الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح بفضله صدور المرشدين للعباد وضيق بعدله قلوب الجهلة ذوي الفسق والعناد وتصرف تعالى في خلقه بحكمته كيف شاء وأراد ويسر الكل لما خلق فلا يصرف عنه ولا يذاد فأهل الجهل لطلب معيشة النفس والأهل والأولاد متحرياً لدنياه الصلاح والسداد غافلاً عن دينه وماينجيه في المعاد وقيض لحمل الشريعة السمحة عدول كل خلف ورثة الأنبياء والزهاد فهجروا في تبيين مسائلها الراحة والرقاد وهاجروا وإن جاوروا الأهلين والأولاد فبذل كل مجهوده وإستفاد وأفاد وأنفق بقدر وسعه وما فتح الكريم الجواد وجمع أصولها وفروعها ودون وبين وحصل وأتقن وأجاد وجمع الفروق ونظم الجواهر فبرزت متوجة مكللة على أحسن مراد تبصرة للجاهل بمقدمات سهلة التناول قريبة التناد فسبحان حاجبها عن غير خليلٍ ممن إتصف بكفرٍ أوعنادٍ وموضحها رسالة لمن سبقت له العناية والرشاد فما أعد له من مضلٍ وأكرمه من هادٍ نحمده سبحانه ونشكره على سابق العناية والفضل والإمداد ونستعينه ونستغفره عن آثامنا المانعة لنا اللحوق بمن علم وساد. ونشهد أن لاإله إلآ الله وحده لاشريك له شهادةً لاشك فيها ولاخفاء وإيمان من وصف بيعبدوا الله مخلصين له الدين حنفا ونشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله من الله يتلو صحفاً وعلى آله وأصحابه أهل الكرم والوفا المنزل فيهم قل الحمد لله وسلام على عبده الذين اصطفى. (وبعد) فيقول أحوج الخلق إلى مولاه وأقل العبيد محمد بن أحمد بن محمد الشهير بميارة طالباً من الله التوفيق والتسديد إن بعض الأصحاب والإخوان من الطلبة المقربين والخلان طلب مني وضع شرح على النظم المسمى بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين تأليف شيخنا الإمام العالم العلامة الحاج الأبر سيدي أبي محمد عبد الواحد بن عاشر رحمه الله تعالى ونفع به لإختصاره وكثرة مااشتمل عليه من الفوائد من الفقه والتصوف والتوحيد والعقائد وقصور الهمة عن المطولات للاشتغال بالدنيا والعوائد ولم يزل يتردد إلي كثيراً في ذلك وأنا أجول بفكري في صعوبة الخوض في تلك المسالك وأتعلل بالعجز والتقصير وعدم الفراغ ومجيء النذير فلم يزل يذكرني في ثواب من علم وعلم وإنتفع ففهم وفهم وإن الفراغ من الدنيا قد غبن فيه
كثير ووجوده نادر عسير حتى استخرت الله في إسعافه وموافقته على ماطلب أوخلافه ثم شرعت فيه راجياً ثواب النفع به إن شاء الله تعالى للبادي والحاضر ملتمساً صالح الدعاء من كل قارىء له وناظر معترفاً أن ليس فيه إلا النسخ والترتيب وإني فيهما بين خوف التخطئة ورجاء التصويب طالباً من الله سبحانه وتعالى الدخول في زمرة الأئمة المهتدين والإندراج في خبر «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» وسميته بالدرالثمين والمورد المعين في شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين نفع الله به النفع العميم وجعله خالصاً لوجهه العظيم إنه متفضل محسن كريم ومن الله أستمد العون والتوفيق والهداية إلى أقوم طريق إنه على مايشاء قدير والإجابة جدير ولاحول ولاقوة إلآ بالله العلي العظيم قال رحمه الله تعالى:
يَقُولُ عَبْدُ الْوَاحِد بِنُ عَاشِرِ
مُبْتَدِئاً بِاسْمِ الإِلَهِ الْقَاِدِر
أَلْحَمْدُ لله الَّذِي عَلّمَنَا
مِنِ الْعُلُومِ مَا بِهِ كَلّفَنَا
صَلّى وَسَلّمَ عَلَى مُحَمَّدِ
وَاآلِه وَصَحْبِهِ وَالْمُقْتَدِي
بدأ رحمه الله بتسمية نفسه لأنه في هذا المقام من أعظم المهمات لما علم أن العمل أو الفتوى من الكتب التي جهل مؤلفوها ولم يعلم صحة مافيها لايجوز قال الإمام شهاب الدين القرافي رحمه الله في كتاب الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام تحرم الفتوى من الكتب الحديثة التصنيف إذالم يشتهر إعزاء مافيها من النقول إلى الكتب المشهورة إلا أن يعلم أن مصنفها ممن يعتمد لصحة علمه والوثوق بعدالته وكذا تحرم الفتوى من الكتب الغريبة التي تشتهر حتى تتظافر عليها الخواطر ويعلم صحة مافيها وكذا تحرم من حواشي الكتب لعدم الوثوق بمافيها قال ابن فرحون مراده إذا كانت الحواشي غريبة النقل أما إذا كان مافيها موجوداً في الأمهات أومنسوباً إلى محله وهو بخط من يوثق به فلا فرق بينها وبين التصانيف اه. وإذا تأكدت من معرفة مؤلف الكتاب كماذكر فلا بد من التعريف بالناظم وذكر نبذة من أحواله رحمه الله فأقول ناظم هذه القصيدة هو شيخنا الإمام العالم العلامة،
