المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب إثبات الأصابع لله عز وجل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم قيلا له لا حكاية عن غيره، كما زعم بعض أهل الجهل والعناد أن خبر ابن مسعود ليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من قول اليهود، وأنكر أن يكون ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، تصديقا - التوحيد لابن خزيمة - جـ ١

[ابن خزيمة]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ مِنْ خَبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي إِثْبَاتِ النَّفْسِ لِلَّهِ عز وجل عَلَى مِثْلِ مُوَافَقَةِ التَّنْزِيلِ الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مَسْطُورٌ، وَفِي الْمَحَارِيبِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْبُيُوتَ وَالسِّكَكِ مَقْرُوءٌ

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ الْعِلْمِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْوَحْيِ الْمُنَزِّلِ عَلَى النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم، الَّذِي يَقْرَأُ فِي الْمَحَارِيبِ وَالْكَتَاتِيبِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ مِنْ عِلْمِ الْعَامِّ، لَا بِنَقْلِ الْأَخْبَارِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَقْلِ عِلْمِ الْخَاصِّ، ضِدَّ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ مِنْ أَخْبَارِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فِي إِثْبَاتِ الْوَجْهِ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَتَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ، مُوَافَقَةً لِمَا تَلَوْنَا مِنَ التَّنْزِيلِ الَّذِي هُوَ بِالْقُلُوبِ مَحْفُوظٌ، وَبَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مَكْتُوبٌ، وَفِي الْمَحَارِيبِ وَالْكَتَاتِيبِ مَقْرُوءٌ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ صُورَةِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا وَصِفَةِ سُبُحَاتِ وَجْهِهِ عز وجل تَعَالَى رَبُّنَا أَنْ يَكُونَ وَجْهُ رَبِّنَا كَوَجْهِ بَعْضِ خَلْقِهِ، وَعَزَّ أَلَا يَكُونَ لَهُ وَجْهٌ، إِذِ اللَّهُ قَدْ أَعْلَمَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ أَنَّ لَهُ وَجْهًا، ذَوَّاهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَنَفَى عَنْهُ الْهَلَاكَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ أَخْبَارٍ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: تَأَوَّلَهَا بَعْضُ مَنْ لَمْ يَتَحَرَّ الْعِلْمَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهَا فَفَتَنَ عَالِمًا مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ، حَمَلَهُمُ الْجَهْلُ - بِمَعْنَى الْخَبَرِ - عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّشْبِيهِ، جَلَّ وَعَلَا عَنْ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ خَلْقٍ مِنْ خَلْقِهِ مِثْلَ وَجْهِهِ، الَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ

- ‌بَابُ إِثْبَاتِ السَّمْعِ وَالرُّؤْيَةِ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا الَّذِي هُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ: سَمِيعٌ بَصِيرٌ، وَمَنْ كَانَ مَعْبُودُهُ غَيْرَ سَمِيعٍ بَصِيرٍ، فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْبَصِيرِ، يَعْبُدُ غَيْرَ الْخَالِقِ الْبَارِئِ، الَّذِي هُوَ سِمِيعٌ بَصِيرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهَ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [

- ‌بَابُ الْبَيَانِ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى تَثْبِيتِ السَّمْعِ والْبَصَرِ للَّهِ، مُوَافِقًا لِمَا يَكُونُ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا، إِذْ سُنَنُهُ صلى الله عليه وسلم إِذَا ثَبَتَتْ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ لَا تَكُونُ أَبَدًا إِلَّا مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ، حَاشَا لِلَّهِ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْهَا أَبَدًا مُخَالِفًا لِكِتَابِ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِثْبَاتِ يَدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا مُوَافِقًا لِمَا تَلَوْنَا مِنْ تَنْزِيلِ رَبِّنَا لَا مُخَالِفًا قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَأَعْلَى دَرَجَتَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ عَنْ أَنْ يَقُولَ إِلَّا مَا هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ قِصَّةٍ ثَابِتَةٍ فِي إِثْبَاتِ يَدِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانًا أَنَّ اللَّهَ خَطَّ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ لِكَلِيمِهِ مُوسَى، وَإِنْ رَغَمَتْ أُنُوفُ الْجَهْمِيَّةِ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ سُنَّةٍ ثَالِثَةٍ فِي إِثْبَاتِ الْيَدِ لِلَّهِ الْخَالِقِ الْبَارِئِ وَكَتَبَ اللَّهُ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ، وَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ الَّتِي نَذْكُرُهَا فِي هَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ صِفَتَيْنِ لِخَالِقِنَا الْبَارِئِ، مِمَّا ثَبَتَهَا اللَّهُ لِنَفْسِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالْإِمَامِ الْمُبِينِ ذَكَرَ النَّفْسَ وَالْيَدَ جَمِيعًا وَإِنْ رَغَمَتْ أُنُوفُ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ سُنَّةٍ رَابِعَةٍ مُبَيِّنَةٍ لِيَدَيْ خَالِقِنَا عز وجل مَعَ الْبَيَانِ: أَنَّ لِلَّهِ يَدَيْنِ، كَمَا أَعْلَمَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ، أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ، وَكَمَا أَعْلَمَنَا أَنَّ لَهُ يَدَيْنِ مَبْسُوطَتَيْنِ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ

- ‌ بَابُ ذِكْرِ سُنَّةٍ خَامِسَةٍ تُثْبِتُ أَنَّ لِمَعْبُودِنَا يَدًا يَقْبَلُ بِهَا صَدَقَةَ الْمُؤْمِنِينَ عَزَّ رَبُّنَا وَجَلَّ عَنْ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ كَيَدِ الْمَخْلُوقِينَ

- ‌بَابُ ذِكْرِ صِفَةِ خَلْقِ اللَّهِ آدَمُ عليه السلام وَالْبَيَانِ الشَّافِي أَنَّهُ خَلْقَهُ بِيَدَيْهِ، لَا بِنِعْمَتَيْهِ، عَلَى مَا زَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ، إِذْ قَالَتْ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ بِنِعْمَتِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ قَبْضَةً ، فَيَخْلُقُ مِنْهَا بَشَرًا، وَهَذِهِ السُّنَّةُ السَّادِسَةُ فِي إِثْبَاتِ الْيَدِ لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ جَلَّ وَعَلَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ سُنَّةٍ تَاسِعَةٍ تُثْبِتُ يَدَ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا وَهِيَ إِعْلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ غَرَسَ كَرَامَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِيَدِهِ وَخَتَمَ عَلَيْهَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ سُنَّةٍ عَاشِرَةٍ تُثْبِتُ يَدَ اللَّهِ وَهُوَ إِعْلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ قَبْضَ اللَّهِ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَطَيَّهُ جَلَّ وَعَلَا سَمَاوَاتِهِ بِيَمِينِهِ، مِثْلَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْمَصَاحِفِ، مَتْلُوٌّ فِي الْمَحَارِيبِ، وَالْكَتَاتِيبِ ، وَالْجُدُورِ

- ‌بَابُ تَمْجِيدِ الرَّبِّ عز وجل نَفْسَهُ عِنْدَ قَبْضَتِهِ الْأَرْضَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَطَيِّهِ السَّمَاءَ بِالْأُخْرَى، وَهُمَا يَمِينَانِ لِرَبِّنَا، لَا شِمَالَ لَهُ تَعَالَى رَبُّنَا عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، وَهِيَ السُّنَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ فِي تَثْبِيتِ يَدَيْ خَالِقِنَا عز وجل

- ‌ بَابُ ذِكْرِ السُّنَّةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ فِي إِثْبَاتِ يَدَيْ رَبِّنَا عز وجل وَهِيَ الْبَيَانُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَقْبِضُ الْأَرْضَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَعْدَ مَا يَبْدُو لَهَا فَتَصِيرُ الْأَرْضُ خُبْزَةً لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقْبِضُهَا وَهِيَ طِينٌ وَحِجَارَةٌ ، وَرَضْرَضٌ ، وحَمْأَةٌ ، وَرَمَلٌ ، وَتُرَابٌ

- ‌بَابُ السُّنَّةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ فِي إِثْبَاتِ يَدَيِ اللَّهِ عز وجل وَهِيَ إِعْلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ يَدَيِ اللَّهِ يُبْسَطَانِ لِمُسِيءِ اللَّيْلِ لِيَتُوبَ بِالنَّهَارِ ، وَلِمُسِيءِ النَّهَارِ لِيَتُوبَ بِاللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا

- ‌بَابُ ذِكْرِ إِمْسَاكِ اللَّهِ تبارك وتعالى اسْمُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا عَلَيْهَا عَلَى أَصَابِعِهِ جَلَّ رَبُّنَا عَنْ أَنْ تَكُونَ أَصَابِعُهُ كَأَصَابِعِ خَلْقِهِ، وَعَنْ أَنْ يُشْبِهَ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ صِفَاتِ خَلْقِهِ، وَقَدْ أَجَلَّ اللَّهُ قَدْرَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يُوصَفَ الْخَالِقُ الْبَارِئُ بِحَضْرَتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ

- ‌بَابُ إِثْبَاتِ الْأَصَابِعِ لِلَّهِ عز وجل مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِيلًا لَهُ لَا حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ أَنَّ خَبَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، تَصْدِيقًا

- ‌ بَابُ ذِكْرِ إِثْبَاتِ الرِّجْلِ لِلَّهِ عز وجل وَإِنْ رَغَمَتْ أُنُوفُ الْمُعَطِّلَةِ الْجَهْمِيَّةِ، الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِصِفَاتِ خَالِقِنَا عز وجل الَّتِي أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ عز وجل يَذْكُرُ مَا يَدْعُو بَعْضُ الْكُفَّارِ مِنْ دُونِ اللَّهِ: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا، أَمْ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ اللَّهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ كَمَا أَخْبَرَنَا فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عليه السلام، وَكَمَا هُوَ مَفْهُومٌ فِي فِطْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، عُلَمَائِهِمْ وَجُهَّالِهِمْ، أَحْرَارِهِمْ وَمَمَالِيكِهِمْ، ذُكْرَانِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، بَالِغِيهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ، كُلُّ مَنْ دَعَا اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا: فَإِنَّمَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ سُنَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُثْبَتَةِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ، كَمَا أَعْلَمَنَا فِي وَحْيِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذْ لَا تَكُونُ سُنَّتُهُ أَبَدًا الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ مَوْصُولًا إِلَيْهِ إِلَّا مُوَافِقَةً لِكِتَابِ اللَّهِ لَا مُخَالِفَةً لَهُ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِأَنَّ اللَّهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ

- ‌أَبْوَابُ إِثْبَاتِ صِفَةِ الْكَلَامِ لِلَّهِ عز وجل

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا كَلَّمَ مُوسَى عليه السلام مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ اللَّهِ تبارك وتعالى وَبَيْنَ مُوسَى عليه السلام رَسُولٌ يُبَلِّغُهُ كَلَامَ رَبِّهِ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُوسَى عليه السلام يَرَى رَبَّهُ عز وجل فِي وَقْتِ كَلَامِهِ إِيَّاهُ

- ‌بَابُ صِفَةِ تَكَلُّمِ اللَّهِ بِالْوَحْيِ وَشِدَّةِ خَوْفِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ، وَذِكْرِ صَعْقِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَسُجُودِهِمْ لِلَّهِ عز وجل

- ‌بَابٌ مِنْ صِفَةِ تَكَلُّمِ اللَّهِ عز وجل بِالْوَحْيِ وَالْبَيَانِ أَنَّ كَلَامَ رَبِّنَا عز وجل لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ كَلَامٌ مُتَوَاصِلٌ، لَا سَكْتَ بَيْنَهُ، وَلَا سَمْتَ، لَا كَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ سَكْتٌ وَسَمْتٌ، لِانْقِطَاعِ النَّفَسِ أَوِ التَّذَاكُرِ، أَوِ الْعِيِّ، مُنَزَّهٌ اللَّهُ مُقَدَّسٌ مِنْ ذَلِكَ أَجْمَعَ

- ‌بَابُ صِفَةِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْبَيَانُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يَسْمَعُ بِالْوَحْيِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، صَوْتًا كَصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كُنْتُ أَمْلَيْتُ بَعْضَ طُرُقِ الْخَبَرِ فِي كِتَابِ صِفَةِ نُزُولِ الْقُرْآنِ

- ‌بَابٌ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُكَلِّمُ عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ تُرْجُمَانٍ يَكُونُ بَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَبَيْنَ عِبَادِهِ بِذِكْرِ لَفْظٍ عَامٍ مُرَادُهُ خَاصٌّ

- ‌بَابُ ذِكْرِ بَعْضِ مَا يُكَلِّمِ بِهِ الْخَالِقُ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ مِمَّا ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ يُكَلِّمُهُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ تُرْجُمَانٍ يَكُونُ بَيْنَ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ وَالْبَيَانُ أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُكَلِّمُ الْكَافِرَ وَالْمُنَافِقَ أَيْضًا تَقْرِيرًا وَتَوْبِيخًا

