الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب الخلاء وأذكاره
…
أذكار الطهارة والصلاة
تأليف: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: فإنَّ الأذكار المتعلِّقة بالطهارة والصلاة تصحبُ المسلمين كلَّ يوم وليلة، فهي على ألسنتهم تتردَّد وفي أوقاتهم تتكرَّر، إلَاّ أنَّه قد يخفى على كثير منهم معاني تلك الأذكار ودلالاتها وحِكَمِها وغاياتها، وقد سبق لي بتوفيق الله عز وجل أن كتبتُ شرحاً مختصراً لجملة مباركة من أذكار الطهارة والصلاة ضمن كتابي "فقه الأدعية والأذكار" فرغب بعضُ الإخوة الأفاضل أن يُفردَ في رسالة مستقلة ليكون سهلَ التناول قريبَ المأخذ، وليسهل كذلك تداوله ونشره، وهو هذا الذي بين يديك.
وأسأل الله الكريم أن ينفع به وأن يجزي مَن أعان على نشره خير الجزاء، وأن يجعلني وإخواني المسلمين من المقيمين الصلاة وذريَّاتنا، إنَّ ربِّي لسميع الدعاء.
آداب الخلاء وأذكاره
لقد جاء في السُّنّة الغَرَّاء بيانُ الأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمُ عند دخولِه الخلاءَ وحال قضائه للحاجة وعند خروجه منه، وهي آدابٌ عديدة تدلُّ على كمال هذه الشريعة المباركة وتمامها، وما مِن ريبٍ في أنَّ المسلمَ يفرحُ غايةَ الفرح بتلك الآداب لِما فيها من كمال الحسن في التطهير والنظافة والتنقية والتزكية، بل إنَّها مفخرةٌ للمسلم وأكْرِم بها من مفخرة.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن سَلمان الفارسي رضي الله عنه قال: "قيل له: قد علَّمكم نبيّكم كلَّ شيءٍ حتى الخِراءَةَ [أي: حتى كيفية قضاء الحاجة] فقال: أجَل، لقد نهانا أن نستقبلَ القبلةَ لغائطٍ أو بول، أو أن نستَنجِيَ باليمين، أو أن نستنجِيَ بأقلَّ من ثلاثةِ أحجارٍ، أو أن نستَنجِيَ برَجيعٍ أو عظمٍ"1.
1 صحيح مسلم (رقم:262) .
وفي لفظ آخر للحديث عند مسلم عن سَلمان رضي الله عنه قال: "قال لنا المشركون: إنِّي أرى صاحبَكم يُعلّمكم حتى يُعلِّمكم الخراءةَ، فقال: أجل، إنَّه نهانا أن يستنجيَ أحدُنا بيمينه، أو يستقبلَ القبلةَ، ونهى عن الرَّوث والعَظم، وقال: لا يستنجي أحدُكم بدون ثلاثة أحجار"1.
فهؤلاء المشركون أرادوا عيبَ الصحابة رضي الله عنهم بما اشتمل عليه دينهم من تعاليم متعلِّقة بكيفية قضاء الحاجة، فقالوا على وجه السُّخريَّة: قد علَّمكم نبيُّكم كلَّ شيء حتى الخِراءةَ، فانبرى لهم سلمان الفارسيُّ رضي الله عنه مُبطلاً انتقادَهم محطِّماً تهكُّمَهم، وقال بكلِّ افتخارٍ واعتزازٍ "أجل" أي: نعم، لقد علَّمنا هذا الأمرَ ونحن نفخر بذلك، ثم أخذ رضي الله عنه يُعدِّدُ لهم ـ مفتخراً ـ شيئاً من الآداب الكريمة والتعاليم المباركة
1 صحيح مسلم (رقم:262) .
التي جاءت بها السُّنَّةُ في هذا الشأن، وهي بحقٍّ تعاليم مباركة لا يعرفها هؤلاء ونظراؤهم من أشباه الأنعام، وإنَّما يعرفها مَن منحه الله التوفيق وهداه لهذا الدِّين الحنيف، فالحمد لله على ما هدانا والشكر له على ما أولانا.
وفيما يلي وقفةٌ في بيان شيء من هذه الآداب.
يُستحبُّ أوَّلاً للمسلم عند دخول الخلاء أن يقول: بسم الله اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ؛ لِما ثبت في الصحيحين عن أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذ بكَ مِنَ الخُبُثِ وَالخَبَائِثِ"1.
والخُبث جمع خبيث، والخبائث جمع خبيثة، وقد جاء في بعض طرق الحديث ذِكر البسملة في أوَّله، قال ابن حجر رحمه الله: "وقد روى العُمري هذا الحديثَ
1 صحيح البخاري (رقم:142)، وصحيح مسلم (رقم:375) .
من طريق عبد العزيز بن المختار، عن عبد العزيز بن صُهيب بلفظ الأمر: إذا دخلتم الخلاءَ فقولوا بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث، وإسنادُه على شرط مسلم"1.
ويشهد لهذا ما رواه ابنُ ماجه وغيرُه عن عليٍّ رضي الله عنه مرفوعاً: "سِترُ ما بين الجِنِّ وعورات بَنِي آدم إذا دخل الخلاءَ أن يقول: "بسم الله"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه2.
