الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أذكار التشهُّد
إنَّ من الأذكار المتعلقة بالصلاة أذكار التشهد، وقد ثبت فيه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديثُ عدّة فيها صيَغ متقاربة للتشهد، كلُّها جائزةٌ ومشروعة، منها: ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا التشهدَ كما يعلِّمنا السورة من القرآن، فكان يقول: التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الطيِّبات لله، السَّلامُ عليكَ أيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهَدُ أن لا إله إلَاّ الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسولُ الله"1.
وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كُنَّا إِذا صَلَّينَا خَلْفَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى
1 صحيح مسلم (رقم:403) .
جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ السَّلَامُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" 1.
وثبت في هذا أحاديث أخرى.
وأكملُ هذه الصيغ الصيغةُ الواردة في حديث ابن مسعود المتقدم، فهي أكملُ من الصيغة الواردة في حديث ابن عباس وغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب؛ وذلك كما يقول ابن القيم رحمه الله: "لأنَّ تشهد ابن مسعود يتضمَّن جُملاً متغايرة، وتشهُّد ابن
1 صحيح البخاري (رقم:831)، وصحيح مسلم (رقم:402) .
عباس جملةٌ واحدة"1، فتكون كلُّ جملة في حديث ابن مسعود ثناءً مستقلاًّ لوجود الواو في قوله: "التحيَّات لله والصلوات والطيبات" بخلاف ما إذا حذفت فإنَّها تكون صفة لما قبلها، فتعدُّد الثناء في حديث ابن مسعود صريحٌ، فهو أولى وأكمل.
ثم إنَّه هو المشهور بين كثير من أهل العلم، ومن حيث الإسناد هو أصحُّ ما ورد في هذا الباب، يقول الترمذي رحمه الله:"حديث ابن مسعود قد روي عنه من غير وجه، وهو أصح حديث روي عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ومَن بعدهم من التابعين"2.
وعلى كلٍّ فإنَّ العمل به أو بغيره من التشهدات الواردة كلُّ ذلك حقٌّ وسائغ.
1 كتاب الصلاة (ص:211) .
2 سنن الترمذي (2/82) .
قوله: "التحيات" جمع تحية والمراد التعظيمات بكافة صِيَغها وجميع هيئاتها من ركوع وسجود وذلِّ وخضوع، وخشوع وانكسار، كلُّ ذلك لله وحده لا شريك له، وهي له سبحانه ملكاً واستحقاقاً.
وقوله: "والصلوات" قيل المراد به الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود، وقيل المراد الدعاء؛ فإنَّ معنى الصلاة لغة الدعاء، وكلُّ ذلك لله فالصلاة كلُّها لله، فلا يُصرف شيء منها لغيره، والدعاء لله فلا يصرف شيء منه لأحد سواه.
وقوله: "والطيبات" جمع طيبة، والمراد الأقوال الطيبات والأعمال الطيبات كلها لله، يُتقرب بها إليه، ولا يُتقرَّب بشيء منها لأحد سواه، فهو سبحانه يُتَقرَّبُ إليه بكلِّ طيب من قول أو فعل.
وقوله: "السلام عليك أيها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته" هذا دعاءٌ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالسلام والرحمة
والبركة، والذي يُدعى له لا يُدعى مع الله.
وقوله: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" فيه دعاءٌ للنفس ولعموم المؤمنين بالسلامة من كلِّ آفة وعيب ونقص وسوء، وهو مِن جوامع كَلِمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال بعض أهل العلم: "عَلَّمَهم أن يُفردوه صلى الله عليه وسلم بالذِّكر؛ لشَرَفِه ومزيد حقِّه عليهم، ثم علَّمهم أن يُخَصِّصوا أنفسَهم أوَّلاً؛ لأنَّ الاهتمامَ بها أهم، ثم أمرَهم بتعميم السَّلام على الصالحين إعلاماً منه بأنَّ الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملاً لهم"1.
وقوله: "أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله" فيه الشهادة لله تبارك وتعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالعبودية والرسالة، فهو صلوات الله وسلامه عليه عَبدٌ لا يُعبد؛ بل رسول يُطَاع ويُتَّبع.
1 فتح الباري لابن حجر (2/313) نقلاً عن البيضاوي.
ثم إنَّ المسلمَ يُشرع له بعد التشهد أن يصلي على النَّبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم بالصلاة الإبراهيمية الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وقد وَرَدَ فيها غيرُ حديث، منها: ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "لَقِيَنِي كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه فَقَالَ: ألَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"1.
وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي حميد
1 صحيح البخاري (رقم:3370)، وصحيح مسلم (رقم:406) .
الساعدي رضي الله عنه: "أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذرِيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذرِيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آل إِبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"1.
وقول كعب صلى الله عليه وسلم: "ألَا أُهدي لك هديَّةً سمعتُها من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم" فيه عظَمُ عناية السلف رحمهم الله بسُّنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وشدَّة فرَحِهم بها، بل كانوا يعدُّونها من نفائس الأمور وثَمين الأشياء، وهي عندهم هدية ثمينة يَفرحون بها ويُسَرُّون بسمعاها، ويَهْنَأون بتهاديها.
والصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هي من الله ثناؤُه عليه في الملأ الأعلى وتعظيمه، وصلاة الملائكة والمؤمنين عليه هي طلب ذلك له صلى الله عليه وسلم من الله تعالى، والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة.
1 صحيح البخاري (رقم:3369)، وصحيح مسلم (رقم:407) .
ومعنى قوله: "اللَّهمَّ بارك على محمد وعلى آل محمد" البركة النماء والزيادة، والتبريك الدعاء بذلك، يقول: باركه الله وبارك فيه وبارك عليه وبارك له، فهو دعاءٌ يتضمن إعطاءَه صلى الله عليه وسلم من الخير وإدامته له، ومضاعفته له وزيادته.
ثم إنَّ المسلم له بعد ذلك أن يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به إلى أن يسلِّم، وقد ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع أنواعٌ من الأدعية سيكون الحديث الآتي عنها إن شاء الله تعالى.