الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ: التَّحْقِيقُ فِي اسْمِ الْمُعْجِزَةِ وَالْآيَةِ وَالْكَرَامَةِ وَإِطْلَاقِهِنَّ]
وَالْآيَاتُ وَالْبَرَاهِينُ الدَّالَّةُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، وَهِيَ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنْ آيَاتِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَيُسَمِّيهَا مَنْ يُسَمِّيهَا مِنَ النُّظَّارِ (مُعْجِزَاتٍ) ، وَتُسَمَّى (دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ) وَ (أَعْلَامَ النُّبُوَّةِ) .
وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ إِذَا سُمِّيَتْ بِهَا آيَاتُ الْأَنْبِيَاءِ، كَانَتْ أَدَلَّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ لَفْظِ الْمُعْجِزَاتِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لَفْظُ (الْمُعْجِزَاتِ) مَوْجُودًا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا فِيهِ لَفْظُ (الْآيَةِ) وَ (الْبَيِّنَةِ) وَ (الْبُرْهَانِ)، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى:
{فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 32] .
فِي الْعَصَا وَالْيَدِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم:
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174] .
وَقَدْ قَالَ فِي مُطَالَبَةِ أَهْلِ الدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ بِالْبُرْهَانِ:
وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64] .
وَقَالَ:
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص: 74] .
وَأَمَّا لَفْظُ (الْآيَاتِ) فَكَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: 12] آيَةً أُخْرَى.
وَقَوْلِ فِرْعَوْنَ لَهُ:
{فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 31] .
وَقَالَ قَوْمُ صَالِحٍ لَهُ:
{فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 154] .
وَقَالَ:
{هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً} [الأعراف: 73] .
وَقَالَ الْمَسِيحُ:
وَقَالَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ:
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1] .
وَقَالَ:
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 50] .
وَقَالَ:
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] .
وَقَالَ تَعَالَى:
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} [يونس: 15] .
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] .
وَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ قَصَصِ الْأَنْبِيَاءِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ - قَالَ فِي آخِرِ كُلِّ قِصَّةٍ:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ - وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: 67 - 68] .
وَقَالَ:
{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] .
إِلَى أَنْ قَالَ فِي آخِرِهَا:
{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} [يوسف: 102] .
إِلَى قَوْلِهِ:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: 20] .
وَقَالَ:
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] .
وَأَمَّا لَفْظُ الْمُعْجِزِ، فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْجَزَ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الزمر: 51] .
وَقَالَ:
{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [العنكبوت: 22] .
وَمَنْ لَا يُثْبِتُ فِعْلًا إِلَّا لِلَّهِ يَقُولُ: الْمُعْجِزُ هُوَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ غَيْرُهُ مُعْجِزًا مَجَازًا. وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ آيَةً وَدَلِيلًا إِلَّا إِذَا فُسِّرَ الْمُرَادُ بِهِ وَذُكِرَ شَرَائِطُهُ، وَلِهَذَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ لَا يُسَمِّي مُعْجِزًا إِلَّا مَا كَانَ لِلْأَنْبِيَاءِ فَقَطْ، وَمَا كَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ إِنْ أُثْبِتَ لَهُمْ خَرْقُ عَادَةٍ سَمَّاهَا كَرَامَةً.
وَالسَّلَفُ - كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ - كَانُوا يُسَمُّونَ هَذَا وَهَذَا مُعْجِزًا، وَيَقُولُونَ لِخَوَارِقَ الْأَوْلِيَاءِ: إِنَّهَا مُعْجِزَاتٌ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا كَانَ آيَةً وَبُرْهَانًا عَلَى نُبُوَّةِ النَّبِيِّ، فَإِنَّ هَذَا يَجِبُ اخْتِصَاصُهُ.
وَقَدْ يُسَمُّونَ الْكَرَامَاتِ آيَاتٍ، لِكَوْنِهَا تَدُلُّ عَلَى نُبُوَّةِ مَنِ اتَّبَعَهُ الْوَلِيُّ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَدْلُولِ، يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمَدْلُولِ، فَكَذَلِكَ مَا كَانَ آيَةً وَبُرْهَانًا، وَهُوَ الدَّلِيلُ وَالْعَلَمُ عَلَى نُبُوَّةِ النَّبِيِّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ. وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ دَلَائِلَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ كَمَا قَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ
مَنْ يُخَصِّصُ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ بِنَوْعٍ فَقَدْ غَلِطَ، بَلْ هِيَ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، لَكِنَّ الْآيَاتِ نَوْعَانِ:
وَمِنْهَا: مَا مَضَى وَصَارَ مَعْلُومًا بِالْخَبَرِ، كَمُعْجِزَاتِ مُوسَى وَعِيسَى.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ بَاقٍ إِلَى الْيَوْمِ كَالْقُرْآنِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَكَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ الَّذِي فِي أَتْبَاعِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ، وَكَشَرِيعَتِهِ الَّتِي أَتَى بِهَا، فَإِنَّهَا - أَيْضًا - مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ، وَكَالْآيَاتِ الَّتِي يُظْهِرُهَا اللَّهُ وَقْتًا بَعْدَ وَقْتٍ مِنْ كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ مِنْ أُمَّتِهِ، وَوُقُوعِ مَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ، كَقَوْلِهِ:" «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ» "، وَقَوْلِهِ:" «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى» ". وَقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ النَّارُ سَنَةَ خَمْسِينَ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَشَاهَدَ النَّاسُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى.
وَظَهَرَ دِينُهُ وَمِلَّتُهُ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَالْيَدِ وَالسِّنَانِ، وَمَثَلُ الْمَثُلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ الَّتِي تَحِيقُ بِأَعْدَائِهِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَكَنَعْتِهِ الْمَوْجُودِ فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.