الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1)، أي أنت ولينا وناصرنا وعليك توكَّلْنا، وأنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة لنا إلا بك (2). وقال عز وجل:{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} (3). وقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (4).
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة حينما قال لهم أبو سفيان لنا العُزى ولا عُزى لكم فقال: ((قولوا الله مولانا ولا مولى لكم)) (5).
98 - النَّصِيرُ
النصير: فعيل بمعنى فاعل أو مفعول؛ لأن كل واحد
(1) سورة البقرة، الآية:286.
(2)
تفسير ابن كثير، 1/ 344.
(3)
سورة التحريم، الآية:4.
(4)
سورة التحريم، الآية:2.
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه، برقم 3039، وفي كتاب المغازي، باب غزوة أحد، برقم 4043.
من المتناصرين ناصرٌ ومنصورٌ وقد نصره ينصره نصراً إذا أعانه على عدوه وشدّ منه (1).
والنصير هو الموثوق منه بأن لا يسلم وليه ولا يخذله (2). والله عز وجل النصير، ونصره ليس كنصر المخلوق:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (3)، وقد سمى نفسه تبارك وتعالى باسم النصير فقال:{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (4)، وقال تعالى:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} (5)، وقال عز وجل:{وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (6)، وقال سبحانه:{فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (7).
(1) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 64.
(2)
الأسماء والصفات للبيهقي، بتحقيق الشيخ عماد الدين أحمد، 1/ 127 - 128.
(3)
سورة الشورى، الآية:11.
(4)
سورة الفرقان، الآية:31.
(5)
سورة النساء، الآية:45.
(6)
سورة الحج، الآية:78.
(7)
سورة الأنفال، الآية:40.
والله عز وجل هو النصير الذي ينصر عباده المؤمنين ويعينهم كما قال عز وجل: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (1). وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (2)، وقال سبحانه:{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (3)، وقال جلَّ وعلا:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (4)، وقال سبحانه:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (5)، وقال عز وجل:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (6)، وقال تعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ
(1) سورة آل عمران، الآية:160.
(2)
سورة محمد، الآية:7.
(3)
سورة غافر، الآية:51.
(4)
سورة الروم، الآيتان: 4 - 5.
(5)
سورة الحج، الآية:40.
(6)
سورة الروم، الآية:47.
فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (1).
ونُصرةُ الله للعبد ظاهرة من هذه الآيات وغيرها، فهو ينصر من ينصره، ويعينه ويسدّده. أما نُصْرَة العبد لله فهي: أن ينصر عباد الله المؤمنين والقيام بحقوق الله عز وجل، ورعاية عهوده، واعتناق أحكامه، والابتعاد عما حرّم الله عليه، فهذا من نصرة العبد لربه، كما قال عز وجل:{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} وقال: {كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ} (2)، وقال:{وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (3)، ومن نصر الله بطاعته والابتعاد عن معصيته نصره الله نصراً مؤزّراً (4).
والله عز وجل: ينصر عباده المؤمنين على أعدائهم، ويبين لهم ما يحذرون منهم، ويعينهم عليهم، فولايته تعالى فيها
(1) سورة الحج، الآية:15.
(2)
سورة الصف، الآية:14.
(3)
سورة الحديد، الآية:25.
(4)
انظر مفردات الأصفهاني، ص495.
حصول الخير، ونصره فيه زوال الشر (1).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا غزا: ((اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أجُول وبك أصول، وبك أقاتل)) (2).
والله عز وجل ينصر عباده المؤمنين في قديم الدهر وحديثه في الدنيا، ويُقِرُّ أعينهم ممن آذاهم، ففي صحيح البخاري يقول الله تبارك وتعالى:((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) (3)؛ ولهذا أهلك الله قوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب الرس، وقوم لوط، وأهل مدين، وأشباههم ممن كذَّب الرسل وخالف الحق، وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين، فلم يهلك منهم أحداً، وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحداً.
وهكذا نصر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه
(1) تفسير السعدي، 2/ 76.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب ما يدعى عند اللقاء، برقم 2623، والترمذي في كتاب الدعوات، باب في الدعاء إذا غزا، برقم 3584، وقال:((هذا حديث حسن غريب)). وانظر: صحيح الترمذي، 3/ 183.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع، برقم 6502.
وكذبه، وعاداه، فجعل كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان
…
ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وانتشر دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها (1).
وقد وعد الله من ينصره بالنصر والتأييد، فمن نصر الله بالقيام بدينه والدعوة إليه، وجهاد أعدائه، وقصد بذلك وجه الله، نصره الله وأعانه وقوّاه، والله وعده وهو الكريم، وهو أصدق قيلاً، وأحسن حديثاً، فقد وعد أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه،
ويُيَسِّرُ له أسباب النصر من الثبات وغيره (2).وقد بيّن الله عز وجل علامة من ينصر الله فمن ادّعى أنّه ينصر الله وينصر دينه، ولم يتصف بهذا الوصف، فهو كاذب. قال عز وجل:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (3)،فهذه
(1) تفسير ابن كثير، 4/ 84.
(2)
تفسير العلامة السعدي، 6/ 66.
(3)
سورة الحج، الآيتان: 40 - 41.