الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كتاب الصيام)
هذا شروع من الناظم رحمه الله في بيان الرابعة من قواعد الإسلام وهي الصيام والصوم في اللغة مطلق الإمساك والكف فكل من أمسك عن شيء يقال فيه صيام عنه ويقال صام النهار إذا أمسكت الشمس عن الحركة قبل أن يأخذ الظل في الزيادة ومعنى ذلك أبطأت حركتها من باب تسمية الشيء باسم ماقرب منه وهل يجوز أن يقول الانسان إنى صائم وينوي الصوم في اللغة وروى هذا عن النخعي أو لايجوز لأنه كذب على اعتقاد المخاطب قولان وفي الشرع إمساك شهوتى الفرج والبطن يوما كاملا بنية التقرب وشرع لمخالفة الهوى لأن الهوى يدعو إلى شهوتي البطن والفرج ولكسر النفس ولنصفية مرآه العقل والاتصاف بصفة الملائكة ولتنبيه العبد على مواساة الجائع قال الشيخ الجزولي وقد ورد في فضل شهر رمضان أحاديث منها قوله إن لله في كل ليلة من ليالي رمضان خمسمائة ألف عتيق من النهار ومنها قوله «شهر رمضان شهر خير وبركة يغشاكم الله فيه برحمته ويباهي بكم الملائكة وينظر فيه إلى تنافسكم فأروه من أنفسكم خيرا» ومنها قوله «إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر» اهـ. وقد أجاب الإمام أبو الحسن القابسي عن قوله عليه الصلاة والسلام (وصفدت الشياطين) مع مايوجد من الوسوسة والعصيان في رمضان بأن الشيطان قد يوسوس وهو مصفد قال ويحتمل أن يريد بالشياطين كفرة الجن وهم الذين يسمون الشياطين والمؤمنون من الجن لايصفدون فيكون الوسواس وتزيين المعاصي إنما يقع من فساق مؤمني الجن فتعد من معاصي مؤمنيهم ويدل لهذا تخصيصه الصفد بالشياطين ولم يقل وصفدت الجن قال والأولى الوقف وأن نقول لاعلم
لنا إذ قد يحتمل أن يكون المعنى غير ماقلناه مما هو خير وأحسن مما تأولناه اهـ من جامع المعيار وانظر الفائدة السابعة من الباب الثاني من عمدة الراوين في أحكام الطواعين للامام الحطاب فقد نقل عن ذلك أجوبة حسنة وفى ابن حجر في باب فضل من يصرع من الريح أن أنجاس الريح قد يكون سببا للصرع وقد يكون الصرع من الجن فراجعه إن شئت.
صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَباَ
فِي رَجَبَ شَعْبانَ صَوْمٌ نُدِباَ
كَتِسْعِ حِجِّةٍ وَأَحْرَى الآخِرُ
كَذَا المُحَرِّمُ وَأَحْرَى الْعاشِرُ
أخبر أن صيام شهر رمضان واجب وأنه يستحب الصوم في شهري رجب وشعبان كما يستحب صوم التسع الأول من ذي الحجة ويتأكد استحباب صوم الأخير منها وهو يوم عرفة كما يستحب صيام المحرم ويتأكد استحباب صوم العاشر منه وهو يوم عاشوراء أما وجوب صيام شهر رمضان فلا خلاف فيه فمن جحده كافر ومن أقر بوجوبه وامتنع من صومه وأفطر فيؤدب إن ظهر عليه وان جاء تائبا مستعتباً فقولان مشهورهما لايؤدب ويختلف في كفر الممتنع من صومه ويجبر عليه عند القائلين بنفي التكفير كما يجبر على الصلاة وابن حبيب يقول بتكفيره كتارك الصلاة إلا أن مذهبه في الصلاة أقوى من الصوم لأنه لايوجد من الأدلة في الصوم مثل مايوجد في الصلاة وسمى الشهر شهرا لشهرته وسمي رمضان لأنه مشتق من الرمضاء وهي الحجارة المحماة لأنه يصام في الحر الشديد الذى كانت ترمض فيه الحجارة من الحرارة وقيل إن رمضان اسم من أسماء الله تعالى فمعنى شهر رمضان شهر الله وأما استحباب الصيام في رجب فكأنه تبع فيه الشيخ خليلا في مختصره والذي ذكر القاضي عياض وابن الحاجب وغيرهما أنه هو استحباب صيام الأشهر الحرم لا رجب بخصوصه على أن التوضيح بحثا في ذلك بعد أن نقل عن ابن يونس نحوه قال قال ابن يونس روى أنه صام الاشهر الحرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم التوضيح ولم أره في شيء من كتب الحديث بل يعارضه مارواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت «كان رسول الله يصوم حتى نقول لايفطر ويفطر حتى نقول لايصوم وما رأيت رسول الله يستكمل صيام شهر قط الا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان» وهذا لفظ الموطأ والذي جاء في الأشهر الحرم مارواه أبوداود والنسائي وابن ماجه أنه قال صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك صم من الحرم
واترك وقال بأصبعه ثلاثا فضمها وأرسلها انتهى وأما استحباب صيام شعبان ففي التوضيح أيضاً روى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله تعالى عنها «أنها قالت كان أحب الشهور إلى رسول الله شعبان يصله برمضان» وعنها أيضا أنها قالت «مارأيت رسول الله في شهر أكثر صياما منه في شعبان كان يصومه الا قليلا» وفي رواية لمسلم بعد الا قليلا (بل كان يصومه كله) وعن «أم سلمة رضي الله عنها قالت «مارأيت رسول الله يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان» وأما استحباب صوم التسع الاول من الحجة وأخروية استحباب صيام آخرها وهو يوم عرفة فقد صرح به القاضي عياض وغيره وقال ابن حبيب ورد الترغيب في صيام العشر ويوم التروية ويوم عرفة وأن صيام يوم العشر كصيام شهرين من غيره وصيام يوم التروية كسنة وصيام يوم عرفة كسنتين اهـ فقول الإمام ابن حبيب صيام العشر من باب التغليب مراده التسع لان العاشر يوم العيد وصومه محرم ويوم التروية هو ثامن الحجة وكأنه يقول ورد الترغيب في صوم التسع وخصوصاً ثامنها وتاسعها وفي التوضيح روى مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي قتادة أنه قال صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله قيل وإنما كان يوم عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين لان يوم عرفة يوم سيدنا محمد ويوم عاشوراء يوم موسى عليه السلام والافضل للحجاج الفطر فى يوم عرفة وقد صح أنه في حجة كان مفطرا فيه وأما يوم
التروية فروى ابن حبيب في واضحته أنه عليه الصلاة والسلام قال «صوم يوم التروية كصوم سنة» قيل وهو حديث موسل اهـ. وأما استحباب صوم المحرم فإن عنى صوم المحرم كله وهو الظاهر ففي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وقد تقدم نفل التوضيح عن ابن يونس أنه صام الاشهر الحرم والمحرم أحدها وإن عنى صوم التسع الاول منه فقط على أن قوله كذا المحرم على حذف مضاف أي كذا تسع المحرم ودليل هذا الحذف قوله قبله كتسع حجة فذلك صحيح أيضاً، فقد صرح القاضي عياض باستحباب صوم العشر الأول من المحرم وأما أحروية استحباب صوم المحرم وهو يوم عاشوراء فقد صرح به عياض وابن الحاجب وغيرهما وفي شرح المواق عن ابن يونس مانصه
فصل
وصيام يوم عاشوراء مرغب فيه وليس بلازم وفيه تكسى الكعبة كل عام وقد خص بشيء أن من لم يبيت صومه حتى أصبح له أن يصومه أو باقيه إن أكل روى ذلك رسول الله وعن غير واحد من السلف وجاء الترغيب في النفقة فيه على العيال وقد روى أن رسول الله قال من وسع على أهل بيته يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة وأن أهل مكة والمدينة يتحرون ذلك حتى كأنه يوم عيد اهـ وقال ابن العربي أما النفقة في يوم عاشوراء والتوسعة فمخلوفة باتفاق وأنه يخلف الله بالدرهم عشرة أمثاله ولابن حبيب
لاتنس لاينسك الرحمن عاشورا.
وذكره لازلت فى الأخيار مذكورا.
قال الرسول صلاة الله تشمله
قولا وجدنا عليه الحق والنورا.
أوسع بمالك فى العاشور إن له.
فضلا وجدناه في الآثار مأثورا
من بات في ليلة العاشور ذا سعة.
يكن بعيشته في الحول مسرورا
وفي شرح المواق إثر ماتقدم مانصه: وأنشد شيخى الأستاذ أبو عبد الله المنتوري جدد الله تعالى عليه رحمته، قال: أنشدني الخطيب أبو بكر بن جزي يوم عاشوراء قال أنشدني الخطيب أبو على القرشي يوم عاشوراء قال أنشدني الخطيب أبو عبد الله بن رشيد لنفسه يوم عاشوراء وذكر أنه نظمه يوم عاشوراء
صيام عاشورا أتى ندبه.
فى سنة محكمة قاضية.
[ش] قال النبي المصطفى إنه
يكفر ذنب السنة الماضية.
ومن يوسع يومه لم يزل.
فى عامه عيشة راضية
وفي شرح الإمام أبي العباس أحمد القلشاني مانصه قال عياض الصيام على ستة أقسام واجب وسنة ومستحب ونافلة ومحرم ومكروه، فالواجب صوم شهر رمضان وقضاؤه والنذر وقضاؤه وصيام الكفارات كلها وهي الظهار والقتل واليمين بالله وصيد الحرم والمحرم والمتمتع وإماطة الأذى ولرمضان، والسنة صيام يوم عاشوراء وهو عاشر المحرم وقيل تاسعه والمستحب الأشهر الحرم وصيام شعبان وعشر ذي الحجة ويوم عرفة يعني لغير الحاج قال وثلاثة أيام من كل شهر والعشر الأول من المحرم ويوم الخميس ويوم الاثنين ويوم الجمعة إذاوصل بيوم قبله أو بعده للحديث الوارد فى ذلك وستة من شوال لفضلها لا لتعجل ستة، والنافلة كل صوم كان لغير سبب يستحق صومه أو يمنع فيه الصوم، والمكروه صوم الدهر ويوم الجمعة وصوم السبت خصوصا أيضا ويوم عرفة للحاج وآخر يوم من شعبان للاحتياط، والمحرم صوم يوم الفطر ويوم النحر وصيام الحائض والنفساء وصيام من خاف على نفسه الهلاك به وفي أيام التشريق الثلاثة لغير المتمتع خلاف وسهل فى الرابع لمن نذره اهـ ومن المكروه صوم مولد النبى قال الشيخ زروق صيام المولد كرهه بعض من قرب عصره ممن صح علمه وورعه قائلا إنه من أعياد المسلمين اهـ ويعني بمن قرب عصره الشيخ سيدي أحد الحاج ابن عاشر نفعنا الله تعالى بجميعهم وفي التوضيح عن ابن رشد ومن أيام السنة ما لايجوز صومه إلا لشخص واحد وهما اليومان اللذان بعد يوم النحر لايصومهما إلا المتمتع الذي لايجد هديا منها من لايصومه إلا ثلاثة أشخاص المتمتع والناذر ومن كان في صيام متتابع وهو ثالث أيام التشريق رابع النحر اهـ وبعضه بالمعنى
فتلخص من كلام التوضيح زيادة على تقسيم عياض أن القسم السادس المحرم منه ماهو محرم على كل أحد ومنه ماهو محرم إلا على شخص واحد فيجوز له صومه دون
غيره ومنه ماهو محرم إلا على ثلاثة أشخاص فيجوز لهم صومه ولايجوز صومه لغيرهم والله تعالى أعلم ولبعضهم فى الأيام التى يستحب صيامها
أيا راغبا أجر الصيام تطوعا
عليك بأيام روتها الأوائل
وعدتها سبع من العام كله
وفي صومها للصائمين فضائل
ففي رجب من بعد عشرين سابع
به كل بر معتن متشاغل
وفي النصف من شعبان جاءت عجائب
من الخير والإحسان فهى تواصل
فمن قامه ليلا واصبح صائما
تلقى امانا لم تصبه الغوائل
ومن قعدة خمس وعشرين فاحتفظ
به إنه يوم عظيم وفاضل
وفي حجة يوم أتى وهو أول
وتاسعة أيضا كذلك فاضل
وثالث أيام المحرم إنه
جليل وعاشوراء فيه أقاول
انتهى وجعل بعضهم بدل أول يوم من الحجة السادس منه وبعضهم الثالث من رجب
وَيَثبُتُ الشَّهْرُ بُرؤْيةِ الْهِلَالْ
أَوْ بِثَلَاثِينَ قُبيْل فِى كَمَالْ
أخبر أن دخول شهر رمضان يثبت بأحد أمرين إما برؤية الهلال وإما بكمال ثلاثين يوم قبيل رمضان يعني من شعبان وأشار بذلك إلى قول ابن الحاجب وغيره من أهل المذهب ويعرف دخول رمضان بأحد أمرين الأول برؤية الهلال والثاني إتمام شعبان ثلاثين يوما فأما الرؤية فيثبت بها بالنسبة لمن رآه وأما غير الرائي فيحصل له ذلك بوجهين بالخير المنتشر وهو المستفيض المحصل للعلم أو للظن القريب منه أو بالشهادة على شرطها بأن يشهد بذلك عدلان حران ذكران، هذا هو المشهور وقال ابن مسلمة يثبت بشهادة رجل وامرأتين، وقال أشهب بشهادة رجل وامرأة التوضيح وفيهما بعد، وكذلك عيد الفطر والمواسم كعرفة وعاشوراء لايثبت شيء من ذلك إلا بعد لين أو بالخبر المنتشر واختلف في الصوم بشهادة الواحد إذا أخبر عن رؤية نفسه فمنع مالك أن يصام بشهادته وأجازه ابن الماجشون وهذا إنما هو إذا كان هناك قاض أو جماعة من المسلمين يعتنون بأحكام الشريعة ومواقيت العبادة أي لايتأتي النظر في الشهادة ومن يشهد بها إلا مع ذلك وأما إن لم يكن إمام ألبتة أو ثم إمام وهو يضيع أمر الهلال ولايعتني به كفى الخبر ممن يثق به أو برؤية نفسه فيصوم بذلك ويفطر ويحمل
عليه من يقتدي به نقله الباجى وغيره عن عبد الملك هذا حكم بلد يثبت ذلك فيها بما ذكر فان نقل ذلك إلى بلد آخر فللنقل أربع صور استفاضة عن استفاضة فيلزم من بلغهم ذلك بما ذكر الصوم والقضاء وشهادة عن استفاضة كذلك واستفاضة عن شهادة أو شهادة عن شهادة والحكم فيهما واحد إن كانت الشهادة المنقول عنها تثبت عند حاكم عام وهو الخليفة وكذلك إن ثبتت عند حاكم خاص على المشهور وقال عبد الملك لايلزم ذلك إلا من تحت ولايته واختلف هل يكتفي بالنقل بخبر الواحد عن الإمام أو عن الخبر المنتشر على قولين قال الباجي وإذا ثبتت رؤية الهلال عند الإمام وحكم بذلك وأمر بالصيام ونقل إليك ذلك العدل أو نقله إليك عن بلد آخر فقال أحمد بن أيسر الاسكندراني يلزمك الصوم لأنه من باب قبول خبر الواحد العدل لا من باب الشهادة قال الشيخ أبو محمد وقول أحمد بن ميسر صواب كما ينقل الرجل إلى أهله وابنته البكر مثل ذلك فيلزمهم تبييت الصيام بقوله اهـ
ونقل عن ابن عمران الفاسي أنه لايثبت بذلك وهذا الخلاف في النقل إلى الأجانب واما النقل بخبر الواحد إلى الأهل ومن يقتدى به فيقبل اتفاقا كما تقدم عن أبى محمد
(فرع) من أخبره الإمام بثبوت الرؤية عنده لزمه الصوم نص عليه في المقدمات
