الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقوله مَن سمع الأذان
لقد ورد في شأن الأذان ـ وهو النِّداءُ إلى الصلاة والإعلام بدخول وقتِها بألفاظ مخصوصة ـ نصوصٌ كثيرة في سنَّة النَّبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم تدلُّ على فضلِه وعظَم شأنه وكثرةِ منافعه وفوائده، سواء على المؤذن نفسِه أو على من يسمع نداءه.
فمن فضائل الأذان ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَاّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ" 1، ومدى صوتِه: أي غايتُه ومنتهاه.
وفي الحديث دلالة على أنَّ كلَّ مَن سمع صوتَ المؤذِّن من الإنس أو الجنِّ أو الشجر أو الحجر أو
1 صحيح البخاري (رقم:609) .
الحيوانات يشهد له بذلك يوم القيامة، وفي هذا دلالة على استحباب رفع الصوت بالأذان لِيَكثُرَ مَن يشهد له، ما لَم يُجْهِدْه أو يتأذى به.
ومن فضائل الأذان ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يَعلم الناسُ ما في النّداء والصَّف الأول ثم لَم يجدوا إلَاّ أن يستهموا عليه لاستَهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتمة والصبح لأتوهما ولو حَبْواً"1.
والاستهامُ: الاقتراعُ، والتَّهجيرُ: التبكير إلى صلاة الظهر، وقيل: إلى كلِّ صلاة، والعتمة: صلاة العِشاء.
ومن فضائل الأذان ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نُوديَ للصلاة أدْبَرَ الشيطانُ له ضُراط، حتى لا يسمع
1 صحيح البخاري (رقم:615)، وصحيح مسلم (رقم:427) .
التأذين، فإذا قُضي التأذين أَقْبَلَ، فإذا ثُوِّب بالصلاة أَدْبَر [أي: إذا أقيمت الصلاة] فإذا قُضي التَّثويبُ أَقْبَلَ، حتى يَخطرَ بين المَرء ونفسه، يقول: اذْكُر كذا، اذكُر كذا لِمَا لَم يكن يَذْكُر، حتى يَظلَّ الرَّجلُ لا يَدري كم صلَّى" 1.
وقد دلّ الحديث على أنَّ الأذان يطردُ الشيطان، وأنَّه إذا سمعه ولَّى هارباً حتى لا يسمع التأذين، فهو حينما يسمعه يهرب نفوراً عن سماعه، فإذا قضي يرجع موسوساً ليُفسد على المصلِّي صلاته.
والنصوص في فضل الأذان كثيرة.
ثم إنَّ المسلمَ إذا سمع النِّداء يُستحبُّ له أن يقول مثلَ ما يقول المؤذِّن؛ لِما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا سَمِعْتُم النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ"2.
1 صحيح البخاري (رقم:608)، وصحيح مسلم (رقم:389) .
2 صحيح البخاري (رقم:611)، وصحيح مسلم (رقم:383) .
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا قَالَ المُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ باللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَاّ باللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ مِنْ قَلْبهِ، دَخَلَ الجَنَّةَ"1.
وهذا فيه فضلُ سماع النِّداء وترديد كلماته مع المؤذن، بأن يقول مثلَ قوله في جميع الكلمات إلَاّ قوله: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، فيقول بدلهما: لا حول ولا قوة إلَاّ بالله؛ لأنَّ قوله: حيَّ على الصلاة
1 صحيح مسلم (رقم:385) .
دعوةٌ للناس للمجيء لأداء الصلاة، وقوله: حيَّ على الفلاح دعوةٌ لهم للمجيء لتحصيل ثوابها، وفي قول المسلم عند سماع ذلك "لا حول ولا قوة إلَاّ بالله" طلب للعون من الله في تحقيق ذلك.
ثم قوله صلى الله عليه وسلم: "من قلبه" فيه دلالة على اشتراط الإخلاص؛ لأنَّه أصلٌ لا بدَّ منه في قبول الأعمال والأقوال.
ومن السُّنَّة أن يقول المسلم عقِب سماعه للشهادتين: وأنا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ باللهِ رَبًّا وَبمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبالإِسْلَامِ دِيناً؛ لِما روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ باللهِ رَبًّا وَبمُحَمَّدٍ
رَسُولاً، وَبالإِسْلَامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ" 1.
ورواه أبو عوانة في مستخرجه بلفظ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، قال: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ رَضِيتُ باللهِ
…
" الحديث، وهو صريحٌ في أنَّ السَّامعَ يقول ذلك بعد جواب المؤذِّن على الشهادتين، يقوله مرَّة واحدة2.
ويُستحبُّ للمسلم بعد انتهاء الأذان أن يُصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يسأل اللهَ له الوسيلة، ومن سأل له الوسيلة حلَّت له الشفاعة، ففي صحيح مسلم عن عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بهَا عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ
1 صحيح مسلم (رقم:386) .
2 انظر: تصحيح الدعاء للشيخ بكر أبو زيد (ص:371) .
الوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَاّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ" 1.
وأفضلُ صيغ الصلاة عليه هي الصلاةُ الإبراهيميَّة التي علّمها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّته بأن يقول: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ"2.
1 صحيح مسلم (رقم:384) .
2 صحيح البخاري (رقم:614) .
ثمَّ إنَّ للمسلم بعد ذلك أن يدعو اللَه لنفسه بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، فإنَّ هذا الموطن من مواطن إجابة الدعاء، فقد روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، إنَّ المؤذِّنين يفضلونَنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قُلْ كما يَقولونَ، فإذا انتهيتَ فسَلْ تُعْطَه"1.
وروى أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُرَدُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ"2.
فهذا جملةُ ما ورد في هذا الباب، وليحذر المسلمُ أشدَّ الحذر مِمَّا أحدثه الناسُ مِمَّا لَم تثبت به سُنَّة ولم يقُم عليه دليل، والله تعالى أعلم.
1 سنن أبي داود (رقم:524)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:4403) .
2 سنن أبي داود (رقم:521)، وصحَّحه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع (رقم:3408) .