الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتسليمة الأولى السلام على من عن يمينه من الملائكة ومسلمي الجن والإنس، وبالثانية السلام على من عن يساره منهم، والمأموم ينوي مثل ذلك، وأما لا منفرد فينوي بهما السلام على من عن جانبيه من الملائكة.
وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا، وقبل العصر أربعا، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن يتبعهم من المؤمنين: قلت: أخرجه أحمد والترمذي وحسنه بنحوه.
مسألة: قال ابن الصلاح في فتاويه: قد ورد أن
الملائكة لم يعطوا فضيلة القرآن
وهي حريصة لذلك على سماعه من الأنس.
مسألة:
قال الزركشي في أحكام المساجد: روى في حديث:) وعد هذا البيت أن يجحد كل سنة ستمائة ألف، فإن نقصوا أكملهم الله بالملائكة (قال: وذكر ابن الصلاح: أن الكعبة منذ خلقت ما خلت من طائف يطوف بها من: جن أو إنس أو ملك.
مسألة:
قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب في باب الإستطابة: ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ويجوز ذلك في البنيان للحديث، ولأن الصحراء جلساء من الملائكة والجن يصلون فيستقبلهم بفرجة وليس ذلك في البنيان، وقال الرافعي: وسبب المنع في الصحراء فيما ذكره الأصحاب أن الصحراء لا تخلو من مصل من ملك أو جني أو إنسي، فربما وقع نظره على عورته، وأما في الأبنية فالحشوش لا يحضرها إلا الشياطين، ومن يصلي، فيكون خارجا عنها، فيحول البناء بينه وبين المصلي، وليس السبب مجرد احترام الكعبة، وقد نقل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي، انتهى.
قلت روى البيهقي عن عيسى الحناط قال: قلت للشعبي: إني
لأعجب من اختلاف أبي هريرة وابن عمر، قال نافع عن ابن عمر: دخلت بيت حفصة فحانت التفاتة فرأيت كيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة. وقال أبو هريرة: إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. قال: صدقا جميعا؛ أما قول أبي هريرة فهو في الصحراء، إن لله عبادا ملائكة وجنا يصلون فلا يستقبلهم أحد يبول ولا غائط ولا يستدبرهم، وأما كتفهم هذه فإنما هي بيوت بينت لا قبلة فيها.
مسألة:
قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: نقل القرطبي في المفهم عن بعض أهل العلم: أن لله تعالى ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم فيمثل له صورا محسوسة فتارة تكون أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة، وتكونف ي الحالتين مبشرة ومنذرة قال القرطبي: ويحتاج فيما نقله عن الملك إلى توقيف من الشرع. انتهى.
وقال الإمام أبو بكر بن قورك في كتابه المسمى بالنظامي في مسألة: ان الله تعالى خالق واحد لا يجوز أن يكون خالق سواه، بعد أن استدل على ذلك بعدة أدلة: إني رأيت فيما يرى النائم حيث كنت أكتب هذه الأحرف وتركت الجزء من يدي ونمت ليلة الثلاثاء لخمس مضين من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة قائلا يقول لي: لم لا تستدل في هذه المسألة بقوله تعالى: (الله الَّذي خلَقَكُم ثُمَّ رَزَقَكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيِكُم هَل مِن شُرَكائِكُم مِن يَفعَلُ مِن ذَلِكُم مِن شَيء سُبحانَهُ وَتَعالَى عَمَّا يُشرِكُونَ (الروم: 40 ووجه الإستدلال من ذلك أن الله تعالى بين أن الرزق من عنده، والرزق كل شيء ينتفع به أو كل شيء يصل إلى العبد مما هو لا يستغني عنه، ويحصل به مما لا بد له منه، وجميع أكساب العبد داخله تحت هذا، وإن جميع ذلك أرزاق وهو من عند الله ويخلقها، وبين أن ليس لأحد أن يفعل من ذلك شيئا ولن يخلقه. أو لا خالق
لذلك إلا الله، فعلمت أن خالق أكسابنا هو الله تعالى، وفيه وجه آخر من الإستدلال حيث قال:(الله الذي خلقكم) وقوله: خلقكم يقع على خلقه إيانا بصفاتنا، إذ لو لم يكن خلقنا بأوصافنا لقال: الله الذي خلق أجسامكم، فلما وقع الخلق علينا كما نحن علمنا أنه خلق أجسامنا وأوصفانا، ومن أوصافنا أكسابنا، فعلمت أن أكسابنا مخلوقة لله تعالى. قال ابن فورك: وهذا مما يمكن الإستدلال به على هذا الوجه الذي سمعت القائل يقوله، وما رأيت الإستدلال بهذه الآية في كتاب أحد من أصحابنا ولا سمعته، وغنما استفدته من هذه الرؤيا وذكرته على سبيل التبرك به فإنه من إلقاء الملك.