المتفنن الحاج الأبر المجاهد سيدي أبو محمد عبد الواحد ابن أحمد بن علي بن عاشر الأنصاري نسباً الأندلسي أصلاً الفاسي منشأ وداراً كان رحمه الله تعالى عالماً عاملاً ورعاً عابداً مفتياً في علوم شتى قرأ القرآن على الإمام الشهير الأستاذ المحقق أبي العباس أحمد بن الفقيه الأستاذ سيدي عثمان اللمطي وعلى غيره وأخذ قراءات الأئمة السبعة على الأستاذ المحقق أبي العباس أحمد الكفيف ثم عن العالم الشهير مفتي فاس وخطيب حضرتها أبي عبد الله محمد الشريف المري التلمساني وغيرهما ولاشك أنه فاق أشياخه في التفنن في التوجيهات والتعليلات ـ رحم الله جميعهم ـ وأخذ النحو وغيره من العلوم عن جماعة من الأئمة كالإمام العالم المتفنن مفتي فاس وخطيب حضرتها أبي عبد الله محمد بن قاسم القصار القيسي وكالإمام النحوي الأستاذ أبي الفضل قاسم بن أبي العافية الشهير بابن القاضي وكشيخنا الفقيه المحدث المسند الرواية الأديب
الحاج الأبر أبي العباس أحمد ابن محمد بن أبي العافية
الشهير بابن القاضي ابن عم أبي الفضل المذكور قبله وكالإمام العالم المحقق قاضي الجماعة بفاس أبي الحسن علي بن عمران وكالإمام العالم مفتي فاس وخطيب حضرتها أبي عبد الله محمدالهواري وكالشيخ العامل الورع الزاهد أبي عبد الله محمد بن أحمد النجيبي شهر بابن عزيزبفتح العين المهملة وكسر الزاي كان الناظم رحمه الله تعالى يذكر لنا عنه كرامات نفعناالله به وكشيخناالإمام العالم المتفنن المفسر المسن قاضي الجماعة بفاس وخطيب حضرتها ومفتيها أبي الفضل قاسم بن محمد أبي نعيم الغساني وغيرهم من الأئمة وأخذ الحديث على بعض من تقد من الشيوخ الفاسيين كابن عزيز والقصار وشيخنا ابن القاضي وغيرهم من المشارقة لماحج وذلك سنة ثمانية وألف وهو الإمام المحدث المعمر صفي الدين أبو عبد الله محمد بن يحيى العزي ـ بكسر العين المهملة وكسر الزاي المشددة ـ الشافعي وقرأ موطأ الإمام مالك بن أنس على الفقيه العالم المسن سيدي أبي عبد الله محمد بن الجنان وشمائل الترمذي على شيخنا الإمام العالم المحدث سيدي أبي الحسن علي البطيوي رحمة الله علينا وعليهم أجمعين وكان الناظم رحمه الله ذا معرفةٍ بالقراءة وتوجيهها وبالنحو والتفسير والإعراب والرسم والضبط وعلم الكلام يحفظ نظم ابن زكرى عن ظهر قلب ويعلم الأصول والفقه والتوقيت والتعديل والحساب والفرائض وعلم المنطق والبيان والعروض والطب وغيرذلك وحج وجاهد واعتكف وكان يقوم من الليل ماشاء الله تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته ألف تآليف عديدة منها هذه المنظومة العديمة المثال في الاختصار وكثرة الفوائد والتحقيق ومحاذاة مختصر الشيخ خليل والجمع بين أصول الدين وفروعه بحيث أن من قرأها وفهم
مسائلها خرج قطعاً من ربقة التقليد والمختلف في صحة إيمان صاحبه وأدى ماأوجب الله عليه تعلمه من العلم
الواجب على الأعيان ولذا قال فيها الفقيه الأجل الأديب النحوي اللغوي سيدي أبو محمد عبدالله ابن الشيخ الأجل الولي الصالح المجاهد الرابط بالثغور ذي الفتوحات العديدة والمآثر الحميدة سيدي أبي عبد الله محمد إبن أحمد العياشي أبقى الله وجوده كهفاً للإسلام وجلاءً لغياهب الظلام وأعانه على ماهو بصدد من إخماد الكفرة ونصرة الإسلام وكبت أعدائه بجاه سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ما نصه:
عليك إذا رمت الهدى وطريقه
وبالدين للمولى الكريم تدين
بحفظ لنظم كالجمان فصوله
وماهو إلا مرشدٍ ومعين
كأن المعاني تحت ألفاظه وقد
بدت سلسبيلاً بالرياض معين
وكيف وقد أبداه فكر بن عاشر
إمام هدى للمشكلات يبين
تضلع من كل العلوم فما له
شبيه ولا في المعلومات قرين
وأبرز ربات الحجال بفهمه
فها هي أبكار لديه وعين
وأعمل فكراً في جميعها فذل له صعب ولان حرون وأنهى إلى أقطاب الوجود تحية علينا بها كل الأمور تهون وهذا شرحه العجيب على مورد الظمآن في علم رسم القرآن فقد أجاد فيه ماشاء وليس الخبر كالعيان وقد كان شرحه ديناً على العلماء الأعيان وأدرج فيه تأليفاً آخر سماه الإعلان بتكميل مورد الظمآن في كيفية رسم قراءة غيرنافعٍ من بقية السبعة في نحو خمسين بيتاً وشرحه وإبتدأ شرحاً عجيباً على مختصر الشيخ خليل ملتزماً فيه نقل لفظ ابن الحاجب ثم لفظ التوضيح وأضاف إلى ذلك فوائدعجيبة ونكتا غريبة كتب منه من قوله في النكاح والكفاءة والدين الحال إلى باب السلم والله أعلم وله طرر عجيبةً مفيدةً على المختصر المذكور بعضها يتلعق بلفظ المختصر وبعضها بلفظ شارحه الإمام التتائي في شرحه الصغيروله رسالة عجيبة في عمل لربع المجيب في نحو مائةٍ وثلاثين بيتاً من الرجز وله تقاييد على العقيدة الكبرى للإمام السنوسي وله طرر عجيبةً على شرح الإمام أبي عبد الله محمد التنسي لذيل مورد الظمآن في الضبط وله مقطعات في جمع نظائر ومسائل مهمة من الفقه والنحو وغيرهما ومن نظمه رحمه الله وكان يكثر من
ذكره عندما تكثر عنده الأسئلة الفقيهة ومن إملائه نقلت:
يزهدني في الفقه أني لاأرى. يسائل عنه غير صنفين في الورى. فزوجان راما رجعة بعدبته. وذئبان راما جيفةً فتعسرا ومنه في مدح مختصر ابن الحاجب وشرحه.
