المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(مقدمة من الأصول معينة فى فروعها على الوصول) - الدر الثمين والمورد المعين

[ميارة]

الفصل: ‌(مقدمة من الأصول معينة فى فروعها على الوصول)

(مقدمة من الأصول معينة فى فروعها على الوصول)

ذكر الناظم فى هذه الترجمة الحكم الشرعى وأقسامه وأفاد أن هذه المقدمة مأخوذة من الأصول أي من أصول الفقه وأنها معينة أي يستعان بمعرفتها في فروع الأصول التى تذكر بعد هذه الترجمة على الوصول إلى معرفة حقيقة حكم تلك الفروع الآتية فإذا خاض فيها وقيل له هذا واجب مثلا أومندوب علم من هذه الترجمة حقيقة الواجب المندوب وأن الأول ما طلب طلبا جازما والثانى ما طلب غير جازم وهكذا فى المحرم والمباح وكفى بذلك إعانة هذا مقصوده والله أعلم فقوله مقدمة خبر مبتدأ محذوف أي هذه مقدمة ومن الأصول صفة لمقدمة فيتعلق بمحذوف أى مأخوذه أي منقوله ومن الأصول على حذف مضاف أي من فن الأصول ومعينة وصف ثان لمقدمة وبه يتعلق المجروران بعده وتقدم ضبط لفظ مقدمة كتاب الاعتقاد وأصول الفقه لفظ مؤلف من جزأين مفردين أحدهما أصول والآخر الفقه فالأصل ما يبنى عليه غيره كأصل الجدار أي أساسه وأصل الشجرة أي طرفها الثابت في الأرض والفرع ما يبنى على غيره كفروع الشجرة لأصولها وفروع الفقه لأصوله. والفقه معناه لغة الفهم وشرعا معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد كالعلم بأن النية فى الوضوء واجبة وأن الوتر مندوب وأن تبييت النية شرط فى الصوم وأن الزكاة واجبة فى مال الصبي وغير واجبة فى الحلى المباح وأن القتل بمثقل موجب القصاص ونحو ذلك من مسائل الخلاف بخلاف ماليس الاجتهاد كالعلم بأن الصلوات الخمس فريضة وأن الزنا محرم كالأحكام الاعتقادية كالعلم بالله سبحانه وصفاته ونحو ذلك من المسائل القطعية فلا يسمى معرفة ذلك فقها لأن معرفة ذلك يشترك فيها الخاص والعام فالفقه بهذا التعريف لا يتناول إلا علم المجتهد ولا يضر فى ذلك عدم اختصاص التحبيس على الفقهاء بالمجتهدين فقط لأن المرجع فى ذلك للعرف وهذا اصطلاح خاص والمراد بالمعرفة هنا العلم بالمعرفة بمعنى الظن وأطلعت المعرفة التى هى بمعنى العلم على الظن لأن المراد بذلك ظن المجتهد الذى لقوته قريب من العلم وخرج بقولهم الأحكام الشرعية الأحكام العقلية كالعلم بأن الواحد نصف الاثنين والحسية كالعلم بأن النار محرقة والمراد بالاحكام في قولهم الأحكام الشرعية جميع الأحكام فالألف واللام للاستغراق والمراد بمعرفة جميع الاحكام التهيؤ لذلك فلا ينافى ذلك قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وهو من أعظم الفقهاء المجتهدين فى اثنين وثلاثين مسئلة من ثمان وأربعين مسئلة سئل عنها لا أدري لأنه متهيء للعلم بأحكامها

ص: 109

بمعاودة النظر وإطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ جائز عرفا تقول فلان يعلم النحو ولا تريد أن جميع مسائله حاضرة عنده على التفصيل بل إنه متهيء لذلك هذا معنى الفقه. (تنكيت) الذى فى أصل النظم واستيعاب مسح الأذنين وهو شامل للصماخين كما قال الناظم فيدخله الخلاف وهو كذلك لكن فيه نظر لما ذكرناه عن شارح الجلاب من الاتفاق على سنية مسح الصماخين هذا وقد عد فى أصل النظم من المتفق عليه مسح الأذنين ثم ذكر هنا أن المختلف فيه استيعاب مسحهما فجعلهما فى الأصل مسئلتين والله أعلم (تكميل) اختلف فى ظاهرهما وباطنهما فقيل ظاهرهما مما يلى الرأس وباطنهما مما يلي الوجه وقيل ظاهرهما ما يواجه قال في الذخيرة ابتدأ خلقتهما منغلقتين كزر الورد فإذا كمل خلقهما انفتحا على الرأس فالظاهر للحس الآن كان باطنا أولا والباطن كان ظاهرا فهل يعتبر حال الابتداء عملا بالاستصحاب أوحال الانتهاء لأنه الواقع حال ورود الخطاب وصفة مسحهما أن يجعل باطن الإبهامين على ظاهر الشحمتين ويمرهما للآخر وآخر السبابتين فى الصماخين ووسطهما ملاقيا للباطن دائرين مع الإبهامين قال ابن شاس وأما أصوله فهى دلائله الإجمالية أي غير المعينة كمطلق الأمر والنهى وفعل النبى والإجماع والقياس والاستصحاب المبحوث عن أولها بأنه للوجوب حقيقة والثانى بأنه للمحرمة كذلك والبواقى بأنها حجج وغير ذلك مما ذكر فى الفن وأما الدلائل التفصيلية نحو (أقيموا الصلاة)(ولا تقربوا الزنا) وصلاته في الكعبة كما أخرجه الشيخان والإجماع على أن لبنت الابن السدس مع بنت الصلب حيث لا عاصب لهما وقياس «الأرز على البر فى امتناع بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل يدا بيد» كما رواه مسلم واستصحاب الطهارة لمن شك فى بقائها فليست بأصول الفقه وإنما يذكر بعضها فى كتبه للتمثيل وقد ظهر مما مر أن الفقه هو معرفة الأحكام الشرعية كالعلم بوجوب النية فى الصلاة وأن الوتر مستحب ونحو ذلك المستدعي لمعرفة حقائق تلك الأحكام ووجه ذكر ما ذكره الناظم فى هذه الترجمة فى فن أصول الفقه

