد حسن (ك)(1) عن ابن عمرو) برجال ثقات ورمز المصنف لصحته.

1952 -

"إن الإيمان ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها". (حم ق هـ) عن أبي هريرة (صح).

(إن الإيمان ليأرز إلى المدينة) بمثناة مفتوحة فهمزة فراء مكسورة وبضم وبفتح وزاي مضارع أرز كضرب، قال في النهاية: أي ينضم إليها ويجمع بعضه إلى بعض فيها والمراد أهل الإيمان وهو إخبار عن آخر الزمان أو إخبار باستباق أهل الإيمان إليها. (كما تأرز الحية إلى جحرها) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة فراء، قال في القاموس (2): هو كل شيء تحتفره الهوام والسباع لأنفسها. (حم ق هـ)(3) عن أبي هريرة) وفي الباب عن سعد وغيره.

1953 -

"إن البركة تنزل في وسط الطعام فكلوا من حافاته ولا تأكلوا من وسطه". (ت ك) عن ابن عباس (صح).

(إن البركة تنزل في وسط الطعام) تقدم أن البركة الزيادة والنمو وظاهره عموم كل طعام يؤكل فيدخل فيه القرص. (فكلوا من حافاته) أطرافه. (ولا تأكلوا من وسطه) محافظة على بقاء محل البركة إما لأنه إذا أكل من وسطه لم يبق في بقيته بركة. (ت ك)(4) عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته قال الحاكم

(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (1/ 52)، وأخرجه الحاكم (1/ 4)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1590)، وحسنه في الصحيحة (1585).

(2)

انظر القاموس (3/ 125).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 286)، والبخاري (1876)، ومسلم (147)، وابن ماجة (3111).

(4)

أخرجه الترمذي (1805)، والحاكم (4/ 116)، وصححه الألباني في صحيح الجامع =

ص: 434

صحيح وأقروه.

1954 -

"إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة". مالك (ق) عن عائشة (صح).

(إن البيت الذي فيه الصور) المنقوشة ونحوها وفي القاموس (1): الصورة الشكل والمراد هنا صور الحيوان لا غيره من صور الجمادات وقد سلف فيه الكلام. (لا تدخله الملائكة) فيحرم البيت بركة دخول الملائكة البتة وهل يحرم دخوله على الإنسان أم لا قيل: لا يحرم لأن غايته أنه مثل بيت فيه أذى من بول أو جنب أو كلب فإن هذه قد ورد أن الملائكة لا تدخل بيتاً هي فيه ولا يحرم دخوله اتفاقاً، نعم يجب على الداخل إزالة الصور إن استطاع فبقاؤها منكر. (مالك ق (2) عن عائشة) وسببه أنه دخل صلى الله عليه وسلم وقد نصبت ستراً فيه تصاوير فنزعه.

1955 -

"إن البيت الذي يذكر الله فيه ليضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض". أبو نعيم في المعرفة عن سابط (ضعيف).

(إن البيت الذي يذكر الله فيه) أي ذكر. (ليضيء لأهل السماء) سكانها من الملائكة. (كما تضيء النجوم لأهل الأرض) وهذه إضاءة حقيقية كأن ذكر الله يكون كالفتيلة والبيت كالسراج وهو حث على ذكر الله في البيوت. (أبو نعيم (3) في المعرفة عن سابط) بسين مهملة وبعد الألف موحدة مكسورة وهو ابن حميصة القرشي وكتب عليه المصنف ضعيف.

= (1591).

(1)

القاموس المحيط (ص: 548).

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (1736)، والبخاري (3224)، ومسلم (2107).

(3)

أخرجه الطبراني في الدعاء (113)، وانظر الإصابة (3/ 3)، قال الألباني في ضعيف الجامع (1424): ضعيف جدًا.

ص: 435

1956 -

"إن الحجامة في الرأس دواء من كل داء، الجنون، والجذام، والعشا، والبرص، والصداع". (طب) عن أم سلمة.

(إن الحجامة في الرأس) المراد منه ما في الصحيحين أنه كان صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثًا واحدة على كاهله واثنتين على الأخدعين، وفي سنن ابن ماجة: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بحجامة الأخدعين والكاهل فالمراد من حجامة الرأس حجامة الأخدعين. (دواء من كل داء) هو عام إذ أن المراد به الأبدال للخمسة الأدواء. (الجنون والجذام) تقدم بيانه. (والعشا) بفتح المهملة والقصر ضعف البصر أو عدم الإبصار ليلاً. (والبرص) وهو داء معروف. (والصداع) بمهملات بزنة غراب، ألم الرأس ويأتي في الحجامة أحاديث ومرت فيها أيضاً. (طب)(1) عن أم سلمة).

1957 -

"إن الحياء والإيمان في قرن؛ فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر". (هب) عن ابن عباس.

(إن الحياء) تقدم تفسيره. (والإيمان في قرن) بالقاف مفتوحة وفتح الراء أي مجموعان في حبل إقران كما في النهاية (2).

(فإذا سلب أحدهما تبعه الآخر) هو إخبار بتلازمهما وإخبار بأنهما رضيعا لبان. (هب)(3) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف محمَّد بن يونس الكديمي (4).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 299)(667)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4310)، والضعيفة (3516).

(2)

النهاية: (4/ 81).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (7726)، وانظر المجمع (1/ 92)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1435): موضوع.

(4)

قال الحافظ في التقريب (6419): ضعيف ولم يثبت أن أبا داود روى عنه.

ص: 436

1958 -

"إن الخصلة الصالحة تكون في الرجل، فيصلح الله له بها عمله كله وطهور الرجل لصلاته يكفر الله به ذنوبه، وتبقي صلاته له نافلة". (ع طس هب) عن أنس (ح).

(إن الخصلة الصالحة) يحتمل أنه يريد بها خصلة معينة لحسن الخلق أو السماحة أو الصبر أو أي خلة من الخلال الشريفة ويحتمل أنها أمر مبهم في نفسه وأنها تفاوت بتفاوت الأشخاص فيكون خصلة هذا التي لها هذا الشأن حسن الخلق وخصلة هذا الشجاعة مثلاً. (تكون في الرجل فيصلح الله له بها عمله كله) تدعوه إلى صلاح أعماله أو تتلاشي قبائحه بسببها. (وطهور الرجل) مبتدأ وهو بضم الطاء اسم لفعل الطهارة وأما بفتحها فهو الماء وهو غير مراد هنا. (لصلاته) لأجلها. (يكفر الله به ذنوبه) هو الخبر وهو ظاهر في تكفير الصغائر والكبائر وهذا كالتمثيل للخصلة الصالحة لأنه إذا كان هذا فعلًا واحداً كفرت به الخطايا فلا استغراب أن تصلح الأعمال بخصلة خيرٍ بل هذا الفعل قد أصلح القبائح بسترها. (وتبقى صلاته) التي توضأ لها. (نافلة) زيادةً له لا يقابلها شر من سيئاته.

إن قلت: حديث ابن عمر الآتي: "إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقه كلما ركع أو سجد تساقطت"(1) يشعر بأن التكفير بالصلاة الإيقاع والمساقطة بأفعالها من الركوع والسجود.

قلت: المراد أنها كفرت بالوضوء، ونفس سقوطها عنه يكون في خلال صلاته ووجهه أن الوضوء ليس مقصودا لذاته بل هو شرط لغيره فإذا أوقع المشروط به تحقق له الإثابة بفعله. (ع طس هب)(2) عن أنس) وإسناده حسن

(1) أخرجه البيهقي في السنن (3/ 10)، والطبراني في الشاميين (486)، وابن حبان (1734).

(2)

أخرجه أبو يعلى (3297)، والطبراني في الأوسط (2006، 7102)، والبيهقي في الشعب=

ص: 437

ورمز المصنف لحسنه.

1959 -

"إن الحياء والإيمان قرنا جميعاً؛ فإذا رفع أحدهما رفع الآخر". (ك هب) عن ابن عمر (صح).

(إن الحياء والإيمان قرنا جميعاً) تقدم أنهما في قرن. (فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) فإنهما متلازمان كما سلف مراراً. (ك هب)(1) عن ابن عمر) ضعيف لضعف جرير بن حازم ولغيره والمصنف رمز لصحته وكأنه لغيره.

1960 -

"إن الدال على الخير كفاعله". (ت) عن أنس.

(إن الدال على الخير كفاعله) في الأجر والدلالة على الخير بالفعل كأن يفعل فعلاً صالحاً يقتدي به فعه فيكون نظير من سن سنة حسنة بالقول كتعليم الخير، ويكون بالإشارة وهو بهذا أعم من حديث:"من سن سنة حسنة"، ويحتمل أنه مثله عاماً، وفيه دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الخلائق أجراً لأنه الدال على كل سنة حسنة فله مثل أجور جميع أمته. (ت)(2) عن أنس) سكت عليه المصنف وفيه غرابة وضعف.

1961 -

"إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلماً"(ت) عن أبي هريرة (ح).

(إن الدنيا ملعونة) هو من لعنه كمنعه طرده وأبعده فهو لعين وملعون، كما في القاموس والمراد أنها بعيدة من الله مطرودة عن إكرامه لها وتعظيمه ونظره إليها وتقدم أنه ما نظر إليها منذ خلقها فهو إخبار عن حقارتها عنده. (ملعون ما فعها)

= (4941)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1438)، والضعيفة (2999).

(1)

أخرجه الحاكم (1/ 22)، والبيهقي في الشعب (7727)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1603). وقع في الأصل:"ت" بدل "ك".

(2)

أخرجه الترمذي (2670)، وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1605)، والصحيحة (1660).

ص: 438

من كل شيء. (إلا ذكر الله) فإنه من الدنيا إذ قد مضى تفسيرها أنهما كل ما على الأرض من الهواء والجو، وقيل كل المخلوقات من الجواهر والأعراض، قال ابن حجر (1): والأول أولى ويراد منه قبل قيام الساعة والذكر من الأعراض فالاستثناء متصل. (وما والاه) تابعه من وإلى بين أمرين إذا تابع بينهما والمراد به كل أمر يرضاه الله فإنه تابع لذكره في رضاه. (وعالماً) بكتاب الله وسنة رسوله فإنه المراد عند الإطلاق. (أو متعلماً) لهما، وفي كثير من كتب الحديث:"إلا عالم أو متعلم"، بغير ألف وهو يزاد عند قراءته وإنما يحذفون خطا وهو مزاد لفظاً. (ت)(2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه، وقال الترمذي: حسن غريب.

1962 -

"إن الدين النصيحة: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ولأئمة المسلمين وعامتهم". (حم د ن) عن تميم بن أوس الداري (ت ن) عن أبي هريرة، (حم) عن ابن عباس.

" (إن الدين النصيحة) تقدم تفسير النصيحة وقال المصنف في الديباج (3): قال الخطابي: هذه كلمة جامعة لخير الدنيا والآخرة وهي مأخوذة من نصح الرجل ثوبه خاطه شبه فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح بما يصلحه من الثوب أو مأخوذة من نصحت العسل صفيته من السمع لأنه يخلص القول من الغش وهذا الحديث عماد الدين وقوله: "الدين النصيحة" نظير قوله: "الحج عرفه" أي عماده ومعظمه، قال العلماء: هذا الحديث ربع الإِسلام أي أحد أحاديث أربعة يدور عليها الإِسلام وكأنه قيل: لمن؟ فقال: (لله) قال العلماء:

(1) انظر: فتح الباري (1/ 16).

(2)

أخرجه الترمذي (2322)، وابن ماجة (4112)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1609)، وصححه في الصحيحة (2797).

(3)

انظر: الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (1/ 76).

ص: 439

نصيحة العبد الله الإيمان به، ووصفه بما يجب له وترك معاصيه وموالاة من أطاعه ومعاداة من عاداه والاعتراف بنعمه والشكر عليها، والإخلاص في جميع الأمور واللطف بجميع الناس كما قاله الخطابي، وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن الله تعالى غني عن نصح الناصح. (ولكتابه) هو القرآن فالإضافة عهدية وهي الإيمان به، وأنه ليس من كلام العباد ولا يشبه ذلك ولا يقدر أحد على الإتيان بمثله وتعظيمه بتلاوته وتحسنيها والتخشع عندها وإقامة حروفه كما ينبغي والاتعاظ بمواعظه والتفكر عند عجائبه والعمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه والبحث عما خفي من ناسخه ومنسوخه ونشر علومه والدعاء إليه (ولرسوله) وهي تصديقه بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه ونصرته حيًا وميتًا وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه وإحياء سنته وبث دعوته ونشر ما جاء عنه ونفي التهمة عن السنة والتفكر في معانيها والدعاء إليها والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلال أهلها وعدم التكلم فيها بغير علم والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة أهل بيته وأصحابه ومجانبة البدع ومجانبة التكلم في أصحابه ونحو ذلك (ولأئمة المسلمين) بمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به وتذكيرهم به برفق وإعلامهم بما غفلوا عنه من حقوق المسلمين وتألف قلوبهم لطاعة الله والصلاة خلفهم وجهاد أهل الباطل معهم والدعاء لهم بالصلاح إن أريد بالأئمة الولاة.

وإن أريد بهم العلماء فنصحهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام كذا نُقِل وليس ذلك من نصحهم فإن الله لم يأمر بالتقليد بل أمر العباد سؤال العلماء عن حكم المسألة ودليلها كما قررناه في إرشاد النقاد بحمد الله، وأخذ العلم عنهم وإحسان الظن بهم والتعظيم لهم والتواضع. (وعامتهم) بتعليم ما جهلوه وستر عوراتهم وسد خلتهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق والشفقة

ص: 440

عليهم وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم والذب عن أموالهم وأعراضهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه وأن يحثهم على جميع ما تقدم ثم لا يخفى أن كل واحد مخاطب بكل واحدة من النصائح فالعامي مثلاً يجب نصحه لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة وللعامة بحسب ما يستطيعه [2/ 18] وجب عليه قبول نصيحة من ينصحه. (حم د ن) عن تميم بن أوس الداري العابد الزاهد، (ت ن) عن أبي هريرة (حم)(1) عن ابن عباس) وسلف أنه ربع أحاديث الإِسلام.

1963 -

"إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". (خ ن) عن أبي هريرة (صح)

(إن الدين يسر) ضد العسر كما في النهاية (2) والمراد بالدين الإِسلام، وفي بعض ألفاظه "إن هذا الدين" إشارة إلى الإِسلام وهو مأخوذ من قوله تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] ومن قوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وهذا أمر نسبي منظور فيه إلى ما كان على غير هذه الأمة المرحومة من التكاليف الشاقة كالتوبة بقتل الأنفس والآصار والأغلال وغير ذلك من التكاليف الشاقة المنسوخة في حق هذه الأمة ولا يقال لا يسر في هذا الدين فإن الله فرض فيه الجهاد وهو بذل النفس وفرض الزكاة وهي بذل المال ونحو ذلك من التكاليف التي لا تخلو عن المشقة والعسر. (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) في النهاية (3): يقاويه ويقاومه ويكلّف نفسه من العبادة فوق طاقته والمشادة المغالبة وهو مثل الحديث الآخر: "إن هذا الدين متين فأوغل إليه

(1) أخرجه أحمد (4/ 102)، ومسلم (55)، وأبو داود (4944)، والنسائي (7/ 157) عن تميم الداري، والترمذي (1926)، والنسائي (7/ 106) عن أبي هريرة، وأحمد (1/ 351) عن ابن عباس.

(2)

النهاية (5/ 703).

(3)

النهاية (2/ 1119).

ص: 441

برفق" (1) انتهى. فالمراد أنه لا يغالب الدين أحد بأن يريد أن لا يدع منه خصلة من خصال الخير إلا فعلها إلا غلبه الدين وفاته من أنواع لخير الكثير أو المراد أنه لا يغالبه أحد بكثرة الطاعات والعبادات إلا غلبه وسلم العبادة. (فسددوا وقاربوا) اعملوا أعمالاً لا تفريط فيها ولا إفراط واتركوا الغلو فيه والتقصير، يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد. (وأبشروا) حذف المبشر به لإرادة العموم أي بكل خيرٍ من الله أو لتذهب نفس السامع كل مذهب. (واستعينوا) اطلبوا الإعانة على الأمور كلها الدينية والدنيوية. (بالغدوة) بضم الغين المعجمة البكره أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس. (والروحة) من الرواح وهي من بعد الزوال إلى الغروب. (وشيءٍ من الدلجة) بضم الدال المهملة وفتحها وسكون اللام السير من آخر الليل والمراد أن هذه الأوقات هي التي يحصل فيها الإعانة على الأعمال فتحروها لأعمالكم. (خ ن)(2) عن أبي هريرة) وعدوا هذا الحديث من جوامع الكلم.

1964 -

"إن الذكر في سبيل الله يضعف فوق النفقة سبعمائة". (حم طب) عن معاذ بن أنس.

(إن الذكر في سبيل الله) تقدم أنه عند الإطلاق لا يتبادر منه إلا الجهاد وفضل الإنفاق فيه عظيم فإن الله فرض له قسطاً من الأموال والذكر. (يضعّف) أجره. (فوق النفقة سبعمائة ضعف) ووجه المضاعفة أنها مواطن يشتغل فيها بالنفس والذب عنها والاهتمام بشأنها فإذا ذكر العبد ربه فيه دل على كمال إقبال قلبه على مولاه. (حم طب)(3) عن معاذ بن أنس) الجهني.

(1) أخرجه القضاعي في الشهاب (1147)، والبيهقي في الشعب (3885).

(2)

أخرجه البخاري (39)، والنسائي (8/ 121).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 438)، والطبراني في الكبير (20/ 186) رقم (405)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1443)، والضعيفة (2598).

ص: 442

1965 -

"إن الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة). (ق) عن سهل بن سعد زاد (خ) "وإنما الأعمال بخواتيمها" (صح).

(إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس) فيما يظهر لهم من أعماله من "بد" المنقوص لا المهموز هذا ولا يعارض ما سلف في "إذاً""إن من أثنى عليه خيراً فهو من أهل الخير ومن ذكر بالشر فهو من أهل الشر" لأنه يحتمل أن هذا لا يثنى عليه بخير أو شر هذا بالنظر إلى الخاتمة كما أفادته رواية البخاري: "إنما الأعمال بخواتيمها" وكما يصرح به الحديث الثاني وأما الثناء عليه بخير أو شر فالمراد في تلك الحال يحكم له بالخيرية والشرية لا باعتبار الخاتمة ويزكونه في الدنيا ويجرحونه بما يظهر من أعماله أو أنه تعالى لا يطلق الألسنة بإحسان إنسان ولا إساءته إلا إذا علم أن عاقبته إلى الخير أو الشر وهذا هو الأقرب، ويحتمل أن المراد من أثنوا عليه يعتقونه كما يرشد إليه الحديث:"إذا صلوا على الجنازة فأثنوا خيراً يقول الرب: أجزت شهادتكم". (وهو من أهل النار) جملة حالية من ضمير يعمل. (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) يختم له بعمل أهل الجنة وهذا لا يكون إلا فيمن عمل خيراً ظاهراً مع فساد نية وخبث طوية وإلا فالأعمال الصالحة سبب لزيادة الهدى والتوفيق وكذلك الذي ختم له بعمل أهل الجنة وكان يظهر منه عمل أهل النار إنما يوفق لخصال خير كانت فيه وإلا فالسيئات تدعوا بعضها بعضاً. (ق)(1) عن سهل بن سعد) اتفق الشيخان على هذا اللفظ زاد (خ)"وإنما الأعمال بخواتيمها") أي معتبرة بها ومنظور إليها باعتبارها فمن ختم له بخير فهو من أهل الخير ومن ختم له بشر فهو من أهله ولا نظر إلى ما سلف.

(1) أخرجه البخاري (2898)، ومسلم (112).

ص: 443

1966 -

"إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة"(م) عن أبي هريرة (صح).

(إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار).

إن قلت: الأعمال الصالحة سبب للخاتمة الصالحة كما دل له {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7] الآية، في الأمرين وقوله:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110].

قلت: ليس المراد يعمل بعمل أهل الجنة أو بعمل أهل النار في نفس الأمر وحقيقته ولكن فيما يظهر للناس كما صرح بهذا القيد الحديث الأول إلا أنه يبعد هذا ما عند الشيخين في معناه من حديث ابن مسعود: "وأنه يكتب رزق العبد وأجله وشقي أو سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها". ومثله ذكر في العامل بعمل أهلها ثم يختم له بعمل أهل الجنة فإنه يشعر بأنه عمل بالنظر إلى الحقيقة لا أنه باعتبار ما يراه الراءون إلا أن يقال لو كان صالحاً مقبولاً ما تخلف عن سبب حسن الخاتمة أو طالحاً غير مقبول لما تخلف عن قبحها فما ذاك إلا أنه عمل مدخر له غير صالح وسبق الكتاب بحسن الخاتمة أو قبحها متفرع عما علمه الله من اختياره للحسن والقبيح وسبق الكتاب قد دل أنه لا يخلص أعماله عن شائبة عدم القبول فلا تكون سبب لإحسان خاتمته والعكس في السيئات فإن سبق الكتاب" قد دل على إنه وإن ارتكب القبائح ففيه من الخير جزء يجذبه إلى خاتمة الخير باختياره وحاصله منع أن من ختم له بشر خلص له عمل صالح ومن ختم له بخير يخلي

ص: 444

عن أسباب الخير وقد أرشد إليه الحديث فإنه أفاد أن كلاً من العاملين قد قرب إلى أحد الدارين ولن يستحق أن يكون من أهلها وما ذاك إلا لعائق عاقه هو عدم خلوص طاعته في الأول وعدم خلوه من الخير في الآخر فالأعمال قد قربت كل واحد من أحد الدارين ولما نجح ثم غلب الجزء الخيري لفاعل المقبحات فختم له بخير وبعده عن النار وغلب الجزء الشري لفاعل الطاعات فختم له بشر وبعده عن الجنة ولا يهلك على الله إلا هالك قال ابن القيم (1): واعلم أن سوء الخاتمة أعاذنا الله منها لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ما سمع بهذا ولا علم به ولله الحمد وإنما تكون بفساد في العقيدة أو إصرار على الكبائر وإقدام على العظائم فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة فيأخذه قبل صلاح الطوية ويفطم قبل الإنابة فيظفر به الشيطان عند تلك الصدمة ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله، يقال: كان بمصر رجل يلازم مسجداً للآذان والصلاة وعليه بهاء الطاعة وأنوار العبادة فرقى يوماً المنارة على عادته للآذان وكان تحت المنارة داراً لنصراني، فرأى ابنة النصراني فافتتن بها وترك الأذان ونزل إليها، ودخل الدار عليها، فقالت: ما شأنك وما تريد؟ قال: أريدك، قالت: لماذا؟ قال: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة، قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك، قال: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر الرجل ليتزوجها وأقام معهم في الدار، فلما كان في أثناء الليل رقا إلى سطح وكان في الدار فسقط منه فمات ولم يظفر بها وفاته دينه. ذكر هذه القصة ابن القيم في كتابه الجواب الشافي (2). (وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار، ثم يختم عمله بعمل أهل الجنة) قد

(1) الجواب الكافي (ص: 118).

(2)

المصدر السابق (ص: 118).

ص: 445

عرفت معناه قريبًا فيما بسطناه. (م)(1) عن أبي هريرة)، ولم يخرجه البخاري.

1967 -

"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة" مالك (حم ت ن هـ حب ك) عن بلال بن الحارث (صح).

(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله) الرضوان مصدر رضي يرضى رضا رضوانا ضد سخط أي المكاتبة أو كاتبه من أسباب رضوان الله. (ما يظن أن تبلغ) من الخير والأجر. (ما بلغت) وبين ما هو الذي بلغت بقوله: (فيكتب الله له بها رضوانه) من حين التكلم بها. (إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله) فيما يسخطه وتكون سبباً له. (ما يظن أن تبلغ) من الشر والعقوبة. (ما بلغت فيكتب له بها سخطه) من حين التكلم بها. (إلى يوم القيامة) وفيه حيث على التكلم بما يرضاه الله ويحبه عساه يوافق هذه الكلمة والزجر عن التكلم بما يسخطه تعالى وذلك بتجنب ما لا يرضاه (مالك حم ت ن هـ حب ك)(2) عن بلال بن الحارث) رمز المصنف لصحته.

1968 -

"إن الرجل ليوضع الطعام بين يديه فما يرفع حتى يغفر له، يقول بسم الله إذا وضع، والحمد لله إذا رفع". الضياء عن أنس (صح).

(إن الرجل ليوضع الطعام بين يديه فما يرفع حتى يغفر له) وبين ذلك بذكر سببه وأنه ليس لأجل وضع الطعام بل لأنه. (يقول) الرجل. (بسم الله إذا وضع) وفيه الاكتفاء بهذا اللفظ عن تمام التسمية. (و) يقول (الحمد لله إذا رفع) ففيه

(1) أخرجه مسلم (2651).

(2)

أخرجه مالك (1781)، وأحمد (3/ 469)، والترمذي (2319)، والنسائي في السنن الكبرى (3/ 215)، وابن ماجة (3969)، وابن حبان (287)، والحاكم (1/ 44)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1619)، والصحيحة (888).

ص: 446

الحث على هاتين الكلمتين والتلفظ بهما وقد سلف البحث فيهما. (الضياء (1) عن أنس) رمز المصنف لصحته.

1969 -

"إن الرجل ليحرم الرزق بذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر"(حم ن هـ حب ك) عن ثوبان (صح).

(إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) اعلم أن الذنوب مانعة لكل خير جالبة لكل شر فمن الخير الذي يمنعه الرزق فإنها تحول بينه وبين العاصي والمراد به هنا الحلال لا لما ذهب إليه من قال: إن الحرام لا يسمى رزقا، فإن الأصح تسميته رزقا لغة بل لأن المراد بالرزق هنا ما يكون به سبب طيب الحياة وطهارة القلب وسلامة الجوارح وانبعاثها في الطاعات وذلك ليس إلا الرزق الحلال فإن الحرام إنما يعمي القلب ويثبط الجوارح عن الطاعات ويطلق عنانها في المعاصي إذا عرفت هذا عرفت اندفاع ما يقال: كم من عاص قد وسع عليه في الدنيا ونال شهواته ورب تقي في أضيق عيش، ولأن المراد به الذي يقنع به العبد عن الهلع وتقر به عينه وإن كان قليلاً في نفسه فرب مقل قرير العين بإقلاله طيب الخاطر ورب مكثر ملتهب الأحشاء يرى كثير ما عنده قليلًا، ومن الرزق الذي تمنعه الذنوب رزق العبد العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور كما أفاده قوله تعالى في بعض بني إسرائيل عند عدّ عقوباتهم:{وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 13] وهذا في نسيان ما علموه، وقال:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] فحرموا فقه الوحي لكفرهم أولا ومنه قول الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي

وقال: اعلم بأن العلم نور

ونور الله لا يؤتيه عاصي

(1) أخرجه الضياء في المختارة (2300)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1461).

ص: 447

ومن الرزق الذي تحرم العبد العاصي فعله الطاعات فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة يكون بذله ويقطع طريق طاعة أخرى ويقطع عليه طريقا ثالثة ورابعة وهلم جرا فيقطع عليه طاعات كثيرة كل واحدة خير له من الدنيا وما فيها، وما مثاله إلا رجل أكل أكلة أوجبت له مرضا طويلاً منعه عن عدة أكلات أطيب منها.

ومن الرزق الذي تحرم المعاصي العبد قصر العمر ومحق بركته فإن البر كما يزيد في العمر كما أفاده آخر الحديث، وعدة أحاديث في معناه كذلك الفجور ينقصه، وقد اختلف هل ينقصه حقيقة أو يمحق بركته على قولين: أو نقصان حياة قلبه فإن الحياة الحقيقية هى حياة القلب ولذلك قال تعالى في الكفار أنهم {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل: 21] فليس عمر الإنسان أوقات حياة قلبه بالله والحق إن النقص يكون بالأنواع كلها لبعض وببعضها لبعض. (ولا يرد القدر) ما سبق به قدر الله تعالى على العبد. (إلا الدعاء) وقدمنا تفسير القدر عن ابن الأثير (1) إنه عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور وفيه حصر في أنه لا يرده إلا الدعاء والجامع في العطف التضاد؛ لأن منع الرزق حرمان ورد القدر بالدعاء عطاء والقدر هنا مطلق غير مقيد بنزول ولا عدمه، وفي حديث عائشة عند ابن حبان "لا يغني حذر من قدر والدعاء يمنع نزل ومما لم ينزل فإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة"(2).

وهاهنا سؤال، وهو: أن المدعو به إن كان قد قدر لم يكن بد من وقوعه دعاء العبد أو لم يدع وإن لم يكن قد قدر لم يقع سواء دعا أو لم يدع فاختلف الناس

(1) انظر: النهاية (4/ 41).

(2)

أخرجه الحاكم (1/ 669)، ولم أقف عليه عند ابن حبان، والطبراني في الأوسط (2498)، والقضاعي في الشهاب (859)، وقال الألباني: حسن في صحيح الجامع (7739).

ص: 448

سبب هذا في الدعاء، فقالت طائفة: إنه لا فائدة فيه فتركته توهمًا منها لما أورده السائل، وهذا جهل عظيم وتعطيل للأسباب مع أنه يقال لا فائدة في الأكل لأنه إذا كان قدر الشبع وقع أكلت أو لم تأكل وإن لم يكن قد قدر فلا يقع وكذلك كل مسبب رتبه العقل أو الشرع على سبب كالولد من الوطئ وطلوع الزرع من إلقاء البذر وغير ذلك، وقد قدمنا الإشارة إلى ذلك.

وقالت طائفة: الاشتغال بالدعاء من باب التعبد المحضر يثيب الله عليه الداعي من غير أن يكون له تأثير في المطلوب بوجه ما.

وقالت طائفة: الدعاء عبادة مجردة نصها الله تعالى إمارة على قضاء الحاجة فمتى وفق العبد للدعاء كان ذلك علامة له وإشارة إلى قضاء حاجته وهو كما لو رأينا غيمًا أسود باردًا في السماء فإنه دليل وعلامة على أنه يمطر، فإن قالوا ليس شيء من ذلك علامة البتة ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه إلا مجرد الاقتران العادي لا التأثير السببي، وخالفوا في ذلك الحس والعقل والشرع ونظر العقلاء، والصواب غير ذلك أن المقدور قدر بأسباب، من أسبابه الدعاء فلم يقدر مجردًا عن سببه ولكن قدر بسببه فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور ومن لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب والولد بالوطئ ونحو ذلك.

واعلم أن الدعاء بمنزلة السلاح في يد الضارب به لا يؤثر بحده فقط فمتى كان السلاح سلاحًا تامًا لا آفة به والساعد ساعدًا قويًا والمانع مفقودًا حصلت النكاية والتأثير في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الداعي في نفسه غير صالح أو لم يجمع بين لسانه وقلبه لما تقدم من أنه تعالى "لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه" أو كان مانع من الإجابة وموانع الإجابة كثيرة منها أكل الحرام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة وفيه: "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه

ص: 449

حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له" (1). ومنها الظلم كما ذكر عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد "أنه أصاب بني إسرائيل بلاءً فخرجوا مخرجًا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن أخبرهم أتخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة وترفعون إلي أكفًا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بيوتكم من الحرام الآن حين اشتد غضبي عليكم ولم تزدادوا مني إلا بعدًا" (2). ومنها أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة فيتحسر ويدع الدعاء وما هو إلا بمثابة من يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا فجعل يتعاهده ويسقيه فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: "لا يزال يستجاب لأحدكم ما لم يعجل" قالوا: يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال: (يقول: قد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)(3) فإذا عرفت هذا فإن الدعاء إذا وافق وقتًا من أوقات الإجابة وهي ثلث الليل الآخر وعند الأذان وبين الآذان والإقامة، وفي أدبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الإِمام يوم الجمعة على المنبر حتى يقضي الصلاة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وثمة ساعات أخر ورد بها النص كعند نزول الغيث وعند ملاقاة الأعداء في الجهاد وعند ختم القرآن، وغير ذلك ووافق خشوعًا من القلب وانكسارًا بين يدي الرب وذلاً وتضرعًا ورقة واستقبال القبلة وكون الداعي على طهارة ورفع يديه وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم مقدمًا للتوبة والاستغفار متوسلاً إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته وتوحيده متحريًا الأدعية التي ورد بها الأثر كما في الدعاء الذي فيه اسمه الأعظم وقد

(1) أخرجه مسلم (1015).

(2)

أخرجه أبو داود في كتاب الزهد (13)، والبيهقي في الشعب (1157).

(3)

أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).

ص: 450

قدمنا الكلام فيه أو داعيًا بما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية التي قدمنا ذكرها ولم يدع بإثم ولا قطيعة رحم فلا بد من إنجاح مسألته وقضاء حاجته وكشف كربته واعلم أن للدعاء مع البلاء ثلاثة مقامات. (أحدها: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه).

الثاني: أن يكون البلاء أقوى من الدعاء فلا يدفعه فيصاب به العبد ولكن يخففه. الثالث: أن يتقاوما ويمنع كل منهما صاحبه ويتعالجا إلى يوم القيامة. (ولا يزيد في العمر إلا البر) تقدم الكلام عليه. (حم ن هـ حب ك)(1) عن ثوبان) مولاة رسول إلى الله صلى الله عليه وسلم رمز المصنف لصحته.

1970 -

"إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادة مكانها أخرى"(حب) عن ثوبان.

(إن الرجل إذا نزع ثمرة) بالمثلثة يعم كل ثمرة. (من الجنة) من ثمرة الجنة (عادت مكانها) أخرى ظاهره في حينها وهو إعلام أنه ليس كثمر الدنيا لا يأتي إلا في أوقات معينة بل يعود في الحال. (حب)(2) عن ثوبان) وكذا رواه الحاكم والبزار بأسانيد بعضها صحيحة.

1971 -

"إن الرجل إذا نظر إلى امرأته ونظرت إليه نظر الله تعالى إليهما نظرة رحمة فإذا أخذ بكفها تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما". ميسرة بن علي في مشيخته والرافعي في تاريخه عن أبي سعيد.

(إن الرجل إذا نظر إلى امرأته) نظر شفقة ومحبة.

(ونظرت إليه) ويحتمل أن يراد معناه الكنائي وهو الميل والإعظام والإكرام

(1) أخرجه أحمد (5/ 280)، وابن ماجة (90، 4022)، وابن حبان (872)، والحاكم (1/ 93)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1452).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 102) رقم (1449)، انظر المجمع (10/ 414)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1446)، والضعيفة (3146).

ص: 451

من قولهم: نظر الأمير إلى فلان إذا أكرمه وعظمه، وإن لم يره ومنه: فمن لي بالعين التي كتب مرة إليها في سالف الدهر تنظر فيشمل الأعمى أو يكون النظر في الأولين على غير حقيقته كما أنه في قوله. (نظر الله إليهما نظر رحمة) مجاز أي نظرًا يرحمهما به. (فإذا أخذ بكفها) فيه بداية الرجل بمداعبة أهله. (تساقطت ذنوبهما من خلال أصابعهما) بكسر الخاء المعجمة من خلال الدار وهو ما حوالي حدودها وما بين بيوتها. (ميسرة) بوزن مَحبرة (بن علي في مشيخته) بزنة مسبعة ومأسرة مأخوذ من الشيخ كمشبعة لكان السباع من السبع جعل الكتاب مكانًا لمعرفة شيوخه لما فيه من شأن أحوالهم حتى كأنه مكانهم، (والرافعي (1) في تاريخه) الذي ألفه لقزوين عن أبي سعيد.

1972 -

"إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها (حم د حب) عن عمار بن ياسر (صح).

(إن الرجل لينصرف) أي من صلاته. (وما كتب له) في صحائف حسناته من الأجر والثواب. (إلا عشرها) الجزء العاشر من عشرة أجزاء من أجرها. (تسعها) هو وما بعده مرفوع بالعطف على عشرها المرفوع بنيابته كتب لنفر بعدله وحذف حرف العطف وهو جائز كما صرح به الرضي حيث قال: وقد يحذف كما يقول لمن قال: أكل اللبن أو السمك كل سمكًا لبنًا أي أو لبنًا لقيام القرينة الدالة على أن المراد أحدهما انتهى. فكذا نقول هنا لأن القرينة ظاهرة في أن المراد ذلك أي إلا عشرها أو تسعها إلى آخره. (ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها) فيه مأخذ أن أقل الناس من يكتب له نصفها لأنه آخره عن

(1) أخرجه الرافعي في التدوين (2/ 47)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1447)، وقال في الضعيفة (3274): موضوع.

ص: 452

الأجزاء كلها وأن الأكثر من يكتب له عشرها كما يقتضيه تقديمه وإرشاد إلى أنه ينبغي للعبد أن يبالغ في صيانة صلاته عن موجب نقصانها.

فإن قلت: هل هذه التي يكتب له عشرها مثلاً تسقط الواجب أم لا؟

قلت: محل نظر والحق أنها لا تسقطه إلا صلاة كتبت له كلها، وذلك لأن أئمة الأصول رسموا الواجب بأنه ما يثاب العبد على فعله ويعاقب على تركه فإذا لم يثب إلا على جزء من الفعل الواجب فما قد أتى به كله فتأمل، ورأيت في الإحياء للغزالي (1) ما يدل على أنها تفسد صلاته إذا لم يخشع واستدل بحديث "إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها" أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان تقدم.

واعلم: أن ذكر الرجل في هذه الأحاديث ليس لأن الحكم يخصه فإن هذه الأحكام عامة للمكلفين أجمعين بل لأن المذكور هم المخاطبون أولاً وبالذات وقد ثبت أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله ما بالنا لا نذكر كما يذكر الرجال في القرآن فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] " الآية، أخرجه النسائي في التفسير من سننه (2) الكبرى. (حم د حب) (3) عن عمار بن ياسر) رمز المصنف لصحته وقال العراقي: إسناده صحيح.

1973 -

"إن الرجل إذا دخل في صلاته أقبل الله عليه بوجهه، فلا ينصرف عنه حتى ينقلب أو يحدث حدث سوء"(هـ) عن حذيفة.

(إن الرجل إذا دخل في صلاته) عام للمكتوبة والنافلة، والإضافة تقتضي

(1) انظر: الإحياء (1/ 160).

(2)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (11405).

(3)

أخرجه أحمد 4/ 321، وأبو داود (796)، وابن حبان (1889)، والبيهقي في السنن (2/ 281)، والبزار (1422)، وانظر: تخريج أحاديث الإحياء للعراقي (1/ 166)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1626).

ص: 453

الأول لأنها المعهودة. (أقبل الله عليه بوجهه) وهو مثل نظر الله إليه ونحوه فيه التفويض والتأويل. (فلا ينصرف) الله. (عنه) عن المصلي. (حتى ينقلب) يفرغ من صلاته ويعود إلى منزله. (أو يحدث حدث سوء) من ريح أو نحوها. (هـ)(1) عن حذيفة بن اليمان).

1974 -

"إن الرجل لا يزال في صحة رأيه ما نصح لمستشيره فإذا غش مستشيره سلبه الله تعالى صحة رأيه" ابن عساكر عن ابن عباس.

(إن الرجل لا يزال في صحة رأيه) في جودته وسلامة إدراكه. (ما نصح) مدة نصحه. (لمستشيره) طالب شورة ورأيه. (فإذا غش) بأن كتم النصيحة. (سلبه الله تعالى صحة رأيه) لأنه كفر النعمة وغش أخاه فسلب ما وهب وفيه حث المشاور على نصيحة من استشاره. (ابن عساكر (2) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف مالك بن الهيثم وغيره.

1975 -

"إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا له فتؤجروا". (طب) عن معاوية.

(إن الرجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا له) في حاجته. (فتؤجروا) بالشفاعة وفيه أن منعه ليحصل لهم الأجر وأن الشفاعة مندوبة ولو بعد رد الطالب ومنعه عن مطلوبه والمراد تشفعوا لتؤجروا سواء أعطيت أو منعت (طب)(3) عن معاوية) بن أبي سفيان.

1976 -

"إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله تعالى ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار"(د ت) عن أبي هريرة (ح).

(1) أخرجه ابن ماجة (1023)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1614).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 157)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1449).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 348) رقم (809)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1622).

ص: 454

(إن الرجل أو المرأة) فيه تنصيص على عدم إرادة المفهوم. (ليعمل بطاعة الله ستين سنة) مثلاً فإنها غالب الأعمار لهذه الأمة. (ثم يحضرهما) يدنو منهما. (الموت فيضاران في الوصية) فاعل هنا ليس للمشاركة لأنه لا مضارة من الوارث فهو بمعنى فعل أي يضران الوارث، وحذف للقرينة السياقية أو نزل منزلة اللازم أي يوجدان الضرار وذلك بتفضيل بعض الورثة على بعض بالوصية لأنه مضادة لحكم الله وتعيينه الإيصاء بعلمه وحكمته ولذا ختم آية المواريث بقوله:{فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيمًا} [النساء: 11].

(فتجب لهما النار) يلزم ويثبت لهما عذابها، وفيه دليل على حرمة الوصية والمراد للوارث لأنه قد ثبت إقراره صلى الله عليه وسلم سعدًا على الوصية بثلث ماله لغير الوارث ويدل له حديث ابن عباس عند الدارقطني موصولًا وعند أبي داود من مراسيل عطاء الخراساني بلفظ "لا تجوز الوصية لوارث إلا أن يشاء الورثة"(1) فالعجب ممن قال بندب الوصية للوارث، وقد قدمنا الكلام في هذا، وهذا الاستثناء يفيد حديث الكتاب بمشيئة الورثة.

فإن قلت: مع حرمة الوصية للوارث لو فعلها الميت هل تصح وتنفذ ويحكم بها أم لا؟

قلت: ظاهر حديث: "لا وصية لوارث" أنها لا تصح، وتكون باطلة، وذلك لتصريح أئمة الأصول أن النفي ينصرف إلى الصحة لأنها أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة فالمعنى لا تصح وصية لوارث. (د ت)(2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه.

(1) أخرجه أبو داود في مراسيله (349)، والدارقطني في السنن (9/ 426)، والبيهقي في السنن (6/ 264)

(2)

أخرجه أبو داود (2867)، والترمذي (2117)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1457).

ص: 455

1977 -

"إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها سبعين خريفاً في النار"(ت هـ ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى) من الرؤية بمعنى الظن (بها) بالتكلم بها (بأسًا) إثمًا (يهوي) من الهوي السقوط. (بها) بسببها. (سبعين خريفاً) كناية عن السنة أو مجاز من إطلاق الجزء على الكل (في النار) وهذا أعم من كون الكلمة لإضحاك القوم أو غيره. (ت هـ ك)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته.

1978 -

"إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا ليضحك بها القوم وإنه ليقع بها أبعد من السماء"(حم) عن أبي سعيد.

(إن الرجل ليتكلم بالكلمة)(لا يريد) من الإرادة القصد وفي رواية. "لا يرى"(بها بأساً) حرجًا وإثمًا. (ليضحك بها القوم) السامعين، (وإنه ليقع بها أبعد من السماء) أي في النار كما في اللفظ الآخر.

فإن قلت: من فعل فعلاً أو قال قولاً يعتقد أنه لا حرج فيه ولا إثم لا يكون آثمًا وإلا كان من تكليف الغافل.

قلت: المراد به أنه يتساهل فيها وهو لا يظن أنها بالغة هذه الغاية وإن كان يرى أن فيها إثمًا أو أنه لا يريد بها بأسًا، وفيها البأس لكنه لتفريطه عن تعلم ما لا بأس فيه عما فيه بأس فإثمه على الجهل الذي لم يزله عن نفسه، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن السخرية والهزل لإضحاك من في الموقف. (حم)(2) عن أبي سعيد) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف أبي إسرائيل.

1979 -

"إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى أن ينقطع أثره في الجنة"(ن هـ) عن ابن عمر (صح).

(1) أخرجه الترمذي (2314)، وابن ماجة (3970)، والحاكم (4/ 597)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1618).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 38)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1451).

ص: 456

(إن الرجل إذا مات بغير مولده) محل ولادته. (قيس له) من القياس التقدير أي قدر له الرب تعالى أو ملائكته. (من مولده إلى أن ينقطع أثره) محل انقطاع أثره وهو محل وفاته. (في الجنة) متعلق بقيس له وذلك لغربته عن محل ولادته والمراد إذا تغرب بطاعة من غزو أو طلب علم أو نحو ذلك بل ظاهره مطلق الغربة ولو في مباح أو معصية لكن تخرج المعصية بدليل آخر، وظاهره ولو كان معه أهله. (ن هـ)(1) عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته.

1980 -

"إن الرجل إذا صلى مع الإِمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(حم 4 حب) عن أبي ذر (صح).