خليلي خليل قد شغفت بحسنه. وتوضيحه صبحاً بزينة حاجبه. واليت آلوه شرحاً لغامض. من الودير ضاه خليل وحاجبه ومنه في الكتابة على طريق اللغز:
لله في خلقه من صنعه عجب. حقائق كادت في الوجوه تنقلب. كلهم بعين ترى لا الأذن تسمعها. خطابها حاضر وأهلها ذهبوا أصيب بالداء المسمى على لسان العامة بالنقطة ضحى يوم الخميس ثالث ذي الحجة الحرام من عام أربعين وألف ومات عند الاصغرار من ذلك اليوم رحمة الله ونفع به وإلى سنة وفاته أشرت بالشين والميم بحساب الجملة من قولنا في جملة أبيات في تواريخ وفاة جملة من شيوخنا والإشارة إلى بعض صفاتهم:
وعاشرالمبرور غزوا وحجة
إمام التقى والعلم شم قرنفل
(قوله يقول) القول وفروعه يتعدى إلى مفعول واحد فإن وقعت بعده جملة محكية فهي في موضع مفعول والمحكي به هنا قوله (الحمد لله) إلى آخر النظم وابن عاشر بالرفع نعت لعبدٍ ويكتب ابن هنا بغير ألف الوصل على قاعدة كتبه إذا وقع بين علمين لكن قال بعضهم مالم يكن أول سطر فيكتب حينئذٍ بالألف وكذا إن أعرب بدلا وعليه خرج إثباتها في عيسى ابن مريم فإن كان العلم الذي قبله منوناحذف تنويه كزيد بن عمرو ومبتدئا حال مقدرة من عبد الواحد ولما كان نظم الكتاب وتأليفه أمراً ذا بال ـ أي شأن يهتم به ـ وكل ماهو كذلك يطلب فيه البداءة بالبسملة لقوله كل أمر ذي بال لايبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر بدأ الناظم بها فقال (مبتدئا بإسم
الإله) وإنما قالوا بسم الله ولم يقولوا بالله لأن التبرك والإستعانة بذكر اسمه تعالى وقيل للفرق بين اليمين الذي هو القسم والتيمن وهو التبرك (والقادر) من له القدرة وهو صفة الإله و (الحمدلله) لغة الوصف بالجميل على جهة التعظيم والتبجيل وإن شئت قلت هو الوصف بجميل إختياري أوقديم على جهة التعظيم والتبجيل والمراد بالوصف الذكر باللسان دون غيره من سائر الأركان وإطلاق الحمد على ماليس باللسان إنما هو باعتبار تعبير اللسان عنه وشمل قوله الجميل أي الحسن ماكان في مقابلة إنعام وماليس في مقابلته كما شمل أيضاً على التعريف الأول وهو مصرح به في الثاني ماكان اختيارياً أو قديماً والمراد بالاختياري مافيه اختيار ولو بوجه ما فيدخل فيه الطبائع الغريزية المحمودة كالسجاعة والكرم وشمل القديم جميع أوصافه تعالى إذ كل منها جميل فخرج الوصف بغير الجميل وبجميل لاختيار فيه كحمرة الخد ورشاقة القدـ أي حسنه ـ وبجميل اختياري أوقديم لاعلى جهة التعظيم بل على جهة التهكم والسخرية فليست بحمد والوصف بجميل لااختيار فيه يسمى مدحاً لاحميداً والحمد مدحاً فبين الحمد والمدح عموم وخصوص مطلق إذ كل حمد مدح ولاعكس ومما استطردوه هنا تعريف الشكر وهو لغة فعل ينبىء عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعماً والمراد بالفعل الحدث فيدخل فيه ماكان باللسان وبغيره من سائر الأركان فلايختص باللسان كالحمد وخرج بقولهم ينبىء عن تعظيم المنعم مالاينبىء تعظيمه وخرج بقولهم بسبب كونه منعماً ماينبىء عن تعظيمه لافي مقابلة إنعام فإنه حمد لاشكر وإذا فهمت هذا علمت أن بين الحمد والشكر عموماً وخصوصاً من وجه يصدقان على الوصف المساني بالجميل في مقابلة الإحسان وينفرد الحمد بصدقه على الوصف اللساني بالجميل لافي مقابلة إحسان وينفرد الشكر بصدقه على ماليس باللسان من الفعل المنبىء عن التعظيم إن كان في مقابلة إحسان وأما الحمد والشكر الشرعيان فقال في شرح المطالع تحقيق ماهيتهما أن الحمد ليس عبارة عن قول القائل (الحمدلله) بل هو فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعماً وذلك الفعل إما فعل القلب أعني إعتقاد
إتصافه بصفات الكمال والجلال أوفصل اللسان أعني ذكر مايدل عليه أوفعل الجوارح وهو الاتيان بأفعال دالة على ذلك والشكر كذلك ليس قول القائل والشكر لله بل هو صرف العبد جميع ماأنعم الله به عليه من السمع والبصر وغيرهما إلى ماخلق له وأعطاه لأجله كصرفه النظر إلى مطالعة مصنوعاته والسمع إلى تلقي ماينبىء عن مرضاته والاجتناب عن منهياته وعلى هذا يكون الحمد أعم من الشكر مطلقاً لعموم النعمة الواصلة إلى الحامد وغيره واختصاص الشكر بمايصل إلى الشاكر اهـ قال السيد وذلك لأن المنعم المذكور في تعريف الحمد العرفي مطلق لم يقيد بكونه منعماً على الحامد أوغيره فيتنا ولها بخلاف الشكر إذ قد اعتبر فيه منعم مخصوص وهو الله سبحانه ونعمة واصلة إلى عبده الشاكر ولكون الحمد أعم من الشكر وجه ثان وهو أن فعل القلب واللسان وحده مثلاً قد يكون حمد وليس بشكر أصلا إذا قد اعتبر فيه شمول الآلات ووجه ثالث وهو أن الشكر بهذا المعنى لايعلق بغيره تعالى بخلاف الحمد اهـ وعبارة الشيخ
