المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الباب الخامس في اصطناع المعروف إلى المجهول والمعروف) - الجوهر النفيس في سياسة الرئيس

[ابن الحداد الموصلي]

الفصل: ‌(الباب الخامس في اصطناع المعروف إلى المجهول والمعروف)

(الْبَاب الْخَامِس فِي اصطناع الْمَعْرُوف إِلَى الْمَجْهُول وَالْمَعْرُوف)

رُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] أَنه قَالَ: " صَدَقَة السِّرّ تُطْفِئ غضب الرب، وصنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء، وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر ".

وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " خصلتان لَيْسَ فَوْقهمَا شَيْء من الشَّرّ: الشّرك بِاللَّه والضر لعباد الله، وخصلتان لَيْسَ فَوْقهمَا شَيْء من الْخَيْر: الْإِيمَان بِاللَّه والنفع لعباد الله ".

وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد عليهما السلام: " إِن لله - تَعَالَى - وُجُوهًا من خلقه خلقهمْ لقَضَاء حوائج عباده يرَوْنَ الْجُود مجداً، والإفضال مغنماً، وَالله يحب مَكَارِم الْأَخْلَاق ".

وَقَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " من عظمت نعْمَة الله عِنْده عظمت مؤونة النَّاس عَلَيْهِ، فَمن لم يحْتَمل تِلْكَ المؤونة عرض تِلْكَ النِّعْمَة للزوال ".

ص: 147

سُئِلَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله؟

فَقَالَ: إِدْخَال السرُور على قُلُوب الْمُؤمنِينَ، قيل لَهُ: فَمَا بَقِي مِمَّا يستلذ؟ قَالَ: الإفضال على الإخوان.

قَالَ الْأَصْمَعِي عَن خَليفَة الغنوي: أَنه قدم " الْبَصْرَة "، فَأَتَاهُ نَاس من أهل الْأَدَب يسمعُونَ كَلَامه فَقَالَ لَهُم: يَا بني أخي اتَّقوا الله بِطَاعَتِهِ، وَاتَّقوا السُّلْطَان بِحقِّهِ، وَاتَّقوا النَّاس بِالْمَعْرُوفِ إِلَيْهِم، فَقَالَ رجل مِنْهُم لما خَرجُوا: وَالله مَا سمعنَا كَبِيرا، فَقَالَ شيخ مِنْهُم: وَالله مَا بَقِي من مصلحَة الدّين وَالدُّنْيَا إِلَّا وَقد أَمر بِهِ.

قَالَ الشَّاعِر: [مجزوء الْخَفِيف]

(إصنع الْعرف مَا استطع

ت يَد الْعرف عاليه

وَيَد الْعرف كَيفَ كَا

نت على الدَّهْر بَاقِيه

صن سؤالاً رجاك أَن

يتقاضاك ثَانِيه)

.

ص: 148

وَقد قَالَ النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : " رَأس الْعقل بعد الْإِيمَان التودد إِلَى النَّاس، واصطناع الْمَعْرُوف إِلَى كل بار وَفَاجِر ".

قَالَ الْمهْدي رحمه الله: " مَا توسل إِلَى أحد بوسيلة، وَلَا تذرع بذريعة هِيَ أقرب إِلَى مَا أحب من أَن يذكرنِي يدا سلفت مني إِلَيْهِ أتبعهَا أُخْتهَا وَأحسن ريها لِأَن منع الْأَوَاخِر يقطع شكر الْأَوَائِل ".

قَالَ الشَّاعِر: // (المتقارب) //:

(وَإِنَّا إِذا تركنَا السُّؤَال

وَلم نبغه فِيهِ يبتدينا)

(وَإِن نَحن لم نبغ معروفه

فمعروفه أبدا يبتغينا)

قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن مُوسَى عليهم السلام: " خير من الْخَيْر فَاعله وأجمل من الْجَمِيل قَائِله، وأرجح من الْعلم حامله، وَشر من الشَّرّ جالبه، وأهول من الهول رَاكِبه ".

ص: 149

وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنه: مَا رَأَيْت رجلا لي عِنْده مَعْرُوف إِلَّا أَضَاء مَا بيني وَبَينه، وَلَا رَأَيْت رجلا لي إِلَيْهِ إساءة إِلَّا أظلم مَا بيني وَبَينه ".

وَقَالَ عِيسَى عليه السلام: استكثروا من شَيْء لَا تَأْكُله النَّار.