(إن الرجل إذا صلى مع الإِمام) أي صلاة وأي إمام واستمر في صلاته. (حتى ينصرف) من صلاته وذلك بتمامها فلا يخرج قبله ويحتمل أن يراد وبقي في مصلاه حتى ينصرف الإِمام من مصلاه ويحتمل أن يراد صلاة العشاء الآخرة أو الفجر بحديث: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله"(2) ليوافق قوله. (كتب له قيام ليلة) أجر قيامها. (حم 4 حب)(3) عن أبي ذر) رمز المصنف لصحته.

1981 -

"إن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة فتضئ الجنة لوجهه كأنها كوكب دري"(د) عن أبي سعيد.

(إن الرجل من أهل عليين) في النهاية (4) عليون اسم السماء السابعة وقيل:

(1) أخرجه النسائي في المجتبى (4/ 7)، وابن ماجة (1614)، وأحمد (2/ 177)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1616).

(2)

أخرجه مسلم (656)، وابن حبان (2060)، والبيهقي في الشعب (2852).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 159)، وأبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي في المجتبى (3/ 83)، وابن ماجة (1327)، وابن حبان (2547)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2417).

(4)

النهاية (3/ 564).

ص: 457

هو اسم لديوان الملائكة الحفظة يرفع إليه أعمال الصالحين من العباد، وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها إلى الله تعالى في الدار الآخرة، ويعرب بالحروف والحركات كبقنسرين على أنه جمع أو واحد. (ليشرف على أهل الجنة) غير عليين. (فتضئ الجنة لوجهه كأنها) أي الجنة لأجل ما كسبها نور وجهه من الإنارة. (كوكب دري) منسوب إلى الدر تشبيها بصفاته قال الفراء: الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار، وقيل: هو أحد الكواكب السبعة السيارة متصلة بين الشمس والقمر وجملتهما كوكبان إذ الخمسة تقدمه، وقال الشارح: كأنها أي وجوه أهل عليين والأول أظهر وأبلغ، وفيه بيان شرف عليين على غيرها من الجنان. (د)(1) عن أبي سعيد) بإسناد صحيح.

1982 -

"إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل من أهل الدنيا في الأكل والشرب والشهوة والجماع، حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر"(طب) عن زيد بن أرقم.

(إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة رجل من أهل الدنيا في الأكل والشرب) يأكل كما يأكل مائة ويشرب كما يشرب.

(والشهوة) لكل مشتهى. (والجماع) أي وقوة مائة رجل في ذلك. (حاجة أحدهم) كناية عن خارج السبيلين. (عَرَق يفيض من جلده فإذا بطنه قد ضمر) وصان الله الجنة عن أوساخ الدنيا وصان العباد من سكانها عن ذلك ليتم تنعم أهل الجنة بكل نعيم ويسلموا كل منغص، هذا وقد سلف أنه صلى الله عليه وسلم أعطي قوة أربعين رجلاً في الجماع، والمراد من رجال أهل الجنة كما ورد أيضًا فهي قوة أربعة آلاف من أهل الدنيا فلا يتوهم أنه أعطي غيره صلى الله عليه وسلم من قوة الجماع في

(1) أخرجه أبو داود (3987)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1462)، والضعيفة (3007).

ص: 458

الآخرة فوق ما أعطي. (طب)(1) عن زيد بن أرقم) ورجال إسناده ثقات.

1983 -

"إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامئ بالهواجر"(طب) عن أبي أمامة.

(إن الرجل ليدرك بحسن خلقه) لما في حسن الخلق. (درجة القائم بالليل) متهجدًا. (الظامئ) اسم فاعل من ظمأ وهو العطش. (بالهواجر) جمع هاجرة وهي منتصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو من عند زوالها إلى العصر فإن الناس يسكنون في بيوتهم كأنهم قد تهاجروا كما في القاموس وهو هنا كناية عن الصوم لأن الظمأ من لوازمه، وفيه عظمة شأن الأخلاق في الأجر. (طب)(2) عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عفير بن معدان.

1984 -

"إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة فيقول رب أرحني ولو إلى النار"(طب) عن ابن مسعود.

(إن الرجل ليلجمه العرق) قال في النهاية (3) أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلام، والعَرَق بفتح فائه وعينه رشح جلد الحيوان وهذا لا يكون إلا عند غاية الشدة (يوم القيامة) وذلك في موقف الحشر. (فيقول رب أرحني) بالراء والحاء المهملة من أراح الله العبد أدخله في الراحة كما في القاموس (4). (ولو إلى النار) من شدة ما يلقاه يتمنى الخلوص ولو إلى أشد منه وكأن هذا خاص ببعض أهل الموقف ولا دليل فيه على أنه أشد من عذاب النار لما علم

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 178) رقم (5006)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1627).

(2)

أجرجه الطبراني في الكبير و (8/ 169) رقم (7709)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1621).

(3)

انظر النهاية (4/ 234).

(4)

انظر القاموس (1/ 224).

ص: 459

من أن أشد العذاب عذابها إلا أن البشر يتقاضاه طبعه طلب الخلاص مما هو فيه ولو إلى أشد منه لأنه إنما يوكل بالأدنى، ولذا سمى الخلوص إلى النار إراحة. (طب) (1) عن ابن مسعود) قال المنذري: إسناده جيد.

1985 -

"أن الرجل ليطلب الحاجة فيزويها الله تعالى عنه لما هو خير له، فيتهم الناس ظالمًا لهم فيقول من أسبعني"(طب) عن ابن عباس.

(أن الرجل ليطلب الحاجة) أي إلى الله حذف للقرينة. (فيزويها الله تعالى عنه) بالزاي يصرفها عنه. (لما هو خير له) من خار الله له في الأمر حصل له فيه الخير.

(فيتهم الناس ظالمًا لهم) يظن الناس ربهم ظالمًا لهم، واتهم قد جاء بمعنى ظن كما في القاموس (2) وحذف المفعول الأول وحذفه قليل إذ من خصائص باب ظن وأخواتها أنه إذا ذكر أحد مفعوليه ذكر الآخر ومن القليل قراءة:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180] فيمن قرأ بالمثناة التحتية أي: لا يحسبن أن بخلهم خيرًا لهم ومنه: لا تخلنا عن غرائك البيت أي لا تخلنا أذلاء على إغرائك الملك بنا والنكتة في حذفه هنا صيانة اللفظ الشريف عن إيقاع ظن الظلم به. (فيقول) أي الرب. (من أسبعني) بالسين المهملة فموحدة فعين مهملة مفتوحات يقال: سبع فلان إذا شتمه كما في القاموس وفي النهاية (3): سبع فلان فلانًا إذا استنقصه وعابه وهو استفهام تقرير وإنكار ولعله يقال في الآخرة مبكتًا تعالى للظان به السوء، ويحتمل أنه

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 99)(10083)، وانظر الترغيب والترهيب (4/ 210)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1460)، والضعيفة (3042).

(2)

انظر القاموس (4/ 145).

(3)

انظر القاموس (3/ 35)، والنهاية (2/ 336).

ص: 460

تعالى يقوله في هذه النشأة للملائكة، وفيه أنه تعالى لا يؤخر إجابة العبد وأعطاه مطلوبه إلا لما هو خير له وأحسن من قال (1):

لا أقول الله يظلمني

كيف أشكو غير متهم

وإذا ما الدهر ضعضعني

لم أقل يا زلة القدم

(طب)(2) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف أبي الصباح عبد الغفور.

1986 -

"إن الرجل لترفع درجته في الجنة فيقول أنى لي هذا فيقال باستغفار ولدك لك"(حم هـ هق) عن أبي هريرة.

(إن الرجل لترفع درجته في الجنة) هي إما رفعة الدرجات حقيقة وهي مصاعد قصوره في الجنة وطرقاته أو كناية عن عزته وعظمته والمعنيان مذكوران في قوله تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} [غافر: 15] ". (فيقول أنى لي هذا فيقال باستغفار ولدك لك) تقوله الملائكة أي سببه ففي ذلك فضيلة دعاء الولد لوالده. (حم هـ هق)(3) عن أبي هريرة) بإسناد جيد.

1987 -

"إن الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه وأن يؤم في رحله". (طب) عن عبد الله بن حنظلة.

(إن الرجل أحق بصدر دابته) في الركوب فالرديف يركب من خلفه كما كان صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في إردافه للفضل بن العباس وغيره، والأحقية تفيد أنه لا يحل

(1) عزاه في الوافي بالوفيات (2/ 31) إلى محمَّد بن أحمد الأسواري.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 359) رقم (12011)، وانظر المجمع (10/ 151)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1456)، والضعيفة (3147).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 509)، وابن ماجة (3660)، والبيهقي في السنن (7/ 78)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1617)، وحسنه في الصحيحة (1598).

ص: 461

لغيره إلا بإذنه. (وصدر فراشه) هو كحديث: "لا يقعد على تكرمة الرجل إلا بإذنه"(1). (وأن يؤم) يكون إمامًا في الصلاة لغيره. (في رحله) بفتح الراء وبالحاء المهملة ساكنة المنزل ومنه:

ومن يك أمسى بالمدينة رحله

فإني وقيار بها لغريب

وهو نظير حديث "لا يؤم الرجل في منزله"(2). (طب)(3) عن عبد الله بن حنظلة).

1988 -

"إن الرجل ليبتاع الثوب بالدينار والدرهم، أو بنصف الدينار، فيلبسه فما يبلغ كعبيه حتى يغفر له من الحمد". ابن السني عن أبي سعيد.

(إن الرجل ليبتاع الثوب) أي يشتريه يقال ابتاع كذا إذا اشتراه. (بالدينار) أصله دنّار فأبدل من أحد نونيه مثناة تحتية. (والدرهم) وهو ستة دوانق. (أو بنصف الدينار) مثلاً فليس المراد إلا جنس الثمن لا قدره. (فيلبسه فما يبلغ كلعبيه) الكتب: كل مفصل للعظام والعظم الناشز فوق القدم، والناشزان من جانبيهما وهما المراد هنا، ويحتمل أن يراد الأول أي ما يبلغ أي مفصل يستره ويؤيده أن في رواية:"فما يبلغ ثدييه ". (حتى يغفر له من الحمد) من أجله وسببه، والمراد: حمده إذا لبسه كما أفاده حديث أبي سعيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداء ثم يقول: "اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره ومن

(1) أخرجه ابن حبان (2133)، والحاكم (1/ 370)، والدارقطني في السنن (1/ 279)، والبيهقي في السنن (3/ 125).

(2)

جزء من الحديث السابق.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 414) رقم (1025)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1613)، والصحيحة (1595).

ص: 462

شر ما صنع له" (1) أخرجه الترمذي (2). (ابن السني عن أبي سعيد) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

1989 -

"إن الرجل إذا رضي هَدْيَ الرجل وعمله فهو مثله. (طب) عن عقبة بن عامر.

(إن الرجل إذا رضي هَدْيَ الرجل) الهدي بزنة فلس تقدم عن النهاية (3) أنه السيرة والهيئة والطريقة وعطف قوله: (وعمله) عليه من عطف الخاص على العام لأن العمل من السيرة. (فهو) أي الراضي (مثله) مثل ذي الهدي صالحًا كان أو غير صالح إلا أن الهدي في غالب إطلاقه للصالح وهو نظير حديث الطبراني "من أحب قومًا حشره الله فيهم"(4)، وحديث "يحشر المرء مع من أحب"(5). (طب)(6) عن عقبة بن عامر) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عبد الوهاب الضحاك.

1990 -

"إن الرجل ليصلي الصلاة ولما فاته منها أفضل من أهله وماله". (ص) عن طلق بن حبيب.

(إن الرجل ليصلي الصلاة) المفروضة. (ولما) بفتح اللام جواب قسم محذوف أي ووالله للذي (فاته منها) من أجرها فالمضاف محذوف والقرينة واضحة عليه.

(1) أخرجه الترمذي (1767)، وأبو داود (4020).

(2)

أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (15)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1450)، والضعيفة (3001).

(3)

النهاية (5/ 577).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 19) رقم (2519)، والحاكم (3/ 18)، وقال الذهبي: هذا حديث عجيب منكر.

(5)

أخرجه البخاري (6168)، ومسلم (2640).

(6)

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 334) رقم (922)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1444).

ص: 463

(أفضل من أهله وماله) في الدنيا والآخرة، وفيه حث على إحسان الصلاة، وحضور القلب عندها. (ص)(1) عن طلق بن حبيب) البصري العابد الزاهد تابعي، قال طاووس: ممن يخشى الله قتله الحجاج هو وسعيد بن جبير وكان على المصنف أن يقول مرسلاً.

1991 -

"إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم". (خد) عن ابن أبي أوفى.

(إن الرحمة لا تنزل) من عند الله (على قوم) هو خاص بالرجال أو عام لهم وللنساء أو تدخله النساء بالتبعية كما في القاموس. (فيهم قاطع رحم) فأصابهم بشؤمه، وفيه التحذير عن مجالسة أهل المعاصي وأن العبد قد يحرم الخير بسببهم وهو عام للرحمة في الدنيا كالغيث ونحوه ورحمة الآخرة وسواء رضي الجليس بمعصية المجالس أم لا؛ لأنه يحرم الخير بسبب قربه منه ويحتمل أنه خاص بهذه المعصية لعظمها، وهذا عكس حديث:"هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"(2). (خد)(3) عن بن أبي أوفى) اسمه عبد الله بن أبي أوفى وضعفه المنذري وغيره.

1992 -

"إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله". (طب) عن أبي الدرداء.

(إن الرزق) المحتوم. (ليطلب العبد) أي يساق إليه ويأتيه كما يأتيه من يطلبه ممن يعقل نسب إليه الطلب مجازًا، ويحتمل أنه صار حقيقة عرفية كما قال:

(1) أخرجه سعيد بن منصور في السنن رقم (2326)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1455)، والضعيفة (3005).

(2)

أخرجه البخاري (6408)، ومسلم (2689).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (63)، وانظر الترغيب والترهيب (3/ 234)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1463)، وقال في الضعيفة (1456) ضعيف جداً.

ص: 464

سيطلبني الرزق الذي لو طلبته

لما زاد والدنيا حظوظ وإقبال

(أكثر مما يطلبه أجله) وذلك لأن الرزق كل يوم، وأما الأجل فما يطلبه إلا في الوقت الذي جعله الله ينتهي بقاؤه في الدنيا إليه، وفي القاموس: الأجل غاية الوقت في الموت والجامع بين الأجل والرزق القضاء؛ ولأن ذلك سبب الحياة وهذا سبب قطعها والضد كثير الخطور بالبال مع ضده ولذا لما سئل علي أمير المؤمنين رضي الله عنه أنه لو أغلق على رجل داره من أين يأتيه رزقه؟ قال: من حيث يأتيه أجله، والحديث إرشاد إلى الإجمال في الطلب وأن رزق العبد يطلبه والمراد به المحتوم كما أشرنا إليه، وإليه أشار من قال:

الرزق رزقان رزق ساقه سببه

حتى أتاك ورزق ما له سبب

(طب)(1) عن أبي الدرداء رجاله ثقات.

1993 -

"إن الرزق لا تنقصه المعصية، ولا تزيده الحسنة، وترك الدعاء معصية"(طص) عن أبي سعيد (ض).

(إن الرزق) أي المحتوم. (لا تنقصه المعصية).

إن قلت: تقدم قريبًا: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" فلابد من التلفيق.

قلت: المراد به هنا ما لا بد منه من قوام الحيوان وهو المحتوم، ويحتمل أن يراد المعصية الواحدة لا تكون سببًا لتقتير الرزق حتى تكرر من العبد فإذا تكررت كانت سببًا، وذلك من لطف الله ورحمته كما أنه لا يهتك ستر العبد بأول معصية يأتيها، ويحتمل أنه يراد بالمعصية هنا ترك الدعاء كما أرشد إليه آخر الحديث، ويكون مخصصًا لحديث ثوبان السابق. (ولا تزيده الحسنة).

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 84) رقم (2737)، والبيهقي في الشعب (1191)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1630).

ص: 465

إن قلت: ظاهر {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]. ينافي هذا كما تنافيه أحاديث صلة الرحم، وأنها مثراة للمال، وأحاديث متاجرة الله بالصدقة ونحوها.

قلت: يحمل هذا على أن الحسنة الواحدة لا تكون سببًا لزيادة الرزق حتى تنضم إليها حسنات أخر، أو يراد أن مطلق الحسنة ليست سببًا للزيادة بل حسنات معينة كالصدقة وصلة الرحم فتخصص الحسنة بهذه والحسنة من ألفاظ العموم اسم جنس معرف. (وترك الدعاء معصية) يعاقب عليها العبد لأنه مأمور بالدعاء فتركه إعراض عن الأمر من بارئه وخالقه، (طس)(1) عن أبي سعيد) ضعيف لضعف عطية العوفي.

1994 -

"إن الرسالة والنبوة قد انقطعت، فلا رسول بعدي، ولا نبي، ولكن المبشرات رؤيا الرجل المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة". (حم ك ت) عن أنس (صح).

(أن الرسالة) بكسر الراء وفتحها هي الاسم من أرسله الله إذا بعثه إلى العباد بتبليغ شريعة مستجدة. والنبوة: الاسم من أنبأه إياه وبه أخبره، والنبي المخبر عن الله تعالى إذا عرف هذا، فالرسالة أخص من النبوة ودل على التغاير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا

} [الحج: 52] الآية، وسئل صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء فقال:"مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً" قيل: فكم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًا غفيرًا" ومن ادعى ترادف الرسول والنبي فهو متكلف (قد انقطعت) انتهى زمانها. (فلا رسول بعدي ولا نبي) لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل

(1) أخرجه الطبراني في الصغير (708)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1464)، والضعيفة (181): موضوع.

ص: 466

والأنبياء وشريعته باقية إلى آخر الدنيا وهذا أمر مجمع عليه وأما نزول عيسى صلى الله عليه وسلم آخر الزمان فهو ينزل متبعًا لشرعته صلى الله عليه وسلم غير مبعوث بتقريرها يلي بحكمه حكم أئمة الهدى الذين يحيون شريعته صلى الله عليه وسلم وفي إعراب رسول ونبي الخمسة الأوجه المعروفة في العربية في جميع مثل لا حول ولا قوة إلا بالله. (ولكن المبشرات) جمع مبشرة صفة موصوف محذوف أي الرؤيا المبشرة من البشارة وهي أول خبر سار ولما كانت جزء من أجزاء النبوة كما يأتي صح استدراكها من النبوة. (رؤيا الرجل المسلم) بدل من المبشرات ويصح إبدال المفرد من الجمع؛ لأنه جنس يشمل القليل والكثير فرب رؤيا تشتمل على عدة مبشرات والمراد بها الصالحة كما يأتي في حديث ابن مسعود تقييدها بذلك ويأتي تقسيمها إلى ثلاثة أنواع، ثم المراد رؤياه لنفسه أو لأخيه، وقيده بالمسلم ويأتي تقييده بالصالح لأن النبوة وأجزاءها لا تكون إلا لذلك بل كان الظاهر أن لا تكون إلا للمعصوم لأنها من النبوة إلا أنه قد علم أنه لا معصوم في الأمة فاكتفى بالإِسلام والصلاح، (وهي جزء من أجزاء النبوة) قد صرح في حديث آخر بيان مقدار الجزء من أنها من ستة وأربعين جزءًا من أجزاء النبوة ويأتي، ويأتي أيضًا أنها جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة ويأتي الكلام في ذلك. (حم ت ك)(1) عن أنس) رمز المصنف لصحته.

1995 -

"إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالماً"(ك) عن أنس (صح).

(إن الرؤيا تقع) في اليقظة. (على ما تعبّر) عبر الرؤيا عبرًا وعبارة، وعبّرها

(1) أخرجه أحمد (3/ 267)، والترمذي (2272)، والحاكم (4/ 391)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1631).

ص: 467

فسّرها وأخبر بما يؤول إليه أمرها كما في القاموس (1) أي تكون على وفق ما يقوله العابر وعلى مقوله، فالرؤيا مثال لما في الخارج وما في الخارج هو عين ما يقوله عابرها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر أجرى الله بذلك حكمته وهو نظير ما يتفاءل به الإنسان، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، وفي حديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: "تفاءل بما تهوى تكن فلقلما يقال لشيء كان إلا تحقق"(2) ويأتي حديث: "إن الرؤيا على رجل طائر فإذا عبرت وقعت"(3).

(ومثل ذلك) يقال مثل بزنة شبه، مكسور الفاء ساكن العين، وتحرك مع فتحها كشبه، ويقال مثيل كشبيه وللأمثال موقع في القلوب لا يقادر قدره ولذا كثرت في كلام الله ورسوله، قال جار الله الزمخشري (4): إن لضرب الأمثال واستحضار العلماء المثل شأن ليس بالخفي. (مئل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها) وهو من تشبيه المعنى المعقول بالمحسوس مبالغة في الإبراز والإيضاح. (فإذا رأى) تفريع على قوله على ما يعبر. (أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا عالماً) لأن علمه يوفقه إلى معناها ويمنعه من الغش. (أو ناصحًا) وجاء في رواية: "إلا على وَادًّ" وذلك لأنه لا يعبرها إلا على شيء حسن؛ لأنه منعه نصحه عن غير ذلك وعن تعبيرها بجهل بل يدله على العالم. (ك)(5) عن أنس) رمز المصنف لصحته.

1996 -

"إن الرقى والتمائم والتولة شرك"(حم د هـ ك) عن ابن مسعود (صح).

(1) انظر القاموس (2/ 83).

(2)

أخرجه البيهقي في السنن (7/ 43).

(3)

أخرجه أبو داود (5020)، وأحمد (4/ 10)، وابن حبان (6050)، وقال الألباني في صحيح الجامع (3535): صحيح.

(4)

انظر: الكشاف (1/ 34).

(5)

أخرجه الحاكم (4/ 391)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1612)، والصحيحة (120).

ص: 468

(إن الرقى) بزنة هدى جمع رقية تقدم الكلام عليها. (والتمائم) جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإِسلام. (والتولة) بالمثناة الفوقية مكسورة وفتح الواو ما يحبب المرأة إلى زوجها بالسحر ونحوه. (شرك) خبر عن الثلاثة وتقدم الكلام في الرقى والجمع بين مثل هذا وبين حديث الأمر بالرقية فإن المسمى شركًا، ونهى عنه ما لا يعرف معناه.

وأما التمائم فتسميتها شركًا لاعتقادهم أنها ترد القدر من دون الله فسماها شركًا، والتولة شرك لأنها من السحر وهو شرك.

والمراد من الكل أنها من أفعال المشركين أو المراد أنها شرك حقيقة معاص عظيمة إذ قد يطلق الكفر والشرك على ذلك. (حم د هـ ك)(1) عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح وأقروه.

1997 -

"إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب". (حم ت حب ك) عن ابن عمرو (صح).

(إن الركن) المراد به الحجر الأسود في الركن اليماني يطلق عليها من إطلاق الكل على الجزء لشرف الجزء. (والمقام) هو مقام إبراهيم عليه السلام وهو الحجر، فيه آثار قدميه الشريفتين وهو الآن تحت البناء الذي يصلي الناس ركعتي الطواف خلفه رأيناه في سنة 1135 فتح لنا باب العمارة التي عليه وكشفت الأستار وذا هو حجر ليس بالطويل قد ألصق بالأرض وفيه أثر قدمي الخليل عليه السلام إلى نحو الكتب أو أكثر ومحل الأصابع قد انطمس كأنه لكثرة التبرك به

(1) أخرجه أحمد (1/ 381)، وأبو داود (3883)، وابن ماجة (3530)، والحاكم (4/ 418)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1632)، والصحيحة (2972).

ص: 469

قبل البناء عليه، أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال:"الحجر مقام إبراهيم لينه الله له وكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة فهذا هو مقام إبراهيم" وأما الموضع الذي يصلي فيه الناس ركعتي الطواف فليس هو المقام وإنما سمي به للمجاورة وقد فسره جار الله الزمخشري: بالحجر وبالموضع وقد نبه بعض المحققين أنه خطأ. (ياقوتتان) خبر ما تقدمه. (من ياقوت الجنة) والياقوت حجر معروف من أنفس الأحجار وأثمنها يكون بجزيرة خلف سرنديب يقال إن الشمس إذا أشرقت على ذلك الجبل تراءت منه شعاعات كثيرة بوقوع شعاع الشمس على حصى الياقوت فيسمى ذلك برق الراهون فهذا ياقوت الدنيا الذي نسبته إلى ياقوت الجنة نسبة الأحلام إلى اليقظة. (طمس الله تعالى نورهما) أي أزاله وأذهبه.

(ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) والله أعلم ما الحكمة في طمس ذلك، وقد قيل إنها عدم احتمال البشر لمشاهدة ذلك النور كما لا يقدرون على مشاهدة عين الشمس.

فإن قلت: قد ورد أن الحجر إنما سودتها خطايا بني آدم.

قلت: لا ينافي هذا فإنه أخبر بالطمس ولم يذكر سببه فيكون سببه ذلك. (حم ت حب ك)(1) عن ابن عمرو)، رمز المصنف لصحته، وقد قال الحاكم: تفرَّد به أيوب بن سويد، قال الذهبي: وأيوب ضعفه أحمد وتركه النسائي.

1998 -

"إن الروح إذا قبض تبعه البصر". (حم م هـ) عن أم سلمة (صح).

(إن الروح إذا قبض) بالوفاة. (تبعه البصر) أي بالنظر والتحديق إليه فلذا أمر بتغميضه كما أفاده حديث بشر بن أوس المتقدم: "إذا حضرتم موتاكم

(1) أخرجه أحمد (2/ 213)، والترمذي (878)، وابن حبان (3710)، والحاكم (1/ 456)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1633).

ص: 470

فأغمضوا البصر

" الحديث، وفي الحديث دليل على أن الروح جسم يدرك عند خروجه، ويحتمل تبعه البصر في ذهاب نوره وحياته وهو بعيد. (حم م هـ) (1) عن أم سلمة) قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شُق بصره فذكره.

1999 -

"إن الزناة يأتون تشتعل وجوههم ناراً". (طب) عن عبد الله بن بسر.

(إن الزناة) جمع زان يشمل الذكر والأنثى المحصن وغيره. (يأتون يوم القيامة تشتعل وجوههم نارًا) تلتهب ونصب نار على أنه تمييز محول عن الفاعل أي تشتعل في وجوههم النار فنسب الاشتعال إلى المحل مبالغة ثم جاء بالفاعل حقيقة تمييزًا كما في قوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]. (طب)(2) عن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة، سكت عليه المصنف قال المنذري: في إسناده نظر.

2000 -

"إن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونزول عيسى، وفتح يأجوج ومأجوج، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا". (حم م 4) عن حذيفة بن أسيد (صح).

(إن الساعة) هي اسم ليوم القيامة كما في القاموس ومثله في الكشاف وقيل: سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا أو لأنها تقع بغتة وبديهة كما تقول في ساعة لمن تستعجله فصارت وجرت علمًا لها كالنجم للثريا.

(لا تقوم) أي توجد. (حتى تكون عشر آيات) توجد كأنه قيل ما هي فعدها:

(1) أخرجه أحمد (6/ 297)، ومسلم (920)، وابن ماجة (1454).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (6/ 255)، وانظر: الترغيب والترهيب (3/ 186)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1465)، وقال في الضعيفة (3177): منكر.

ص: 471

(الدخان) جاء في رواية حذيفة (1) أنه يمكث أربعين يومًا يعم الأرض كلها يأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن كهيئة الركام وهو وإن عد أولاً هنا فهو متأخر فإنه بعد خروج الدابة كما في الأحاديث.

وفي حديث علي رضي الله عنه: "يأتي من السماء قبل يوم القيامة دخان يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد منهم كرأس الجبل ويعتري المؤمن كهيئة الزكام ويكون الأرض كتنور أوقد فيه ليس فيه خصاص".

وروي عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه يملأ ما بين المشرق والمغرب يكون الكافر كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره"(2) وفي حديث ابن مسعود: "قد مضى الدخان في أوائل النبوة وأنه كان الرجل يرى ما بين السماء والأرض الدخان، وقد يحدث الرجل الرجل فيسمع كلامه ولا يراه من الدخان" وهو المراد بقوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مبينٍ} [الدخان: 10]. (والدجال) في القاموس (3): إنه من دجل البعير طلاه بالقطران أَو عم جسمه بالهناء، فسمي الدجال بذلك؛ لأنه يعم الأرض، أو من دجل: كذب وأحرق وجامع وقطع نواحي الأرض سيرًا أو من دجل تدجيلاً غطاه وطلى بالذهب لتمويهه بالباطل، وذكر غير هذه الوجوه في اشتقاقه (4) وهو المسيح لأنه يمسح الأرض وقد تواترت بخروجه الأحاديث والتحذير من فتنته ووصفه كل نبي لقومه ووصفه صلى الله عليه وسلم بوصف لم يصفه به أحد بمثله كما في حديث فاطمة بنت قيس وفيه: "أيها الناس فأثبتوا فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي إنه سيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي

(1) قال صاحب عون المعبود (11/ 291): حديث حذيفة بن أسيد وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحين.

(2)

انظر: الكشاف (1/ 1181).

(3)

القاموس (3/ 374).

(4)

وُضع في الحاشية عنوان: مطلب الدجال.

ص: 472

فيقول أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم ليس بأعور وأنه مكتوب بين عينيه "كافر" يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب هذا" (1)، هذا وأفتى الحافظ السخاوي وغيره بأنه يخرج من قبل المشرق جزمًا وقال الدميري: في الديباجة والحافظ ابن حجر في الفتح وفي رواية: "أنه من خراسان وفي أخرى أنه من أصفهان يمكث في الأرض أربعين يومًا يوم منها كسنة ويوم كشهرين ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر الأيام كأيامكم ويطوف الأرض كلها خلا مكة والمدينة" وفي حديث الحاكم والبيهقي (2): "أنه أول الآيات". (والدابة) هي المذكورة في الآية: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيهمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ} [النمل: 82] ثبتت صفتها في حديث فاطمة أيضًا وفيه: في كلام تميم: "فدخلنا الجزيرة فإذا بدابة أهلب كثير الشعر ما تدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر قلنا: ما أنت؟ قال: أنا الجساسة

الحديث. وفي كتب التفسير أنها تخرج من أجياد وأن عيسى- عليه السلام بينما هو يطوف بالبيت ومعه المسلمون إذ تضطرب الأرض من تحتهم وتحرك القناديل وينشق الصفا مما يلي المسعى فتخرج الدابة من الصفا ومعها عصى موسى وخاتم سليمان فتضرب المؤمن في مسجده أو بين عينيه بعصى موسى فينكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضئ لها وجهه فيضئ وجهه فيترك وجهه كأنه كوكب دري قد كتب بين عينيه مؤمن وينكت الكافر بالخاتم في إبطه فتشوه تلك النكتة حتى يسود لها وجهه ويكتب بين عينيه كافر، وروي فتجلو وجه المؤمن بالعصى وتحطم وجه الكافر بالخاتم ثم تقول لهم يا فلان أنت من أهل الجنة ويا فلان أنت من أهل

(1) أخرجه ابن ماجة (4077)، وانظر فتح الباري (13/ 100) وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (884).

(2)

انظر فتح الباري (3/ 100).

ص: 473

النار وروي أنها تخرج ثلاث خرجات. (وطلوع الشمس من مغربها) وقد ثبت حديث أبي ذر عند الشيخين قال: دخلت المسجد حين غابت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم قال: "إنها تذهب حتى تستأذن ربها في السجود فيؤذن لها وكأنها وقد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها

" (1) الحديث، وبها فسر بعض الآيات في الآية، وأنها أول الآيات. واختلف هل يستمر طلوعها من المغرب أو تطلع منه يومًا واحداً ثم تطلع بعده من المشرق ثم يقال لقد طلعت الشمس من المغرب.

إن قلت: سيأتي إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها وتقدم أن أولها خروج الدجال.

قلت: طلوع الشمس أول الآيات العظام السماوية المؤذنة بتزلزل العالم العلوي وخرابه، وهو أمر خارق للعادات المألوفة، وخروج الدجال أول الآيات الأرضية المؤذنة بتغيير أحوال العالم، ثم بعده خروج الدابة، وقد قررنا في "إيقاظ الفكرة" أن طلوع الشمس أولها حقيقة وبحثنا هنالك وهذا التلفيق بين الأخبار أقرب. (وثلاثة خسوف) تقدم تفسير الخسف. (خسف بالمشرق) قال ابن الجوزي: هو ما وقع بعراق العجم وأقره عليه جماعة كالسخاوي وغيره. (وخسف بالمغرب) قال ابن الجوزي: أيضًا إنه الذي وقع بقرب الأندلس من بلاد تستر ونحوها. (وخسف بجزيرة العرب) في القاموس (2) جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولاً، ومن جدة إلى ريف العراق عرضًا، وقد فسر خسف جزيرة العرب بإخراج اليهود منها أي من أي بقعة بمكة والمدينة، أو بأنه الخسف

(1) أخرجه البخاري (4802)، ومسلم (159).

(2)

انظر القاموس (1/ 387).

ص: 474

الذي يقع يبتدأ من المدينة، ولعل هذه الخسوف الثلاثة لم تقع إلى الآن والله أعلم. (نزول عيسى) أي من السماء الثالثة، كما تقدم أنه فيها وثبت في حديث فاطمة بنت قيس أنه ينزل والمسلمون محصورون ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح وأنه بينما هو قد تقدم يصلي بأصحابه الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم فرجع ذلك الإِمام يمشي القهقري ليتقدم عيسى فيضع عيسى يده فوق كتفيه ثم يقول تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف، قال عيسى: افتحوا الباب فيفتحون الباب ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف مجلى وساج، فإذا نظر الدجال إلى عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربًا فيقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقني فيدركه عند باب لد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود، فلا يبق شيء مما خلق الله يتوقى به يهودي إلا أنطق ذلك الشيء لا شجر ولا حجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق إلا قال يا عبد الله المسلم: هذا يهودي تعال فاقتله الحديث". (وفتح يأجوج ومأجوج) فتح السد الذي ردمه ذو القرنين وهما قبيلتان من جنس الناس يقال الناس عشرة أجزاء: تسعة منهم يأجوج ومأجوج وقد ثبت في حديث النواس أنه بعد أن يقتل عيسى عليه السلام الدجال عند باب لد يوحي الله تعالى إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، ثم يسيرون حتى يأتون إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس فيقولون لقد قتلنا من في الأرض كلهم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم أحب من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم النغف في أفاقهم فيصبحون فرسى كموت

ص: 475

نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا قد ملأه زهمهم، فيرغب نبي الله عيسى إلى الله، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل وجه الأرض حتى يتركها كالزلفة" (1) الحديث. (ونار تخرج من قعر عدن) هو عدانين جزيرة من اليمن. (تسوق الناس إلى المحشر) موضع حشر العباد، وهو بيت المقدس كما في الأحاديث. (تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) وهذه هي آخر الآيات.

واعلم أن مفهوم العدد في قوله عشر غير مراد إلا أن يراد الآيات العظام، وإلا فقد ثبت في الأحاديث عدة آيات وأشراط الساعة، منها أنها لا تقوم الساعة إلا عند تقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة بالنار ومنها أنها لا تقوم حتى ينحسر الفرات على جبل من ذهب فيقتتل عليه الناس فيقتل تسعة أعشارهم، ومنها أنها لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ومنها أنها لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، ويعرض الرجل صدقته فلا تقبل، ومنها أنها لا تقوم حتى تضطرب آليات نساء دوس حول ذي الخلصة، ومنها أنها لا تقوم حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه، ومنها أنها لا تقوم حتى تأخذ الأمة أخذ القرون التي قبلها ويعملون عملهم وغير ذلك كما أفروت له جوامع. (حم م 4)(2) عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة هو أبو سريحة بمهملتين مفتوح الأول صحابي من أصحاب الشجرة مات سنة 42.

(1) أخرجه مسلم (2937)، وأبو داود (4321)، ورواه الترمذي (2240)، وابن ماجه (4076)، وأحمد (4/ 118 - 182)، وانظر: فتح الباري (6/ 610).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 6، 7)، ومسلم (2901)، وأبو داود (4311)، والترمذي (2183)، والنسائي في السنن الكبرى (11482)، وابن ماجة (4055).

ص: 476

2001 -

"إن السحور بركةٌ أعطاكموها الله، فلا تدعوها". (حم ن) عن رجل (صح).

(إن السحور) تقدم ضبطه عن القاموس، وأنه كصبور ما يتسحر به قبيل الصبح، وتقدم فيه الكلام، وفي النهاية (1) قيل: الصواب بالضم؛ لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام. (بركةٌ أعطاكموها الله فلا تدعوها) فيه الحث على السحور وقد ورد "ولو بجرعة من ماء"(2). (حم ن)(3) عن رجل) رمز المصنف لصحته.

2002 -

"إن السعادةَ كلُّ السعادة طول العمر في طاعة الله". (خط) عن المطلب عن أبيه.

(إن السعادة كل السعادة) تقدم الكلام على هذا التركيب قريبًا نقلاً عن الرضي. (طول العمر في طاعة الله) فيها ينال أحسن نعيم الأبد، ويؤخذ منه أن الشقاوة كل الشقاوة طول العمر في معصية الله. (خط)(4) عن المطلب عن أبيه) الظاهر أنه المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة المطلبي روى عن أبيه وعنه ابن إسحاق وثقه ابن حبان (5).

2003 -

"إن السعيد لمن جُنِّبَ الفتن ولمن ابتليَ فصبر". (د) عن المقدام (صح).

(1) انظر النهاية (2/ 216).

(2)

أخرجه أبو يعلى (3340)، وابن حبان (3476)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1071): حسنٌ صحيحٌ.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 370)، والنسائي (4/ 145)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1636).

(4)

أخرجه الخطيب في تاريخه (6/ 16)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1466)، والضعيفة (3008).

(5)

قال عنه الحافظ في التقريب (6711)، مقبول من السادسة.

ص: 477

(إن السعيد لمن تجنب الفتن) جنبه الله الوقوع فيها بسيفه أو لسانه. (ولمن ابتلي) بأي بلية. (فصبر) السعادة له من حيث صبره على البلية. (د)(1) عن المقداد) رمز المصنف لصحته.

2004 -

"إن السقطَ ليراغم ربه إذا دخل أبواه النار، فيقال: أيها السقط المراغم ربه أدخل أبويك الجنة فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة". (هـ) عن علي.

(إن السقط) تقدم عن القاموس (2) أنه مثلث الفاء: الولد لغير تمام. (ليراغم وبه) بالراء والغين المعجمة في النهاية (3) يغاضبه. (إذا دخل أبواه النار) وهما من أهل الإيمان. (فيقال أيها السقط المراغم ربه) المغاضب له. (أدخل أبويك الجنة) بشفاعته. (فيجرهما بسرره) بزنة كتف وهو ما تقطعه القابلة من سرة المولود كما في القاموس (4)، وفيه إنها تقبل شفاعة الطفل لأبويه بعد أن يكمل عقله ويعرفها ويخاصم عنهما مخاصمة الغاضب، فأحاديث "إنه من مات له ثلاثة من الولد أو اثنان لا تمسه النار"(5) محمولة على شفاعة الولد لأبيه، أو على أنه يتفضل الله عليه بالغفران لما ناله من نصبه على الولد، ويحتمل أنه أريد بإدخالهما النار هنا الأمر به قبل الوقوع فيه فيصدق أنهما لم تمسهما النار. (هـ)(6) عن علي) سكت عليه المصنف وإسناده فيه ضعف.

2005 -

"إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضع في الأرض، فأفشوا السلام بينكم". (خد) عن أنس.

(1) أخرجه أبو داود (4263)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1637)، والصحيحة (975).

(2)

انظر القاموس (3/ 364).

(3)

النهاية (3/ 587).

(4)

القاموس (ص: 518).

(5)

أخرجه البخاري تعليقا باب ما قيل في أولاد المسلمين (90).

(6)

أخرجه ابن ماجة (1608)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1467).

ص: 478

(إن السلام اسم من أسماء الله) أي من صفاته العلية وقد ثبت ذلك في القرآن قال المفسرون: وصف تعالى به مبالغة في كونه تعالى سليمًا من النقائص وفي إعطائه السلامة، وفي النهاية (1) معناه سلامته مما يلحق الخلق من العيب والفناء والسلام في الأصل السلامة. (وضع في الأرض) وضعه الله فيها بتعليمكم إياه. (فأفشوا) أشيعوا. (السلام بينكم) وتقدم الكلام في إفشاء السلام ومعناه: الله قائم وشاهد عليكم، ولكونه من أسماء الله تعالى تيمم صلى الله عليه وسلم من الجدار لرده على من سلم عليه، وقال:"كرهت أن أذكر الله على غير طهارة"(2). (خد)(3) عن أنس) بإسناد حسن.

2006 -

"إن السماوات السبع، والأرضين السبع، والجبال لتلعن الشيخ الزاني، وإن فروج الزناة ليؤذي أهل النار نتن ريحها". البزار عن بريدة.

(إن السماوات السبع) أنفسها أو هي ومن فيها وكذلك يفسر قوله: (والأرضين السبع والجبال) خصصها مع دخولها في مسمى الأرض لعظمتها وعظمة خلقتها أو لأنه خلقها متأخرة عن الأرض فخصها ذكرًا كما خصها خلقًا وخبر إن قوله. (لتلعن) هو لعن على الحقيقة كما قدمناه ولا وجه للتأويل. (الشيخ) هو من استبانت فيه السن أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين كما في القاموس (4). (الزاني) صفة للشيخ وخصه لأن الشاب أعذر منه قليلاً لأن الشباب شعبة من الجنون. (وإن فروج الزناة لتؤذي أهل النار) وفاعل تؤذي. (نتن) جيفة (ريحها) عام للزناة من مشايخ وشباب

(1) انظر النهاية (2/ 123).

(2)

أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 545)، والطبراني في المعجم الكبير (20/ 329) رقم (781).

(3)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1039)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1639).

(4)

انظر القاموس (1/ 263).

ص: 479

إناث وذكران، والشيخة الزانية كالشيخ في الحكم والعلة واحدة. (البزار (1) عن بريدة)، سكت عليه المصنف، وضعفه المنذري.

2007 -

"إن السيد لا يكون بخيلاً"(حط) في كتاب البخلاء عن أنس.

(إن السيد لا يكون بخيلاً) تقدم الكلام على السيادة والبخل، وسبب الحديث أنه صلى الله عليه وسلم سأل قومًا عن سيدهم فقالوا: فلان، على بخل فيه، أو على أنا نبخله، فقاله وهو إخبار أن السيادة لا يجامعها البخل وهو رد لقولهم أنه سيدهم. (خط)(2) في كتاب البخلاء عن أنس) بإسناد ضعيف.

2008 -

"إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب". ابن سعد عن علي.

(إن الشاهد) أي الحاضر في الأمر. (يرى) من الرأي لا من الرؤية وإلا كان كالسماء فوقناً. (ما لا يرى الغائب) أي من الأمر والحديث قاله صلى الله عليه وسلم، لعلي رضي الله عنه وقد بعثه في بعض مهماته فقال علي رضي الله عنه: أكون كالسكة المحماة فيما تبعثني فيه أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقاله صلى الله عليه وسلم وفيه دليل على جواز الاجتهاد في حياته صلى الله عليه وسلم، وهذا الكلام من الأمثال النبوية ونظمه من قال:

يرى الشاهد الحاضر المطمئن

من الأمر ما لا يرى الغائب

(ابن سعد (3) عن علي) أخرجه في الطبقات.

2009 -

"إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار" الطيالسي (ع) عن أنس.

(إن الشمس والقمر ثوران) بالمثلثة تثنية ثور الحيوان المعروف، وصحف من ضبطهما بالنون. (عقيران) فعيل بمعنى مفعول والعقر حز قوائم الفرس

(1) أخرجه البزار كما في كشف الأستار (3212)، وانظر الترغيب والترهيب (3/ 190)، والمجمع (6/ 255)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1469)، والضعيفة (3011).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخه (1/ 201)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1470).

(3)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 215)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1641)، والصحيحة (1904).

ص: 480

والإبل. (في النار) والمراد أنهما يمثلان لعبدتهما بذلك ويدخلان النار ويتبعهما عبدتهما كما قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] وإلا فنفس النيران لا يعذبان وإنما يمثل لكل أمة ما عبدت ثم تلقى هي ومعبودها في النار. (الطيالسي ع)(1) عن أنس) بن مالك.

2010 -

"إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم". (خ ن) عن أبي بكرة (ق ن هـ) عن أبي مسعود (ق ن) عن ابن عمر (ق) عن المغيرة (صح).

(إن الشمس والقمر لا ينكسفان) الكسوف: التغير إلى السواد ومنه كسف وجهه أي تغير، والخسوف النقصان، وفي النهاية (2): الكثير في اللغة -وهو الاختيار عند الفراء - أن يكون الكسوف للشمس والخسوف للقمر انتهى.

فعليه هو هنا تغليب لصفة الشمس لشرفها. (لموت أحد) لأجل موته وعظم موقعه في العالم العلوي. (ولا لحياته) لأجل ولادته أو إماتته من ألم وإنما خص الموت؛ لأن سبب الحديث أنها كسفت الشمس يوم موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الناس: كسفت الشمس لموت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد ذلك عليهم، وذكر الحياة استطرادًا عند ذكر ضدها لنكتة ذكرناها في حواشي فتح الباري.