خالد الأزهري في شرح التوضيح فالشكر أخص مطلقاً لاختصاص تعلقه بالباري تعالى ولتقييده بكون المنعم منعماً على الشاكر ولو جرب شمول الآلات فيه بخلاف الحمد اهـ وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء إن عمل الشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح فاستعمال نعم الله تعالى في طاعته والتوقى من الاستعانة بها على معصيته حتى أن شكر العينين أن يستر كل عيبٍ يراه لمسلم وشكر الأذنين أن يستر كل عيب يسمعه فيدخل هذا في جملة شكر نعمة هذه الأعضاء والشكر باللسان إظهار الرضا عن الله تعالى وماهو مأمور به اهـ والله الموفق والله قال البيضاوي أصله إله فحذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف ثم جعل علماً على الذات الواجب الوجود الخالق للعالم وإنما لم يقل الحمد للخالق أوللرازق أونحوهما لئلا يوهم ذلك أن استحقاقه اختصاص الحمد إنما هو لوصف دون وصف وقدم الحمد على اسم الجلالة لاقتضاء المقام مزيد اهتمام به وإن كان ذكر الله أهم في نفسه ومعنى جملة الحمد الخبر عن الله تعالى باستحقاقه الإنصاف بكل جميلٍ فهو حمد في المعنى وزادت بمزية التصريح بلفظ الحمد مع التعميم في أوصافه تعالى وإفادة اختصاصه به ولفظها خبر ومعناها الإنشاء قال الإمام الطبري في تفسير الفاتحة الحمد
لله ثناءً أثنى به تعالى على نفسه وفي ضمنه أمرعبيده أن يثنوا به عليه فكأنه قال قولوا الحمد لله اهـ وهل الألف واللام في الحمد لاستغراق الجنس قال الإمام القلشاني وهو أظهر أوللعهد قولان وجه الأول أن الحمد لما كان قديماً وحادثاً فالقديم حمده تعالى لنفسه ولمن شاء من عباده والحادث حمد المخلوقين لربهم فالقديم صفته ووصفه والحادث خلقه وملكه فالحمد كله لله فثبت كون أل للاستغراق وأيضاً لما كانت أصول النعم وفروعها منه تعالى استحق جميع المحامد ووجه الثاني ماقاله الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه أن الله تعالى
لما علم من خلقه العجز عن كنه حمده حمد نفسه في أزله فلما خلق الخلق اقتضى منهم أن يحمدوه بحمده اهـ ولاشتمالها على ماذكر بدأ بها الناظم كغيره مع الإقتداء بالكتاب العزيز والعمل بمقتضى قوله (كل أمرذي بال لايبدأ فيه بالحمد لله) وفي رواية (بحمدالله) فهو أجذم وفي رواية (أقطع) وفي رواية بزيادة (والصلاة) على (فهو أقطع أبت ممحوق من كل بركة) وقد جمع الناظم في الابتداء بين البسملة والحمدلة فيقال المقصود من الحمد هنا حصول البداءة به لتحصيل بركته كما مرفي الحديث وقد فات ذلك بالبداءة بالبسملة وبقوله يقول
عبد الواحد بن عاشر والجواب عن تقديم البسملة على الحمد أنه ليس المراد بالحمد في الحديث لفظ الحمدلله فقط بل ماهوأعم ممايفيد وصفه تعالى بالجميل والبسملة لاسيما مع إضافة الوصف بالقادر صادقة بذلك فذكر الحمد بلفظه بعدها تأكيد فقط وأيضاً فإن البداءة إما حقيقية وهي ذكر الشيء أولا على الاطلاق وعليهاحمل الأمر بالبداءة بالبسملة وإما إضافية وهي ذكره أولاً بالإضافة إلى شيء دون شيء آخر وعليهم حمل الأمر بالإبتداء بالحمدلة وهي صادقة بذكر الحمد قبل المقصود بالذات وأما تقديم يقول عبد الواحد بن عاشر عليها فلامحذور فيه إذ المأمور به إبتداء التأليف بالثناء على الله تعالى وذلك حاصل لاتقديم الثناء على القول المحكي به التأليف وهذا المحل قابل لأكثر من هذا الكلام وفيماذكرناه كفاية إذالمطلوب إمام وقوله الذي علمنا إلخ الذي بدل من اسم الجلالة ومامن قوله مابه كلفنا
مفعول ثانٍ لعلم والذي كلفنا به من العلوم هوالعلم الواجب على الأعيان أي على كل مكلف وهو علم المكلف مالايتأتى له تأدية ما وجب عليه إلا به وذلك مثل كيفية الوضوء والصلاة والصيام والزكاة إن كان له مال والحج إن كان مستطيعا وكذا مايتعلق بالمعتقدات في حقه تعالى وفي حق رسله عليهم الصلاة والسلام وهل يكفي في ذلك التقليد وهو اتباع الغيرمن غير دليل أولايكفي إلا العلم وهو الجزم المطابق عن دليل في ذلك خلاف يأتي إن شاء الله تعالى وكذا حكم البيع لمن يتعاطاه والقراض والشركة والإجارة ونحوها لمن يتعاطى ذلك فيجب على كل أحد تعلم حكم مايريد أن يفعله من ذلك الاجماع أنه لايجوز لأحد أن يقدم على أمرٍ حتى يعلم حكم الله فيه لكن يكفيه في غير العبادات تعلم الحكم بوجه إجمالي فيبرئه من الجهل بأصل حكمه على قدر وسعه وكذا علم أمراض القلوب كالكبر والحسد والحقد ونحوها فقد قال الإمام أبو حامد الغزالي إن معرفة حدودها وأسبابها وعلاجها فرض عين وقال غيره إن رزق الإنسان قلباً سليماً
من هذه الأمراض المحرمة كفاه ولايلزمه تعلم دوائها وماعدا ماذكر فهو فرض كفاية يحمله من قام به قال في الرسالة وكذلك طلب العلم فريضةً عامةً يحملهامن قام بهاإلا مايلزم الرجل في خاصة نفسه أي فهو فرض عين ونظر شرح الجزولي في هذا المحل فقد أجاد فيه على عادته وانظر شرح القلشاني قبل قوله وقد جاء أن يؤمروا بالصلاة لسبع سنين ويأتي الكلام في ذلك عند قوله في التصوف:
ويوقف الأمور حتي يعلما
ماالله فيهن به قد حكما
وعلى العلم الواجب على الأعيان حمل خبر (طلب فريضة على كل مسلمٍ) قال الإمام محي الدين النووي هذا الحديث إن لم يكن ثابتاً فمعناه صحيح ويحتمل أن يريد الناظم الذي كلفنا من العلوم العلم الواجب على الأعيان والكفاية معاً فإن علم الكفاية يخاطب به أيضاً كل أحد على خلاف يأتي ذكره إلا أنه يسقط بقيام البعض به والناظم رحمه الله ممن علمه الله علم الكفاية وعلم الأعيان وسيأتي الكلام على الواجب علماً أوعملاً وتقسيمه إلى كفاية وعين والسر في ذلك عند كلام الناظم عليه إن شاء الله قوله البيت فاعل صلى وسلم يعود على الله تعالى ولفظه وإن
