الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْبَاب الثَّالِث)
(فِي فضل الْحلم والأناة من الْمُلُوك والولاة)
قَالَ الْهِلَالِي: بَلغنِي أَن جِبْرِيل _ عليه السلام _ نزل على النَّبِي _[صلى الله عليه وسلم]_ فَقَالَ: " يَا مُحَمَّد إِنِّي أَتَيْتُك بمكارم الْأَخْلَاق كلهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} [الْأَعْرَاف: 199] ، وَهُوَ يَا مُحَمَّد أَن تصل من قَطعك وَتَعْفُو عَمَّن ظلمك وَتُعْطِي من حَرمك ".
قَالَ الشّعبِيّ: " قلت لِابْنِ هُبَيْرَة: عَلَيْك بالتؤدة، فَإنَّك على فعل مَا لم تفعل أقدر مِنْك على رد مَا قد فعلت ".
قَالَ يزِيد بن مُعَاوِيَة لِأَبِيهِ: " يَا أبه هَل ذممت عَاقِبَة حلمٍ قطّ؟ أم
حمدت عَاقِبَة إقدام قطّ؟ قَالَ: مَا حلمت عَن لئيم، وَإِن كَانَ وليا إِلَّا أعقبني ندماً وَلَا أقدمت على كريم وَإِن كَانَ عدوا إِلَّا أعقبني أسفا ".
قَالَ أَبُو بكر بن عَيَّاش: " اجْتمع أَرْبَعَة مُلُوك: ملك " الْهِنْد "، وَملك " الصين "، و " كسْرَى "، و " قَيْصر "، فَقَالَ أحدهم: أَنا أندم على مَا قلت، وَلَا أندم على مَا لم أقل، وَقَالَ الآخر: إِذا تَكَلَّمت بِالْكَلِمَةِ ملكتني وَلم أملكهَا، وَإِذا لم أَتكَلّم بهَا ملكتها وَلم تملكني، وَقَالَ الثَّالِث: عجبت للمتكلم إِن رجعت الْكَلِمَة عَلَيْهِ ضرته، وَإِن لم ترجع ضرته، وَقَالَ الرَّابِع: أَنا على رد مَا لم أقل أقدر مني على رد مَا قلت ".
سَأَلَ عَليّ _ عليه السلام _ كَبِيرا من كبراء " فَارس ": " أَي ملوككم كَانَ أَحْمد سيرة؟ قَالَ: أنو شرْوَان قَالَ: فَأَي أخلاقه كَانَ أغلب عَلَيْهِ؟ قَالَ: الْحلم والأناة، فَقَالَ عَليّ عليه السلام: هما توءمان ينتجهما علو الهمة ".
أُتِي الْحجَّاج بِرَجُل من الْخَوَارِج فَأمر بِضَرْب عُنُقه، فاستنظره يَوْمًا قَالَ: وَمَا تُرِيدُ بذلك؟ قَالَ: أؤصل عَفْو الْأَمِير مَعَ مَا تجْرِي بِهِ الْمَقَادِير، فَاسْتحْسن قَوْله وخلاه.
أُتِي بعض الْمُلُوك بِرَجُل قد أجرم فَأمر بِضَرْب عُنُقه، فَقَالَ لَهُ الرجل: يَا مولَايَ تأن عَليّ فَإِن التأني نصف الْعقُوبَة، فَعَفَا عَنهُ، أَخذ مُصعب بن الزبير رجلا من أَصْحَاب الْمُخْتَار بن أبي عبيد فَأمر بِضَرْب عُنُقه، فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير مَا أقبح بك أَن أقوم يَوْم الْقِيَامَة إِلَى صُورَتك هَذِه الْحَسَنَة ووجهك هَذَا الَّذِي يستضاء بِهِ، فأتعلق بأطرافك وَأَقُول: يَا رب سل مصعباً فيمَ قتلني؟ فَقَالَ: مُصعب: أَطْلقُوهُ قَالَ: اجْعَل مَا وهبت من حَياتِي فِي خفض قَالَ: أَعْطوهُ عشرَة آلَاف دِرْهَم، قَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي، أشهد الله أَن لِابْنِ قيس الرقيات خَمْسَة آلَاف، قَالَ: وَلم؟ قَالَ: لقَوْله: // (الْخَفِيف) //
(إِنَّمَا مُصعب شهَاب من الله
…
تجلت عَن وَجهه الظلماء)
(يَتَّقِي الله فِي الْأُمُور وَقد أَفْلح
…
من كَانَ همه الاتقاء)
فَضَحِك مُصعب وَقَالَ: فِيك مَوضِع للصنيعة، وَأمره بملازمته وَأحسن إِلَيْهِ وَلم يزل مَعَه حَتَّى قتل مُصعب.
قَالَ الْمَدَائِنِي: " ثَلَاثَة لَا ينتصفون من ثَلَاثَة: حَلِيم من أَحمَق، وبر من فَاجر وشريف من دني ".
وَكَانَ يُقَال: " لَيْسَ الْحَلِيم من ظلم فحلم حَتَّى إِذا قدر انتقم، وَلَكِن الْحَلِيم من ظلم فحلم حَتَّى إِذا قدر عَفا ".
قَالَ خَالِد بن صَفْوَان التَّمِيمِي: " شهِدت عَمْرو بن عبيد، وَرجل يشتمه فَمَا ترك شَيْئا إِلَّا وأوسعه إِيَّاه، فَلَمَّا فرغ قَالَ لَهُ عَمْرو: آجرك الله على مَا ذكرت من صَوَاب، وَغفر لَك مَا ذكرت من أخطاء، فَمَا حسدت أحدا حسدي على هَاتين الْكَلِمَتَيْنِ ".
وَكَانَ يُقَال: " إِن أفضل رِدَاء ارتدي بِهِ الْحلم، فَإِن لم يكن حَلِيمًا فيتحلم، فَإِنَّهُ قل لمن تشبه بِقوم إِلَّا أوشك أَن يكون مِنْهُم ".
وَكَانَ يُقَال: " احضر النَّاس جَوَابا من لم يغْضب ".
دخل جَعْفَر بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث على الرشيد، وَقد استخفه الْغَضَب على رجل، فَقَالَ لَهُ:" يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك إِنَّمَا تغْضب لله، فَلَا تغْضب لَهُ أَكثر مِمَّا غضب لنَفسِهِ عز وجل ".
كَانَ أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ يَقُول: " النَّاس إِمَّا لئيم، فوَاللَّه لَا أجعَل عرضي لعرضه خطراً وَلَا أجعله لي ندا، وَإِمَّا كريم كَانَت مِنْهُ هفوة، فوَاللَّه لَا أؤدبه، لِأَنِّي أَحَق من غفرها، وَقَالَ: // (الطَّوِيل) //
(وأغفر عوراء الْكَرِيم ادخاره
…
وَأعْرض عَن شتم اللَّئِيم تكرما)
قَالَ بعض الْعلمَاء: مَكْتُوب فِي الْإِنْجِيل: " لَا يَنْبَغِي أَن يكون الْعَالم