مسألة:
قال المهلب في حديث.
) الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه (معناه: أن الحدث في المسجد خطيئة يحرم المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته، وقال ابن بطال: من كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها عنه بغير تعب فليغنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة ليتكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته لقوله تعالى:(وَلَا يَشفَعُونَ إِلاّ لِمَن اِرتَضَى) الأنبياء: 28.
مسألة:
قال صاحب الفروع من الحنابلة: ظاهر كلام الأكثر أن غسل الميت لا يكفي من الملائكة، وفي الانتصار: يكفي إن علم، وكذا في تعليق القاضي، واحتج بغسلهم لحنظلة وبغسلهم لآدم عليه السلام
ولم تأمر الملائكة ولده بإعادة غسله، وبأن سعدا لما مات أسرع عليه السلام في المشي إليه فقيل له، فقال:) خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله كما سبقتنا إلى غسل حنظلة (قال: فيدل أنها لو لم تغسل حنظلة لغسله، ولكن غسلها قام مقام غسله وأنها لو سبقت إلى سعد سقط فرض الغسل، وإلا لم يبادر لأنه كان يمكنه غسله بعد غسلهم له وكذا ذكره بمعناه صاحب المحرر وغيره.
مسألة:
قال القاضي أبو يعلى الحنبلي: لا قدرة للجن على تغيير خلقهم والإنتقال في الصور، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربا من ضروب الأفعال إذا فعله وتكلم به نقله الله من صورة إلى صورة، فيقال: إنه قادر على التصوير والتخييل على معنى أنه قادر على قول إذا قاله وفعله نقله الله عن صورة إلى صورة إنما يكون بنقص البنية وتفريق الأجزاء وإذا انتقلت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة وكيف تنقل نفسها قال: والقول في تشكيل الملائكة مثل ذلك، والذي ورد أن إبليس تصور في صورة سراقة وأن جبريل تمثل في صورة دحية محمول على ما ذكرنا، وهو أنه أقدره الله على قول قاله فنقله الله من صورة إلى صورة أخرى. انتهى.
وقال إمام الحرمين: نزول جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في هيئة رجل معناه: أن الله تعالى أفنى الزائد من خلقه أو أزاله عنه ثم يعيده إليه بعد.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: فإن قيل إذا أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية أين تكون روحه أم في الجسد الذي
يشبه بجسد دحية فهل يموت الجسد الذي له ستمائة جناح كما تموت الأجساد إذا فارقها الأرواح؟ أم يبقى حيا خاليا من الروح المتنقلة بالجسد المشبه بجسد دحية؟ قلت: لا يبعد أن يكون إنتقالها من الجسد الأول غير موجب لموته لأن موت الأجساد بمفارقة الأرواح ليس بواجب عقلا، وإنما هو بعادة مطردة أجراها الله في أرواح بني آدم فيبقى ذلك الجسد حيا لا ينقص من معارفه وطاعاته شيء، ويكون انتقال روحه إلى الجسد الثاني كانتقال أرواح الشهداء إلى أجواف الطير الخضر. انتهى.