ثم ذكر القمر استطرادًا وإلا فإن السبب إنما هو كسوف الشمس. (ولكنهما آيتان) أي كسوف كل واحد آية إذ الكلام فيه. (من آيات الله) من علامات قدرته وبطشه. (يخوف بهما) بكسوفهما. (عباده) بتغييرهما وهما خلقان نيران ولا تكليف عليهما بل هما مسخران بقدرته لإضاءة العالم فتغييرهما بمحو نورهما

(1) أخرجه الطيالسي (2103)، وأبو يعلى (4116)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1643).

(2)

النهاية (4/ 314).

ص: 481

تخويف للعباد من أن ينزل بهم من عقوبته وغضبه ما يمحو به أحوالهم ولأنهما خلقا سراجين للعالم ونورين لنفعهم فإذا محق نورهما فهو للغضب على من خلقا لنفعه كما يفيده قوله. (فإذا رأيتم ذلك فصلوا) صلاة الكسوف التي شرعت لكم. (وادعوا) تضرعوا إلى الله. (حتى يكشف ما بكم) ما نزل بكم. (ق ن) عن أبي بكرة (ق ن هـ) عن أبي مسعود) البدوي (ق ن) عن ابن عمر (ق)(1) عن المغيرة).

2011 -

"إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله تعالى شيئًا حاد عن مجراه فانكسف". ابن النجار عن.

(إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما من عظمة الله تعالى شيئًا حاد) بالحاء المهملة والدال المهملة: أي مال. (عن مجراه فانكسف) وهذا هو السبب في كسوفها فإن صح الحديث بطل ما يزعمه أهل علم الفلك من أن ذلك في القمر بحيلولة الأرض بينها وبين الشمس وهو شيء أخذوه عن الفلاسفة، وزعم الغزالي في كتابه الذي سماه "تهافت الفلاسفة" (2) أن لهم على ذلك براهين هندسية حسابية لا تبقى معها ريبة لمن يطلع عليها ويحقق أدلتها قالوا: وأما كسوف الشمس فمعناه وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس وذلك عند اجتماعهما في أحد العقدتين على حقيقة واحدة كذا قاله، وقالوا: أن معنى هذا الحديث -إن صح- وجب تأويله وجعلوا من أدلة ذلك إخبار المنجم عن

(1) أخرجه البخاري (976)، ومسلم (904)، والنسائي (2/ 152) عن أبي بكرة، والبخاري (1057)، ومسلم (911)، والنسائي (3/ 126)، وابن ماجة (1261) عن أبي مسعود، والبخاري (1042)، ومسلم (914)، والنسائي (3/ 125) عن ابن عمر، والبخاري (1043)، ومسلم (915) عن المغيرة بن شعبة.

(2)

انظر: (ص: 80 - 81) ط. السادسة من دار المعارف، مصر.

ص: 482

وقوع الكسوف وزمانه وكميته وكيفيته، وأقول: لا مانع أنه تعالى يرى النير من آياته في ذلك الوقت عند مقارنة ذلك النجم الذي يخبر المنجم أنه يكون عنده الانكساف ما يكون سببًا لكسوفهما ويطرد ذلك كما يقع إنزال الغيث في أوقات من السنة معروفة ونزول الثلج ونحوهما مما يتأهب الناس له قبل هجومه وتارة يتخلف كما يتخلف الكسوف عن أخبار المنجمين. (ابن النجار (1) عن أنس).

2012 -

"إن الشهر يكون تسعة وعشرون يومًا". (خ ت) عن أنس (ق) عن أم سلمة (م) عن جابر وعائشة (صح).

(إن الشهر يكون تسعة وعشرون يومًا) أي كما يكون ثلاثين وكل من العددين أصل وهذا الحديث جزء من حديث الإيلاء. (خ ت) عن أنس (ق) عن أم سلمة (م)(2) عن جابر وعائشة) ولكن بلفظ "إن الشهر

".

2013 -

"إن الشياطين تغدوا برياتها إلى الأسواق فيدخلون مع أول داخل ويخرجون مع آخر خارج"(طب) عن أبي أمامة (صح).

(إن الشياطين تغدوا) من الغداة (براياتها إلى الأسواق) جمع راية وهي العلم وذلك لأن الأسواق محل الأيمان الفاجرة والكذب والرياء والخداع وكل قبيح فغدت إليه الشياطين بالأعلام التي لا تكون إلا مع الجيش الكبير لطلب الأمر الخطير. (فيدخلون مع أول داخل ويخرجون مع آخر خارج) فلا ينبغي لأحد أن يكون أول داخل؛ لأنه يصحب الشياطين ولا يكون آخر خارج لذلك وفيه تحذير عن استيطان الأسواق. (طب)(3) عن أبي أمامة)، رمز المصنف لصحته،

(1) أخرجه ابن النجار كما في الكنز (21561)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1473): موضوع.

(2)

أخرجه البخاري (1911)، والترمذي (690) عن أنس، والبخاري (1910)، ومسلم (1085) عن أم سلمة، ومسلم (1084) عن جابر وبرقم (1083) عن عائشة.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 136) رقم (7618)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1475):=

ص: 483

وفيه عبد الوهاب بن الضحاك (1) ضعيف.

2014 -

"إن الشيخ يملك نفسه". (حم طب) عن ابن عمرو.

(إن الشيخ) تقدم بيانه قريبًا. (يملك نفسه) أي من التعدي إلى ما حرمه الله، والحديث في قبلة الصائم وأنه يباح للشيخ دون الشاب سدًا للذريعة إلى ما لا يحل، وفي حديث أبي هريرة أن رجلاً سأله صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له فأتاه آخر فنهاه عنها فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب. (حم طب)(2) عن ابن عمرو).

2015 -

"إن الشيطان يحب الحمرة، فإياكم والحمرة، وكل ثوب ذي شهرة". الحاكم في الكنى وابن قانع (عد هب) عن رافع بن يزيد.

(إن الشيطان يحب الحمرة) من الألوان كأنها والله أعلم لأنه خلق من النار التي الحمرة لونها ومآله إليها. (فإياكم والحمرة) اجتنبوها في جميع ملابساتكم بعدًا عما يحبه عدوكم (وكل) بالنصب عطف على المحذر منه وهي الحمرة. (ثوب ذي شهرة) بحسن أو قبح بل خيار الأمور أوساطها هذا، وأما حديث: أنه صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، فقال ابن القيم (3): إنه غلط من ظن أنها كانت حمراء بحتًا لا يخالطها غيرها، قال: وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخيوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمانية وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر انتهى. وقد اعتاد أهل الحرمين لبس ثياب الحمرة سيما

= ضعيف جدًا.

(1)

انظر المغني (2/ 412).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 185، 220)، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 388): رواه أحمد والطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1646)، وصححه في الصحيحة (1606).

(3)

انظر: زاد المعاد (1/ 130).

ص: 484

علمائهم. (الحاكم في الكنى، وابن قانع (عد هب)(1) عن رافع بن يزيد)، قال الحافظ ابن حجر: متنه ضعيف.

2016 -

"إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، يأخذ الشاة القاصية والناحية، فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد". (حم) عن معاذ.

(إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم) وبين وجه الشبه قوله: (يأخذ الشاة القاصية) البعيدة عن أخواتها. (والناجية) إن كان بالحاء المهملة فهو اسم للجانب والجهة أطلق على ما ينفرد من الغنم كأنه ناحية منفصلة من النواحي، أو أطلق اسم المحل على الحال أو بالجيم كما هو المضبوطة على خط المصنف فالمراد التي تظن نجاتها لبعدها. (فإياكم والشعاب) جمع شعب بكسر المعجمة وسكون المهملة، وهي الطريق في الجبل ومسيل الماء وبطن الأرض أو ما انفرج بين الجبلين، قاله في القاموس (2) وهو نهي عن الانفراد عن الناس. (وعليكم بالجماعة والعامة) الأكثرين. (والمسجد) فيه إشارة إلى أن الإغراء الذي أفاده وعليكم إنما بالاختلاط بهم في مواقف الطاعات وأنها التي يؤمر فيها بعدم الانفراد ويخاف معها اختطاف الشياطين فلا ينافي أحاديث العزلة. (حم)(3) عن معاذ) سكت عليه المصنف ورجاله ثقات لكن فيه انقطاع.

2017 -

"إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه، فإذا سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى ثم ليأكلها

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (7708)، والبيهقي في الشعب (6327)، وابن عدي في الكامل (3/ 325)، وانظر الإصابة (2/ 446)، وفتح الباري (10/ 306)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1481)، والضعيفة (1718): ضعيف جداً.

(2)

القاموس المحيط (ص: 130).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 232، 243)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1477)، والضعيفة (3016).

ص: 485

ولا يدعها للشيطان فإذا فرغ فليلعق أصابعه، فإنه لا يدري في طعامه تكون البركة". (م) عن جابر (صح).

(إن الشيطان يحضر أحدكم) يحتمل أنه شيطان كل إنسان أو أنه الشيطان الأعظم (عند كل شيء من شأنه حتى يحضر عند طعامه) تقدم معناه في: (إذا). (فإن سقطت من أحدكم اللقمة فليمط ما كان بها من أذى) ولو نجاسة. (ثم ليأكلها) والأمر للوجوب. (ولا يدعها للشيطان) والنهي للتحريم. (وإذا فرغ) من أكل طعامه. (فليلعق أصابعه) كما سلف. (فإنه لا يدري في أي طعامه تكون البركة) فربما كانت فيما سقط أو فيما بقي في أصابعه أو فيما أكل والمحافظة على البركة مراده تعالى كما أن عدم إطعام الشيطان مراد له تعالى. (م)(1) عن جابر).

2018 -

"إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ثم يسلم ". (ت هـ) عن أبي هريرة.

(إن الشيطان يأتي أحدكم) عام لكل أحد لعموم اسم الجنس المضاف. (في صلاته) عام لكل صلاة لذلك ويحتمل أن الإضافة عهدية لأنه أصلها فتنصرف إلى الفريضة. (فيلبّس) بتشديد الموحدة. (عليه) عدد ركعاته كما دل له. (حتى لا يدري كم صلى) وهذا مجمل بينه حديث عبد الرحمن بن عوف "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أواحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثة فليجعلها اثنتين، وإذا لم يدر ثلاثًا صلى أم أربعًا فليجعلها ثلاثًا

" (2) الحديث، ومثله عن أبي سعيد. (فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين) هما سجدتا السهو والمراد بعد أن يفعل ما تضمنه حديث عبد

(1) أخرجه مسلم (2033).

(2)

أخرجه ابن ماجة (1209).

ص: 486

الرحمن. (وهو جالس) بعد تشهده كما دل له فعله صلى الله عليه وسلم ولقوله: (قبل أن يسلم) وإلا لقال قبل أن يتشهد وهذا أيضًا إذا سجد قبل السلام في هذه الصورة.

وقد اختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال يسجد قبل السلام مطلقًا، ومنهم من قال بعده مطلقًا ومنهم من فصل فقال: إن كان للنقصان فقبله وإن كان للزيادة فبعده وإن اجتمعا فقبله والحق هنا العمل بهذا الحديث؛ لأن القول مقدم على الفعل وسبب الاختلاف أحاديث ثابتة أنه صلى الله عليه وسلم سجد تارة قبل السلام وتارة بعده وقد بسط في غير هذا المحل.

واعلم أنه قد عارض حديث عبد الرحمن حديث ابن مسعود: "إذا شك أحدكم فليتحرى الصواب ثم يسجد سجدتين"(1) أيضًا عليه، فأمر فيه بالتحري لا بالبناء على الأقل واختلف في الجمع بينهما فقيل: التحري للإمام والبناء على الأقل للمأموم، وقيل: يبني على اليقين مطلقًا، ويحتمل أن يراد أنه يتحرى فإن لم يحصل له بالتحري يقين بني على اليقين (ثم يسلم) تسليمًا واحداً يخرج به عن الصلاة وعن السجدتين. (ت هـ)(2) عن أبي هريرة) وإسناده جيد.

2019 -

"إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني"(حم ع ك) عن أبي سعيد (صح).

(إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح) أزال. (أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم) هو في القرآن إلا أنه استثنى هناك عباده المخلصين حيث قال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]. (فقال الرب وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم) ما ارتكبوه بإغوائك. (ما

(1) أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).

(2)

أخرجه الترمذي (397)، وابن ماجة (1216)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1655).

ص: 487

استغفروني) قابل تعالى إضلال إبليس لعباده بفضله بالمغفرة لهم وفيه حث على الاستغفار. (حم ع ك)(1) عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته.

2020 -

"إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه". (طب) عن سديسة.

(إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه) لشدة عمر وخوفه منه وقد ثبت ذلك في عدة أحاديث وهي فضيلة لعمر. (طب)(2) عن سديسة) بفتح السين المهملة بعدها دال مهملة مكسورة، بعدها مثناة تحتية ثم مهملة، وهي مولاة لحفصة، وإسناده حسن.

2021 -

"إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى أنه أحدث، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". (حم ع) عن أبي سعيد.

(إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيأخذ بشعرة من دبره فيمدها فيرى) المصلي يظن. (أنه قد أحدث، فلا ينصرف) عملاً بظنه بل يبقى في صلاته. (حتى يسمع صوتًا) من دبره. (أو يجد ريحًا) وهذا أصل في البناء على الأصل حتى يحصل يقين خلافه، ومن ألطاف الله أنه لم يمكن الشيطان من التصويت بمثل صوت الخارج من الإنسان أو يحدث من فيه مثلاً مثل ريح الخارج؛ لأنه تعالى جعل الحواس تدرك التكليف فلو مكنه من ذلك لنافى الحكمة. (حم ع)(3) عن أبي سعيد) وإسناده حسن.

(1) أخرجه أحمد (3/ 29، 41)، وأبو يعلى (1399)، والحاكم (4/ 261)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1650)، وصححه في الصحيحة (104).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 305) رقم (774)، وانظر المجمع (9/ 70)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1478).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 96)، وابن ماجة (514)، وأبو يعلى (1249)، وضعفه الألباني في ضعيف=

ص: 488

2022 -

"إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط حتى لا يسمع صوتا فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوت، فإذا سكت رجع فوسوس". (م) عن أبي هريرة (صح).

(إن الشيطان إذا سمع النداء) الأذان كما في رواية (بالصلاة أحال) بالحاء المهملة في النهاية (1): أي يحول من موضعه، وقيل: هو بمعنى طفق وأخذ وتهيأ لفعله. (له ضراط حتى لا يسمع صوته) الضمير للمنادى الدال عليه النداء، وتقدم بلفظ:"له حُصَاص"(2) وفسر بما هنا ويحتمل أنه ضراط حقيقة، وأنه تعالى جعل ذلك واقفًا على اختياره متى شاء ويحتمل أنه يفعل بفيه فعل من يفعل ذلك كراهة منه أن يسمع ذكر الله، فإن قيل فهلا اكتفى بسد سمعه قيل مراده ليس عدم سماعه فقط بل والتلبيس على غيره من مخلوقات الله أن لا يسمع ذكر الله. (فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوت، فإذا سكت رجع فوسوس) في حال الصلاة وبهذا ورد سؤال أنه: كيف لم يذهب من سماع قراءة المصلي كما ذهب عند سماع الأذان؟ فقيل: لأنه أيس من الوسوسة للمنادي بخلاف المصلي وفيه أجوبة أخر، وفيه عظمة شأن الآذان والإقامة (م)(3) عن أبي هريرة).

2023 -

"إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلق السماء؟، فيقول: الله، فيقول من خلق الأرض؟ فيقول: الله، فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل آمنت بالله ورسوله". (طب) عن ابن عمرو.

= الجامع (1479).

(1)

النهاية (1/ 1088).

(2)

قال في النهاية (1/ 980): الحُصاص: شدة العَدْو وحِدَّته وقيل: هو الفُراط.

(3)

أخرجه البخاري (1222)، ومسلم (389).

ص: 489

(إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلق السماء) يوسوس له بذلك فهو قوله نفسي أو أنه لفظي يلقيه الشيطان على لسان بعض المجادلين بالباطل. (فيقول: الله) جوابًا على الفطرة. (فيقول من خلق الأرض؟ فيقول: الله) كذلك كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] أجابوا بالفطرة السليمة. (فيقول من خلق الله؟) تدرج من الحق إلى الباطل، وفيه دليل أن من شأن المبطل أن يلبس الحق بالباطل وأنه يستدرج العبد فيأتيه بما يعرفه ثم يأتيه بما لا يعرفه، ليوقعه في المحارة. (فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله) أي صدقت بأن الله ليس بمخلوق ولا يتصف بصفات المخلوفين، وأنه كما وصف به نفسه. (ورسوله) آمنت بما جاء به عن الله وفيه دليل أنه يكفي العبد الإيمان الجملي وأنه يكفيه في رد التشكيك الإقرار بالإيمان بالله، وأنه لم يجوز الدليل على رد ما يقدح في نفسه، وقد رد على المتكلمين القائلين بأنه: لا يتم إيمان العبد حتى يحوز على الأدلة الكلامية ويقررها. (طب)(1) عن ابن عمرو) بإسناد جيد.

2024 -

"إن الشيطان يأتي أحدكم، فيقول من خلقك؟، فيقول الله، فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه". ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان عن عائشة.

(إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول من خلقك؟ فيقول الله، فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل أمنت بالله ورسله) هو كما سلف إلا أنه أتى هنا بالجمع في الرسل وكأنه مخير بين اللفظين والجمع بينهما، (فإن ذلك يذهب عنه) ما يلقيه الشيطان من الوسوسة ببركات إيمانه. (ابن أبي الدنيا (2)) في كتابه

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 85) رقم (3719)، وفي الأوسط (1896)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1656).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان (125)، وأحمد (6/ 257)، وانظر المجمع (1/ 33)، =

ص: 490

(مكائد الشيطان عن عائشة) ورواه أحمد وغيره ورجاله ثقات.

2025 -

"إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله تعالى خنس، وإن نسى الله التقم قلبه". ابن أبي الدنيا (ع هب) عن أنس رضي الله عنه (ض).

(إن الشيطان واضع خطمه) ينبغي قرأة اسم الفاعل منونًا لأنّه للحال أو الاستقبال ويجوز إضافته وهي لفظية، وخطمه بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء هو منقار الطائر، ومن الدابة مقدم أنفها وفمها استعير لفم الشيطان، ويدل له ذكر الالتقام. (على قلب ابن آدم) فيه أنه يلج باطن الإنسان. (فإن ذكر الله خنس) ولذا سمي الخناس بصيغة المبالغة. (وإن نسي الله التقم قلبه) فوسوس له وألهاه عن ذكر الله، وفيه حث على ذكر الله وأن العدو في الثغر فإن غفل عن حفظه ملكه. (ابن أبي الدنيا (ع هب)(1) عن أنس) وهو ضعيف لضعف عدي بن عمارة وغيره.

2026 -

"إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله تعالى منه، فَذَعَتُّهُ ولقد هممت أن أوثقه على سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فتذكرت قول سليمان: (ربِّ هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) فرده الله خاسئًا". (خ) عن أبي هريرة (صح).

(إن الشيطان) يحتمل أنه إبليس ويحتمل أنه القرين ويحتمل أنه من جنس الشياطين غير معين. (عرض لي) بدا لي وظهر. (فشد علي) بالشين المعجمة والدال مهملة أي حمل. (ليقطع الصلاة) ليبطلها (علي فأمكنني الله منه) والظاهر أنهما صلاة الليل. (فَذَعَتُّهُ) بالذال المعجمة فعين مهملة، في النهاية هو الدفع

= وصححه الألباني في صحيح الجامع (1657)، وحسنه في الصحيحة (116).

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة رقم (92)، وأبو يعلى (4301)، والبيهقي في الشعب (540)، وابن عدي في الكامل (3/ 186)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1480)، والضعيفة (1367).

ص: 491

العنيف، وفي القاموس (1): وذعه كمنعه خنقه حتى قتله والمراد هنا ما في النهاية بدليل قوله: (فرده الله خاسئًا ولقد هممت أن أوثقه) أشده بالوثاق وهو في الأصل حبل أو قيد يشد به الأسير أو الدابة. (إلى سارية) هي الاسطوانة. (حتى تصبحوا فتنظروا إليه) الفاء سببية لأن النظر إليه عند الإصباح سبب عن الإيثاق إلا أنه لم يشد بها أحد الأشياء الخمسة فالنصب بها هنا للفعل على لغة قليلة من باب: "والحق بالحجاز فاستريحا". (فذكرت قول سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] أي وإجابة الله له وطواه للعلم به إذاء المانع له هو إجابة الله الدعوة لا مجرد الدعوة.

فإن قلت: هذا الخلق الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم تعذيب للشيطان وتصرف في إهانته فلم لم تمنعه دعوة سليمان عنه فإنه اختص بتعذيب الشياطين.

قلت: الذي اختص به ظهور ملكه لهم وتصرفهم على مرأى من العباد ومسمع كما دال عليه هذا الحديث، فإنه أخبر صلى الله عليه وسلم إنّما منعه عن الإيثاق المتسبب عنه نظرهم دعوة سليمان وهذا هو المناسب لقول سليمان (ملكًا) لأنّه يطلق على ما يظهر للعيون أثره ويبرز للناظرين شأنه. (فرده الله خاسئًا) من خسأ الكلب طرده والخاسئ من الكلاب والخنازير المنعة لا يترك إن يدنوا من الناس وفي الحديث دليل على إمكان رؤية البشر للشياطين وأنه تعالى جعل لهم قدرة على التشكل، فيكون قوله تعالى:{إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27] حكايته عن أصل خلقتهم وجبلتهم ويجوز خلافها بأقداره تعالى، وفيه دليل على أن الفعل الكثير لإصلاح الصلاة لا يبطلها لأنّه صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لم يقطع صلاته وأخبر أنه خنقه وهو ظاهر أن صلاته لم تفسد. (خ)(2)

(1) انظر القاموس (3/ 63)، والنهاية (3/ 420).

(2)

أخرجه البخاري (1210)، ومسلم (541).

ص: 492

عن أبي هريرة) وأخرجه مسلم بلفظ: "إن عفريتًا".

2027 -

"إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء". (م) عن أبي هريرة (صح).

(إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء) بالراء والحاء المهملة ممدود موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلًا من المدينة كما في القاموس (1)، فالمراد إذا سمع النداء في المدينة والإضافة بيانية أي مكان هو الروحاء، وكان الأظهر الإتيان بحرف الظرفية لأنّه مكان معين إلا أنه لما كان في تقدير داخلا جاز حذفها. (م)(2) عن أبي هريرة).

2028 -

"إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم". (حم م ت) عن جابر) (صح).

(إن الشيطان قد آيس أن يعبده المصلون) أي المؤمنون عبر بأشرف خصال العبادة لما كان السياق فيها والمراد بعبادة الأوثان لأن عبادتها عبادة له. (ولكن في التحريش بينهم) قال في النهاية (3): أي حملهم على الفتن والحروش أي ولكن لم ييأس عن التحريش. (حم م ت)(4) عن جابر).

2029 -

"إن الشيطان حساس لحاس، فاحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه". (ت ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن الشيطان حساس) بالحاء والسين مهملات بزنة فعال للمبالغة، في النهاية (5): شديد الحس والإدراك. (لحّاس) بمهملات بريقه أي كثير اللحس

(1) انظر القاموس (1/ 225).

(2)

أخرجه مسلم (388).

(3)

النهاية (1/ 934).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 313، 354، 366، 384)، ومسلم (2812)، والترمذي (1937).

(5)

المصدر السابق (4/ 451).

ص: 493

لما يصل إليه يقال لحست الشيء ألحسه إذا أخذته بلسانك. (فاحذروه على أنفسكم) وأبان ذلك بقوله: (من بات وفي يده ريح غمر) تقدم أنه بالغين المعجمة مفتوحة والميم وأنه الدسم والزهومة من اللحم. (فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) وتقدم: "أخرجوا منديل الغمر فإنه مبيت الخبيث ومجلسه" والحديث حث على إزالة آثار اللحم والدسم من اليد وإن تركه سبب الإصابة المكروهة. (ت ك)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته لأنّه قال الحاكم: على شرطهما ورد عليه بأنه ضعيف بل موضوع.

2030 -

"إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم". (حم ق) عن أنس (ق د هـ) عن صفية (صح).

(إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) هو على ظاهره وإن الله تعالى جعل له قدرة ولطافة جسم يلج بواطن ابن آدم، وقيل: أنه مجاز عن كثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه، وقيل: إنه يلقي وسوسته في المسام فتصل الوسوسة إلى القلب، وفي الحديث قصة وهي أنه صلى الله عليه وسلم كان معتكفًا فزارته صفية أم المؤمنين فلما انصرفت قام يمشي معها مر به رجلان من الأنصار فأسرعا فدعاهما صلى الله عليه وسلم وقال: إنها صفية فقالا: يا رسول الله سبحان الله. فذكره. (حم في) عن أنس (ق د هـ)(2) عن صفية).

2031 -

"إن الشيطان ليفرق منك يا عمر". (حم ت حب) عن بريدة (صح).

(إن الشيطان ليفرق) يخاف (منك يا عمر) تقدم معناه. (حم ت حب)(3) عن

(1) أخرجه الترمذي (1859)، والحاكم (4/ 137)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1476): موضوع.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 156)، والبخاري (3281)، ومسلم (2174) عن أنس، والبخاري (7171)، ومسلم (3175)، وأبو داود (2470)، وابن ماجة (1779) عن صفية أم المؤمنين رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 353)، والترمذي (3690)، وابن حبان (6892)، وصححه الألباني في =

ص: 494

بريدة) رمز المصنف لصحته.

2032 -

"إن الصائم إذا أكل عنده لم تزل تصلي عليه الملائكة حتى يفرغ من طعامه". (حم ت هب) عن أم عمارة (صح).

(إن الصائم إذا أكل عنده) علي بناء المجهول. (لم تزل تصلي عليه الملائكة) بالدعاء له والاستغفار لتركه شهوته واختص دعاؤهم بتلك الحال لأنّه محل ظهور هجره شهوته. (حتى يفرغ) الآكل عنده. (من طعامه) من أكله وفيه أنه ينبغي للصائم حضور مجلس الآكلين لتدعوا له الملائكة. (حم ت هب (1) عن أم عمارة) بضم المهملة وتخفيف الميم صحابية شهدت أحد والمشاهد وقطعت يدها يوم اليمامة (2) رمز المصنف لصحته وقال الترمذي: حسن صحيح.

2033 -

"إن الصالحين يشدد عليهم، وإنه لا يصيب مؤمنا نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة". (حم حب ك هب) عن عائشة (صح).

(إن الصالحين يشدد عليهم) أي البلاء. (وأنه) أي الشأن. (لا يصيب مؤمنًا نكبة من شوكة فما فوق ذلك ألا حطت عنه بها خطيئة ورفعت له بها درجة) تقدم معناه مرارًا. (حم حب ك هب)(3) عن عائشة) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: صحيح وأقروه.

2034 -

"إن الصبحة تمنع بعض الرزق". (حل) عن عثمان بن عفان.

= صحيح الجامع (1654)، والصحيحة (1609).

(1)

أخرجه أحمد (6/ 365)، والترمذي (784)، وابن ماجة (1748)، والبيهقي في الشعب (3585)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1483)، والضعيفة (1332).

(2)

انظر ترجمتها في أسد الغابة (1/ 1453)، والإصابة (8/ 265).

(3)

أخرجه أحمد (6/ 159)، وابن حبان (2919)، والحاكم (4/ 355)، والبيهقي في الشعب (10209)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1660)، والصحيحة (1610).

ص: 495

(إن الصبحة) بصاد مهملة مضمومة وموحدة ساكنة قال في القاموس: نوم الغداة، وفي النهاية (1): النوم أول النهار لأنّه وقت الذكر وطلب الرزق. (تمنع بعض الرزق) وفي حديث "إن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ساعة تقسم فيها الأرزاق وليس من حضر القسمة كمن غاب"(2) عنها. (حل)(3) عن عثمان بن عفان) بسند ضعيف.

2035 -

"إن الصبر عند الصدمة الأولى". (حم ق 4) عن أنس (صح).

(إن الصبر عند الصدمة الأولى) في النهاية (4): الصدمة الأولى فورة المصيبة وشدتها والصدم ضرب الشيء الصلب بمثله والصدمة المرّة منه انتهى. وفي الحديث قصة وهي أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على امرأة تبكي على صبي فقال لها: "اتقي الله واصبري" فقالت: وما تبالي بمصيبتي فلما ذهب قيل لها إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت فأتت بابه فلم تجد فيه حاجبًا فأتته فقالت: يا رسول الله لم أعرفك فذكره. (حم ق 4)(5) عن أنس).

2036 -

"إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوي بها سبعين عاما ما تفضي إلى قرارها". (ت) عن عتبة بن غزوان.

(إن الصخرة العظيمة) وصفها بالعظم لأنّه أسرع في التدلي ولأنها لا تأكلها النار وهي في الهوى بل لا بد من بقية تبقى بها حتى تنتهي إلى قعرها وإنما تلقى

(1) انظر: القاموس (ص: 219)، والنهاية (3/ 8).

(2)

انظر فيض القدير (7/ 253).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/ 251)، وأحمد (1/ 73)، والقضاعي في الشهاب (65)، والبيهقي في الشعب (4731)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1484)، وقال في الضعيفة (3019): ضعيف جدًا.

(4)

النهاية (3/ 36).

(5)

أخرجه أحمد (3/ 217)، والبخاري (1283)، ومسلم (926)، وأبو داود (3124)، والترمذي (987، 988)، والنسائي في السنن الكبرى (10907)، وابن ماجة (1596).

ص: 496

فيها الأحجار لأن وقودها الناس والحجارة. (لتلقى من شفير جهنم) جانبها وشفير كل شيء جرفه. (فتهوى بها سبعين عامًا) يحتمل الحقيقة ويحتمل التكثير والهوى هو السقوط. (ما تفضي) تصل. (إلى قرارها) لبعد عمق جهنم أعاذنا الله منها. (ت)(1) عن عتبة) بضم العين المهملة فسكون المثناة الفوقية ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي والحديث منقطع.

2037 -

"إن الصداع والمليلة لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد فما يدعانه وعليه من ذنوبه مثقال حبَّة من خردل". (حم طب) عن أبي الدرداء.

(إن الصداع) بمهملتين بزنة غراب. (والمليلة) بفتح الميم وكسر اللام بعدها مثناة تحتية هي حرارة الحمى وهيجها. (لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد) بضم الهمزة جبل المدينة. (فما يدعانه وعليه من ذنوبه مثقال حبة من خردل) المثقال مقدار من الوزن من شيء قليل أو كثير وأريد به هنا ما يوازن حبَّة خردل وفيه تكفير الذنوب بما ذكر وظاهره كبائرها والصغائر. (حم طب)(2) عن أبي الدرداء) وضعفه جماعة والمصنف سكت عليه.

2038 -

"إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنّة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا". (ق) عن ابن مسعود (صح).

(إن الصدق يهدي) يدعوا. (إلى البر) والبر: الصلة، والجنة والاتساع في

(1) أخرجه الترمذي (2575)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1662)، والصحيحة (1612).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 198)، والطبراني في الأوسط (3119)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1485)، والضعيفة (2433).

ص: 497

الإحسان والحج، قاله في القاموس (1)، والمراد هنا الاتساع في الإحسان لأنّه الذي يدعوا ويدل إلى الجنّة فصدق اللسان سبب ودليل على فعل البر وهو سبب ودليل على حلول الجنّة كما قال. (وإن البر يهدي إلى الجنّة وإن الرجل ليصدق) يتحرى الصدق كما في الحديث الآخر. (فيكتب عند الله صديقًا) فعيل من المبالغة في الصدق وقد مدح الله الصديقين وجعلهم قرناء الأنبياء أي تكون هذه الصفة الشريفة مكتوبة عند الله له. (وإن الكذب يهدي إلى الفجور) وهو الانبعاث في المعاصي. (وإن الفجور يهدي إلى النار) فالكذب يهدي إلى النار بالواسطة. (وإن الرجل ليكذب) يتحرى ذلك ويعتمده. (حتى يكتب عند الله كذابًا) وتكون صفة لازمة له. (ق)(2) عن ابن مسعود) ووهم الحاكم فاستدركه.

2039 -

"إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة". (عد) عن ابن عمر.

(إن الصدقة لا تزيد المال) الذي تخرج منه. (إلا كثرة) بالبركة التي يضعها الله فيه وبالإخلاف الذي وعد به في كتابه ويأتي إقسامه صلى الله عليه وسلم على ذلك في ثلاث. (عد)(3) عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

2040 -

"إن الصدقة على ذي قرابة يضعف أجرها مرتين". (طب) عن أبي أمامة.

(إن الصدقة على ذي قرابة) ولو مندوبة. (يضعف أجرها مرتين) فسره ما يأتي من حديث سلمان بن عامر أنها صدقة وصلة، فالمراد بالأجر مرتين أجر الصدقة وأجر الصلة، وتقدم أن أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح فهي

(1) القاموس المحيط (ص: 444).

(2)

أخرجه البخاري (6094)، ومسلم (2607).

(3)

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 335)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1487): ضعيف جدًا.

ص: 498

أفضل من ذي الرحم غيره. (طب)(1) عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وفيه عبيد بن زحر ضعيف.

2041 -

"إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء". (ت حب) عن أنس (صح).

(إن الصدقة لتطفئ غضب الرب) تذهب أثره من انتقامه وإنزاله العقوبة بمن غضب عليه ولما كان الغضب في الإنسان جمرة تتقد في القلب كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أثبت له ما هو من لوازم النار وهو التطفئة وهو من سوق ما لا يعلم كيفيتة بما يعلم تمثيلًا له به. (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم مصدر نوعي وهي ميتة على غير أهبة كالحريق والتردي والفجأة. (ت حب)(2) عن أنس) رمز المصنف لصحته.

2042 -

"إن الصدقة لا تنبغي لآل محمَّد، إنّما هي أوساخ الناس". (حم م) عن عبد المطلب بن ربيعة (صح).

(إن الصدقة) اللفظ يعم صدقة النفل والفرض إلا أن السياق في صدقة الفرض لأنّه شطر من حديث المطلب بن ربيعة وفيه قصة، إلا أن العام لا يقصد على سببه كما علم في الأصول. (لا تنبغي لآل محمَّد) هو يطلق على ما الأولى تركه مع جواز خلافه، ويطلق على ما يحرم وهو المراد هنا لما في حديث أبي رافع عند أبي داود والترمذي:"وإنا لا تحل لنا الصدقة"(3) قال الحافظ في فتح الباري: قال أبو قدامة: لا يعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة كذا قال، وقد نقل الطبري الجواز عن أبي حنيفة، وقيل: يجوز لهم إذا حرموا سهم ذوي القربى حكاه الطحاوي، ونقل عن الأبهري وهو وجه

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 206) رقم (7834)، وانظر المجمع (3/ 117)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1486).

(2)

أخرجه الترمذي (664)، وابن حبان (3309)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1489).

(3)

أخرجه مسلم (1069)، وانظر فتح الباري (3/ 355).

ص: 499

لبعض الشافعية وعن أبي يوسف: يحل من بعضهم لبعض لا من غيرهم، وعند المالكية في ذلك أربعة أقوال مشهورة: الجواز، المنع، جواز التطوع دون الفرض، عكسه، وأدلة المنع ظاهرة من حديث السائب وغيره. (إنّما هي أوساخ الناس) علة الحكم بالتحريم وسماها أوساخهم لأن بإخراجها يطهر المال ويذهب عنهم شره كما قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ولأنه بهذه التسمية تنفر عنها النفوس كما أشرت إليه في إثبات دعاءها لتنفير الطباع غسالةً، فما بالكم لم تنفروا إذ تنفروا لأن في بعض ألفاظه:"إنّما هي غسالة أوساخ الناس"(1)، قال ابن حجر (2): يؤخذ من هذا جواز التطوع دون الفرض وهو قول أكثر الحنفية والمصحح عن الشافعية والحنابلة انتهى.

قلت: وفي التعليل المنصوص بأنها غسالة ما يبطل التعليل بأن التحريم كان لدفع التهمة وأنها زالت بموته صلى الله عليه وسلم كما قاله بعض المحققين من المتأخرين وألف فيه رسالة؛ لأن العلة المنصوصة لا تعتبر معها غيرها مما لا دليل عليه، وقد بينا ذلك في رسالة مستقلة قد استوفينا القول هنالك، ومن أجازها للعامل عليها إذا كان هاشميًا فقد خالف النص؛ لأنّه قد ورد في العامل فإنه إنّما قاله صلى الله عليه وسلم لما طلب منه المطلب بن ربيعة أن يكون عاملًا عليها ليصيب منها أجرته، فحديث عطاء بن يسار مرفوعًا: "لا تحل الصدقة إلا لخمسة لغاز أو عامل عليها

" الحديث. (3) مخصوص بعامل ليس من آل محمَّد كما عرف من حديث المطلب هذا ومن سببه. (حم م)(4) عن المطلب بن ربيعة) الهاشمي.

(1) أخرج هذا اللفظ ابن أبي شيبة في مسنده برقم (921).

(2)

انظر: فتح الباري (3/ 354).

(3)

أخرجه مالك (604)، وأبو داود (1635).

(4)

أخرجه أحمد (4/ 166)، ومسلم (1072).

ص: 500

2043 -

"إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور، وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته". (طب هب) عن عقبة بن عامر.

(إن الصدقة لتطفئ عن أهلها حر القبور) من عذابها أو حرها نفسها لما فيها من الضيق والانسداد. (وإنما يستظل المرء يوم القيامة في ظل صدقته) يحتمل أن المراد حقيقة الظل وأنه تعالى يجعلها ذات ظل، أو المراد في كنفها وأنه بسببها ينجو. (طب هب)(1) عن عقبة بن عامر) وفيه ابن لهيعة.

2044 -

"إن الصدقة يبتغى بها وجه الله تعالى، والهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة". (طب) عن عبد الرحمن بن علقمة.

(إن الصدقة يبتغى به وجه الله) أي ثوابه وجزاؤه وهو بيان حقيقة الصدقة وأنها ما كان كذلك. (والهدية) وهي التحفة التي يطرف بها وقيل: هي البر والعطف. (يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة) حاجة من أهدى وفيه دليل على المكافأة على الهدية وأبانه الرسول. قدم وفد ثقيف ومعهم هدية فقال صلى الله عليه وسلم: "ما هذا، قالوا: صدقة فذكره، فقالوا بل هدية فقبلها (طب)(2) عن عبد الرحمن بن علقمة).

2045 -

"إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم". (ت ن ك) عن أبي رافع (صح).

(إن الصدقة لا تحل لنا) كما سلف. (وأن موالي القوم منهم) هو شطر من حديث أبي رافع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني مخزوم على الصدقة

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 286) رقم (788)، والبيهقي في الشعب (3347)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1488)، والضعيفة (3021)، وصححه في الصحيحة (3484).

(2)

قال الحسيني في "البيان والتعريف"(1/ 207) أخرجه الطبراني في الكبير وكذلك أخرجه الطَّيالسي في مسنده (1420)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 33)، وابن عساكر في التاريخ (65/ 48)، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (796): هذا إسناد ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1490)، والضعيفة (5014).

ص: 501

فقال: اصحبني لعلك تصيب منها فقلت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: "إن الصدقة

" الحديث وهو ظاهر في تحريم الزكاة على موالي آل محمَّد صلى الله عليه وسلم ومن حمله أنه للتنزيه فقد أبعد. (ت ن ك)(1) عن أبي رافع) رمز المصنف لصحته.

2046 -

"إن الصعيد الطيب طهور للمرء المسلم، ما لم تجد ماء، ولو إلى عشر حجج: فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك". (حم د ت) عن أبي ذر.

(إن الصعيد) هو التراب أو وجه الأرض كما في القاموس (2) وذهب إلى الثاني أبو حنيفة فقال: لو ضرب يده على صخرة لأجزأه، وذهب الأكثرون إلى الأول مستدلين بأنه تعالى قال في آية المائدة:(منه)[المائدة: 6] فعلم أن المراد التراب لأن: (من) تبعيضية، لا للابتداء، وقال جار الله: أن كونها تبعيضية هو الحق، ثم قال والإذعان إلى الحق أحق من المراء (الطيب) الطاهر الذي لا نجاسة فيه، وقيل المنبت لقوله:{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف: 58] طهور المسلم ما لم يجد الماء مدة عدم وجدانه الماء وخصه من بين أسباب موجبات التيمم؛ لأن السبب كان عدم وجدان الماء وإلا فسائر المبيحات كذلك. (ولو إلى عشر حجج) جمع حجة وهي السنة. (فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) استدل به على أن التراب لا يرفع الحدث إذ لو رفعه لما أمره بذلك ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص وقد صلى وقد تيمم وكان جنبًا: "صليت بأصحابك وأنت جنب"(3) وذهب آخرون إلى أنه يرفع الحدث وإنما أمره بإمساس بدنه الماء إذا وجده لما تستقبله من الصلوات بعد وجدانه.

(1) أخرجه الترمذي (657)، والنَّسائي (2/ 58)، والحاكم (1/ 404)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1663)، والصحيحة (1613).

(2)

القاموس المحيط (ص: 374).

(3)

أخرجه أبو داود (334)، وأحمد (4/ 203)، والدارقطني (12)، والبيهقي في السنن (1/ 225)، وانظر الإرواء (1/ 181).

ص: 502

وأجيب: بأنه معلوم فلا فائدة فيه فلابد من حمله على إعلامه بأنه لم يرفع عند التراب الحدث. (حم د ت)(1) عن أبي ذر) قال: قلت يا رسول الله هلك أبو ذر قال: "ما حالك؟ " قال: كنت أتعرض للجنابة وليس بقربي ماء فذكره وله ألفاظ هذا أحدها.

2047 -

"إن الصفا الزلال الذي لا تثبت عليه أقدام العلماء الطمع". ابن المبارك وابن قانع عن سهيل بن حسان.

(إن الصفا) جمع صفاء وهو الحجر الأملس. (الزلال) صيغة مبالغة مثل ضراب من زللت يزل إذ زلقت في الطين فوصف الصفاء بأنه كثير الزلال مع أنه لا زال صفة من باب القلب للمبالغة. (الذي لا يتثبت عليه أقدام العلماء) صفة ثانية مثبتة أن الأولى فيها قلب. (الطمع) خبر إنَّ، وفيه من المبالغة لعدم ثبات أقدام العلماء عند الطمع ما تراه ونسبته إلى العلماء فيه زيادة مبالغة أيضًا لأنهم الذين يترقب منهم الكف عن الأطماع لما عندهم من الزاجر وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس. (ابن المبارك وابن قانع (2) عن سهل بن حسان مرسلًا) بإسناد ضعيف بل قيل بوضعه.

2048 -

"إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف". (د ك) عن معاذ بن أنس (صح).

(إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله) يحتمل أن صلاة المجاهد ونحوها مما ذكر أفضل من الإنفاق في سبيل الله لمجاهد وغيره، ويحتمل أن المراد أن هذه الأفعال من المجاهد هذا أفضل من نفقته التي ينفقها

(1) أخرجه أحمد 5/ 146، وأبو داود (333)، والترمذي (124)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1666).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (542)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 272)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1491)، والضعيفة (3023).

ص: 503

في سبيل الله، فيكون تفضيلًا لأعمال المجاهد نفسه بعضها على بعض والأقرب أنه المراد من الحديث. (بسبعمائة ضعف) بيان لمقادير المضاعفة. (د ك)(1) عن معاذ بن أنس) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: صحيح وأقروه.

2049 -

"إن الصلاة قربان المؤمن". (عد) عن أنس.

(إن الصلاة قربان المؤمن) القربان مصدر من قرب تقريبًا أي الصلاة يتقرب بها إلى الله تعالى. (عد)(2) عن أنس) بإسناد ضعيف.

2050 -

"إن الضاحك في الصلاة، والملتفت، والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة). (حم طب هق) عن معاذ بن أنس.

(إن الضاحك في الصلاة والملتفت) من جهة القبلة. (والمفقع أصابعه) بتقديم الفاء على القاف، في النهاية (3) هي: فرقعة الأصابع غمز مفاصلها حتى تصوت. (بمنزلة واحدة) في إخلالها بالصلاة بنقصان ثوابها أو إفسادها. (حم طب هق)(4) عن معاذ بن أنس) بإسناد ضعيف.

2051 -

"إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها، وسألته قوت يومها". (خط) عن علي.

(إن الطير) عام لكل ذي جناح. (إذا أصبحت) دخلت في الصباح. (سبّحت ربها) تسبيحًا خفيفًا {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]. (وسألته قوت يومها) قدمت العبادة على الطلب تقديم الوسائل على المسائل. (خط)(5)

(1) أخرجه أبو داود (2498)، والحاكم 2 (/ 78)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1493).