(فرع) قال ابن رشد من أخبره عدلان برؤيتهما لزمه الصوم نص عليه في المقدمات وقال الباجي إن قل عدد رائيه توقف ثبوته على الشهادة عند القاضي
(فرع) قال الشهاب القرافي عن سند لو حكم الإمام بالصوم بالواحد لم يخالف وفيه نظر لأنه فتوى لاحكم ولو كان إمام يرى الحساب فأثبت به الهلال لم يتبع لإجماع السلف على خلافه
(فرع) يثبت الهلال برؤية عدلين في المصر الصغير كان الغيم أو لا وفي المصر الكبير في الغيم وإن كان الصحو وانفردا بالرؤية من جم غفير ففي قبول شهادتهما وهو للمدونة ويحيى بن عمرو وردها وهو لسحنون، ثالثها إن نظروا كلهم لموضع واحد ردت شهادتهما وإلا أعملت قاله اللخمي وعلى المشهور وهو مذهب المدونة من قبول شهادتهما إذا عد الناس ثلاثين يوما ونظروا ليلة إحدى وثلاثين والسماء مصحية فلم ير فقال مالك في المدونة هما شاهدا سوء قال اللخمي وغيره يريد أنه تبين كذبهما لأن الهلال لايخفى مع كمال العدة ويجب أن يقضى الناس يوما فيما إذا كانت
شهادة الشاهدين على رؤية هلال شوال وعد الناس ثلاثين يوما ولم يروا هلال ذي القعدة وكذلك يفسد الحج إذا شهدا بهلال ذي الحجة قاله ابن عبد السلام
(فرع) إذا انفرد عدل برؤية هلال رمضان فقد تقدم أنه لايثبت به فاذا انفرد برؤية هلال شوال عدل آخر فهل تضم شهادة العدلين ويكمل النصاب أو لا؟ في ذلك أربعة أقوال الضم ومقابله الثالث إن رآه الثاني بعد ثلاثين يوما من رؤية الأول لم يلفق وإن رآه بعد تسعة وعشرين لفق، والرابع عكسه إن كانت رؤية الثاني في غيم وإن كانت في صحو بطلت، فالقول الأول خرجه ابن رشد على القول بضم الشهادتين المتفقتي الحكم، والثاني ليحيى بن عمرو، والثالث نقله ابن رشد عن بعضهم والرابع اللخمي
واعلم أنه إن كان بين الرؤيتين ثلاثون يوما فالشاهد الأول مصدق للثاني إذ لابد أن يرى ليلة إحدى وثلاثين وقد اتفقا على يوم العيد ولم يتعرض الثاني لكون رمضان كاملا أو ناقصا وإن كان بين الرؤيتين تسعة وعشرون يوما فالشاهد الثاني مصدق للاول من أجل أنه لاتمكن رؤيته على ثمانية وعشرين يوما وقد اتفقا على اليوم الأول من رمضان ولم يتعرض الأول لكون الشهر ناقصا أو كاملا فعلى القول بالتلفيق مطلقا أو يقيد إنما نلفق فما اتفقا عليه وهو العيد في المسألة الأولى واليوم الأول من رمضان في الثانية فيفطر في المسألة الأولى ويقضي اليوم الأول في الثانية، وعلى عدم التلفيق فلا يفطر لرؤية أحدهما ولا يقضي ماذكر لرؤية الآخر والخلاف في ذلك جار على الخلاف فيما إذا اتفق الشاهدان على مايوجبه الحكم واختلفا فيما شهدا به والمشهور أن شهادتهما لاتجوز، قاله في المقدمات، التوضيح والظاهر أنه لاتجري على الخلاف فى تلفيق الشهادة بل هذه أولى بالقبول اهـ والمتفق عليه في المسألة الأولى يوم العيد وفي الثانية اليوم الأول من رمضان أما ماشهدا به فمختلف، إذ شهادة الأولى على هلال رمضان والثاني على هلال شوال والله تعالى أعلم
(فرع) ويجب على رائي الهلال رفع رؤيته إن كان بدلا أو مرجو العدالة لرجاء انضمام آخر فتكمل الشهادة وهل يجب على غيرهما قولان لعبد الملك وعبد الوهاب ومن رأى الهلال عدلا كان أو غير يجب عليه الامساك ومن أفطر منهم منتهكا وجب عليه القضاء والكفارة اتفاقا وإن أفطر متأولا جواز الفطر له قضى وفي الكفارة قولان المشهور وجوبها فان صام هذا الرائي وحده ثلاثين يوما لم ير أحد الهلال والسماء مصحية فقال محمد بن عبد الحكم وابن المواز هذا محال ويدل على أنه غلط وقال بعضهم الذي ينبغي أن يعمل في ذلك على اعتقاده الأول ويكتم أمره وأما من انفرد برؤية هلال شوال فان كان له عذر يخفي الفطر كالسفر أو المرض ونحوه أفطر وإن لم
يكن له عذر فلا يفطر لا ظاهرا ولاخفية وإن أمن الظهور عليه على أصح القولين لئلا يطرق إليه وغرض الشارع حاصل بنيته وكذلك إن رأى هلال الحجة وحده يجب عليه أن يقف وحده دون الناس ويجزئه ذلك فان ظهر على من يأكل، وقال رأيت الهلال فان كان مأمونا لم يعاقب وتقدم إليه أنه لايعود وإن كان غير مأمون عوقب إلا أن يكون أعلم بذلك قبل، قاله أشهب
(فرع) إذا رأى الهلال بعد الزوال فالاتفاق أنه للقابلة وان رئي قبله فالأصح أنه للقابلة أيضا وقيل الماضية وأما الأمر الثاني مما يثبت به رمضان فهو اتمام شعبان ثلاثين يوما ولو غم شهورا متوالية لما في الموطأ أن رسول الله قال الشهر تسعة وعشرون يوما فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فان غم عليكم فاقدروا له وتقديره بتمام الشهر الذي أنت فيه ثلاثين، ولا يعتمد على قول المنجمين أن الشهر ناقص/ عياض ومعنى قوله غم عليكم ستر عنكم من قولهم غممت الشيء إذا سترته ويكون من تغطية الغمام إياه وليس من الغم، وقال ابن أبي زمنين معنى غم التبس العدد من قبل الغم أو من قبل الشك فى الرؤية وليس هو من باب الغيم وإلا لقيل غيم
(فرع) وإذا كان الغيم ولم ير الهلال صبيحة تلك الليلة هي يوم الشك فينبغي الامساك حتى تستبرأ بمن يأتي من السفار وغيرهم فان ثبتت الرؤية نهارا وجب الامساك ولو كان أفطر قبل ووجب القضاء لعدم النية الجازمة وإن أفطر بعد الثبوت فان تأول أن هذا اليوم لما لم يجزه يجوز فطره فلا كفارة عليه وإن لم يتأول فالمشهور وجوب الكفارة بناء على أنها لانتهاك حرمة الشهر وقد حصل والشاذ سقوطها كالمتأول بناء على أنها لانتهاء إفساد صيام رمضان وهذا الصوم فاسد ويصام يوم الشك نذرا كمن ينذر يوما فيوافقه لا أنه ينذره من حيث أنه يوم الشك فان ذلك لايلزم لأنه نذر معصية ويصام قضاء عن رمضان الفارط أو لعادة كأن تكون عادته صيام الخميس فيوافقه صيام تطوعا على المشهور والمنصوص النهي عن صيامه احتياطا وعليه العمل ولو صامه احتياطا ثم ثبت لم يجزه وعليه العمل
(فرع) إذا طهرت الحائض أو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو حضر المسافر نهارا جاز لكل واحد منهم التمادي على الفطر وحاصله أن كل من أبيح له الفطر لعذر مع العلم بأن ذلك اليوم من رمضان ثم زال عذره في أثناء اليوم جاز له التمادي على الفطر
وبهذا يفرق بين هؤلاء حتى لم يجب عليهم الامساك بقية اليوم لكونهم أفطر والعذر مع العلم برمضان وبين ماإذا ثبت رمضان نهارا فيجب الامساك بقية اليوم لكون الفطر لعدم العلم برمضان فاذا حصل العلم به وجب الإمساك وإذا لم يجب الإمساك على من زال عذره فيجوز للمسافر إذا قدم ووجد امرأته طهرت فى يوم قدومه أن يطأها واختلف إذا كانت زوجته كافرة ظاهر المذهب الجواز وقال ابن شعبان بالمنع وفي استحباب إمساك بقية اليوم لمن أسلم ووجوبه قولان واختلف فيمن أدركته ضرورة فأزالها إما بشرب في العطش وإما بأكل في الجوع هل له أن يستديم الفطر بقية يومه اختيارا ولو بالجماع وهو قول سحنون وقال ابن حبيب يزيل ضرورته فقط قال وإن أكل بعد ذلك جاهلا أو متأولا أو متعمدا فلا كفارة عليه لأنه شبيه بالمريض اللخمي والأول أقيس وقال ابن رشد الصحيح أن يكفر إلا أن يكون متأولا وقال عبد الملك إن بدأ بالجماع كفر وإن بدأ بالأكل لم يكفر وفي نوازل البرزلي الفتوى عندنا أن الحصاد المحتاج يجوز له الحصاد وإن أدى إلى الفطر وإلا كره له بخلاف رب الزرع فلا حرج عليه مطلقا لحراسة ماله وقد نهى عن إضاعة المال اهـ وإنما يجوز الفطر للحصاد بعد أن تناله الضرورة لا قبل ذلك فلا يجوز أن يصبح مفطراً إذ من الجائز أن يصده أمر عن الحصاد رأسا فى ذلك اليوم فيكون كمن أفطر قبل أن يسافر أو في يوم الحيض قبل مجيئه، قال شيخنا الإمام العالم أبو زيد عبد الرحمن الفاسي رحمه الله في بعض فتاويه مانصه: ينبغى تقييد مسألة رب الزرع بعدم إمكان استئجاره لمن ينوب عنه في ذلك ممن يكون محتاجا ومضطرا للاجرة على ذلك اما بأن لايكون له مال يستأجر به على زرعه أو يكون ولكن لايجد من يستأجره على ذلك كما تقرر في مسألة الحامل والمرضع وأما إن وجد مايستأجر به ومن يستأجر فلا يتعاطى ذلك ويدخل نفسه فيما يضطره إلى الفطر لعدم الضرورة حينئذ ووجود المندوحة عن إضاعة المال اهـ وانظر هذا التقليد مع ماعلم من جواز السفر اختيارا وإن أدى إلى الفطر والتيمم ومثل مسألة الحصاد ماأفتى به الإمام ابن عرفة من أن المرأة المحتاجة يجوز لها غزل الكتان فى رمضان دون غيرها والله أعلم
(فرع) الأسير ونحوه ممن لاتمكنه رؤية الهلال ولااستخبار ثقة يكمل الشهور ثلاثين ثلاثين وإن التبست عليه الشهور فان غلب على ظنه شهر صامه وإن لم يغلب على ظنه فقولان أحدهما أنه يصوم جميع الشهور الثاني أنه يتخير شهراً ويصومه ونظير ذلك من التبست عليه القبلة هل يصلى الى اربع جهات أو يتحرى جهة، قولان، ومن نذر صوم يوم معين ثم نسيه هل يصوم جميع أيام الجمعة أو يتحرى يوما ويصومه قولان فان تحرى وصام شهرا ثم تجلى له الآمر فلا يخلو من أربعة أوجه إما إن يعلم
انه صام قبله كما لو تبين أنه صام شعبان فلا يجزئه في العام الأول اتفاقا واختلف هل يقع شعبان من السنة الثانية قضاء عن رمضان من السنة الأولى وشعبان الثالث قضاء عن رمضان من السنة الثانية في ذلك قولان قال في البيان والصحيح عدم الاجزاء/ ابن رشد وهو المشهور وعلى الشاذ فيقضي شهرا للعام الأخير اتفاقا، وأما أن يعلم أنه صام بعده كما لو تبين أنه صام شوالا فانه يجزئه قال في البيان بالاتفاق وناقشه في التوضيح في حكاية الاتفاق وأما أن يعلم أنه صادفه بتحريه قال في البيان لم يجزه على قول ابن القاسم ويجزئه على مذهب أشهب وسحنون ويقول ابن القاسم في هذا القسم بحث صاحب التوضيح في الاتفاق على الاجزاء فيما قبله لأنه إذا قال ابن القاسم بعدم الاجزاء فيما إذا صادفه فأحرى أن يقول به إذا صام مابعده وأما إن بقى على شكله فلا يجزئه على مذهب ابن القاسم ويجزئه على مذهب ابن الماجشون وسحنون قاله في البيان وإذا قلنا بالإجزاء إذا وافق شهرا بعده فالمعتبر عدد رمضان على المشهور فان وافق شوالا لم يعتد بيوم العيد ثم ان كانا كاملين أو ناقصين قضى يوما واحدا وهو يوم العيد وان كان رمضان ناقصا وشوال كاملا لم يقض وان كان بالعكس قضى يومين وكذلك ان صادف ذا الحجة لم يعتد بيوم النحر ولا بأيام التشريق ثم ينظر الى مابقي.
فَرْضُ الَّصياَم نَيّةُ بِلَيْلِهِ
وَتَرْكُ وَطْءٍ شُرْبِهِ وأَكْلِهِ
والَقْيءِ مَعْ إِيَصَالِ شَىْءٍ لِلْمِعَدْ
مِنْ أُذُنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ أَنْفٍ وَرَدْ
وَقْتَ طُلُوعِ فَجْرِهِ إلى الغُروبْ
والعَقْلُ في أولِهِ شَرْطُ الوُجُوبْ
لْيَقْضِ فاَقِدُهُ والْحَيْضُ مَنَعْ
صَوْماً وتَقْضِى الْفَرْضَ إنْ بِهِ ارْتَفَعْ
تعرض الناظم رحمه الله فى هذه الأبيات لبيان فرائض الصوم وشروطه وموانعه فأخبر أن فرائض الصوم يزيد واجبا كان أو غير واجب خمسة وعبر بالمفرد لارادة الجنس: أولها النية في الليل ولايجوز تقديمها قبل الليل وهو قول الكافة لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم «لاصيام لمن لم يبيت الصيام من الليل» رواه النسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه ولا يشترط مقارنة النية للفجر للمشقة قاله ابن الحاجب وبعد نفي اشتراط المقارنة هل تصح أو لا؟ نص القاضي أبو محمد على أنه يصح أن تكون مقارنة للفجر وفي البيان يصح ايقاعها في جميع الليالي إلى الفجر وقيل ايقاعها مع
الفجر لاتصح، والأول أصح لقوله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} اهـ وقال ابن يونس قوله تعالى (حتى يتبين) يريد حتى تقاربوا بيان الخيط كما قال {فإذا بلغن أجلهن} يريد قاربن فكما لايجوز أن يفطر حتى يدخل جزء من الليل فكذلك لايأكل إلى دخول جزء من النهار اهـ فقوله فكذلك لايأكل أي لايستمر على الآكل ومما يدل على عدم صحة المقارنة أنه إذا وجب إمساك جزء من الليل وقد تقرر أن أول جزء من الامساك واجب النية سائره لزم تقدم نيته عليه لأنه قصد إليه والقصد متقدم على المقصود وإلا كان غير منوي والمشهور أن عاشوراء كغيره في اشتراط النية المبنية وقال ابن حبيب يصح صومه بنية من النهار
الثاني ترك الوطء ويريد وما في معناه من اخراج مني والمذي من طلوع الفجر إلى الغروب كما نبه عليه بقوله وقت طلوع فجره إلى الغروب إذ هو راجع للمسائل الأربع، قال ابن بشير ولا خلاف أن الجماعة وما في معناه من استدعاء المني محرم في الصوم ويريد ومبطل له كما يأتي للناظم التنبيه على وجوب القضاء والكفارة في ذلك ابن الحاجب وشرطه الامساك في جميع زمانه عن إيصال طعام أو شراب وإيلاج الحشفة في قبل أو دبر ثم قال وشرطه الامساك عن إخراج مني أو قيء وفي المذي والانعاظ قولان، التوضيح المشهور في المذي وجوب القضاء وقال ابن الحاجب باستحبابه ومنهم من فرق في المذي بين أن يكون عن لمس أو قبلة أو مباشرة فيجب القضاء وبين أن يكون عن نظر فلا يجب وهو قول ابن حبيب والقول بالقضاء في الإنعاظ رواه ابن القاسم عن مالك ابن عبد السلام وهو الأظهر وبعدمه رواه ابن وهب عن مالك أيضا وإنما قال ابن الحاجب إخراج المني والقيء ليخرج بذلك الاحتلام والقيء الغالب فلا حكم لهما اهـ لأنهما خرجا من غير إخراج.