وقال الشيخ سراج الدين البلقيني في كتابه الفيض الجاري على صحيح البخاري: يجوز أن يكون الآتي جبريل بشكله الأصلي إلا انه انضم فصار على قدر هيئة الرجل وإذا ترك ذلك عاد إلى هيئته، ومثال ذلك: القطن إذا جمع بعد أن كان منتفشا فإنه بالنفش يحصل له صورة كبيرة وذاته لم تتغير، وهذا على سبيل التقريب.
وقال العلامة علاء الدين القونوي شارح الحاوي في كتاب الإعلام بإلمام الأرواح بعد الموت على الأجسام: قد كان جبريل عليه السلام يتمثل في صورة دحية وتمثل لمريم بشرا سويا، وفي الممكن أن يخص بعض عباده في حال الحياة بخاصة لنفسه الملكية القدسية وقوة لها يقدر بها على التصرف في بدن آخر غير بدنها المعهود مع إستمرار تصرفها في الأول، وقد قيل في الأبدال أنهم سموا أبدالا لأنهم قد يرحلون إلى مكان ويقيمون في مكانهم الأول شبحا آخر شبيها بشبحهم الأصلي بدلا عنه، وقد أثبت الصوفية عالما متوسطا بين عالم الأجساد والأرواح، سموه عالم المثال، وقالوا هو ألطف من عالم الأجساد وأكثف من عالم الأرواح، وبنوا على ذلك تجسد الأرواح وظهورها في صور مختلفة من عالم المثال،
وقد يستأنس لذلك بقوله تعالى: (فَتَمَثَلَ لَها بَشَراً سَوِياً) فتكون الروح الواحدة كروح جبريل مثلا في وقت واحد مدبرة لشبحه الأصلي ولهذا الشبح المثالي، وينحل بهذا ما قد اشتهر عن بعض الأئمة أنه سأل بعض الأكابر عن جسم جبريل فقال: أين كان يذهب جسمه الأول الذي يسد الأفق بأجنحته لما تراءى للنبي صلى الله عليه وسلم في صورته الأصلية، عند إتيبانه إليه في صورة دحية؟ وقد تكلف بعضهم الجواب عنه بأنه يجوز أن يقال كان يندمج بعضه في بعض إلى أن يصغر حجمه فيصير بقدر صورة دحية، ثم يعود وينبسط إلى أن يصير كهيئته الأولى، وما ذكره الصوفية أحسن ويجوز أن يكون جسمه الأول بحاله لم يتغير، وقد أقام الله له شبحا آخر وروحه متصرفة فيهما جميعا في وقت واحد. انتهى.
وقال العلامة شمس الدين بن القيم في كتاب الروح: للروح شأن غير شأن الأبدان، فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة ببدن الميت بحيث إذا سلم المسلم على صاحبها رد عليه السلام، وهي في مكانها هناك، وهذا جبريل رآه النبي صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح، منها جناحان سدا الأفق، وكان يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه وقلوب المخلصين تتسع للإيمان بأن من الممكن أنه كان يدنو هذا الدنو، وهوفي مستقره من السموات، وفي الحديث في رؤية جبريل:) فرفعت رأسي فإذا جبريل صاف قدميه بين السماء والأرض يقول: يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل، فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية إلا رأيته كذلك (وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد، فيعتقد ا، الروح من جنس ما يعهد من الأجسام التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره، وهذا غلط محض. انتهى.