(2)

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 216)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1492).

(3)

النهاية (3/ 901).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 438)، والطبراني في الكبير (20/ 189) رقم (419)، والبيهقي في السنن (2/ 289)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1494)، والضعيفة (3024) ..

(5)

أخرجه الخطيب في تاريخه (11/ 97)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1495)، والضعيفة =

ص: 504

عن علي) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

2052 -

"إن الظلم ظلمات يوم القيامة". (ق ت) عن ابن عمر (صح). (إن الظلم) للعباد وللنفس. (ظلمات يوم القيامة) يجعله الله كذلك لصاحبه فلا نور له يوم يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم. (ق ت)(1) عن ابن عمر بن الخطاب).

2053 -

"إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا ربِّ أسألك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى، وأنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب". (ك) عن جابر (صح).

(إن العار) في القاموس (2): العار كل شيء لزم به عيب. (ليلزم المرء يوم القيامة) فيشاهده الخلائق وهو عليه كما يأتي الغال حاملًا بقرة أو شاة، وكالغادر تنصب له لواء بقدر غدرته. (حتى يقول) العبد. (يا ربِّ أسألك بي إلى النار أيسر) أسهل. (علي مما ألقى) من المذمة. (وأنه ليعلم ما فيها في النار من شدة العذاب) لكن اختياره للخلوص عما هو فيه وإن كان عذابها أشد لأن العبد يهمه الخلوص مما هو فيه ولو إلى أشد منه. (ك) (3) عن جابر) رمز المصنف لصحته؛ لأنّه قال الحاكم: صحيح وتعقبوه.

2054 -

"إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله مما يرضى به الله عنه لا يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا فيهوي بها في جهنم". (حم خ) عن أبي هريرة (صح).

(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله مما يرضى به الله عنه لا يلقي لها بالًا)

= (3025): موضوع.

(1)

أخرجه البخاري (2446)، ومسلم (2589)، والترمذي (2030).

(2)

القاموس (1/ 575).

(3)

أخرجه الحاكم (4/ 577)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1496)، وقال في الضعيفة (3026): منكر.

ص: 505

البال: الخاطر والقلب لا يخطرها بقلبه ولا تكون منه بمنزلة يعتد بها. (يرفعه الله بها درجات) وفيه أنه يثاب العبد على ما لا يعتد به من أعماله، يخصص حديث:"إنّما الأعمال بالنيات" ويحتمل أنه يقوى لكنه لا يخطر بباله مبلغها في الآخرة. (وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله) بما يوجب له سخطه. (لا يلقي لها بالًا) ليس المراد منها أنه لا نيّة له فيهما بل الأعمال بالنيات بل المراد أنه لا يعتد بها ويظن أنها تبلغ ما بلغت كما تقدم. (فيهوي بها) بسببها. (في جهنم) وفيه أنه يجب التثبت فيما يخرج من فم الإنسان. (حم خ)(1) عن أبي هريرة).

2055 -

"إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ما يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب". (حم ق) عن أبي هريرة (صح).

(إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ما) يتثبت في معناها. (يزل بها إلى النار) هو من زل يزل إذا سقط وهو مثل يهوى بها. (أبعد ما بين المشرق والمغرب) يهوى بها تلك المسافة واقتصر هنا على كلمة ما يعاقب به من الكلمات لأنّه الأهم إذ اجتنابه ترك مفسدة وفعل كلمة الخير فعل مصلحة ودفع المفاسد أهم والعناية بها أتم. (حم ق)(2) عن أبي هريرة).

2056 -

"إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه كلها، ووضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سعيد تساقطت عنه". (طب) عن ابن عمر.

(إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه) عام للكبائر والصغائر وزاد ذلك تأكيدًا بقوله: (كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه) تقدم الحديث في: "إذا". (طب)(3) عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وهو

(1) أخرجه أحمد (2/ 334)، والبخاري (6478).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 378)، والبخاري (6477)، ومسلم (2988).

(3)

أخرجه البيهقي في السنن (3/ 10)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 100)، وابن حبان (1734)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1671)، والصحيحة (1398).

ص: 506

ضعيف لضعف عبد الله بن صالح كاتب الليث.

2057 -

"إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن إلى ربه كان له أجره مرتين". (حم ق د) عن بن عمر بن الخطاب (صح).

(إن العبد) أي المملوك بخلاف ما تقدم كما دل له قوله: (إذا نصح لسيّده) مالكه. (وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين) تقدم في: "إذا" الكلام عليه. (مالك (حم ق د)(1) عن ابن عمر بن الخطاب).

2058 -

"إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنّة، يكون نصب عينيه تائب فارًا حتى يدخل الجنّة". ابن المبارك عن الحسين مرسلًا.

(إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنّة) بسبب التوبة عنه أو يدخل مصاحبًا لذكره والندامة عنه كما يدل له قوله: (يكون نصب عينيه تائبًا فارًا حتى يدخل الجنّة) ملازمة الندامة على إتيانه والإقلاع عنه. (ابن المبارك (2) عن الحسين) البصريّ (مرسلًا) ولأبي نعيم قريب منه.

2059 -

"إن العبد إذا كان همه الآخرة، كفَّ الله تعالى عليه ضيعته، وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيًا، ولا يمسي إلا غنيًا، وإذا كان همه الدنيا أفشى الله تعالى ضيعته وجعل فقره بين عينيه، فلا يمسي إلا فقيرًا، ولا يصبح إلا فقيرًا". (حم) في الزهد عن الحسين مرسلًا.

(إن العبد إذا كان همه الآخرة) عملها والإقبال عليها. (كف الله عنه ضيعته) بالضاد المعجمة فالمثناة التحتية فالعين المهملة في النهاية (3): أنه ما يكون فيها

(1) أخرجه مالك (1772)، وأحمد (2/ 18)، والبخاري (2546)، ومسلم (1664)، وأبو داود (5169).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (162)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1503)، والضعيفة (2031).

(3)

النهاية (3/ 237).

ص: 507

معاش الرجل كالصنعة، والتجارة، والزراعة، وغير ذلك انتهى، ومعنى:(كفّ الله) أي منع عنه شغله فيها أو جعلها كفافًا لا تزيد فتشغله ولا تنقص فتشغله وهو أوفق بقوله: (وجعل غناه في قلبه فلا يصبح إلا غنيًا ولا يمسي إلا غنيًا) تقدم الكلام عليه في: "إذا أراد الله بعبد خيرًا". (وإذا كان همه الدنيا أفشى) بالفاء والشين المعجمة، في النهاية (1): أي أكثر عليه معاشه فيشغله عن الآخرة. (الله تعالى عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه) تقدم الكلام عليه هنالك. (فلا يمسي إلا فقيرًا ولا يصبح إلا فقيرًا) تفريع على فقر القلب كما أن الأولى تفريع على غنائه. (حم)(2) في الزهد عن الحسين مرسلًا).

2060 -

"إن العبد إذا صلى في العلانية فأحسن، وصلى في السر فأحسن، قال الله تعالى: هذا عبدي حقًا". (هـ) عن هريرة.

(إن العبد إذا صلى في العلانية) عند العباد. (فأحسن) صلاته. (وصلى في السر) وحده. (فأحسن) صلاته. (قال الله تعالى) أي للملائكة ليعظم عندهم أو قاله في الآخرة على رؤوس الخلائق. (هذا عبدي) أي الذي يستحق أن يسمى عبدًا مضافًا إليه تعالى؛ لأنّه استوى سره وعلانيته فدل على أن عمله خالصًا لله تعالى. (حقًا) أي أحقه بالتسمية والإضافة إلى حقًا. (هـ)(3) عن أبي هريرة) وفيه بقية وفيه لهم كلام.

2061 -

"إن العبد ليؤجر في نفقته كلها إلا في البناء". (هـ) عن الخباب.

(إن العبد ليؤجر في نفقته كلها) إذا احتسبها كما قيد في غيره. (إلا) نفقته. (في البناء) ظاهره ولو كان في بناء ما لا بد له منه مما يحتاجه ويحتمل أن يراد ما عداه

(1) انظر النهاية (3/ 450).

(2)

أخرجه أحمد في الزهد (164)، وابن أبي عاصم في الزهد (1/ 33)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1499).

(3)

أخرجه ابن ماجة (4200)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1498).

ص: 508

وفي الآحاديث ما يدل لهذا الاحتمال. (هـ)(1) عن خباب بن الأرت).

2062 -

"إن العبد ليتصدق بالكسرة تربوا عند الله حتى تكون مثل جبل أحد". (طب) أبي برزة.

(إن العبد ليتصدق بالكسرة تربوا) من ربا يربوا إذا ارتفع ومنه سميت الزكاة لارتفاعها؟ (عند الله حتى تكون مثل أحد) وهل هذه من المضاعفة فإن المضاعفة ظاهرة أنها زيادة الأجر في الجنّة ولعل هذه مضاعفة خاصة ضوعفت الذات ليضاعف بها الحسنات فيعطى الأجر بمقدار ذلك. (طب)(2) عن أبي برزة) سكت عليه المصنف وفيه سوار بن مصعب ضعيف.

2063 -

"إن العبد إذا لعن شيئًا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لعن، فإذا كان لذلك أهلًا وإلا رجعت إلى قائلها". (د) عن أبي الدرداء.

(إن العبد إذا لعن) اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة. (شيئًا) أي من حيوان أو جماد. (صعدت) هو من صعد في السلم كمنع، وظاهره أن اللفظة تصعد بنفسها ويحتمل أنه يصعد بها الملك. (فتغلق أبواب السماء دونها) لعظمها فلا تحتمل السماوات دخولها إليها كما أن الأرض كذلك كما أفاده ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها فلا تجد لها محلًا. (ثم تأخذ يمينًا وشمالًا) من جهتي اللاعن. (فإذا لم تجد مساغًا) محلًا يسوغ فيه وقوعها. (رجعت إلى الذي لعن) معبر صيغة أي الذي وقع عليه اللعن. (فإذا كان لذلك أهلًا) بأن يكون ممن لعنه الله ورسوله (وإلا رجعت إلى قائلها) وكان لاعنًا لنفسه وصار لها أهلًا

(1) أخرجه ابن ماجة (4163)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1677).

(2)

أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (3/ 110)، والترغيب والترهيب (2/ 4)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1501).

ص: 509

وفيه زجر شديد عن اللعن لأي شيء كان ووردت فيه عدة أحاديث. (د)(1) عن أبي الدرداء) بسند جيد.

2064 -

"إن العبد إذا أخطئ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو على قلبه، وهو الران ذكر الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ". (حم ت ن هـ حب ك هب) عن أبي هريرة (صح).

(إن العبد إذا أخطأ خطيئة) وفي لفظ أذنب ذنبًا. (نُكِت) معبر صيغة. (في قلبه نكتة سوداء) في النهاية (2) أثر قليل كالنقطة. (فإذا نزع) أقلع عنه ورجع. (واستغفر) طلب من الله المغفرة. (وتاب) التوبة الرجوع عن المعاصي وهي مثل نزع ذكرها تأكيدًا. (صقل قلبه) بالبناء للمجهول أي صقلت الملائكة قلبه وأذهبت ما فيه من الأثر. (وإن عاد) إلى الذنب أي عاد قبل التوبة. (زيد فيها) في النكتة. (حتى تعلو على قلبه) أي النكتة أي يغطيه ويغمره ويستر سائره ويصير كله أسود فلا يعي خيرًا ولا يبصر رشدًا. (وهو الران الذي ذكره الله في قوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] قال في الكشاف (3): {رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ركبها كما يركب الصدأ إذا غلب عليها وهو أن يصر على الكبائر ويسوف في التوبة حتى يطبع على قلبه فلا يقبل الخير ولا يميل إليه، ويأتي حديث حذيفة بأبسط من هذا وهو تحذير عن إغفال التوبة. (حم ت ن هـ حب ك هب)(4) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وأسانيده صحيحة.

(1) أخرجه أبو داود (4905)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1672).

(2)

انظر النهاية (5/ 114).

(3)

انظر تفسير الكشاف (ص: 1349).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 297)، والترمذي (3334)، والنَّسائيّ في السنن الكبرى (11658)، وابن ماجة (4244)، وابن حبان (930)، والحاكم (2/ 517)، والبيهقي في الشعب (7203)، =

ص: 510

2065 -

"إن العبد ليعمل الذنب فإذا ذكره أحزنه، وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع قبل أن يأخذ في كفارته، بلا صلاة ولا صيام". (حل) وابن عساكر عن أبي هريرة.

(إن العبد ليعمل الذنب فإذا ذكره أحزنه وإذا نظر الله إليه قد أحزنه غفر له ما صنع قبل أن يأخذ في كفارته) فإن حزنه وندمه يكفر عنه ذلك. (بلا صلاة ولا صيام) قبل أن يأتي بالحسنات المكفرات للسيئات وهذا في غير حقوق العباد. (حل) وابن عساكر (1) عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف.

2066 -

"إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد، فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنّة، فيراهما جميعًا ويفسح له في قبره سبعون ذراعًا ويملأ عليه خضرًا إلى يوم يبعثون، وأما الكافر أو المنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطراق من حديد ضربه بين أذنيه، فيصيح صيحة يمسمعها من يليه غير الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه". (حم ق د ن) عن أنس (صح).

(إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه) الذين شيعوه. (حتى إنه يسمع قرع نعالهم) صوت مشيهم بها على الأرض. (أتاه ملكان) يحتمل أنهما نكير ومنكر ملكا القبور أو غيرهما. (فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول؟) أي تعتقده. (في هذا الرجل؟ لمحمد) أي السؤال لأجل محمَّد. (فأما المؤمن

= وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1670).

(1)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 176، 275)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1504).

ص: 511

فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله) ويحتمل أنهما إنّما يقولان له ما تقول في هذا الرجل فقط فيفهم أنه أريد محمَّد صلى الله عليه وسلم وإنّما فسره صلى الله عليه وسلم هنا للسامعين كما يدل له أنه لم يعده فيما يأتي وإنما خص صلى الله عليه وسلم بالسؤال عنه دون ما يجب الإيمان به؛ لأن الإيمان به والشهادة برسالته مفرد يأتي بجمع لأنّه لا يتم الإيمان به إلا بعد الإيمان بكل ما جاء به من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. (فيقال) يحتمل أنهما القائلان له أو غيرهما وتغيير الصيغة يشعر أنه غيرهما. (انظر إلى مقعدك من النار) محل قعودك الذي أعد لك مشروطًا في علم الله بأن لا تؤمن وذلك أنه تعالى أعد لكل عبد مقعدًا من النار ومقعدًا من الجنّة مشروطًا ذلك الإعداد بما يعلمه الله من أحد الأمرين الذين يأتي بهما العبد باختياره.

إن قلت: ما الحكمة في هذا الإعداد والله تعالى عالم بما يختاره العبد مما يقضي له بأحد المقعدين؟

قلت: تبشير المؤمن وإدخال السرور عليه بما أفاده. (قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنّة) وفي حق الكافر التخيير حيث يرى مقعده من الجنّة قد أبدل عنه مقعدًا من النار كما في الأحاديث الآخر. (فيراهما جميعًا ويفسح له في قبره سبعون ذراعًا ويملأ عليه خَضِرًا) بالخاء والضاد المعجمتين بفتح الأولى وكسر الثانية، في النهاية (1): أي نِعمًا غضّةً وهذا فيمن لا عذاب عليه في قبره بسبب الذنوب الموجبة لعذاب القبر وإلا فقد ثبت عذاب القبر على عدم الاستبراء من البول والنميمة (إلى يوم يبعثون وأما الكافر أو المنافق) هو كافر وزيادة. (فيقال له ما كنت تقول في الرجل؟) أي تعتقد وإلا فقد قال المنافق أنه رسول الله. (فيقول لا أدري) أي ما أقول هذا رسول أو ليس برسول. (كنت أقول ما يقول الناس) لكنهم قالوه عن اعتقاد وقاله الكافر بلسانه من دون اعتقاد.

(1) النهاية (2/ 107).

ص: 512

فإن قلت: هذا يتم في المنافق، وأما الكافر فلم يقل ما يقوله الناس بل يقول أنه ليس برسول الله والحديث قد جعل ذلك قولًا لهما؟

قلت: المراد بالناس الكفار وقد كانوا ينفون الرسالة لفظًا والمنافق كان ينفيها معنى وإن قالها لفظًا فهو كالعدم، فالمراد بأن المنافق يجيب بأنه كان يقول عن غير درية واعتقاد، كما ينفي الكافر الرسالة عن غير درية واعتقاد ويحتمل أن يراد أن الكافر يقول كنت أقول كما يقول الناس أي الكفار الذين هم عنده الناس أي أنفي الرسالة والمنافق يقول كنت أقول ما يقوله الناس أي المؤمنون قولًا عن غير اعتقاد. (فيقال له) لكل واحد منهما. (لا دريت ولا تليت) في النهاية (1): هكذا يرويه المحدثون والصواب ولا اتليت فهل معناه الإقران؟ أي لا تلوت فقلبوا الواو ياء ليزدوج الكلام مع دريت، قال الأزهري (2): ويروى: "أتليت" يدعون عليه أن لا تتلوا إبله أي لا يكون لها أولاد يتلونها. (ثم يضرب بمطراق) بكسر الميم وسكون الطاء فراء آخره قاف، هو: القضيب. (من حديد ضربة بين أذنيه) أولى عقوباته جحد النبوة. (فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) هما الجن والإنس وهما سكان الأرض، قال في النهاية (3): والحكمة في أنهما لم يسمعا ليبقى التكليف اختياريًا ويطيب لهما البقاء في الأرض كما في حديث أنس: "لولا أن لا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم عذاب القبر"(4). (ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه) هي ضمة اللحد، والظاهر أنهما تختص بالكافر والمنافق إلا أنه قد ثبت أنها عامة لكل أحد كما في حديث وفاة سعد بن معاذ وزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهما، إلا أنه قد

(1) انظر النهاية (2/ 12).

(2)

تهذيب اللغة (5/ 22).

(3)

انظر النهاية (1/ 256).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 175)، والحاكم (1/ 98).

ص: 513

يقال: إن الذي يصيب المؤمن أهون من الذي يصيب غيره ويأتي زيادة على هذا إن شاء الله تعالى. (حم ق د ن)(1) عن أنس) ابن مالك.

2067 -

"إن العبد آخذ عن الله تعالى أدبا حسنًا، إذا وسع عليه وسع، وإذا أمسك عليه أمسك". (حل) عن ابن عمر.

(إن العبد) يحتمل أنه خاص وود في معين ويحتمل أنه للجنس وأن هذا الحكم المذكور من شأن العبيد وهو قوله: (أخذ عن الله أدبًا حسنًا) أدبه به تعالى حيث يقول: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]. (إذا وسع عليه) في الرزق. (وسع) على من يحبه في النفقة. (وإذا أمسك عليه) رزقه. (أمسك) في النفقة وهذا إرشاد أن العبد لا ينفق زيادة على ما أعطي لئلّا يأكل مال غيره بالدين ونحوه. (حل)(2) عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

2068 -

"إن العجب ليحبط عمل سبعين سنة". (فر) عن الحسن بن علي (ض).

(إن العُجب) بضم المهملة وسكون الجيم، هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم كاستعطائه لعبادته ناسيًا أن الله وفقه لها وأعانه عليها. (ليحبط) يبطل. (عمل سبعين سنة) يحتمل أنه للمبالغة وأنه حقيقة. (فر)(3) عن الحسين بن علي) وهو ضعيف لضعف موسى بن إبراهيم المروزي.

2069 -

"إن العرافة حق، ولابد للناس من العرفاء، ولكن العرفاء في النار". (د) عن رجل.

(1) أخرجه أحمد (3/ 126، 233)، والبخاري (1338، 1374)، ومسلم (2870)، وأبو داود (4751)، والنَّسائيّ في السنن الكبرى (2177).

(2)

أخرجه الديلمي كما في الكنز (7669)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1497).

(3)

انظر فيض القدير (2/ 375)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1505)، والضعيفة (2567).

ص: 514

(إن العرافة) بكسر المهملة وهي تدبير أمر القوم والقيام بسياستهم. (حق) لا بد منها للضرورة إليها كما قال. (ولا بد) أي لا فراق ولا محالة. (للناس من عرفاء) لما في ذلك من مصلحة الناس والرفق بأمورهم. (ولكن العرفاء في النار) تحذير من التعرض لأمور الرئاسة لما في ذلك من الفتنة وأنه إذا لم يقم بحقها أثم ويستحق العقوبة.

فإن قلت: كيف يكون فاعل الحق القائم به في النار؟

قلت: ليس ذلك من حيث أنه فاعل حق بل من حيث أنه لا يفي بالقيام بأمر هذا الحق الذي قام له وانتصب لإقامته لكثرة ما فيه من الأمور التي تتبع فيها الأهوية، ففي الحديث تحذير وإرشاد إلى القيام بهذا الحق لمن عرف في نفسه الوقاية. (د)(1) عن رجل) من الصحابة سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف غالب القطان.

2070 -

"إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس، أو إلى آذانهم". (م) عن أبي هريرة (صح).

(إن العرق) من العباد وهو رشح جلد الحيوان كما سلف حين تدلى عليهم الشمس. (يوم القيامة ليذهب) يسيل. (في الأرض) أرض المحشر أو ينزل أو يرتفع عليها والأول أوضح كما يأتي. (سبعين باعًا) بالموحدة والمهملة وهو قدر مد اليدين ومثله البوع كما في القاموس (2)(وإنه ليبلغ على أفواه الناس أو إلى آذانهم) يحتمل أنه شك من الراوي أو للتقسيم وأن منهم من يبلغ هذا أو منهم من يبلغ هذا وتقدم أنه يلجمهم العرق. (م)(3) عن أبي هريرة).

(1) أخرجه أبو داود (2934)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1507).

(2)

القاموس المحيط (1/ 910).

(3)

أخرجه مسلم (2863).

ص: 515

2071 -

"إن العين لتولع بالرجل بإذن الله تعالى حتى يصعد حالقًا، ثم يتردى منه". (حم ع) عن أبي ذر.

(إن العين) إصابتها. (لتولع) بضم المثناة الفوقية من أولع به أغرى به ويحتمل أنه من ولع كوجل أي استخف أي حمله على الخفة والجهل وأزاله عما كان عليه من الصواب أي أن العين ستخف (1) الرجل فتخرجه عن الصواب. (بإذن الله) بتمكينه وإقداره. (حتى يصعد حالقًا) جبلًا مرتفعًا. (ثم يتردى منه) يلقي منه نفسه وتقدم الكلام في: العين. (حم ع)(2) عن أبي ذر) بإسناد رجاله ثقات.

2072 -

"إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: ألا هذه غدرة فلان بن فلان". مالك (ق د ت) عن ابن عمر (صح).

(إن الغادر) من الغدر وهو ضد الوفاء. (ينصب له لواء) أي علامة تشتهر بها من الناس؛ لأن موضع اللواء شهرة مكان الرئيس. (يوم القيامة فيقال) تقول الملائكة أو أهل المحشر. (ألا هذه غدرة) بزنة ضربة للمرء من غدر أو فيه أنه ينصب للغدرة الواحدة فبالأولى للأكثر. (فلان بن فلان) تشهير له من الخلائق. مالك (ق د ت)(3) عن ابن عمر).

2073 -

"إن الغسل يوم الجمعة ليسل الخطايا من أصول الشعر استلالًا". (طب) عن أبي أمامة.

(إن الغسل يوم الجمعة) لصلاتها. (ليسل) السل: انتزاع الشيء وإخراجه في رفق. (الخطايا من أصول الشعر) منابتها ليس المراد أن الخطايا حالة في البدن بل المراد أنهما تخرج الشهوات والبواعث إلى ارتكاب الخطايا التي محلها البدن

(1) انظر القاموس (3/ 97).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 146)، والحارث بن أبي أسامة كما في زوائد الهيثمي (566)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1681)، والصحيحة (889).

(3)

أخرجه البخاريّ (3188)، ومسلم (1735)، وأبو داود (2756)، والترمذي (1581).

ص: 516

أو المراد أنها تكفّر الخطايا بالغسل حتى لا يعذب بها البدن فكأنها انتزعت فيه أو أن التقدير عقوبات الخطايا. (استلالًا) مصدر تأكيدي وكأن الأظهر سلًا إلا أنه أقيم مقامه من باب تبتل إليه تبتيلًا وفيه فضيلة غسل الجمعة. (طب)(1) عن أبي أمامة) بإسناد صحيح ولم يرمز عليه المصنف.

2074 -

"إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فاليتوضأ". (حم د) عن عطية الكوفي.

(إن الغضب من الشيطان) هو الباعث عليه المحرك له ليغوي به العبد ويوقعه فيما لا يحل (وإن الشيطان خلق من النار) كما قاله تعالى في كتابه حكاية عنه: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ} [ص: 76]، وقال:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27]، (وإنّما تطفأ النار بالماء)؛ لأنّه ضدها. (فإذا غضب أحدكم) من أمر. (فليتوضأ) يسارع إلى الوضوء كما تقتضيه الفاء، وتقدم الكلام في الغضب وأدويته في:"إذا". (حم د)(2) عن عطية السعدي) سكت عليه أبو داود، وما سكت عليه فهو صالح على ما قاله أبو داود، وقد بحثنا في ذلك في شرحنا على تنقيح الأنظار.

2075 -

"إن الفتنة تجيء فتنسف العباد نسفا، وينجو منها العالم بعلمه". (حل) عن أبي هريرة.

(إن الفتنة) تقدم الكلام في معانيها. (تجئ فتنسف العباد نسفًا) تهلكهم وتبددهم. (وينجو العالم منها بعلمه) فإن أهل العلم هم الناجون عن الفتن بمعرفتهم بالحق واتباعه، ولذا قالوا لمن قال من أهل الجهل لقارون: إنه لذو

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 256) رقم (7996)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1509)، وقال في الضعيفة (1802): منكر.

(2)

أخرجه أحمد (4/ 226)، وأبو داود (4784)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1510)، والضعيفة (582).

ص: 517

حظ عظيم، عندما تمنوا أن يعطوا ما أعطي:{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 80] فنجوا من فتنة قارون بعلمهم. (حل)(1) عن أبي هريرة) بسند ضعيف.

2076 -

"إن الفحش والتفحش ليسا من الإِسلام في شيء وإن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقًا". (حم ع طب) عن جابر بن سمرة.

(إن الفحش والتفحش) تقدم تفسيرهما. (ليسا من الإِسلام في شيء) ليسا من صفات أهل الإِسلام. (وإن أحسن الناس إسلامًا أحسنهم خلقًا) فحسن الخلق من الإِسلام. (حم ع طب)(2) عن جابر) بن سمرة بإسناد صحيح.

2077 -

"إن الفخذ عورة". (ك) عن جرهد.

(إن الفخذ عورة) وبهذا الحديث أخذ من قال: إنها عورة، ومن قال: ليست بعورة استدل بحديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر "حسر الإزار عن فخذه، قال حتى إني لأنظر إلى بياض فخذه"(3) رواه أحمد والبخاري، قال البخاريّ: حديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط.

قلت: والقاعدة أنه إذا تعارض القول والفعل قدم القول، ولأن انحسار الإزار يحتمل أنه عن غير قصد. (ك)(4) عن جرهد) بالجيم والدال المهملة بزنة جعفر، ابن رزاح بكسر الراء فزاي آخره مهملة صحابي من أهل الصفة (5)،

(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 41)، والقضاعي في الشهاب (1056)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1513)، والضعيفة (2432).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 89)، وأبو يعلى (7468)، الطبراني في الكبير (2/ 256) رقم (2072)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1515)، والضعيفة (3032).

(3)

أخرجه البخاريّ (371).

(4)

أخرجه الحاكم (4/ 180)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2795)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1683) والصحيحة (1687).

(5)

انظر ترجمته في الإصابة (1/ 548).

ص: 518

وسببه أنه قال مرّ علي رسول صلى الله عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشف فخذي فقال: "غط فإن الفخذ عورة".

2078 -

"إن القاضي العدل ليجاء به يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أن لا يكون قضى بين اثنين في تمرة". (قط) والشيرازي في الألقاب عن عائشة (ض).

(إن القاضي) هو الحاكم بين الناس ولو بين اثنين سواء كان منصوبًا أولًا. (العدل) الحاكم بالحق. (ليجاء به يوم القيامة فيلق من شدة الحساب) على قضائه. (ما يتمنى أنه لا يكون قضى بين اثنين في تمرة) قط [......](1) إلى الدهر مخصوص بالماضي أي فيما يمضي من الزمان أو ما يقطع من عمره وذلك لما يلقاه وهذا العادل فكيف الجائر

إن قلت: القضاء واجب في الجملة فكيف الوعيد عليه؟

قلت: الوعيد على التساهل في الأحكام. (الشيرازي (2) في الألقاب عن عائشة) وإسناده ضعيف.

2079 -

"إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه". (ت هـ ك) عن عثمان بن عفان (صح).

(إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه) أي من عذابه الدال عليه كونه أول منازل الآخرة، فإنها دار الجزاء (فما بعده أيسر منه) لأن عذابه أهون العذاب. (وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه) فإن عذاب النار أشد العذاب. (ت هـ ك (3)

(1) بياض بالأصل بمقدار 3 كلمات.

(2)

أخرجه الشيرازي في الألقاب كما في الكنز (14988)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 204)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1516).

(3)

أخرجه الترمذي (2308)، وابن ماجة (4267)، والحاكم (1/ 371)، وقال الذهبي في التلخيص: ابن بحير ليس بالعمدة ومنهم من يقويه وهانئ روى عنه جماعة ولا ذكر له في الكتب =

ص: 519

عن عثمان بن عفان) رمز المصنف لصحته.

2080 -

"إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها". (حم ت ك) عن أنس (صح).

(إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله) تقدم الكلام أن أحاديث الصفات يجب الإيمان بها، والأولى السكوت عن تأويلها ونَكل علمها إليه تعالى وقد تأول هنا بالنعمة أي نعمتين من نعم الله، ويأتي في حديث النواس:"ما من قلب إلا وهو متعلق بين أصبعين من أصابع الرحمن"(1).

(يقلبها) أي القلوب وهو عام لقلب كل حيوان من إنسان وغيره. (حم ت ك)(2) عن أنس) رمز المصنف لصحته، وفي الكبير هناد وعبد الله بن أحمد والنَّسائيّ، وقال: حسن غريب، وابن ماجه والبيهقي والحاكم عن عثمان.

2081 -

"إن الكافر ليسحب لسانه يوم القيامة وراءه الفرسخ أو الفرسخين يتوطئه الناس". (حم ت) عن ابن عمر.

(إن الكافر ليسحب لسانه يوم القيامة الفرسخ والفرسخين) الفرسخ ثلاثة أميال هاشمية أو اثنى عشر ألف ذراع، أو عشرة آلاف ذكره في القاموس (3): أي أنها تطول لسانه ذلك المقدار كأنهم يختلفون في ذلك. (يتواطأه الناس) يطؤونه بالأقدام وتفعل هنا للتكلف أي يتكلفون وطئها بالأقدام لكراهتهم لها وقبح حالها ونفرة النفوس عنها ثم عظم لسانه، يحتمل أنه تابع لعظمة جسمه كله كما

= الستة أهـ. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1684).

(1)

أخرجه النسائي في السنن الكبرى (7738)، وابن ماجة (199).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 112)، والترمذي (2140)، والحاكم (1/ 526)، وأخرجه عبد الله بن أحمد كما في زوائد المسند (6/ 301)، والطبراني في الكبير (23/ 338) رقم (785) عن أم سلمة، والنَّسائيّ في السنن الكبرى عن عائشة، والبيهقي في الشعب (756) عن جابر، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1685).

(3)

انظر القاموس (1/ 267).

ص: 520

يأتي ويحتمل أنه يختص في الموقف عظمة لسانه؛ لأن بها كان الكفر والتكذيب والسب لله ولرسله. (حم ت)(1) عن ابن عمر) وإسناده ضعيف.

2082 -

"إن الكافر ليعظم حتى إن ضرسه لأعظم من أحد وفضلية جسده على ضرسه، كفضيلة جسد أحدكم على ضرسه". (هـ) عن أبي سعيد.

(إن الكافر ليعظم) في النار جسده كله. (حتى أن ضرسه لأعظم من أحد) الجبل المعروف. (وفضيلة جسده) أي زيادته. (على ضرسه كفضيلة جسد أحدكم على ضرسه) ووجه ذلك ليذوق العذاب الشديد مذاقًا تامًا ويتألم كل عضو منه أشد تألمًا.

إن قلت: إن جسم العاصي من العباد إنّما هو جسمه الذي كان عصى به في الدنيا، فكيف تعذب أعضاء ما عصت ولا صحبته في الدنيا؟

قلت: ما عذب إلا الجسم الذي عصى وتعظيم الأعضاء من جملة عذابها لا أنه عذب ما لم يعص. (هـ)(2) عن أبي سعيد الخدري).

2083 -

"إن التي تورث المال غير أهله عليها نصف عذاب الأمة". (عب) عن ثوبان.

(إن التي تورث المال غير أهله) أي المرأة الزانية التي تدخل على القوم من ليس منهم فيرث ما لا يستحقه لعدم ثبوت نسبه وتقدم ما يشابهه والكلام عليه. (عليها نصف عذاب الأمة) لعظم ما ارتكبته من إدخال الأجنبي على قراباتها. (عب)(3) عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2084 -

"إن الذي أنزل الداء أنزل الشفاء". (ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن الذي أنزل الداء) وهو الله تعالى. (أنزل الشفاء) "فتداووا فإنه ما من داء

(1) أخرجه أحمد (2/ 92)، والترمذي (2580)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1518).

(2)

أخرجه ابن ماجة (4322)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1519).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (13991)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1522).

ص: 521

إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله" كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ويأتي في التاء المثناة، زيادة على هذا. (ك) (1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته؛ لأنّه قال الحاكم: صحيح.

2085 -

"إن الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين اثنين بعد خروج الإِمام كالجار قصبه في النار". (حم طب ك) عن الأرقم (صح).

(إن الذي يتخطى رقاب الناس) القاعدين انتظارًا للصلاة. (يوم الجمعة) كأنه خرج على الغالب وإلا فتخطي الرقاب منهي عنه؛ لأنّه إيذاء للناس. (ويفرّق بين اثنين) بتخطيه أو يقعد بينهما. (بعد خروج الإِمام) ظاهره أنه قبل خروجه لا بأس به، وفيه أنه إيذاء وكأن هذا خرج على الغالب وأنه لا يتخطى إلا بعد خروجه للقرب منه وسماع وعظه. (كالجار قُصْبه) بضم القاف وسكون الصاد المهملة، هو المِعَي جمعه أقصاب، وقيل: إنه اسم للأمعاء كلِّها، وقيل: ما كان أسفل البطن من الأمعاء، قاله في النهاية (2).

إن قلت: حديث عقبة بن الحارث: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة العصر ثم قام مسرعًا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه

" (3) الحديث يدل على اختصاص النهي بالجمعة.

قلت: نعم، أو ذلك للحاجة وهو جائز وقد بوّب ابن تيمية في المنتقى لجوازه للحاجة. (حم طب ك)(4) عن الأرقم) بن الأرقم رمز المصنف لصحته، وقال

(1) أخرجه الحاكم (4/ 194)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1688).

(2)

انظر النهاية (4/ 67).

(3)

أخرجه البخاريّ (851)، ومسلم (2052).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 417)، والطبراني في الكبير (1/ 307) رقم (908)، والحاكم (3/ 504)، وقال الذهبي: هشام واهٍ، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1525)، والضعيفة (2811): ضعيف جدًا.

ص: 522

الحاكم: صحيح ورد عليه.

2086 -

"إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب إنّما يجرجر في بطنه نار جهنم"(حم هـ) عن أم سلمة زاد (طب): "إلا أن يتوب".

(إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب إنّما يجرجر) بالجيم فراء فجيم. (في بطنه) قال في النهاية (1): أي يُحْدر فيه. (نار جهنم) فجعل الأكل والشرب جرجرة، وهو صوت وقوع الماء في الجوف، قال الزمخشري (2): يروى برفع النار والأكثر النصب وهو مجاز؛ لأن نار جهنم لا تجرر حقيقة في جوفه، والجرجرة: صوت البعير عند الضمير ولكنه جعل صوت جرع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة، لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها، كجرجرة نار جهنم في بطنه من طريق المجاز، هذا وجه رفع النار ويكون قد ذكر يجرجر بالمثناة التحتية، وإلا فالمقام مقام المثناة الفوقية؛ لأن الفاعل مؤنث، ولا يخفى أن النار مما يذكر ويؤنث وأن الإسناد إلى ظاهر غير الحقيقي يجوز فيه الأمران وكأنه يريد توجيه لزوم رواية التذكير للفصل بينه وبين النار وأما على النصب، فالشارب هو الفاعل والنار مفعوله، يقال: جرجر فلان الماء إذا جرعه جرعًا متوترًا له صوت، فالمعنى كأنما يجرع نار جهنم انتهى.

قلت: وإذا كان الجرجرة صوت الماء فذكره للأكل مع الشرب من باب المشاكلة.

واعلم أن: الحديث نص في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة إذ لا وعيد إلا على معصية وقد ألحق أكثر العلماء بهما غيرهما حتى عبروا بتحريم الاستعمال لآنية الذهب والفضة الشامل للأكل والشرب وغيرهما وهو إلحاق

(1) النهاية (1/ 724).

(2)

الفائق (3/ 287).

ص: 523

لغير الأكل والشرب بهما بلا دليل ولا علة جامعة فالحق الاقتصار على موضع النص وتحريم الأكل والشرب دون غيرهما إن حملوا العبارة على اللفظ النبوي بقولهم يحرم استعمال الذهب والفضة أو أنه الذهب والفضة ويرد النفي الخاص إلى أعم منه. (حم هـ) عن أم سلمة، زاد (طب) (1):"إلا أن يتوب" عما ذكر فلا عذاب عليه.

2087 -

"إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب"(حم ت ك) عن ابن عباس (صح).

(إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن) أي في حفظه. (كالبيت الخرب) في عدم نفعه لخلوه عن الخير وعن الساكن وفيه حث على حفظ القرآن أو شيء منه. (حم ت ك)(2) عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته، وصححه الترمذي والحاكم ورد عليهما.

2088 -

"إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة فيقال لهم: أحيوا ما خلقت"(ق ن) عن ابن عمر (صح).

(إن الذين يصنعون هذه الصور) الحيوانية كما عرفت مما أسلفناه جواز غيرها. (يعذبون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) أمر للتعجيز، "وليسوا بفاعلين" كما ورد في بعض الألفاظ من الحديث، وفيه دليل على أن المراد بالصور صور الحيوانات فإنها التي يؤمر بإحيائها. (ق ن)(3) عن ابن عمر).

(1) أخرجه البخاريّ (5624)، ومسلم (2065)، ومالك (1649)، وأحمد (6/ 300، 306)، والشافعي في المسند (1/ 10)، والنَّسائيّ في السنن الكبرى (6872)، وابن ماجة (3413) والطبراني في الكبير 23/ 388 (928).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 223)، والترمذي (2913)، والحاكم (1/ 554)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1524).

(3)

أخرجه البخاريّ (5951)، ومسلم (2108)، والنَّسائيّ (8/ 215).

ص: 524

2089 -

"إن الماء طهور لا ينجسه شيء". (حم 3 قط هق) عن أبي سعيد (صح).

(إن الماء) اللام للجنس والحقيقة. (طهور) قاله صلى الله عليه وسلم جوابًا لمن قال له: أنتوضأ من بئر بضاعة؟ وهي بئر يلقى فيه لحوم الكلاب فذكره. (لا ينجسه شيء) وهو دليل على أنه لا ينجس الماء شيء يقع فيه ولو غيره إلا أنه قيده الحديث الثاني كما يأتي. (حم 3 قط هق)(1) عن أبي سعيد الخدري) رمز المصنف لصحته وحسنه الترمذي وصححه أحمد.

2090 -

"إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه". (هـ) عن أبي أمامة (ض).

(إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) أي على أحدها أو عليها والحديث كالأول وفيه هذه الزيادة وقد اتفق الحفاظ على عدم صحة رفعها، قال الشافعي: لا يثبت أهل الحديث مثله، وقال النووي (2): اتفق المحدثون على تضعيفه إلا أن هذه الزيادة قد أجمع على معناها، قال ابن المنذر (3): اتفق العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له ريحًا أو طعمًا أو لونًا فهو نجس. واعلم أن الحديثين دليل على أن الماء طاهر قليلًا كان أو كثيرًا ما لم يتغير أحد أوصافه وهذا قول كثير من المحققين وعليه الأدلة ومنهم من حمل هذين الحديثين على الكثير مستدلًا بحديث: "القلتين" فإن مفهومه أنه إذا لم يبلغها فإنه ينجس، وهو مفهوم لا يقاوم

(1) أخرجه أحمد (6/ 31، 86)، وأبو داود (66)، والترمذي (66)، والنَّسائيّ في المجتبى (1/ 174)، والدارقطني (1/ 29، 30، 31)، والبيهقي في السنن (1/ 4، 257)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1925).

(2)

قاله النووي في المجموع (1/ 110)، وضعفه كذلك في خلاصة الأحكام (1/ 69).

(3)

في الإجماع (ص: 33 رقم 10).

ص: 525

ما هنا وقد بسطنا القول في ذلك في رسالة مستقلة وفي حواشي شرح العمدة وفي شرح بلوغ المرام المسمى بسبل السلام (1). (هـ)(2) عن أبي أمامة) وهو ضعيف لضعف رشدين بكسر الراء وسكون المعجمة كما في التقريب (3).

2091 -

"إن الماء لا يجنب". (د ت هـ حب ك هق) عن ابن عباس.

(إن الماء لا يجنب) بضم حرف المضارعة وكسر النون، في النهاية (4): أي لا يصير جنبًا يحتاج إلى الغسل لملامسة الجنب إياه. (د ت هـ حب ك هق)(5) عن ابن عباس) بأسانيد صحيحة.

2092 -

"إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم". (د حب) عن عائشة.

(إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه) الذي هو بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى (درجة الصائم القائم) في الأجر كما سلف مرارًا. (د حب)(6) عن عائشة) وغيرها.

2093 -

"إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه وهو يحمد الله تعالى". (هب) عن ابن عباس.

(1) انظر حواشي شرح العمدة (1/ 120 - 123) وسبل السلام (1/ 107) طبعة دار ابن الجوزي، وقد استوفى الحافظ في التلخيص (2) طرقه وشواهد، وانظر: البدر المنير لابن الملقن (1/ 2394)، وكتاب "الإِمام" لابن دقيق العيد (1/ 114 - 121)، وانظر كذلك: كشف المناهج (329) بتحقيقنا.

(2)

أخرجه ابن ماجة (521)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1765)، والضعيفة (2644).

(3)

انظر: التقريب (1942).

(4)

انظر النهاية (1/ 302، 303).

(5)

أخرجه أبو داود (68)، والترمذي (65)، وابن ماجة (370)، وابن حبان (1248)، والبيهقي في السنن 1/ 189، 267، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1927).

(6)

أخرجه أبو داود (4798)، وابن حبان (480)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1932)، والصحيحة (795).

ص: 526

(إن المؤمن يخرج نفسه) روحه بالموت. (من بين جنبيه وهو يحمد الله) راضيًا بقضائه. (هب)(1) عن ابن عباس.

2094 -

"إن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء كما يضرب وجه البعير". (خط عن ابن عباس).

(إن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء) بالمصائب. (كما يضرب وجه البعير) مجاز عن كثرة إيراد محن الدنيا عليه كرامةً له من ربه لينال الأجر في الآخرة التي هي دار القرار. (خط)(2) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف جدًا.

2095 -

"إن المؤمن ينضى شيطانه كما ينضى أحدكم بعيره في السفر". (حم) والحكيم وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن أبي هريرة".

(إن المؤمن ينضى) بالضاد المعجمة مخففة مكسورة، في النهاية (3): أي يُهزله ويجعله نِضْوًا، النضو: الدابة التي أهزلتها الأسفار وأذهبت لحمها. (شيطانه) وذلك بتركه الشهوات وإقباله على الطاعات ومخالفته لأوامر شيطانه. (كما ينضى أحدكم بعيره في السفر) قال ابن مسعود (4): شيطان المؤمن مهزول، وقال قيس بن الحجاج: قال لي الشيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن مثل العصفور، قلت: ولم ذلك؟ قال: تذيبني بكتاب الله، وروي أنه تمثل لبعض العباد شيطانه فرآه ضعيفًا لا حراك به إلا شيء يسير فقال له: من أنت؟ قال:

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (10161)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1931)، والصحيحة (1632).

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخه (11/ 344)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1771)، والضعيفة (3141): موضوع.

(3)

النهاية (5/ 160).

(4)

ذكره الهيثمي في المجمع (5/ 22)، وعزاه للطبراني في الكبير وقال: رواه موقوفًا ورجاله رجال الصحيح.