الثالث ترك الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى الغروب ابن الحاجب وشرطه
الامساك في جميع زمانه عن إيصال طعام أو شراب إلى الحلق أو المعدة من منفذ واسع كالفم والأنف والأذن يمكن الاحتراز منه، التوضيح وصف الطعام والشراب بإمكان الاحتراز منه ليخرج غبار الطريق ونحوه كما سيأتي وعطف الواصل إلى المعدة على الواصل إلى الحلق لتدخل الحقنة فان المشهور فيها القضاء ثم قال ابن الحاجب وفى القضاء بوصول ماينماع من العين والإحليل والحقنة، ثالثها المشهور يقضي في العين والحقنة ان وصل، التوضيح وقوله وصول يدل على أنه لو تحقق عدم الوصول لم يقض اتفاقا اهـ فقول الناظم شربه عطف على وطء بحذف العاطف الرافع ترك إخراج القيء من طلوع الفجر إلى الغروب وأما خروجه غلبة من غير إخراج فلا حكم له كما تقدم عن ابن الحاجب والتوضيح، وقوله والقيء عطف على الوطء على حذف مضاف أي وترك إخراج القىء والأصل فيى ذلك ماأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة عن رسول الله «إذا ذرع الصائم القيء فلا افطار عليه وان استقاء فعليه القضاء» ونحوه في المدونة/ ابن رشد قال ابن القاسم والفريضة والنافلة في ذلك سواء قال ابن يونس قال بعض أصحابنا الذي ذرعه القيء يندفع اندفاعا فيأمن أن يرجع منه إلى حلقه ولأنه لاصنع له فيه فأشبه الاحتلام بخلاف الذي استدعى القيء فان استقاء عابثا لغير مرض ولاعذر فرجع شيء إلى حلقه فليكفر وإلا فليقض الباجي الظاهر من قوله مالك وأصحابه أنه لا كفارة عليه وهو كمن أمسك ماء في فيه فغلبه ودخل حلقه يقضى ولايكفر الخامس ترك إيصال شىء إلى المعد جمع معدة سواء وصل لها من أذن أو عين أو أنف أو غيرها من طلوع الفجر إلى الغروب ولم يكتف عن ترك الإيصال إلى المعدة بترك الأكل والشرب لتدخل الحقنة كما تقدم عن التوضيح فالحاصل أن الإيصال إلى الحلق مبطل للصوم وإن لم يصل إلى المعدة وأن الإيصال إلى المعدة مبطل للصوم أيضا وان لم يمر على الحلق بأن دخل من الدبر وهي الحقنة إذا كانت بمائع في الدبر، أما ان كانت بغير مائع كالفتائل أو الاحليل بكسر الهمزة ثقبة الذكر حيث يخرج البول فلا قضاء عليه ومن المدونة كره مالك الحقنة للصائم فان احتقن في مرض بشيء يصل إلى جوفه فليقض ويكفر، وسئل مالك عن الفتائل تجعل للحقنة قال أرى ذلك خفيفا ولاشيء عليه، قال ابن القاسم وان قطر الصائم في إحليله دهنا فلا شيء عليه وهو أخف من
الحقنة اهـ وقد بحث في التوضيح مع ابن الحاجب عدة ترك الوطء وماعطف عليه مما يطلب تركه والامساك عنه شرطا وإنما هو ركن أي فرض قائلا وقد تسامح في اطلاق الشرط على الركن إذ لامعنى للصوم إلا الامساك أي عن ذلك وتركه فهو داخل في الماهية، قال والشرط خارج عن الماهية وكلام الناظم سالم عن هذا البحث لعده فرائض لا شروطا كمافعل ابن الحاجب
(فرع) اختلف في الصائم يصل إلى جوفه شيء مما لايستعمل في الغذاء كالنواة والدرهم هل يكون كسائر الغذاء ايجب القضاء في السهو والقضاء والكفارة في العمد وهو قول ابن الماجشون أو لا شيء عليه لكونه من غير جنس الغذاء فوجوده كعدمه بل في وجوده مضرة ونقله في الجواهر عن البعض المتاخرين قولان
(فرع) قال في الذخيرة من اكتحل ليلا لا يضره هبوط الكحل في معدته نهارا ومن علم من عادته أن الكحل ونحوه لايصل إلى حلقه فلا شيء عليه قاله اللخمي يريدان فعله نهارا والله أعلم قال الشيخ أبو الحسن الصغير هذا أصل في كل مايعمل في الرأس من الحناء والدهن وغيرهما وقال في تهذيب الطالب عن السليمانية من تبخر بالدواء فوجد طعم الدخان في حلقه قال يقضي بمنزلة من اكتحل أو دهن رأسه فيجد طعم ذلك في حلقه فيقضي وقال أبو محمد أخبرني بعض أصحابنا عن ابن لبابة أنه قال فيمن استنشق بخورا لم يفطر وأكره له ذلك وفي بعض شراح المدونة بعد نقله ماتقدم عن السليمانية من القضاء إذا تبخر وكذلك من استنشق ربو القدر لأن له أجزاء بخلاف الغالية وقال ابن الحاجب بخلاف دهن الرأس أي فلا يقضي وقيل الا أن يستطعمه ابن عبد السلام الخلاف خلاف في حال قال في التوضيح لم أر القول الأول وقد عد عياض في قواعده دهن الرأس من المكروهات فقال القباب لايجوز على المشهور أن يعمل في رأسه حناء أو غيره إذا علم بوصوله لحلقه ويكره على قول ابن مصعب وعليه مشى فى القواعد وقال سند لوحك أسفل رجليه بالحنظل فوجد طعمه في فمه أو قبض بيده على الثلج فوجد برده في جوفه فلا شيء عليه اهـ وأما المشموم الطيب الرائحة فنقل صاحب المعيار عن الإمام أبى القاسم العقباني أنه قال لا أعلم من يقول فيه بالإفطار وانما يكره فى مذهب بعض أهل العلم
(فرع) لاقضاء ولاكفارة في دهن الجائفة وهي الجراح التي وصلت إلى الجوف لأن ذلك لايصل إلى موضع الطعام والشراب ولو وصلت إليه لمات صاحبها من ساعته
(فرع) قال ابن الحاجب والمشهور أن لاقضاء فى فلقة من الطعام بين الأسنان تبتلع ومقابل المشهور القضاء لأشهب وقيد الشيخ أبو محمد قول أشهب بوجوب القضاء بما
إذا أمكنه طرحها وأما لو ابتلعها غلبة فلا شيء عليه وقال اللخمي واختلف في غير المغلوب فقيل ان كان ساهيا فعليه القضاء وان كان متعمدا فعليه القضاء والكفارة وان كان جاهلا أساء ولا شيء عليه وقيل إن كانت بين أسنانه فلا شيء عليه ساهيا أو عامدا أو جاهلا وإن تناولها من الأرض كانت كسائر الطعام يقضي في السهو ويقضى ويكفر في الجهل والعمد/ خليل ولاينبغي أن يختلف إذا أخذها من الأرض، فلذا قال ابن الحاجب بين أسنانه
(فرع) والمضمضة لوضوء أو عطش جائزة فإن غلبه إلى حلقه فالقضاء وان تعمد فالقضاء والكفارة والسواك مباح كل النهار خلافا للشافعي اجازته له قبل الزوال فقط والمشهور أظهر لعموم قوله «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» رواه البخاري ومسلم وإنما يجوز بما لا يتحلل منه شيء قال ابن حبيب ويكره الاستياك بالرطب للجاهل الذي لايحسن أن يمج ما يجتمع منه الباجي والذي يقتضيه قول مالك وأصحابه أنه يكره للجاهل والعالم لما فيه من التغرير فان تحلل ووصل منه إلى حلقه فكالمضمضة في عمده القضاء والكفارة وفي التأويل والنسيان القضاء فقط وهذا لايختص بالجواز اهـ نعم هي أشد من غيرها، حكى عن ابن لبابة وغيره أنه ان استاك بالجوز في رمضان نهارا لزمه القضاء والكفارة وان استاك بها ليلا فأصبح على فيه القضاء فقط وفي النسخة الكبرى من نوازل ابن الحاجب ماحاصله أن الاستياك بأصول الجوز لايجوز للرجل ومن استاك به في ليل أو نهار فعليه القضاء قال الشيخ ابن غازي ومن الغريب ماكتب لي به شيخنا أبو عبد الله القوري أن شيخه أبا محمد عبد الله العبدوسي أن من تسحر بالنبات المسمى بالخرشف فأصبح صبغه على فيه بمنزلة من استاك بالجوز ليلا
(فرع) قال ابن يونس قال ابن حبيب القيء الغالب إذا عرف صاحبه أنه رجع إلى حلقه منه شيء قبل فصوله فلا شيء عليه فان رجع بعد فصوله مغلوبا أو غير مغلوب وهو ناس فقد اختلف في ذلك عن مالك زاد في التوضيح عن اللخمي والصواب أن ينظر فان خرج إلى لسانه بحيث يقدر على طرحه فابتلعه فعليه القضاء وإن لم يبلع موضعاً يقدر على طرحه فلا شيء عليه، التوضيح ومقتضى كلامه أن العمد مبطل اتفاقا اهـ أي فيقضي وأما الكفارة فلا.
(فرع) وأنظر لو فلس ماء أو طعاما ثم رده بعد وصوله إلى طرف لسانه أو إلى موضع يمكن طرحه منه قال ابن حبيب هو بخلاف البلغم عليه القضاء والكفارة في عمده لأنه طعام وشراب ومخرجه من الصدر ويقضى في سهوه وإن رده من بين لهواته ومن موضع لايمكن طرحه منه فلا شيء عليه قاله ابن الماجشون وقال مالك في المجموعة في الذي يبتلع الفلس ناسياً لاقضاء عليه، وقال ابن القاسم وهذا يقتضي أنه لاكفارة في عمده
(فرع) وأما البلغم فقال اللخمى لاشيء فيه إذا نزل إلى الحلق وإن كان قادراً على طرحه وفي كلام اللخمي بيان أنه مالم يصل إلى اللهوات غير مختلف فيه وإن كان قادراً على طرحه واختلف إذا وصل إلى اللهوات ثم عاد فقال ابن حبيب أساء ولاشيء عليه وقال ابن يونس قال ابن حبيب من ابتلع نخامة من لهواته أو من بعد فصولها إلى طرف لسانه فلا شيء عليه وقد أساء لأن النخامة ليست بطعام ولاشراب ومخرجها من الرأس القباب بعض من لم يقف على هذا كان يتكلف في صومه إخراج البلغم مهما قدر عليه فلحقته بذلك مشقة لتكرره عليه.
قوله والعقل فى أول شرط الوجوب وليقض فاقده أخبر أن العقل في أول الصوم أي عند طلوع الفجر شرط في وجوب الصيام يريده وفي صحة فعله كما صرح به ابن رشد واذا كان كذلك فيلزم من عدم العقل حينئذ عدم وجوب الصيام وعدم صحته وعليه فمن فقد العقل عند طلوع الفجر وجب عليه القضاء ثم فقدان العقل تارة يكون في جميع النهار وتارة في بعضه ويأتى بيان ذلك إن شاء الله. وأعلم أن الناظم لما فرغ من الفرائض شرع فى الشروط والشأن تقديم الشروط على الفرائض لكن ضيق النظم يسهل أكثر من هذا، وشروط وجوب الصوم ستة.
الاسلام والعقل والبلوغ والصحة والاقامة والنقاء من دم الحيض والنفاس، ولم يذكر الناظم منها إلا العقل فأما إسقاطه الاسلام فلعه بناء على خطاب الكفار بالفروع وأما إسقاطه البلوغ فلقوله في مقدمة الكتاب وعلى تكليف بشرط العقل مع البلوغ الخ وإنما أعاد هنا العقل ليرتب عليه وجوب القضاء على فاقده وأما إسقاطه الصحة والاقامة فتنصيص الناظم بعد هذا في قوله ويباح أي الفطر لضر أو سفر قصر، على إباحة الفطر للمريض والمسافر دليل على أن الصحة والاقامة شرط، أما في الوجوب فيكون قضاء المريض والمسافر بأمر جديد وأما في الأداء فيكون بالأمر الأول وأما
إسقاطه النقاء من دم الحيض والنفاس فيفهم من ذكره الحيض مانعاً لأن ما كان وجوده مانعاً ففقده شرط مع ضرب من التسامح ولاشتراط البلوغ لايؤمر بالصوم غير البالغ اذا كان يطيقه على المشهور لأنه مرة في السنة وهو امساك فقط بخلاف الصلاة فيؤمر بها لتكررها وكثرة أحكامها وروى أشهب أنه يؤمر به كالصلاة لاشتراط العقل قال الناظم وليقض فاقده ثم فقدان العقل اما أن يكون بجنون أو باغماء أو بنوم فان كان بجنون فقال مالك في المدونة من بلغ وهو مجنون مطبق فمكث سنين ثم أفاق فليقض صوم تلك السنين ولايقضي الصلاة كالحائض وفي ابن الحاجب مامعناه ومن بلغ عاقلا وقلت سنو طباقه فالقضاء اتفاقا بخلاف الصلاة أي فلا يقضيها وأما من بلغ عاقلا وكثرت سنو طباقه أو بلغ مجنونا كثرت سنو طباقه أو قلت فثلاثة أقوال المشهور القضاء والثاني السقوط والثالث ان قلت السنون وجب القضاء وان كثرت لم يجب وعلى المشهور فالأقسام الأربعة يشملها قول الناظم وليقض فاقده هذا حكم فقد العقل بالجنون وأما بالنوم فقال ابن الحاجب ولا أثر للنوم اتفاقا أي ولو كان جميع النهار لاساتر للعقل غير مزيل له فلا يشمله قول الناظم وليقض فاقده والله أعلم، وأما الاغماء فان كان كل النهار فكالجنون وإن كان في أقل النهار فان كان أوله سالما فكالنوم لا أثر له وان لم يسلم أوله أي عند طلوع الفجر فقولان المشهور القضاء وهو مذهب المدونة زاد ابن حبيب ولا يؤمر بالكف عن الأكل بقية نهاره وفي سماع أشهب الاجزاء نظراً إلى القلة وان كان في نصف النهار أو جله مع سلامة أوله فمذهب المدونة الاجزاء في النصف وعدم الإجزاء في الجل وقد تلخص من هذا أنه يقضي على المشهور في أربع مسائل من مسائل الاغماء إذا أغمي عليه جميع النهار أو جله سلم أوله أو لم يسلم أو نصفه أو أقله ولم يسلم أوله في الوجهين ولايقضي إذا أغمى عليه أقله أو نصفه وقد سلم أوله في الوجهين ففي قول الناظم وليقض فاقده إجمال بالنسبة إلى فقده بالاغماء والله أعلم.