كان خبراً فالمراد الطلب أي اللهم صل وسلم، وقال الإمام أبو عبدالله محمد بن مرزوق في قول الشيخ خليل والصلاة والسلام على محمد يحتمل أن يريد صلاة الله وسلامه أو الصلاة والسلام من الله على محمد وهومن الخبرالمراد به الإنشاء أي أسأل الله أن يصلي أي يرحم ويسلم أي يؤمن نبيه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فيكون طلب له صلوات الله وسلامه ويحتمل أن يريد صلاته هو وسلامه أي إنشاء الدعاء لمحمد بالرحمة والأمان والفرق بين الإحتمالين أنه طلب في الأول صلاة الله وسلامه وفي الثاني دعاء بهما وهما المعنيان المذكوران في الصلاة من الله تعالى ومن الخلق وأن الأول نفس الرحمة والثاني دعاء بها وعلى كلا التقديرين فهو دعاء من المصنف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه طلب في الأول أن يتولى الله تعالى الصلاة والسلام عليه وفي الثاني صلى هو بنفسه والفرق بينهما كالفرق بين الصلاتين في قوله صلى الله عليه وآله وسلم من صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشراً اهـ والاحتمال الأول هو المتعين في كلام الناظم والله أعلم وإنما نقلته بجملته لمااشتمل عليه من الفوائد ومعنى الصلاة في آية (إن الله وملائكته يصلون على النبي) على ماقرره صاحب المغنى في الباب الخامس العطف قال ثم العطف بالنسبة إلى الله تعالى الرحمة وإلى
الملائكة إستغفار وإلى الآدميين دعاء بعضهم لبعض وشرح العقيدة الصغرى لمؤلفها نفعنا الله به والصلاة من الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم زيادة تكرمه إنعام وسلامه عليه زيادة تأمين له وطيب تحية وإعظام اهـ. (فائدة) قال الرصاع ناقلاً عن الشيخ أبي محمد عبد العزيز ابن عبد السلام لايتوهم المصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن صلاتناعليه شفاعةً منا له عند الله تعالى في زيادة رفعته وبلوغ أمنيته فإن مثلنا لايشفع لعظيم القدر عند ربه ولكن الله سبحانه أمرنا بمكافأة من أحسن إلينا وأنعم علينا ولماأحسن إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحساناً لم يحسن إلينا أحد كإحسانه ولاأكرمنا مخلوق مثل إكرامه وكنا عاجزين عن مكافأة سيدالمرسلين وحبيب رب العالمين أمرنا ربناسبحانه أن نرغب إليه بأن يصلي هو عليه لتكون صلاة مولانا عليه مكافأة له منه سبحانه لإحسانه إلينا وأفضاله عليناإذ لاإحسان أفضل من إحسانه إلا إحسان خالقه المنعم ببعثه رحمةً إلى خلقه صلى الله عليه وآله وسلم اهـ (فرع) قال الإمام أبوعبدالله الأبي في شرح مسلم وما يستعمل من لفظ السيد
والمولى حسن وإن لم يرد والمستند فيه ماصح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم (أناسيد ولد آدم) وانظر لو قال (اللهم صلي على سيدنا محمد عدد كذا) هل يثاب بعدد تلك الأعداد وكان الشيخ يقول يحصل له ثواب أكثر من ثواب من صلى مرةً واحدةً لاثواب من صلى ذلك العدد اهـ. وقوله (وإن لم يرد) أي في لفظ الصلاة بدليل قوله والمستند فيه إلخ ويعني بالشيخ الإمام الشهير أبا عبدالله محمدبن عرفة التونسي ومحمد منقول من اسم مفعول حمد المضعف للتكثير سمي نبينا وآله وسلم بإلهام من الله تعالى تفاؤلاً بأنه بكثرة حمدالخلق له لكثر خصاله المحمودة (فرع) في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أقوال قال القاضي أبو الحسن بن القصار المشهور عن أصحابنا أن ذلك واجب في الجملة على الإنسان وفرض عليه أن يأتي بها مرة من دهره مع القدرة على ذلك وقال القاضي ابن عطية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه وقال غيره تجب كلما ذكر صلى الله عليه وآله وسلم واختاره الطحاوي من الحنفية والحليمي من الشافعية قال الفاكهاني في الباب الأول من الفجر المنير في فضل الصلاة على البشير النذيرالطاهر من الأدلة تساوي حكم الصلاة والسلام في الوجوب وأن الواجب من ذلك المرة الواحدة في العمر على المختار الذي عليه الجمهور اهـ (فرع) في جواز التسمية باسمه صلى الله عليه وآله وسلم خلاف قال الإمام أبوعبدالله محمد بن مرزوق التلمساني في شرح قول الإمام البوصيري رضي الله تعالى عنه
فإن لي ذمةً منه بتسميتي
محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
في كلام الناظم دليل على الترغيب في التسمية باسمه صلى الله عليه وآله وسلم لأنها من الذمم التي يمت بها إليه في رجاء شفاعته صلى الله عليه وآله وسلم وذلك يستلزم جواز التسمية باسمه صلى الله عليه وآله وسلم وقد اختلف العلماء في ذلك فمن مجيزالتسمية باسمه والتكنية بكنيته ومن مانع لهما ومن مجيز للتسمية دون التكنية والثاني هوالظاهر من مذهب عمر رضي الله عنه فإنه قال لمن تسمى بمحمد لاأسمع محمداً يسب بك أبداً وقالت الأنصار للذي سمى ولده أبا القاسم لانكنيك أبا القاسم ولانلقبك بذلك عيناً والأول هو الذي ذهب إليه الأكثر لتسمية كثير من