الُحْكْمُ فِى الشَّرْعِ خِطابُ رَبِّنا

المُقْتَضِي فِعْلَ الْمُكلَّفِ افْطُنا

بِطَلَبٍ أَوْإِذْنٍ أَوْبِوَضْعِ

لِسَببٍ أَوْشَرْطٍ أَوْذِي مَنْعِ

أخبر أن الحكم الشرعي المستند إلى الشرع وهو الذي لا يعلم إلا منه ولا يتوصل إليه بعقل ولا بعادة هو خطاب الله تعالى المقتضى أى المتعلق بفعل المكلف يريد من حيث أنه مكلف ثم تعلق الخطاب بفعل المكلف إما أن يكون بطلب أى يطلب فيه طلبا وإما أن يكون بإذن أى فى الفعل والترك بأن يبيحه وإما أن يكون بوضع بأن يضع أى بنصب أمارة أى على الطلب أوعلى الإذن وتلك الأمارة إما سبب أوشرط أومانع ثم اعلم أن الطلب إما يكون طلب الفعل أوطلب الكف عن الفعل وكل منهما إما أن يكون طلبا جازما أوغير جازم فجاءت الأقسام أربعة فطلب الخطاب الفعل من المكلف طلبا جازما بحيث لا يجوز له تركه كالإيمان بالله ورسله وكقواعد الإسلام الخمس هو الإيجاب وطلبه منه الفعل طلبا غير جازم بأن يجوز تركه كصلاة الفجر ونحوها هو الندب وطلب منه الكف عن الفعل طلبا جازما بحيث لم يجوز فعله كشرب الخمر والزنا ونحوهما هو التحريم وطلبه منه الكف عن الفعل طلبا غير جازم بأن يجوز له فعله كالقراءة فى الركوع والسجود مثلا هو الكراهة فبضم أقسام الطلب هذه إلى الإذن الذي هو إباحة الفعل والترك من غير ترجيح لأحدهما عن الآخر كالبيع ونحوه تكمل أقسام الحكم الشرعى الخمسة ويسمى هذا القسم خطاب التكليف وتعلق الخطاب

ص: 110

بفعل المكلف لكن بواسطة وضع أمارة من سبب أوشرط أومانع على حكم من تلك الأحكام الخمسة هو المسمى فى الاصطلاح بخطاب الوضع وسيأتى بيان السبب والشرط والمانع فقوله الحكم فى الشرع فيه بمعنى الباء كقوله

ويركب يوم الروع منا فوارس

بصيرون في طعن الأباهر والكلى أي بطعن أي الحكم بإثبات أمر لأمر أونفى أمر عن أمر بالشرع لا بالعقل ولا بالعادة هو خطاب ربنا الخ وافطنا بضم الطاء وفتحها كذا ضبطه الناظم رحمه الله بخطه فعل أمر من فطن تكميل للبيت وبطلب يتعلق بخطاب قال فى شرح المقدمات وفيه وصف المصدر قبل إكماله ويسهله أن المجرور يعمل فيه العامل القوى والضعيف وكون الخطاب هنا بمعنى المخاطب به اهـ نسخه بخط الناظم أيضا

حكم إلهنا خطابه المفيد

فعل المكلف وفى التعريف زيد بطلب إلخ فقوله وفى التعريف يتعلق بزيد وهو فعل ماض مبنى للمفعول ونائبه المجرور بعده وأل فى التعريف بدل عن الضمير أي وزيد فى تعريف الحكم الشرعى أن هذا الخطاب بطلب إلخ قال في شرح المقدمات قوله في حد الحكم الشرعي خطاب الله تعالى كالجنس فى الحد وحقيقة الخطاب الكلام الذى يقصد به من هو أهل للفهم واختلف هل من شرط التسمية به وجود المخاطب أم لا وعلى ذلك جرى الخلاف في كلام الله تعالى هل يسمى فى الأزل خطابا قبل وجود المخاطبين أم لا والمراد بالخطاب هو المخاطب به من إطلاق المصدر على اسم المفعول وإضافة الخطاب إلى الله تعالى تخرج خطاب غيره كالملوك والآباء والأمهات والمشايخ وبالجملة يخرج بهذا القيد خطاب من سوى الله تعالى من الملائكة والإنس والجن فلا يسمى خطاب هؤلاء كلهم حكماً شرعياً وإنما سمى خطاب الرسل بالتكاليف حكما شرعيا لأنهم مبلغون عن الله تعالى معصومون فى تبليغهم من الكذب عمدا وسهوا وقوله المتعلق بأفعال المكلفين يخرج أربعة أشياء (الأول) خطابه تعالى المتعلق بذاته العلية نحو (لا إله إلا الله) و (الثانى) الخطاب المتعلق بفعله نحو (الله خالق كل شىء) و (الثالث) الخطاب المتعلق بالجمادات نحو {ويوم نسير الجبال} (الرابع) الخطاب المتعلق بذوات المكلفين نحو {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} والمراد بفعل المكلف ما يصدر منه ليشمل القول والنية اهـ زاد في جمع الجوامع بعد قوله المتعلق بفعل المكلف من حيث أنه مكلف قال المحلى