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيَانِ الشَّافِي لِصِحَّةِ مَا تَرْجَمْتُهُ لِلْبَابِ قَبْلَ هَذَا إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُكَلِّمُ الْكَافِرَ وَالْمُنَافِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَقْرِيرًا وَتَوْبِيخًا وَذِكْرِ إِقْرَارِ الْكَافِرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِكُفْرِهِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ إِقْرَارُهُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَظُنُّ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ مُلَاقٍ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْمِنٍ فِي

- ‌بَابُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ تَبَارَكَتْ أَسْمَاؤُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي قَدْ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ يُرِيدُ مَغْفِرَتَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَبَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ الْكَافِرَ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ، كَاذِبًا عَلَى رَبِّهِ، ضَالًّا عَنْ سَبِيلِهِ ، كَافِرًا بِالْآخِرَةِ

- ‌بَابُ ذِكْرِ الْبَيِانِ مِنْ كِتَابِ رَبِّنَا الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ عز وجل الَّذِي بِهِ يَكُونُ خَلْقُهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ الَّذِي يُكَوِّنُهُ بِكَلَامِهِ وَقَوْلِهِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَبْذِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ

- ‌بَابٌ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ الْخَالِقِ، وَقَوْلَهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لَا كَمَا زَعَمَتِ الْكَفَرَةُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ

الفصل: ‌باب إثبات الأصابع لله عز وجل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم قيلا له لا حكاية عن غيره، كما زعم بعض أهل الجهل والعناد أن خبر ابن مسعود ليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من قول اليهود، وأنكر أن يكون ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، تصديقا

‌بَابُ إِثْبَاتِ الْأَصَابِعِ لِلَّهِ عز وجل مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِيلًا لَهُ لَا حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ، كَمَا زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْعِنَادِ أَنَّ خَبَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ لَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، تَصْدِيقًا

لِلْيَهُودِيِّ

ص: 187

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرْجَرَائِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ الْبَاهِلِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَكِّيُّ قَالُوا: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَّادٍ، ثنا الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ

⦗ص: 189⦘

الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ الْكِلَابِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا هُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنَّ شَاءَ أَزَاغَهُ» ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، وَالْمِيزَانُ بِيَدِ الرَّحْمَنِ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ» هَذَا حَدِيثُ الْبَاهِلِيِّ، وَقَالَ الْآخَرُونَ:«فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ» ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ أَوْ قَالَ:«يَضَعُ وَيَخْفِضُ» ، بِالشَّكِّ وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ الْأَزْدِيُّ، وَقَالَ هُوَ وَالْجَرْجَرَائِيُّ أَيْضًا:«يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ» ، وَقَالَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ مَرَّةً

⦗ص: 190⦘

: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِهَذَا الْخَبَرِ اسْتُدِلَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي خَبَرِ أَبِي مُوسَى: «يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ» ، أَرَادَ بِالْقِسْطِ الْمِيزَانَ، كَمَا أَعْلَمَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الْمِيزَانَ بِيَدِ الرَّحْمَنِ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، فَقَالَ اللَّهُ:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] قَدْ أَمْلَيْتُ هَذَا الْبَابَ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ

ص: 188

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ الْوَعْلَانِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكْثِرُ فِي دُعَائِهِ:«اللَّهُمَّ ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّ الْقُلُوبَ لَتَتَقَلَّبُ؟ قَالَ:«نَعَمْ، مَا مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَإِنْ شَاءَ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَزَاغَهُ» فَنَسْأَلَهُ أَنْ لَا يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهِبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ

ص: 191

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَمِّي، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

⦗ص: 192⦘

شُرَاحْبِيلَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ نَائِلٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ صَرَّفَهُ، وَإِذَا شَاءَ بَصَّرَهُ، وَإِذَا شَاءَ نَكَّسَهُ، وَلَمْ يُعْطِ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ شَيْئًا هُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُسْلِكَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينَ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَفَاتِيحُ الْقُلُوبِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ خَيْرًا: فَتَحَ لَهُ قُفْلَ قَلْبِهِ وَالْيَقِينِ وَالصِّدْقِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ وِعَاءً، وَعْيًا لِمَا سَلَكَ فِيهِ، وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا، وَلِسَانَهُ صَادِقًا، وَخَلِيقَتَهُ مُسْتَقِيمَةً، وَجَعَلَ أُذُنَهُ سَمِيعَةً، وَعَيْنَهُ بَصِيرَةً، وَلَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ شَيْئًا - يَعْنِي هُوَ شَرٌّ - مِنْ أَنْ يُسْلِكَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرِّيبَةَ، وَجَعَلَ نَفْسَهُ شِرَّةً شَرِهَةً ، مُشْرِفَةً مُتَطَلِّعَةً، لَا يَنْفَعُهُ الْمَالُ ، وَإِنْ أَكْثَرَ لَهُ، وَغَلَّقَ اللَّهُ الْقُفْلَ عَلَى قَلْبِهِ ، فَجَعَلَهُ ضَيْفًا حَرَجًا، كَأَنَّمَا يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ "

⦗ص: 193⦘

حَدَّثَنَاهُ: مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّبَيْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا أَبْرَأُ مِنْ عُهْدَةِ شُرَحْبِيلَ بْنِ الْحَكَمِ وَعَامِرِ بْنِ نَائِلٍ، وَقَدْ أَغْنَانَا اللَّهُ فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا عَنِ الِاحْتِجَاجِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَمْثَالِهَا، فَتَدَبَّرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ مَا نَقُولُهُ فِي هَذَا الْبَابِ، فِي ذِكْرِ الْيَدَيْنِ: كَنَحْوِ قَوْلِنَا فِي ذِكْرِ الْوَجْهِ، وَالْعَيْنَيْنِ تَسْتَيْقِنُوا بِهِدَايَةِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَشَرْحِهِ جَلَّ وَعَلَا صُدُورَكُمْ لِلْإِيمَانِ بِمَا قَصَّهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا، فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ، وَبَيَّنَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صِفَاتِ خَالِقِنَا عز وجل ، وَتَعْلَمُوا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَنَّ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ وَالْعَدْلَ فِي هَذَا الْجِنْسِ مَذْهَبُنَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْآثَارِ، وَمُتَّبِعِي السُّنَنِ، وَتَقِفُوا عَلَى جَهْلِ مَنْ يُسَمِّيهِمْ مُشَبِّهَةً، إِذِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ جَاهِلُونَ بِالتَّشْبِيهِ نَحْنُ نَقُولُ: لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا يَدَانِ كَمَا أَعْلَمَنَا الْخَالِقُ الْبَارِئُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم ، وَنَقُولُ: كِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا عز وجل يَمِينٌ، عَلَى

⦗ص: 194⦘

مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَقْبِضُ الْأَرْضَ جَمِيعًا بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، لَا شِمَالَ فِيهِمَا، ونَقُولُ: مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَرْكَانِ ، مُسْتَوِيَ التَّرْكِيبِ ، لَا نَقَصَ فِي يَدَيْهِ، أَقْوَى بَنِي آدَمَ ، وَأَشَدَّهُمْ بَطْشًا لَهُ يَدَانِ عَاجِزٌ عَنْ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى قَدْرٍ أَقَلَّ مِنْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ، مِنْ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ، عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ؟ وَلَوْ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا، وَقَضَى خَلَقَهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى مَعُونَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَحَاوَلُوا عَلَى قَبْضِ أَرْضٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ بِأَيْدِيهِمْ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَطِيعِينَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا عَلَى طَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ، وَكَانُوا عَاجِزِينَ عَنْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ - يَا ذَوِي الْحِجَا - مَنْ وَصَفَ يَدَ خَالِقِهِ بِمَا بَيَّنَّا مِنَ الْقُوَّةِ وَالْأَيْدِي، وَوَصَفَ يَدَ الْمَخْلُوقِينَ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ مُشَبِّهًا يَدَ الْخَالِقِ بِيَدِ الْمَخْلُوقِينَ؟ أَوْ كَيْفَ يَكُونُ مُشَبِّهًا مَنْ يُثْبِتُ أَصَابِعَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم لِلْخَالِقِ الْبَارِئِ؟ وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، تَمَامُ الْحَدِيثِ وَنَقُولُ: إِنَّ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ إِلَى أَنْ يَنْفُخَ فِي الصُّوَرِ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى إِمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنْ سَمَاءٍ مِنْ سَمَاوَاتِهِ ، أَوْ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِيهِ السَّبْعِ بِجَمِيعِ أَبْدَانِهِمْ كَانُوا غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا مُسْتَطِيعِينَ لَهُ، بَلْ عَاجِزِينَ