قوله (والحيض منع صوما وتقضى الفرض إن به ارتفع) لما تكلم على الفرائض والشروط شرع في الكلام على المانع فأخبر أن الحيض مانع من الصوم يعني سواء كان الصوم واجباً أو غير واجب ولذلك نكر صوما ثم فرع على ذلك أن الحائض تقضي الفرض يريد من الصوم فهو على حذف الموصوف أي الصوم الفرض إن ارتفع ذلك الفرض أي ارتفع وجوبه بسبب الحيض ويحتمل أن معنى ارتفع بطل وفسد بسبب الحيض وفهم من قوله تقضي الفرض أنها لو حاضت في صوم غير فرض لم تقضه وهو كذلك واعلم أن الحيض إذا انقطع قبل الفجر فلا حكم له في فساد الصوم ومنع صحته سواء أمكن الغسل أم لا اغتسلت أم لا وقيل إن اتسع الزمان للغسل قبل الفجر فالحكم كذلك وان لم يتسع فحكم الحيض باق فلا يصح صومها نقله في الجلاب عن ابن الماجشون ورواه ابن القاسم وأشهب عن مالك وقيل إذا اغتسلت قبل الفجر وإلا فحكم الحيض باق سواء طهرت لزمان يمكنها فيه الغسل أو لا، وهذا القول حكاه ابن شعبان، قال في الجلاب وقال ابن مسلمة تصوم وتقضي فان شكت هل طهر لي قبل الفجر أو بعده صامت لاحتمال أن تكون طهرت قبل وقضت لاحتمال بعد، التوضيح قال ابن رشد وهذا بخلاف الصلاة فانه لايجب عليها أن تقضي ما شكت في وقته هل كان الطهر فيه أم لا هو بين فان الحيض مانع من أداء الصلاة وقضائها وهو حاصل وموجب القضاء وهو الطهر في الوقت مشكوك فيه وأما في الصوم فانما يمنع من الأداء خاصة ولايمنع من القضاء فلهذا وجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة اهـ فقوله لايجب عليها أن تقضي ماشكت في وقته يعني مماخرج وقته
ويُكْرَهُ اللّمْسُ وفِكْرُ سَلِما
دَابَا منَ المَذْى وإِلاّ حَرُمَا
أخبر أنه يكره للصائم اللمس والفكر إذا سلم دائما من خروج المذي وأحرى المني وان لم يسلما دائما مما ذكر حرصا عليه ولاخصوصية للمس والتفكر بهذا الحكم بل وكذلك حكم غيرهما من مقدمات الجماع من النظر والقبلة والمباشرة والملاعبة والفرق بين اللمس والمباشرة أن اللمس باليد والمباشرة بالجسد، التوضيح الحكم مختلف في مبادىء الجماع على أقسام ثلاثة فان كان يعلم من نفسه السلامة من المني والمذي لم تحرم وقد كرهوا ذلك في المشهور وجعلوا مراتب الكراهة تتفاوت بالأشدية على نحو مارتب المؤلف يعني ابن الحاجب المبادي فأخفها الفكر ثم النظر ثم القبلة ثم المباشرة ثم الملاعبة وإن كان يعلم من نفسة عدم السلامة من المني والمذي حرمت وإن شك في السلامة فقولان الظاهر منهما التحريم احتياطا للعبادة وقيل لاتحرم لأن الاباحة هي الأصل اللخمي وإن كان يسلم مرة ولا يسلم أخرى حرمت اهـ ولإخراج هذه
الصورة زاد الناظم قوله دأبا فقوله سلما دأبا من المذي أي كان دأب صاحبهما أو فاعلهما وعادته أن يسلم من خروج المذى وهذه هي الصورة الأولى في التوضيح المشار إليها بقوله فان كان يعلم من نفسه السلامة الخ وشمل قوله وإلا حرما الصورتين وهما ما إذا علم عدم السلامة وما إذا شك فيها ومن جملة الشك فيها مانقل عن اللخمي إذا كان يسلم مرة ولايسلم أخرى فلذا لم يعدها أربعة والله أعلم.
هذا حكم الاقدام على المقدمات ابتداء وقد علمت من ترتيب ابن الحاجب لها ان عدتها خمسة وبعد الوقوع إما أن ينشأ عنها إنعاظ أو مذي أو مني فالمجموع خمس عشرة صورة من ضرب خمسة عدة المقدمات في ثلاث عدة ماينشأ عنها وكل من الصور إما ينشأ عما ذكر مع الاستدامة أو ابتداء من غير استدامة فالمجموع ثلاثون صورة فان نشأ إنعاظ ومذي فلا كفارة وفي القضاء تفصيل بين الاستدامة وعدمها وخلاف، وإن نشأ منى فالقضاء والكفارة في بعض الصور والقضاء فقط في بعضها وسقوطهما معا في بعضها انظر ابن الحاجب والتوضيح
وكَرهُوا ذَوْقَ كَقْدِر وهَذَرْ
غالِبُ قَىْءٍ وذُبابٍ مُغْتَفَرْ
غُبَارُ صَاِنعٍ وطُرْقٍ وَسِوَاكْ
يابِسٍ اصْبَاحُ جَنَابةٍ كَذَاكْ
أخبر أن أهل المذهب كرهوا للصائم ذوق القدر من الملح وكذا نحو القدر كذوق العسل ومضغ العلك ومضغ الطعام للصبي ولذا أتى بالكاف وكرهو أيضا له الهذر في الكلام وهو كثرته لغير منفعة وهو معطوف على ذوق ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة ثم أخبر أن القيء الخارج من فم الصائم غلبة والذباب الداخل فيه كذلك مغتفر كل منهما لايوجب عليه قضاء ولاغيره، وأن غبار الصنعة كغبار الدقيق لطحنه وكذا غبار الطريق والاستياك باليابس الذي لايتحلل والاصباح بالجنابة بحيث لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر كالقيء والذباب الغالبين في الاغتفار أما كراهة ذوق القدر فنحوه في المدونة الباجي ممن فعل شيئا من ذلك فمجه فقد سلم قال ابن حبيب ولاشيء عليه وإن دخل جوفه شيء منه فعليه القضاء قاله مالك البرزلي وغزل المرأة الكتان المصري جائز مطلقا بخلاف الدمني فيسوغ له إن كانت ضعيفة وإلا فيكره وأما كراهة كثرة الكلام لغير منفعة ففي الرسالة: وينبغي للصائم أن يحفظ لسانه وجوارحه ويعطم من شهر رمضان ماعظم الله سبحانه قال بعض شراحها حفظ اللسان والجوارح من كل منهي عنه واجب في رمضان وغيره وهو في رمضان آكد لأن المعصية تغلظ بالزمان والمكان فالمعصية في رمضان أو في مكة أعظم إثما منها في غيرهما قلت فلذا كرهوا للصائم كثرة الكلام المباح سداً لذريعة الوقوع في المحرم قال بعض العارفين:
لاتجعلن رمضان شهر فكاهة
…
تلهيك فيه من القبيح فنونه
واعلم بأنك لاتنال قبوله
…
حتى تكون تصومه وتصونه
(وقال آخر)
إذا لم يكن في السمع مني تصاون
وفي بصرى غض وفي منطقي صمت
فحظي إذا من صومي الجوع والظما
وإن قلت إني صمت يوما فما صمت
وأما اغتفار غالب القىء ففي ابن الحاجب والقيء الضروري كالعدم وفي التلقين لايفسد الصوم ذرع قيء وحجامة ولا ركوب مأثم لايخرج عن اعتقاد وجوبه ومضيه على نيته وإمساكه كالعيبة والقذف وقد تقدم بعض الكلام في القيء عند قول الناظم (فرض الصيام نية) الأبيات الأربعة وأما اغتفار غالب الذباب فمن المدونة [قال مالك في الصائم يدخل حلقة الذباب لا شيء عليه، وأما اغتفار غبار الصانع والطريق، ففي «الذخيرة»: الأظهر في غبار الدقيق لصانعه لغوه، وهو قول ابن الماجشون، الجلاب: من دخل في حلقه غبار الدقيق أو غبار الطريق فلا شيء عليه، قال الشيخ أبو محمد: ينبغي أن لاشيء عليه في غبار كيل القمح ولا بد للناس من هذا. ابن الحاجب: وغبار الجباسين دون أي غبار الدقيق لأنه يغذي، وأما اغتفار الاستياك باليابس الذي لا يتحلل، فقال ابن الحاجب: والسواك مباح كل النهار بما لا يتحلل منه شيء وكره بالرطب لما يتحلل فإن تحلل ووصل إلى حلقه فكالمضمضة أي إن غلبه كان عليه القضاء، وإن تعمد ذلك كان عليه القضاء والكفارة، وأما الإصباح بالجنابة ففي الصحيح عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم، وكان أبو هريرة يقول من أصبح جنباً أفطر ذلك اليوم، فلما بلغه الحديث السابق فقال: لا علم لي وإنما أخبرنيه مخبر. قال أشهب: ولم يختلف العلماء في صيام الجنب أنه يجزئه وهو كمن صام على غير وضوء، قال: ولو أقام نهاره جنباً لم يفسده صومه.
ونية تكفي لما تتابعه
…
يجب إلا إن نفاه مانعه
أخبر أن ما يجب تتابعه من الصيام كرمضان بالنسبة للحاضر الصحيح، وشهري كفارة الظهار وكفارة تعمد فطر رمضان ونحوها تكفيه نية واحدة في أوله لجميعه، إلا إن نفي وجوب التتابع مانع لذلك الوجوب من مرض أو سفر أو حيض فلا بد من]
قول لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول مالك في العتبية وهو ظاهر كلامه في البيان وكلام ابن الحاجب كما يأتي أو لا؟ لقوله في العتبية قال مالك لايجزئه الصيام في السفر إلا أن يبيته في صيام رمضان اهـ فخص ذلك بصيام رمضان فغير رمضان لايحتاج فيه لتجديدها كل ليلة في السفر والمرض مثله من باب لافارق، أنظر ذلك وفهم من قوله لما يجب تتابعه أن الصوم الذي لايجب تتابعه كقضاء رمضان وصيام كفارة اليمين لاتكفيه نية واحدة بل لابد من تجديدها له كل ليله وهو كذلك/ ابن الحاجب والمشهور الاكتفاء بها فى أول ليلة لرمضان لجميعه التوضيح قال في البيان وحكى ابن عبد البر عن مالك وجوب النية في كل ليلة وهو شذوذ في المذهب ثم قال في التوضيح ورأى في المشهور أن الشهر كله عبادة واحدة وفي الشاذ أن أيام
الشهر عبادات متعددة بدليل أن فساد يوم لايوجب فساد مامضى ثم قال وما ذكره من الاكتفاء بنية واحدة إنما هو في حق الحاضر وأما المسافر فلا بد من التبييت كل ليلة قاله في العتبية والمريض يلحق بالمسافر وحكى
سند قولا ثانيا في المسافر بالاكتفاء بنية واحدة ثو قال ابن الحاجب إثر ماتقدم عنه وكذلك الكفارات أي التي يجب تتابعها أي مثل رمضان في جميع ما تقدم والله أعلم ثم قال وإن انقطع التتابع بأمر فالمشهور تجديدها يريد ومقابله لايلزم تجديدها، ثالثها الفرق ماانقطع التتابع في حقها بالحيض فلا يلزمها تجديد النية وبين غيرها فيلزمه تجديدها، التوضيح واعلم أن هذا الكلام إنما هو إذا طرأ الحيض بعد أن بيتت أول الشهر وأما من دخل عليها رمضان وهي حائض فلا يجزئها في أول يوم من طهرها دون تبييت إلا على رأى عبد الملك أن المتعين لايحتاج اليه نية وانظر إذا أفطر متعمدا لغير عذر هل يلزمه التجديد اتفاقا أو يجري فيه الخلاف وعبارة ابن بشير ولو طرأ في رمضان ماأباح الفطر فهل يفتقر إلى إعادة التبييت أم لا؟ في المذهب قولان
(فرع) قال ابن يونس قال فى المختصر وكتاب ابن حبيب من شأنه سرد الصيام أو شأنه صوم يوم بعينه ليس عليه التبييت لكل يوم/ الأبهري القياس أن على من عود نفسه صوم يوم بعينه وعلى من شأنه سرد الصيام التبييت كل ليلة لجواز فطره ويؤخذ حكم هذا الفرع من المفهوم قول الناظم (لما تتابعه يجب) إذ مفهومه أن مالايجب تتابعه لابد من تجديدها فيه كل ليلة
نُدِبَ تَعْجِيلٌ لِفِطْرٍ رَفَعَهْ
كَذَاكَ تَأخِيرُ سُحورٍ تَبِعَهْ
أشار بالبيت إلى قوله في الرسالة ومن السنة تعجيل الفطر وتاخير السحور والسحور بفتح السين اسم لما يتسحر به وبالضم اسن للفعل وهو هنا بالضم والأصل فيما ذكر قوله «لايزال الناس بخير ماعجلوا الفطر وأخروا السحور» وفي تعجيل الفطر التقوية على الصلاة وفي تأخير السحور التقوية على الصوم وفي الصحيح تسحروا فان في السحور بركة وقول الناظم رفعه صفة لفطر وفاعله ومفعوله البارز للصوم وكذا جملة تبعه صفة لسحور وفاعله للصوم ومفعوله البارز للسحور أي ندب تعجيل فطر موصوف بكونه رفع هو الصوم وندب تأخير سحور موصوف بكونه تبعه الصوم والله أعلم
(تنبيه) ماذكره الناظم من استحباب تعجيل الفطر وتأخير السحور إنما هو مع تحقق
الغروب وتحقق عدم طلوع الفجر أما مع الشك فلا، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول فقد روى ابن نافع عن مالك إذا غشيتهم الظلمة فلا يفطروا حتى يوقنوا بالغروب/ ابن حبيب إنما يكره تأخير مفطر استنانا وتدينا فأما لغير ذلك فلا، كذلك قال لي أصحاب مالك وقال/ أشهب يستحب تأخير السحور مالم يدخل الشك في الفجر اهـ
(فرع) من المدونة كره مالك لمن شك في الفجر أن يأكل/ ابن عرفة فان أكل فبان كون أكله قبل أو بعد، فواضح وإلا ففي المدونة يقضي/ عياض حمل بعض أصحابنا قول مالك يقضي على الاستحسان وقال أبو عمران بل القضاء واجب عليه ابن يونس لأن الصوم في الذمة بيقين فلا يزول عن ذمته إلا بيقين ولا كفارة عليه لأنه غير قاصد لانتهاك حرمة الشهر وفي المدونة ومن يأكل في رمضان ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فعليه القضاء ابن يونس إذ لايرتفع مقرر بغير يقين/ ابن الحاجب فان طلع الفجر وهو آكل أو شارب ألقى ولا قضاء عليه على المنصوص وخرج القضاء على القول بوجوب امساك جزء من الليل وفيه قولان، فان طلع وهو يجامع نزع ولا كفارة على المشهور وفي القضاء قولان فان شك في الغروب حرم الأكل اتفاقا فان أكل ولم يتبين فالقضاء، المدونة ومن ظن أن الشمس غربت فأكل في رمضان ثم طلعت فليقض قال في التنبيهات الظن هنا بمعنى اليقين ولو كان على شك لكفر على ماذكره أبو عبيدة في مختصره ولم يكفر على ماذكره البغداديون واختلف المشايخ في ترجيح أي القولين اهـ فان تبين أنه أكل بعد الغروب فنقل الخطاب عن الجزولي أنه لاقضاء عليه وقد غر وسلم
مَنْ أَفْطَرَ الْفَرْضَ قَضَاهُ ولْيُزَدْ*
كَفَّارَةُ في رَمَضانَ إنْ عَمَدْ
لأِكْلٍ اُوْ شُرْبٍ فَمٍ أَوْ لِلْمَنِي
وَلَوْ بِفِكْرٍ اُوْ بِفَرْض مابُنِي
بِلَا تَاوُّلٍ قَرِيبٍ وَيُباحُ
لِضُرٍّ اُوْ سَفَرِ قَصْرٍ أَيْ مُباحْ
قوله من (أفطر الفرض قضاهُ) أخبر من أفطر فى الفرض من الصوم يريد سواء كان ذلك الفرض رمضان أو غيره كالنذر المضمون الذي لم يعين له زمان فانه يجب عليه قضاؤه وعبر بالفرض ليشمل رمضان ولا اشكال في وجوب القضاء على من أفطر فيه كيفما كان فطره نسيانا أو غلطا في التقدير كان يعتقد غروب الشمس أو عدم طلوع الفجر أو يغلط في الحساب أول الشهر أو آخره أو عمدا سواء كان فطره العمد واجبا كفطر المريض الذي يخاف على نفسه الهلاك والحائض أو مباحا كالفطر في السفر أو مندوبا كالمجاهد يظن من نفسه إن أفطر حدثت له قوة أو حراما ولا إشكال أو جهلا أو