ص: 111

أخرج به مدلول وما تعملون من قوله تعالى {والله خلقكم وما تعملون} فإنه متعلق بفعل المكلف من حيث إنه مخلوق لله تعالى وقال قبله وتعلق خطابه تعالى بفعل المكلف إما تعلقا معنويا قبل وجوده وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة إذ لا حكم قبلها اهـ ثم قال في شرح المقدمات والمكلف هو البالغ العاقل ومن هنا يعلم أن الصبى

لا يتعلق به حكم هكذا قيل وانظر هذا ما ذكر فى الأصول من الخلاف فى الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أم لا؟ فإن قيل ليس أمرا به يبقى الصبيان لم يأمرهم الشرع فالمتعلق بهم ليس حكم الشرع بل حكم أوليائهم وإن قلنا إنه أمر به فالأقرب أن الصبيان مكلفون من الشرع بمثل هذا الأمر وإذا كان الندب تكليفا فى حق البالغين على قول مع أنه لايلحق بتركه عقوبة شرعية لا فى الدنيا ولا فى الآخرة فأمر الصبيان بالصلاة أقرب لأن يكون تكليفا لاستحقاقهم بتركها عقوبة الشرع فى الدنيا هذا فيمن بلغ منهم عشر سنين ولم يبلغها كان طلب الصلاة منه كالمندوب فى حق من بلغ وهو تكليف اللهم إلا أن يوجد إجماع على أن البلوغ شرط التكليف انظر ذلك اهـ وقال المحلى فى شرح جمع الجوامع ولا يتعلق خطاب بفعل غير البالغ العاقل وولى الصبى والمجنون بأداء ما وجب فى ما لهما منه كالزكاة وضمان المتلف كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته حيث فرط فى حفظها لتنزل فعلها فى هذه الحالة منزلة فعله وصحة عبادة الصبى كصلاته وصومه المثاب عليهما ليس لأنه مأمور بها كما فى البالغ بل ليعتادها فلا يتركها بعد بلوغه إن شاء الله ذلك ولا يتعلق الخطاب بفعل كل بالغ عاقل كما يعلم مما سيأتي من امتناع تكليف العاقل والملجأ والمكره ويرجع ذلك في التحقيق إلى انتفاء تكليف العاقل البالغ فى بعض أحواله اهـ. قوله بطلب إلخ أي تعلق الخطاب بالأفعال إما بأن يطلب فيها طلبا أوبأن يبيحها وهذا هو المسمى بخطاب التكليف وإما بأن يضع لها سببا أوشرطا أومانعا ويسمى خطاب الوضع وتخصيص هذا النوع من الأحكام باسم الوضع محض اصطلاح وإلا فالأحكام كلها أعني المتعلقات بالأفعال التنجيزية بوضع الشرع لا مجال للعقل وللعادة في شيء منها قاله فى شرح المقدمات وقال ابن رشد سمي خطاب وضع لأن الشرع جعل السبب والشرط والمانع والتقديرات

والحجج علامة موضوعة على الأحكام فكأنه يقول إن وجد السبب وجد الحكم وإن عدم عدم وذلك خاصيته وإن عدم الشرط عدم الحكم وذلك خاصية وإن وجد المانع عدم الحكم وذلك خاصيته والتقديرات الشرعية إعطاء الموجود حكم المعدوم وعكسه والحجج جمع حجة وهي التي يستند إليها القضاة كالبينة والإقرار فإذا نهضت الحجة عند القاضي وجب عليه

ص: 112

الحكم وهي عندي راجحة إلى السبب اهـ ومثال إعطاء الموجود حكم المعدوم تقدير الماء الموجود بالنسبة إلى مسافر يحتاجه لشربه معدوما فيتيمم ومثال تقدير المعدوم موجودا تقدير الربح الحاصل آخر الحول كامنا في أصله من أول الحول فيزكى لحول أصله وفي شرح جمع الجوامع للعراقي ما نصه خطاب الوضع وضعه الله تعالى في شرائعه لإضافة الحكم إليه تعرف به الأحكام تيسيرا لنا فإن الأحكام مغيبة عنا والفرق بينه وبين خطاب التكليف من حيث الحقيقة أن الحكم فى الوضع هو قضاء الشرع على الوصف بكونه سببا أوشرطا أومانعا وخطاب التكليف لطلب أداء ما تقرر بالأسباب والشروط والموانع ثم قال ظاهر عبارة المصنف أنه أخرج خطاب الوضع عن خطاب التكليف وجعله قسيما له وكذا فعل ابن الحاجب فى قوله فى تعريف الحكم بالاقتضاء أوالتخيير أوالوضع ورأى الإمام فخر الدين إدخاله في خطاب التكليف لأن معنى كون الشىء شرطا حرمة المشروط بدون شرطه اه. واعلم أن خطاب التكليف يشترط فيه علم المكلف وقدرته كالصلاة وخطاب الوضع لا يشترط فيه ذلك كتضمين الصبى والمجنون ولذا يقول الفقهاء العمد والخطأ فى أموال الناس سواء وقد يشترط فى بعض الأسباب العلم كإيجاب الزنا الرجم والقتل والقصاص. قوله أوبوضع لسبب معطوف على بطلب والسبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته كزوال الشمس لوجوب الظهر مثلا قال في شرح المقدمات قوله ما كالجنس وقوله يلزم من وجوده الوجود فصل يخرج الشرط والمانع وقوله ومن عدمه العدم يخرج الدليل على الحكم من الكتاب والسنة والإجماع والقياس فإن الدليل يلزم طرده أي يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم عكسه أى يلزم من عدمه العدم أما السبب فإنه يلزم طرده وعكسه وقوله لذاته يدخل السبب الذى لم يلزم من وجوده الوجود لمقارنته انتفاء شرط كالعقل والبلوغ أووجود مانع لوجود السبب كالحيض الذي يقارن دخول الوقت ونحوه فإن السبب في ذاته يقتضى وجود المسبب وإنما انتفى المسبب لما عرض له من وجود المانع أونفى الشرط ويدخل أيضا هذا القيد السبب الذى لم يلزم من عدمه العدم لمقارنة عدمه وجود سبب آخر كوجود البول المقارن لعدم الغائط الذى هو أحد أسباب الطهارة. قوله أوشرط معطوف على سبب والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجود وجود ولا عدم لذاته كتمان الحول لوجوب الزكاة قال فى شرح المقدمات الشرط فى اللغة هو العلامة ومنه أشراط الساعة أى علامتها وأما فى الاصطلاح فمعناه ما ذكر وهو ينقسم إلى شرط عقلى وشرط عادي وشرط شرعي مثال الشرط

