الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
الْحَمد لله مانح الْمُلُوك رياسة الْبِلَاد، وموليهم سياسة الْعباد ومؤيدهم بالنصر على الأضداد، من أهل الشقاق والعناد، وواعدهم على المعدلة حسن الْعَاقِبَة فِي الْمعَاد:{إِن الله لَا يخلف الميعاد} [آل عمرَان: 9] ، أَحْمَده على مَا أنعم وَأفَاد وأشكره شكرا لَيْسَ لَهُ نفاد، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة أخْلص لَهُ فِيهَا اللِّسَان والفؤاد، وَأشْهد أَن محمداُ عَبده وَرَسُوله النَّاسِخ الضَّلَالَة بالرشاد، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الأمجاد وَأَصْحَابه الزهاد، صَلَاة لَا ينْحَصر لَهَا تعداد.
أما بعد: فَإِن من وصف الرياسة الْعدْل فِي السياسة، لتعمر الْبِلَاد ويأمن الْعباد، ويصخ الْفساد، وتجري الْأُمُور على وفْق السداد، وتنتعش الرّعية، وتقوى على أَدَاء الْفَرَائِض الشَّرْعِيَّة، وَتلك رَحْمَة من الله أودعها قُلُوب الْوُلَاة والملوك، لينصفوا بَين الْمَالِك والمملوك والغني والصعلوك.
والسياسة سياستان: سياسة الدّين، وسياسة الدُّنْيَا.
فسياسة الدّين، مَا أدّى إِلَى قَضَاء الْغَرَض.
وسياسة الدُّنْيَا، مَا أدّى إِلَى عمَارَة الأَرْض، وَكِلَاهُمَا يرجعان إِلَى الْعدْل الَّذِي بِهِ سَلامَة السُّلْطَان وَعمارَة الْبلدَانِ، لِأَن من ترك الْفَرْض ظلم نَفسه، وَمن خرب الأَرْض ظلم غَيره. قَالَ أفلاطون الْحَكِيم: بِالْعَدْلِ ثبات الْأَشْيَاء وبالجور زَوَالهَا.
وَلما كَانَ الْعدْل هُوَ ميزَان الله فِي أرضه، وَبِه يتَوَصَّل إِلَى أَدَاء فَرْضه، بادرت إِلَى جمع لمْعَة فِيمَا ورد من محَاسِن الْعدْل والسياسة لِذَوي النفاسة، وأرباب الرياسة وجعلتها كتابا ووسمته " بالجوهر النفيس فِي سياسة الرئيس "، وَكَانَ الَّذِي حداني على ذَلِك: مَا انْتَشَر فِي الْبِلَاد واشتهر بَين الْعباد، من حسن سيرة الْمولى الْأَمِير الْكَبِير الأسعد الأمجد، الْعَالم، الْعَادِل، الْكَامِل، الزَّاهِد، العابد، الْمُجَاهِد، أخص الْخَواص الْعَامِل بالإخلاص، كَهْف الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين، ملك الْأُمَرَاء والمقدمين، خَالِصَة أَمِير الْمُؤمنِينَ، سعد الدُّنْيَا وَالدّين ولي الدولة البدرية وصفي المملكة الرحيمية، خلد الله سلطانها وَأَعْلَى فِي الدَّاريْنِ مَكَانهَا وإمكانها، أحسن الله عاقبته وأبد ولَايَته فِي الْبِلَاد، وَجَمِيل سيرته ومعدلته بَين الْعباد، وَالْعَمَل بِالْعَدْلِ والإفضال وَالْفضل، وَحب الصَّدقَات وَفعل الْخيرَات والتنفيس عَن المكروبين، وَالْإِحْسَان إِلَى جَمِيع الْمُسلمين المقيمين بمقره والنازحين، وإغاثة الملهوف وتحبيس الْوُقُوف، وَإِعْطَاء الجزيل وإسداء الْجَمِيل، وتتبع فعل
الْخيرَات بِمَا لَا يُحْصى من جَمِيع الْجِهَات على دوَام الْأَوْقَات راجياً مَا عِنْد الله يَوْم الْفَصْل والميقات ثَوابًا موفوراً: {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا} [آل عمرَان: 30] .
بلغه الله الآمال فِي الدُّنْيَا والمآل، وأدام دولته، وَحفظ مهجته، وأعز أنصاره، وضاعف اقتداره وَأحسن إِلَيْهِ بإحسانه إِلَيْنَا، وأنعم عَلَيْهِ بإنعامه علينا بِمُحَمد وَآله الطاهرين، وَأَصْحَابه المنتجبين. وَلما تمّ هَذَا الْكتاب كالدر والعقيان فِي نحور الحسان، حَملته خدمَة مني لمحروس خزانته العامرة وَنعمته الغامرة، لِيَزْدَادَ من حسن سيرته، وَجَمِيل معدلته، وَتلك نعْمَة أنعمها الله عَلَيْهِ، ليؤدي شكرها إِلَيْهِ.
ثَبت الله قَوَاعِد سُلْطَانه وأيده بتأييد أعوانه، وتولاه فِيمَا ولاه بِمُحَمد وَمن اصطفاه.
وبنيت أصُول هَذَا الْكتاب على عشرَة أَبْوَاب: الْبَاب الأول فِي فضل الْعدْل من ذَوي الْفضل
الْبَاب الثَّانِي فِي فضل السياسة من أَرْبَاب الرياسة الْبَاب الثَّالِث فِي فضل الْحلم والأناة من الْمُلُوك والولاة الْبَاب الرَّابِع فِي فضل الْعَفو المشوب بالصفو الْبَاب الْخَامِس فِي اصطناع الْمَعْرُوف إِلَى الْمَجْهُول وَالْمَعْرُوف الْبَاب السَّادِس فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق من متوفري الخلاق الْبَاب السَّابِع فِي السؤدد والمروة من ذَوي الْفضل والفتوة الْبَاب الثَّامِن فِي حسن الْخلق من الْخلق الْبَاب التَّاسِع فِي فضل المشورة من ذَوي الآراء الْبَاب الْعَاشِر فِي فضل السخاء والجود الْمفضل فِي الْوُجُود وَالله تَعَالَى الْمَسْئُول فِي بُلُوغ المأمول، إِنَّه ولي الْإِجَابَة وَمَوْضِع الطّلبَة مِنْهُ، وَطوله وقوته وَحَوله.