الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: دَلَائِلِ صِدْقِ النَّبِيِّ الصَّادِقِ]
وَدَلَائِلُ صِدْقِ النَّبِيِّ الصَّادِقِ، وَكَذِبِ الْمُتَنَبِّي الْكَذَّابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَإِنَّ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَكَانَ صَادِقًا، فَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْمَلِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ ; فَإِنَّهُ لَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة: 253] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] .
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِلنُّبُوَّةِ كَاذِبًا فَهُوَ مِنْ أَكْفَرِ خَلْقِ اللَّهِ، وَشَرِّهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93] .
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ - وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 32 - 34] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 60] .
فَالْكَذِبُ أَصْلٌ لِلشَّرِّ، وَأَعْظَمُهُ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ عز وجل، وَالصِّدْقُ أَصْلٌ لِلْخَيْرِ، وَأَعْظَمُهُ الصِّدْقُ عَلَى اللَّهِ تبارك وتعالى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ; فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صَدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ ; فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» .
وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِنْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَهَذَا مِنْ أَسْفَلِ الدَّرَكَاتِ، كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْفُرُوقِ، وَالدَّلَائِلِ، وَالْبَرَاهِينِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ أَحَدِهَا وَكَذِبِ الْآخَرِ مَا يَظْهَرُ لِكُلِّ مَنْ عَرَفَ حَالَهُمَا. وَلِهَذَا كَانَتْ دَلَائِلُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَعْلَامُهُمُ الدَّالَّةُ عَلَى صِدْقِهِمْ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا أَنَّ دَلَائِلَ كَذِبِ الْمُتَنَبِّئِينَ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.