الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَفِيها، وَمن عِنْده يقتبس الْحلم، وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون الإِمَام جائراً، وَمن عِنْده يلْتَمس الْعدْل.
(الْبَاب الرَّابِع فِي فضل الْعَفو المشوب بالصفو)
قَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " عَفْو الْمُلُوك بَقَاء للْملك "، وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] :" إِن الْعَفو لَا يزِيد العَبْد إِلَّا عزا فاعفوا يعزكم الله، وَإِن التَّوَاضُع لَا يزِيد العَبْد إِلَّا رفْعَة، فتواضعوا يرفعكم الله، وَإِن الصَّدَقَة لَا تزيد المَال إِلَّا نَمَاء فتصدقوا يزدكم الله ".
لما أُتِي عبد الْملك بن مَرْوَان بأسرى بني الْأَشْعَث قَالَ لرجاء بن حَيْوَة: مَا ترى؟ قَالَ: " إِن الله أَعْطَاك مَا تحب من الظفر فأعطه مَا يحب من الْعَفو
فَعَفَا عَنْهُم ".
وَلما ظفر الْمَأْمُون بِعَمِّهِ إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي قَالَ لِأَحْمَد بن أبي خَالِد الْكَاتِب: يَا أَحْمد مَا تَقول فِي هَذَا الرجل؟ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن تقتله فقد وجدت مثلك قتل مثله، وَإِن تعف لم تَجِد مثلك عَفا عَن مثله، فَقَالَ الْمَأْمُون: لَا رَأْي لنا فِي الشّركَة، وَأمر بِإِطْلَاقِهِ وَعَفا عَنهُ.
كَانَ مُعَاوِيَة يَقُول: إِن أولى النَّاس بِالْعَفو أقدرهم على الْعقُوبَة، وَإِن أنقص النَّاس عقلا من ظلم من هُوَ دونه ".
قَالَ عِكْرِمَة: إِن الله تَعَالَى قَالَ ليوسف عليه السلام: " بِعَفْو عَن إخْوَتك، رفعت ذكرك فِي الذَّاكِرِينَ ".
وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد: " لِأَن أندم على الْعَفو أحب إِلَيّ من أَن أندم على الْعقُوبَة ".
كتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِنَّك أعز مَا تكون أحْوج مَا
تكون إِلَى الله عز وجل، وَإِذا عززت بِاللَّه فاعفو لله، فَإنَّك بِهِ تعز وَإِلَيْهِ ترجع
غضب سُلَيْمَان بن عبد الْملك على خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الْقُدْرَة تذْهب الحفيظة، وَإنَّك تجل عَن الْعقُوبَة، فَإِن تعف فَأهل ذَلِك أَنْت، وَإِن تعاقب فبمَا كَانَ منا.
كَانَ الْمَأْمُون يَقُول: لَيْسَ على الْحلم مؤونة ولوددت أَن أهل الجرائم علمُوا رَأْيِي فِي الْعَفو فَيذْهب عَنْهُم الْخَوْف، فيخلص إِلَى قُلُوبهم وَأنْشد الْحسن بن رَجَاء فِي الْمَأْمُون يَقُول: // (الطَّوِيل) //
(صفوح عَن الإجرام حَتَّى كَأَنَّهُ
…
من الْعَفو لم يعرف من النَّاس مجرما)
(وَلَيْسَ يُبَالِي أَن يكون بِهِ الْأَذَى
…
إِذا مَا الْأَذَى لم يغش بالكره مُسلما)
قَالَ: الْمَدَائِنِي: لما ظفر الْحجَّاج بأصحاب ابْن الْأَشْعَث فغدا يضْرب أَعْنَاقهم عَامَّة النَّهَار، فَأتي بِرَجُل فِي آخِرهم من بني تَمِيم
فَقَالَ: يَا حجاج لَئِن كُنَّا أسأنا فِي الذَّنب مَا أَحْسَنت أَنْت فِي الْعقُوبَة.
فَقَالَ الْحجَّاج: أُفٍّ لهَذِهِ الْجِيَف، مَا كَانَ فيهم رجل يحسن مثل هَذَا وَعَفا عَنهُ.
قَالَ الشَّاعِر: // (الطَّوِيل) //
(إِذا مَا امْرُؤ من ذَنبه جَاءَ تَائِبًا
…
إِلَيْك فَلم تغْفر لَهُ فلك الذَّنب)
قيل للأحنف بن قيس: مِمَّن تعلمت الْعَفو وَحسن الْخلق، قَالَ: من قيس بن عَاصِم الْمنْقري، فَقيل لَهُ: وَكَيف ذَلِك؟ وَمَا بلغ من حلمه؟ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ جَالس فِي دَاره، إِذْ جَاءَت خَادِم لَهُ بسفود عَلَيْهِ شواء فَسقط من يَديهَا فَوَقع على ابْن لَهُ فَمَاتَ، فدهشت الْجَارِيَة، فَقَالَ: لَا روع عَلَيْك أَنْت
حرَّة لوجه الله تَعَالَى.