مسألة:
قال الشيخ محيي الدين بن عربي الصوفي في المحكم:
الملك إذا تطور يتمثل بمثالية في أي صورة شاء، وتحكم عليه الصورة وتجري عليه أحكامها وإذا تكلم فلا يتكلم إلا بما يليق بتلك الصورة، وهو باق على نزاهته ومازال عن حضرة روحانيته، والإنسان إذا تطور ظهر بأي صورة شاء ولا تحكم عليه الصورة، وإذا تكلم من تلك الصورة تكلم بأي لغة شاء وهو باق على حقيقة إنسانيته لأنه مفطور على الصورة، والجني إذا تمثل يتمثل بحقيقته وتحكم عليه الصورة وتجري عليه أحكامها لكن إذا قتلت تلك الصورة مات معها بكليته. انتهى.
مسألة:
قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله: روى أن لله ملكا يملأ ثلث الكون وملكا يملأ ثلثي الكون وملكا يملأ الكون كله، قال: فإذا كان هذا الملك يملأ الكون فأين يكون الملكان الآخران؟ قال: والجواب أن اللطائف لا تتزاحم، ونظيره إذا دخل في البيت سراج فإن ضوءه يملأ البيت فإذا دخل فيه سراج ثان وأكثر فإن الأنوار لا تتزاحم.
مسألة:
قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، ولا ينكحون، وأما الجن فإنهم يأكلون ويشربون ولا ينكحون، وأما الإنس فإنهم يأكلون ويشربون وينكحون ويتوالدون.
مسألة:
سئلت قديما عن الملائكة هل ينامون؟ فأجبت: بأني لم أر فيه نقلا وظاهر قوله تعالى: (يُسَبِحُونَ اللَيلَ وَالنَهارَ لَا يَفتَرونَ) الأنبياء: 20 أنهم لا ينامون ثم رأيته منقولا في كلام الإمام فخر الدين.
مسألة:
سئل الصفار من أئمة الحنفية، هل يحشر ملك الموت كما تحشر الملائكة؟ قال: نعم، قيل له: ألا يخاف الناس منه؟ قال: لا لأن الله تعالى قال (اُدخُلوها بِسلامٍ آَمِنينَ) الحجر: 46 من الموت والزوال، و (لَا يَذُوقُونَ فِيها المَوتَ إِلاّ المَوتَةَ الأُولَى) الدخان:56.
مسألة:
سئل الصفار أيضا: أتكون الملائكة في الجنة؟ قال: نعم
إنهم موحدون، وبعضهم يطوفون حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وبعضهم يبلغون السلام من الله تعالى على المؤمنين كما قال تعالى:(يَدخَلونَ عَلَيهِم مِن كُلِ بابٍ، سَلامُ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبى الَدار) الرعد: 23، 24.
مسألة:
سئل الصفار أيضا: الملائكة هل يرون ربهم؟ فقال: اعتماد والدي الشهيد أنهم لا يرون ربهم سوى جبريل، فإنه يرى ربه مرة واحدة، ولا يرى بعده أبدا، وسئل إذا كانوا موحدين لم لا يرون ربهم؟ قال: إن الرؤية فضل الله، والله يؤتى فضله من يشاء والله ذو الفضل العظيم. انتهى.
قلت: هذا ذكره أيضا أبو الحسن الهروى من الحنفية في أرجوزته كما تقم، وذكره من أئمتنا الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ولكن الأرجح أنهم يرونه فقد نص عليه إمام أهل السنة والجماعة الشيخ أبو الحسن الأشعري فقال له في كتابه الإبانة في أصول الديانة ما نصه: أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالى ثم رؤية نبيه صلى الله عليه وسلم، فل1لك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعته المؤمنين والصديقين النظر إلى وجهه عز وجل. انتهى.
وقد تابعه على ذلك البيهقي فقال: باب ما جاء في رؤية الملائكة ربهم ثم أخرج الحديث السابق أول الكتاب مرفوعا، والأثر السابق أول جامع أخبار الملائكة عن ابن عمرو موقوفا، وله حكم الرفع، وممن قال برؤية الملائكة ربهم من المتأخرين شمس الدين بن القيم وقاضى القضاة جلال الدين البلقيني، وهو الأرجح بلا شك.