ص: 527

شيطانك، قال: ما لي أراك ضعيفًا؟ قال: أنت أضعفتني قال: بماذا؟ قال: بمخالفتي في كل ما أنهاك عنه وآمرك به، قال: فما هذه البقية التي بقيت لك من القوة ما سببها؟ قال: سرورك بمن يُقبّل يديك. (حم) والحكيم وابن أبي الدنيا (1) في مكائد الشيطان عن أبي هريرة) وفيه بن لهيعة.

2096 -

"إن المؤمن إذا أصابه السقم ثم أعفاه الله منه كان كفارة لما مضى من ذنوب، وموعظة له فيما يستقبل، وأن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه، ولم يدر لما أرسلوه". (د) عن عامر الرام.

(إن المؤمن إذا أصابه السُّقم) بضم المهملة وسكون القاف وبفتحها. (ثم أعفاه الله منه) عافاه من ألمه وفي الحديث: "اللهم اشفه اللهم اعفه". (كان) سقمه. (كفارة) تغطية لما مضى. (من ذنوبه وموعظة فيما يستقبل) من عمره. (وإن المنافق والكافر إذا مرض ثم أعفي) حذف الفاعل احتقارًا لشأن المنافق وإبعادًا له عن نسبة رفع ألمه إلى الله. (كان كالبعير عقله أهله) حبسوه عن الحركة بالعقال. (ثم أرسلوه) عن عقاله. (فلم يدر لم عقلوه ولم يدر لم أرسلوه) لا يكفر عنه ذنب ولا يكون له موعظة. (د)(2) عن عامر الرام) في التقريب: عامر الرامي المحاربي انتهى (3). ويقال من الزام والأول أصح له رؤية ورواية [2/ 56] قاله ابن الأثير (4) وفيه راو لم يسم.

2097 -

"إن المؤمن لا ينجس". (ق 4) عن أبي هريرة (حم م د ن) عن حذيفة (ن) عن ابن مسعود (طب) عن أبي موسى (صح).

(1) أخرجه أحمد (2/ 380)، والحكيم في نوادره (1/ 132)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1772)، وصححه في الصحيحة (3586).

(2)

أخرجه أبو داود (3089)، وصححه في صحيح الجامع (1767).

(3)

التقريب (3114)، وقال الحافظ: له حديث يروى بإسناد مجهول.

(4)

انظر: أسد الغابة (1/ 556).

ص: 528

(إن المؤمن لا ينجس) هو من نجس كسمع وككرم وأصل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مرّ ببعض أصحابه فأراد الأخذ بيده فأمسكها وقال: إني جنب فذكره، ويروى له سبب آخر، ومفهوم المؤمن غير مراد فإن الكافر لا ينجس بدنه بكونه جنبًا نعم من يقول أنه نجس الذات فهو نجس مطلقًا. (ق 4) عن أبي هريرة (حم م د ن هـ) عن حذيفة (هـ) عن ابن مسعود (طب)(1) عن أبي موسى) الأشعري واللفظ للبخاري.

2098 -

"إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". (حم طب) عن كعب بن مالك.

(إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه) جهاد اللسان إقامة الحجة على الكافر ونحو ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم لحسان: إن هجوه لهم أشد عليهم من وقع النبل، فهو إخبار أن جهاد اللسان كالجهاد بالسيف ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد الضال وتعليم الجاهل. (حم طب) (2) عن كعب بن مالك) قال: لما نزل قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224)} [الشعراء: 224]، قلت: يا رسول الله ما ترى في الشعر فذكره ورجال أحمد رجال الصحيح.

2099 -

"إن المؤمنين يشدد عليهم؛ لأنّه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله له به درجة، وحط عنه خطيئة". ابن سعد (ك هب) عن عائشة (صح).

(إن المؤمنين يشدد عليهم) أي البلاء. (لأنه) أي الشأن. (لا يصيب المؤمن

(1) أخرجه البخاريّ (283)، ومسلم (371)، وأبو داود (231)، والترمذي (121)، والنَّسائيّ (1/ 145)، وابن ماجة (534) عن أبي هريرة، وأحمد (5/ 384)، ومسلم (372)، وأبو داود (230)، والنَّسائيّ (1/ 145)، وابن ماجة (535) عن حذيفة والطبراني في الكبير (12/ 194)(12871) عن ابن عباس.

(2)

أخرجه أحمد (3/ 456)، (6/ 387)، والطبراني في الكبير (19/ 75) رقم (151)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1934)، والصحيحة (1631).

ص: 529

نكبة) في القاموس (1): النكبة بالفتح المصيبة. (من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله له به) بالبلاء. (درجةٌ) في الجنّة (وحَط عنه خطيئة) فيعظم الأجر بعظم النكبة. ابن سعد (ك هب)(2) عن عائشة) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: على شرطهما وأقروه.

2100 -

"إن المتحابين في الله في ظل العرش". (طب) عن معاذ.

(إن المتحابين في الله) لأجله. (في ظل العرش) تقدم بيان المراد به مرارًا، وفيه الحث على التحاب في الله. (طب)(3) عن معاذ).

2101 -

"إن المتشدقين في النار". (طب) عن أبي أمامة.

(إن المتشدقين) في النهاية (4): المتشدقون هم المتوسعون في الكلام من غير تحفظ وتحرر، وقيل: المتشدق الذي يستهزئ بالناس يلوي شدقيه. (في النار) لأنّه يجرهم التشدق إلى ما لا يحل من الأقوال. (طب)(5) عن أبي أمامة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عفير بن معدان.

2102 -

"إن المجالس ثلاثة: سالم، وغانم، وشاجب". (حم ع حب) عن أبي سعيد (ح).

(إن المجالس) التي يتجالس فيها الناس. (ثلاثة) أقسام والمراد أهلها ينقسمون ثلاثة هو مجاز عقلي من الإسناد إلى المكان. (سالم) لا إثم يحصله صاحبه ولا أجر، وذلك كمجالس المباحات. (وغانم) يحصل فيه الحسنات

(1) انظر القاموس (1/ 134).

(2)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (2/ 206)، وأحمد (6/ 215)، والحاكم (1/ 346)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1935).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 79) رقم (149)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1937).

(4)

انظر النهاية (2/ 453).

(5)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 166) رقم (7696)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1773).

ص: 530

ويبعد فيه عن السيئات. (وشاجب) بالشين المعجمة والجيم فموحدة، في النهاية (1): أي هالك يقال شجب فهو شاجب وأوسطها خيارها. (حم ع حب) والضياء (2) عن أبي سعيد).

2103 -

"إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات". (طب) عن عقبة بن عامر.

(إن المختلعات) في النهاية (3): المختلعات هن المنافقات يعني اللاتى يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن من غير عذر، يقال خلع امرأته خلعًا وخالعها مخالعة واختلعت هي منه فهي خالع. (والمنتزعات) بالنون فمثناة فوقية فزاء فعين مهملة جمع منتزعة من انتزعت الشيء عن الشيء أبعدته عنه أي التي بعّدت نفسها عن زوجها وهو أعم من الأول. (هن المنافقات) لأنهن تظهرن بذلك كراهة الزوج وفي الباطن أنهن يردن سواه يتزوجن به بعد الاختلاع. (طب)(4) عن عقبة بن عامر) الجهني وإسناده حسن.

2104 -

"إن المرء كثير بأخيه وابن عمه". ابن سعد عن عبد الله بن جعفر.

(إن المرء كثير بأخيه وابن عمه) يتقوى بهما ويعيناه على أموره وشد بهما أزره والحديث قاله صلى الله عليه وسلم يوم قتل جعفر بن أبي طالب ابن عمه (ابن سعد (5) عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب الجواد.

(1) انظر النهاية (2/ 445).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 75)، وأبو يعلى (1062)، وابن حبان (585)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1774)، والضعيفة (3143).

(3)

النهاية (2/ 142).

(4)

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 339) رقم (935)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1938)، والصحيحة (632).

(5)

أخرجه القضاعي في الشهاب (186)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1777)، والضعيفة (1895).

ص: 531

2105 -

"إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها: وكسرها، طلاقها". (م ت) عن أبي هريرة (صح).

(إن المرأة خلقت من ضلع) تقدم الكلام عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا" وفيه أن ما خلق منه العبد كان فيه شعبة منه ولذا يقال: المرأة تحب الرجل لأنها خلقت منه والرجل يحب الطين لأنّه خلق منه.

قال: ولكننا منها خلقنا لغيرها وما كنت منه فهو شيء محبب.

(لن تستقيم لك على طريقة) بل هي كثيرة البلوى. (فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عوج) فلا يتم الاستمتاع بها إلا مع اعتقاد بعض جفائها. (وإن ذهبت تقيمها كسرتها) فإن العوج إذا أردت إقامته كسرته وبيّن كسرها بما يكون فقال: (وكسرها طلاقها) وفراقها وهو مناف لطلب الاستمتاع بها فهو توصية بالصبر على أخلاق النساء. (م ت)(1) عن أبي هريرة).

2106 -

"إن المرأة خلقت من ضلع وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدارها تعش بها". (حم حب ك) عن سمرة (صح).

(إن المرأة خلقت من ضلع وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها فدارها) من المداراة. (الملاطفة) والاغتفار. (تعش بها) تمتع بها متاعًا حسنًا. (حم حب ك)(2) عن سمرة) بن جندب، قال الحاكم: صحيح وأقروه، ورمز المصنف لصحته.

2107 -

"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه". (حم م د) عن جابر (صح).

(1) أخرجه البخاريّ (3331)، ومسلم (1468)، والترمذي (1188).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 8)، وابن حبان (4178)، والحاكم (4/ 174)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1944).

ص: 532

(إن المرأة تقبل في صورة شيطان) قال المصنف في الديباج (1): إنه إشارة إلى الهوى والفتنة في نفوس الرجال، من الميل إلي النساء، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه. (وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته) بحسنها. (فليأت أهله) للجماع. (فإن ذلك) إتيان أهله. (يرد) بالمثناة تحت من الرد، وقال صاحب النهاية (2): رُوي بالموحدة من البرد انتهى. (ما في نفسه) من الميل إلي مرادها، وهذا من الأدوية النبوية في إذهاب ما يجده العبد من الميل إلى ما لا يحل له وتقدم نظيره في:"إذا رأى أحدكم". (حم م د)(3) عن جابر).

2108 -

"إن المرأة تنكح لدينها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك". (حم م ت ن) عن جابر (صح).

(إن المرأة تنكح لدينها) لأجله. (ومالها وجمالها) أي لأجل أحد الثلاثة فإنها التي يدعو العبد إلى النكاح (فعليك) أيها الناكح (بذات الدين)، إغراء بقصد ذات الدين من بين الثلاث الصفات الحاملة على النكاح. (تربت يداك) في النهاية (4): ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب، وأترب: إذا استغنى، وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب ولا يريدون الدعاء على المخاطب ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله، وقيل: معناها لله درك، وقيل: أريد به المثل ليرى المأمور بذلك الجد وأنه إن خالفه فقد أساء، وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة؛ لأنّه قال لعائشة ذلك؛ لأنّه رأى الحاجة خيرًا لها والأول أوجه انتهى.

(1) انظر الديباج (4/ 11).

(2)

النهاية (1/ 293).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 330)، ومسلم (1403)، وأبو داود (2151)، والترمذي (1158)، والنَّسائيّ في السنن الكبرى (9121).

(4)

انظر النهاية (1/ 184).

ص: 533

(حم م ت ن)(1) عن جابر).

2109 -

"إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: لذي دم موجع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي فقر مدقع"، (حم 4) عن أنس.

(إن المسألة) السؤال من العباد. (لا تحل إلا لأحد ثلاثة) بيّنها بقوله: (لذي دم موجع) مؤلم، في النهاية (2): هو أن يتحمل دية فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، فإن لم يؤدها قتل المتحمّل عنه فيوجعه قتله. (أو لذي غُرْم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء، أي حاجة لازمة من غرامة مثقلة. (مفظع) بالظاء المعجمة الشديد الشنيع. (أو لذي فقر مدقع) بالدال المهملة فقر شديد يقضي بصاحبه إلى الدقعاء، وهو التراب، وقيل هو: احتمال سوء الفقر، أفاده في النهاية (3)، وفي الحديث تحريم المسألة على غير الثلاثة ويأتي زيادة عليه في حرف الميم. (حم 4)(4) عن أنس بسند جيد).

2110 -

"إن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض". (هـ) عن أم سلمة. (إن المسجد لا يحل) سكونه والبقاء فيه. (لجنب) هو من أصابته الجنابة، يستوي فيه الواحد والجمع، أو يقال: جنبان وأجناب، أفاده في القاموس (5) ويباح له إذا كان عابر سبيل على أحد الأقوال في الآية. (ولا لحائض) ذات حيض. (هـ)(6) عن أم سلمة).

2111 -

"إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرقة الجنّة حتى يرجع".

(1) أخرجه أحمد (3/ 302)، ومسلم (715)، والترمذي (1086)، والنَّسائيّ (6/ 18).

(2)

انظر النهاية (5/ 157).

(3)

انظر النهاية (2/ 127).

(4)

أخرجه أحمد (3/ 114، 126)، وأبو داود (1641)، والترمذي (653)، وابن ماجة (2198)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1780).

(5)

انظر القاموس (1/ 48).

(6)

أخرجه ابن ماجة (645)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1782).

ص: 534

(حم م ت) عن ثوبان (صح).

(إن المسلم إذا عاد أخاه) في الله زاره في مرضه إذ ذلك مفهوم العيادة. (لم يزل في مخرف) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة والراء، هو الحائط من النخل. (الجنّة) أي أنه لما يحوزه من الثواب كأنه في حائط الجنّة يخترف ثمارها وقيل المخرفة الطريق أي في طريق يؤديه إلى الجنّة. (حتى يرجع) من عيادته وفيه حث على العيادة وتقدم عدة أحاديث في ذلك. (حم م ت)(1) عن ثوبان) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2112 -

"إن المظلومين هم المفلحون يوم القيامة". ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، ورسته في الإيمان عن أبي صالح الحنفي مرسلًا.

(إن المظلومين في الدنيا) هم المفلحون. (يوم القيامة) بالأجور التي يحوزونها. (ابن أبي الدنيا (2) في: ذم الغضب، ورسته): بضم الراء، وسكون السين المهملة، (في الإيمان، عن أبي صالح) عبد الرحمن بن قيس (الحنفي) بالمهملة والنون والفاء، نسبة إلى بني حنيفة (مرسلًا).

2113 -

"إن المعروف لا يصلح إلا لذي دين، أو لذي حسب، أو لذي حلم". (طب) وابن عساكر عن أبي أمامة.

(إن المعروف) هو النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس. (لا يصلح إلا لذي دين) لا يفعله إلا ذو دين أو لا يفعل إلا معه. (أو لذي حسب) شرف ومناقب معروفة. (أو لذي حلم) تثبت وأناه وافتقارة لأن من عنده هذه الصفات كان عنده باعث على المعروف لما يرجوه من الأجر أو

(1) أخرجه أحمد (5/ 279)، ومسلم (2568)، والترمذي (967).

(2)

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب (35)، ورسته في الإيمان كما في الكنز (7633)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1784).

ص: 535

لشرف طباعه وكرم طباعه، فيسديه إلى الناس ويحتمل أن المراد لا يصلح إعطاؤه إلا لأحد الثلاثة؛ لأنهم الذين يحافظون على صنائع المعروف، ويكونون لها أهلًا، يرشد إليه ما تقدم من حديث:"إذا أراد الله بعبد خيرًا"، جعل صنائعه ومعروفه في أهل الحفاظ الحديث، فهو أحب أنه لا يطلب المعروف إلا من أحد الثلاثة، أو على أنه لا يوضع إلا في أحدهم. (طب) وابن عساكر (1) عن أبي أمامة).

2114 -

"إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر الْمَؤُنَةِ وإن الصبر يأتي من الله على قدر المصيبة". الحكيم والبزار والحاكم في الكنى هب) عن أبي هريرة.

(إن المعونة) بفتح الميم وضم المهملة الاسم من أعانه. (تأتي من الله للعبد على قدر الْمَؤُنَةِ) بالهمز من مأن القوم: إذا احتمل مؤنتهم أقواتهم، أي أنه تعالى يرزق العبد على قدر نفقته. (وأن الصبر يأتي من الله) ينزله على قلب عبده. (على قدر المصيبة) فهو تعالى أعلم بما يدفع به العبد حاجته. الحكيم والبزار والحاكم في الكنى (هب)(2) عن أبي هريرة) بإسناد حسن.

2115 -

"إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم، وأهاليهم، وما ولوا". (حم م ن) عن ابن عمر (صح).

(إن المقسطين) جمع مقسط وهو العادل من أقسط. (عند الله يوم القيامة على منابر من نور) النور عرض والمنابر أجسام فيخلقها تعالى من النور ويجعل

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 149) رقم (7652)، والبيهقي في الشعب (10967)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1785) وقال في الضعيفة (779): ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه الحكيم في نوادره (1/ 376)، والبيهقي في الشعب (9956)، والقضاعي في الشهاب (992)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده (423)، وابن عدي في الكامل (2/ 37)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1952)، وحسنه في الصحيحة (1664).

ص: 536

الأعراض أجسامًا كما أسلفناه أو المراد أنها في الإضاءة والإشراق كالأنوار. (عن يمين الرحمن) أي حال كونهم عن يمينه وقدمنا الكلام في أمثال هذه الصفات، ورجح النووي وجوب الإيمان به ولا نعتقد ظاهره ونتكلف تأويله وله معنى يليق بجلال الله. (وكلتا يديه يمين) ثم فسرهم بقوله: الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا) عام بعد خاص. (حم م ن)(1) عن ابن عمر).

2116 -

"إن المكثيرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله تعالى خيرًا فنفح فيه يمينه وشماله، وبيّن يديه ووراءه وعمل فيه خيرًا". (ق) عن أبي ذر (صح).

(إن المكثرين) في الدنيا. (هم المقلون يوم القيامة) أقلوا في الحسنات لشغلهم بالأموال والاستكثار منها، ولأنها تتسع عليهم التكاليف فلا يقومون بحقها. (إلا من أعطاه الله تعالى خيرًا فنفح) بالنون والفاء والحاء المهملة، في النهاية (2): أي ضرب يديه بالعطاء، والنفح الرمي والضرب. (فيه يمينه وشماله وبيّن يديه ووراءه) أي أعطاه في جهات الخير وهو كحديث:"إلا من قال به هكذا وهكذا" والمراد عمم بالعطاء جهات الخير كلها. (وعمل فيه خيرًا) هو تعميم بعد التخصيص. (ق)(3) عن أبي ذر) ورواه غيرهما.

2117 -

"إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب". الطالسي عن صفوان بن عسال.

(إن الملائكة لتضع أجنحتها) تقدم عليه الكلام في قوله: اطلبوا العلم". (لطالب العلم رضي بما يطلب) من العلم والمراد به علم الكتاب والسنة، وما له نفع فيهما

(1) أخرجه أحمد (2/ 160)، ومسلم (1827)، والنَّسائيّ (8/ 221).

(2)

انظر النهاية (5/ 89).

(3)

أخرجه البخاريّ (6443)، ومسلم (94).

ص: 537

(الطَّيالسيّ (1) عن صفوان بن عسال) بمهملتين الثانية مشددة وإسناده حسن.

2118 -

"إن الملائكة لتصافح ركاب الحجاج وتعتنق المشاة". (هب) عن عائشة.

(إن الملائكة) الذين في الأرض. (لتصافح) تقدم تفسير المصافحة في: "إذا التقى المسلمان". (ركاب الحجاج) جمع راكب. (وتعتنق) بالعين المهملة من المعانقة وهو الأخذ بالعنق تعظيمًا، وفيه إبانة لفضيلة (المشاة) على الركاب، ويحتمل أنه عند قدومهم بيت الله أو عند قدومهم أوطانهم أو ملائكة كل جهة حيث يلقاهم من فيها من الملائكة. (هب)(2) عن عائشة) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.

2119 -

"إن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء رحمة على فقراء المسلمين، لما فيه من الشدة". (طب) عن ابن عباس.

(إن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء رحمة) منهم وهي علة الفرح وقد كملت فيه شروط حذف اللام لما يدخل. (على فقراء المسلمين فيه من الشدة) من المشقة عليهم وفيه فرح الملائكة بما يحصل للمؤمنين من الخير، واختص الشتاء لأنّه يشق على المؤمن فيه الطاعات التي تحضرها الملائكة. (طب (3) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف يعلي بن ميمون.

2120 -

"إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه تماثيل أو صورة". (حم ت حب) عن أبي سعيد.

(إن الملائكة لا تدخل بيتًا) أي محلًا (فيه تماثيل) أي أوثان ونحوها. (أو

(1) أخرجه الطَّيالسيّ (1165)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1956).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (4099)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1788): موضوع.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 100) رقم (11171)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1789) وقال في الضعيفة (643): منكر.

ص: 538

صورة) صورة حيوان تقدم مرارًا (حم ت حب)(1) عن أبي سعيد).

2121 -

"إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب ولا صورة"(هـ) عن علي.

(إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب) ولو كان من المأذون في اتخاذه (ولا صورة) كما تقدم. (هـ)(2) عن علي) وفي مسلم معناه.

2122 -

"إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتمضخ بالزعفران، ولا الجنب". (حم) عن عمارة بن ياسر.

(إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير) بل بالشر والعذاب كما قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 93] الآية. (ولا) تحضر. (المتمضخ بالزعفران) وهو المتلطخ به في البدن ويحتمل أن يراد جنازته فيكون مجرورًا أو أعم من ذلك فيكون منصوبًا. (ولا) تحضر. (الجنب) أي من مات جنبًا متساهلًا في الاغتسال فلا تحضر جنازته ولا تحضره فيكون أعم ففيه ما في الذي قبله. (حم)(3) عن عمار بن ياسر).

2123 -

"إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة". الحكيم عن عائشة.

(إن الملائكة لا تزال تصلي على أحدكم) تستغفر له. (ما دامت مائدته موضوعة) للأضياف ونحوهم. (الحكيم (4) عن عائشة) بإسناد ضعيف.

2124 -

"إن الملائكة صلت على آدم فكبرت عليه أربعًا". الشيرازي عن ابن عباس.

(1) أخرجه أحمد (3/ 90)، والترمذي (2805)، وابن حبان (5849)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1961).

(2)

أخرجه ابن ماجة (3650)، ومسلم (2106) بمعناه.

(3)

أخرجه أحمد (4/ 320)، وأبو داود (4176)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1960).

(4)

أخرجه الحكيم في نوادره (1/ 156)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1790)، والضعيفة (5274).

ص: 539

(إن الملائكة صلت على آدم) صلاة الجنازة (فكبرت عليه أربعًا) ثم قالت: هذه سنتكم في صلاتكم على موتاكم يا بني آدم هو من أدلة من يقول أنها أربع. (الشيرازي (1) عن ابن عباس) ورواه الخطيب وغيره.

2125 -

"إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا". (حم م د) عن جابر (صح).

(إن الموت فزع) هول وخوف ورعب (فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) تقدم الكلام في ذلك في: "إذا" مرت. (حم م د)(2) عن جابر).

2126 -

"إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم". (طب) عن ابن مسعود.

(إن الموتى) أي أجسامهم (ليعذبون في قبورهم) قد ثبت ذلك ثبوتًا بلا مرية وثبت الاستعاذة من عذاب القبر (حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم) أصوات المعذبين، قال ابن القيم في كتاب الروح (3) قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي (4): حدثني الفقيه أبو الحكم بن برجان وكان من أهل العلم والعمل أنهم دفنوا ميتًا بقريتهم من شرقي إشبيلية فلما فرغوا من دفنه قعدوا ناحية يتحدثون ودابة ترعى قريبًا منهم، وإذا بالدابة قد أقبلت مسرعة إلى القبر وجعلت أذنها عليه كأنها تسمع، ثم ولت فأرة عنه، ثم عادت إلى القبر وجعلت أذنها عليه كأنها تسمع، ثم ولت فأرة فعلت ذلك مرة بعد أخرى، ذكر لنا ولده الحكاية ونحن نسمع عليه كتاب مسلم، ولما بلغ القارئ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم يعذبون عذابًا تسمعه

(1) أخرجه الخطيب في تاريخه (3/ 272)، والدارقطني (2/ 71)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1787).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 319)، ومسلم (960)، وأبو داود (3174).

(3)

الروح (ص: 53).

(4)

انظر كذلك العاقبة في ذكر الموت (ص: 247) طبعة دار الأقصى، الكويت.

ص: 540

البهائم" وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حادت به بغلته حتى كادت تلقيه لما مرّ بقبر يعذب، قال بعض أهل العلم: ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم إذا مغلت إلى قبور اليهود والمنافقين والإسماعيلية، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم بذلك فإذا سمعت الخيل عذاب القبر أحدث لها فزعًا وحرارة يذهب بالمغل. (طب)(1) عن ابن مسعود) سكت عليه المصنف، وإسناده: حسن بل قيل صحيح.

2127 -

"إن الميت ليعذب ببكاء الحي". (ق) عن عمر (صح).

(إن الميت ليعذب ببكاء الحي) أي عليه، هذه رواية عمر، وفي رواية ابنه عبد الله:"إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه" وقالت عائشة: رحم الله ابن عمر والله ما كذب ولكنه أخطأ ونسي إنّما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية وهم يبكون عليها فقال: إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (2).

وقالت في الرد على عمر: رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المؤمن ليعذب ببكاء أحد ولكن قال: "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه"(3) وفي رواية: أنها قالت: رحم الله عمر وابن عمر والله ما هما بكاذبين ولكنهما وهما، قال الحافظ ابن حجر (4): إنه قد اختلف الناس في ذلك واختار الطبري في تهذيبه: أن المراد بالبكاء ما كان من النياحة المنهي عنها وأن المراد بالعذاب الذي يعذب به الميت ما يناله من الأذى من معصية أهله لله، واختار هذا جماعة من الأئمة آخرهم تقي الدين ابن تيمية (5)، وروى أحمد: "الميت يعذب ببكاء الحي عليه إذا قالت النائحة: واعضداه واناصراه واسنداه جبذ

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 200) رقم (10459)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1965)، والصحيحة (1377).

(2)

مطلب في البكاء على الميت، عنوان وضع على الحاشية.

(3)

أخرجه البخاريّ (1288).

(4)

انظر: تلخيص الحبير (2/ 280 - 281) رقم (806).

(5)

انظر: مجموع الفتاوى (24/ 370).

ص: 541

الميت، وقيل له: أنت كذلك" (1) ورواه الترمذي بلفظ: "ما من ميت يموت ويقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسنداه إلا ويلزمه ملكان بلهازمه أهكذا أنت" (2) ورواه الحاكم (3) وصححه وشاهده في الصحيح عن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت امرأته تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فلما أفاق قال: ما قلت شيئًا إلا وقيل لي أنت كذا أنت كذا فلما مات لم تبك عليه، قلت: يريد لما قتل وبلغ خبر قتله لم يبكوا عليه وإلا فإنه لم يمت من مرضه ذلك بل استشهد في غزوة مؤتة (4)، وقيل: إن المراد من أوصى أهله بأن يبكوه وقد كانوا يوصون أهلهم أن يبكوا عليهم ويشقوا الجيوب ويلطموا الخدود كما قيل:

إذا مت فابكيني بما أنا أهله

وشقي علي الجيب يا أم معبد

وقال لبيد وقد حضرته الوفاة يخاطب ابنتيه:

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر

فقوما فقولا بالذي تعلمانه

لا تخمشا وجهًا ولا تحلقا شعرًا

(ق)(5) عن عمر) ورواه ابنه كما عرفت.

2128 -

"إن الميت يعرف من يحمله، ومن يغسله، ومن يدليه في قبره". (حم) عن أبي سعيد.

(إن الميت يعرف من يحمله، ومن يغسله، ومن يدليه في قبره) وقد قدمنا بحثًا حسنًا في إيصال الأرواح بالأبدان بعد الموت. (حم)(6) عن أبي سعيد)

(1) أخرجه أحمد (4/ 414).

(2)

أخرجه الترمذي (1003).

(3)

أخرجه البخاريّ (4268) واستدركه الحاكم فوهم (3/ 44).

(4)

انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 529).

(5)

أخرجه البخاريّ (1290)، ومسلم (927).

(6)

أخرجه أحمد (3/ 3)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1794)، والضعيفة (3152).

ص: 542

سكت عليه المصنف وفيه راو مجهول.

2129 -

"إن الميت إذا دفن سمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه منصرفين". (طب) عن ابن عباس.

(إن الميت إذا دفن سمع) بعد دفنه. (خفق نعالهم) عند انصرافهم عنه كما قال: (إذا ولوا عنه منصرفين) فلا يحول بينه وبيّن سماع ذلك القبر. (طب)(1) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف ورجاله ثقات.

2130 -

"إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه". (د ت هـ) عن أبي بكر.

(إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه) في النهاية (2): يقال أخذت على يد فلان إذا منعته عما يريده كما قيل: أمسكت يده. (أوشك) بفتح الهمزة وسكون الواو أي قرب، قال في النهاية (3): وقد تكرر في الحديث يوشك بكسر الشين أن يكون كذا أي يقرب ويدنو ويسرع يقال أوشك بفتح الهمزة يوشك إيشاكًا فهو موشك وقد وشك وشكًا ووشاكة انتهى. (أن يعمهم الله بعقاب) يشمل من لا ذنب له ومن له ذنب. (منه) أي من الله وهو تعظيم لشأن العقاب وأنه منه تعالى، ويحتمل أن يعود إلى الظالم وأنه يسلطه عليهم. (د ت هـ)(4) عن أبي بكر)، قال في الأذكار (5): بأسانيد صحيحة.

2131 -

"إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا وسيخرجون منه أفواجًا".

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 87) رقم (11135)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1967).

(2)

انظر النهاية (1/ 28).

(3)

انظر النهاية (5/ 189).

(4)

أخرجه أبو داود (4338)، والترمذي (2168)، وابن ماجة (4005)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1973)، والصحيحة (1564).

(5)

يعني به: الأذكار للنووي، انظر فيه برقم (872).

ص: 543

(حم) عن جابر (صح).

(إن الناس دخلوا في دين الله أفواجًا) جمع فوج بزنة فلس وهو الجماعة من الناس وانتصابه على الحالية من فاعل يدخلون وهذا إخبار عما وقع بعد الفتح وأما قبله فكانوا يدخلون أفرادًا. (وسيخرجون منه أفواجًا) كما دخلوا، وذلك عند اقتراب الساعة حيث تعبد الأوثان ولم يبق من يقول الله. (حم)(1) عن جابر) بإسناد حسن ورمز المصنف لصحته.

2132 -

إن الناس لكم تبع وإن رجالًا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرًا". (ت هـ) عن أبي سعيد.

(إن الناس لكم) أيها المخاطبون. (تبع) في الخير والشر. (وإن رجالًا يأتونكم من أقطار الأرض) جمع قطر وهو الناحية وفي رواية في الترمذي الأرضين. (يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرًا) تقدم الكلام على هذه العبارة وهو وصية لطلبة العلم، وكان يقول بعض الصحابة لمن أتاه لطلب العلم أهلًا بمن وصاني فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ت هـ)(2) عن أبي سعيد) سكت عليه المصنف وفيه ضعف لضعف أبي هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين مصغر مشهور بكنيته متروك ومنهم من كذبه (3)، ولفظه في سنن ابن ماجه: عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد مرفوعًا أنه قال: "إنه سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقنوهم" قلت: للحكم ما أقنوهم؟ قال: علموهم انتهى، في لفظ له عنه بلفظ الجامع طلبًا أي أن فيه زيادة بعد قوله الأرضين يتفقهون في الدين وهذه الزيادة ثابتة

(1) أخرجه أحمد (3/ 343)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1796)، والضعيفة (3153).

(2)

أخرجه الترمذي (2650)، وابن ماجة (249)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1797).

(3)

انظر: التقريب (4840).

ص: 544

أيضًا في لفظ رواية الترمذي.

2133 -

"إن الناس يجلسون من الله تعالى يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع". (هـ) عن ابن مسعود.

(إن الناس يجلسون من الله تعالى) من إكرامه وإحسانه إليهم أو في مجالس التزاور الذي يأتي حديثه والله أعلم بمراد رسوله فيه. (يوم القيامة على قدر رواحهم في الجمعات) فمن كان أسبق رواحًا كان أقرب مجلسًا. (الأول) وهو الذي تقدم أنه كالمهدي بدنة. (ثم الثاني) وهو الذي كالمهدي بقرة. (ثم الثالث) وهو الذي كالمهدي كبشًا. (ثم الرابع) وهو الذي كالمهدي دجاجة، وفيه الحث على التبكير إلى صلاة الجمعة وتقدم حد وقته وهو من بعد الزوال. (هـ)(1) عن ابن مسعود) بإسناد حسن.

2134 -

"إن الناس لا يرفعون شيئًا إلا وضعه الله تعالى ". (هب) عن سعيد بن المسيب مرسلًا.

(إن الناس لا يرفعون شيئًا) بغير حق أو فوق قدره الذي أذن فيه. (إلا وضعه الله) حقره وهونه وهذا شاهد في الأبنية ونحوها مما يعظمه الناس ويتنافسون به، ويأتي:"أن حقًا على الله أن لا يرفع شيئًا من أمر الدنيا إلا وضعه"، فيقيد هذا بأمر الدنيا. (هب)(2) عن سعيد بن المسيب مرسلًا).

2135 -

"إن الناس لم يعطوا شيئًا خيرًا من خلق حسن"(طب) عن أسامة بن شريك.

(إن الناس لم يعطوا شيئًا خيرًا من خلق حسن) فإنه ينال به صاحبه خير الدنيا والآخرة كما سلف غير مرة، وفيه أن الخلق الحسن عطية من الله تعالى.

(1) أخرجه ابن ماجة (1094)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1800)، والضعيفة (2810).

(2)

أخرجه البيهقي في الشعب (10511)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1799).

ص: 545

(طب)(1) عن أسامة بن شريك) الثعلبي بمثلثة.

2136 -

"إن النبي لا يموت حتى يؤمه بعض أمته"(حم) عن أبي بكر.

(إن النبي) ظاهره للجنس وأن المذكور حكم ثابت لجنس الأنبياء ويحتمل أنه للعهد وأن المراد نفسه. (لا يموت حتى يؤمه) يكون إمامه في الصلاة. (بعض أمته) وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أمه عبد الرحمن بن عوف في صلاة الفجر في بعض الغزوات، وفي إمامة أبي بكر له صلى الله عليه وسلم في الصلاة خلاف، هل كان الإِمام هو صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر؟ ويحتمل أن يراد بالإمامة مطلق الاقتداء به في أي فعل وهو واقعٌ أيضًا وفيه تشريف لأمته. (حم)(2) عن أبي بكر).

2137 -

"إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله تعالى قدره له، ولكن النذر يوافق القدر، فيخرج ذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج". (م هـ) عن أبي هريرة (ح).

(إن النذر) في النهاية (3): نذرت أنذر وأنذر نذرًا إذا أوجبت على نفسك شيئًا تبرعًا من عبادة أو صدقة أو غير ذلك انتهى. (لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن الله قدره له) إنّما قد يوافق ما قدره الله فيكون سببًا لنجح حاجته، كما قال:(ولكن النذر يوافق القدر فيخرج ذلك) أي النذر بالمال كما دل له يخرج: (من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج).

إن قلت: قد ثبت أن الصدقة قد تجلب الرزق وتدفع غضب الرب وترد البلاء والنذر بالمال نوع منها.

قلت: فرق الحكيم بين الأمرين لحكمة لا نعرفها أو لأن النذر لا يخرجه

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 179)(463)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1977).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 13)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1803).

(3)

النهاية (5/ 92).

ص: 546

الناذر إلا وقد نال ما يريد لأنّه يجعله معلقًا بنيل مطلوبه فكان سببًا أن الله لم يجعل له أثرًا بخلاف الصدقة وهي تبذل لا لتعليقها بمراد قد حصل.

إن قلت: هل فيه دلالة كراهة النذر بالمال؟

قلت: فيه الإخبار أنه لا أثر للنذر في نيل مطلوب ولا دفع مرهوب ولا دليل على كراهية إلا أن يقال أنه إذا كان لا أثر له فهو إضاعة مال فيحرم ففيه تأمل. (م هـ)(1) عن أبي هريرة).

2138 -

"إن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخره وإنما يستخرج به من البخيل". (حم ك) عن ابن عمر (صح).

(إن النذر لا يقدم شيئًا ولا يؤخره وإنما يستخرج به من البخيل) سلف الكلام عليه. (حم ك)(2) عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: على شرطهما وأقروه.

2139 -

"إن النهبة لا تحل". (هـ حب ك) عن ثعلبة بن الحكم (صح). (إن النهبة) بضم النون وسكون الهاء الاسم من نهب أي النهب والسلب. (لا تحل) وسبب الحديث ما ذكره المصنف في الكبير عن ثعلبة بن الحكم الليثي قال: أصبنا يوم خيبر غنمًا فانتهبها الناس فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدورهم تغلي فقال: "ما هذا؟ " قالوا نهبة يا رسول الله قال: "أكفئوها فإن النهبة لا تحل" وقد حمل الصحابة النهي على العموم فكفوا عن انتهاب النشار حتى قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لكم لا تنتهبون؟ " قالوا: إنك نهيت عن النهبى قال: "إنّما نهيت عن نهبى العسكر" وإن كان الحديث فيه مقال. (هـ حب ك)(3) عن ثعلبة بن

(1) أخرجه مسلم (1640)، وابن ماجة (2123).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 118)، والحاكم (4/ 204)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1980).

(3)

أخرجه ابن ماجة (3938)، وابن حبان (5169)، والحاكم (2/ 134)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1987)، والصحيحة (1673).

ص: 547

الحكم) الليثي رمز المصنف لصحته.

2140 -

"إن النهبة ليست بأحل من الميتة". (د) عن رجل.

(إن النهبة ليست بأحل من الميتة) أي وقد علمتم تحريم الميتة فالنهبة مثلها فإذا استحللتم الميتة استحللتم النهبة. (5)(1) عن رجل) من الصحابة وجهالته لا تضر كما عرفت.

2141 -

"إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد". (حم) عن جنادة.

(إن الهجرة) عن دار الكفر. (لا تنقطع) وجوبها على المؤمن. (ما دام الجهاد) أي والجهاد واجب إلى يوم القيامة. (حم)(2) عن جنادة) بضم الجيم ابن أبي أمية الأزدي بإسناد صحيح.

2142 -

"إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة". (حم د) عن ابن عباس.

(إن الهدي الصالح) في النهاية (3): هو السيرة والهيئة والطريقة. (والسمت) بالسين المهملة مثلثة هو الهدي فالعطف تفسيري. (الصالح) وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (والاقتصاد) من القصد تقدم أنه التوسط بين الطرفين في جميع الأحوال وأكثر ما يراد به في الإنفاق. (جزء) الجزء النصيب والقطعة من الشيء. (من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة) في النهاية (4) أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء ومن جملة الخصال المعدودة من خصالهم وأنها جزء معلوم من أجزائهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم وليس المراد أن النبوة تتجزأ ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة فإن النبوة غير مكتسبة ولا مجتلبة بالأسباب

(1) أخرجه أبو داود (2705)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1986).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 62)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1991).

(3)

النهاية (2/ 134).

(4)

النهاية (1/ 741).

ص: 548

وإنما هي كرامة من الله عز وجل ويجوز أن يراد بالنبوة ما جاءت به النبوة ودعت إليه الأنبياء. (حم د)(1) عن ابن عباس) بإسناد ضعيف.

2143 -

"إن الود يورث والعداوة تورث". (طب) عن عفير.

(إن الود يورث والعداوة تورث) أي أن المحبة إذا كانت بين رجلين انقلبت بعدهما إلى أولادهما وكذلك البغاضة فهو إخبار بما جعله الله بين عباده القدر إلَّا أنه حكم شرعي ثم هو أغلبي. (طب)(2) عن غفير) بالغين المعجمة والفاء تصغير غفر رجل من العرب كان يأتي إلى أبي بكر وإسناده ضعيف.

2144 -

"إن الولد مبخلة مجبنة". (هـ) عن يعلي بن مرة.

(إن الولد مبخلة مجبنة) مفعلة بفتح العين من البخل والجبن أي يحمل أبويه على البخل والجبن ويدعوهما إليه فيبخلان بالمال والنفس لأجل الولد وفي معناه أنكم تبخلون وتجبنون. (هـ)(3) عن يعلي بن مرة) بضم الميم الثقفي بإسناد صحيح.

2145 -

"إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة محزنة". (ك) عن الأسود بن خلف طب عن خولة بنت حكيم.

(إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة) من الجهل العمل على الجهل لأنّه يشغل الأوقات عن التعلم. (محزنة) من الحزن لأنّه يحزن أبويه كما يقال إن عاش كدني وإن مات هدني. (ك) عن الأسود بن خلف) بن عبد يغوث القرشي بإسناد صحيح، (طب) (4) عن خولة بنت حكيم) قالت: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم حسنًا ثم قبله ثم ذكره.

(1) أخرجه أحمد (1/ 296)، وأبو داود (4776)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1993).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 190) رقم (508)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1807).

(3)

أخرجه ابن ماجة (3666)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1989).

(4)

أخرجه الحاكم (3/ 296) عن الأسود بن خلف، والطبراني في الكبير (1/ 236) رقم (647) عن خولة بنت حكيم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1990).

ص: 549

2146 -

"إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما". (د ت ك) عن ابن عمر (صح).

(إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه) تقدم حديث: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة أعراب" وعد منها اليدين والمراد الكفان كما في ذلك حديث بلفظهما لأنهما اللذان يسجدان كما يسجد الوجه. (فإذا وضع أحدكم وجهه) على الأرض. (فليضع يديه) باطن كفيه. (وإذا رفعه فليرفعهما). (د ت ك)(1) عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: على شرطهما وأقرَّه الذهبي.

2147 -

"إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم". (ق د ن هـ) عن أبي هريرة (صح).

(إن اليهود والنصارى لا يصبغون) لحاهم وشعرهم (فخالفوهم) في الصبغ وتقدم في الصبغ أحاديث كثيرة وقدمنا الكلام في حديث: "اخضبوا" قال المصنف في الديباج (2) قال القاضي: اختلف السلف من الصحابة والتابعين في الخضاب فقال قوم: الخضاب أفضل وقال آخرون: تركه أفضل، وقال الطبري: الأحاديث في الخضاب كلها صحيحة، أحاديث النهي وأحاديث الأمر وليس فيها ناسخ ولا منسوخ بل الأمر بالتغيير لمن شيبة مستقبح والنهي لمن ليس كذلك وهو الأشمط واختلاف السلف في الأمرين لذلك. (ق د ن هـ)(3) عن أبي هريرة) وفي الباب غيره أيضًا.

2148 -

"إن آدم قبل أن يصيب الذنب كان أجله بين عينيه، وأمله خلفه، فلما

(1) أخرجه أبو داود (892)، والنسائي في السنن الكبرى (679)، والحاكم (1/ 226)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1994).

(2)

الديباج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (5/ 143).

(3)

أخرجه البخاريّ (3462)، ومسلم (2103)، وأبو داود (4203)، والنَّسائيّ (8/ 137)، وابن ماجة (3621).

ص: 550

أصاب الذنب جعل الله تعالى أمله بين عينيه وأجله خلفه، فلا يزال يؤمل حتى يموت". ابن عساكر عن الحسن مرسلًا.

(إن آدم) أبا البشر. (قبل أن يصيب الذنب) الذي قصه الله. (كان أجله) أي الموت. (نصب عينيه وأمله خلفه) فلا يشاهده أي خلف أجله وهو الموت أي كان أمله في الآخرة دون الدنيا فلا يشتغل بغير التزود للرحيل ولا يرى الإقامة لنفسه. (فلما أذنب الذنب) الذي حكاه الله. (جعل الله تعالى أمله بين عينيه) عقوبة له على ذنبه. (وأجله خلفه) فلا ينظر إليه. (فلا يزال يأمل حتى يموت) ولعل هذه العقوبة ورثها أبناؤه وأصابهم شؤم ذنب أبيهم كما أصابهم الإخراج من الجنّة بسبب ذنبه كما قال له موسى عليه السلام: "أخرجتنا ونفسك من الجنّة

" وفي الإخبار إخبار بأن الذنوب سبب للذنوب فإن تقريب الأمل وتبعيد الأجل أسباب للاشتغال بما نهى عنه والإعراض عما أمر العبد به. (ابن عساكر (1) عن الحسن مرسلًا).

2149 -

"إن آدم خلق من ثلاث تربات سوداء وبيضاء وحمراء". ابن سعد عن أبي ذر.

(إن آدم خلق من ثلاث تربات) جمع تربة، تقدم الكلام في ذلك في حديث:"إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض". (سوداء وبيضاء وحمراء) وعلى تلك الألوان جاء بنوه في ألوانهم (ابن سعد (2) عن أبي ذر) الغفاري.

2150 -

"إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي". الحارث عن عوف بن مالك.

(إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي) فإنه بخل بما ينفعه ولا

(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخه (7/ 442)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 272)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1352)، وقال في الضعيفة (2008): منكر.

(2)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 34)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1516)، وصححه في الصحيحة (1580).

ص: 551

يضره. (الحارث) بن أبي أسامة (1)(عن عوف بن مالك) بإسناد ضعيف.

2151 -

"إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء". (ع) عن أبي هريرة (ض).

(إن أبخل الناس من بخل بالسلام) برده على من يلقاه من الناس ابتداء أو ردًا. (وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) فإنه عجز عن كل خير بأيسر عمل. (ع)(2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه.

2152 -

"إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب". (حم خد م د ت) عن ابن عمر (صح).

(إن أبر البر) الإحسان. (أن يصل الرجل أهل ود أبيه) من كان يودهم الأب من قرابته أو من غيرهم. (بعد أن يولي الأب) يغيب بوفاته لأنّه قد يصلهم في حياته لأجله فإذا وصلهم بعد موت أبيه لأجله فهو أعظم البر بالأب؛ كما يقال:

ويكرم ألف للحبيب المكرم

ولأنه يترحم على أبيه ويدعي له

(حم خد م د ت (3) عن ابن عمر).

2153 -

"إن إبراهيم حرم بيت الله وأمنه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها: لا يقلع عضاهها ولا يصاد صيدها". (م) عن جابر (صح).

(إن إبراهيم) الخليل. (حرم بيت الله وأمنه) بدعائه إلى الله أن يجعله بلدًا آمنًا، وتقدم الكلام عليه في:"اللهم". (وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها) تثنية لابة وهي الحرة، واللبتان حرتان يكتنفان المدينة، وتقدم التعبير بأنهما بمأزقها. (لا

(1) أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في زوائد الهيثمي (4498)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1355).

(2)

أخرجه أبو يعلى (6649)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1519).

(3)

أخرجه أحمد (2/ 88)، والبخاري في الأدب المفرد (41)، ومسلم (2552)، وأبو داود (5143)، والترمذي (1903).

ص: 552

يقلع عضاهها) بكسر العين وتخفيف الضاد جمع عضاهة. (ولا يصاد صيدها) وفي أبي داود: "لا ينفر صيدها" أي يزعج فاصطياده بالأولى. (م)(1) عن جابر)، ولم يخرجه البخاريّ.

2154 -

"إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنّة". (حم م) عن أنس (صح).

(إن إبراهيم ابني) الإخبار عنه بذلك للشفقة والتلطف. (وإنه مات في الثدي) بفتح المثلثة وسكون المهملة وتكسر معروف، وأريد به في الرضاع فإنه مات وله ستة عشر أو ثمانية عشر شهرًا. (وإن له ظئرين) بالهمز: المرضعة غير ولدها، وفي القاموس (2) الظئر: العاطفة على ولد غيرها، المرضعة له في الناس وغيرهم للذكر والأنثى. (يكملان رضاعه) إلى الحولين. (في الجنّة) وفيه أنه حي ولعل الظئرين من الحور العين. (حم م)(3) عن أنس).

2155 -

"إن أبغض الخلق إلى الله تعالى العالم يزور العمال". ابن لال عن أبي هريرة.

(إن أبغض الخلق إلى الله تعالى) أبعدهم منه منزلة وأقلهم لديه حظًا. (العالم يزور العمال) للسلطان لما يلزم من مداهنتهم والتشبه بهم، وإيثار الدنيا على الدين بتحسين أحوالهم وأفعالهم، وأما لو خالطهم لإنكار منكر أو نفع مسلم ودفع ظلم جاز (ابن لال (4) عن أبي هريرة)، وهو ضعيف لضعف محمَّد السياح.

2156 -

"إن أبغض عباد الله إلى الله العفريت النفريت، الذي لم يرزأ في مال

(1) أخرجه مسلم (1362).

(2)

انظر القاموس (2/ 34).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 112)، ومسلم (2316).

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3090)، والديلمي في الفردوس (822)، والرافعي في التدوين (3/ 451)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1357)، والضعيفة (3299): موضوع.

ص: 553

ولا ولد". (هب) عن أبي عثمان النهدي مرسلًا.

(إن أبغض العباد إلى الله العفريت) بالعين المهملة والفاء والراء، في النهاية: هو الداهي الخبيث الشديد، وقيل: هو الجموع المنوع، وقيل هو: الظلوم، وقال مجد الدين الجوهري: العفريت والنفريت وشدد تاؤه مع ألفه النافذ في الأمر المبالغ فيه مع دهاء مقصود. (والنفريت) بالنون والفاء أتباع له، وقال الزمخشري (1): والعفر والعفريت والعفرية والعفارية: القوي المتشيطن الذي يعفر قِرْنه، والياء في عفرية وعُفارية للإلحاق بشرذمة وعذافرة، والهاء فيهما للمبالغة، والتاء في عفريت للإلحاق بقنديل، كذا في النهاية (2). (الذي لم يزرأ) بالمثناة من تحت، فالراء فزاي فهمز من الرزى، وهو: المصيبة. (في مال ولا ولد) أي لم يصب في ماله بجائحة ولا في ولده بأي أمر يحزنه، وذلك لأن من أحبه الله ابتلاه، ولهذا كان الأنبياء أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل فمن لم يصب الله مال ولا ولد فهو أبغض العباد إليه؛ لأنّه ما أهله الله لتقديم فرط يلقاه أجره (هب)(3) عن أبي عثمان النهدي مرسلًا) واسم أبي عثمان عبد الرحمن.

2157 -

"إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبيّن أهله، فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت"(حم م) عن جابر (صح).

(إن إبليس يضع عرشه على الماء) سرير ملكه على ماء البحر. (ثم يبعث سراياه) جنوده الذين يقوي بهم العباد. (فأدناهم) أقربهم (منه منزلة أعظمهم)

(1) الفائق (1/ 414).

(2)

النهاية في غريب الحديث (3/ 262).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (9910)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1358)، والضعيفة (2660).

ص: 554

لعباد الله. (فتنة) في نفس أو مال ليفتنه في دينه. (يجيء أحدهم) ممن يبعثه. (فيقول فعلت كذا وكذا) لأمر فتن به العباد (فيقول) إبليس مجيبًا عليه: (ما صنعت شيئًا) يعتد به يقر به عينه. (ويجئ أحدهم فيقول ما تركته) أي الذي أردت فتنته. (حتى فرقت بينه وبيّن أهله) أوقعت الفرقة بينهما وهدمت الألفة. (فيدنيه) إبليس يقربه منه (فيقول: نعم أنت) أي الذي أتيت بما أحب وذلك لأن فراق الرجل لأهله أقبح شيء، ولذا كان الطلاق أبغض الحلال إلى الله فكان أحب الأشياء إلى عدو الله إبليس، وقوله أنت أي الكامل أو الذي أقريت عيني أو نحوه مبتدأ حذف خبره. (حم م)(1) عن جابر بن عبد الله).

2158 -

"إن إبليس يرسل أشد أصحابه وأقوى أصحابه إلى من يصنع المعروف في ماله". (طب) عن ابن عباس.

(إن إبليس يبعث أشد أصحابه) أشدهم في الإغواء والخداع والإضلال. (وأقوى أصحابه) في ذلك. (إلى من يصنع المعروف في ماله) أي فيمنعه عنه ويعده الفقر ويوسوس له ويحبب إليه ماله ويبغض إليه فعل المعروف، وفي الحديث إرشاد إلى إطراح الوساوس في فعل المعروف والإعراض عنها وأنها من عمل الشيطان فإنه يعد الفقر ويأمر بالفحشاء. (طب)(2) عن ابن عباس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عبد الحكم بن منصور.

2159 -

"إن ابن آدم لحريص على ما منع". (فر) عن ابن عمر (صح).

(إن ابن آدم) أي جنسه (لحريص على ما منع) وفي معناه لو منع الناس من فت بعرة لفتوها وسببه أن النفس تتشوق إلى ما منعت لظنها أنه شيء نفيس ولذا

(1) أخرجه أحمد (3/ 314)، ومسلم (2813).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 214) رقم (11536)، وانظر المجمع (10/ 254)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1359): ضعيف جدًا.

ص: 555

فإن إبليس لم يأت آدم عليه السلام ووسوس له إلا بما منع عنه لا من قبل ما أمر به وشوقه وعلله بالعلل المطمعة من الخلود والملك الذي لا يبلى والكون من الملائكة وذكر ما يأتي المعاصي من المخالفة عن المنهيات الممنوع عنها ولذا قيل:

منعت شيئًا فأكثرت الولوع به

أحب شيء إلى الإنسان ما منعا

(فر)(1) عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته وقال الشارح في الصغير (2): إسناده ضعيف.

2160 -

"إن ابن آدم إن أصابه حر قال: حس، وإن أصابه برد قال: حس". (حم طب) عن خولة.

(إن ابن آدم إن أصابه حر قال: حس) بالحاء المهملة المفتوحة والسين، وفي الشرح: المكسور والسين المهملة، كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مَضَّه أو أحرقه غفلة كالجمرة أو الضربة، أفاده في النهاية (3) وليست هذه الكلمة باسم ولا فعل بل صوت كالأنين الحادث عند المرض. (وإن أصابه برد قال حس) أي فهو يتوجع من الأمرين الحر والبرد، وهو إعلام بأن هذا طبعه وليس فيه نهي إلا أن يدعي أن السياق يفيده كما قال من أشار إلى معناه:

يتمنى المرء في الصيف الشتاء

فإذا جاء الشتاء أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد

قتل الإنسان ما أكفره

(حم طب)(4) عن خولة) سكت عليه المصنف، وإسناده صحيح.

(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (885)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1360)، والضعيفة (2963): ضعيف جدًا.

(2)

انظر: التيسير شرح الجامع الصغير (2/ 295) رقم (2165).

(3)

انظر النهاية (1/ 385).

(4)

أخرجه أحمد (6/ 410)، والطبراني في الكبير (24/ 231) رقم (589)، وصححه الألباني في =

ص: 556

2161 -

"إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". (حم خ 3) عن أبي بكرة (صح).

(إن ابني) يريد به الحسن بن علي رضي الله عنهما، (هذا) قد ثبت في الأحاديث أنه والحسين أبناؤه صلى الله عليه وسلم. (سيد) من السيادة وتقدم معناها (وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، هو من أعلام النبوة؛ فإنه إخبار بالغيب وهو ما وقع من مصالحة الحسن معاوية وهو مشهور، قال أبو عمر بن عبد البر (1): لما قتل علي رضي الله عنه بايع الحسين أكثر من أربعين ألفًا كلهم قد بايع أباه قبله على الموت وكانوا أطوع للحسن وأحب إليهم من أبيه فبقي تسعة أشهر خليفة بالعراق وما وراء النهر من خراسان، ثم سار إلى معاوية وسار معاوية إليه، فلما ترائى الجمعان بموضع يقال له: سكين في بادية الأنبار في أرض السواد، وعلم أنها لن تغلب إحدى الفئتين حتى تذهب أكثر الأخرى فكتب إلى معاوية يخبره أنه يصير الأمر إليه والقصة معروفة وأشرنا إلى طرف منها في شرح التحفة العلوية، وفي قوله: عظيمتين رد على من زعم أنه صالح لقلة الناصر وأشار إلى ذلك من قال:

قد صالح الحسن بن هند وهو

في الأبطال من أبناء عبد مناف

وأتى بجيش كالجبال يقودهم

يمشون فيظل القنا الرعاف

والإتيان بهذا اللفظ إشارة إلى أنه لا يخرج عن السيادة بخروجه عن الإمارة بل السيادة ثابتة له أنها للحسن رضي الله عنه وأن الله تعالى يحقن به دماء عباده المسلمين وأشار إلى ذلك السيد محمَّد الوزير مخاطبًا للإمام المهدي من أبيات:

وإن كنت مقتديًا بالحسين

فلي قدوة بأخيه الحسين

= صحيح الجامع (1527)، والصحيحة (1578).

(1)

انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 114، 260).

ص: 557

فقد حمد المصطفى فعله

لإطفائه لنيار الفتن

ولو كان في فعله مخطئًا

لما كان للمدح معنى حسن

(حم خ 3)(1) عن أبي بكرة).

2162 -

"إن أبواب الجنّة تحت ظلال السيوف". (حم م ت) عن أبي موسى (صح).

(إن أبواب الجنّة تحت ظلال السيوف) الظل: الفيء والمراد أن دخول الجنّة في معارك الجهاد، فأطلق أبواب الجنّة على سببها من إطلاق المسبب على السبب وعليه كلام النهاية (2)، قال في قوله:"الجنّة تحت بارقة السيوف، وتحت أقدام الأمهات": أي أن هذه الأشياء تؤدي إلى الجنّة، وإطلاق ظلال السيوف على الجهاد كناية ويحتمل أن المراد أبواب الجنّة حقيقة تحت ظلال السيوف لقرب دخول المجاهد الجنّة فهي موجودة تحت ظلال السيوف، وهو حث على الجهاد بالغ. (حم م ت (3) عن أبي موسى).

2163 -

"إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس، لا ترتج حتى يصلي الظهر؛ فأحب أن يصعد لي فيها خير". (حم) عن أبي أيوب (صح).

(إن أبواب السماء تفتح) لقبول الطاعات والدعوات، (عند زوال الشمس) ميلها عن كبد السماء. (فلا ترتج) بالجيم: تغلق. (حتى يصلي الظهر فأحب أن يصعد لي فيها خير) والمراد به: الأربع الركعات التي كان يصليها قبل الظهر، وتقدم فيها حديثان في الهمزة مع الراء في قوله:"أربع" يدل على أن المراد، هذا تمام الحديث عند مخرجه، قلت: يا رسول الله يقرأ فيهن كلهن قال: "نعم"،

(1) أخرجه أحمد (9/ 37)، والبخاري (2704)، وأبو داود (4662)، والترمذي (3773)، والنسائي (1/ 107).

(2)

انظر النهاية (3/ 159).

(3)

أخرجه أحمد (4/ 396، 410)، ومسلم (1902)، والترمذي (1659).

ص: 558

قلت: ففيهما سلام فاصل؟ قال: "لا". (حم (1) عن أبي أيوب) رمز المصنف لصحته، وقال الشارح: إسناده ضعيف.

2164 -

"إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا"(خ) عن عائشة (صح).

(إن أتقاكم) أكثركم تقوى. (وأعلمكم) بالله (أنا) سببه أنه صلى الله عليه وسلم صنع شيئًا، فتنزه عنه أقوام فبلغه ذلك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه" وذكره، هذا أحد ألفاظه وقد ورد بألفاظ أخر، وله سبب آخر أيضًا، قال النووي (2): في الحديث حث على الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، والنهي عن التعمق في العبادة، وذم المتنزه عن المباح شكا في إباحته، وفيه أن القرب إلى الله سبب لزيادة الخشية، وفيه أن التقوى والخشية عمدتها ما وقع في القلوب من معرفة الله والإيمان به تعالى لا كثرة الأعمال وترك المباحات، كما دل له صدر الحديث فإنه لما كان صلى الله عليه وسلم لا يعرف الله أحدُ معرفته ولا يؤمن أحد إيمانه كان أتقى الناس وأخشاهم له. (خ (3) عن عائشة وغيرها).

2165 -

"إن أحب عباد الله إلى الله أنصحهم لعباده". (عم) في زوائد الزهد عن الحسين مرسلًا.

(إن أحب عباد الله إلى الله أنصحهم لعباده) قدمنا الكلام في النصيحة في قوله: "إن الدين". (عم)(4) في زوائد الزهد عن الحسين مرسلًا).

2166 -

"إن أحب عباد الله إلى الله: من حبب إليه المعروف، وحبب إليه فعاله". ابن أبي الدنيا: في قضاء الحوائج، وأبو الشيخ في كتاب: الثواب، عن أبي سعيد".

(1) أخرجه أحمد (5/ 416)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1532).

(2)

النووي في شرح صحيح مسلم (15/ 107).

(3)

أخرجه البخاريّ (20).

(4)

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد كما في الكنز (44953)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1364).

ص: 559

(إن أحب عباد الله إلى الله من حبب) مبني للمجهول أي من حبب الله. (إليه المعروف) وهو الإحسان إلى الناس وقد سلف الكلام عليه في: "إن الله جعل المعروف". (وحبب) يحتمل أنه مبني للمفعول أي وحبب الله (إليه فعاله) ويكون كالتأكيد للأول، ويحتمل أنه للمعلوم أي وحبب هذا الإنسان الذي حبب إليه المعروف [2/ 67] غيره على فعال المعروف فيكون فاعلًا للمعروف وداعيًا إلى فعاله غيره (ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وأبو الشيخ)(1) في كتاب الثواب (عن أبي سعيد الخدري) بإسناد ضعيف.

2167 -

"إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه: سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير". (خط) عن ابن عمر.

(إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه) في ليل أو نهار. (سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير) فإن النوم أخو الموت ومذكر به فتذكر القائم معه قدرة ربه على إحياء الموتى، قال الغزالي: وهذا أول أذكار النهار. قلت: أما إذا قام وقت السحر فليس من النهار. (خط)(2) عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وقد ضعفه مخرجه عقب تخريجه بالوقاصي وقال: كان كذابًا.

2168 -

"إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسًا إمام عادل، أبغض الناس أكثرهم إلى الله، وأبعدهم منه إمام جائر". (حم ت) عن أبي سعيد (ح) ".

(إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة) أكثرهم محبوبية لديه. (وأدناهم منه مجلسًا) أقربهم من محل كرامته. (إمام عادل) تقدم تفسيره. (وأبغض الناس

(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (2)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1365)، والضعيفة (2849) ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه الخطيب في تاريخه (11/ 279)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1367) موضوع.

ص: 560

أكثرهم) مبغوضية (إلى الله) لم يقيده بيوم القيامة؛ لأنّه مبغوض في الدارين. (وأبعدهم منه) من محل إكرامه وإجلاله وإعظامه. (إمام جائر) والمراد بالإمام في الطرفين: ما يشمل السلطان الأعظم ونوابه وقضاته. (حم ت)(1) عن أبي سعيد) رمز المصنف لحسنه.

2169 -

"إن أحب أسمائكم إلى الله تعالى: "عبد الله"، "وعبد الرحمن". (م) عن ابن عمر (صح).

(إن أحب أسمائكم إلى الله) أكثرها محبوبية (عبد الله وعبد الرحمن) لاشتمالهما على أسمائه الحسنى، وقدمنا الكلام في ذلك في:"أحب". (م)(2) عن ابن عمر) وتقدم إخراجه عنه عن جماعة مع مسلم.

2170 -

"إن أحدًا جبل يحبنا ونحبه". (ق) عن أنس (صح).

(إن أحدًا جبل يحبنا ونحبه) تقدم الكلام عليه في الهمزة مع الحاء المهملة. (ق)(3) عن أنس) تقدم عن جماعة من الصحابة إخراجه وتخريجه لجماعة من الأئمة.

2171 -

"إن أحدًا جبل يحبنا ونحبه، وهو على تُرعة من ترع الجنّة، وعير على ترعة من ترع النار". (هـ) عن أنس (صح).

(إن أحد جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة) بضم المثناة الفوقية وسكون الراء وعين مهملة، وهو في الأصل الروضة على المكان المرتفع، فإذا كانت في المطمئن وهي روضة (من ترع الجنّة)، ولا ينافيه ما تقدم أنه على باب من أبواب الجنّة. (وعير) تقدم ضبطه وأنه باسم الحيوان المعروف وبيان مكانه

(1) أخرجه أحمد (3/ 22، 55)، والترمذي (1329)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1363)، والضعيفة (1156).

(2)

أخرجه مسلم (2132).

(3)

أخرجه البخاريّ (7333)، ومسلم (1393).

ص: 561

(على ترعة من ترع النار) هذا من المشاكلة وإلا فليس في النار روضة فالمراد أنه على محل مرتفع في النار وتقدم أنه على باب من أبواب النار، وتقدم أيضًا أنه يبغضنا ونبغضه. (هـ)(1) عن أنس) رمز المصنف لصحته.

2172 -

"إن أحدكم إذا كان في صلاته فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن يساره، وتحت قدمه". (ق) عن أنس (صح).

(إن أحدكم إذا كان في صلاته) فرضًا أو نفلًا. (فإنه) فيها (يناجي ربه) يخاطبه بكلامه القرآن وبالأذكار (فلا يبزقن بين يديه) تعظيمًا لجهة القبلة تقدم الكلام عليه في: "إذا صلى". (ولا عن يمينه) لشرف هذين الجانبين فإن ملائكة الرحمة عن اليمين. (ولكن عن يساره وتحت قدميه) فيباح له البزق في ذلك. (ق)(2) عن أنس).

2173 -

"إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكًا، ويؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله ورزقه، وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل أهل الجنّة فيدخل الجنة". (ق 4) عن ابن مسعود (صح).

(إن أحدكم يجمع خلقه) قيل إذا وقعت النطفة في الرحم وأراد الله أن يخلقها بشرًا طارت في جسم المرأة تحت كل ظفر وشعر يمكث (أربعين يومًا) ثم ينزل دمًا في الرحم فيخمر فيه حتى تهيأ للخلق والتصوير (خلقه في بطن أمه) أي في

(1) أخرجه ابن ماجة (3115)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1368)، والضعيفة (1820) ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه البخاريّ (405)، ومسلم (551).

ص: 562

رحمها، تقدم الكلام فيه قريبًا في حديث أنس:"إن الله وكل بالرحم". (أربعين يومًا نطفة) يكون منيًا في مدة تلك الأربعين (ثم يكون علقة مثل ذلك) في المدة. (ثم يكون مضغة) قطعة لحم (مثل ذلك) أربعين يومًا. (ثم يبعث الله إليه ملكًا) حين تكاملت أعضاؤه وتشكلت أجزاؤه (ويؤمر) الملك (بأربع كلمات) بيّنها بقوله (ويقال له) يقول الله للملك (اكتب عمله) الذي يعمله في دار الدنيا (ورزقه) الذي قدر له (وأجله) الذي جعل الله له (وشقي) في دار الآخرة (أو سعيد) وهذه عبادة للملك وطاعة وإلا فإنه تعالى قد علم ما يكون من أحواله قبل إيجاده. (ثم ينفخ فيه الروح) ظاهره أنه بعد الكتابة يكون النفخ أي تثبت في أعضائه (فإن الرجل) متفرع عما كتب من الشقاوة والسعادة (منكم ليعمل بعمل أهل الجنّة) من الطاعات (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) كناية عن قربه من دخولها بصالحات أعماله (فيسبق عليه الكتاب) أي المكتوب عليه (فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار) تقدم البحث في هذا واستيفاء ما فيه (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار) من المعاصي (حتى ما يكون بينه وبينها) بين دخولها. (إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنّة) فيختم له به (فيدخل الجنّة) وقدمنا فيه كلامًا حسنًا في حديث: "إن الله وكل بالرحم". (حم ق 4)(1) عن ابن مسعود) وزعم الخطيب البغدادي أن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوله: "أو سعيد" والباقي من كلام ابن مسعود وتعقب بأنه في مسلم من حديث سهل.

2174 -

"إن أحدكم إذا قام يصلي إنّما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه؟ ". (ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن أحدكم إذا قام يصلي إنّما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه) على أي حال يناجيه هل هو حاضر القلب متدبر ما يقول عالم من يخاطب؟ أم هو غافل لاه قد

(1) أخرجه أحمد (1/ 382، 430)، والبخاري (3208)، ومسلم (2643)، وأبو داود (4708)، والترمذي (2137)، والنَّسائيّ في السنن الكبرى (4540)، وابن ماجة (76).

ص: 563

تشتت قلبه في كل وادٍ؟ فإذا كان على الحالة الأولى فليزدد تدبرًا وإقبالًا وحضور قلب، وإذا كان على الثانية فليقبل بقلبه على مولاه. (ك)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته.

2175 -

"إن أحدكم مرآة أخيه فإذا رأى به أذى فليمطه عنه". (ت) عن أبي هريرة (ح).

(إن أحدكم مرآة أخيه) كالمرآة في تبصيره ما يؤذيه ولذا فرع عليه (فإذا رأى به أذى) ما يؤذيه ويجب أن لا يكون عليه (فليمطه) يزله (عنه) ثم يريه إياه لما تقدم أنه إذا تناول أحدكم عن أخيه شيئًا فليره إياه ومنه يعلم أن المناصحة في الدين أكيدة؛ لأنّه إذا كان مأمورًا بإزالة ما يؤذيه في البدن أو الهيئة، فبالأولى في الدين ولقد هجرت هذه السنن فإن غالب من يرى بأخيه شيئًا في هيئته إنّما يضحك عليه وأما النصيحة في الدين فقد انسدت أبوابها وإن قيلت ما قبلت. (ت)(2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه.

2176 -

"إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه: هذا المال". (حم ن حب ك) عن بريدة (صح).

(إن أحساب) جمع حسب تقدم الكلام في معناه قريبًا مرارًا (أهل الدنيا) التي هي همهم (الذين يذهبون إليه) يتفاخرون به (هذا المال) وفيه أن فخر أهل الآخرة هو الدين الذي ليس فوقه من فخر (حم ن حب ك)(3) عن بريدة)

(1) أخرجه الحاكم (1/ 236)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1538)، والصحيحة (1603)

(2)

أخرجه الترمذي (1929)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1371)، والضعيفة (1889) ضعيف جدًا.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 353)، والنسائي (6/ 64)، وابن حبان (700)، والحاكم (2/ 313)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1544).

ص: 564

بأسانيد صحيحة، ورمز المصنف لصحته.

2177 -

"إن أحسن الحسن الخلق الحسن". المستغفري في مسلسلاته وابن عساكر عن الحسن بن علي.

(إن أحسن الحسن الخلق الحسن) هو أحسن كل حسن لما فيه من خير الدنيا والآخرة (المستغفري) نسبة إلى اسم الفاعل من الاستغفار وهو الحافظ المحدث العلامة أبو العباس جعفر بن محمَّد النسفي، صاحب التصانيف، روى عن خلائق وكان صدوقًا في نفسه إلا أنه يروي الموضوعات في الأبواب ولا يوهنها وحدث عنه جماعة وله كتاب: معرفة الصحابة، وتاريخ نسف، وكتاب الدعوات، وغيرها (1) (في مسلسلاته) جمع من مسلسل اسم مفعول من سلسلة: وهو في عرف المحدثين اتفاق الرواة في الإسناد في صيغ الأداء، كسمعت فلانًا قال سمعت فلانًا، أو حدثنا فلان أو نحوه (وابن عساكر (2) عن الحسن) بن علي بإسناد ضعيف.

2178 -

"إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم". (حم ن حب ك) عن أبي ذر.

(إن أحسن ما غيرتم به هذا الشيب الحناء والكتم) نبت يشبه ورق الزيتون. (حم ن حب ك)(3) عن أبي ذر).

2179 -

"إن أحسن ما زرتم به الله في قبوركم ومساجدكم البياض". (هـ)

(1) انظر لترجمته: سير أعلام النبلاء (17/ 564)، الجواهر المضيئة (2/ 19)، والنجوم الزاهرة (5/ 33).

(2)

أخرجه القضاعي في الشهاب (986)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1373)، والضعيفة (768) موضوع.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 147)، والنسائي (8/ 139)، وأبو داود (4205)، والترمذي (1753)، وابن ماجة (3622)، وابن حبان (5474)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1546)، والصحيحة (1509).

ص: 565

عن أبي الدرداء.

(إن أحسن ما زرتم به الله) من الثياب. (في قبوركم ومساجدكم البياض) فهو أحب الألوان إلى الله في هذين الموضعين. (هـ)(1) عن أبي الدرداء).

2180 -

"إن أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه". (طب) عن ابن عباس.

(إن أحسن الناس قراءة) عند الله (من إذا قرأ القرآن يتحزن فيه) يقرأه بتخشع وبكاء وإن لم يبك تباكى. (طب)(2) عن ابن عباس) (3).

2181 -

"إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"(خ) عن ابن عباس (صح).

(إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) فيه حذف أي تعليم كتاب الله أو الرقية بكتاب الله أو تلاوة لا يصح الأول بحديث أبي بن كعب: علمت رجلًا القرآن فأهدى لي قوسًا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخذتها أخذت قوسًا من نار" فرددتها" (4) رواه ابن ماجه ولأبي داود نحوه من حديث عبادة بن الصامت ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص: "لا تتخذ مؤذنًا يأخذ على أذانه أجرًا" (5) ووجه ذلك أن التبليغ واجب للقرآن والسنة، والواجب إنّما يفعله لوجوبه فأخذه المال لا في مقابلة شيء فهو أكل لمال الغير بالباطل، فيتعين أن المقدر الثاني؛ لأن الرقية ليست بواجبة أو الثالث لأن هذا ثواب التلاوة ليس بواجمما على القول بصحة التأجير للتلاوة وقيل بل يقدر الأول، ويدل لصحته حديث تزويجه صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة بما معه من القرآن على أن يعلمها؛ لأنا نقول

(1) أخرجه ابن ماجة (3568)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1376): موضوع.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 7) رقم (10852)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1374).

(3)

وضع هذا العنوان في الهامش: (مطلب أخذ الأجرة على تعليم القرآن).

(4)

أخرجه ابن ماجه (2158).

(5)

أخرجه أبو داود (531)، والترمذي (209)، والنَّسائيّ (2/ 23).

ص: 566

فيه احتمالات أحدها الخصوصية له، وهو بعيد ثانيها: أنها صورة فعل لا ظاهر لها، ثالثها: أنه لم يذكر المهر كعقده صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بامرأة ولم يفرض لها صداقًا فلما مات الزوج أوصى لها عند موته بسهمه من خيبر فهذه الاحتمالات تضعف معارضته لحديث أُبي، إلا أنه قد قيل: إن في حديث أبي مقالات من قبل الإسناد وقد حققنا في رسالة مستقلة جواز أخذ الأجرة على القرآن تعليمًا وتلاوة ورقية وبسطنا أدلة ذلك هنالك أو بأن المعلم يعني أبي بن كعب تبرع بتعليمه فلم يستحق شيئًا ثم أهدى إليه على سبيل العوض فلم يجز له العوض والخلاف فيمن يعقد معه الإجازة. (خ)(1) عن ابن عباس) ووهم من نسبه إلى تخريج الشيخين معًا.

2182 -

"إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج". (حم في 4) عن عقبة بن عامر (صح).

(إن أحق الشروط أن تفوا به) الوفاء بالشروط حق كله ولذا جاء: "المؤمنون عند شروطهم" لكن أحقها بالوفاء. (ما استحللتم به الفروج) لأنّه أعظم ما يستحل فالوفاء بشرطه آكد من غيره (حم في 4)(2) عن عقبة بن عامر).

2183 -

"إن أخا صُداء هو أَذَّن، ومن أَذَّن فهو يقيم". (حم د ت هـ) عن زياد بن الحارث الصدائي.

(إن أخا صُداء) بمهملتين بزنة غراب، قال في القاموس (3): حي باليمن.

(هو أذن ومن أذن فهو يقيم) أصل الحديث عن زياد أنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأمرني فأذنت الفجر، فجاء بلال فأراد أن يقيم فذكره، فأقمت، وفيه

(1) أخرجه البخاريّ (5737)، وراجع فتح الباري (10/ 198).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 150)، والبخاري (2721)، ومسلم (1418)، وأبو داود (2139)، والترمذي (1127)، والنَّسائيّ (3/ 23)، وابن ماجة (1954).

(3)

القاموس (1/ 20).

ص: 567

أن من أذن فالحق له في الإقامة، وظاهره أنه لا يجزئ غيره؛ لأن في بعض ألفاظه إنّما يقيم من أذّن (حم د ت هـ)(1) عن زياد بن الحارث الصدائي)، سكت عليه المصنف، وإسناده ضعيف.

2184 -

"إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون". (حم طب) عن أبي الدرداء.

(إن أخوف ما أخاف) أشد خوفي (على أمتي) في دينها ودنياها (الأئمة المضلون) وتقدم التحذير من أئمة الضلال؛ وذلك لأن الباعث على طاعتهم في هواهم ومتابعتهم في دعواهم ما في أيديهم مما جبلت النفوس على طلبه من المال والشرف فيفسد بفسادهم غالب الأمة. (حم طب)(2) عن أبي الدرداء) سكت عليه المصنف وفيه راويان مجهولان.

2185 -

"إن أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان". (حم) عن عمر (صح).

(إن أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان) تقدم بلفظه في: "أخوف" وتقدم الكلام عليه. (حم)(3) عن عمر) رمز المصنف لصحته.

2186 -

"إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط". (حم ت هـ ك) عن جابر (صح).

(إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط) تقدم حديث أفلح: "أخاف على أمتي

إلى أن قال واتباع الشهوات في الفروج والبطون" فخصص هذه

(1) أخرجه أحمد (4/ 169)، وأبو داود (514)، والترمذي (199)، وابن ماجة (717)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1377).

(2)

أخرجه أحمد (6/ 441)، والطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (5/ 239)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1551)، والصحيحة (1582).

(3)

أخرجه أحمد (1/ 22)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1554)، والصحيحة (1013).

ص: 568

القبيحة من بين القبائح. (حم ت هـ ك)(1) عن جابر) رمز المصنف لصحته.

2187 -

"إن أخوف ما أخاف على أمتي الإشراك الله، أما إني لست أقول: يعبدون شمسًا ولا قمرًا ولا وثنًا، ولكن أعمالا لغير الله، وشهوة خفية". (هـ حل) عن شداد بن أوس.

(إن أخوف ما أخاف على أمتي الإشراك الله) هو إذا أطلق تبادر منه عبادة غير الله ولكنه صلى الله عليه وسلم أراد غير ذلك، فقال:(أما إني لست أقول تعبدون شمسًا ولا قمرًا ولا) غيرهما من الأوثان. (ولكن) تعملون (أعمالًا) من الطاعات. (لغير الله) فتشركون بالرياء وقد ثبت تسميته شركًا في عدة من الأحاديث، وفي قوله تعالى في قصة آدم وحواء:{جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [الأعراف: 190] فإنه تعالى سمى معصية تسمية ولدهما عبد الحارث، كما ورد به الحديث في تفسير الآية شركاء، وتكلف الزمخشري (2) ومن تبعه في الآية بجعل الضمير في جعلا لأولاد آدم، ولا ملجى إلا ما يخيله: هو قبح إطلاق لفظ الشرك على ذلك فليس ذلك بوجه. (وشهوة خفية) قد تقدم في: "احذروا" إن الشهوة الخفية محبة العالم أن يقعد إليه وقيل الشهوة الخفية: حب العبد اطلاع الناس على عمله. (هـ حل)(3) عن شداد بن أوس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف داود والحسن بن ذكوان.

2188 -

"إن أدنى أهل الجنّة منزلة لمن ينظر إلى جنانه، وأزواجه، ونعمه، وخدمه، وسرره ومسيرة ألف سنة، وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه الكريم غدوة وعشية". (ت) عن ابن عمر.

(1) أخرجه أحمد (3/ 382)، والترمذي (1457)، وابن ماجة (2563)، والحاكم (4/ 37)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1552).

(2)

الكشاف (1/ 440).

(3)

أخرجه ابن ماجة (4205)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 268)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1378).

ص: 569

(إن أدنى أهل الجنّة منزلة) زاد في رواية: "وليس فيهم دني" أي أحقرهم منزلة من الدون وهو الشيء الحقير.

(لم ينظر إلى جنانه) جمع جنة وهو البستان. (ونعمه) جمع نعمة وهو تعميم بعد التخصيص كما أن قوله: (وخدمه) تخصيص بعد التعميم (وأزواجه، ونعمه، وسرره) جمع سرير (مسيرة ألف سنة) قد ثبت أن نعيم الجنّة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال، فلا يقال كيف يدرك نظر الإنسان هذا المقدار؟ ويدرك بحدقته هذه المسافة؟ إن أريد أنه ينظر إليه حقيقة ويشاهده كما هو الظاهر إذ به تتم النعمة وإن أريد من شأنه إن ينظر إليه فلا إشكال. (وأكرمهم) أي أهل الجنة. (على الله من ينظر إلى وجهه غدوة) كل غدوة (وعُشية) ليس في الجنّة غداة ولا عشية إنّما المراد مقدار غداة الدنيا وعشيها من الساعات.

فإن قلت: قد تقدم: "إن أدنى أهل الجنّة الذي له ثمانون ألف خادم" الحديث يعارض هذا؟

قلت: لا يعارضه لأن هنا أجمل الخدم والزوجات وغيرهما وبيّن قدر المسافة بذلك فيحمل أنها مسافة تلك المذكورات وأن القبة التي تنصب ما بين الجابية وصنعاء كما في ذلك الحديث هي من جملة هذه المسافة، ويحتمل أن ذلك أدنى أهل الجنّة منزلًا، وأما الحديث الآتي:"إن أدنى أهل الجنّة منزلًا لرجل له دار من لؤلؤة واحدة" يأتي كيف تلفيقه مع هذه الأحاديث؟

قلت: هذا أدناهم منزلًا لا منزلة وإن كان الدنو أمر نسبي. (ت)(1) عن ابن عمر) في الترمذي ثم قرأ رسول صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23] قال الترمذي: هذا حديث غريب.

2189 -

"إن أدنى أهل الجنّة منزلًا لرجل له دار من لؤلؤة واحدة، منها غرفها

(1) أخرجه الترمذي (2553، 3330)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1382)، والضعيفة (1985).

ص: 570

وأبوابها". هناد عن عبيد الله بن عمير مرسلًا.

(إن أدنى أهل الجنة منزلًا) مستقرًا ودارًا (لرجل له دار من لؤلؤة واحدة منها غرفها وأبوابها) لم يذكر مسافته ولا ما فيه من النعم فيحتمل أنه كالأول في سائر نعمه وأن مسافة هذه الدار كمسافة ما لذلك من النعم أو أنه هو وهذا بيان لداره وأصلها (هناد)(1) بفتح الهاء وتشديد النون آخره مهملة هو ابن السري الحافظ القدوة الزاهد شيخ الكوفة، أخذ عن جماعة وحدث عنه خلائق، قال النسائي: ثقة وكان ذا عبادة، له مصنف في الزهد كبير مات سنة 243 وكان يقال له: زاهد الكوفة (2)(عن عبيد بن عمير) مصغران (مرسلًا) وهو الليثي قاضي مكة.

2190 -

"إن أرحم ما يكون الله بالعبد إذا وضع في حفرته". (فر) عن أنس.

(إن أرحم ما يكون الله بالعبد إذا وضع في حفرته) لأنّه أحوج ما يكون إلى الرحمة في تلك الحال ليس له حبيب ولا صديق فهو غريب الدار بعيد عن الزوار منقطع عن كل عمل خارج عن كل أمل تقسم أمواله وينساه أهله وعياله، فيا أرحم الراحمين ارحم غربتنا في اللحود حين ينسانا كل ودود وينشد لسان الحال:

أصبحت بقعر حفرتي مرتهنا

لا أملك من دنياي إلا الكفنا

يا من وسعت عباده رحمته

من بعض عبادك المساكين أنا (3)

(فر)(4) عن أنس) بإسناد ضعيف.

2191 -

"إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق من ثمر الجنّة". (ت) عن كعب بن مالك).

(1) أخرجه هناد في الزهد (126)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1380)، والضعيفة (2976).

(2)

انظر لترجمته: سير أعلام النبلاء (11/ 465)، ومقدمة كتابه "الزهد"(1/ 9).

(3)

الأبيات نسبها ابن العماد في الشذرات (5/ 248) إلى جمال الدين بن مطروح (592 - 649)، وانظر: وفيات الأعيان (6/ 266).

(4)

أخرجه الديلمي في الفردوس (823)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1383)، والضعيفة (2152) موضوع.

ص: 571

(إن أرواح الشهداء في طير) تقدم أنه يقع على الجمع والواحد ووصفه بقوله:

(خضر) يشعر أنه جمع (تعلق من ثمر الجنّة) بفتح المثناة الفوقية وسكون العين المهملة وضم اللام أي تأكل وهو في الأصل للإبل إذا أكلت العضاة، يقال: علقت تعلق علوقًا فنقل إلى الطير، قال ابن رجب في كتاب أهوال القبور (1): وهذا قد يتوهم منه أنها على هيئة الطير وشكله وأنه وقعه فإن روح الإنسان إنّما هو على صورته ومثاله وشكله انتهى، قال القاضي عياض (2): قال بعض متقدمي العلماء: إن الروح جسم لطيف مصور على صورة الإنسان داخل الجسم، وقيل أراد بقوله:"إن أرواحهم في طير خضر" أن الروح الإنسانية المتميزة المخصوصة بالإدراكات بعد مفارقة البدن يهيأ لها طير خضر فتنقل إلى جوفه ليعلق ذلك الطير من ثمر الجنّة فتجد الروح بواسطته ريح الجنّة ولذتها والبهجة والسرور ولعل الروح يحصل لها بتلك الهيئة إذا تشكلت وتمثلت بأمره تعالى طيرًا أخضر كتمثل الملك بشرًا وعلى آية حال كانت فالتسليم واجب علينا لورود البيان الواضح كتابًا وسنة ولا سبيل إلى خلافه، وهذا صريح كما قال ابن القيم في (3) دخول الأرواح الجنّة قبل القيامة، ومفهوم الحديث: إن أرواح غير الشهداء ليست كذلك لكن روى الحكيم إنّما نَسَم المؤمن طائر يعلق في شجر الجنّة حتى يرفعه الله يوم القيامة إلى جسده، قال الحكيم: وليس هذا لأهل التخليط فيما نعلمه إنّما هو للصديقين.

(ت)(4) عن كعب بن مالك) رجاله رجال الصحيح.

(1) أهوال القبور (بص 177).

(2)

انظر: كمال المعلم لفوائد مسلم لقاضي عياض (6/ 308)، وشرح مسلم للنووي (13/ 32)، والديباج شرح صحيح مسلم للسيوطي (4/ 484).

(3)

حادي الأرواح (ص 17).

(4)

أخرجه الترمذي (1641)، وابن ماجة (1449)، وأحمد (6/ 386)، وصححه الألباني في =

ص: 572

2192 -

"إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنّة". (فر) عن أبي هريرة.

(إن أرواح المؤمنين) يحتمل إنه عام للشهداء وغيرهم وأن تلك الطيور في الجملة (في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنّة) إلا أنه قد ثبت في الحديث أن تلك الطيور تأوي إلى قناديل من ذهب مدللة في ظل العرش فيحتمل أن المراد بالمؤمنين ما عدا الشهداء فيكون مخصصًا.

واعلم أنه: قد اختلف الناس في مستقر الأرواح بعد الموت على عشرة أقوال كما ذكره ابن القيم في كتاب الروح (1)، وعقد لها مسألة وسرد أدلة كل قول بما لا يتسع له هنا ولكن ننقل خلاصة ما قاله من القول الراجح؛ فإنه قال: فإن قيل: فقد أكثرتم من أقوال الناس في مستقر الأرواح ومأخذهم فما هو الراجح من هذه الأقوال حتى يعتقد؟ قيل: الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى وهي أرواح الأنبياء، وهم متفاوتون كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، ومنها أرواح في حواصل طير خضر تسرح في الجنّة حيث شاءت وهي أرواح بعض الشهداء لا جميعهم بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنّة لدين أو نحوه، كما في المسند عن محمَّد بن عبد الله بن جحش أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما لي إذا قتلت في سبيل الله؟ قال: "الجنّة"، ثم ولى ثم قال:"إلا الدين، سارني به جبريل آنفًا"(2) فمنهم من يكون محبوسًا على باب الجنّة كما في الحديث الآخر: "ذلك صاحبكم محبوسًا على باب الجنّة" ومنهم من يكون محبوسًا في قبره كما

= صحيح الجامع (1559)، والصحيحة (995).

(1)

الروح (29 - 32).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 139)، (350).

ص: 573

في حديث: صاحب الشملة التي غلها ثم استشهد فقال الناس هنيئًا له الجنّة فقال صلى الله عليه وسلم: "كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلها لتشتعل عليه نارًا في قبره"(1) ومنهم من يكون مقره بباب الجنّة كحديث بن عباس: "الشهداء على بارق نهر الجنّة بباب الجنّة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنّة بكرة وعشيًا"(2) رواه أحمد، وهذا بخلاف جعفر بن أبي طالب حيث أبدله الله جناحين يطير بهما في الجنّة حيث شاء، ثم قال: فليس للأرواح سعيدها وشقيها مستقر واحد بل روح في أعلى علييين وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض وأنت إذا تأملت السير والآثار في هذا الباب وكان لك فضل اعتناء عرفت ذلك ولا تظنن أن بين الآثار الصحيحة تعارضًا في هذا الباب؛ فإنها كلها حق يوثق بعضها بعضًا، لكن الشأن في فهمها ومعرفة النفس وأحكامها؛ لأن لها شأنًا غير شأن البدن لأنها في كونها في الجنّة وهي في السماء وتتصل بفناء القبر وبالبدن وهي أسرع شيء حركة وانتقالًا وصعودًا وهبوطًا انتهى كلامه. وقد قدمنا في أول الشرح كلامًا في الأرواح إذا عطفت إلى ما هنا ازددت بصيرة وبعد هذا تعرف أن حديث الكتاب ليس من العام المراد به الخاص ولا المخصوص.