كان غلبة كصب طعام أو شراب في حلق نائم أو مجامعة امرأة نائمة ومكرها وسواء كان فطره بالجماع أو باخراج المني أو برفع النية ورفضها نهارا أو بأكل أو شرب فان كان بهما فلا فرق بين وصول ذلك للحلق أو للمعدة من منفذ واسع أو ضيق فيجب القضاء في الوجوه كلها ويشمل غير رمضان كالصوم المنذور ثم إن كان هذا للمنذور مضمونا أي لم يتعين له زمانا كأن يقول لله على صوم يوم فأصبح يوما صائما لوفاء نذره ثم أفطر فيه فانه يجب عليه قضاؤه أيضا على أي وجه كان فطره كما تقدم في فطر رمضان وإن كان معين الزمان كـ لله علي صوم كذا فى ذلك اليوم فان كان فطره لمرض أو لحيض أو نسيانا فانه لايقضى على المشهور لأن الملتزم شيء معين وقد فات ولابن القاسم يقضي في النسيان لأنه كالمفرط دون ماعداه وقال ابن عرفة أنه المشهور ولابن الماجشون الفرق بين الأيام التى يقصد فضلها كعرفة وعاشوراء فلا يقضيها لأن المقصود عينها وبين غيرها فيقضيه وإن أفطر في النذر المعين بغير ماذكر كالسفر وجب عليه القضاء اتفاقا نقله ابن هرون وكذا إن أفطر متعمدا لغير عذر كما يأتي عن المدونة والله أعلم وإذا علمت هذا ففي اطلاق الناظم وجوب القضاء على من أفطر في الصيام الفرض إجمالي بالنسبة للصوم المنذور المعين الزمان على المشهور لكنه داعى كثرة صور القضاء فاطلق ولابد من تقييده بغير المنذور المعين وهو رمضان والمنذور غير المعين وبالمنذور المعين اذا أفطر فيه لغيره ماذكر أما المنذور المعين إذا أفطر فيه لمرض أو حيض فلا قضاء عليه وكذا إذا أفطر فيه لنسيان على ماشهره ابن الحاجب وتبعه عليه الشيخ خليل فلا قضاء عليه أيضا والله أعلم
ابن الحاجب ويجب قضاء رمضان والواجب بالفطر عمدا واجبا أو مباحا أو حراما أو نسيانا أو غلطا في التقدير فيجب على الحائض والمسافر ونحوهما وفي الواجب المعين يعذر كمرض أو نسيان ثالثها يقضي في النسيان ورابعها يقضي أو لم يكن اليوم فضيلة والمشهور لايقضي ابن عرفة يجب قضاء رمضان وواجب الصوم المضمون بفطره بأي وجه كان ولو مكرها وفي المدونة قال ابن القاسم من نذر صوم شهر بعينه فمرضه كله لم يقضه وإن أفطره متعمداً قضى عدد أيامه وقال مالك وإن نذرت صوم الخميس والأثنين مابقيت فحاضت فيهن أو مرضت فلا قضاء عليها، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول قال واما السفر فلا أدري ماهو، قال ابن القاسم وكأني رأيته يستحب له القضاء فيه ابن
عرفة المشهور أن من أفطر نسيانا في صوم نذر معين أنه يقضى اهـ
فالحاصل أن الفطر في الصوم واجب يوجب القضاء إلا إن كان الصوم منذوراً معيناً وأفطر فيه لمرض أو حيض ولا اشكال أو
نسيانا على ماشهره ابن الحاجب والشيخ خليل دون ماشهره ابن عرفة من وجوب القضاء
قوله (وليزد كفارة) إلى آخره معناه أن يزاد على وجوب القضاء المتقدم وجوب الكفارة ويأتي تفسيرها في البيتين بعد هذه الأبيات لكن ذلك على من عمد وقصد في رمضان أي مع كونه مختارا إلى أكل أو شرب بفم أو لإخراج مني بجماع أو بقبلة أو مباشرة بل ولو بفكر أو برفض ما بنى الصوم عليه وهو النية حالة كون عمده خاليا عن التأويل القريب يريد وعن الجهل ولفظ (أكل) في النظم غير منون لإضافته في التقدير إلى فم فخرج بوصف العمد الفطر نسيانا فلا كفارة فيه كان بأكل أو شرب أو جماع على المشهور ابن الحاجب بعد تعداد ماتجب فيه الكفارة ذاكرا منتهكا حرمة رمضان فلا كفارة مع النسيان والغلبة والإكراه وقيل إلا فى إكراه الجماع أي ففيه الكفارة وخرج بقيد رمضان تعمد الفطر وفي غيره فلا تجب به كفارة ابن الحاجب ولاتجب الكفارة في غير رمضان التوضيح هذا هو المشهور وقال ابن حبيب إذا نذر صوم الدهر ثم أكل متعمدا فعليه الكفارة كرمضان وخرج بتقيدنا للعمد باختيار من عمد لشيء مما ذكر مكرها أو غلبة فلا كفارة عليه أيضا سواء أفطر بأكل أو شرب أو جماع على المشهور ابن الحاجب وقيل إلا في إكراه الجماع أي ففيه الكفارة في التنبيهات واختلف في الرجل المكره على الوطء بغير يعني بفتح الراء فقيل عليه الكفارة وهو قول عبد الملك وأكثر أقوال أصحابنا أنه لاكفارة عليه ولاخوف أن عليه القضاء واختلف في حده والأكثر على وجوبه عليه اهـ واختلف في الذي أكره غيره على أن يجامع هل تجب الكفارة على فاعل الاكراه اولا التوضيح والأقرب السقوط لأنه متسبب والمكره مباشر اهـ فتكلم في التنبيهات على المكره بالفتح وفي التوضيح على المكره بالكسر وتكلم ابن الحاجب عليهما معاً في التوضيح ومن أكره شخصا وصب في حلقه ماء ففي المدونة لاكفارة عل الصاب وأوجبها عليه ابن حبيب ثم قال ونقل ابن رشد عن ابن حبيب أنه قال إذا جامع زوجته نائمة عليها الكفارة واختلف في الذي يقبل امرأته مكرهة حتى ينزلا فقال القابسي وابن شبلون يكفر عن نفسه فقط وعليها القضاء وقال الشيخ أبو محمد وحمديس يكفر عنها ورجح مذهب ابن أبى زيد لأن الانتهاك من الرجل حاصل فيهما وخرج بقيد كون الأكل والشرب بالفم مايصل إلى الحلق من أذن أو أنف أو الى المعدة بحقنة فلا كفارة في شيء من ذلك أيضاً على المشهور خلافا لأبى مصعب ابن الحاجب وتجب الكفارة بما يصل الى الحلق من الفم خاصة ثم قال ولاكفارة فيما يصل من أذن أو أنف أو حقنة أو غيرها وقول أبى
مصعب في الأنف أو الأذن بعيد اهـ وخرج بتقدير المضاف في قوله أو المني أي لإخراجه خروجه من دون إخراج كالاحتلام فلا كفارة بل ولا قضاء كما تقدم وظاهر قول الناظم ولو بفكر وجوب الكفارة استدام الفكر أم لا وفي ابن الحاجب فان أمنى ابتداء قضى إلا أن يكثر التوضيح أي فان أمنى مع أول الفكر أو أول النظر من غير استدامة فعليه القضاء بلا كفارة إلا أن يكثر ذلك فيسقط القضاء أيضا للمشقة وهذا مذهب المدونة وقال ابن القاسم إن نظر نظرة واحدة متعمدا فأنزل كفر وهل خلاف للمدونة او وفاق فيحمل مافيها على ما إذا لم يتعمد النظر ابن الحاجب فإن استدام قضى وكفر إلا أن يكون بخلاف عادته في التكفير قولان انظر التوضيح وأما وجوب الكفارة برفض النية فقال في المدونة قال مالك من أصبح ينوى الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب حتى غربت الشمس أو مضى أكثر النهار فعليه القضاء والكفارة قلت لابن القاسم فان نوى الفطر في رمضان بعدما أصبح نهاره كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب قال لا أدري هل أوجب عليه مالك مع القضاء الكفارة أو لا؟ لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول وأحب إليّ أن يكفر مع القضاء ومن أصبح ينوي الفطر في رمضان ولم يأكل ولم يشرب ثم نوى الصوم قبل طلوع الشمس وترك الأكل وأتم صومه لم يجزه صوم ذلك اليوم وبلغني عن مالك أن عليه القضاء والكفارة أو هو رأيي وقال أشهب عليه القضاء ولا كفارة عليه اهـ وقد اشتمل كلام المدونة هذا على ثلاث مسائل الأولى أصبح بنية الافطار واستمر عليها
الثانية بيت الصيام وأصبح عليه ثم نوى الفطر نهارا
الثالثة أصبح بنية الافطار ثم نوى الصوم قبل طلوع الشمس
والمسائل الثلاث يشملها قول الناظم أو يرفض مابنى ودخل في فقد التأويل القريب الفطر عمدا انتهاكا أو بتأويل بعيد فتجب الكفارة في الوجيهن وخرج بفقده من تعمد الفطر بتأويل قريب فلا كفارة عليه ابن عرفة تجب الكفارة في إفساد صوم رمضان انتهاكا له أي من غير تأويل أصلا التوضيح فان أفطر متأولا فان قرب تأويله بأن استند إلى سبب موجود فلا كفارة عليه وإن كان تأويله بعيدا أي لم يستند إلى سبب موجود لم تسقط الكفارة ومثل أي ابن الحاجب للقريب بأربع مسائل وللبعيد بثلاث مسائل وكلها في المدونة الأولى من الأربع من أفطر ناسيا ثم أفطر بعد ذلك متعمدا معتقدا انه لايجب عليه التمادى أما إن أفطر مع علمه أن الفطر لايجوز له فعليه الكفارة الثانية من انقطع حيضها قبل الفجر فلم تغتسل حتى طلع الفجر فظنت بطلان
صومها فأفطرت قال أشهب في المجموعة وكذلك من أصبح جنبا فظن أن صومه فسد فأفطر لا كفارة عليه
المسألة الثالثة من قدم من سفره ليلا فظن أنه لاينعقد له صوم في صبيحة تلك الليلة وتوهم أن صحة انعقاد الصوم أن يقدم قبل غروب الشمس فأفطر
المسألة الرابعة الراعي يخرج لرعى ماشيته على أميال فظن أن سفر ذلك مبيح للفطر
وألحق ابن القاسم بهذه المسائل من رأى هلال شوال نصف النهار فأفطر فأسقط عنه الكفارة لتأويله أي ان الهلال لليلة الماضية وجعل في العتبية من القريب من تسحر قرب الفجر فظن ان ذلك اليوم لايجزئه فأكل متأولا قال لاكفارة عليه وأما مثل التأويل البعيد فالأول منها المرأة إذا جرت لها عادة بالحيض في يوم معين لتصبح فيه مفطرة قبل ظهور الحيض ثم تحيض في ذلك النهار
الثاني من به حمى الربع فيصبح يوم حماه مفطرا ثم يختم ذلك اليوم
الثالث من رأى هلال رمضان فأصبح مفطرا لكونه لم تقبل شهادته ظانا أن حكم رمضان لايتبعض في حق المكلفين وألحق ابن القاسم بمسائل التأويل القريب من احتجم فظن ان الحجامة تفطر الصائم فقال أصبغ هو تأويل بعيد وألزم ابن حبيب فيه وفي المغتاب يفطر بعد ذلك الكفارة اهـ وزدنا في شروط الكفارة السلامة من الجهل احترازا من الفطر عمدا جاهلا فانه لا كفارة عليه قال اللخمي ومعروف المذهب أن حكم الجاهل كذا تأويل قريب كما لو جامع حديث إسلام لظنه قصر الصوم على منع الغذاء لعذر قال وعلة المذهب الانتهاك فمن جاء مستفتيا صدق ولا كفارة ومن ظهر عليه صدق فيما يشبه ولزمته فيما لايشبه اهـ ولابد من ذكر فروع الأول قال ابن حبيب ولايجب قضاء رمضان على الفور اتفاقا فان إلى رمضان ثان من غير عذر فالفدية اتفاقا فلو مرض أو سافر عند تعين القضاء ففي الفدية قولان التوضيح ومراده بتعين القضاء إذا لم يبقى لرمضان إلا قدر ماعليه فمرض أو سافر حينئذ والقولان مبنيا على أنه هل يعد هذا تفريطا أم لا، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول قال في التنبيهات واختلف في صفة المفرط الذي تلزمه الفدية على مذهب
الكتاب فذهب أكثر الشارحين إلى أنه من أمكنه ذلك في شعبان قبل دخول رمضان فلم يفعله فمتى سافر فيه أو مرضه أو بعضه فلا تلزمه فدية فيما سافر فيه أو مرضه ولو كان فيما قبل من الشهور صحيحا مقيما وذهب بعضهم إلى مراعاة ذلك في شوال بعد رمضان الذي أفطره فمتى مضى عليه منه وهو صحيح مقيم عدد ماأفطر ولم يصم حتى دخل عليه رمضان آخر وجبت عليه الفدية ولو كان في بقية العام لايقدر على الصوم وهذا المذهب أسعد بظاهر الكتاب
انتهى، وهذا القول الثاني كالصريح في كون قضاء رمضان واجبا على الفور وبه صدر ابن عرفة قائلا: ففي كون القضاء على الفور أو التراخي لبقاء قدره قبل تاليه بشرط السلامه أومطلقا ثلاثة أقوال انتهى، ففي حكاية ابن الحاجب الاتفاق نظر ثم قال: قال ابن الحاجب وفيها لو تمادى به المرض أو السفر فلا اطعام الثاني قال سند إذا أمكنه القضاء فلم يقضه حتى مات فالمذهب أن لا اطعام عليه في ذلك
الثالث قال في التوضيح المستحب تقديم القضاء قاله أشهب واختلف المؤكد من نافلة الصيام كعاشوراء هل المستحب أن يقضي فيه رمضان ويكره ان يصومه تطوعا وهو قوله في العتبية أو المستحب ان يصومه تطوعا وهو قوله في سماع ابن وهب أو هو مخير ثلاثة أقوال حكاها في البيان أما ما دون ذلك من تطوع الصيام فالمنصوص كراهة فعله قبل القضاء
الرابع قال ابن يونس كفارة من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر مد لكل مسكين عن كل يوم وكذا إن مات فأوصى به ابن عرفة المشهور ان قدر هذه الكفارة مد نبوى مطلقا ومن المدونة قال مالك لايجزىء أن يطعم أمداد كثيرة لمسكين واحد لكن مد لكل مسكين
الخامس فى وقت وجوب الفدية قولان أحدهما عندما يأخذ في القضاء أو بعده وهو مذهب الكتاب ليتفق الجابر النسكي والمالي ابن حبيب والمستحب فيه كلما صام يوما أطعم مسكينا ومن قدم الإطعام على القضاء أو أخره أو فرقه أو جمعه أجزأه، والقول الثاني لأشهب عند تعذر القضاء فإذا مضى له يوم من شعبان اطعم عنه مدا، قال اشهب في المجموعة ومن عجل كفارة التفريط قبل دخول رمضان الثاني ثم لم يصم حتى دخل عليه رمضان الثاني لم يجزه ما كفر قبل وجوبه فإن كان عليه عشرون يوما فلما بقي لرمضان الثاني عشرة أيام كفر عن عشرين يوما لم يجزه منها إلا عشرة وشبهه اشهب بالمتمتع يصوم قبل الإحرام بالحج/ ابن عطاء الله وهو بين لأنه اخرج الشيء قبل وجوبه وقيل جريان سبب وجوبه اهـ فتلخص من هذا أن وقتها مع القضاء أو بعده على قول قبله بعد الوجوب وذلك عند تعذر القضاء بضيق الزمان على قول والله أعلم
