المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أذكار الخروج إلى الصلاة، ودخول المسجد والخروج منه - أذكار الطهارة والصلاة

[عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]

الفصل: ‌أذكار الخروج إلى الصلاة، ودخول المسجد والخروج منه

‌أذكار الخروج إلى الصلاة، ودخول المسجد والخروج منه

ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبي نُوراً، وَفِي لِسَانِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُوراً، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراً، وَمِنْ أَمَامِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراً، اللَّهُمَّ اعْطِنِي نُوراً"1.

وهذا الحديثُ يدلَّ على مشروعية قولِ هذا الدعاء عند التوجُّه إلى المسجد، وكلُّه سؤالٌ لله تبارك وتعالى بأن يجعلَ النورَ في كلِّ ذرَّاته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطاً به من جميع جهاته، وأن يجعلَ ذاتَه وجملته

1 صحيح مسلم (رقم:763) .

ص: 22

نوراً، وهذا مناسبٌ غاية المناسبة مع ما ثبت في صحيح مسلم أنَّه صلى الله عليه وسلم قال:"والصَّلاةُ نُورٌ" 1، فالصلاة نورٌ للمؤمن في دنياه وفي قبره وفي الآخرة، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام:"مَن حافظَ عليها كانت له نوراً وبُرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لَم يُحافظ عليها لَم يكن له نور ولا بُرهان ولا نجاةٌ يوم القيامة" رواه أحمد2، فكان في غاية المناسبة وتمام الحسن والمسلمُ متَّجهٌ إلى المسجد لأداء هذه الصلاة التي هي نور للمؤمن أن يسأل اللهَ أن يُعظِمَ حظَّه من النور في جسمه كلِّه، وأن يجعله محيطاً به من جميع جوانبه.

ثم إنَّ المسلمَ يُستحبُّ له إذا دخل المسجد أن يقول: بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسول الله،

1 صحيح مسلم (رقم:223) .

2 المسند (2/169)، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:"بإسناد حسن". مجموع فتاواه (10/278) .

ص: 23

اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ"، وأن يقول كذلك: "أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكِرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".

وإذا خرج أن يقول: بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، اللَّهمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وقد دلَّ على ذلك مجموع أحاديث:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجدَ قال: بسْمِ اللهِ، اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد، وَإذا خَرَجَ قال: بسْمِ اللهِ، اللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ" رواه ابن السُّني في عمل اليوم والليلة1.

1 عمل اليوم والليلة (رقم:89) ، وسنده ضعيف، وقال الألباني رحمه الله:"لكن للحديث شاهد من حديث فاطمة عند ابن السني والترمذي، وقال: حديث حسن". تخريج الكلم الطيب (ص:51) .

ص: 24

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إِذا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فليُسلِّم على النَّبيِّ وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فليُسلِّم على النَّبيِّ وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ" رواه النسائي وابن ماجه والحاكم1، وجاء في بعض ألفاظه:"اللَّهمَّ باعدني من الشيطان".

وعن أَبي حُمَيْدٍ أو عن أَبي أُسَيْدٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ" رواه مسلم2.

وعن عبد الله بن عَمروٍ بنِ العَاصِ رضي الله عنهما، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ قَالَ:

1 السنن الكبرى (6/27)، وسنن ابن ماجه (رقم:773) ، والمستدرك (1/207)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:514) .

2 صحيح مسلم (رقم:713) .

ص: 25

"أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكِرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ اليَوْمِ". رواه أبو داود1.

وهذا مجموع ما ورد مِمَّا يُستحبُّ للمسلم أن يقولَه عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وإن طال عليه ذلك اقتصر على ما في صحيح مسلم، وهو أن يقول عند الدخول: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وعند الخروج: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ.

قوله: "إذا دخل المسجد" أي حال دخوله المسجد، وقوله:"إذا خرج" أي حال خروجه منه.

قوله: "بسم الله" عند الدخول وعند الخروج، الباء للاستعانة، وكلُّ فاعل يقدر الفعل المناسب لحاله عند البسملة، والتقدير هنا بسم الله أدخل أي: طالباً

1 سنن أبي داود (رقم:466)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (رقم:1606) .

ص: 26

عونَه سبحانه وتوفيقه، وهكذا الشأن في الخروج.

قوله: "والصلاة والسلام على رسول الله" فيه فضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وهو من المواطن التي يُستحبُّ الصلاةُ فيها والسلامُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فصَّلها ابن القيِّم رحمه الله في كتابه: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام.

وفي قوله: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، عند الدخول، واللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، عند الخروج حكمة، فقيل: لعلَّ ذلك لأنَّ الداخلَ طالبٌ للآخرة، والرَّحمةُ أخصُّ مطلوبٍ له، والخارجُ طالبٌ للمعاش في الدنيا وهو المراد بالفضل، وقد أشار إلى ذلك قولُه تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} 1، وقيل: لأنَّ مَن دخل

1 سورة: الجمعة، الآية (10) .

ص: 27

المسجد فإنَّه ينشغل بما يقربه إلى الله ونيل ثوابه وجنَّته فناسبَ ذكرُ الرحمة، وإذا خرج من المسجد انتشر في الأرض ابتغاء فضل الله لرزقه الطيب والحلال فناسب ذكرُ الفضل1، والله أعلم.

وقد دلَّت النصوصُ المتقدِّمة على أهميَّة التعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم والالتجاء إلى الله عز وجل منه سواء عند دخول المسجد أو عند الخروج منه، وفي الدخول يقول ـ كما في حديث عبد الله بن عَمرو المتقدّم ـ:"أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكِرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، وأنَّ العبدَ إذا قال ذلك قال الشيطان: حُفظ منِّي سائر اليوم، أي جميعه.

وفي الخروج يقول ـ كما في حديث أبي هريرة المتقدِّم ـ: "اللَّهمَّ اعصمني من الشيطان".

1 انظر: شرح الأذكار لابن علَاّن (2/42) .

ص: 28

وما مِن شكٍّ أنَّ الشيطان حريصٌ على الإنسان غاية الحرص عند دخول المسجد ليَصدّه عن صلاته، وليفوت عليه خيرها، وليقلل حظّه ونصيبه من الرحمة التي تنال بها، وحريص غاية الحرص على الإنسان عند خروجه من المسجد ليسوقه إلى أماكن الحرام وليوقعه في مواطن الريب، وقد صحَّ في الحديث أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الشيطان قاعدٌ لابن آدم بأطرقه" 1، أي: في كلِّ طريق يسلكه الإنسان سواء كان طريق خير أو طريق شرٍّ، فإن كان طريق خير قعد له فيه ليُثبطه عنه وليُثنه عن المُضِيِّ فيه، وإن كان بخلاف ذلك قعد له فيه ليشجعه على المضيِّ فيه، وليدفعه على الاستمرار والمواصلة، نسأل الله أن يعيذنا وإيَّاكم وجميع المسلمين منه.

1 سنن النسائي (6/21) ، والمسند (3/483)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:1652) .

ص: 29

وقوله: "أَعُوذ باللهِ العَظِيمِ وَبوَجْهِهِ الكِرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" فيه تعوُّذٌ بالله وأسمائه وصفاته، ومن صفاته سبحانه وجهُهُ الموصوف بالكرم وهو الحسن والبهاء، ومن صفاته السلطانُ الموصوف بالقِدم وهو الأوليَّةُ التي ليس قبلها شيء، وفي هذا دلالة على عظمة الله سبحانه وجلاله وكماله، وكمال قدرته وكفايته لعبده المستعيذ به الملتجئ إليه سبحانه.

ص: 30