الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: بِشَارَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَبْقُوقَ]
قَالُوا: وَقَالَ حَبْقُوقُ: - وَسُمِّيَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرِيحًا مَرَّتَيْنِ فِي نُبُوَّتِهِ -: " إِنَّ اللَّهَ جَاءَ مِنَ التَّيَمُّنِ، وَالْقُدُّوسَ مِنْ جَبَلِ فَارَانَ، لَقَدْ أَضَاءَتِ السَّمَاءُ مِنْ بَهَاءِ مُحَمَّدٍ، وَامْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنْ حَمْدِهِ، شُعَاعٌ مَنْظَرُهُ مِثْلُ النُّورِ، يَحُوطُ بِلَادَهُ بِعِزِّهِ، تَسِيرُ الْمَنَايَا أَمَامَهُ، وَتَصْحَبُ سِبَاعُ الطَّيْرِ أَجْنَادَهُ، قَامَ فَمَسَحَ الْأَرْضَ فَتَضَعْضَعَتْ لَهُ الْجِبَالُ الْقَدِيمَةُ، وَانْخَفَضَتِ الرَّوَابِي، وَتَزَعْزَعَتْ سُتُورُ أَهْلِ مَدْيَنَ ".
،
ثُمَّ قَالَ: " زَجْرُكَ فِي الْأَنْهَارِ، وَإِقْدَامُ صُوَّامِكَ فِي الْبِحَارِ، رَكِبْتَ الْخُيُولَ، وَعَلَوْتَ مَرَاكِبَ الْإِيفَادِ، وَسَتَنْزِعُ فِي قِسِيِّكَ أَعْرَاقًا وَنَزْعًا، وَتَرْتَوِي السِّهَامُ بِأَمْرِكَ يَا مُحَمَّدُ ارْتِوَاءً، وَلَقَدْ رَأَتْكَ الْجِبَالُ فَارْتَاعَتْ، وَانْحَرَفَ عَنْكَ شُؤْبُوبُ السَّيْلِ، وَتَغَيَّرَتِ الْمَهَاوِي تَغَيُّرًا وَرُعْبًا، رَفَعَتْ أَيْدِيَهَا وَجَلًا وَخَوْفًا، وَسَارَتِ الْعَسَاكِرُ فِي بَرِيقِ سِهَامِكَ وَلَمَعَانِ نَيَازِكِكَ، وَتُدَوِّخُ الْأَرْضَ غَضَبًا، وَتَدُوسُ الْأُمَمَ زَجْرًا؛ لِأَنَّكَ ظَهَرْتَ بِخَلَاصِ أُمَّتِكَ
وَإِنْقَاذِ تُرَاثِ آبَائِكَ ".
قَالُوا: وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمُحَمَّدٍ، وَمَنْ رَامَ صَرْفَ نُبُوَّةِ حَبْقُوقَ هَذِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ رَامَ سِتْرَ النَّهَارِ، وَحَبْسَ الْأَنْهَارِ، وَأَنَّى يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ؟ ! وَقَدْ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ مَرَّتَيْنِ، وَأَخْبَرَ بِقُوَّةِ أُمَّتِهِ، وَسَيْرِ الْمَنَايَا أَمَامَهُمْ، وَاتِّبَاعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ آثَارَهُمْ. وَهَذِهِ النُّبُوَّةُ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِمُحَمَّدٍ، وَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَيْهِ، فَمَنْ حَاوَلَ صَرْفَهَا عَنْهُ فَقَدْ حَاوَلَ مُمْتَنِعًا. وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَجِيءَ نُورِ اللَّهِ مِنَ التَّيَمُّنِ - وَهِيَ نَاحِيَةُ مَكَّةَ وَالْحِجَازِ - فَإِنَّ أَنْبِيَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَكُونُونَ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ، وَمُحَمَّدٌ جَاءَ مِنْ نَاحِيَةِ
الْيَمَنِ، وَجِبَالُ فَارَانَ هِيَ جِبَالُ مَكَّةَ - كَمَا قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ - وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ النِّزَاعُ فِيهِ.
وَأَمَّا امْتِلَاءُ السَّمَاءِ مِنْ بَهَاءِ أَحْمَدَ، بِأَنْوَارِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْهُ وَمِنْ أُمَّتِهِ، وَامْتِلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ حَمْدِهِ وَحَمْدِ أُمَّتِهِ فِي صَلَوَاتِهِمْ، فَأَمْرٌ ظَاهِرٌ ; فَإِنَّ أُمَّتَهُ هُمُ الْحَمَّادُونَ، لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَخُطْبَةٍ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ مُصَلٍّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَنْ يَقُولُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2 - 4] .
فَإِذَا قَالَ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] .
قَالَ اللَّهُ: حَمَدَنِي عَبْدِي.
فَإِذَا قَالَ:
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 3] .
قَالَ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي.
فَإِذَا قَالَ:
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] .
قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي.
فَهُمْ يَفْتَحُونَ الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّحْمِيدِ، وَيَخْتِمُونَهَا بِالتَّحْمِيدِ، وَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ مِنَ الرُّكُوعِ يَقُولُ: إِمَامُهُمْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَقُولُونَ: جَمِيعًا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَيَخْتِمُونَ صَلَاتَهُمْ بِتَحْمِيدٍ، يَجْعَلُ التَّحِيَّاتِ لَهُ وَالصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ. وَأَنْوَاعُ تَحْمِيدِهِمْ لِلَّهِ مِمَّا يَطُولُ وَصْفُهُ.