ص: 113

العقلى الحياة للإدراك فانه يلزم من عدم الحياة عدم الإدراك ولا يلزم من وجود الحياة وجود الإدراك ولا عدمه لأنه قد توجد الحياة ويكون معها غيبة بنوم أوإغماء أوجنون حتى لا يدرك الحى مع هذه الآفات شيئاً أصلا ومثال الشرط العادي النطفة في الرحم الولادة فإنه يلزم من نفى النطفة في الرحم نفي الولادة ولا يلزم من وجود النطفة في الرحم ولادة ولا عدمها لأنها بعد أن توجد في الرحم قد يكون الله تعالى منها ولادة وقد لا يكون مثال الشرط الشرعي الطهارة لصحة الصلاة وتمام الحول لوجوب الزكاة في العين والماشية مثلا فإنه يلزم من نفي الطهارة مع القدرة على تحصيلها عدم صحة الصلاة ولا يلزم من حصول الطهارة صحة الصلاة ولا عدمها لإمكان فسادها بعد حصول الطهارة باختلال ركن من أركانها ونحو ذلك وكذا يلزم من عدم تمام الحول عدم وجوب الزكاة في العين والماشية ولا يلزم من حصول تمام الحول وجوب الزكاة فيهما لتوقفه على سبب وهو ملك النصاب ملكا كاملا وزيادة مجيء الساعي في الماشية إن جرت العادة بمجيئه ونفي مانع الدين في العين دون الماشية ونفي مانع الرق والكفر فيهما وقولنا لذاته راجع للجملة الأخيرة وهو قولنا ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لأن وجود الشرط هو الذي قد يتفق فيه أن يصحبه وجود مانع فيلزم عدم المشروط حينئذ لكن لا بالنظر إلى ذات الشرط بل للنظر إلى ذات المانع وقد يصحب وجوده وجود السبب ونفي المانع فيلزم حينئذ من وجوده وجود المشروط كما لو صحب تمام الحول وجود السبب وهو ملك النصاب ملكا كاملا ونفي المانع الذي هو الدين فيلزم وجوب الزكاة

لكن لم تجب بالنظر إلى ذات الشرط الذي هو تمام الحول وإنما وجبت بسبب ما قارنه من وجود سبب الزكاة ونفي مانعها ولو صحب تمام وجود المانع الذي هو الدين مثلا لزم معه عدم الزكاة لكن ليس بالنظر إليه لزم عدمها بل بالنظر إلى المانع الذي هو الدين وأما الجملة الأولى وهي قولنا ما يلزم من عدمه العدم فمعناه لازم للشرط على كل حال فلو قيدناه بذات الشرط لأوهم أنه قد لا يلزم من عدم الشرط عدم المشروط لمصاحبة عدمه أمرا يقتضي ذلك وذلك باطل قوله أو ذي منع معطوف على لسبب صفة لمحذوف أي أو بوضع لأمر ذي منع أي مانع والمانع ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته كالحيض لوجوب الصلاة قال في شرح المقدمات المانع من الشيء على ضربين أحدهما أن يمنع منه لمنافاته للسبب. الثاني أن يمنع منه لمنافاته له في نفسه. مثال الأول الدين في زكاة العين فإنه يمنع من وجوبها لسببها الذي هو الملك الكامل للنصاب ومثله الرق فإن كل واحد من الدين والرق مانع من كمال التصرف في المال فلم يثبت معهما الغني بذلك

