الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أذكار استفتاح الصلاة
لقد ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنواعٌ من الأذكار والأدعيَّة يستفتحُ بها المسلمُ صلاتَه فرضَها ونفلَها، ولم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُداومُ على استفتاحٍ واحد، بل كان يستفتحُ بأنواعٍ من الاستفتاحات، وهي في الجملة مشتملة على تعظيم الله وتمجيدِه وحُسن الثناء عليه تبارك وتعالى بما هو أهله، وسؤاله مغفرة الذنوب، ولا يلزم المسلمَ نوعٌ معيَّن من هذه الأنواع، بل بأيٍّ منها أخذ لا حرج عليه، والأوْلَى أن يفعل بعضَها تارة وبعضَها تارة؛ لأنَّ ذلك أكملُ في الاتِّباع.
ومن هذه الاستفتاحات ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! بأَبي وَأُمِّي، أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبيرِ
وَالقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بالثَّلْجِ وَالمَاءِ وَالبَرَدِ" 1.
وفي هذا الاستفتاح سؤالٌ لله تبارك وتعالى أن يُباعِدَ بين العبد وبين خطاياه وهي الذنوب كما باعد بين المشرق والمغرب، وذلك بمَحو الذنوب وعدم المؤاخذة عليها والتوفيق للبُعد عنها، وأن ينقيه من خطاياه أي: ينظفه منها كما ينظف الثوب الأبيض من الدَّنَس بحيث لا يبقى فيه أيُّ أثَر، وأن يغسلَه من خطاياه بالثلج والماء والبَرَد، وفي هذا إشارةٌ إلى شدِّة حاجة القلب والبَدن إلى ما يطهِّرهما ويبردهما ويقويهما.
ومن استفتاحاته صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو داود وغيرُه عن عائشة وأبي سعيد رضي الله عنهما وغيرِهما: أنَّ النَّبيَّ
1 صحيح البخاري (رقم:744)، وصحيح مسلم (رقم:598) .
صلى الله عليه وسلم كان إِذا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ"1.
وهذا الاستفتاح أُخلِص للثناء على الله سبحانه وتنزيهه عن كلِّ ما لا يليق به، وأنَّه تبارك وتعالى منزَّهٌ عن كلِّ عيب، سالمٌ من كلِّ نقص، محمودٌ بكلِّ حمد.
ومعنى قوله: "تَعَالَى جَدُّكَ" أي: ارتفعت وعلَت عظمتُك، وجلت فوق كلِّ عظمة، وعلا شأنُك على كلِّ شأن، وقهر سلطانُك على كلِّ سلطان، فتعالى جدُّه تبارك وتعالى أن يكون معه شريك في المُلك أو الربوبية أو الألوهية، أو في شيء من أسمائه وصفاته، كما قال مؤمنو الجنِّ:{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً} 2، أي: تعالت عظمتُه وتقدَّست أسماؤه
1 سنن أبي داود (رقم:775)، و (رقم:776) ، ورواه مسلم (رقم:399) عن عمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه موقوفاً عليه.
2 سورة: الجن، الآية (3) .
من أن يكون له صاحبة أو ولد.
وقوله: "ولا إله غيرك" أي: لا معبود بحقٍّ سواك.
فاشتمل هذا الاستفتاح العظيم على أنواع التوحيد الثلاثة؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
ومن الاستفتاحات الثابتة ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بينما نحن نُصَلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ من القوم: الله أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحان اللهِ بُكرةً وأصيلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجلٌ من القوم: أنا يا رسول الله، قال: عجبتُ لها، فُتحت لها أبواب السماء".
قال ابن عمر: فما تركتُهنَّ منذ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك1.
1 صحيح مسلم (رقم:601) .
وهذا كلُّه ذِكرٌ لله وثناءٌ عليه سبحانه بهذه الكلمات العظيمة: "الله أكبرُ كبيراً، والحمدُ لله كثيراً، وسبحان اللهِ بُكرةً وأصيلاً"، فكلُّه تكبيرٌ وتحميدٌ وتسبيحٌ لله، فهو مُخلصٌ في الثناء على الله عز وجل.
ومن الاستفتاحات الواردة ما رواه مسلم في صحيحه عن عليٍّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ كَانَ إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لِي ذنُوبي جَمِيعاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أَنْتَ، واهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَاّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَاّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ
وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" 1.
وهذا كلُّه خبر من العبد عمّا ينبغي أن يكون عليه من ذلٍّ وخضوع وانكسار بين يدي فاطر السموات والأرض.
وقوله: "وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ" أي: أخلصتُ دينِي وعملي، وقصدتُك وحدك بعبادتِي وتوجُّهي، وقوله:"حنيفاً" أي مائلاً عن الشِّرك إلى التوحيد.
وقوله: "إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ" خصَّ هاتَين العبادَتَين الصلاة والنُّسُكَ ـ وهو الذبح ـ بالذِّكر؛ لشرفهما وعِظَم فضلهما، ومَن أخلص في صلاته ونُسُكِه استلزم إخلاصه لله في سائر
1 صحيح مسلم (رقم:771) .
أعمالِه، وقوله:"مَحْيَايَ وَمَمَاتِي" أي: ما آتيه في حياتِي، وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح كلُّه لله ربِّ العالمين، لا شريك له في شيء من ذلك.
وقوله: "اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لِي ذنُوبي جَمِيعاً، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أَنْتَ" فيه التوسُّل إلى الله بملكه وألوهيته وربوبيته، واعترافُ العبد بأنَّه عبدٌ له ظالِمٌ لنفسه معترف بذنبه، وأنَّه سبحانه غافرُ الذنوب ولا يغفرها إلَاّ هو، وهو بهذا يطمع من ربِّه أن يغفر له ذنبَه.
وقوله: "واهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلَاّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَاّ أَنْتَ" فيه سؤال الله الهدايةَ إلى الخُلُق الحسن، واعترافه بأنّه لا يهدي إليه إلَاّ الله، وأن يصرف عنه الخُلُقَ السيِّئ الرديء، واعترافه بأنَّه لا
يصرفه عنه إلَاّ الله.
وقوله: "لبَّيْك" استجابة لنداء الله وامتثال أمره سبحانه، وقوله:"وسعديك" أي: إسعاداً بعد إسعاد، والمراد: طاعة بعد طاعة.
وقوله: "والخيرُ كلُّه في يَدَيْك" أي: خزائنه عندك، وأنت المانُّ به المتفضِّل وحدك.
وقوله: "والشَّرُّ ليس إليك" فيه تنزيه الله عن الشرِّ أن يُنسب إليه، فالشرُّ لا يُنسب إلى الله بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله، وإنَّما الشرُّ يدخل في مخلوقاته ومفعولاته، فالشرُّ في المقضي لا في القضاء، فتبارك وتعالى عن نسبة الشرِّ إليه، بل كلُّ ما نُسب إليه فهو خير.
وقوله: "وأنا بكَ وإليكَ" أي: بك أستجير وإليك ألتجئ، أو بك أحيا وأموت وإليك المرجع والمصير.
وقوله: "تباركتَ وتعاليتَ" فيه إثبات استحقاقه سبحانه الثناء والتعظيم.
ثم ختم هذا الاستفتاح بالاستغفار والتوبة، وللحديث صلة، والله تعالى أعلم.