السلف بذلك والتكني به ووجه القول الثالث قوله صلى الله عليه وآله وسلم للذي نادى يا أبا القاسم فإلتفت إليه صلى الله عليه وآله وسلم فقال لم أعنك يارسول الله فقال صلى الله عليه واله وسلم (تسموا بإسمي ولاتكنوا بكنيتي) ومنهم من أجاز ذلك بعد موته لافي حياته صلى الله عليه وآله وسلم لرفع هذاالمحذور والخلاف في المسألة أكثر من هذا وممن استوفى الكلام فيها القاضي أبوالفضل عياض في الأول وقد وردت آثار في فضل التسمية بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم منها ما ذكر القاضي عياض عن شريح بن يونس أنه قال (إن لله ملائكة سياحين يكتبون عبادة كل دارٍ فيها أحمد ومحمد إكراماً لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قال وروي عن جعفر بن محمد (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ألاليقم من إسمه محمد فيدخل الجنة) الكرامة اسمه صلى الله عليه وآله وسلم وفي لفظ آخر (ينادي يوم القيامة يامحمد فيرفع رأسه في الموقف كل من اسمه محمد فيقول الله جلا جلاله أشهدكم أني قد غفرت لكل من اسمه على اسم محمد نبيي وروى ابن وهب في جامعه عن مالك سمعت أهل مكة يقولون (مامن بيتٍ فيه إسم محمد إلا ورزقوا) وعن مالك أيضاً قال قال صلى الله عليه وآله وسلم (ماضر أحدكم أن يكون في بيته محمدان أوثلاثة) وجاء (خيرالأسماء ماعبد أوحمد) وفي حمل خبر (تسموا باسمي ولاتكنوا بكنيتي) على الندب أو الإباحة تأويلان اهـ وفي المدخل عن الحسن البصري إن الله تعالى ليوقف العبد بين يديه اسمه أحمد أو محمد فيقول عبدى أما ستحييت أن تعصيني واسمك اسم حبيبي محمد قال فينكس العبد رأسه حياءً من الله تعالى ويقول اللهم إني قد فعلت فيقول الله تعالى ياجبريل خذ
بيد عبدي وأدخله الجنة فإني أستحي أن أعذب بالنار من اسمه اسم حبيبي اهـ وعلى جواز التسمية باسمه صلى الله عليه وآله وسلم فهل يقال بضم الميم الأولى أوبفتحها قال في جامع المعيار عن بعضهم إن التسمية بمحمد إنما هي بضم الميم الأولى وفتح الثانية على الموافقة للاشتقاق من الحمد قال وأما التسمية بمحمد بضم الميمين أوبفتحهما فلعله من باب التغيير صوناً للاسم الشريف أن يسمى به غيره وقوله وآله وصحبه والمقتدى معطوفات على محمد وفي الصلاة على غير الأنبياء ثلاثة أقوال بالجواز والمنع والكراهة قال: الإمام أبو عبد الله الأبي قال بعضهم الخلاف في الصلاة على غير الأنبياء إنما هو في الاستقلال نحو اللهم صل على فلان وأما بالتبع نحو اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته فجائز وعلى الجواز فإنما يقصد بها الدعاء لأنها بمعنى التعظيم خاصة بالأنبياء كخصوص عز وجل بالله تعالى فلايقال محمد عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً وكذاالسلام هوخاص به فلايقال أبوبكر عليه السلام اهـ (فائدة) قال الإمام جلال الدين السيوطي قال ابن عبدالبر في الاستذكار لايجوز لأحدٍ إذا ذكر النبي أن يقول رحمه الله لأنه قال (من صلى علي) ولم يقل (من ترحم علي) ولا (من دعا لي) وإن كان معنى الصلاة الرحمة ولكنه خص بهذا اللفظ تعظيماً له فلا يعدل إلى غيره ويؤيده قوله تعالى (لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا) اهـ وفي العلقمي ماحاصله إنه يجوز الدعاء بالرحمة على سبيل التبعية لذكرالصلاة والسلام كمافي التشهد على وجه الإطناب والخطابة وأما على وجه الافراد كمايقال قال النبي رحمه الله فلا شك في منعه وهو خلاف الأدب وخلاف المأمور به عند ذكره من الصلاة عليه ولاورد مايدل عليه البتة ورب شيء يجوزتبعاً ولايجوز استقلالاً قال وقول الأعرابي ارحمني ومحمداً قد يجاب عنه بأن الدعاء فيه بالرحمة على سبيل التبعية لماقبلها وأما حديث اللهم اغفر لي وارحمني ونحوه فذلك على سبيل التواضع منه لربه عز وجل مع كونه سيق مساق التشريع للأمة ويجب علينا نحن أن نخصه بما يشير إلى تفخيمه وتعظيمه اللائق بمنصبه الشريف اهـ وآله أقاربه المؤمنون من بني هاشم وهو قول ابن القاسم ومالك وأكثر أصحابه،
وفيمن فوقهم إلى بني غالب قولان أما مافوق غالب فليسوا بآل وهو سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب واسمه شيبة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب وابن لؤي بن غالب بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة واسمه عامر بن الياس بن مضر بن نزاربن معد ابن عدنان كذافي الصحيح وهو متفق عليه ومابعد عدنان إلى آدم مختلف فيه إلا أنهم اتفقوا على أن النسب يرفع إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله تعالى وقد نظم الإمام ابن مرزوق بيتين رمز فيهما بالحرف الأول من كل كلمة إلى واحد من الآباء الكرام على ترتيبهم فقال:
علقت شفيعاً هال عقلي قرانه
كتاب مبين كسب لبي غرائبه
فذا معشر نفسي كرام خلاصتي
على الفهم مذنبل مجد عواقبه
فالشين من شفيعاً لعبدالمطلب لأن اسمه شيبة والعين من عقلي لمدركة لأن اسمه عامر كما مر (فائدة) أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس أن النبي قال (آل محمد كل تقي) وصحب اسم جمع وقيل جمع لصاحب كراكب وركب والمراد الصحابي وهو من اجتمع مؤمناً بمحمد سواء رآه أو لا كابن أم مكتوم الأعمى وهذا هو سرالتعبير بالاجتماع دون الرؤية قال بعضهم ولابدمن زيادة ومات على ذلك ليخرج من اجتمع به مؤمناً ثم ارتد ومات على ردته وردهذا بأن زيادة ذلك تقضي أن لاتتحقق الصحبة لأحدٍ في حياته وهو خلاف الإجماع بل عدم وصف المرتد بالصحبة بعد الردة لأن الردة أحبطتها بعدم وجودها له بالإيمان وعطف الصحب على الآل لتشمل الصلاة والسلام من اجتمعت له الصحبة والآلية كعلي ومن انفرد بالصحبة فقط وليس من الآل كعثمان ومن انفرد بالآلية دون الصحبة كزين العابدين وبين الآل والصحب عموم وخصوص من وجه يجتمعان وينفردان كمامثل والمقتدي والمتبع أي النبي ولشريعته.