ص: 114

المال الذي هو حكمة وجوب الزكاة فيه كما قال عليه الصلاة والسلام

«خذها من أغنيائهم وردها على فقرائهم» ومثال الثاني الكفر مثلا بالنسبة إلى صحة الصلاة فإنه مانع من صحتها لا لمنافاته لسببها من دخول وقتها بل لمنافاته لها في نفسها إذ لايمكن مع الكفر التقرب بها إلى المولى تبارك وتعالى وهذا معنى قول الأصوليين المانع ينقسم إلى مانع السبب وإلى مانع الحكم وقولنا أيضا في حد المانع لذاته راجع إلى الجملة الأخيرة وهي قولنا ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم لذاته لأن عدم المانع هو الذي يتفق أن يصحبه وجود السبب والشرط فيلزم حينئذ من عدمه الوجود ولكن ليس ذات عدمه هي التي اقتضت الوجود بل الذي اقتضاه إجتماع السبب مع الشرط عند عدم ذلك المانع وقد يصحب عدم المانع عدم السبب أو عدم الشرط فيلزم حينئذ العدم لكن ليس لذات عدم المانع بل لمصاحبة عدم السبب أو عدم الشرط وأما الجملة الأولى وهي قولنا مايلزم من وجوده العدم فمعناها لازم للمانع على كل حال اهـ. (تنبيه) تقدم أن خطاب الوضع هو نصب الشارع أمارة من سبب أو شرط أو مانع على الطلب بأقسامه الأربعة وعلى الإباحة وعليه فلكل واحد من الأحكام الخمسة سبب وشرط ومانع قال بعضهم ممثلا للأقسام فالواجب كالظهر كذلك فالسبب زوال الشمس والشرط العقل والبلوغ والمانع الحيض والإغماء والمندوب كالنافلة فالسبب لها دخول الوقت وشرطها العقل والمانع عدم الوقت والمحرم كأكل الميتة فالسبب موتها حتف أنفها والشرط عدم الضرورة والمانع وجود الضرورة والمكروه كصيد اللهو فالسبب اللهو والشرط عدم الضرورة والمانع وجود الضرورة والمباح كالنكاح فالسبب له عقد والشرط خلو العقد من الموانع والموانع النكاح في العدة مثلا اهـ.

أَقْسامُ حُكْم الشَرْعِ خَمْسَةٌ تُرَامْ

فرْضٌ وَنَدْبٌ وَكَرَاهَةٌ حَرَامْ

ثُمَّ إبَاحَةٌ فَمَامُورٌ جُزِمَ

فَرْضٌ وَدُوَنَ الْجَزْمِ مَنْدُوبٌ وُسِمَ

ذُو النَّهْيِ مَكْرُوهٌ وَمَعَ خَتْمٍ حَرامْ

مَاذُونُ وَجْهِيْهِ مُباحٌ ذا تَمَامْ

أخبر أن أقسام الحكم الشرعي خمسة ترام أي تقصد وجملة تراه صفة لخمسة وهي الفرض والندب والكراهة والحرام والإباحة ثم فسر ما أجمل في البيت بقوله فمأمور جزم إلخ يعني أن المأمور بفعله إن جزم بالأمر به أي طلب فعله طلبا جازما بأن لم يجوز

ص: 115

تركه فهو الفرض وذلك كالإيمان بالله ورسله وكقواعد الإسلام الخمس وإن لم يجزم بالأمر به بأن طلب طلبا غير جازم بأن جوز تركه فهو المندوب وذلك كصلاة الفجر ونحوها وجملة وسم أي علم من الوسم وهي العلامة صفة مندوب وأن المنهى عن فعله الذي طلب تركه إن كان النهي من غير تحتم بأن جوز فعله فهو المكروه وذلك كالقراءة في الركوع مثلا وإن كان مع تحتم بأن لم يجوز فعله فهو الحرام وذلك كشرب الخمر والزنا ونحوهما وأن ما أذن الشرع في فعله وتركه على السواء هو المباح فم أفاد بقوله ذا تمام أن هذا القسم الأخير أو جميع الأقسام المذكورة تمام أقسام الحكم الشرعي وكون المباح أحد أقسام الحكم الشرعي هو الذي عند الأكثر وقيل ليس هو منها وإنما هي الأربعة دونه وسبب الخلاف الاختلاف في تفسير المباح فمن فسره بنفي الحرج لايكون عنده من الشرع لأنه كان منفيا قبل الشرع ومن فسره بالإعلام بنفي الحرج فإنما يعلم من الشرع فهو عنده من الشرع قاله ابن أبي يحيى في شرح الرسالة والفرض والواجب مترادفان أخذا من فرض الشيء قدره ووجب الشيء وجوبا ثبت فكل من المقدر والثابت أعم من أن يثبت بقطعي أو ظني خلافا لأبي حنيفة في أن الفعل إن ثبت بدليل قطعي كقراءة القرآن في الصلاة الثابت بقوله تعالى {فاقراءوا ما تيسر من القرآن} فهو الفرض وإن ثبت بدليل ظني كخبر الواحد فهو الواجب كقراءة الفاتحة في الصلاة الثابتة بحديث الصحيحين (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فيأثم بتركها ولا تفسد به الصلاة عنده بخلاف ترك القراءة والندب قال في المشارق ندبه للجهاد حثه والندب الحث على الشيء والرغبة فيه اهـ. والمكروه لغة ضد المحبوب والحرام ما أوجب الشرع احترمه أي تجنبه واتقاءه والمباح مأخوذ من التوسعة وعدم الضيق ومنه باحة الدار أي ساحتها ويقال فيه الحلال لأنه انحلت عنه التبعات فلا حق فيه للخلق ولا مللع فيه من جانب الحق وقال بعضهم اختلف في حد الواجب فقيل ما حرم تركه أو ترك بدله إن كان له بدل وقيل ما في فعله ثواب وفي تركه أو ترك بدله إن كان له بدل عقاب وقال القرافي الواجب ما ذم تاركه شرعا والمحرم ما ذم فاعله شرعا والمندوب ما رجح فعله على تركه؛ من غير ذم وقيل ما في فعله ثواب وليس في تركه عقاب والمكروه ما رجح تركه على فعله شرعاً من غير ذم وقيل ما في تركه ثواب وليس في فعله عقاب والمباح ما استوى طرفاه في نظر

