الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
آثار التوحيد على الأعمال التكليفية
إن الإيمان هو الذي في القلب ولابد فيه- أي الإيمان- من ثلاثة أشياء قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان قال الجنيد بن محمد: التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب فلابد فيه من قول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله، ولابد فيه من عمل القلب مثل حب الله رسوله، وخشية الله، وحب ما يحبه الله ورسوله، وبغض ما يبغضه الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها من الإيمان.
ثم القلب هو الأصل فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة ولا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب» (1).
فإذا كان القلب صالحًا بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق كما قال أئمة أهل الحديث: قول وعمل، قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر وإذا فسد فسد.
فلابد في إيمان القلب من حب الله ورسوله وأن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [سورة البقرة، الآية: 165].
فوصف الذين آمنوا بأنهم أشد حبا لله من المشركين لأندادهم (2).
- وقال شيخ الإسلام: والصدق والإخلاص هما في الحقيقة
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب 29ح رقم 53جـ / 1ص / 126.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية جـ / 7ص / 186 - 188 بتصرف يسير.
تحقيق الإيمان والإسلام فإن المظهرين للإسلام ينقسمون إلى مؤمن ومنافق (1).
- وقال أيضاً: وهذه الأعمال الباطنة كمحبة الله والإخلاص له والتوكل عليه والرضا عنه ونحو ذلك كلها مأمور بها في حق العامة لا يكون تركها محمودا في حال أحد وإن ارتقى مقامه (2).
- وقال أيضاً: فجميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن المحبة المحمودة وأصل المحبة المحمودة هي محبة الله سبحانه إذ العمل الصادر عن محبة مذمومة عند الله لا يكون عملاً صالحاً بل جميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن محبة الله فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه (3).
- وقال أيضاً: ولهذا كان التوحيد والإيمان أعظم ما تزكو به النفس وكان الشرك أعظم ما يدسيها وتتزكى بالأعمال الصالحة والصدقة هذا كله مما ذكره السلف (4).
(1) الفتاوي جـ / 10ص / 11.
(2)
الفتاوي جـ / 10ص / 16.
(3)
الفتاوي جـ / 10ص / 48.
(4)
الفتاوي جـ / 10ص / 632.
والإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان واعظمها قدرا وشأنا بل إن أعمال القلوب- عموما- آكد وأهم من أعمال الجوارح.
- يقول شيخ الإسلام عن الأعمال القلبية: وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين مثل محبة الله ورسوله والتوكل على الله وإخلاص الدين له والشكر له والصبر على حكمه والخوف منه والرجاء له وهذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق بإتفاق أئمة الدين (1).
- ويقول ابن القيم في بيان عظم أعمال القلوب: أعمال القلوب هي الأصل وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح فموات، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح (2).
- وقال أيضاً: ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب وأنها لا تنفع بدونها وأن
(1) الفتاوى جـ / 10ص / 5.
(2)
بدائع الفوائد جـ / 3ص / 224.
أعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح وهل يميز المؤمن عن المنافق إلا بما في قلب كل واحد من الأعمال التي ميزت بينهما؟ وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح وأكثر وأدوم فهي واجبة في كل وقت (1).
ومما ينبغي التذكير به في هذا الموضع هو أن الإخلاص إذا تمكن من طاعة ما فكانت هذه الطاعة خالصة لوجه الله، فإننا نشاهد أن الله تعالى يجزي الجزاء الكبير والعطاء العظيم لهؤلاء المخلصين وإن كانت الطاعة في ظاهرها يسيرة أو قليلة. يقول ابن تيمية في هذا الشأن: والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر كما في في حديث البطاقة.
فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص وإلا فأهل الكبائر الذين كما ترجح قول صاحب البطاقة. ثم ذكر ابن تيمية حديث البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له ثم قال: فهذه سقت
(1) بدائع الفوائد جـ / 3ص / 330.
الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغفر لها وإلا فليس كل بغي سقت كلبا يغفر لها فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص (1).
وختاما أذكر آثار التوحيد على الأعمال وفضله كما ذكرها الشيخ عبد الرحمن السعدي وهي باختصار:
1 -
أن من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.
2 -
مغفرة الذنوب وتكفيرها.
3 -
أنه السبب الأعظم لتفريج الكربات كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوبتها.
4 -
أنه يمنع الخلود في النار.
5 -
أنه يحصل لصاحبه الهدى والكمال والأمن التام في الدنيا والآخرة.
6 -
أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه.
7 -
أن جميع الأقوال والأعمال متوقفة في قبولها على التوحيد.
8 -
أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات.
(1) منهاج السنة النبوية جـ / 6ص / 218 - 221 بتصرف.
9 -
أنه إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وكره إليه الكفر.
10 -
أنه يخفف على العبد المكاره ويهون عليه الآلام.
11 -
أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم.
12 -
أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب فإنه يصير القليل من عمله كثيرا.
13 -
أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر.
14 -
أن الله يدفع عن الموحدين شرور الدنيا والآخرة ويمن عليهم بالحياة الطيبة (1).
* * *
(1) كتاب التوحيد ومعه كتاب القول السديد للسعدي ص 16 - 19.