وَبَعْدُ فَالْعَونُ مِنْ الله الْمَجِيْد
فِي نَظْمِ أَبْيَاٍت لِلاُمِّيِّ تُفِيدُ
فِي عَقْدِ الآشْعَرِي وفِقْهِ مَالِكِ
وَفِي طَرِيقِةِ الْجُنَيْدِ السَّالِكِ
بعد ظرف قطع عما يستحقه من الإضافة فبني على الضم والمضاف إليه هنا ضمير
ما تقدم من الحمد والصلاة والسلام أواسم ظاهر والتقدير وبعد الحمد والصلاة المتقدمين أوبعد هذه الخطبة ولماعلم هذاالمضاف بقرينة ذكره أو لاحذفه اختصاراً وبني بعد على الضم لقطعه عن الإضافة لفظاً مع نيتها معنى فأشبهت الحروف لنقصها عن الدلالة وحدها وكذا يفعل بقبل ومنه لله الأمر من قبل ومن بعد وبنيتا على حركة لالتقاء الساكنين وكانت ضمة لأنها حركة لاتكون لهما حالة الاعراب لأنهما إما منصوبان على الظرفية وإمامجروران بمن قاله ابن مرزوق والعون والإعانة الظهور على الأمر والتقوي عليه وأتى بالفاء إما على توهم أماوإماعلى تقديرها في الكلام والمجيد صفة لله وهو الذي انتهى في الشرف وكمال الملك وإتساعه إلى غاية لايمكن المزيد عليها ولاالوصول إلى شيء منها (وقوله في نظم أبيات) أي على نظم لأن الاستعانة وماتصرف منها إنماتتعدى بعلى، والنظم لغة الجمع من نظمت العقدإذا جمعت جواهره على وجه يستحسن واصطلاحا الكلام الموزون الذي قصد وزنه فإرتبط لمعنى وقافية ووضع جمع القلة في قوله أبيات موضع جمع الكثرة وذلك كثير والأمي منسوب إلى الأمة الأمية التي هي أصل ولادة أمهاتها ولم تتعلم الكتابة ولاقراءتها وجملة تفيد للأمي صفة أبيات وقوله في عقد يحتمل الصفة لأبيات أوالحالية لوصفه بجملة تفيده فيتعلق بمحذوف واجب الحذف والأشعري بنقل حركة الهمزة للساكن قبلها للوزن وكذا للأمي وحاصل البيتين أن الناظم طلب من الله العون على نظم أبيات تنفع الأمي قراءتها وتفهم معانيها لاشتمالها على مايجب عليه تعلمه ولايسعه تركه من العقائد والفقه والتصوف وهومراده بطريقة الجنيد رضي الله عنه ويأتي تفسير السالك في شرح قول الناظم في التصوف وحاصل التقوى اجتناب وامتثال البيتين وعقد مصدر عقديعقد إذا جزم وأضاف العقد إلى الأشعري لأنه واضع علم العقائد وهوالإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل بن
بشر بن إسحق بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري صاحب رسول الله وهو مالكي المذهب إليه تنسب جماعة أهل السنة ويلقبون بالأشاعرة والأشعرية وكانواقبل ظهوه يقلبون بالمثبتة إذ أثبتوامانفت المعتزلة وكان مذهب المعتزلة في وقت الأشعري شائعاً وكلمتهم عالية فكان
الأشعري رحمه الله يقصدهم للمناظرة في مجالسهم بنفسه فقيل له كيف تفعل ذلك وقدأمرت بهجرانهم فقال هم أولو الرئاسة منهم الولاة والقضاة فهم لرئاستهم لاينزلون إلي فإن لم أسر إليهم فكيف يظهر الحق ويعلم
أن لأهله ناصراً بالحجة وقدألف التصانيف لأهل السنة وأقام الحجج على إثبات السنن ومانفاه أهل البدع في صفاته تعالى ورؤيته وغيرذلك مماأنكروه من أمرالمعاد فلما كثرت تآليفه وانتفع بقوله وظهر لأهل العلم ذبه عن الدين تعلق أهل السنة بكتبه وكثرت أتباعه فنسبواإليه وسموا باسمه مولده سنة سبعين وقيل ستين ومائتين بالبصرة وتوفي سنة نيف وثلاثين وثلثمائة ببغداد ودفن بين الكوخ وباب البصرة وقد صنف الحافظ أبوالقاسم بن عساكر في مناقبه مجلداً اهـ من شرح نظم الإمام ابن زكرى لشيخ شيوخنا الإمام العالم العلامة المشهور ذي التآليف المفيدة العديدة والذكرالمنشور بالمشرق والمغرب بل وجميع المعمور سيدي أبي العباس أحمد بن علي الشهير بالمنجور وقدرأيت في آخر كتاب لحن العوام لأبي علي بن عمر بن خليل الأصولي الاشبيلي ثم التنسي أن الإمام أباالحسن الأشعري رضي الله عنه ألف كتاب المحترق في التفسير في أربعمائة سفر قال وقد بلغت تآليفه ثلثمائةٍ وثمانين تأليفاً اهـ. ومراد الناظم بفقه مالك ماقاله مالك رضي الله عنه أوقاله أحدمن أصحابه أومن بعدهم ممن يوثق به مما كان جارياًعلى قواعده وضوابطه وهو الإمام أبو عبدالله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي إمام دارهجرة رسول الله ومهبط الوحي وهو المعني في قول جمهور العلماء بقوله (يوشك أن يضرب للناس أكباد الإبل في طلب العلم فلايجدون عالماً أعلم من عالم المدينة) وإعتماده رضي الله عنه على الكتاب والسنة وعمل أهل المدينة وهم أعلم الناس بالناسخ والمنسوخ إذ كانت الأحكام تتجدد إلى وفاة رسول الله كان رضي الله عنه موصوفاًبالعلم والديانة والاتباع والعقل والفضل وكمال الإدراك والفهم والإتقان أجمعت الأمة على إمامته وجلالته وعظيم سيادته وتبجيله وتوقيره والإذعان له في الحفظ والتثبيت وتعظيم حديث رسول الله لازم ابن هرمز خمس عشرة سنة من الغدو إلى الزوال مع ملازمته لغيره ومن كلامه رضي الله عنه (العلم نفور لايأنس إلا بقلب تقي خاشع) وقال ليس العلم بكثرة الرواة وإنما العلم نور يضعه الله في القلوب وقال (ينبغي للعالم إذاكان يشارإليه بالأصابع أن يضع التراب على رأسه ويعاتب نفسه إذا خلابها ولايفرح بالرئاسة فإنه إذاإضطجع في قبره وتوسد التراب ساءه ذلك كله) ومن كلامه رضي الله عنه (عليك بمجالسة من يزيد في علمك قوله ويدعوك إلى الآخرة فعله) أخذ عن تسعمائة شيخ