⦗ص: 195⦘

عَنْهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ يُثْبِتُ لِلَّهِ عز وجل يَدَيْنِ عَلَى مَا ثَبَتَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ صلى الله عليه وسلم مُشَبِّهًا يَدَيْ رَبِّهِ بِيَدَيْ بَنِي آدَمَ؟ نَقُولُ: لِلَّهِ يَدَانِ مَبْسُوطَتَانِ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ بِهِمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عليه السلام ، وَبِيَدِهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى عليه السلام، وَيَدَاهُ قَدِيمَتَانِ لَمْ تَزَالَا بَاقِيَتَيْنِ، وَأَيْدِي الْمَخْلُوقِينَ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ قَدِيمَةٍ ، فَانِيَةٌ غَيْرُ بَاقِيَةٍ، بَالِيَةٌ تَصِيرُ مِيتَةً ، ثُمَّ رَمِيمًا، ثُمَّ يُنْشِئُهُ اللَّهُ خَلْقًا آخَرَ {تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ، فَأَيُّ تَشْبِيهٍ يَلْزَمُ أَصْحَابَنَا: - أَيُّهَا الْعُقَلَاءُ - إِذَا أَثْبَتُوا لِلْخَالِقِ مَا أَثْبَتَهُ الْخَالِقُ لِنَفْسِهِ ، وَأَثْبَتَهُ لَهُ نَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ يُوجِبُ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ ، وَيُؤْمَنُ بِهِ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيقًا بِالْقَلْبِ فَهُوَ مُشَبِّهٌ، لِأَنَّ اللَّهَ مَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ بِزَعْمِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ وَمَنْ وَصَفَ يَدَ خَالِقِهِ فَهُوَ: يُشَبِّهُ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْدِ مَقَالَتِهِمْ: أَنْ يَكْفُرَ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ؛ إِذْ هُمْ كُفَّارٌ مُنْكِرُونَ لِجَمِيعِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ

⦗ص: 196⦘

فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُقِرِّينَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَلَا مُصَدِّقِينَ بِشَيْءٍ مِنْهُ نَقُولُ: لَوْ شَبَّهَ بَعْضُ النَّاسِ: يَدَ قَوِّيِّ السَّاعِدَيْنِ شَدِيدِ الْبَطْشِ، عَالِمٍ بِكَثِيرٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ، جَيِّدِ الْخَطِّ ، سَرِيعِ الْكِتَابَةِ، بِيَدِ ضَعِيفِ الْبَطْشِ، مِنَ الْآدَمِيِّينَ، خِلْوٍ مِنَ الصِّنَاعَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، أَخْرَقَ، لَا يُحْسِنُ أَنْ يَخُطَّ بِيَدِهِ كَلِمَةً وَاحِدَةً، أَوْ شَبَّهَ يَدَ مَنْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا بِالْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، بِيَدِ صَبِيٍّ فِي الْمَهْدِ، أَوْ كَبِيرٍ هَرِمٍ، يَرْعَشُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى قَبْضٍ ، وَلَا بَسْطٍ ، وَلَا بَطْشٍ أَوْ نَقُولُ لَهُ: يَدُكَ شَبِيهَةٌ بِيَدِ قِرْدٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ دُبٍّ، أَوْ كَلْبٍ، أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السِّبَاعِ، أَمَّا مَا يَقُولُهُ سَامِعُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ - إِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْحِجَا وَالنُّهَى -: أَخْطَأْتَ يَا جَاهِلُ التَّمْثِيلَ، وَنَكَّسْتَ التَّشْبِيهَ، وَنَطَقْتَ بِالْمُحَالِ مِنَ الْمَقَالِ، لَيْسَ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْيَدِ جَازَ أَنْ يُشَبَّهَ وَيُمَثَّلَ إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَكُلُّ عَالِمٍ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، فَالْعِلْمُ عِنْدَهُ مُحِيطٌ: أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ قَدْ يَقَعُ عَلَى الشَّيْئَيْنِ مُخْتَلِفِي الصِّفَةِ، مُتَبَايِنِي الْمَعَانِي ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ إِطْلَاقِ اسْمِ التَّشْبِيهِ، إِذَا قَالَ الْمَرْءُ لِابْنِ آدَمَ، وَلِلْقِرْدِ يَدَانِ، وَأَيْدِيهِمَا مَخْلُوقَتَانِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مُشَبِّهًا مَنْ يَقُولُ لِلَّهِ يَدَانِ، عَلَى مَا أَعْلَمَ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَنَقُولُ: لِبَنِي آدَمَ يَدَانِ ، وَنَقُولُ: وَيَدَا اللَّهِ بِهِمَا خُلِقَ آدَمُ، وَبِيَدِهِ كَتَبَ التَّوْرَاةَ لِمُوسَى عليه السلام، وَيَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ،