مسألة:
اخرج سعيد بن منصور في سننه وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن أبي مجلز
في قوله تعالى: (وَعَلى الأَعرافِ رِجالُ) الأعراف: 46 قال: من الملائكة قيل: يا أبا مجلز الله تعالى يقول: رجال وأنت تقول: الملائكة قال: إنهم ذكورا ليسوا بإناث، وقال الحليمي في المنهاج ثم القونوي في مختصره: وقد قيل إن أصحاب الأعراف ملائكة يحبون أهل الجنة ويبكتون أهل النار، وهو بعيد لوجهين: أحدهما قوله تعالى (وَعَلى الأَعرافِ رِجالُ) والرجال: الذكور العقلاء، والملائكة لا ينقسمون إلى ذكور وإناث، والثاني إخباره تعالى عنهم وأنهم يطمعون أن يدخلوا الجنة، ولالمائكة غير محجوبين عنها كيف والحيلولة بين الطامع وطمعه تعذيب له ولا عذاب يومئذ على ملك. انتهى.
مسألة:
قال الحليمي ثم القونوى: والجن كالإنس في السؤال نوالحساب ودخول الجنة والنار، ويحتمل أن لا يكون بينهما في الجنة مخالطة تقتضي تجاورهما بل يكونون فيها كما كانوا في الدنيا وهو اللائق بنعيمها لما في تجاور الأضداد ومخالطة بعضهم لبعض من الوحشة المنغصة، ومما يقتضي التضاد بينهما كون الجن مخلوقين من النار والإنس من الماء والتراب، وأما الملائكة فالأشبه أنلا يكتب لهم عملن إذ الملك هو الذي يكتب فكان يحتاج كل ملك إلى آخر، ولا يحاسبون أيضا إذ لا سيئات لهم، وليسوا بأدنى رتبة ممن لا يحاسب من البشر، وأما الإثابة فقد قيل إنهم يثابون برفع التكليف عنهم إذ ليسوا من أهل المطاعم والمشارب والمناكح ليوردوا موارد بني آدم من الجنة، ويحتمل أن يكون لهموراء وضع التكليف عنهم نعمة أخرى أعدها الله لهم ولا تبلغها عقولنا.
فإنه تعالى يقول:) أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين
رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (انتهى.
مسألة:
قال الحليمي ثم القونوي: وأما طي السموات فيحتمل أن تطويها الملائكة إذا وهت وانشقت طيا شديدا كما يطوى المكتوب فيه الحكم المبرم مبالغة في صيانته عن أن ينشر ولذلك قال تعالى: (بِيَمينِهِ) الزمر: 67 لإشعار اليمين بالقوة فضرب مثلا لشدة الطي، وكلما طويت سماء نزلت ملائكتها إلى الأرض قال تعالى:(وَيَومَ تَشَقَقُ السَماءُ بِالغَمام وَنُزِلَ المَلائِكَةُ تَنزيلاً) الفرقان: 25 والناس يرون الملائكة يومئذ لقوله تعاىل: (يَومَ يَرونَ المَلائِكَةَ لا بُشرى يَومَئِذٍ لِلمُجرِمين) الفرقان: 22 انتهى.
قلت: أخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن جرير عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلق بصعيد واحد جنهم وإنسهم، فإذا كان ذلك اليوم قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض ولأهل السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض فزعوا منهم، ثم تقاض السماء الثانية، ولأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع أهل الأرض بضعف جنهم وإنسهم، ثم تقاض السموات سماء سماء كلما قيضت سماء عن أهلها
كانت أكثر من أهل السموات التي تحتها ومن جميع أهل الأرض بضعف حتى تقاض السماء السابعة، فلأهل السماء السابعة أكثر من أهل ست سموات ومن جميع أهل الأرض بضعف.