قيل: مَا هُوَ يَا نَبِي الله؟ قَالَ: الْمَعْرُوف.

وَقَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد لِسُفْيَان الثَّوْريّ إحفظ عني ثَلَاثًا: إِذا صنعت مَعْرُوفا فعجله فَإِن تَعْجِيله تهيئته، وَإِن رَأَيْت أَنه كَبِيرا فصغره، فَإِن تصغيرك إِيَّاه أعظم لَهُ، وَإِذا فعلته فاستره، فَإِنَّهُ إِذا ظهر من غَيْرك كَانَ أَكثر لقدره وَأحسن فِي النَّاس.

وَقيل لجَعْفَر بن مُحَمَّد عليهما السلام: لم حرم الله الرِّبَا؟ قَالَ: لِئَلَّا

ص: 150

يتبايع النَّاس بِالْمَعْرُوفِ.

وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور: " لَيْسَ بِإِنْسَان من أسدي إِلَيْهِ مَعْرُوف فنسيه دون الْمَوْت ".

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن عَليّ عليه السلام أَنه قَالَ: " لَا يزهدنك فِي الْمَعْرُوف قلَّة شكر من تسديه إِلَيْهِ، فقد شكرك عَلَيْهِ من لم يسْتَمْتع مِنْهُ بِشَيْء، وَقد يدْرك من شكر الشاكر أَكثر مِمَّا أضاع الْكَافِر ".

كتب أرسطا طاليس إِلَى الاسكندر: " إملك الرّعية بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا تظفر بالمحبة مِنْهَا، فَإِن ملكك عَلَيْهَا بإحسانك هُوَ أدوم بَقَاء مِنْهُ باعتسافك وَأعلم أَنَّك إِنَّمَا تملك الْأَبدَان فتحطها إِلَى الْقُلُوب بِالْمَعْرُوفِ، وَاعْلَم أَن الرّعية إِذا قدرت أَن تَقول قدرت أَن تفعل فاجتهد أَلا تَقول تسلم من أَن تفعل ".

قيل للأحنف بن قيس: " من أحسن النَّاس عَيْشًا؟ فَقَالَ من حسن عَيْش غَيره فِي عيشه، قيل: فَمن أَسْوَأ النَّاس عَيْشًا؟ قَالَ: من لَا يعِيش مَعَه أحد ".

قَالَ عبد الْأَعْلَى النَّرْسِي: قدمت على المتَوَكل رحمه الله " سامراء " فَدخلت عَلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أَبَا يحيى قد كُنَّا هممنا لَك بِأَمْر فتدافعت الْأَيَّام بِهِ،

ص: 151

فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ سَمِعت مُسلم بن خَالِد الزنْجِي يَقُول: سَمِعت مُحَمَّد بن جَعْفَر يَقُول: " من لم يشْكر النِّعْمَة

. . " ثمَّ أنْشد: // (الْبَسِيط) //:

(لأشكرنك مَعْرُوفا هَمَمْت بِهِ

إِن اهتمامك بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوف)

(وَلَا ألومك إِذا لم يمضه قدر

فالشيء بِالْقدرِ المحتوم مَصْرُوف)

فجذب الدواة وكتبها ثمَّ قَالَ: ينْحَر لأبي يحيى مَا كُنَّا هممنا بِهِ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، ويضعف لخبره.

قَالَ رجل ليزِيد بن الْمُهلب: إِن فلَانا لم يعرف مَا أتيت إِلَيْهِ.

قَالَ: لَكِن الله يعرفهُ، ثمَّ أنْشد: // (الْبَسِيط) //:

(من يفعل الْخَيْر لَا يعْدم جوازيه

لَا يذهب الْعرف بَين الله وَالنَّاس)

وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء:

(وَلَا تَمُدَّن يدا فِي غير مَا كرم

تسديه أَو بذل مَعْرُوف وإنصاف)

(فَسَوف تلقى غَدا مَا أَنْت صانعه

فِي النَّاس إِن كدراً تولي وَإِن صافي)

وَقَالَ ابْن أبي النَّجْم الشَّاعِر: // (الْخَفِيف) //:

(إصنع الْخَيْر مَا اسْتَطَعْت على الْفَوْر

وَإِن كنت لَا تحيط بكله)

(فَمَتَى تصنع الْكثير من الْخَيْر

إِذا كنت تَارِكًا لأقله)

ص: 152