⦗ص: 197⦘

وَأَيْدِي بَنِي آدَمَ مَخْلُوقَةٌ عَلَى مَا بَيَّنْتُ وَشَرَحْتُ قَبْلُ: فِي بَابِ الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ ، وَفِي هَذَا الْبَابِ وَزَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] أَيْ نِعْمَتَاهُ، وَهَذَا تَبْدِيلٌ ، لَا تَأْوِيلٌ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى نَقْصِ دَعْوَاهُمْ هَذِهِ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ كَثِيرَةٌ ، لَا يُحْصِيهَا إِلَّا الْخَالِقُ الْبَارِئُ، وَلِلَّهِ يَدَانِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا ، كَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي} [ص: 75] ، فَأَعْلَمَنَا جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتِهِ كَانَ مُبَدِّلًا لِكَلَامِ اللَّهِ، وَقَالَ اللَّهُ عز وجل:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، أَفَلَا يَعْقِلُ أَهْلُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْأَرْضَ جَمِيعًا لَا تَكُونُ قَبْضَةَ إِحْدَى نِعْمَتَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا أَنَّ السَّمَوَاتِ مَطْوِيَّاتٌ بِالنِّعْمَةِ الْأُخْرَى أَلَا يَعْقِلُ ذَوُو الْحِجَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي يَدَّعِيهَا الْجَهْمِيَّةُ جَهْلٌ، أَوْ تَجَاهُلٌ شَرٌّ مِنَ الْجَهْلِ، بَلِ الْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَةُ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، فَإِحْدَى يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وَهِيَ: الْيَدُ الْأُخْرَى، وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّنَا يَمِينٌ

⦗ص: 198⦘

، لَا شِمَالَ فِيهِمَا جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَسَارٌ؛ إِذْ كَوْنُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ يَسَارًا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ عَلَامَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، جَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ عَنْ شِبْهِ خَلْقِهِ، وَافْهَمْ مَا أَقُولُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ تَفْهَمْ وَتَسْتَيْقِنْ أَنَّ الْجَهْمِيَّةَ مُبَدِّلَةٌ لِكِتَابِ اللَّهِ، لَا مُتَأَوِّلَةٌ قَوْلَهُ ، بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، لَوْ كَانَ مَعْنَى الْيَدِ النِّعْمَةَ كَمَا ادَّعَتِ الْجَهْمِيَّةُ لَقُرِئَتْ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَةٌ، أَوْ مُنْبَسِطَةٌ، لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ نِعْمَةٌ نِعْمَتَيْنِ لَا أَكْثَرَ فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ عز وجل:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] ، كَانَ الْعِلْمُ مُحِيطًا أَنَّهُ ثَبَّتَ لِنَفْسِهِ يَدَيْنِ لَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَأَعْلَمَ أَنَّهُمَا مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَالْآيَةُ دَالَّةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ النِّعْمَةَ، حَكَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا قَوْلَ الْيَهُودِ ، فَقَالَ:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64]، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل رَدًّا عَلَيْهِمْ:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64]، وَقَالَ:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64]، وَبِيَقِينٍ يَعْلَمُ كُلُّ مُؤْمِنٍ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} [المائدة: 64] أَيْ غُلَّتْ نِعَمَهُمْ، لَا، وَلَا الْيَهُودُ أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ، وَإِنَّمَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَقَالَتَهُمْ ، وَكَذَّبَهُمْ فِي قَوْلِهِمْ {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64] وَأَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ يَدَيْهِ مَبْسُوطَتَانِ، يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ إِنْفَاقِ اللَّهِ عز وجل بِيَدَيْهِ فِي خَبَرِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى سَحَّاءُ لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» فَأَعْلَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ اللَّهَ يُنْفِقُ بِيَمِينِهِ، وَهُمَا يَدَاهُ الَّتِي أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُنْفِقُ بِهِمَا كَيْفَ يَشَاءُ

