الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: بِشَارَةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ دَاوُدَ عليه السلام]
فَصْلٌ
قَالُوا: وَقَالَ: دَاوُدُ فِي مَزْمُورٍ لَهُ: " إِنَّ رَبَّنَا عَظِيمٌ مَحْمُودٌ جِدًّا " وَفِي تَرْجَمَتِهِ: " إِلَهُنَا قُدُّوسٌ، وَمُحَمَّدٌ قَدْ عَمَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا فَرَحًا ". قَالُوا: فَقَدْ نَصَّ دَاوُدُ عَلَى اسْمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَبَلَدِهِ، وَسَمَّاهَا قَرْيَةَ اللَّهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ كَلِمَتَهُ تَعُمُّ الْأَرْضَ كُلَّهَا.
قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ لَمَّا قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ " أَخْبِرْنَا بِبَعْضِ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ
- صلى الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ "، فَقَالَ: " إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ "، وَذِكْرُ صِفَتِهِ مَوْجُودَةٌ فِي نُبُوَّةِ أَشْعِيَاءَ، وَلَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي نَفْسِ كِتَابِ مُوسَى.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ لَفْظَ التَّوْرَاةِ يَقْصِدُونَ بِهِ جِنْسَ الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَخُصُّونَ بِذَلِكَ كِتَابَ مُوسَى.
وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، يُرَادُ بِالتَّوْرَاةِ جِنْسُ الْكُتُبِ الَّتِي عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ كِتَابَ مُوسَى وَزَبُورَ دَاوُدَ وَصُحُفَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - سِوَى الْإِنْجِيلِ - فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ النَّصَارَى خَاصَّةً.
وَأَمَّا سَائِرُ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ، فَالْأُمَّتَانِ تُقِرُّ بِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ
كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ فِي الْقُرْآنِ بَيْنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُ الزَّبُورَ مُفْرَدًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَقَوْلِهِ:
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] .
وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ، وَهُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَصْرَحُ مِمَّا هُوَ فِي كِتَابِ مُوسَى خَاصَّةً.
فَإِذَا أُرِيدَ بِالتَّوْرَاةِ جِنْسُ الْكُتُبِ فَلَا يَسْتَرِيبُ عَاقِلٌ فِي كَثْرَةِ ذِكْرِهِ وَنَعْتِهِ وَنَعْتِ أُمَّتِهِ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ بِذَلِكَ الِاسْتِشْهَادَ
بِوُجُودِهِ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ، وَإِقَامَةَ الْحُجَّةِ بِذِكْرِهِ فِيهَا. فَإِذَا كَانَ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُوسَى أَكْبَرَ وَأَظْهَرَ عِنْدَهُمْ، كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِ الِاسْتِدْلَالِ بِكِتَابِ مُوسَى. فَإِذَا حُمِلَ لَفْظُ التَّوْرَاةِ فِي هَذَا عَلَى جِنْسِ الْكُتُبِ، كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي لُغَةِ مَنْ تَكَلَّمَ بِذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَانَ هَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَدْحِ لِلْقُرْآنِ وَالْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَتَصْدِيقِ بَعْضِهَا بَعْضًا.
وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مُطْلَقًا، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:
وَقَالَ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: 177] .
وَالزَّبُورُ ذَكَرَهُ مُفْرَدًا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، فِي قَوْلِهِ:
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء: 55] .
فَذَكَرَهُ مُفْرَدًا.
وَذَكَرَ كِتَابَ مُوسَى بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ، لَا بِلَفْظِ التَّوْرَاةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَالَ:
وَقَالَ:
إِلَى قَوْلِهِ..
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -.
وَقَالَ - تَعَالَى -:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} [الأنعام: 154] .
وَإِذَا كَانَ لَفْظُ التَّوْرَاةِ يَتَنَاوَلُ الْكُتُبَ الَّذِي عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا، وَالزَّبُورُ وَغَيْرُهُ دَاخِلٌ فِي هَذَا الِاسْمِ، وَكَانَ ظُهُورُ اسْمِهِ وَنَعْتِهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَوُجُودُ ذَلِكَ فِيمَا عِنْدَهُمْ، وَتَكَرُّرُهُ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ، وَكَانَ مَعْرِفَتُهُمْ لِذَلِكَ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَاضِحًا بَيِّنًا، إِنْ قُدِّرَ هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي يَعْتَرِفُ بِهَا عَامَّتُهُمْ، لَمْ يُكْتَمْ مِنْهَا شَيْءٌ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ كَمَا كَانَتْ.