السادس قال ابن بشير من أفطر فى رمضان أياما فلا خلاف أنه لايجب عليه إلا عددها فإن أفطر جميع الشهر وابتدأ القضاء متفرقا أو في أثناء شهر ثان فلا يجب عليه إلا عدد الأيام فان ابتدأ القضاء في شهر وعول على المتابعة من أوله فان كان كعدد
الأيام فلا شك فى الإجزاء وإن كان هذا الثاني أكمل فهل يجب عليه الصيام جميعه وإن كان أنقص فهل يكتفى به في المذهب قولان السابع يصح قضاء رمضان في كل وقت الا في يوم الفطر وأيام الأضحى الثلاثة والا فى رمضان لمن لايجب عليه صومه لسفر فلا يقضى فيه رمضان الفارط قال ابن الحاجب وكل زمان يخير في صومه وفطره وليس برمضان فمحل القضاء بخلاف العيدين التوضيح مراده بالتخيير صحة الصوم والفطر شرعا لا التخيير الذي يقتضي التساوي لأن التطوع بالصوم مندوب واحترز بقوله وليس برمضان من المسافر في رمضان فانه زمان يخير في صومه وفطره بالنسبة اليه لكن لايصح أن يقتضي فيه لأن رمضان لايقبل غيره وقوله بخلاف العيدين أي لايصح صومها فلا يقضي فيهما وهو زيادة ايضاح ابن الحاجب ولو نوى القضاء برمضان عن رمضان فثالثها لايجزيء عن واحد منها والأولان تحتملهما المدونة لأن فيها وعليها قضاء الآخر فجاء بكسر الخاء وفتحها
الثامن من كان عليه يوم من رمضان فأصبح صائما ليقضيه ثم تبين له أنه كان قضاء فقال ابن القاسم يجب عليه اتمامه ابن شبلون وابن أبى زيد فان أفطر فعليه قضاؤه وقال أشهب ان قطع فلا شيء عليه
التاسع قال اللخمي من ظهر عليه أنه يأكل ويشرب في رمضان عوقب على قدر مايرى أن فيه ردعا له ولغيره من الضرب أو السجن أو يجمع عليه الضرب والسجن جميعا والكفارة ثابتة بعد ذلك ويختلف فيمن أتى مستفتيا ولم يظهر عليه فقال مالك في المبسوط لا عقوبة عليه ولو عوقب خشيت أن لا يأتي أحد يستفتي في مثل ذلك وذكر الحديث أن النبى لم يعاقب السائل ويجري فيه قول آخر أنه يعاقب قياسا على شاهد الزور إذا أتى تائبا قال في المدونة يعاقب
العاشر قال في المدونة من علمت حاجة زوجها لم تصم إلا باذنه وان علمت عدمها فلا بأس ابن عرفة الأقرب الجواز إن جهلت لأنه الأصل ابن رشد ومثل الزوجة في هذه السرية وأم الولد وعن أبي يونس إذا تلبست بالنافلة فلزوجها أن يقطعها عليها قوله (ويباح لضر أو سفر قصر) أي مباح أخبر أن الفطر يباح ويجوز للمكلف لأحد أمرين لضر يلحقه بسبب الصيام أو لسفر تقصر فيه الصلاة وهو السفر الطويل المباح أما إباحة الفطر لضر فانما ذلك إذا خاف تماديه أو زيادة أو حدوث مرض آخر أما ان
كان الصوم يؤدي إلى التلف أو إلى الأذى الشديد فأنه يحرم ويجب عليه الفطر، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول فقول الناظم ويباح لضر إما ان يقيد بما إذا لم يخاف الأذى الشديد أو التلف أو أنه أراد الإباحة العامة وهو جواز الإقدام على المشاق الشاملة للواجب ومااستوى طرفاه ابن الحاجب ويجوز الفطر بالمرض إذا خاف تماديه أو زيادته أو حدوث مرض آخر أما إذا أدى إلى التلف أو الأذى الشديد وجب اهـ وقال أشهب فى مريض لوتكلف الصوم لقدر أو الصلاة قائما لقدر إلا أنه بمشقة وتعب فليفطر ويصلي جالساً ودين الله يسر اهـ من ابن يونس المواق كأنه لامعارض لهذا قال وقال اللخمي صوم ذي المرض إن لم يشق واجب وإن شق فقط خير وإن خاف طوله أو حدوث آخر منع فإن صام أجزأه وقال ابن بشير يحرم الصوم مع المرض إذا أدى إلى التلف أو الأذى الشديد
(فرع) قال اللخمي صوم الحامل وإن لم يشق واجب وإن خيف منه حدوث علة عليها أو على ولدها منع وإن كان الصوم يجهدها ويشق عليها ولاتخشى إن هي صامت شيئا من ذلك كانت بالخيار بين الصوم والفطر والذ رجع اليه في المدونة أنها إن أفطرت لشيء من هذه الوجوه التي يكون لها أن تفطر لأجلها كان عليها القضاء دون اطعام لأنها مريضة المواق أنظر مساق كلام الفقهاء أن هذا بالنسبة لمرضها في ذاتها يبقى النظر إذا أصبحت صائمة وهي صحيحة وشمت رائحة شيء والعادة تشهد أن اضطرارها اليه كاضطرار ذي القصة وقد سئلت عنها قديما وأنا بالبيازين فانظره، وفي نوازل ابن رشد أن للصائم أن يجعل في ثقب ضرسه لوباناً يسكن وجعه فيجب عليه أن يقضي ذلك اليوم
(فرع) قال اللخمي المرضع إن كان الرضاع غير مضر بها ولابولدها أو كان مضرا بها وهناك مال يستأجر منه هو للإبن أو للأب أو للأم والولد يقبل غيرها لزمها الصيام وإن كان مضرا بها تخاف على نفسها أو على ولدها والولد لايقبل غيرها أو يقبل غيرها ولايوجد من يستأجر أو يوجد وليس هناك مال يستأجر منه لزمها الافطار وإن كان يجهدها الصوم ولاتخاف على نفسها ولاعلى ولدها والولد لايقبل غيرها كانت بالخيار بين الصوم والافطار قال في المدونة ومتى أفطرت لشىء من هذه الوجوه التي ذكرناها قضت وأطعمت وقال في المختصر لا اطعام عليها وهو أحسن قياسا على المريض والمسافر والحامل والمرضع كلتاهما أعذر من المسافر التوضيح والأجرة من مال الابن ان كان له مال لأن رضاعه بمنزلة أكله فان لم يكن له مال فهل يبدأ بمال الأب قبل مالها لأن الرضاع مكان الاطعام فاذا سقط عن الأم لمانع جعل ذلك من ماله واليه ذهب اللخمي ومال اليه التونسي وقال إنه الأشبه أو يبدأ لأن
الرضاع عليها إذا لم تكن مطلقه وهي قادرة على رضاعه واليه ذهب سند اهـ
(فرع) ابن الحاجب الكبير لايطيق الصيام كالمريض ولافدية على المشهور فقوله كالمريض أي في جواز الافطار ووجوبه وصرح في التوضيح بأن المشهور استحباب الفدية والشاذ وجوبها خلاف مايظهر من لفظ ابن الحاجب وفي الرسالة ويستحب للشيخ الكبير إذا أفطر أن يطعم ثم قال في التوضيح
(فرع) وهل على المتعطش إطعام روى ابن نافع وابن وهب الاطعام عليه واجب ابن حبيب يستحب له الاطعام وهذا إذا كان لايقدر على القضاء في وقت من الأوقات فان قدر أي على القضاء قضى يريد ولا إطعام عليه وكذلك الشيخ إذا قدر على القضاء قضى ولا إطعام عليه وقد تحصل مما تقدم أن للفدية ثلاثة أسباب تأخير القضاء عن وقته مع الإمكان وذلك في حق من فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر وفوات فضيلة الوقت وذلك في حق الحامل والمرضع على القول باطعامهما والعجز عن الصوم فيكون الاطعام بدلا منه وذلك في حق الكبير والمتعطش وأما إباحة الفطر للسفر فقال في المدونة قال مالك من سافر سفرا مباحاً تقصر في مثله الصلاة فان شاء أفطر وإن شاء صام والصوم أحب إلي، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول قال في المختصر وإن قدم بلدة نوى أن يقيم بها اليوم واليومين فليفطر حتى ينوي إقامة أربعة أيام كما يلزمه الاتمام اهـ ولجواز الفطر للسفر شروط أحدها كون السفر سفرا تقصر فيه الصلاة أي مباحا مسيرة أربعة برد فأكثر كلها في الذهاب لا ملفقة بين الذهاب والإياب قصدت دفعة كما تقدم في تقصير الصلاة وقد صرح الناظم بهذا الشرط في قوله أو سفر قصر إذ الاحالة على سفر القصر تقتضى ذلك إن لم تتقدم كلها للناظم لما تكلم على سنية التقصير لاتكالة على شهرتها في كتب الفقه فقوله أي مباح تكميل للبيت مستغنى عنه أو يقال أراد بسفر القصر الاحالة على المسافة فقط المتقدمة في قوله وقصر من سافر أربع برد فلذا زاد وصف السفر بالاباحة وعلى كل فاشتراط كون الأربعة البرد في الذهاب فقط لا فيه وفي الإياب واشتراط كونها مقصودة دفعة واحدة لاشيئاً فشيئا إنما يستفاد من خارج لا من النظم، الشرط الثاني الشروع في السفر قبل طلوع الفجر فلا ينظر قبل الشروع ولا بعد الشروع إن كان شروعه بعد طلوع الفجر الباجي من سافر قبل طلوع الفجر فلا خلاف أنه يجوز له الفطر لأنه وقت انعقاد الصوم كان مسافرا فكان له الفطر ومن المدونة قال مالك إن أصبح فى حضره صائما فى رمضان وهو يريد سفرا قلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه ولا بعد خروجه لكن إن أفطر قبل خروجه وجبت عليه الكفارة قاله في
المختصر وإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء بلا كفارة قاله في المدونة الشرط الثالث أن لا ينوى الصيام في سفره فان نوى الصوم وهو مسافر لم يجز له الفطر قال في المدونة قال مالك وإن أصبح في السفر صائما في رمضان ثم أفطر لغير عذر فعليه القضاء والكفارة لأنه كان فى سعة أن يفطر أو يصوم فلما صام لم يمكن أن يخرج منه إلا لعذر قال مالك وإن أصبح في الحضر صائما متطوعا ثم سافر فأفطر أو صام في السفر متطوعا ثم أفطر فان كان من عذر فلا قضاء عليه وإلا فليقض اهـ
وَعَمْدُهُ فِى النّفْلِ دُونَ ضُرِّ
مُحَرَّمُ وَلْيَقْضِ لَا فِي الَغيْرِ
لما قدم حكم من أفطر في الصوم الواجب ناسيا أو متعمدا وهو وجوب القضاء مطلقا وزيادة الكفارة في العمد بالشروط المتقدمة تكلم هنا على حكم من أفطر في صيام التطوع ناسياً أو متعمداً فأخبر إن تعمد الفطر في النفل من الصوم من دون ضرر يلحق الصائم محرم وهذا بيان لحكم الفطر في التطوع إبتداء وأما بعد الوقوع والنزول فانه يجب عليه القضاء وإلى وجوبه أشار بالأمر في قوله وليقض وفهم من قوله وعمده ومن قوله دون ضر أن الفطر في التطوع إذا كان نسيانا أو عمداً لضر لحق الصائم ليس بمحرم وهو كذلك ولاقضاء عليه أيضاً في هاتين الصورتين كما نبه بقوله لا في الغير أي لايقضي في غير ماذكر وهو النسيان والعمد لضرورة قال ابن الحاجب ويجب القضاء في النفل بالعمد الحرام خاصة فأخرج بالعمد النسيان وبوصفه بالحرام الفطر عمداً لضرورة فلا قضاء فيهما وقد تقدم قبل قوله [فصل فرائض الوضوء] أن عندنا في المذهب مسائل تلزم بالشروع فيها وان من قطعها عمداً لغير ضرورة لزمته إعادتها ومن جملتها الصوم، قال في التوضيح ومن الواضحة قال ابن حبيب لاينبغي للصائم أن يفطر لعزيمة أو غيرها فقد سئل عن ذلك ابن عمر فقال ذلك الذي يلعب بصيامه وسئل عن ذلك مالك فشدد القول فيه ولقد قال لي مطرف في الصائم في غير رمضان يحل بالرجل في منزله فيعزم عليه أن يفطر عنده قال لايقبل ذلك وليعزم على نفسه أن لايفعل وإن حلف عليه بالطلاق أو بالمشي أو بالعتق أحنثه ولم يفطر إلا أن يكون لذلك وجه وكذا لو حلف عليه بالله لأحنثه ولم يفطر وكفر الحالف عن يمينه لأن الصائم نفسه لو حلف بالله أن يفطر لرأيته أن لا يفطر وأن يكفر إلا الوالد والوالدة فإني أحب له أن يطيعمها وان لم يحلفا عليه إذا كان ذلك على وجه الرأفة منهما عليه لادامة الصوم وماأشبه ذلك وقال لى مطرف ولقد سمعت مالكا يقول فيمن يكثر الصوم أو يسرده وأمرته أمه بالفطر، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول قال مالك ولقد أخبرت عن رجال من أهل العلم أمرتهم أمهاتهم بالفطر ففعلوا ذلك وأفطروا اهـ ابن غلاب وحرمة شيخه كحرمة
الوالدين لعقده على نفسه أن لايخالفه وأن لايفعل شيئاً إلا بأمره فصارت طاعته فرضا لقوله جل وعلا وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتماهـ لفظ التوضيح وفى شفاء الغليل في شرح قول الشيخ خليل وفي النفل بالعمد الحرام ولو بطلاق بت الا لوجه كوالد أو شيخ وان لم يحلفا الاعياء والاستثناءان راجعان لتحريم تعمد الفطر في النفل لا للقضاء إذ لابد منه والمعنى أنه يحرم على المتطوع تعمد الفطر لغير عذر من مرض ونحوه فيخالف من أمره بذلك ويحنث من حلف له عليه ولو كانت يمينه بالطلاق الثلاث إلا أن يكون ذلك لوجه كحنانة والديه وأمره شيخه اهـ أي فيجوز له الفطر ويقضى كما صرح به القاضى عياض ثم قال ومنهم من قال معنى الوجه في قوله في الرواية إلا أن يكون لذلك وجه أن تكون يمينه آخر الثلاث فلا يحنثه فلعل الشيخ خليلا أشار بلو ولهذا وعلى جواز الفطر إن حلف له بالطلاق الثلاث فلابد من القضاء أيضا والله أعلم/ ابن رشد في الحديث مايدل على جواز الفطر إن أصبح صائما متطوعا وإلى هذا ذهب ابن عباس وكان ابن عمر لايجيزه ويقول هذا هو الذي يلعب بصومه وإلى هذا ذهب مالك اهـ
(فرع) من لزمه قضاء إما لرمضان أو لنفل لفطره فيه عمدا لغير ضرورة فأفطر في ذلك القضاء متعمداً فهل يجب عليه قضاء يومين لأنه أفسدهما ولأنه لما دخل في القضاء وجب عليه إتمامه وإنما يجب عليه قضاء اليوم الأول لأنه الواجب في الأصل والقضاء ليس بمقصود لذاته قولان ابن الحاجب في الحج والمشهور أن لا قضاء في قضاء رمضان اهـ
قال ابن رشد ونبه بقوله والمشهور الخ على أن المشهور في الحج القضاء التوضيح اختلف اذا فسد قضاء الحج هل يجب عليه أن يأتي بحجتين إحداهما قضاء عن الحج الأول والثانية قضاء عن القضاء المفسد ثانيا وبه قال ابن القاسم لحرمتهما معا أو لا يجب عليه الا قضاء الأول لأنه الذي في ذمته والقضاء مقصود لا لنفسه وهو قول ابن وهب وعبد الملك ورجحه عبد الحق واللخمي وغيرهما ابن هرون ولم ينقل خلاف أنه إذا أفسد قضاء الصلاة أنه ليس عليه الا صلاة واحدة اهـ وأما من أفطر ناسيا في قضاء صوم رمضان فانما عليه قضاء اليوم الأول الأصلي فقط كما يأتي عن المدونة الله أعلم، وانظر حكم من أفطر ناسيا في قضاء التطوع هل يقضي اليوم الاول أو لا قضاء عليه لأن التطوع لا يبطل بالفطر نسيانا فقضاؤه كذلك