ص: 116

الشرع اهـ. (تنبيهات) الأول قال في جمع الجوامع الحكم الشرعي إن تغير إلى سهولة لعذر مع قيام السبب للحكم الشرعي فرخصة وإلا فعزيمة اهـ. أي فالحكم المتغير إليه السهل يسمى رخصة وهي لغة السهولة ثم قد تكون واجبة كأكل الميتة للمضطر ومندوبة كقصر الصلاة في السفر ومباحة كالسلم الذي هو بيع موصوف في الذمة وخلاف الأولى كفطر مسافر لا يشق عليه الصوم مشقة قوية والحكم الأصلي في هذه المثل الحرمة وسهولة الوجوب في أكل الميتة موافقته لغرض النفس في بقائها وقيل إنه عزيمة لصعوبته من حيث إنه وجوب والسهولة في الثلاثة الأخيرة ظاهرة والأعذار هنا الاضطرار لأكل الميتة ومشقة السفر في القصر والفطر والحاجة إلى ثمن الغلات قبل إدراكها والسبب فيها للحكم الأصلي الذي هو حرمة لخبث في الميتة ودخول وقتي الصلاة والصوم في القصر والفطر لأنه سبب لوجوب الصلاة تامة ولوجوب الصوم والغرر في السلم والسبب فيها قائم حال الحلية فإن لم يتغير الحكم أصلا سمي عزيمة كوجوب الصلوات الخمس ووجوب الإطعام في كفارة الظهار عند فقد الرقبة لأنه الواجب ابتداء على ما فقدناه كما أن الإعتاق هو الواجب ابتداء على واجدها وكذا التيمم على فاقد الماء لأنه الواجب في حقه ابتداء بخلاف التيمم لجرح ونحوه وكذا إن تغير إلى صعوبة كحرمة الاصطياد بالإحرام بعد إباحته قبله وكذلك إن تغير إلى سهولة من غير عذر كجواز ترك الوضوء لصلاة ثانية مثلا لمن لم يحدث بعد حرمته في صدر الإسلام بمعنى أنه خلاف الأولى وكذا إن تغير إلى سهولة لعذر لكن لا مع قيام السبب للحكم الأصلي كإباحة فرار الواحد من العشرة بعد حرمته فالعذر مشقة الثبات والسبب قلة المسلمين حينئذ فلم يبق ذلك السبب حالة الإباحة لكثرة المسلمين ويسمى الحكم فيما اختل فيه قيد من هذه القيود عزيمة لأنها مبالغة القصد المصمم لأنه عزم أمره أي قطع وحتم صعب على المكلف أو سهل (الثاني) قال في شرح المقدمات مذهب جمهور الأصوليين أن الأحكام التكليفية وهي التي يخاطب بها المكلفون خمسة الإباحة والأربعة الداخلة في الطلب وزاد ابن السبكي سادساً وهو خلاف الاولى لأن النهي غير الجازم عنده إن تقلق بالكف عن الفعل بدلالة المطابقة كالنهي المتعلق بالقراءة في الركوع مثلا فهو الكراهة وإن تعلق بالكف عن الفعل بدلالة الالتزام على النهي عن ضده فهو خلاف الأولى كطلب قيام الليل فإنه يدل بالالتزام على النهي عن ضده كنوم الليل كله فيطلق على النوم إنه خلاف الأولى ولا

ص: 117

يطلق عليه إنه مكروه وتبع السبكي في زيادة هذا القسم السادس إمام الحرمين قال والإمام أول من علمناه ذكره قال العراقي بل نقله الإمام عن غيره فقال إنه مما أحدثه المتأخرون (الثالث) اعلم أن المندوب يستعمل على عبارات يرجع اختلافها إلى قوة تأكيد بعضها على بعض فقال مندوب ومسنون ونفل ورغبية ومستحب ومستحسن وفضيلة وتطول وأدب وهي كلها راجعة لشيء واحد وهو ما طلب فعله طلباً غير جازم الذي هو حقيقة المندوب وسيأتي بعض الكلام على هذا المعنى في شرح البيت الآتي قريبا إن شاء الله تعالى (الرابع) من فعل طاعة على وجه مكروه كإن يصلي على الجنازة في المسجد فهو كمن فعل مكروها محضا فلا يأثم على صلاته ولا يؤجر عليها ولو ترك الصلاة عليها في المسجد أجر لما مر أن المكروه هو ما في تركه ثواب وليس في فعله عقاب