ثلثمائةٍ من التابعين وستمائةٍ من تابعيهم ممن إختاره وإرتضاه لدينه وفقهه وقيامه بحق الرواية ولد رضي الله سنة ثلاثٍ وقيل إحدى وقيل أربعٍ وقيل سبعٍ وتسعين من الهجرة وتوفي صبيحة يوم الأحد رابع عشرٍ ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائةٍ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه قالت لي عمتي ونحن بمكةً رأيت في هذه الليلة عجباً) فقلت (وماهو) قالت: كأن قائلاً يقول مات الليلة أعلم أهل الأرض (فحسبناتلك الليلة فإذا هي وفاة مالك وقال ابراهيم بن أبي يحيى) (نمت فرأيت الشمس قد كسفت وقد علت الأرض ظلمةٍ حتى أن الناس لاينظر بعضهم إلى بعض فقلت لرجل بجنبي أقامت القيامة فقال ولم لاتقوم وقد مات عالم الإسلام فقلت ومن هوقال مالك بن أنس فإنتبهت فزعاً فإذا به قد مات رضي الله عنه. ونقل الشيخ الجزولي في شرح الرسالة عن القنازعي أن بعض المحدثين أعمل فكرته فيماينبغي أن يتعلق به من الكتب المؤلفة في الحديث فالتزم الروضة المشرفة بكثرة الذكر والصلاة طمعاً في أن يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسأله عن ذلك فكان يرغب إلى الله بأنواع الرغبة عندانقضاء كل ورد التزمه لذلك ودام على ذلك مدة ثلاثين شهراً فلماكانت ليلة عرفة وكانت ليلة جمعة ختم القرآن وإنضم إلى الروضة ووقف بإزاء رأس القبر الشريف وقال ياخير من أرسل بخير كتاب أنزل أقسمت عليك بمن اصطفاك وهدى الخلق بهداك إلا ماجمعت بين مرادي منك فرأى فيمايرى النائم الروضة قدرجعت على صورة الخباء وتعالت في الهواء مرفوعة الأطناب وقائلاً يقول أين المقسم على أنه يجمع له بين معرفةٍ وعرفة فدنوت من الروضة فإذا بثلاثة أشخاص فغلب علي الخجل والوجل مماعلاهم من النور والبهاء فههمت بالدنو منهم فأشار علي أحدهم أن تكلم مكانك وأشار إلى المتوسط وكان أبهاهم فقلت يارسول الله قد إختلفت على رواة حديثك فدلني فقال عليك بكتب مالك بن أنس فقلت واختلف علي الفقهاء فدلني فقال عليك بفقه مالك فقلت قد إختلفت على أصحابه فدلني عليك بما رواه عبدالرحمن بن القاسم فقلت يارسول الله إدع الله أن يرزقني شفاعتك فقال أغناك الله عنهابعملٍ يرضاه منك فدفعني دافع وقال لاتشغله بأكثرمن هذا فقمت وخرجت إلى عرفة فأدركتها قبل طلوع الفجر فكمل الله حجي اهـ وفضائله أكثر من أن تستقصى وإنماأشرنا إلى اليسير من ذلك على وجه التبرك به وقام بمذهبه بعد وفاته جماعة من أصحابه أشهرهم عبدالرحمن بن القاسم العتق المصري. وتوفي أبن القاسم عام إحدى وتسعين ومائةٍ وعمره ستون سنةً وأخذ عن إبن
القاسم جماعة منهم سحنون مؤلف المدونة واسمه عبدالسلام بن سعيد التنوخي توفي رحمه الله سنة أربعين ومائتين رحم الله الجميع ونفعنا ببركاتهم. والجنيد رضي الله عنه هو الإمام الشهير الجليل أبوالقاسم الجنيد بن محمد سيدالصوفية علماً وعملاً وإمامهم وأصله من نهاوند مثلث النون الأولى مفتوح الهاء بعدها ألف ثم واومفتوحة ثم نون ساكنة ثم دال مهملة قال في القاموس بلد من بلاد الجبل جنوبي همذان وكان فقيهاً على مذهب أبي ثور، صحب السري والمحاسبي ومحمد بن علي القصاب ويحكى أن أباالعباس بن سريج اجتاز بمجلسه فسمع كلامه فقل له ماتقول في هذا فقال لاأدري ماأقول ولكن أرى لهذا الكلام صولةً ليست بصولة مبطل ثم صاحبه ولازمه وكان إذا تكلم في الأصول والفروع أذهل العقول ويقول هذا ببركةٍ مجالسة أبي القاسم الجنيد وقيل لعبدالله بن سعيد ابن كلاب إنك تتكلم على كلام كل أحد وهنارجل يقال له الجنيد فإنظر هل تعترض عليه أم لافحضر حلقته يوماً فسأل الجنيد عن التوحيد فأجابه فتحير عبدالله وقال له أعد علي ماقلت فأعاده ولكن لابتلك العبارة فقال عبد الله هذا شيء ملم أحفظه أعده علي مرةً أخرى فأعاده بعبارةٍ أخرى فقال له ليس يمكنني حفظ ماتقول ولكن أمله علي فقال له إن كنت أجزته فأناأمليه عليك فقام عبد الله وقال بفضله واعترف بعلو شأنه ومن كلامه رضي الله عنه الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يحفظ القرآن وكتب الحديث لم يقتد به في هذاالأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة وقال إني لتخطر ببالي النكتة فلا أقبلها إلا بشاهدي عدلٍ من الكتاب والسنة وقال رضي الله عنه رأيت في المنام أني أتكلم على الناس فوقف علي ملك فقال ماأقرب ماتقرب به المتقربون إلى الله تعالى فقلت عمل خفي بميزان وفي قولي وهويقول كلام موفق والله توفي رضي الله عنه سنة سبعٍ وتسعين ومائتين.
*****