أُتِي الْمَنْصُور بِرَجُل ليعاقبه فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الانتقام عدل، والتجاوز فضل، وَنحن نعيذ أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يرضى لنَفسِهِ بأوكس النَّصِيبَيْنِ، دون أَن يبلغ أرفع الدرجتين، فَعَفَا عَنهُ.
كَانَت جَارِيَة لعَلي بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عليهم السلام تسكب المَاء على يَده، فنعست فَسقط الإبريق من يَدهَا فَشَجَّهُ فَرفع رَأسه، فَقَالَت: إِن الله يَقُول: {والكاظمين الغيظ} [آل عمرَان: 134]، قَالَ: كظمت غيظي، قَالَت:{وَالْعَافِينَ عَن النَّاس} [آل عمرَان: 134]، قَالَ:
عَفا الله عَنْك، قَالَت:{وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} [آل عمرَان: 134]، قَالَ: فاذهبي فَأَنت حرَّة لوجه الله تَعَالَى.
قَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي هَذَا الْمَعْنى: // (الْبَسِيط) //
(تَمُوت أضغانه أَيَّام قدرته
…
ومكنة الْحر تنسي فَاحش الخطل)
(إِذا الجرائم هاجته تغمدها
…
بالصفح مِنْهُ حَلِيمًا غير ذِي فشل)
جنى عبد أسود على عمر بن عبد الْعَزِيز رحمه الله فِي عنفوان حداثته جِنَايَة، فشده ليضربه، فَقَالَ لَهُ: يَا مولَايَ لم تضربني؟ قَالَ: لِأَنَّك جنيت كَذَا، وَكَذَا، فَقَالَ العَبْد: هَل جنيت أَنْت جِنَايَة قطّ، فَغَضب عَلَيْك مَوْلَاك؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَهَل عجل عَلَيْك؟ فَقَالَ لَهُ: قُم فَأَنت حر لوجه الله تَعَالَى، فَكَانَ ذَلِك سَبَب تَوْبَته لأبي مُحَمَّد الْقَاسِم الحريري يَقُول: // (الْبَسِيط) //
(أَحْمد بِحِلْمِك مَا أذكاه ذُو سفه
…
من غيظك، وَاصْفَحْ إِن جنى جاني)
(فالحلم أفضل مَا ازدان اللبيب بِهِ
…
وَالْأَخْذ بِالْعَفو أحلى مَا جنى جاني)
قَالَ: بعض الْمَشَايِخ: جرى بَين شهرام الْمروزِي وَبَين أبي مُسلم الْخُرَاسَانِي كَلَام شَدِيد فَمَا زَالَ أَبُو مُسلم يقاوله إِلَى أَن قَالَ: لَهُ شهرام بالغيظ: كذبت، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِك صمت أَبُو مُسلم وَنَدم شهرام، وَأَقْبل عَلَيْهِ معتذراً، وخاضعاً متذللاً، فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبُو مُسلم قَالَ: لِسَان سبق، وَوهم أَخطَأ، وَإِنَّمَا الْغَضَب شَيْطَان وَأَنا جرأتك بطول احتمالي إياك، وَإِن كنت مُتَعَمدا فقد شاركتك فِيهِ، وَإِن كنت مَغْلُوبًا فالعذر يسعك، وَقد عَفَوْنَا عَنْك على كل حَال، فَقَالَ شهرام: أَيهَا الْأَمِير إِن عفوك لَا يكون غدراً، قَالَ: أجل قَالَ: فَإِن عظم ذَنبي لَا يدع قلبِي يسكن، ولج فِي الِاعْتِذَار فَقَالَ أَبُو مُسلم: يَا عجبي كنت تسيء وَأَنا أحسن، فَإِذا أَحْسَنت أُسِيء.
قَالَ هِشَام بن مُحَمَّد: أُتِي النُّعْمَان بن الْمُنْذر برجلَيْن: أَحدهمَا قد أذْنب ذَنبا عَظِيما فَعَفَا عَنهُ، وَالْآخر قد أذْنب ذَنبا صَغِيرا فعاقبه وَقَالَ // (مجزوء الْكَامِل) //
(تَعْفُو الْمُلُوك عَن الْعَظِيم
…
من الذُّنُوب لفضلها)
(وَلَقَد تعاقب فِي الْيَسِير
…
وَلَيْسَ ذَلِك لجهلها)
(إِلَّا ليعرف حلمها
…
وَيخَاف شدَّة نكلها)
وَلأبي الفراس بن حمدَان يَقُول // (الوافر) //:
(وأروع جَيْشه جَيش بهيم
…
وغرته عَمُود من صباح)
(صفوح عِنْد قدرته حَلِيم
…
قَلِيل الصفح مَا بَين الصفاح)
(وَكَانَ ثباته للقلب قلباً
…
وهيبته جنَاحا للجناح)