⦗ص: 199⦘

وَزَعَمَ بَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِيَدَيْهِ» أَيْ بِقُوَّتِهِ، فَزَعَمَ أَنَّ الْيَدَ هِيَ الْقُوَّةُ، وَهَذَا مِنَ التَّبْدِيلِ أَيْضًا، وَهُوَ جَهْلٌ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَالْقُوَّةُ إِنَّمَا تُسَمَّى الْأَيْدُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، لَا الْيَدُ، فَمَنْ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْيَدِ وَالْأَيْدِ فَهُوَ إِلَى التَّعْلِيمِ وَالتَّسْلِيمِ إِلَى الْكَتَاتِيبِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى التَّرَؤُسِ وَالْمُنَاظَرَةِ قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ عز وجل أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاءَ بِأَيْدٍ، وَالْيَدُ وَالْيَدَانِ غَيْرُ الْأَيْدِ، إِذْ لَوْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَ آدَمَ بِأَيْدٍ كَخَلْقِهِ السَّمَاءَ، دُونَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَصَّ خَلْقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ لَمَا قَالَ لِإِبْلِيسَ:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وَلَا شَكَّ وَلَا رَيْبَ: أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ خَلَقَ إِبْلِيسَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ، أَيْ إِذَا كَانَ قَوِيًّا عَلَى خَلْقِهِ ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدِي} [ص: 75] ، عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُعَطِّلَةِ، وَالْبَعُوضُ وَالنَّمْلُ وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَاللَّهُ خَلَقَهُمْ عِنْدَهُ بِأَيْدٍ وَقُوَّةٍ ، وَزَعَمَ مَنْ كَانَ يُضَاهِي بَعْضُ مَذْهَبِهِ مَذْهَبَ الْجَهْمِيَّةِ فِي بَعْضِ عُمْرِهِ لَمَّا لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْآثَارِ، فَتَرَكَ أَصْلَ مَذْهَبِهِ عَصَبِيَّةً: زَعَمَ أَنَّ خَبَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ، إِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيُّ أَنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَذَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا ضَحِكَ تَعَجُّبًا لَا تَصْدِيقًا لِلْيَهُودِيِّ، وَقَدْ كَثُرَ تَعَجُّبِي مِنْ إِنْكَارِهِ، وَدَفَعِهِ هَذَا الْخَبَرَ ، وَكَانَ يُثْبِتُ الْأَخْبَارَ فِي ذِكْرِ الْأُصْبُعَيْنِ قَدِ احْتَجَّ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

⦗ص: 200⦘

: «مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ، فَإِذَا كَانَ هَذَا عِنْدَهُ ثَابِتًا يُحْتَجُّ بِهِ، فَقَدْ أَقَرَّ وَشَهِدَ أَنَّ لِلَّهِ أَصَابِعَ، لِأَنَّ مَفْهُومًا فِي اللُّغَةِ: إِذَا قِيلَ إِصْبَعَيْنِ مِنَ الْأَصَابِعِ: أَنَّ الْأَصَابِعَ أَكْثَرُ مِنْ إِصْبَعَيْنِ، فَكَيْفَ يَنْفِي الْأَصَابِعَ مَرَّةً ، وَيُثْبِتُهَا أُخْرَى؟ فَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الْمَذْهَبِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَقَدْ حَكَيْتُ مِرَارًا عَنْ بَعْضٍ مَنْ كَانَ يُطِيلُ مُجَالَسَتَهُ أَنَّهُ قَدِ انْتَقَلَ فِي التَّوْحِيدِ مُنْذُ قَدِمَ نَيْسَابُورَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَدْ وَصَفْتُ أَقَاوِيلَهُ الَّتِي انْتَقَلَ مِنْ قَوْلٍ إِلَى قَوْلٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ فِيَ بَعْضِ كُتُبِهِ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَيُخْبِرُ خَالِدَ بْنَ اللَّجْلَاجِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ، عَنِ

⦗ص: 201⦘

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأَيْتُ رَبِّيَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ، فَيَحْتَجُّ مَرَّةً بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْوَاهِيَةِ، الَّتِي لَا تَثْبُتُ عِنْدَ أَحَدٍ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِصِنَاعَةِ الْحَدِيثِ ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى أَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، مِمَّا هُوَ أَقَلُّ شَنَاعَةً عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ مِنْ قَوْلِهِ:«رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ، فَيَقُولُ: هَذَا كُفْرٌ بِإِسْنَادٍ ، وَيُشَنِّعُ عَلَى عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِرِوَايَتِهِمْ تِلْكَ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ الصَّحِيحَةَ، وَالْقَوْلُ بِهَا قِلَّةُ رَغْبَةٍ ، وَجَهْلٌ بِالْعِلْمِ وَعِنَادٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ: فَاللَّهُ يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُ

ص: 191