الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَنْبِيَاءِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُتَشَابِهِ فِي الْمَقَايِيسِ وَالْآرَاءِ، وَيُعْرِضُونَ عَمَّا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفُرُوقِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْإِلْحَاقِ وَالِاسْتِوَاءِ، كَحَالِ الْكُفَّارِ، وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ يُمَثِّلُونَ الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ، وَالْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ، وَيَضْرِبُونَ لِلَّهِ الْمَثَلَ بِالْقَوْلِ الْهُزْءِ.
[مَا كَفَرَتْ بِهِ النَّصَارَى]
وَذَلِكَ أَنَّ دِينَ النَّصَارَى الْبَاطِلَ إِنَّمَا هُوَ دِينٌ مُبْتَدَعٌ، ابْتَدَعُوهُ بَعْدَ الْمَسِيحِ عليه السلام، وَغَيَّرُوا بِهِ دِينَ الْمَسِيحِ، فَضَلَّ مِنْهُمْ مَنْ عَدَلَ عَنْ شَرِيعَةِ الْمَسِيحِ إِلَى مَا ابْتَدَعُوهُ.
ثُمَّ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم كَفَرُوا بِهِ فَصَارَ كُفْرُهُمْ وَضَلَالُهُمْ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: تَبْدِيلَ دِينِ الرَّسُولِ الْأَوَّلِ، وَتَكْذِيبَ الرَّسُولِ الثَّانِي.
كَمَا كَانَ كُفْرُ الْيَهُودِ بِتَبْدِيلِهِمْ أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ قَبْلَ مَبْعَثِ الْمَسِيحِ، ثُمَّ تَكْذِيبِهِمُ الْمَسِيحَ عليه السلام.
وَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ النَّصَارَى مِنَ التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ، لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ: لَا الْإِنْجِيلُ وَلَا غَيْرُهُ، بَلْ دَلَّتْ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ، وَلَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ عَقْلٌ بَلِ الْعَقْلُ الصَّرِيحُ مَعَ نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ، بَلْ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ شَرَائِعِ دِينِهِمْ مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ، لَمْ يُشَرِّعْهَا الْمَسِيحُ عليه السلام.
ثُمَّ التَّكْذِيبُ لِمُحَمَّدٍ، صلى الله عليه وسلم، هُوَ كُفْرُهُمُ الْمَعْلُومُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، مِثْلُ كُفْرِ الْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ عليه السلام وَأَبْلَغُ.
وَهُمْ يُبَالِغُونَ فِي تَكْفِيرِ الْيَهُودِ بِأَعْظَمَ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الْيَهُودُ مِنَ التَّكْفِيرِ، إِذْ كَانَ الْيَهُودُ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ وَلَدُ غَيَّةٍ، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
{وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: 156] .
وَالنَّصَارَى يَدَّعُونَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَنَّهُ دَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ، فَكَانَتِ الْأُمَّتَانِ فِيهِ عَلَى غَايَةِ التَّنَاقُضِ وَالتَّعَادِي وَالتَّقَابُلِ ; وَلِهَذَا كُلُّ أُمَّةٍ تَذُمُّ الْأُخْرَى بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَحِقُّهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [البقرة: 113] .
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
مُحَمَّدٍ، مَوْلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَتْهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ، فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَكَفَرَ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ جَمِيعًا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ مِنَ النَّصَارَى لِلْيَهُودِ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَجَحَدَ نُبُوَّةَ مُوسَى، وَكَفَرَ بِالتَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمَا {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 113] .
قَالَ: كُلٌّ يَتْلُو فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ مَا كَفَرَ: أَيْ تَكْفُرُ الْيَهُودُ بِعِيسَى، وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى بِالتَّصْدِيقِ بِعِيسَى عليه السلام، وَفِي الْإِنْجِيلِ بِإِجَابَةِ عِيسَى بِتَصْدِيقِ مُوسَى، وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكُلٌّ يَكْفُرُ بِمَا فِي يَدَيْ صَاحِبِهِ.
قَالَ قَتَادَةُ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: 113] قَالَ: بَلَى قَدْ كَانَ أَوَائِلُ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَلَكِنَّهُمُ ابْتَدَعُوا وَتَفَرَّقُوا.