مسألة:
قال الحليمي ثم القونوي: اعترض بعض الزنادقة على كتابة الملائكة الأعمال وقبضهم الأرواح بأنكم رويتم أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة، ولا تصحب رفقة فيها كلب أو جرس، وأنتم تتلون:(قُل يَتَوفاكُم مَلَكُ المَوتِ الذي وُكِلَ بِكُم) السجدة: 11 فينبغي أن لا يموت من عنده كلب أو صورة أو جرس، ولا يكتب عمله، وإذا دخل أحد الخلاء فهل يدخل الكرام الكاتبون معه أم لا؟ وأين يجلسون؟ وعلى ماذا؟ وبماذا يكتبون؟
والجواب أن الحديث محمول على انهم لا يدخلون بيتا فيه شيء من ذلك دخول إكرام لصاحبه ودعاء له وتريك عليه، ولا يمنع ذلك من دخولهم لكتابة الأعمال وقبض الأرواح ومثل هذا غير مستنكر فيما بيننا فإن فساد صاحب المنزل يمنع من دخول صلحاء الناس منزله مؤاخين له ومترددين إليه، ولا يمنعهم من أن يدخلوه منكرين عليه ومغيرين أو مطالبين له بحق لزمه، والكلب فيه شيئان مباينان لاختيار الأخيار، أحدهما انه سبع عاد، والآخر انه نجس لا يأمن أن ينجس إناء أو بساطا او طعاما من حيث لا يشعر به صاحبه أو يشعر، والمصور يضاهي بتصويره خلق الله تعالى وهذا عظيم، ولذلك كان المصورون أشد الناس عذابا يوم القيامة على ما ورد في الخبر، والملائكة أخوف لله تعالى من أن يصبروا على مثله، فلذلك ينصرفون عن بيت فيه الصورة.
وأما الجرس فيقال: إن الجن تميل إليه وتجتمع عليه، وفي الإبل مشاكلة للجن، وفي الحديث: إنها خلقت من الجن، ومن ذلك نفارها في
كثير من الأوقات بلا سبب ظاهر فإنما يحمل ذلك على أن الشياطين تعرض لها فتشهر بها، فكان تعليق الأجراس عليها كاستدعاء الشياطين وتأكيد سبب حضورهم فمن آثر لنفسه حضور أعداء الله تعالى أواعتقد حراسته في سفره بالجن أو الكلب، كان حقيقا بأن لا يقيض الله تعالى لحراسته ملائكته وأولياءه، لكن هذا لا يمنع الموكلين به من كتابة عمله، بل هو في حال المعصية أولى بالتضييق عليه من حال الطاعة، وأما السؤال عن دخول الكاتبين الخلاء، فجوابه أنا لانعلم، ولا يقدح عدم علمنا بذلك في ديننا، وجملة القول فيه أنهما إن كانا مأمورين بالدخول دخلا، وإن أكرمهما الله عن ذلك وأطلعهما على ما يكون من الداخل مما سبيلهما أن يكتبا فهما على ما يؤمران به والله أعلم.
وأما مكان جلوسهما فقد قال الله تعالى: (عَنِ اليَمينِ وَعَنِ الشِمالِ قَعِيد) ق: 17 أي عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، ويحتمل أن يكون المراد حقيقة القعود أو ما استعير له اسم القعود والله أعلم بحالهما في ذلك.
وأما أنهما ماذا وعلى ماذا يكتبان فلاعلم لنا بذلك إلا أنهما يكتبان على شيء يحتمل الطي والنشر لقوله تعالى: (وَنُخرج لَهُ يَومَ القِيامَةِ كِتاباً يَلقاهُ مَنشوراً) الإسراء: 13 والذي خلقهم وخلق غيرهم لا يعجز أن يخلق لهم سوى الأوراق والجلود وسائر ما يكتب الناس عليه غيرهم لا يعجز أن يخلق لهم سوى الأوراق والجلود وسائر مايكتب الناس عليه شيئا يكتبون عليه، إما بقلم يخلقه لهم سوى هذه الأقلام أو بشيء آخر بمداد اوغير مداد والله أعلم بحقيقة ذلك. انتهى.