(فرع) من أصبح صائما ثم أفطر فهل يجوز له الفطر ثانيا أم لا في ذلك تفصيل وذلك أن الصوم إما أن يكون واجبا أو تطوعا والواجب إما متعين الزمان أو لا والفطر الأول في الوجه الأول في الوجوه الثلاثة إما يكون عمداً أو نسياناً فان كان الصوم واجبا
معين الزمان كرمضان والنذر المعين فلا يجوز الفطر فيه، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول ثانيا إن كان فطره أول مرة ناسياً لتعيين زمانهما نص على ذلك ابن الحاجب في باب الطهارة لما تكلم على الصيام أخذ أنواع كفارة الظهار وكذا يحرم الفطر فيهما ثانياً إن كان فطره أولا متعمداً والله أعلم فانظره وقد حكى ابن الحاجب قولين في تعدد الكفارة عن اليوم الواحد في رمضان اذا أفطر ثانياً بعد التكفير عن الفطر الأول فمن يقول بتعددها فهو قائل بتحريم الفطر ثانيا بلا إشكال وإن كان الصوم واجبا غير معين الزمان كقضاء رمضان فان أفطر فيه ناسياً فلا يحرم عليه الفطر ثانيا لأنه لا حرمة للزمان نص عليه ابن الحاجب أيضاً في المحل المذكور وقيل يكره فطره ولفظه ولو أفطر ثانيا متعمداً انقطع بخلاف أول يوم فإنه لا يحرم فطره ثانياً، كقضاء رمضان بخلاف رمضان والنذر المعين وصوم التطوع اهـ وحاصله أن من أفطر أولاً ناسيا فإن كان في أول يوم من صيام الكفارة أو كان في قضاء رمضان لم يحرم عليه الفطر ثانيا وإن كان في رمضان أو النذر المعين أو في صوم التطوع حرم عليه الفطر ثانياً وانظر إذا أفطر أولا في قضاء رمضان فيه ناسياً أو متعمداً هل هو كقضاء رمضان أم لا وإن كان الصوم تطوعا فان أفطر أولا ناسياً حرم عليه الفطر متعمدا ولعل جواز فطره ثانيا أخروي والله أعلم وانظر أيضا حكم النذر المضمون الذي لم يعين له زمان اذا أفطر ثانيا لصحة صومه إذ لا يفسد الا بالفطر عمداً اختياراً كما مر وإن أفطر أولا متعمدا فهل يجوز له التمادي على الفطر لأن الصوم قد فسد ولا حرمة للزمان كرمضان ويحرم ذلك عليه معاملة له بنقيض مقصوده قال ابن الحاجب بعد قوله ويجب القضاء في النفل بالعمد الحرام خاصة ما نصه ولو أكل ناسيا حرم عليه الأكل ثانيا وفي العمد قولان
(فرع) قال اللخمي من تسحر في تطوع ثم تبين له أن الفجر قد طلع فان كان بيت الصلاة أمسك بقية يومه قال في المدونة ولا قضاء عليه وإن كانت نيته من أول الليل أن يقوم فيتسحر ثم يعقد الصيام بعد سحوره كان له أن يأكل بقية يومه ولا قضاء عليه وكذلك إن لم ينو الصيام من أول يوم اهـ وانظر قد يستروح من هذا الكلام أن التسحر بعد الفجر غلطاً كالأكل ناسياً فلذا وجب عليه إمساك إن بيت الصيام وعليه فمن بيت على قضاء رمضان فتسحر بعد الفجر غلطاً لا يجب عليه إمساك ذلك اليوم كمن أفطر في قضاء رمضان ناسياً فلا يحرم عليه الفطر ثانياً والله أعلم وقد كنت لفقت في هاتين المسألتين ما نصه
ومن تسحر لنفل أو قضا
فبان ذا من بعد فجر قد أضا
فالأول الفطر عليه يحرم
إن بيته لا قضاء يلزم
والثاني لا نص لهم وقد ظهر
جواز فطره إذا قصداً أقر
كمفطر ناس لدى القضاء
لا يمنع الفطر وكره جائي
ثم بعد ما كتبت هذا وقفت على نص المسألة في المدونة أول كتاب الصيام ولفظها «ومن تسحر بعد الفجر وهو لا يعلم بطلوعه أو أكل ناسياً لصومه فإن كان في قضاء رمضان فأحب أن يفطر يومه ذلك أفطره وأحب إليّ أن يتمه ويقضيه» اهـ باختصار لغير محل الحاجة وهو موافق لما قررت فلله الحمد ثم ذيلت الأبيات الأربع ببيت في بيان كون المسألة منصوصة في المدونة، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول وهو قولنا
ثم وجدت النص في التهذيب
يمثل ما أظهر في التصويب
والقضاء المذكور في المدونة هو قضاء اليوم الذي عليه من رمضان ولا إشكال أنه يقضيه سواء أفطر بقية يومه أو أمسك كما في المدونة قال رحمه الله تعالى
وَكَفِّرَنْ بِصَوْمِ شَهْرَيْنِ ولَا
أَوْ عِتْقِ مَمْلُوكٍ بِالاِسْلَامِ حَلَا
وفَضَّلُوا إطْعَامَ سِتِّينَ فَقِيرْ
مُدَّا لِمِسْكِينٍ مِنَ العَيْشِ الكَثِيرْ
أمر وجبت عليه الكفارة بوجه من الوجوه المذكورة قبل أن يكفر بأحد ثلاثة أشياء إما بصوم شهرين متواليين متتابعين وإما يعتق مملوك تحلى وتزين واتصف بالاسلام وإما إطعام ستين مسكينا مدا لكل مسكين يريد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من غالب عيش أهل ذلك الموضع وهو أفضل من الوجهين قبله وإن كان المكفر مخيراً بين الثلاثة الأوجه أيها فعل أجزأه أما كونها على التخيير فقال في التوضيح هو الذي نص عليه غير واحد أنه المعروف والمشهور من مذهبنا، قال ولفظ ابن عطاء الله والمعروف من مذهبنا أنها على التخيير لكن الأولى الإطعام لأنه أعم نفعاً اهـ ولذا انظر في التوضيح في قول ابن الحاجب والمشهور أنها إطعام ستين مسكينا مداً مداً كإطعام الظهار دون العتق والصيام وقوله أيضا مستشهدا لهذا القول وفيها ولم يعرف مالك إلا الإطعام لا عتقا ولا صوما حيث شهر حصرها في الاطعام والمشهور إنما هو التخيير كما مر ثم قال ابن الحاجب وقيل على الترتيب كالمظاهر أي يكفر بالعتق فإن عجز عنه فيصوم شهرين متتابعين فإن عجز عنه فباطعامه ستين مسكينا ثم قال ابن الحاجب وقيل العتق والصيام للجماع والإطعام لغيره التوضيح ونقل الباجي عن المتأخرين من الأصحاب أنهم يراعون في الأفضل الأوقات فإن كانت أوقات شدة فالإطعام أفضل وإن كانت أوقات خصب ورخاء فالعتق أفضل اهـ ابن عرفة بادر يحيى بن يحيى
الأمير عبد الرحمن حين سأل الفقهاء عن وطء جارية له في رمضان بكفارته بصومه فسكت حاضره وثم سألوه لم لم يخيره في أحد الثلاثة فقال لو خيرته وطىء كل يوم وأعتق فلم ينكروا وتعقب هذا فخر الدين بأنه مما ظهر من الشرع إلغاؤه وقد اتفق العلماء على إبطاله قال ابن عرفة وتأول بعضهم أن المفتي بذلك رأى الأمير فقيراً وما بيده إنما هو ملك المسلمين ولا يرد هذا بتعليل المفتي بما ذكر لأنه لا ينافيه والتصريح به موحش المواق انظر نقل عياض أن الرشيد حنث في يمين فقال له غير مالك عليك عتق رقبة
فقال له مالك عليك صيام ثلاثة أيام فقال الرشيد قال الله تعالى {فمن لم يجد} فأقمتني مقام المعدم فقال يا أمير المؤمنين كل ما في يدك ليس لك فعليك صيام ثلاثة أيام اهـ وأما تفضيل الإطعام على غيره فقد تقدم عن ابن عطاء الله أنه الأولى لأنه أعم نفعا، التوضيح ومنهم من علل استحباب الاطعام بكونه الوارد في الحديث اهـ وفهم من قول الناظم ولا بكسر الواو أي متتابعين أنه لا يجزي صيام شهرين غير متتابعين ومن قوله (بالاسلام حلا) أنه لا يجزيء عتق الكافر ومن قوله ستين أنه لا يجزيء إطعام ثلاثين مدين لكل واحد ولا مائة وعشرين لكل واحد نصف مد ومن قوله فقير أنه لا يجزيء إطعام الغني من الكفارة ومن قوله مداً لمسكين أنه لا يجزيء أقل من مد ولا أكثر منه كما تقدم ومن قوله من العيش الكثير أنه لا يجزيء إخراجها من غير القوت الغالب وهو كذلك في الجميع ولعل الأخير يقيد بما إذا أخرها مما هو أدون من القوت الغالب لا العكس فانها تجزئه والله أعلم لقول ابن الحاجب في إطعام الظهار والجنس كزكاة الفطر ابن عروة الشيخ عن أشهب كالظهار اللخمي والعتق مثله وقول ابن الحاجب مداً مداً كإطعام الظهار موهم أنها بالمد الهاشمي أي وليس كذلك قلت والاحالة على كفارة الظهار تستدعي أن يذكر هنا بعض ما لا غنى عنه مما يتعلق بكفارة الظهار مما تشاركها فيه كفارة الصيام إذ لم يذكر الناظم رزمة النكاح المذكور في أثنائها الظهار حتى يحال هنا على كفارته في محلها كما فعل ذوو التآليف في العبادات والأحكام ولنذكر ذلك بلفظ ابن الحاجب ممزوجا بما تمس الحاجة اليه من كلام التوضيح مسقطا من ذلك ما يختص بكفارة الظهار فأقول قال ابن الحاجب أي الصيام شهران متتابعان بالأهلة وإن صام بغير الهلال تمم الشهر المنكسر ثلاثين من الشهر الثالث ويصوم الشهر المتوسط بالهلال وتجب نية الكفارة ونية التتابع لأن الكفارة والتتابع واجبان والواجب لا بد له من نية إذا انقطع التتابع استأنف
لأن الله تعالى اشترط التتابع بقوله {فصيام شهرين متتابعين} وينقطع التتابع بفطر
السفر لأنه سبب اختياري غالباً بخلاف المرض والحيض فلا يقطعان التتابع لأنهما غير اختيارين وإذا لم يقطعاه فيقضي ما أفطره متصلا بصومه وإذا لم يتابعه ابتدأ والمرض يبيحه كالسفر أي فيقطع التتابع واختلف هل ينقطع التتابع بالفطر سهوا كمن أفطر في يوم ناسيا ولا إشكال أو خطأ كمن صام تسعة وخمسين ثم أصبح مفطراً متعمداً أنه أكمل الصوم وكمن اعتقد أن الشمس غربت فأكل أو الفجر لم يطلع فأكل ثم تبين له خلاف ما اعتقده على ثلاثة أقوال الأول ينقطع في السهو والخطأ وهو لمالك في المدونة والقول الثاني لا ينقطع بهما ابن الحاجب وهو المشهور وإنما عزاه اللخمي وصاحب البيان وغيرهما لابن عبد الحكم والقول الثالث أنه لا ينقطع بالسهو لأنه يعرض في كل جزء من أجزاء الصوم فيعسر التحرز منه بخلاف الخطأ وبعضهم يرى في هذا الثالث ظاهر المدونة ولو أفطر سهوا أو خطأ ثم أفطر ثانيا متعمدا في ذلك اليوم انقطع تتابعه وكذا من أفطر متعمدا في قضاء ما أفطره ناسيا أو خطأ على القول بأنهما لا يقطعان التتابع أو في قضاء ما أفطره لمرض أو حيض فإنه يبطل صومه من أصله إذ يلزمه في القضاء ما يلزمه في الأداء بخلاف ما لو أفطر في أول يوم من كفارته ناسيا فإنه لا يحرم فطره في بقية ذلك اليوم لأنه لا حرمة للزمان ولا يفسد بفطره صوما صحيحاً وقضاء رمضان مشارك للكفارة في هذا المعنى فإذا أفطر فيه ناسيا لم يحرم عليه الفطر ثانيا
قلت لا بقيد كون الفطر في اليوم الأول منه بل مطلقا والله أعلم، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول وينقطع التتابع بالعمد وفي بعض نسخ ابن الحاجب بالعيد فيحمل على ما إذا ابتدأ في شهر العيد عالما به وأما الجاهل فقد أشار اليه بقوله وفي الجاهل قولان قال في المدونة وإذا صام ذا القعدة وذا الحجة لظاهر عليه أو قتل نفس خطأ لم يجزه إلا من فعله بجهالة وذن أنه يجزئه فعسى أن يجزئه وما هو بالبين وأحب إليّ يبتديء/ عياض وانظر هل الجهالة التي عذره بها في المدونة الجهالة بالحكم أو الجهالة بالعدد وتعين الشهر وغفلته عن أن فيه فطراً فيكون كالناسي وأشار الى أن في المبسوط والمدونة ما يبين أن المراد الثاني لا جهل الحكم اهـ
قلت الذي يظهر من قول المدونة وظن أنه يجزئه جهل الحكم لا جهل العدد والله أعلم، التوضيح واختلف في تأويل المدونة بالإجزاء فقال أبو محمد يريد ويقضي أيام النحر التي أفطر فيها ويصليها وقال غيره لا تجزئه إلا أن يفطر يوم النحر خاصة ويصوم أيام التشريق وروى نحوه عن مالك ابن يونس وهو أصوب ابن القصار لأن صوم هذه الأيام إنما هو على الكراهة وقال ابن الكاتب معنى مسألة المدونة أنه صام يوم النحر وأيام التشريق ويقضيها ويبني وأما لو أفطرها ولم يجزه البناء لأنه صوم
غير متوال بخلاف ما إذا لم يأكل فيها ونوى صيامها وإن كانت لا تجزئه ابن يونس وهو أضعفها ابن حبيب وإن صام شعبان عن ظاهره ثم صام رمضان لفرضه ثم أكمل ظاهره بشوال أجزأه وقال بعض الشيوخ لا يجزئه لأنه تفريق كثير والأول أولى لأن الجهل عذر كالمرض في غير وجه ولو صام شعبان ورمضان لفريضته وكفارته قضى ثلاثة أشهر فيقضي رمضان لتشريكه في غيره وهو الكفارة فلا يجزئه لا عن فرضه ولا عن كفارته ويلزم عدم إجزائه عن كفارته بطلان شعبان لعدم التتابع وقال في المدونة ومن صام شعبان ورمضان بنويهما لظاهره ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخرى لم يجزه لفرضه ولا لظاهره وهذا بعض ما يتعلق بالصوم وأما ما يتعلق بالعتق فقال ابن الحاجب يجزيء أي في كفارة الظهار عتق من يجزيء في الصيام والأيمان وهي رقبة مؤمنة غير ملفقة محررة له سليمة خالية من شوائب العتق والعوض يريد مملوكة ملكا تاما فلو أعتق جنينا عتق ولم يجزه لأن الجنين لا يسمى حين العتق رقبة ولزمه عتقه لتشوف الشارع للحرية ويجزيء عتق الرضيع ومن عقل الصلاة والصيام أولى ولو أعتق كتابيا كبيرا وقد عقل دينه لم يجزه باتفاق وإن كان صغيرا لم يعقله ففي اجزائه قولان لابن القاسم وأشهب مع ابن وهب ولو مجوسيا أجزأه نص عليه في المدونة ولو أعتق نصفين من رقبتين لم يجزئه للتلفيق فلم يصدق عليه ولو اشترى من يعتق عليه كأحد من أبويه وأحد من ولده وإخوته ما كانوا لم يجزه لأنه يعتق بسبب القرابة فليست الرقبة محررة للتكفير وكذا لو اشترى من علق عتقه على شرائه أو ملكه كأن يقول إن اشتريت فلانا لعبد معين أو إن ملكته فهو حر فاشتراه فلا يجزئه عن الكفارة لأنه يعتق عليه بالتعليق لا للكفارة وكذا من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه لم يجزه أيضا لأن عتقه للوفاء بالشرط والعيوب ثلاثة ما يمنع كمال الكسب ويشين كالأقطع والأعمى والأبكم والمجنون والهرم العاجز والمريض الذي لا يرجى برؤه فلا يجزيء، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول الثاني ما لا يمنع الكسب ولا يشين كالمرض والعرج الخفيفين وقطع الأنملة أي من غير الإبهام فيجزيء، الثالث ما يشين ولا يمنع كمال الكسب كاصطلام الأذن والصمم والعورة والمرض الكثير المرجو والبرص الخفيف والعرج البين والخصا وقطع الاصبع فقولان بناء على اعتبار الشين أو الكسب ولا يجزيء عتق الغائب آبقا أو لا إذا كان قد انقطع خبره إذ لا يدري هل هو موجود