وَالْفَرْضُ قِسْمانِ كِفَايَةٌ وَعَيْنُ

وَيَشْمَلُ المنْدُبُ سُنَّةً بِذَيْنُ

أخبر أن الفرض الذي هو أحد الأقسام الخمسة المتقدمة يقسم إلى قسمين فرض عين أي على كل مكلف كالصلوات الخمس ونحوها وفرض كفاية يحمله من قام به إذا فعله البعض سقط عن الباقين كإنقاذ الغريق وتجهيز الميت وأن المندوب الذي هو أحد الأقسام الخمسة أيضا يشمل السنة أي يصدق عليها لأن طلبها غير جازم أيضاً حالة كون السنة بهذين القسمين المتقدمين من عين وكفاية فالمندوب فاعل يشمل بفتح الميم وسنة مفعوله وبذين تثنية ذا يعرد على الكفاية والعين ويتعلق بمحذوف صفة سنة العين كالوتر ونحوه وسنة الكفاية كالأذان والإقامة وسلام واحد من جماعة وشمول المندوب للسنة هل هو على معنى ترادفهما وهو قول الجمهور إن المندوب والمستحب والتطوع والسنة ألفاظ مترادفة أي أسماء لمعنى واحد وهو الفعل المطلوب طلباً غير جازم أو على معنى أن المندوب أعم فيصدق بالسنة وبغيرها وهو المتبادر من كلام الناظم وهو قول القاضي حسين وغيره بعدم ترادفهما وأن الفعل إن واظب عليه النبي فهو السنة وإن لم يواظب عليه فإن فعله مرة أو مرتين فهو المستحب وإن لم يفعله وهو ما ينشئه الإنسان باختياره من الأوراد فهو التطوع والمندوب يشملها كلها وقال ابن رشد إن كثرت أجور المندوب وأظهره النبي في الجماعات يسمى سنة وإن قلت ولم يظهره سمي نافلة وإن توسطت بين القسمين سمي فضيلة.

ص: 118

(تنبيهات) الأول قال في جمع الجوامع فرض الكفاية مهم يقصد حصوله من غير نظر بالذات إلى فاعله فقال المحلي أي يقصد حصوله في الجملة فلا ينظر إلى فاعله إلا بالتبع للفعل ضرورة أنه لا يحصل بدون فاعل فيتناول ما هو ديني كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف ودنيوي كالحرف والصنائع وخرج فرض العين فانه منظور بالذات إلى فاعله حيث قصد حصوله من كان واحد من المكلفين أو من عين مخصوصة كالنبي فيما فرض عليه دون أمته اهـ. وهل هو أفضل من فرض العين لأنه يصام بقيام البعض به جميع المكلفين عن الإثم المرتب على تركهم له وفرض العين إنما يسقط الإثم عن القائم به فقط أو فرض العين أفضل لشدة اعتناء الشارع به يقصد حصوله من كل واحد في الأغلب قولان وهل فرض الكفاية واجب على البعض أو على الكل قولان وعلى الأول فقيل إن ذلك البعض معين عند الله تعالى يسقط الفرض بفعله وبفعل غيره كما يسقط الدين عن الشخص بأداء غيره عنه وقيل هو من قام به ويتعين بالشروع فيه فيصير كفرض العين في وجوب إتمامه وسنة الكفاية كفروضها في جميع ما تقدم قال الإمام شهاب الدين القرافي رحمه الله في القرن الثالث عشر بين قاعدتي فرض الكفاية وفرض العين وظابط كل واحد منهما وتحقيقه بحيث لا يلتبس بغيره أن تقول الأفعال قسمان منها ما تكرر مصلحته بتكرره ومنها ما لاتتكرر مصلحته بتكرره فالقسم الأول شرعه صاحب الشرع على الأعيان تكثيرا للمصلحة بتكرر ذلك الفعل كصلاة الظهر فإن مصلحتها الخضوع لله تعالى وتعظيمه ومناجاته والتذلل له والمثول بين يديه والتفهم لخطابه والتأدب بآدابه وهذه المصالح تكثر كما كررت الصلاة والقسم الثاني كانقاذ الغريق إذا سأله إنسان فالنازل بعد ذلك إلى البحر لا يحصل شيئا من المصلحة فجعله صاحب الشرع على الكفاية نفيا للعبث في الأفعال وكذا كسوة العريان وإطعام الجوعان ونحوهما فهذا هو ضابط القاعدتين وبه تعرفان. ثم ذكر مسألتين المسألة الأولى أن الكفاية والأعيان كما يتصوران في الواجبات يتصوران في المندوبات كالأذان والإقامة والتسليم والتشميت وما يفعل بالأموات من المندوبات فهذه على الكفاية والذي على الأعيان كالوتر والفجر وصيام الأيام الفاضلة وصلاة العيدين والطواف في غير النسك والصدقات المسألة الثانية يكفي في سقوط المأمور به على الكفاية ظن الفعل لا وقوعه تحقيقا فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه وإذا غلب على ظن تلك أن هذه فعلت سقط عن تلك وإن غلب على ظن كل منهما فعل الأخرى سقط الفعل عنهما اهـ. وإلى كلام الشهاب هذه أشار الإمام سيدي أبو الحسن علي الزقاق بقوله في المنهج المنتخب

