الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحدة الدين
إن من الضروري أن نفرق - في هذا الباب - بين وحدة الدين ووحدة الأديان، إذ وحدة الأديان دعوة للتلفيق بين الأديان المحرفة بما أضافه إليها البشر، فهو يهدف لصهر الحق في الباطل للوصول إلى صيغة مشتركة تجمع بينهما.
أما وحدة الدين فهي حقيقة لا مناص منها، إذ الدين الذي أرسل الله به جميع رسله دين واحد، هو الاستسلام لله وتوحيده جل وعلا.
فهذه لباب دعوة الأنبياء ومحورها، وعليه نستطيع القول بأن الإسلام والاستسلام لله هو دين الله الوحيد:{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85).
وقد سجل القرآن هذا المعنى {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25).
فالتوحيد نداء الأنبياء، نبياً تلو نبي، إلى أقوامهم، فهو الأصل العظيم الذي نادى به نوح ودعا إليه هود وصالح وشعيب من بعده:{يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره} (المؤمنون: 23)، (هود: 50، 60)، (الأعراف: 85).
وفي مقابله حذر الأنبياء أقوامهم من الشرك {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين - بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} (الزمر: 65 - 66).
ومنه توعد المسيح قومه: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصارٍ} (المائدة: 72).
فهذا الدين العظيم حقيقته التوحيد والاستسلام لله تعالى، لذا أطبق الأنبياء على تسميته بالإسلام:
فأبو الأنبياء نوح يقول لقومه: {وأمرت أن أكون من المسلمين} (يونس: 72)، يقول ابن القيم:" فهذا نوح الذي غرق أهل الأرض بدعوته وجعل جميع الآدميين من ذريته يذكر أنه أمر أن يكون من المسلمين". (1)
(1) أحكام أهل الذمة (1/ 373).
وإبراهيم يدعو ربه: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك} (البقرة: 128).
وإلى عبادة الله وتوحيده دعا لوط عليه السلام قومه، لكن النتيجة {فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين} (الذاريات: 36).
وهذا الذي قرت به عين يعقوب قبل مماته {إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون} (البقرة: 133).
كما طلب موسى من قومه الإذعان لمقتضيات الإسلام الذي دخلوا فيه {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} (يونس: 84)، فاستجاب لندائه سحرة فرعون وقالوا:{ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} (الأعراف: 126).
وبمثل هذا دعا يوسف: {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين} (يوسف: 101).
ولما دخلت ملكة سبأ بلاط سليمان نادت: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} (النمل: 44).
وأنزل الله التوراة ليحكم بها أنبياء الله المسلمين: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} (المائدة: 44).
فالدين عند الله واحد، اسمه الإسلام، وحقيقته الاستسلام لله بتوحيده وطاعته جل وعلا، وهذا فقط ما ينجي البشرية عند باريها:{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85) فهذا الاسم اختاره الله لدينه وأوليائه: {هو سماكم المسلمين من قبل} (الحج: 78).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعَلّات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد)) (1)، قال ابن حجر:"ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد، وإن اختلفت فروع الشرائع". (2)
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتاً، فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها، فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون: ألا وضعت هاهنا لبِنة، فيتم بنيانك، فقال صلى الله عليه وسلم: فكنت أنا اللبِنة)). (3)
(1) رواه البخاري ح (3443).
(2)
فتح الباري (6/ 564).
(3)
رواه البخاري ح (3535)، ومسلم ح (2286).
يقول ابن القيم: "فهؤلاء الأنبياء كلهم وأتباعهم، كلهم يذكر الله تعالى أنهم كانوا مسلمين، وهذا مما يبين أن قوله تعالى {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران: 85)، وقوله:{إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران: 19)، لا يختص بمن بعث إليه محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو حكم عام في الأولين والآخرين.
ولهذا قال تعالى: {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً} (النساء: 125)، وقال تعالى:{وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين - بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة: 111 - 112) ". (1)
قال شيخ الإسلام: " فدين الأنبياء واحد، وهودين الإسلام، كلهم مسلمون مؤمنون، كما قد بين الله في غير موضع من القرآن، لكن بعض الشرائع تتنوع ". (2)
وصدق الله العظيم وهو يربط رسالته الخاتمة برسالاته السابقة: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} (الشورى: 13).
(1) أحكام أهل الذمة (1/ 374).
(2)
مجموع الفتاوى (35/ 364).