أو معدوم صحيح أو معيب ولا يجزيء مكاتب ولا مدبر ولا العتق الى أجل مستولدة لوجود شائبة العتق ولا يجوز عتق العبد على دينار مثلا اذا كان الدينار في ذمة العبد لأنه عتق لم يخل من شائبة العوض ولو أعتقه على دينار موجود بيد العبد لأجزأه قال في المدونة إذ له انتزاعه في اجزاء ما أعتق عنه غيره فبلغه فرضي به ثلاثة أقوال ثالثها ان أذن له أجزأ، ومن أعتق نصف عبده عن كفارة ثم أعتق النصف الثاني عن الكفارة أو أعتق نصفه والنصف الباقي له أو لغيره فكمل عليه ففي الإجزاء قولان التوضيح والأقرب في الفرعين عدم الإجزاء لأن الحكم لما كان يوجب عليه التيمم للباقي صار ملكه له غير تام ويجزيء أن يعتق الانسان عبده المغصوب منه عن كفارته وإن لم يقدر على تخليصه لأن ملكه باق عليه فقد أخرج رقبة من الرق وكذا يجري عتق المرهون والجاني ان فديا، هذا يتعلق بالعتق وأما الإطعام فقال ابن الحاجب أيضا وعدد ستين مسكينا أحرار مسلمين مراعى لكل مسكين مد فلو أطعم مائة وعشرين نصفا كمل لستين منهم وإلا استأنف ثم قال والجنس كزكاة الفطر ولا يجزيء قيمة في كفارة
(فرع) قال ابن الحاجب في كفارة الظهار ولو فعل نصفا من كل كفارة لم تجزه التوضيح كما لو صام ثلاثين يوما وأطعم ثلاثين مسكينا أو أعتق نصف عبد لايملك غيره وصام ثلاثين يوما
(فرع) من المدونة وإن أكره امرأته في نهار رمضان فوطئها فعليهما القضاء وعليه عنه وعنها الكفارة قال مالك وإن وطئها في نهار رمضان أياما فعليه لكل يوم كفارة وإن وطئها في يوم مرتين فعليه كفارة واحدة لأنه إنما أفسد يوماً واحداً، قال: وإن طاوعته امرأته في الوطء أول النهار ثم حاضت في آخره فلا بد لهما من القضاء والكفارة ونقل الشيخ محمد إن وطىء أمته كفر عنها وإن طاوعته لأن طوعها كالاكراه للرق ابن يونس إلا أن تطلبه هي في ذلك وتسأله فتلزمها الكفارة التوضيح وينبغي أن يلحق بالسؤال ما إذا ترينت وقال قبله وهل هي واجبة عليه بالأصالة لأنه أفسد صومين أم بالنيابة المشهور الثاني، فلذا لا يكفر الا بما يجزئها في التكفير فلو كانت أمة لم يصح له التكفير بالعتق إذ لا ولاء لها ولا يكفر عنها يريد ولا عن الزوجة الحرة بالصوم لأنه لايقبل النيابة والحاصل كما قال ابن يونس أنه يكفر عن نفسه بأحد ثلاثة وعن الزوجة بالعتق أو الإطعام وعن الأمة بالإطعام فقط وإذا لزم
الزوج أن يكفر عن زوجته فكان معسرا كفرت هي ثم رجعت عليه إلا إذا كفرت الصيام فلا ترجع عليه بشيء
(فرع) ويكفر العبد والأمة بالصيام إلا أن يضر ذلك بالسيد فتبقى دينا عليهما إلا أن يأذن لهما السيد في الصيام وإن أكره العبد زوجته فقال ابن شعبان هي جناية إن شاء السيد أسلمه أو افتكه بأقل القيمتين من الرقبة أو الإطعام وليس لزوجته أن تأخذ ذلك وتكفر بالصيام إذ لا ثمن له ويعني بالرقبة الرقبة التي يكفر بها لا رقبة العبد الجاني وهو خلاف ما ذكره في النوادر قلت ووجه كون إكراهها على الجماع جناية ما تقدم من أن من لزمه التكفير عن زوجته فكان معسراً لزمها هي أن تكفر وهذا الزوج عبد لا مال له لأن ما بيده لسيده فقد أوقع الزوجة في ورطة التكفير فكان ذلك جناية على الزوجة فإن شاء سيده أسلمه لها أو أفتكه بما ذكر فإن أسلمه لها انفسخ نكاحهما لكونها ملكته والله أعلم
(فرع) قال في النكت إن وطىء الرجل زوجته مكرهة فوجب عليه أن يكفر عنها فلم يكن عنده ما يكفر به فكفرت المرأة بمال نفسها بالإطعام رجعت على الزوج بالأقل من مكيله الطعام أو الثمن الذي اشترت به ذلك الطعام أو قيمة العتق أي أقل ذلك رجعت به ابن عرفة وإن كفرت عن نفسها بصوم لم ترجع بشيء
(فصل) واعلم أن عادة المؤلفين من الفقهاء أن يذكروا الاعتكاف عقب الصيام للمناسبة الظاهرة بينهما ولم يذكره الناظم لبنائه النظم على الاختصار وقد رأيت أن أختم هذا الكتاب بما لا بد منه من مسائله محاذيا كلام ابن الحاجب باللفظ أو بالمعنى ممزوجا بما لا بد له من كلام التوضيح أو غيره فأقول: لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول
قال ابن الحاجب الاعتكاف قربة أي مستحب إذ لو كان سنة لم يواظب السلف على تركه، الرسالة والاعتكاف من نوافل الخير وحكمة مشروعيته التشبه بالملائكة الكرام في استغراق الأوقات بالعبادات وحبس النفس عن شهواتها وكف اللسان عن الخوض فيما لا يعني مالك ولم يبلغني أن أحدا من السلف اعتكف غير أبي بكر بن عبد الرحمن وإنما تركوه لشدته وفي المجموعة فكرت في ترك الصحابة الاعتكاف مع أنه لم يزل يعتكف حتى مات حتى أخذ في نفسي أنه كالوصال الذي نهى عنه وفعله فقيل له إنك تواصل قال إني لست كأحدكم
والاعتكاف لزوم المسلم المميز المسجد للعبادة صائما كافا عن الجماع ومقدماته يوما فما فوقه فيصح من المرأة والصبي والرقيق وإذا أذن لأمرأته أو لعبده في الاعتكاف فدخلا فيه فليس له قطعه عليهما فإن لم يدخلا فيه فله منعهما منه وإذا نذر العبد اعتكافا بغير إذن سيده فمنعه السيد منه بقي في ذمته ومتى عتق قضاه وليس للسيد اسقاطه كما يسقطه عنه دين الآدمي ولا يمنع المكاتب من الاعتكاف اليسير والردة والسكر المكتسب ببطلان الاعتكاف فيجب استثنائه في السكر ويجب البناء في غير المكتسب كالجنون والاغماء في إبطاله بالكبائر التي لا تبطل الصوم كالقذف وشرب الخمر ليلا قولان بحذف الصغائر فإنها لا تبطله لكن إذا لم تكن مبطلة للصوم كالنظر للأجنبية فإن أبطله كمن والى النظر حتى أمذى فينبغي أن يبطل اعتكافه والاعتكاف لايكون الا في المساجد كما قال الله سبحانه وتعالى {وأنتم عاكفون في المساجد} وعجز المساجد ورحابه سواء بخلاف السطح على الأشهر وبخلاف بيت قناديله فلا يصح فيهما إذ لا يصح إلا في موضع تصح فيه الجمعة ومن اعتكف أياما لا يأتي عليه فيها الجمعة اعتكف في أي مسجد شاء وكذلك إن كانت تأتي عليه الجمعة فيها ولكنه مما لا تلزمه الجمعة كالعبد ونحوه ولا يعتكف إلا في موضع تصح فيه الجمعة أن لو كانت في ذلك المسجد، لأن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد، وبيت القناديل ونحوه من المواضع المحجرة ليست مسجدا فلذا لا تصح فيها الجمعة فلا يصح فيها الاعتكاف أيضا كذا كنت قيدته عن شيخنا الامام العالم أبي العباس أحمد المقري جدّد الله عليه رحمته وإن كانت الأيام تأتيه الجمعة فيها وهو ممن تلزمه فالمشهور أنه لا يعتكف إلا في مسجد الجمعة وقيل بل يكره الاعتكاف في غيره فقط وعلى المشهور يخرج للجمعة ويبطل اعتكافه ويخرج المعتكف لحاجة الانسان البول والغائط ويستحب أن يكون في غير منزله ويخرج لمعيشته إن احتاج وإن بعد ويخرج لعيادة أبويه إذا مرضا ويبتديء اعتكافه ولا يخرج لجنازتهما ويخرج لموت أحدهما لأن عدم خروجه يسخط الآخر ولا يخرج لعيادة المريض ولا للحكومة وأداء الشهادة وصلاة الجنازة ويخرج لغسل الجمعة أو جنابة احتلام ولا ينتظر غسل ثوبه ولا تجفيفه ولذلك استحب له أن يعد ثوبا آخر ويكره اشتغاله بالعلم وكتابته ما لم يخف ولا يأخذ من شعره ولا يحتجم وإن
جمعه وألقاه لحرمة المسجد والصوم شرط وليس من شروطه كونه للاعتكاف لاعتكافه صلى الله عليه وسلم في رمضان
ولو نذر اعتكافا فهل يعتبر له صوم ولا يجزئه في رمضان أو هو كغيره قولان بناء على أن الصوم ركن فناذر الاعتكاف ناذر لجميع أجزائه أو شرط فناذر الاعتكاف غير ناذر للصوم لخروجه عن الماهية كما يصح إيقاع الصلاة المنذورة بطهارة لغيرها وإذا طرأ على المعتكف ما يمنعه الصوم فقط دون المكث في المسجد كالمرض الذي يقدر معه على المكث فيه ففي خروجه خلاف مذهب المدونة أنه يخرج أما لو طرأ ما يمنع الصوم والمكث في المسجد معا كالحيض فإنه يخرج اتفاقا وإذا خرجا فحرمة الاعتكاف عليهما على المريض في المرض وعلى الحائض في الحيض فإن صح المريض أو طهرت الحائض رجعا تلك الساعة للمسجد فإن لم يرجعا بطل اعتكافهما إلا إذا زال عذرهما ليلة العيد أو يومه فلا بأس بالمكث في منزلهما الى أن يمضي يوم العيد ويرجعا للمسجد وكذا كل من جاز له الخروج لعذر يبنى معه فإنه إذا أخر الرجوع بعد ذهاب عذره يبطل اعتكافه ويبتدئه والجماع ومقدماته من القبلة والمباشرة وما في معناهما مفسدة ليلا أو نهاراً عمداً أو نسياناً ولو من الحائض ناسية ولا بأس أن يعقد النكاح في مجلسه لنفسه أو غيره وبالطيب ولا يسقط قضاؤه بشرط كأن يشترط إن حدثت له ضرورة توجب القضاء كالمرض فلا قضاء لم يفسد ذلك ويبني من خرج لتعين جهاد أو محاكمة على الأصح فإن أخر البناء بعد ذهاب عذره ابتدأ كما مر وأقله يوم وقيل وليلة وأكمله عشرة وفي كراهة ما دونها قولان ومن نذر اعتكاف ليلة فقيل يلزمه يومها وهو المشهور وقيل يبطل ومن دخل قبل الغروب اعتد بصبيحة تلك الليلة اتفاقا وإن دخل بعد الفجر فلا يعتد بها واختلف إذا دخل بينهما والمشهور الاعتداد وإذا دخل معتكفه ونوى أياما فما نوى من ذلك لزمه بخلاف من نوى صوما متتابعا فلا يلزمه بالدخول فيه إلا اليوم الأول به لأن الاعتكاف ليله ونهاره وسواء فهم كاليوم الواحد وصوم الأيام المتتابعة يتخللها الليل فصلر فاصلا بين ذلك ومن نذر اعتكافا بمسجد غير مسجد
موضعه فليعتكف بمسجد موضعه إلا إذا نذر الاعتكاف بأحد المساجد الثلاثة فيلزمه إتيانه ومن نذر أن يصوم بساحل من السواحل أو بمواضع يتقرب بإتيانه كمكة والمدينة لزمه الصوم بذلك الموضع وإن كان من أهل مكة والمدينة وإيليا وإذا غربت الشمس من آخر أيامه جاز الخروج وفي خروجه ليلة الفطر وإقامته الى الخروج للمصلى وهو المشهور قولان وأفضله أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر واختلف في قوله التمسوها في العشر الأواخر في التاسعة والسابعة والخامسة
فقيل بظاهره أي فالمراد ليلة تسع وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة خمس وعشرين والمنصوص أن المراد بتسع بيقين أو سبع أو خمس وذلك ليلة اثنين وعشرين وليلة أربع وعشرين وليلة ست وعشرين وهذا مبني على أن الشهر كامل وقول مالك أرى والله أعلم أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين إنما يأتي على الشهر ناقص وكأنه اعتبر المحقق وألغى المشكوك فيه، لتجديدها ويصدق مع عدم التتابع وانقطاعه كالحائض والمسافر والمريض إذا أفطر ثم أراد الصوم فلا بد لهما من تجديدها أيضا ثم ان كان صومها بعد أن حضر المسافر وصح المريض كفتهما نية واحدة لبقية الصوم وإن كان صوم المسافر في السفر وصوم المريض في المرض فلابد لهما من التجديد كل ليلة حتى ينقضي السبب الذي نفى وجوب التتابع وهو المرض والسفر كما مر قريباً عن العتبية وهذا التفصيل جار في رمضان مطلقا وفي الكفارات الواجب تتابعها باعتبار المرض إذا أفطر له وأما باعتبار السفر فلا، لأنه إذا أفطر له انقطع تتابعه وابتدأ الصوم من أوله كما يأتي فلا يتصور فيه تجديد النية لبقية الصوم وأنظر إذا سافر في صيام الكفارات ولم يفطر في سفره أو مرض وتكلف الصوم هل يجب عليه تجديد النية كل ليلة كما في رمضان على قول التوضيح وقد اختلف على ليلة القدر في ثلاثة أقوال أحدها أنها في ليلة بعينها لا تنتقل عنها إلا أنها غير معروفة ليجتهد في طلبها ويكون ذلك سببا لاستكثار فعل الخير وافترق الذاهبون الى هذا على أربعة أقوال أحدها أنها في العام كله والثاني أنها في شهر رمضان والثالث أنها في العشر الوسط أو في العشر الأواخر والرابع أنها في العشر الأواخر والقول الثاني أنها في ليلة بعينها لا تنتقل معروفة اختلف القائلون بهذا على أربعة أقوال أحدها في ليلة أحد وعشرين والثاني أنها في ليلة ثلاث وعشرين والثالث أنها في ليلة سبع وعشرين والرابع أنها في ليلة ثلاث وعشرين أو ليلة سبع وعشرين والقول الثالث أنها ليست في ليلة بعينها وأنها تنتقل في الأعوام وليست مختصة بالعشر الأواخر والغالب أن تكون في العشر الوسط والعشر الأواخر والغالب من ذلك أن تكون في العشر الأخيرة وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم وهو أصح الأقاويل قاله في المقدمات