ومن الأدب إذا كان في سفرٍ وذهب لقضاء الحاجة أن ينطلق حتى يَتَوَارى عن أصحابه؛ لِما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البَرازَ انطلق حتى لا يراه أحد"3.
1 فتح الباري (1/244) .
2 سنن ابن ماجه (رقم:297)، وانظر: إرواء الغليل للألباني (1/87 ـ 90) .
3 سنن أبي داود (رقم:2)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (رقم:2) .
ومن السُّنّة أن لا يرفع ثوبَه حتى يدنو من الأرض؛ لِما روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفعُ ثوبَه حتى يدنو من الأرض"1.
ومن السُّنَّة أن يستترَ عن الناس؛ لِما في صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: "كان أحبَّ ما استَتَر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لحاجَته هَدَفٌ أو حائِشُ نَخل"2.
ومن الأدب ألَاّ يبول في طريق الناس، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقوا اللَّعَّانَيْن، قالوا: وما اللَّعَّانان يا رسولَ الله؟ قال: الَّذي يَتَخَلَّى في طَريق النَّاس أو ظِلِّهم"3.
1 سنن أبي داود (رقم:14)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (رقم:1071) .
2 صحيح مسلم (رقم:342) .
3 صحيح مسلم (رقم:269) .
وروى أبو داود في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا الملاعِنَ الثلاثة: البَرازَ في الموارد، وقارعةَ الطريق، والظِّلَّ"1. والمواردُ: طرقُ الماء.
ومن آداب قضاء الحاجة ألَاّ يستقبلَ المسلمُ القبلةَ بغائطٍ ولا بولٍ احتراماً لها، ولا يستَدْبرْها، وألَاّ يستنجي بيده اليمنى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما أنا لكم بمَنْزلة الوالد أعلِّمكم، فإذا أتى أحدُكم الغائطَ فلَا يستقبل القبلةَ ولا يستدبرها، ولا يستطِب بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الرَّوث"2.
1 سنن أبي داود (رقم:26)، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود (رقم:21) .
2 سنن أبي داود (رقم:8)، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:2346) .
وتأمَّل ما في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما أنا لكم بمنْزلة الوالد أعلِّمكم" من تَمام الرعاية وحسن العناية وكمال النصح.
ومن الأدب إذا استجمر المسلمُ بعد قضائه الحاجة ألَاّ يستجمر بأقلَّ من ثلاث؛ لِما في ذلك من تمام الإنقاء، ولا بأس أن يستعمل ما يقوم مقام الأحجار كالمناديل ونحوها، وله أن يستنجي بالماء وهو أفضل، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إدواةٌ من ماء، يعني يستنجي به"1.
وعلى المسلم عند قضاء الحاجة أن يحذر من رَشاش البول أن يُصيب بدنَه أو ثيابَه؛ لِما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قَبْرَين، فقال: "أمَا إنَّهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كَبير،
1 صحيح البخاري (رقم:150)، صحيح مسلم (رقم:271) .
أمَّا أحدُهما فكان يمشي بالنميمة، وأمَّا الآخر فكان لا يستترُ من بوله"، وفي رواية: "لا يَسْتَنْزه عن البول أو من البول" 1.
ولا يجوز للمسلم أن يتكلَّم وقت قضائه الحاجة، ولا يشتغل بشيء من الذِّكر والدعاء، ففي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"أنَّ رجلاً مرَّ ورسول الله يبول، فسلَّم عليه، فلَم يردَّ عليه" 2، وفي الحديث دلالةٌ على أنَّ المسلمَ لا ينبغي له أن يتكلَّم وقت قضاء الحاجة؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَم يردَّ عليه بشيء، ولا ينبغي له كذلك أن يشتغل بشيء من الذِّكر والدعاء، والسلامُ ذِكرٌ ودعاء، والنبيِّ صلى الله عليه وسلم لَم يردَّ السلام على هذا المسلِّم.
فهذه جملةٌ من الآداب العظيمة لقضاء الحاجة ندب
1 صحيح البخاري (رقم:1361)، صحيح مسلم (رقم:292) .
2 صحيح مسلم (رقم:370) .
إليها الإسلامُ وحثَّت عليها الشريعة، وهي تدلَّ على كمال هذا الدِّين وحسنه وجماله.
ثمَّ إنَّ المسلمَ يُستحبُّ له إذا خرج من الخلاء أن يقول: غفرانك؛ لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلَاءِ قَالَ: غُفْرَانَكَ"1.
وقوله: "غُفْرَانَكَ" في هذا المقام قيل في معناه: أي "خوفاً من تقصيره في أداء شكر هذه النعمة الجليلة أن أطعمه ثم هضمه ثم سهَّل خروجه، فرأى شكره قاصراً عن بلوغ حقِّ هذه النعمة، فتداركه بالاستغفار"2.
اللَّهمَّ اغفر ذنوبنا وأعنَّا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.
1 المسند (6/155)، سنن أبي داود (رقم:30) ، وسنن الترمذي (رقم:7) ، وسنن ابن ماجه (رقم:300) ، وحسَّنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:4707) .
2 انظر: الفتوحات الربانية لابن علَاّن (1/401) .