(فر)(3) وإن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف أبي مقاتل وأبي سهيل وغيرهما.

2193 -

"إن أزواج أهل الجنّة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط". (طس) عن ابن عمر.

(1) أخرجه البخاريّ (3074)، وأبو داود (2711)، والنَّسائيّ (7/ 24) وغيرهم.

(2)

أخرجه أحمد (1/ 266).

(3)

أخرجه الديلمي في الفردوس (913)، انظر مجمع الزوائد (10/ 419)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1384)، والضعيفة (2151): موضوع.

ص: 574

(إن أزواج) جمع زوج يعم الحور العين وغيرهن من مؤمنات الآدميين. (ليغنين أزواجهن) جمع زوج. (بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط) أي في دار الدنيا وتمام الحديث: "وإن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام". (طس)(1) عن ابن عمر) سكت عليه المصنف، ورجال إسناده ثقات وورد في غناء أهل الجنّة أحاديث أخر اشتمل عليها حادي الأرواح.

2194 -

"إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون". (حم م) عن ابن مسعود (صح).

(إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة) أي من الإِسلام وإلا فالكفار أشد عذابًا. ويحتمل أن يراد (المصورون) من أهل الكفر، وفي رواية لمسلم:"إن من أشد" وتقدم الكلام فيه مرارًا. (حم م)(2) عن ابن مسعود).

2195 -

"أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل باع آخرته بدنيا غيره". (تخ) عن أبي أمامة (صح).

(إن أشد الناس) أي: من أشدهم. (ندامة رجل باع آخرته) استبدلها. (بدنيا غيره) ينالها غيره، وذلك لأنّه خسر الدنيا والآخرة، والناس ثلاثة: رجل باع الدنيا بالآخرة فهو أسعد الناس في الدارين، وبائع دينه بدنيا يحويها لنفسه فقد خسر الآخرة دون الدنيا، وبائع دينه بدنيا يحويها غيره فهو أشقى الأشقياء خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين، وأعظمهم أقوام يسفكون الدم الحرام ليتم الملك للجائر الظالم وأحسن من قال (3):

وأعجب من هذين من باع دينه

بدنيا سواه فهو من دين أخيب

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (4917)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1561).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 375)، والبخاري (5950)، ومسلم (2109).

(3)

أورده الرافعي في التدوين (3/ 167) في ترجمة عبد الرحيم بن إبراهيم بن يوسف.

ص: 575

(تخ)(1) عن أبي أمامة) رمز المصنف لصحته.

2196 -

"أشد الناس تصديقا للناس أصدقهم حديثا، وإن أشد الناس تكذيبا أكذبهم حديثًا". أبو الحسن القزويني في أماليه عن أبي أمامة.

(إن أشد الناس تصديقًا للناس) في أخبارهم. (أصدقهم حديثًا) وذلك أنه يحمل أخبار الناس على ما يأتي به هو من الأخبار فتحريه للصدق جره إلى حسن الظن فالصدق في الأخبار سبب لأشرف الخلال (وإن أشد الناس تكذيبًا أكذبهم حديثًا) جره كذبه وما اعتاده من قبيح الخلال إلى أقبح منه وقد يؤول به إلى تكذيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (أبو الحسن القزويني (2) في أماليه عن أبي أمامة).

2197 -

"إن أطيب طعامكم ما مسته النار". (ع طب) والضياء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما.

(إن أطيب طعامكم) أشهاه وألذه وأكثره نفعًا وأقله ضرارًا. (ما مسته النار) باشرته وذلك أنها تذهب عفونيته وتكمل إنضاجه وهذا من الطب النبوي وقد اتفق الأطباء على ذلك وهو إرشاد إلى حفظ الصحة البدنية. (ع طب) والضياء (3) عن الحسن بن علي) رضي الله عنهما.

2198 -

"إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان عليهم لم يعسروا". (هب) عن معاذ (ض).

(إن أطيب الكسب كسب التجار) لكن لا مطلقًا بل الموصوفين بأنهم.

(1) أخرجه البخاريّ في التاريخ (6/ 128)(1927)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1388).

(2)

أخرجه أبو الحسن القزويني في أماليه كما في الكنز (6854)، وانظر فيض القدير (2/ 424)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1387)، والضعيفة (2978): موضوع.

(3)

أخرجه أبو يعلى (6740)، والطبراني في الكبير 3/ 86 (2742)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 252) وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1391).

ص: 576

(الذين إذا حدثوا) في كل كلامهم أو في تجاراتهم. (لم يكذبوا وإذا ائتمنوا) من الأمانة. (لم يخونوا أماناتهم وإذا وعدوًا) بأي أمر (لم يخلفوا الميعاد وإذا اشتروا لم يذموا) السلعة لينتقصوا قيمتها. (وإذا باعوا سلعهم لم يطروا) من الإطراء المبالغة في المدح. (وإذا كان عليهم) دين لغيرهم (لم يمطلوا) من له الحق (وإذا كان لهم) دين على الغير. (لم يعسروا) على الغريم في القضاء فإنه قد سلف هذا المعنى مرارًا فمن كانت هذه صفات تجارته فهو أطيب الناس كسبًا. (هب)(1) عن معاذ) وإسناده ضعيف.

2199 -

"إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم". (تخ ت ك هـ) عن عائشة (صح).

(إن أطيب ما أكلتم من كسبكم) كأن المراد بأطيبه بركته والأجر عليه وصلاح القلب به (وإن أولادكم من كسبكم) فكل مما يأتي منهم داخل في أطيبه ما أكلتم. (تخ ت ك هـ)(2) بإسناد حسنه الترمذي وصححه أبو حاتم.

2200 -

"إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد -بعد الكبائر التي نهى الله عنها- أن يموت الرجل وعليه دين له قضاء"(حم د) عن أبي موسى (صح).

(إن أعظم الذنوب عند الله) أي عقوبة. (أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت) ومات ولم يتب عنها. (وعليه) أي للعبد (دين) لا يدع. (له قضاء) كأن المراد به من استدان ولم ينو القضاء وإلا فقد ورد أن من استدان دينًا ونيته قضاؤه ومات قضاه الله عنه، ويحتمل أنه وإن قضاه الله عنه فلابد من أن

(1) أخرجه البيهقي في الشعب (4854)، وأورده ابن أبي حاتم في العلل (1151)، وقال: قال أبي: هذا حديث باطل، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1390)، وقال في الضعيفة (2404): ضعيف جدًا.

(2)

أخرجه البخاريّ في التاريخ (458)، والترمذي (1358)، وابن ماجة (2290)، والنَّسائيّ (7/

)، وأحمد (6/ 162)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1566).

ص: 577

يلقى فيه عقوبة، وهو تحذير عن عدم قضاء الدين. (حم د)(1) عن أبي موسى) وإسناده جيد، والمصنف رمز لصحته.

2201 -

"إن أعظم الناس خطايا يوم القيامة أكثرهم خوضًا في الباطل". ابن أبي الدنيا في الصمت عن قتادة مرسلًا.

(إن أعظم الناس خطايا) ذنوبًا. (أكثرهم خوضًا في الباطل) في النهاية (2) أصل الخوض المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التلبس بالأمر والتصرف فيه انتهى، وإنما كان أعظم الخطايا؛ لأن المشارفة في الباطل قبل الدخول فيه فيها أكثر الإثم فكيف الخوض فيه؟ (ابن أبي الدنيا في الصمت)(3) في كتابه فيه (عن قتادة) بن دعامة (مرسلًا).

2202 -

"إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس". (حم د) عن أسامة بن زيد (صح).

(إن أعمال العباد) عام للصالحة والطالحة. (تعرض) أي على الله تعالى أي يعرض عمل الجمعة والسبت والأحد. (يوم الاثنين) ويعرض عمل الثلاثاء والأربعاء. (يوم الخميس) وأما عمل اليومين فيحتمل أنه يعرض في يومه ذلك ويحتمل أن الأعمال كلها تعرض في كل اثنين وخميس والأول أقرب. (حم د)(4) عن أسامة بن زيد) بإسناد حسن، ورمز المصنف لصحته، وتقدم سبب الحديث وأنه كان صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم هذين اليومين فسأله عن ذلك أسامة فذكره.

2203 -

"إن أعمال بني آدم تعرض على الله عشية كل خميس وليلة الجمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم". (حم خد) عن أبي هريرة (صح) ".

(1) أخرجه أحمد (4/ 392)، وأبو داود (3342)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1392).

(2)

النهاية: (2/ 178).

(3)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (74)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1393).

(4)

أخرجه أحمد (5/ 200)، وأبو داود (2436)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1570).

ص: 578

(إن أعمال بني آدم) أي المؤمنين منهم كما يدل له آخر الحديث. (تعرض على الله عشية كل خميس وليلة الجمعة) بدل من عشية زيادة في الإيضاح وهو تنصيص على وقت أحد اليومين، فلا ينافي ما سبقه من ذكر العرض في اليومين ويحتمل أنه خصص ليلة الجمعة ليقيد قوله:(فلا يقبل عمل قاطع رحم) أن عدم القبول خاص بهذه الليلة، وفي هذا دليل أن المراد أعمال المؤمنين إذ القبول خاص بأعمالهم، وقد سبق أنه لا يقبل عمل المتشاحنين بل يؤخر حتى يصطلحا. (حم خد)(1) عن أبي هريرة)، رمز المصنف لصحته.

2204 -

"إن أغبط الناس عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من الصلاة، وأحسن عبادة ربه، وأطاعه في السر، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافًا فصبر على ذلك عجلت منيته، وقلت بواكيه، وقل تراثه". (حم ت هـ ك) عن أبي أمامة (صح).

(إن أغبط الناس) تقدم الحديث بألفاظه، إلا اليسير في أغبط الناس وتقدم الكلام عليه (عندي لمؤمن خفيف الحاذ) بحاء مهملة وذال معجمة مخففة: أي قليل المال خفيف الظهر من العيال.

إن قلت: هو يعارض حديث: "تناكحوا تكاثروا" ونحوه.

قلت: هذا محمول على من يخاف من النكاح التورط فيما لا يحل له، أو أن هذا في بعض الأزمنة وهي أزمنة الفتن ونحوها كما جاء التحريض قصدا لما يبنى على الغربة، وأما من قال أن هذا الحديث ناسخ لأحاديث الحث على النكاح فلا يتم لجهل التاريخ.

(ذو حظ من الصلاة) أي النافلة إذ الفرض لا بد منه (أحسن عبادة ربه)

(1) أخرجه أحمد (2/ 483)، والبخاري في الأدب المفرد (61)، والتاريخ (322)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1395).

ص: 579

(وأطاعه في السر) وبالأولى في العلن (وكان غامضًا في الناس) مغمورًا فيهم غير مشهور لا يشار إليه بالأصابع هو بيان لمعنى غامضًا. (وكان رزقه كفافًا) بقدر كفايته لا يزيد فيطغيه ولا ينقص فيلهيه (فصبر على ذلك) على ما ذكر من الصفات فكلها تفتقر إلى الصبر. (عجلت منيته) إذ في طول الأعمار خشية الفتنة (وقلت بواكيه) إذ لا أهل له (وقل تراثه) إذا لا مال له (حم ت هـ ك)(1) عن أبي أمامة) وعنه رواه فيما سلف والمخرجون هم هؤلاء إلا أن البيهقي في الشعب هنالك عوض عن ابن ماجه هنا، ورمز المصنف لصحته إلا أنه ضعفه ابن القطان والذهبي ببعض رواته.

2205 -

"إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها". (حم ك) عن رجل (صح).

(إن أفضل الضحايا) جمع ضحية وهي الشاة يضحي بها أي تذبح ضحى (أغلاها) بالغين المعجمة أي أرفعها قيمة. (وأسمنها) أكثرها سمنًا والمراد من أفضليتها أكثرية ثوابها (حم ك)(2) عن رجل) رمز المصنف لصحته.

2206 -

"إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله". (طب) عن بلال.

(إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل الله) تقدم الكلام عليه في: "أفضل الأعمال". (طب)(3) عن بلال) مؤذنه صلى الله عليه وسلم.

2207 -

"إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون". (طب) عن عمران بن حصين.

(1) أخرجه أحمد (5/ 255)، والترمذي (2347)، وابن ماجة (4117)، والحاكم (4/ 123)، والبيهقي في الشعب (10351)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1397).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 424)، والحاكم (4/ 231)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1398)، والضعيفة (1678).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (1/ 353) رقم (1076)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1400)، والضعيفة (2979).

ص: 580

(إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون) جمع حماد فعال مبالغة حامد أي كثير الحمد لله تعالى إذ من حمده كثيرًا فقد عرف صفات كماله واعترف له بنعمه. (طب)(1) عن عمران بن حصين).

2208 -

"إن أفواهكم طرق القرآن، فطيبوها بالسواك". أبو نعيم في كتاب السواك والسجزي في الإنابة عن علي.

(إن أفواهكم) أيها الحفاظ لكتاب الله وقراؤه. (طرق القرآن) يتلونه بها. (فطيبوها بالسواك) أي نظفوها به فإنه مطهرة للفم مرضاة للرب، وفيه ندبية السواك لأجل التلاوة، وقد ثبت بفعله صلى الله عليه وسلم كما ثبت هنا بقوله فكان يستاك لأجل التلاوة، وقد ورد أن الملك يضع فاه على فم التالي فيتأذى بالرائحة الكريهة فلا يقرب من لا يستاك، فيحرم التارك قرب الملك منه. (أبو نعيم في كتاب السواك، والسجزي في الإبانة (2) عن علي) بأسانيد ضعيفة.

2209 -

"إن أقل ساكني الجنّة النساء". (حم م) عن رجل (صح) ".

(إن أقل ساكني الجنّة النساء) هو تصريح بمفهوم: "اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها السودان والنساء" وعلله بأنهن: "يكثرن اللعن ويكفرن العشير". (حم م)(3) عن عمران بن حصين).

2210 -

"إن أكبر الإثم أن يضيع الرجل من يقوت". (طب) عن ابن عمرو.

(إن أكبر) بالباء الموحدة. (الإثم) أي من أكبره. (أن يضيع الرجل من

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 124) رقم (254)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1571)، والصحيحة (1584).

(2)

أخرجه ابن ماجة (291)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 296)، والسجزي كما في الكنز (2751)، وذكره ابن دقيق العيد في الإِمام:(1/ 317)، وانظر: البدر المنير (2/ 50)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1401)، والضعيفة (2275): ضعيف جدًا.

(3)

أخرجه أحمد (4/ 427، 443)، ومسلم (2738).

ص: 581

يقوت) بضم أوله وتشديد الواو في النهاية (1): من تلزمه نفقته من أهله وعياله. (طب)(2) عن ابن عمرو).

2211 -

"إن أكثر الناس شبعًا في الدنيا أطول الناس جوعًا يوم القيامة". (ك) عن سلمان (صح).

(إن أكثر) بالمثلثة. (الناس شبعًا في الدنيا أطول الناس جوعًا يوم القيامة) لأنّه يكثر أكله فيكثر شربه فيكثر نومه فتفوته الأعمال الصالحة فيخسر الآخرة (ك)(3) عن سلمان) رمز المصنف لصحته وقيل: إن إسناده لين.

2212 -

"إن أكثر شهداء أمتي لأصحاب الفراش، ورب قتيل بين الصفين، والله أعلم بنيته". (حم) عن ابن مسعود.

(إن أكثر) بالمثلثة أيضًا (شهداء أمتي لأصحاب الفرش) الذين يموتون على فرشهم كصاحب الطاعون والمبطون والغريق والمرأة تموت فجمع، فهؤلاء قد ثبت أنهم شهداء وقد عبد العلامة الأشخري في شرح البهجة نحوًا من أربعين نفسًا جاءت الأحاديث بأنهم شهداء ممن لا يقتل هذا إن أريد بالموت على الفراش مقابل من يموت بالقتل فيدخل الغريق ويحتمل أنه أريد بمن يموت على الفراش الحقيقة وأن المراد من مات ونيته الجهاد وهو عازم عليه وهو الذي يرشد إليه قوله:(ورب قتيل بين صفين) صفي القتال صف المؤمنين وصف عدوهم (الله أعلم بنيته) هل أراد بجهاده لتكون كلمة الله هي العليا فيكون شهيدًا، أم أراد غير ذلك فلا يكون شهيدًا ففيه أنه لا يجزم بالشهادة لقتيل

(1) النهاية (4/ 195).

(2)

أخرجها الطبراني في الكبير (12/ 382) رقم (13414)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1402).

(3)

أخرجه الحاكم (4/ 121)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1179).

ص: 582

في سبيل الله لأن النيات لا يعلمها إلا الله تعالى. (حم)(1) عن ابن مسعود) بإسناد رجاله ثقات إلا ابن لهيعة.

2213 -

"إن أمامكم عقبة كؤود لا يجوزها المثقلون". (ك هب) عن أبي الدرداء (صح).

(إن أمامكم) بفتح الهمزة قدامكم وفي رواية: وراءكم (عقبة) جبل يصعدون فيه (كؤودًا) شاقة كنى بها عن مشاق ما يلقونه من أهوال المحشر والمنشر والبرزخ ويحتمل الحقيقة وأنه أريد بها ما ذكر من قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)} [المدثر: 17]} الآية، ففي كتب التفسير أنه صلى الله عليه وسلم قال:"يكلف العبد أن يصعد عقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت" وللمفسرين للآية قولان: أحدهما أنه مثل لما يلقى من العذاب الشاق وثانيها أنها حقيقة والحديث يؤيد الثاني. (لا يجوزها) بالجيم والزاي يقطعها من جاز المكان سار فيه وخلفه كما في القاموس.

(المثقلون) جمع مثقل اسم فاعل من أثقل إذا حمل فوق طاقته أي الذين أثقلتهم الخطايا ويحتمل أنه كناية عن عدم تسهيل السير لهم وأن المذنب لا يستطيع المشي في الآخرة، وحملها على ظهره كما ثبت تمثيل ماله بالشجاع الأقرع ونحوه وقد ورد في آيات في الكتاب العزيز صفة الحمل للأوزار هذا ويحتمل أنه جمع مثقَل اسم مفعول من أثقل أيضًا، والمراد بهم وهم الذين حملتهم الشهوات والشياطين الذنوب صاروا مثقلين وقد ضبطه به في نسخة صحيحة. (ك هب)(2) عن أبي الدرداء)، رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي.

(1) أخرجه أحمد (1/ 397)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1404)، والضعيفة (2988).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 574)، والبيهقي في الشعب (10408)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2001)، والصحيحة (2480).

ص: 583

2214 -

"إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". (ق) عن أبي هريرة (صح).

(إن أمتي) الذين تابعوه (يدعون يوم القيامة غرًا محجلين) تقدم تفسيرهما في حديث: "أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء" فيكون قوله:

(من آثار الوضوء) متعلقًا بمحجلين لما تقدم من أنها أي الغرة من السجود إلا أن هذا الحديث يدل أنهما من الوضوء لقوله فيه: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) ولا مانع من تعدد الأسباب بمسبب واحد والواو في الوضوء مضمومة أي الفعل وجوز ابن دقيق العيد فتحها على إرادة الماء (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) بإدخال بعض الرأس في الغسل (فليفعل) أي فليطل الغرة والتحجيل بأن يجاوز المرفقين والكعبين واقتصر على أحد الأمرين لدلالته على الآخر مثل {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي والبرد واقتصر على الغرة وهي مؤنث وأثرها على التحجيل وهو مذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء وأول ما يقع عليه النظر.

وقال ابن بطال (1): كنى أبو هريرة بالغرة عن التحجيل؛ لأنّه الوجه لا سبيل إلى الزيادة في غسله ورد عليه بأنه يستلزم قلب اللغة وما نفاه ممنوع لأن الإطالة ممكنة في الوجه بالغسل إلى صفحة العنق مثلًا وبإدخال جزء من الرأس وقد اختلف في قدر التحجيل فقيل إلى المنكب والركبة، وقد ثبت عن أبي هريرة رواية وفعلًا وعن ابن عمر من فعله، وقيل: إلى نصف العضد والساق وقيل إلى فوق ذلك، وقالت المالكية: لا يستحب ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "فقد أساء وظلم" وقد دفع هذا بأن رواية مسلم صريحة في الاستحباب فلا تعارض بالاحتمال ودعوى اتفاق العلماء على خلاف مذهب أبي هريرة مدفوع بما نقلناه عن ابن عمر، وقد

(1) فتح الباري (1/ 236).

ص: 584

صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية، وأما تأويلهم الإطالة بالمداومة على الوضوء فاعترض بأن الراوي أعرف بما روى كيفيته وقد صرح برفعه إلى الشارع هذا وقد استدل الحليمي بالحديث بأن الوضوء من خصائص الأمة ورد بأنه قد ثبت في قصة سارة مع الملك الذي أعطاها هاجر أن الملك لما هم بالدنو منها قامت توضأ، وتصلي وفي قصة جريج الراهب أنه قام فتوضأ وصلى وكلمه الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء. (ق)(1) عن أبي هريرة).

2215 -

"إن أمتي لن تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافًا فعليكم بالسواد الأعظم". (هـ) عن أنس.

(إن أمتي لن تجتمع) في قول ولا فعل ولا ترك (على ضلالة) هي ضد الهدى والأصل فيها الكفر أي لن تجتمع على الكفر وفيه أحاديث بمعناه (فإذا رأيتم اختلافًا) فيه ما يدل أنه أريد بالضلالة غير الكفر ولذا حمله الأصوليون على أن المراد بالأمة المجتهدون وجعلوه من أدلة الإجماع إلا أنه اعترض بأنه لا يلزم من عدم إجماعهم على ضلالة أن لا يجمعوا إلى على الحق لجواز أن يجمعوا على الخطأ وليس بضلالة ولا حق (فعليكم بالسواد الأعظم) إرشاد إلى أنه إذا وقع اختلاف فالنجاة فيما عليه أكثر أهل الإيمان، وفيه إشعار بأن المراد اختلافهم في الإمارة وتعدد من يطلبها وأن النجاة في متابعة الأكثر فهو كحديث:"يد الله مع الجماعة من شذ شذ في النار"(2). (هـ)(3) عن أنس) وفي إسناده لين.

2216 -

"إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربًا". (طب) عن ابن عباس.

(1) أخرجه البخاريّ (136)، ومسلم (246).

(2)

أخرجه الترمذي (2167).

(3)

أخرجه ابن ماجة (3950)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1815)، والضعيفة (2896).

ص: 585

(إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربًا) لطريق الحق والهدى (حتى يتكلموا في الولدان) يحتمل أنه كناية عن اللواط أي يتكلمون في استحسانهم ونحوه أو يتكلمون في أولاد المشركين هل هم في النار أو في الجنّة وقال ابن حبان (1): الولدان أطفال المشركين فهو يؤيد الثاني، (والقدر) تقدم الكلام فيه غير مرة. (طب)(2) عن بن عباس)، سكت عليه المصنف، ورجاله رجال الصحيح.

2217 -

"إن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وأن حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس". (خط) عن ابن عمر.

(إن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) تقدم الكلام عليه في: "أرأف أمتي" في الهمزة مع الراء (وأن حبر) بفتح الحاء المهملة وقد تكسر والباء الموحدة فراء: هو العالم والصالح (هذه الأمة) في دينها (عبد الله بن العباس) وهذا الحديث من أعلام النبوة فإنه إخبار بالغيب إذ عبد الله كان عند وفاته صلى الله عليه وسلم في ثلاث عشرة سنة أو عشر ثم كان عالم الأمة وحبرها، وأعطي من العلم ما لم ينله أحد غيره، وذلك بسبب دعائه صلى الله عليه وسلم له حيث قال:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"(3) وهو في صحيح البخاريّ وأخرجه غيره بألفاظ متقاربة، وقد صدقت الدعوة النبوية واشتهر علمه وسار في الآفاق ذكره، وكانت أكابر الصحابة تعترف له بذلك، وكان عمر يدخله في أكابر الصحابة ويعظمه ويسأله عن تفسير القرآن، وأخرج صاحب الصفوة أنه كان يقول عمر: وإنك لأصبح فتا فينا وجهًا وأحسنهم عقلًا، وأفهمهم في كتاب الله، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، وعن طاووس قال: أدركت نحو خمسمائة من

(1) الإحسان (صحيح ابن حبان)(15/ 118).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 162) رقم (12764)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2003)، والصحيحة (1675).

(3)

أخرجه البخاريّ (143)، ومسلم (2477).

ص: 586

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ابن عباس شيئًا فخالفوه لا يزال يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله، وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث قلت: أعلم الناس، وعن أبي صالح قال: لقد رأيت لابن عباس محلًا، لو اجتمعت قريش وفخرت به، لكان لها فخرًا، رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاقت بهم الطرق، وما كان أحد يقدر على أن يجيء أو يذهب قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال: ضع لي وضوءًا، قال: فتوضأ وجلس وقال: اخرج إليهم فقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد الله فيه فليدخل قال: فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا ثم قال: اخرج من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن أو تأويله فليدخل، قال: فخرجت فناديتهم فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثل ما سألوا أو أكثر، ثم قال: إخوانكم: فخرجوا: فقال: اخرج من أراد أن يسأل عن العربية، والشعر، والغريب من الكلام فليدخل، قال: فقلت لهم: فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة فما يسألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، قال أبو صالح: فلو أن قريشًا كلها فخرت بذلك لكان لها فخرًا، ما رأيت مثل هذا لأحد من الناس" (1) وكانت وفاته رضي الله عنه عنه سنة 68، أيام ابن الزبير وهو ابن سبعين سنة وقيل: إحدى وسبعين، وصلى عليه ابن الحنفية، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة ودفن بالطائف (2). (خط)(3) عن ابن عمر)، سكت عليه المصنف،

(1) أخرجه الحاكم (3/ 538)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 321).

(2)

انظر لترجمته: أسد الغابة (1/ 630)، والإصابة (4/ 141).

(3)

أخرجه الخطيب في تاريخه (8/ 90)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1817)، والضعيفة (3165): ضعيف جدًا.

ص: 587

وهو ضعيف لضعف كوثر بن الحكيم قال الذهبي (1): إنه حديث باطل.

2218 -

"إن أناسًا من أمتي يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله". (ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن أناسًا من أمتي يأتون بعدي) بعد وفاتي. (يود أحدهم لو اشترى رؤيتي) محبة في الاكتحال بأنوار محياه (بأهله وماله) والمراد رؤيته لي، ويحتمل رؤيتي له بالإضافة إلى الفاعل أو المفعول، وجواب لو محذوف وهو يحذف كثيرًا مثل {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} [الرعد: 31] ونحوه. (ك)(2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته وَأقروه على ذلك.

2219 -

"إن إناسا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرأون القرآن، ويقولون: نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك؛ كما لا يجتني من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا". (هـ) عن ابن عباس.

(إن أناسًا من أمتي سيتفقهون في الدين ويقرأون القرآن) عطف خاص على عام إذ قراءته من التفقه في الدين، ويحتمل أنهما غيران (ويقولون نأتي الأمراء) نقصدهم للأخذ مما في أيديهم (فنصيب من دنياهم ونعتزل) عنهم (بديننا) فننال من حلواهم ونسلم [من] بلواهم. (ولا يكون ذلك) أي المذكور من الإصابة من دنياهم والاعتزال بالدين عنهم أي لا يجتمع الأمران. (كما لا يجتني من القتاد) وهو بزنة سحاب: شجر صلب شوكه كالإبر قاله القاموس (3).

(إلا الشوك كذلك لا يجتني من قربهم إلا الخطايا) والاعتزال بالدين لا يتم وأما النيل من الدنيا فمسكوت عنه لأن الأهم ذكر أنه لا يسلم دين من يقصد أن ينال من خير الأمراء ويسلم من شرهم كمن يقصد أن يجتني من القياد خيرًا فلا

(1) انظر: ميدان الاعتدال (3/ 416 - 417).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 85)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2008)، والصحيحة (1676).

(3)

انظر القاموس (1/ 325).

ص: 588

يجتني منه إلا الشوك لأنّه ليس فيه سواه، كذلك الأمراء ليس فيهم وفي القرب منهم إلا اكتساب الخطايا:

إن قلت: الأمراء قد يصيب من دنياهم بخلاف القتاد قلت: خير الدنيا الذي يناله بالنسبة إلى ما فوته من الدين لا يعد خيرًا قط وهذا الحديث من أعلام النبوة فقد جرب هذا ووقع ولا يكاد يفلح أحد من العلماء اتصل بالسلطان، ولهذا تجنب أعلام الهدى القرب منهم، ووقع في حبائلهم من وقع، والحكايات في النوعين كثيرة شهيرة، ولما اتصل ابن علية بالملوك، وولي القضاء، وكان معتزلًا لهم، عاتبه عبد الله بن المبارك، رحمه الله، وكان إمامًا في العلم، والزهد والورع بهذه الأبيات:

يا جاعل الدين له بازيا

يصيد أموال المساكين

احتلت للدنيا ولذاتها

بحيلة تذهب بالدين

وصرت مجنونًا بها بعدما

كنت دواء للمجانين

أين أحاديثك والقول

في فتح أبواب السلاطين

وأين رواياتك فيما مضى

عن ابن عون وابن سيرين

تقول أكرهت وماذا كز

زل حمار العلم في الطين (1)

والحكايات عديدة في الباب وكان يقول العلماء: كنا نتعلم تجنب أبواب السلطان كما نتعلم السورة من القرآن.

قلت: وكان لي تلميذ صالح تولى منصب القضاء فكتبت إليه أنصحه كما كتب بن المبارك إلى ابن علية أبياتًا وهي:

ذبحت نفسك لكن لا بسكين

كما رويناه عن طه وياسين (1)

ذبحت نفسك والسّون قد وردت

عليك ماذا ترجى بعد سين

ذبحت نفسك بالقضاء عليك وقد

كنا نعدك للدنيا وللدين

(1) عدلت الأبيات كما هي في بعض المصادر، وهي في الأصل تختلف قليلًا.

ص: 589

ومنها:

فإن تقل أكرهونا كان ذا كذبا

فنحن نعرف أحوال السلاطين

وإن تقل حاجة مست فريثما

فأين صبرك من حين إلى حين

قد شد خير الورى في بطنه حجرا

ولو أراد أتاه كل مخزون

والله وصّى به في الذكر في سُوَرٍ

كم في الحواميم بدأ والطواسين

هي أبيات تزيد على عشرين بيتًا فيها نصائح وإلمام بأحاديث. (هـ)(1) عن ابن عباس).

2220 -

"إن أناسًا من أهل الجنّة يطلعون على أناس من أهل النار ينظرون إليهم وهم فيها، يقولون: بم دخلتم النار؟ فيقولون: فوالله ما دخلنا الجنّة إلا بما تعلمنا منكم؟ فيقولون: كنا نقول ولا نفعل". (طب) عن الوليد بن عقبة.

(إن أناسًا من أهل الجنّة يطلعون على أناس من أهل النار ينظرون إليهم وهم فيها يقولون بم دخلتم النار؟) استفهام تعظيم عن دخولهم النار. (فوالله ما دخلنا الجنّة إلا بما تعلمنا منكم) من العلم والهدى. (فيقولون كنا نقول ولا نفعل){كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} [الصف: 3]، وفيه أن العلم والخير لا ينفع صاحبه إذا لم يعمل، وتقدم حديث الذي يلقى في النار ويجتمع عليه أهل النار ويسألونه فيم عذب، وفيه أن أهل الجنّة يخاطبون أهل النار ويعرفونهم وهو من زيادة العذاب عليهم ومن تمام نعيم أهل الجنّة. (طب)(2) عن الوليد بن عقبة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف أبي بكر الداهري.

2221 -

"إن أنواع البر نصف العبادة، والنصف الآخر الدعاء". ابن صصري في أماليه عن أنس.

(1) أخرجه ابن ماجة (255)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1818)، والضعيفة (1250).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 150) رقم (405)، وانظر قول الهيثمي في المجمع (7/ 276)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1819).

ص: 590

(إن أنواع البر) أفعال الخير. (نصف العبادة، والنصف الآخر الدعاء) فهو نصف أعمال العبادة وتقدم أنه أفضل العبادة. (ابن صصري في أماليه (1) عن أنس) بإسناد ضعيف.

2222 -

"إن أهل الجنّة يأكلون فيها، ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس". (حم م د) عن جابر (صح).

(إن أهل الجنّة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون) من أفواههم. (ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون) أي ليس فيها شيء من أوساخ الدنيا الناشئة عن المأكل والمشرب. (ولكن طعامهم ذلك جشاء) بالجيم والشين معجمة ممدود مهموز وهو تنفس المعدة كما في القاموس (2)(ورشح) بالراء مفتوحة وستين معجمة وحاء مهملة وهو العرق (كرشح المسك) المسك لا رشح له فالمراد كعرق المسك إلا أنه عبر عنه بالشرح مشاكلة، ويحتمل أنه نزل ما يذاق من المسك منزلة العرق له بجامع الإسالة. (يلهمون التسبيح) التنزيه لله تعالى (والتحميد) له الثناء عليه وهو استئناف بياني جواب سؤال مقدر كأنه قيل: إذا كانت لهم هذه النعمة التي لا تقادر قدرها ولا يطاق شكرها فهل يحمدون الله عليها فذكره: (كما تلهمون النفس) فيه أنهم يتلذذون به كما تتلذذون بالنفس الخارج من الفم.

إن قلت: النفس ليس بإلهام بل هو أمر طبيعي يصدر عن الطبيعة بغير اختيار ولا إلهام؟

(1) أخرجه أبو بكر الشافعي في الفوائد (8/ 2190)، وانظر فيض القدير (2/ 433)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1820)، وفي السلسلة الضعيفة (3166)، وقال في الهيثم بن جمار: وهو متروك: ضعيف جدًا.

(2)

القاموس المحيط (ص: 45).

ص: 591

قلت: عبر عنه بالإلهام مشاكلة، وفيه دليل على أن أهل الجنّة يفعلون فيها أعمال الخير من الذكر ونحوه، وفصلناه في محل آخر. (حم م د)(1) عن جابر).

2223 -

"إن أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف في الجنّة كما تراءون أنتم الكوكب في السماء". (حم ق) عن سهل ابن سعد) (صح).

(إن أهل الجنّة) أي الذين ليسوا من سكان أعلاها كما يفيده سياقه وما يأتي فهو من العام الذي يراد به الخاص. (ليتراءون أهل الغرف في الجنّة) جمع غرفة في القاموس (2) هي العلية والمراد بهم أهل الدرجات العلى من فوقهم. (كما تراءون) أنتم (الكوكب في السماء) ويأتي تقييده بالدري. (حم ق)(3) عن سهل بن سعد).

2224 -

"إن أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهما". (حم ق) عن أبي سعيد (ق) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن أهل الجنّة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون الكوكب الدري) مثلث المهملة، في النهاية (4): شديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر نسبتها بصفائه، وقال الفراء: الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار وقيل هو أحد الكواكب الخمسة السيارة. (الغابر) بالغين المعجمة وآخره راء من غار الماء إذا ذهب في الأرض والمراد به الذاهب. (ق) السماء المرتفع فيها جمع له بين الوصفين أفاده كونه جمع بين الإنارة الشديدة والارتفاع كذلك أهل الغرف اجتمع لهم السمو والظهور الكامل (من الشرق أو الغرب)، بيان محل

(1) أخرجه أحمد (3/ 364)، ومسلم (2835).

(2)

انظر القاموس (3/ 180).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 340)، والبخاري (6556)، ومسلم (2830).

(4)

انظر النهاية (2/ 113).

ص: 592

الكواكب (لتفاضل ما بينهم) علة الارتفاع (حم ق) عن أبي سعيد، (ق)(1) عن أبي هريرة).

2225 -

"إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء، وأبا بكر وعمر منهم وأنعما". (حم ت هـ حب) عن أبي سعيد (طب) عن جابر بن سمرة، ابن عساكر عن ابن عمر، (ق) عن أبي هريرة (صح).

(إن أهل الدرجات العلى) هو تصريح بأنه أريد بأهل الجنّة في الأولين بعد الخاص. (ليراهم) يرى ذواتهم (من هو أسفل منهم) محلًا (كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء) أي الدري ويحتمل أن أهل الغرف يتفاضلون منهم من يرى غرفة كالدري ومنهم كمطلق النجم (وإن أبا بكر وعمر منهم) أي من أهل الدرجات العلى ولعل الدرجات العلى هي المرادة من قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء: 69] الآية. وبقوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]. درجات منه (وأنعما) في قوت المغتدي قال في النهاية (2): زادًا وفضلًا، يقال أحسنت وأنعمت أي: زدت على الإنعام، وقيل: صارا إلى النعيم ودخلا فيه، كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال.

وسئل أبا سعيد ما أنعما؟ قال: وأهل ذلك هما، ومن طريق آخر قال: أتدري ما أنعما؟ قال: لا، قال: وحق لهما.

إن قلت: إما يتنغص نعيم من ليس من أهل الدرجات العلى برؤية ما فاز به غيره من الرفعة والعلو والجنة ليس فيهما تنغيص؟

(1) أخرجه أحمد (3/ 26)، والبخاري (3656)، ومسلم (2831).

(2)

انظر النهاية (5/ 83).

ص: 593

قلت: لا فإنه تعالى يلقي في قلوبهم القنوع بما أعطوا ويعلمون أنه أكثر مما يستحقونه ويعلمون أن أولئك أحق منهم بعلو المكان وأنهم لا يستحقون ما يستحقه أولئك من تلك المنازل، ويملأ الله قلوبهم بالرضا ليجعل رؤيتهم ما أعطي غيرهم لذة لهم.

إن قلت: قد قال تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57]{وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71] فلو اشتهى الأسفلون مساواة الأعليين في الغرف والرفعة.

قلت: جوابه جواب من قال لو أراد أهل الجنّة القبائح مثل إتيان المذكور وهو أنه تعالى يخلق لهم صارفًا عن هذه الإرادة؛ ويرزقهم علمًا مانعًا عن طلبها وإلا لزم أن يكون الناس في درجة واحدة واستوى الأنبياء وغيرهم.

إن قلت: فلا يبقى فرق بين القبيلتين إذ الكل قانع بما هو فيه ملتذ غير متنغص.

قلت: الفرق مثل الصبح ظاهر أهل الدرجات العلى لهم أكمل النعيم وأطيبه {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء: 21] وأولئك يقنعون بما أوتوا عالمين أن غيرهم أعظم منهم نعمة لكنهم لا يتنغصون بتفضيل أولئك. (حم ت هـ حب) عن أبي سعيد (طب) عن جابر بن سمرة، ابن عساكر عن ابن عمر، (ق)(1) عن أبي هريرة).

2226 -

"إن أهل عليين ليشرف أحدهم على الجنّة فيضيء وجهه لأهل الجنّة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما". ابن

(1) أخرجه أحمد (3/ 26، 27، 72، 93، 98)، وأبو داود (3987)، والترمذي (3658)، وابن ماجة (96)، وابن حبان في صحيحه (7393)، عن أبي سعيد، والطبراني في الكبير (2/ 254) رقم (2065) عن جابر بن سمرة، وابن عساكر في تاريخه (30/ 199) عن أبي هريرة، وأخرجه البخاريّ (3256)، ومسلم (2831) عن أبي سعيد الخدري، لم أجده عن أبي هريرة.

ص: 594

عساكر عن أبي سعيد.

(إن أهل عليين) في النهاية (1): عليون اسم للسماء السابعة وقيل هو اسم لديوان الملائكة الحفظة، يرفع إليه أعمال الصالحين من العباد وقيل: أراد أعلى الأمكنة وأشرف المراتب وأقربها من الله في الدار الآخرة ويعرب بالحروف والحركات على أنه جمع أو واحد (ليشرف أحدهم على الجنّة فيضئ وجهه) أي نوره (لأهل الجنّة كما يضئ القمر لأهل الدنيا ليلة البدر) وهي ليلة رابع عشر من الشهر لأنّه لا يكمل نوره إلا فيها (وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما) تقدم معناه قريبًا. (ابن عساكر (2) عن أبي سعيد).

2227 -

"إن أهل الجنّة يتزاورون على النجائب بيض كأنهن، الياقوت وليس في الجنّة شيء من البهائم إلا الطير والإبل". (طب) عن أبي أيوب".

(إن أهل الجنّة يتزاورون) يزور بعضهم بعضًا (على النجائب) بالنون والجيم جمع نجيبة وهي من الإبل القوية الخفيفة السريعة. (بيض) خبر مبتدأ محذوف من بيض ويجوز أن يكون مجرورًا صفة للنجائب فإن السلام للعهد الذهني فهو متل النكرة مثل: ولقد أمر علي اللئيم يسبني، وعلى الأول هو استئناف كأنه قيل ما لونهن؟ (كأنهن الياقوت) هو بعد قوله:"بيض" يدل أنه أريد بالتشبيه في الصفاء والصقالة لا في اللون وإذا صح أن في الياقوت ما هو أبيض كما قيل فيكون هو المراد هنا، قال الزمخشري (3): في قوله تعالى: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)} [الرحمن: 58]، في صفاء الياقوت وبياض المرجان (وليس في الجنّة شيء من البهائم) جمع بهيمة وهي ذات القوائم الأربع ولو في الماء أو كل حي لا

(1) انظر النهاية (3/ 294).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخه (30/ 179)، والطبراني في الأوسط (1778)، وأحمد في فضائل الصحابة (503)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1840)، والضعيفة (3007).

(3)

الفائق (1/ 1216).

ص: 595

يميز (إلا الإبل والطير) على الأول عد الطير من البهائم تغليبًا وعلى الثاني حقيقة (طب)(1) عن أبي أيوب) سكت عليه المصنف، وهو ضعيف لضعف جابر بن نوح.

2228 -

"إن أهل الجنّة يدخلون على الجبار كل يوم مرتين فيقرأ عليهم القرآن، وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه على منابر الدر، والياقوت، الزمرد، والذهب، والفضة بالإعمال، فلا تقر أعينهم قط كما تقر بذلك، ولا سمعوا شيئًا أعظم منه، ولا أحسن منه ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين إلى مثلها (من الغد). الحكيم عن بريدة.

(إن أهل الجنّة يدخلون على الجبار) هو من أسماء الله تعالى، قال في النهاية (2): معناه الذي يجبر العباد على ما أراد من أمر ونهي، وقيل هو العالي فوق خلقه وفعال من أبنية المبالغة انتهى، وأما الدخول فمما نؤمن به ولا نبحث عن معناه على ما هو خير القولين كما أسلفناه (كل يوم) مقدار يوم أيام الدنيا وإلا فلا يوم في الجنّة. (مرتين) يحتمل أن يراد به ما في حديث الترمذي:"إن أكرمكم عند الله من ينظر إلى وجهه بكرة وعشية" ويحتمل العموم لأن المراد سماع القرآن هنا ولا يلزم فيه النظر إلى الوجه. (فيقرأ عليهم القرآن) يقرأه الرب تعالى. (وقد جلس كل امرئ منهم مجلسه الذي هو مجلسه) أي الذي يستحقه (على منابر الدر) وهو كبار اللؤلؤ (والياقوت والزمرد) بفتح الزاي آخره معجمة والكل نوع من نفائس الأحجار فيحتمل أن كل منبر من الثلاثة الأنواع مرصع بها ويحتمل أن كل منبر من حجر وهو الأظهر. (والذهب والفضة بالإعمال)

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 179) رقم (4069)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1833)، والضعيفة (3172).

(2)

النهاية (1/ 671).

ص: 596

يتعين مجلسه في أحد الخمسة. (فلا تقر أعينهم) في النهاية (1): قرت عينه: سُرَّ بذلك وفَرِح وحقيقته أبرد الله دمعك لأن دمعة الفرح والسرور باردة، ومعنى أقر الله عينك: بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك فتشكر عينك ولا تتشرف إلى غيره (قط) في القاموس (2): مشددة مجرورة بمعنى: الدهر، مخصوص بالماضي أي بما مضى من الزمان انتهى، وفي المغني: أنها بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات تختص بالنفي، يقول: ما فعلته قط، ولا يقول: لا أفعله قط، فهو لحن انتهى، وهنا لا يراد بها إلا الظرفية وهي فيه للاستقبال والقول أنها لحن يرده الحديث، إلا أن يدعي أنها استعيرت هنا مكان عوض استعمالًا للنقيض مكان النقيض، وهو خلاف الظاهر. (كما تقر بذلك ولا سمعوا شيئًا أعظم منه) في الصدور (ولا أحسن منه) في الآذان (ثم ينصرفون إلى رحالهم) منازلهم (ناعمين) فرحين مسرورين (إلى مثلها من الغد) استمر معهم السرور إلى مثل تلك الساعة. (الحكيم (3) عن بريدة) [2/ 82] بإسناد فيه مقال.