قلت: أما حديث) لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (فقال الخطابي: المراد بالملائكة: الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة فإنهم لا يفارقون، وأما دخول الكاتبين الخلاء فقد تقدم حديث زيد بن ثابت مرفوعا:) إن معكم من لا يفارقكم في نوم ويقظة إلا حين يأتي أحدكم أهله أو حين يأتي خلاءه (.
وحديث ابن عباس مرفوعا:) استحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حاجات: الغائط والجنابة والغسل (.
وأثر مجاهد: يجتنب الملك الإنسان في موطنين عند غائطه وعند جماعه.
وأثر عطاء: لا تشهد الملائكة وأنت على خلائك. ولهذين الأثرين حكم الرفع، وهذا صريح في أنهما لا يدخلان الخلاء.
وفي مقدمة أبي الليث من كتب الحنفية: أن أبا بكر رضي الله عنه كان إذا أراد أن يدخل الخلاء فرش رداءه، وقال: أيها الملكان الحافظان على، اجلسا ههنا فإني عاهدت الله تعالى أن لا أتكلم في الخلاء.
ولا يحضرني الآن من خرجه، وأما مكان جلوسهما وبماذا يكتبان؟ فقد تقدم حديث:) إن الله تعالى لطف الملكين الحافظين حتى أجلسهما على الناجذين وجعل لسانه قلمهما وريقه مدادهما (والناجذان أقص الأضراس.
وحديث:) نقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين الكريمين الحافظين وإن مدادهما الريق وقلمهما اللسان (وقول سفيان: ملكان بين نابي الإنسان.
وتقدم عن علي: لسان الإنسان قلم الملك وريقه مداده.
ولهذا الموقوف حكم الرفع، فإن أخذ متأول يؤول كون اللسان قلمهما علىأن المراد أنه سبب الكتابة فكان آلتهما لأنهما يكتبان ما يلفظ به؛ فالجواب
من وجهين: أحدهما: ان الكتابة لاتختص بالأقوال فإنهما يكتبان الأفعال والإعتقادات والنبات، والثاني: أن هذا التأويل وإن تاتي في اللسان على بعد، فإنه لا يتأتى في كون الريق مدادهما كما هو ظاهر، وأما على ماذا يكتبان فلم يرد فيه حديث ولا أثر، ولكن في الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة المنسوبة للغزالي: أن صحيفة المؤمن ورقة ورد، وأن صحيفة الكافر ورقة سدر والله أعلم.
مسألة:
قال القرطبي في التذكرة: قيل كيف يخاطب منكر ونكير جميع الموتى في الأماكن المتباعدة في الوقت الواحد؟
فالجواب: أن عظم جثتهما يقتضي ذلك، فيخاطبان الخلق الكثير في الجهة الواحدة في المرة الواحدة مخاطبة واحدة، بحيث يخيل لكل واحد من المخاطبين أنه المخاطب دون من سواه ويمنعه الله من سماع جواب بقية الموتى انتهى. وقال الحليمي في المنهاج: والذي يشبه أن يكون ملائكة السؤال جماعة كثيرة يسمى بعضهم منكرا وبعضهم نكيرا، فيبعث إلى كل ميت اثنان منهم كما كان الموكل عليه لكتابة أعماله ملكين انتهى.
مسألة:
رؤية الملائكة الآن ممكنة، كرامة يتكرم الله بها على من يشاء من أوليائه، نص على ذلك الإمام الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال، وتلميذه القاضي أبو بكر ابن العربي أحد أئمة المالكية في كتاب قانون التأويل، والقرطبي في التذكرة وغيرهم، ووقع ذلك لجماعة من الصحابة، وقد بسطت الكلام على ذلك في كتاب " تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك ".
مسألة:
أخرج الحاكم في المستدرك عن ابنعباس قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لما رأيت جبريل:) لم يره خلق إلا عمى، إلا أن يكون نبيا،