2229 -

"إن أهل الجنّة ليحتاجون إلى العلماء في الجنّة وذلك أنهم يزورون الله تعالى في كل جمعة فيقول: تمنوا علي ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تمنوا عليه كذا وكذا، فهم يحتاجون إليهم في الجنّة كما يحتاجون إليهم في الدنيا". ابن أبي الدنيا عن.

(إن أهل الجنّة ليحتاجون إلى العلماء في الجنّة) كأنه قيل: وكيف ذلك، قال:(وذلك أنهم يزورون الله تعالى في كل جمعة) كأن هذه زيارة عامة لكل أهل الجنّة بخلاف الدخول كل يوم فإنه خاص على أحد الاحتمالين. (فيقول: تمنوا

(1) النهاية (4/ 58).

(2)

انظر القاموس (2/ 380).

(3)

أخرجه الحكيم في نوادره (2/ 90)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1834).

ص: 597

عليّ ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء) وهذا وقت احتياجهم إلى العلماء (فيقولون: ماذا نتمنى؟) فيه المقام أن يصرحوا أمر حتى يفاوضوا فيه أهل العلم (فيقولون تمنوا عليه كذا وكذا) الله أعلم ما المراد، وماذا يعينونه. (فهم يحتاجون إليهم في الجنّة) للفتيا (كما يحتاجون إليهم في الدنيا) وهذا من شرف العلم وأهله (ابن عساكر (1) عن جابر) وهو ضعيف؛ لأن فيه مجاشعًا وغيره من الضعفاء.

2230 -

"إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش" ابن مردويه عن أبي أمامة.

(إن أهل الفردوس) وهو أعلى الجنّة (يسمعون أطيط العرش) تصويته وفيه بيان قربهم من العرش. (ابن مردويه (2) عن أبي أمامة).

2231 -

"إن أهل البيت يتتابعون في النار حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة، وإن أهل البيت يتتابعون حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة ". (طب) عن أبي جحيفة.

(إن أهل البيت يتتابعون) من المتابعة بالموحدة بعد الألف كما رأيناه في ضبطه وقد قيل: إنه يقال: يتبايع بالموحدة في الخير، وبالمثناة التحتية عوضها في الشر فهو الأنسب هنا لقوله في النار (حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) واجتماعهم في النار من تمام العذاب. (وإن أهل البيت يتتابعون في الجنّة حتى ما يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة) إما بشفاعة واحد صالح منهم، أو أنهم يكونون كلهم صلحاء، وهذا من تمام النعمة اجتماعهم في

(1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (51/ 50)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1832)، والضعيفة (3171): موضوع.

(2)

أخرجه ابن مردويه كما في الكنز (39295)، والروياني في مسنده (1278)، والطبراني في الكبير 8/ 246 (7966)، وفي إسناده جعفر بن الزبير وهو متروك الحديث، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1837).

ص: 598

الجنّة (طب)(1) عن أبي جحيفة) بالجيم فمهملة فيا مصغر، وإسناده فيه رجل مجهول وبقية رجاله ثقات.

2232 -

"إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم". (ك) عن أبي موسى (صح).

(إن أهل النار ليبكون) مما يلقونه من العذاب. (حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت) إذ تصير من دموعهم بحرًا (وإنهم ليبكون الدم) من شدة الحزن نعوذ بالله من عذابه وغضبه (ك)(2) عن أبي موسى) رمز المصنف لصحته؛ لأنّه صححه الحاكم وأقروه.

2233 -

"إن أهل النار يعظمون في النار حتى يصير ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعا، وضرسه أعظم من جبل أحد". (طب) عن ابن عمر.

(إن أهل النار يعظمون في النار) ليذوقوا العذاب. (حتى يصير ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) تقدم تفسير شحمة الأذن والعاتق، وهذا الحديث يفسر حديث أبي سعيد الماضي الذي أجمل فيه مقدار رجل الكافر بقوله:"وفضيلة جسده على ضرسه كفضيلة جسد أحدكم على ضرسه"(3) وتقدم في معناه كلام. (وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعًا) هكذا الروايات وكأنه على

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 130) رقم (339)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1829).

(2)

أخرجه الحاكم (4/ 605)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2032)، وصححه في الصحيحة (1679).

(3)

أخرجه ابن ماجه (4322)، وقال في الزوائد: فيه عطية العوفي والراوي عنه ضعيفان، وقد روى مسلم في صحيحه والترمذيّ بعضه في حديث أبي هريرة وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1519)، وقال في ضعيف ابن ماجه (942): وصحيح دون قوله: وفضيلة الصحيحة (1601)، وصحيح ابن ماجه (3889).

ص: 599

حذف مضاف أي مقدار أربعين ذراعًا فحذف وبقي على أصله أو بتقدير ويكون غلظ الخ أو عطف على قوله تصير فتنصب بخبريته.

(وضرسه أعظم من جبل أحد) تقدم بلفظه. (طب)(1) عن ابن عمر) وإسناده حسن.

2234 -

"إن أهل البيت ليقل طعمهم، فتستنير بيوتهم". (طس) عن أبي هريرة.

(إن أهل البيت ليقل طعمهم) بضم الطاء الطعام وهو كل ما يؤكل، وأما بالفتح فهو حلاوة الشيء ومرارته وما بينهما كما في القاموس (2) فالمراد إذا قل طعامهم وقوتهم ويلزمه قلة أكلهم، أو هو المراد هنا. (فتستنير بيوتهم) من الإنارة أي يغشاه النور الكثير في أعين الملائكة وفي رؤية الملأ الأعلى. (طس)(3) عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف.

2235 -

"إن أهل البيت إذا تواصلوا أجرى الله تعالى عليهم الرزق وكانوا في كنف الله". (عد) وابن عساكر عن ابن عباس).

(إن أهل البيت إذا تواصلوا) واصل بعضهم بعضًا وزاره وأحسن إليه والمراد بأهل البيت من تجمعهم رحامة وقرابة. (أجرى الله تعالى عليهم الرزق) يسره لهم ووسعه وبارك فيه. (وكانوا في كنف الله) تقدم الكلام عليه وأنه حفظه ورعايته. (عد) وابن عساكر (4) عن ابن عباس) بإسناد فيه مقال.

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 402) رقم (13482)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1839)، والضعيفة (3174).

(2)

انظر القاموس (4/ 144).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5165)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1828)، والضعيفة (166): موضوع.

(4)

أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 298، 4/ 232)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 166)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1827)، والضعيفة (4480): موضوع.

ص: 600

2236 -

"إن أهل السماء لا يسمعون شيئًا من كلام أهل الأرض إلا الأذان".

أبو أمية الطرسوسي في مسنده (عد) عن ابن عمر (ض). (إن أهل السماء لا يسمعون شيئًا من كلام أهل الأرض إلا الأذان) وكأن المراد بأهل السماء الساكنون فيها الذين لا ينزلون إلى الأرض وإلا فقد ثبت أن الملائكة يحضرون الصلوات ويحضرون الذكر وفيه بيان شرف الأذان. (أبو أمية الطرسوسي) بفتح الراء والطاء وضم المهملة: نسبة إلى طرسوس مدينة مشهورة (في مسنده. (عد)(1) عن ابن عمر)، قال ابن الجوزي: حديث لا يصح.

2237 -

"إن أهل الجنّة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارًا". (طص) عن أبي سعيد.

(إن أهل الجنّة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارًا) رواية الطبراني عدن وعلى رواية الكتاب إطلاق ضمير المذكر على المؤنث مشاكلة لقوله: "جامعوا ففي كل مرة افتضاض جديد ولذة حسناء"، ولكن ليس هنالك عليهم ألم ولا على الرجال كلفة. (طص)(2) عن أبي سعيد)، سكت عليه المصنف، وفيه يعلي بن عبد الرحمن الواسطي كذاب.

2238 -

"إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أهل المنكر هم أهل المنكر في الآخرة ". (طب) عن سلمان وعن قبيصة برمة، وعن ابن عباس (حل) عن أبي هريرة (خط) عن علي وعن أبي الدرداء".

(إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) تقدم الكلام في

(1) أخرجه أبو أمية محمَّد بن إبراهيم الطرسوسي في مسند ابن عمر (13)، ابن عدي في الكامل 323/ 4، وانظر العلل المتناهية (1/ 392)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1835)، والضعيفة (3173): موضوع.

(2)

أخرجه الطبراني في الصغير (249)، وانظر المجمع (10/ 417)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1830).

ص: 601

تفسير المعروف مرارًا، وتقدم بيان هذا المعنى في الحديث فإنه تقدم بلفظه. (وإن أهل المنكر في الدنيا) الفاعلين بخلاف الشرح فإن المنكر ما أنكره الشارع. (هم أهل المنكر في الآخرة) يجازون بما ينكرونه من العقوبات وأنواع العذاب. (طب) عن سلمان وعن قبيصة) بفتح القاف فموحدة فمثناة تحتية فصاد مهملة عن برمة بضم الموحدة فراء ساكنة فميم (وعن ابن عباس، (حل) عن أبي هريرة (خط)(1) عن علي وعن أبي الدرداء) ومع كثرة مخرجيه فقد طعن فيه.

2239 -

"إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أول أهل الجنّة دخولًا الجنة أهل المعروف". طب عن أبي أمامة".

(إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) فذهب أهل المعروف بخير الدنيا والآخرة. وإن أول أهل الجنّة دخولًا الجنة أهل المعروف). (طب)(2) عن أبي أمامة).

2240 -

"إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة". (طب) عن ابن عباس".

(إن أهل الشبع) التوسع في المأكل. (في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة) إذ غالب من توسع في المأكول أن يدعوه إلى كل ما لا ينفعه في الآخرة فيجازى فيها بضد ما كان عليه في الدنيا. (طب)(3) عن ابن عباس) بإسناد حسن.

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 246) رقم (6112) عن سلمان، و (11/ 71) رقم (11078) عن ابن عباس، و (18/ 375) رقم (960)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 319) عن أبي هريرة والخطيب في تاريخه (2/ 244) عن علي، و (10/ 420) عن أبي الدرداء، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2031).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 261) رقم (8015)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1838).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 267) رقم (11693)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1836).

ص: 602

2241 -

"إن أوثق عرى الإسلام أن تحب في الله، وتبغض في الله. (حم ش هب) عن البراء (صح) ".

(إن أوثق عرى) بضم المهملة جمع عروة وهي: ما يشد به الشيء إلى غيره يقلب إلى ما يتمسك به الإنسان من خصال الإيمان كأنه شد نفسه بالخصلة التي تمسك بها والمراد أن آكد وأشد ما يشد به الإنسان نفسه من خصال (الإِسلام) هو (أن يحب في الله) لأجله (ويبغض في الله) تقدم الكلام على الأمرين مرارًا، (حم ش هب)(1) عن البراء) رمز المصنف لصحته.

2242 -

"إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام". (د) عن أبي أمامة.

(إن أولى الناس بالله) هم برحمته وبره. (من بدأهم بالسلام) ويأتي: "من بدأ بالسلام فهو أولى بالله ورسوله". (د)(2) عن أبي أمامة) بإسناد جيد.

2243 -

"إن أولى الناس بي أحقهم أكثرهم علي صلاة". (ع ت حب) عن ابن مسعود (صح) ".

(إن أولى الناس بي) أحقهم بشفاعتي وإحساني يوم القيامة. (أكثرهم علي صلاة) مكافأة له في دار الجزاء على ما أسلفه في دار الدنيا. (ع ت حب)(3) عن ابن مسعود) رمز المصنف لصحته لأن أسانيده صحيحة.

2244 -

"إن أول ما يجازى به المؤمن بعد موته أن يغفر الله لجميع من تبع جنازته". عبد بن حميد البزاز (هب) عن ابن عباس".

(1) أخرجه أحمد (4/ 286)، وابن أبي شيبة (30420)، والبيهقي في الشعب (13)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2009)، والصحيحة (998، 1728).

(2)

أخرجه أبو داود (5197)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2011)، والصحيحة (3382).

(3)

أخرجه أبو يعلى (5011)، والترمذي (484)، وابن حبان (3/ 192) رقم (911)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1821).

ص: 603

(إن أول ما يجازى به المؤمن) يكافأ به على طاعته. (بعد موته أن يغفر لجميع من شيّع جنازته) فيه حث على حضور جنائز أهل الإيمان. (عبد بن حميد والبزار)(هب)(1) عن ابن عباس ضعفه الحافظ المنذري.

2245 -

"إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبًا". (م د هـ) عن ابن عمرو (صح).

(إن أول الآيات) علامات الساعة. (خروجًا) ظهورًا للعباد. (طلوع الشمس من مغربها) تقدم تحقيقه قريبًا. (وخروج الدابة) المذكورة في القرآن. (على الناس ضحى) وقت الضحوة فتأتيهم ضحى وهم يلعبون. (فأيتهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها) فيه إبهام. (أيتهما) المتقدمة قريبًا ليس بينهما زمان يطول فصله ويأتي حديث أبي أمامة: "إن أول الآيات طلوع الشمس من مغربها" مجزومًا بأنها الأول فيحتمل أن هذا الحديث كان قبل أن يعلم الله رسوله أن الأول هو طلوع الشمس ويحتمل أنه أول بالنسبة إلى عدم خروج الدابة، بل بالنظر إلى ما عداها من الآيات، وتقدم تحقيق ذلك. (م د هـ)(2) عن ابن عمر).

2246 -

"إن أول هذه الأمة خيارها، وآخرها شرارها، مختلفين متفرقين، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلتأته منيته وهو يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه". (طب) عن ابن مسعود".

(إن أول هذه الأمة خيارُها) تقدم الكلام على الحديث في قوله: "إن أمتي هذه

(1) أخرجه عبد بن حميد (623)، والبيهقي في الشعب (9258)، وانظر الترغيب والترهيب (4/ 178)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1823).

(2)

أخرجه أحمد (2/ 201)، ومسلم (2941)، وأبو داود (4310)، وابن ماجة (4069).

ص: 604

أمة مباركة لا يدرى أولها خير أم آخرها" وأن المراد بالآخر في قوله: (وآخرها شرارها) هو الآخر الحقيقي، وهم الذين تقوم عليهم الساعة (مختلفين متفرقين) أحوال من شرارها، وفيه أن الاختلاف والتفرق صفة أشرار الأمة، (فمن كان يؤمن بالله ورسوله فلتأته منيته وهو يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) هو من جوامع الكلم ومما ينبغي للمؤمن أن يجعله نصب عينيه في معاملة عباد الله. (طب)(1) عن ابن مسعود) سكت عليه المصنف وإسناده حسن.

2247 -

"إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد؟ ". (ت ك) عن أبي هريرة (صح) ".

(إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم) كالتفسير لقوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] وفيه دليل أن اللام في الآية للعموم وأنه سؤال عن كل نعيم فأوله. (أن يقال له) يقول له الرب تعالى أو الملك بأمره. (ألم نصح) من أصحه. (لك جسمك) بالعافية. (ونرويك) من الري. (من الماء البارد) وخص هاتين بالأولية لأنهما أم النعم، فإن الصحة هي نعمة مفردة تأتي بكل جمع، فإن كل نعمة في ضمنهما، والتروية من الماء نعمة يقصر اللسان عن وصفها، فإن إيجاد الماء من عجائب نعم الله، فإنه جسم رقيق لطيف سيّال متصل الأجزاء كأنه شيء واحد لطيف التركيب سريع القبول للطبع مسخر للتصرف قابل للاتصال والانفصال، فيه حياة كل ما على وجه الأرض من حيوان ونبات، فلو احتاج العبد إلى شربة ماء ومنع منها لبذل جميع ما في الأرض في إخراجها، والعجب من الآدمي يستعظم الدنيا والدرهم، ونفيس الأحجار من الجواهر وينسى نعمة الله في هذا الشيء المبذول الذي مَنَّ الله به على عباده.

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 216) رقم (10517)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1826)، والضعيفة (3168، 5377).

ص: 605

(ت ك)(1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته.

2248 -

"إن باب الرزق مفتوح من لدن العرش إلى قرار بطن الأرض، يرزق الله كل عبد على قدر مهنته، وهمته". (حل) عن الزبير.

(إن باب الرزق) تقدم تفسير الرزق والباب هنا يحتمل الحقيقة ويحتمل أنه أريد به الجهة التي يجري الله فيها الرزق لعباده. (مفتوح من لدن العرش) بزنة عضد أشهر لغاتها وهي أول غاية الزمان أو المكان وهما مجاز نحو: من لدن حكيم خبير. (إلى قرار) بفتح القاف. (بطن الأرض) منتهى ما يستقر فيه الأرض. (يرزق الله كل عبد على قدر همته) في القاموس (2)؛ الهمة: بالكسر وتفتح ما هم به من أمر ليفعله. (نهمته) بفتح النون ولم يذكر القاموس ضمها: أي يرزقه على مقدار ما يهتم به ويحتاجه فمن قَلل قُلِّل له ومن أكثر أكثر له، كما في خبر آخر (حل)(3) عن الزبير بن العوام) بإسناد فيه ضعف.

2249 -

"إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا". (طب) والضياء عن خباب (صح) ".

(إن بني إسرائيل) أولاد يعقوب فإنه: إسرائيل أي عبد الله. (لما هلكوا قصوا) بالقاف وصاد مهملة والذي في النهاية (4): "أن بني إسرائيل قصوا لما هلكوا"، وفي رواية:"لما هلكوا قصوا" وفسرها بقوله: أي اتكلوا على القول وتركوا العمل فكان ذلك سبب هلاكهم أو بالعكس، لما هلكوا تركوا العمل أخلدوا

(1) أخرجه الترمذي (3358)، والحاكم (2/ 138)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2022)، والصحيحة (539).

(2)

القاموس المحيط (ص: 1512).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/ 73)، وابن عدي في الكامل (4/ 184)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1843)، والضعيفة (3175): موضوع.

(4)

انظر النهاية (4/ 71).

ص: 606

إلى القصص انتهى. وفيه النهي عن الاشتغال بالقصص وتقدم تفسيره بأنه: الإخبار بالقصة والتتبع لها وإنّما نهوا عنه لأنّه شغل للوقت بما لا يعلم صدقه وقد أبدل الله العباد بقصص الأولين بما قصه في كتابه وجعله أحسن القصص. (طب) والضياء (1) عن خباب) رمز الصنف لصحته.

2250 -

"إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم"(حم م) عن جابر بن سمرة (صح).

(إن بين يدي الساعة) هي استعارة من اليد الجارحة كما في قوله تعالى: {فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ} [المجادلة: 12] كأنه شبه ما يقدم الساعة من آياتها بالأيدي (كذابين) قد أتى الحديث الآخر أنهم: "ثلاثون كذابًا كلهم يدعي النبوة"(2) ويحتمل أن يراد ما هو أعم من ذلك، وهم كل كذاب ووضاع للأحاديث، وهذا الأوفق بالتحذير المراد بقوله:(فاحذروهم) بتتبع أقوالهم وأفعالهم فإنه لا يلتبس الصادق بالكاذب على من أخذ بحذره. (حم م (3) عن جابر بن سمرة) (صح).

2251 -

"إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل". (حم ق) عن ابن مسعود وأبي موسى (صح) ".

(إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل) يكثر وينتشر ويظهر سلطانه. (ويرفع العلم) يقل ويذهب أعلامه. (ويكثر فيها الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء وفسره قوله: (والهرج القتل) كأنه مدرج من أحد الرواة ويحتمل أنه من

(1) أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 80) رقم (3705)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2045) وحسنه في الصحيحة (1681).

(2)

أخرجه أبو داود (4252)، والترمذي (2219)، ابن ماجه (3952)، وقال الألباني في صحيح الجامع (7418): صحيح.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 86، 87، 88، 89)، ومسلم (1822).

ص: 607

كلامه صلى الله عليه وسلم وفسره في النهاية (1): بالقتال والاختلاط، قال وأصل الهرج: الكثرة في الشيء والاتساع. (حم ق)(2) عن ابن مسعود وأبي موسى).

2252 -

"إن بيوت الله تعالى في الأرض المساجد، وإن حقًا على الله أن يكرم من زاره فيها". (طب) عن ابن مسعود".

(إن بيوت الله تعالى في الأرض المساجد) سماها بيوتًا؛ لأنها محل عبادته. (وإن حقًا على الله أن يكرم من زاره فيها) أي قصدها لعبادته وتلاوة آياته شبهه بالزائر في وجوب إكرامه على من زاره. (طب)(3) عن ابن مسعود).

2253 -

"إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة"(د ت هـ) عن أبي هريرة.

(إن تحت كل شعرة) من شعر الإنسان. (جنابة) موجبة للغسل، في القاموس (4) فسر الجنابة: بالمني كما قدمناه، فالكلام على حذف مضاف أي موجب جنابة بفتح جيم. (فاغسلوا الشعر) شعر الرأس ونحوه. (وأنقوا البشرة) وفي التعبير بالإنقاء، في غسل البشرة ما يدل أنه يعتبر فيه زيادة لا تعتبر في الشعر، وأنه يغتفر فيه ما لا يغتفر في البشرة، وكذلك الإتيان بتاء الوحدة في البشرة دون الشعر يدل أنه لا يهمل منه محل. (د ت هـ)(5) عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وضعفه أبو داود وغيره.

(1) انظر النهاية (4/ 14).

(2)

أخرجه أحمد (1/ 389)، (4/ 405)، والبخاري (6653)، ومسلم (2672).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 161) رقم (10324)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1846).

(4)

انظر القاموس (1/ 48).

(5)

أخرجه أبو داود (248)، والترمذي (106)، وابن ماجة (597)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1847).

ص: 608

2254 -

"إن جزءً من سبعين جزءً من أجزاء النبوة تأخير السحور وتبكير الفطور وإشارة الرجل بأصبعه في الصلاة". (عب عد) عن أبي هريرة".

(إن جزءًا من سبعين جزءًا من أجزاء النبوة) تقدم قريبًا أن هذه التجزئة ليست حقيقية وإنما يراد بها أن هذه صفة من صفات النبوة وشعبة من شعابها أي من الخصال التي يفعلها النبيون. (تأخير السحور) تقدم بيان تأخيره، وأنه كان بين تسحره صلى الله عليه وسلم وصلاة الفجر نحو خمسين آية. (وتبكير الفِطر) تقديمه والمسارعة به وقد ثبت أنه كان صلى الله عليه وسلم يفطر عند غيبة قرص الشمس قبل أن يصلي. "وإشارة الرجل بأصبعه في الصلاة) فيه إبهام الأصبع والموضع الذي يكون عنده الإشارة وقد مرّ في أحاديث أخر أنها السبابة وأن الإشارة بها عند التشهد الأوسط والأخير عند قوله: لا إله إلا الله. (عب عد)(1) عن أبي هريرة) بإسناد ضعيف.

2255 -

"إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". (5) عن أبي قتادة (صح).

(إن جهنم تسجر) بالسين المهملة والجيم توقد، (إلا يوم الجمعة) وصدر الحديث من رواية أبي قتادة:"أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة" وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة" وذهب إلى العمل به الشافعي وقال: لا تكره النافلة يوم الجمعة وقت الزوال وإليه ذهب ابن تيمية وابن القيم (2). (د)(3) عن أبي قتادة) رمز المصنف لصحته، وقال أبو داود: إنه مرسل إلا أن شواهده تعضده.

2256 -

"إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد". الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أنس.

(1) أخرجه عبد الرزاق (3246، 7610)، وابن عدي في الكامل (5/ 16)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (1848) والضعيفة (3148) موضوع.

(2)

انظر: زاد المعاد (1/ 366)، وقد نقل أنه من اختيارات شيخه أبي العباس ابن تيمية.

(3)

أخرجه أبو داود (1083)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1849).

ص: 609

(إن حسن الخلق ليذاب الخطيئة) اللام للجنس أي جنس الخطيئة، والمراد: من الصغائر عند الجمهور. (كما تذيب الشمس الجليدى) بالجيم والدال المهملة قبلها مثناة تحتية، في النهاية (1): هو الماء الجامد من البرد. (الخرائطي (2) في مكارم الأخلاق عن أنس) وفي إسناده مقال.

2257 -

"إن حسن الظن بالله من حسن عبادة الله ". (حم ت ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن حسن الظن بالله) تقدم فيه كلام كثير. (من حسن عبادة الله) أي هو قسم منها أو هو ناشئ عنها، فحسن عبادة الله من حسن ظنه فيه وهو الأظهر فإن حسن الظن إنّما هو لمن أحسن العمل وأما من أساء العمل فكما قيل:

أسأت إلى فاستوحشت مني

ولو أحسنت آنسك الجميل

(حم ت ك (3) عن أبي هريرة) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: على شرط مسلم وأقروه.

2258 -

"إن حسن العهد من الإيمان،. (ك) عن عائشة (صح).

(إن حسن العهد) الحفاظ ورعاية الحرمة. (من الإيمان) من شعب الإيمان أو من صفات أهله وسبب الحديث: أن امرأة أتته صلى الله عليه وسلم فأكرمها وقال: "إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان،. (ك (4) عن عائشة) رمز المصنف لصحته، وصححه الحاكم وأقروه.

(1) انظر النهاية (1/ 285).

(2)

أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (256)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1850)، وقال في الضعيفة (442) ضعيف جدا.

(3)

أخرجه أحمد (2/ 359)، والترمذي (3603)، والحاكم (4/ 241)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1851)، والضعيفة (3150).

(4)

أخرجه الحاكم (1/ 16)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2056)، والسلسلة الصحيحة (216).

ص: 610

2259 -

"إن حقًا على الله أن لا يرفع شيئًا من أمر الدنيا إلا وضعه". (حم خ د) عن أنس (صح).

(إن حقًا على الله) أي ثابت في حكمته وقدره. (أن لا يرفع شيئًا من أمر الدنيا) احتراز عن الرفعة بالأمور الدينية فإنها لا تزداد إلا رفعة. (إلا وضعه) وتقدم بلفظ: "إن الناس لا يرفعون شيئًا إلا وضعه الله" وذلك أن هذه الدار دار انقلاب، لا يرتفع فيها شيء إلا وضعه الله. (حم خ د (1) عن أنس).

2260 -

"إن حقًا على المؤمنين أن يتوجع بعضهم لبعض كما يألم الجسد الرأس". أبو الشيخ في التوبيخ عن محمَّد بن كعب مرسلًا".

(إن حقًا على المؤمنين) واجبًا وثابتًا. (أن يتوجع بعضهم لبعض) إذا أصيب في الدين أو الدنيا أو البدن (كما يألم الجسد الرأس) يتألم الجسد إذا تألم الرأس فكذلك أهل الإيمان كالعضو الواحد. (أبو الشيخ (2) في التوبيخ عن محمَّد بن كعب مرسلًا)، أرسل عن أبي هريرة.

2261 -

"إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، أكاويبه عدد النجوم، من شرب منه شربة لم يظمًا بعدها أبدًا، أول الناس ورودًا فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسًا، الدنس ثيابًا، لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون الذي لهم". (حم ت هـ ك) عن ثوبان (صح) ".

(إن حوضي) أي الذي أعطاه الله في الآخرة وسماه الكوثر على أكثر الأقوال مقدار. (من عدن) بفتح المهملتين معروف. (إلى عمان) بفتح المهملة وتشديد

(1) أخرجه أحمد (3/ 103)، والبخاري (2872، 6501)، وأبو داود (4802)، والنَّسائيّ (6/ 228)، وعبد بن حميد في مسنده (1315).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 340)، وابن أبي شيبة (34416) عن سهل بن سعد، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1852).

ص: 611

الميم. (البلقاء) قرية قديمة بالشام من أرض البلقاء، وأما عمان بالضم والتخفيف فموضع عند البحرين قاله في النهاية، وفي القاموس (1): إلا أنه قال إن البلقاء بلد باليمن ويأتي: "حوضي كما بين صنعاء والمدينة"، وهو أقرب فإن كانت المسافة واحدة، وإلا حمل أحد الحديثين على أنه: تحديد للطول والآخر للعرض. (ماؤه أشد بياضًا من اللبن) في اللون. (وأحلى من العسل) في طعمه جمع بين أحسن الألوان وألذ الأطعمة. (أكاويبه) جمع أكواب جمع كوب بضم أوله والكوب كوز لا عروة له أو لا خرطوم كما في القاموس (2)، وأتى بجمع الجمع إشارة إلى كثرة أكوابه ثم زادها كثرة بقوله:(عدد النجوم) ولا يعلم قدر عددها إلا الله. (من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها) ويكون شرب أهل الجنّة في الجنّة من أنهارها المذكورة في سورة محمَّد صلى الله عليه وسلم تلذذًا لا لظمأ، أو المراد لم يظمأ قبل دخول الجنّة لكن لا يناسبه قوله:(أبدًا أول الناس ورودًا) بضم الواو: مصدر ورد الماء ورودًا إذا حضره ليشرب منه، ونصبه إما على المصدرية أي يرد ورودًا أو على التمييز من إضافة أول أي أول الناس من حيث المورود والمراد ورودًا وشربًا لأنّه المقصود به. (فقراء المهاجرين الشعث) جمع أشعث مثل أحمر على حمر. (رؤوسًا) منصوب على التمييز من نسبة اسم الشعث إلى فاعله المستتر فيه. (والدنس) بزنة الشعث جمع أدنس من الدنس وهو اتساخ الثياب وانتصاب (ثيابًا) كانتصاب رؤوسًا.

فإن قلت: هذا يعارض ما سلف من حديث: "إن الله نظيف يحب النظافة"؟ قلت: قدمنا هنالك المراد بالنظافة وهنا المراد غير المتنعمين الذين لا عناية لهم بتحسين ظاهرهم بل همهم تحسين باطنهم وإصلاح قلوبهم.

(1) انظر النهاية (3/ 304)، والقاموس (3/ 215).

(2)

انظر القاموس (1/ 126).

ص: 612

(لا ينكحون المتمتعات) كذا في النسخ بمثناتين فوقيتين بينهما ميم ثم العين المهملة من المتمتع، ولم أجده في النهاية ووجدت فيها المنعمات (1) من النعمة، فإن صح ما في نسخ الجامع، فكأن المراد التي لها دنيا تمتع بها أي: الغنيات لأنهن لا يرغبن في نكاح الفقراء، وقال الشارح: أن الذي رآه بخط المصنف: "المتنعمات": من النعمة. (ولا يفتح لهم السدد) بمهملات جمع سدة وهي ما يجعل على الباب تقية من المطر، وقيل هي: الباب نفسه، وقيل هي الساحة، وفي النهاية (2) الذين لا جاء لهم ولا يؤبه لهم، ولا تفتح لهم أبواب أهل الدنيا، أو المراد يضيق عليهم العيش إكرامًا لهم فلا يفتح لهم أبواب الرزق.

(الذين يعطون الحق الذي عليهم) أي ما وجب عليهم من الجهاد بالمال والنفس لمن جعله الله إليه. (ويؤدون حقوق العباد ولا يعطون الذي لهم) أي الذي فرض الله لهم من الحقوق لأنهم لا يشاححون في طلبه، أو الذين يتعففون ويتجملون ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. واعلم أن هذه الصفات الفاضلة سبقت في وصف فقراء المهاجرين وقد كانوا في خير الأعصار، وكأن المراد: هم ومن شابههم إلى آخر الدهر. (حم ت هـ ك (3) عن ثوبان)، رمز المصنف لصحته.

2262 -

"إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى". (طب ك) عن أبي أوفى".

(إن خيارَ عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله تعالى) المراد بذكر الله: الصلوات، والمعنى: يراعون أوقاتها وفيه مأخذ على أنه يستدل بالشمس والقمر على أوقات العبادات، ويحتمل أن يراد بالذكر أعم من ذلك

(1) انظر النهاية (5/ 83).

(2)

انظر النهاية (2/ 353).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 275)، والترمذي (2444)، وابن ماجة (4303)، والحاكم (4/ 184)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2060).

ص: 613

والمراد من له ورد يحافظ على أدائه ويراقب الأوقات له. (طب ك (1) عن ابن أبي أوفى) سكت عليه المصنف، ورجاله موثقون.

2263 -

"إن خيار عباد الله الموفون المطيبون". (طب حل) عن أبي حميد الساعدي (حم) عن عائشة.

(إن خيار عباد الله الموفون) بما عاهدوا عليه. (المطيبون) بفتح المثناة التحتية وكسرها، أي: الذين طيب الله أوصافهم، أو الذين طيبوا أنفسهم، وأبعد الشارح ففسره: بالذين تحالفوا في الجاهلية بالحلف المسمى حلف المطيبين، وقال: لعلهم أسلموا وهو بعيد جدًا، (طب حل) عن أبي حميد الساعدي). (حم (2) عن عائشة).

2264 -

"إن خياركم أحسنكم قضاء لدينه". (خ ن هـ) عن أبي هريرة، (صح)

(إن خياركم أحسنكم قضاء لدينه) تقدم بلفظه. (خ ن هـ)(3) عن أبي هريرة).

2265 -

"إن ربك ليعجب من عبده إذ قال: ربِّ اغفر لي ذنوبي وهو يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري". (د ت) عن علي (صح) ".

(إن ربك تعالى ليعجب) تقدم تفسير عجيب الرب. (من عبده إذ قال: ربِّ اغفر لي ذنوبي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) فهو استحسان لإيمانه وقصره للغفران على ربه واعتراف بالذنوب. (د ت (4) عن علي) رمز المصنف لصحته،

(1) أخرجه الحاكم (1/ 51)، والطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (1/ 327)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1854).

(2)

أخرجه الطبراني في الصغير (1045)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 290) عن أبي حميد الساعدي، وأحمد (6/ 268)، عن عائشة وصححه الألباني في صحيح الجامع (2062) والصحيحة (2848).

(3)

أخرجه البخاريّ (2305)، والنَّسائيّ (4/ 318)، وابن ماجة (2423).

(4)

أخرجه أبو داود (760)، والترمذي (3446)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2069) والصحيحة (2843)

ص: 614

وقال الترمذي: حسن صحيح.

2266 -

"إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة". (خ) عن خولة (صح).

(إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق) التخوض بالخاء المعجمة والضاد المعجمة: هو التصرف والتقلب، يتصرفون في مال الله بما لا يرضاه، وهو شامل لكل متصرف بالمال في وجوه مغاضب الله، والمراد بمال الله: بالمال الذي لا يستحقه العبد وهو حق لغيره تحت يده كالزكوات ونحوها من بيوت الأموال وغيرها. (فلهم النار يوم القيامة){ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61]. (خ)(1) عن خولة) بالمعجمة المفتوحة بنت يسار الأنصارية ليس لها في البخاريّ إلا هذا الحديث.

2267 -

"إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحمل أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته". (حل) عن أبي أمامة.

(إن روح القدس) هو جبريل. (نفث) بالنون والفاء والمثلثة في النهاية (2): ألقى وأوحى من النفث، وهو شبيه النفخ. (في روعي) بضم الراء، وبالعين المهملة، القلب، أو موضع الفزع منه أو سوداءه أو الذهن أو العقل. (أن نفسًا) هو الذي أوحاه إليه وألقاه في روعه. (لن تموت حتى تستكمل أجلها) وهو الحد الذي جعله الله غاية للموت وفيه مأخذ أن الأجل واحد. (وتستوعب رزقها) هو بفتح المثناة الفوقية فمهملة ساكنة فمثناة مثلها وكسر الواو فعين مهملة

(1) أخرجه البخاريّ (3118).

(2)

انظر النهاية (5/ 88).

ص: 615

فموحدة تستهلكه وإضافته إليها لإفادة ما قسم لها وقدر. (فأجملوا) بالجيم (في الطلب) للرزق والإجمال عدم الله والإلحاح. (ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق) مصدر أضيف إلى مفعوله أي استبطاؤه الرزق وهو فاعل يحملن (أن يطلبه بمعصيته) هو ثاني مفعولي يحملن والأول أحدكم. (فإن الله تعالى لا ينال ما عنده) ما لديه مكتوب من الرزق. (إلا بطاعته) وإن كان قد ينال العبد الحرام بالمعصية، كالسارق مثلًا، لكن المراد بما عنده ما كتب له من رزقه الحلال، وفيه مأخذ أنه: لا يقال للحرام رزق. واعلم أن الإلقاء في الروع أحد مراتب الوحي السبع كما عدها ابن القيم (1) في أوائل الهدي، وعدها المصنف في الإتقان خمس مراتب ولعل النفث في الروع منها. (حل)(2) عن أبي أمامة) وفيه انقطاع.

2268 -

"إن أرواح المؤمنين تلتقي على مسيرة يوم وليلة، ما رأى واحد منها وجه صاحبه". (خد طب) عن ابن عمر.

(إن أرواح المؤمنين تلتقي) يلتقي كل واحد الآخر. (على مسيرة يوم وليلة) ولا ينافيه أنها قد تلتقي على أكثر من تلك المسافة وهذا الالتقاء يحتمل أنه في المنام، وهذه أحد المسائل الثلاث التي سأل عنها عمر عليًا رضي الله عنهما كما أخرجه أبو نعيم في الحلية، والطبراني في الأوسط، والديلمي من حديث ابن عمر قال: قال عمر لعلي بن أبي طالب: يا أبا الحسن ربما شهدت وغبنا وربما شهدنا وغبت إلا إني أسألك عن ثلاث: هل عندك منهن علم قال علي: وما هن؟ قال: الرجل يحب الرجل ولم ير منه خيرًا، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرًا؟ قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الأرواح في الهوى جنود مجندة تلتقي

(1) زاد المعاد (1/ 70).

(2)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 270)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2085) والصحيحة (2866).

ص: 616

فتشام فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" (1) .... الحديث، فهذا التلاقي في المنام ويحتمل أنه قبل خروجها إلى الأجسام ويحتمل أنه أريد بتلاقيها: بعد الموت في البرزخ. (وما رأى واحد منهما وجه صاحبه) فيعرفه بتعريف الله تعالى. (خد طب)(2) عن ابن عمر) ورجاله موثقون.

2269 -

"إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه". البغوي عن أنس.

(إن زاهرًا) هو بن حرام بفتح الحاء المهملة والراء مخففًا كان بدويًا يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بباكورة كل فاكهة. (باديتنا) يأتي بالفاكهة فهو كالبادية التي يأتي بها. (ونحن حاضروه) جمع الحاضر ضد البادي أي أهل حاضره وله صلى الله عليه وسلم عن زاهر مداعبة ومزاح ويأتي من ذلك وكان يحبه ويمزح معه. (البغوي (3) عن أنس) ورواه عنه أحمد أيضًا ورجاله موثقون.

2270 -

"إن ساقي القوم آخرهم شرابًا". (حم م) عن أبي قتادة) (صح).

(إن ساقي القوم) اللبن أو الماء أو نحوهما. (آخرهم شربًا) قال المصنف في الديباج (4): هو من باب آداب الشارب للماء واللبن ونحوهما، وفي معناه ما يفرق على الجماعة من مأكول كلحم وفاكهة ومشموم. (حم م) (5) عن أبي قتادة) وسببه أنهم عطشوا في سفر فدعى بماء فجعل يصب وأبو قتادة يسقي حتى ما بقي غيرهما فقال لأبي قتادة:"اشرب"، فقال: لا حتى نشرب فذكره.

2271 -

"إن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" تنفض الخطايا

(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (5220).

(2)

أخرجه البخاريّ في الأدب المفرد (261)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1860).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 161)، والضياء في المختارة (1805)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2087).

(4)

انظر: الديباج للسيوطي (2/ 316).

(5)

أخرجه أحمد (5/ 303، 305)، ومسلم (681).

ص: 617

كما تنفض الشجرة ورقها". (حم خد) عن أنس".

(إن) قول العبد. (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) هي: الباقيات الصالحات تقدمت. (تنفض) بالفاء والضاد المعجمة. (الخطايا) أي تهزها حتى تساقطها الخطايا عام لكل خطيئة وسلف الكلام في عموم الكبائر. (كما تنفض الشجرة ورقها) في أيام إقبال الشتاء، وفيه حث على الإكتار من هذه الكلمات. (حم خد)(1) عن أنس).

2272 -

"إن سعد ضغط في قبره ضغطة فسألت الله أن يخفف عنه". (طب) عن ابن عمر.

(إن سعدًا) يريد: ابن معاذ الذى اهتز لموته عرش الرحمن. (ضُغط) مبني للمجهول أي عصر. (في قبره ضغطةً) نكرها للتعظيم. (فسألت الله أن يخفف عنه) أي يخفف عنه بشفاعته صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه لا ينجو منها أحد حيث لم ينج سعد مع سالفته في الإِسلام وتقدم الكلام على ذلك في:"إن العبد". (طب)(2) عن ابن عمر).

2273 -

"إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: تبارك الذي بيده الملك". (حم 4 حب ك) عن أبي هريرة (صح).

(إن سورة من القرآن) في هذا الإبهام أولًا ثم التفسير، تعظيم لشأنها. (ثلاثون آية) عدتها. (شفعت) لصاحبها. (حتى غفر له) يحتمل أنه لحفظه إياها أو لقراءته لها أو لتوسله بها أو بقراءة غيره لها على نيته وشفاعتها يحتمل أنها على الحقيقة وأنه تعالى جعل لها آلة النطق كما قدمناه في حديث:"الزهراوين" أنهما تجادلان عن صاحبهما ويحتمل أن ملائكتها أذن لهم في الشفاعة فشفعوا وكأنه

(1) أخرجه أحمد (3/ 152)، والبخاري في الأدب المفرد (634)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2089) وصححه في الصحيحة (3168).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 422) رقم (13555)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1862).

ص: 618

قيل: وما هي فقال: (وهي تبارك الذي بيده الملك) والأحاديث في فضائلها كثيرة قال بعض العلماء أما أحاديث دفعها عذاب القبر فمتواتر. (حم 4 حب ك (1) عن أَبي هريرة) رمز المصنف لصحته.

2274 -

"إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله". (د ك هب) عن أبي أمامة.

(إن سياحة أمتي) بكسر السين المهملة فمثناة تحتية بعد الألف مهملة من ساح في الأرض يسيح سياحة إذا ذهب فيها وأصله من السيح وهو الماء البخاريّ المنبسط على وجه الأرض وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن السياحة وهي مفارقة الأوطان وسكون البادية وترك شهود الجمعة والجماعات وأرشدهم إلى أن سياحة هذه الأمة (الجهاد في سبيل الله) وأنه تعالى أبدلهم عن تلك السياحة بما هو خير لهم. (د ك هب (2) عن أبي أمامة) بإسناد جيد.

2275 -

"إن شرار أمتي أجرؤهم على صحابتي". (عد) عن عائشة ".

(إن شرار أمتي أجرأهم على صحابتي) بالإيذاء لهم في الحياة والذم لهم بعد الممات فإن ذلك من شرارة فاعله إذ أصحاب الملك يحترمون لأجله فكيف أصحاب خير خلق الله. (عد (3) عن عائشة) بإسناد ضعيف.

2276 -

"إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه". (ق د ت) عن عائشة (صح).

(إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة) أبعدهم عن رحمته (من تركه الناس)

(1) أخرجه أحمد (2/ 299)، وأبو داود (1400)، والترمذي (2891)، والنَّسائيّ في السنن الكبرى (546)، وابن ماجة (3786)، وابن حبان (788)، والحاكم (2/ 497)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2091).

(2)

أخرجه أبو داود (2486)، والحاكم (2/ 73)، والبيهقي في الشعب (4226)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2093).

(3)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/ 183)، وابن عدي في الكامل (7/ 297)، وانظر الميزان (7/ 342)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1864).

ص: 619

تركوا لقاؤه والاتصال به (اتقاء فحشه) لأجل فحش لسانه بذمه للعباد وبذاءة نطقه (ق د ت (1) عن عائشة).

2277 -

"إن شر الرعاء الحطمة". (حم م) عائذ بن عمرو (صح).

(إن شر الرعاء) بكسر الراء جمع راع (الحطمة) بالحاء المهملة بزنة هُمَزَة، في النهاية (2): هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار ويلقى بعضها على بعض ضربه صلى الله عليه وسلم مثلًا لولاة السوء. (حم م)(3) عن عائذ بن عمرو).

2278 -

"إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يخاف الناس من شره". (طس) عن أنس.

(إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من يخاف الناس شره) شر أفعاله وأقواله فهو أعم مما قبله من الذي يتركونه اتقاء فحشه. (طس (4) عن أنس) سكت عليه المصنف وهو ضعيف لضعف عثمان بن مطر.

2279 -

"إن شهابًا اسم شيطان". (هب) عن عائشة.

(إن شهابًا) بكسر الشين المعجمة. (اسم شيطان) فيكره التسمي به أو يحرم. (هب)(5) عن عائشة (قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يقال له شهاب، قال صلى الله عليه وسلم:"بل أنت هشام" فذكره.

* * *

(1) أخرجه البخاريّ (6054)، ومسلم (2591)، وأبو داود (4791)، والترمذي (1996).

(2)

انظر النهاية (1/ 403).

(3)

أخرجه أحمد (5/ 64)، ومسلم (1830).

(4)

أخرجه الطبراني في الأوسط (5307)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1865).

(5)

أخرجه البيهقي في الشعب (5227)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1866).

ص: 620