وفرض عين الذي تكررا

نفع به غير كفاية يرى

ص: 119

ثم قال

والظن كلف في السقوط والسنن

عين كفاية على ذاك السنن

الثاني تقدم في كلام القرافي حصر فرض الكفاية بالحد والضابط وهو ما لا تكرر مصلحته بتكرر فعله وأما حصره بالعد فقد ذكروا أشياء منها القيام بالعلوم الشرعية من حفظ القرآن والحديث ومعرفة علومهما والأصول والفقه والنحو واللغة والتصريف ومعرفة رواة الحديث والإجماع والخلاف فتسقط بفعل البعض ومع الترك يأثم كل من أمكنه ذلك ولا يأثم من لم يتمكن لكونه غير أهل أو لعذر وقد تقدم في شرح قوله الذي علمنا من العلوم ما به كلفنا الكلام على فرض العين من العلوم فراجعه إن شئت ومن فروض الكفاية الجهاد وزيارة الكعبة كل سنة والقضاء لأن الإنسان لا يستقل بأمور دنياه فيحتاج إلى غيره وبالضرورة أنه قد يحصل بينهما التشاجر وتحمل الشهادة وكان على الكفاية لأن الغرض يحصل بالبعض ويتعين في حق من انفرد خليل والتحمل إن افتقر إليه فرض كفاية وتعين الأداء من كبر يدين وعلى ثالث لمن لم يجتز بهما والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطه انظر حاشية الخطاب عند قوله في الرسالة ومن الفرائض الأمر بالمعروف إلخ والإقامة الكبرى وأما إمامة الصلاة فهي تابعة لصلاة الجماعة والمشهور أنها سنة مؤكدة في غير الجمعة وقيل فرض كفاية ورد السلام فإذا سلم على الجماعة وقام بالرد واحد منهم سقط عن الباقين والرباط في ثغور المسلمين وسدها وحياطتها والفتوى على المتأهلين لها والحرف المهمة كالحراثة والتجارة والقيام بمؤن الميت كالغسل والصلاة والدفن وحضانة اللقيط خليل ووجب لقط طفل نبذ كفاية وحضانته ونفقته إن لم يعط من الفيء والتوثيق وهو كتب الوثائق وفداء أسارى المسلمين والدرء بالدال المهملة وهو دفع الضرر في النفس أو المال عمن لا يستحقه شرعاً كدفع الصائل من إنسان أو بهيمة وتخليص الغريق إن كان لا يحسن العوم وإعطاء الطعام والشراب لمن اضطر إليه فهذه ستة عشر وقد عدها صاحب المنهج المنتخب في بيتين بعد أول البيتين المتقدمين بالشرع

قم جاهد وزر أفض أشهد

بالعرف مرام سلاما اردد

ورابط افت واحترف والميت صن

واحضن ووثق وافد وادرأ تؤتمن

وزاد بعضهم في عد فروض الكفاية عيادة المرضى وتمريضهم وحضور محتضريهم ونصيحة المسلم وإطعام الجياع وستر العورة وحفظ القرآن سوى الفاتحة فإن حفظها فرض عين وضيافة الوارد والآذان على قول والظاهر اندراج ما عدا عيادة المرضى وحضور المحتضر لغير تمريض وحفظ القرآن والأذان في الدرء وقد نظمت هذه التسع

ص: 120

بزيادة تشميت العاطس فقلت

عيادة تمريض مع حضور

محتضر ضيافة المرور

وحفظ قرآن سوى المثاني

نصيحة زدها مع الأذان

تشميت عاطس وستر عورة

إطعام جائع تمام العشرة

فكلها فرض كفاية فان

ألفيت غيرها أضفه لاتبن

وحاصل هذه المسائل نوعان دنيوية كالحرف المهمة ودينية وهي جلها ومترددة بينهما كالقضاء والشهادة والدينية نوعان علم وهو القيام بعلوم الشريعة وعمل كالأمر بالمعروف والجهاد ونحوهما (الثالث) قال الإمام أبو عبد الله محمد الحطاب رحمه الله السنة لغة الطريقة وما رسم ليحتذى أي يتبع والمراد بها عرفا سيدنا محمد والتي لم يدل دليل على وجوبها ثم إن كان قد فعلها وداوم عليها وأظهرها في جماعة كالوتر والعيدين والاستسقاء أو فهم منه إدامتها كصلاة خسوف الشمس فسنة مؤكدة أي لا يسمع تركها وإن لم يأثم التارك لها وإن اختل الإظهار أو داومه فنافلة كصلاة الضحى وقيام الليل لأن صلاة الليل أظهرها ولم يدام على إظهارها وصلاة الضحى داوم عليها ولم يظهرها حتى قالت عائشة رضي الله تعالى عنها من حدثك إنه كان يصلي الضحى فقد كذب وصح نقلها عنه عليه الصلاة والسلام من غير وجه فتأمل ذلك وإن وقع الترغيب فيها بمجرد قوله «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» فرغبية وكذا بمجرد فعل كركعتين بعد المغرب وإحياء ما بين العشاءين وإنما اختلف في ركعتي الفجر اعتباراً للمدرك الحكم والله أعلم وإن كانت منوطة بالأكل والشرب والسفر واللباس فهي الأدب وهذا ما اقتضاه كلام الشيخ يعني ابن أبي زيد في رسالته وهو قريب من اصطلاح المحدثين والشافعية وأما أهل المذهب فكل ما وراء الفرض عندهم نافلة لأن أصل النفل الزيادة ثم تفصل إلى سنة مؤكدة ومخففة ورغبية ونافلة وهي الفضيلة قال ابن بشير ولا فرق بينها إلا كثرة الثواب وقد اضطر أهل المذهب في ذلك بما يفهم أن ذلك راجع للاصطلاح وهو لا يتيقد بغير قصد واضعه وقال المازري السنة ما رسم ليحتذى فالواجب يسمى سنة على هذا وهي طريقة من طرق صاحب الشرع وأصل السنة الطريقة لكن غلب على ألسنة الفقهاء إطلاق هذه التسمية على العبادات الذي يجوز تركها والواجب يحرم تركه ولا يطلقون هذه التسمية في غالب محاوراتهم وقد يطلقون السنة على ما

وجب بالسنة وهو شاذ عن عادة الإطلاق عندنا وكذا يطلق الفقهاء لفظ الرغائب والواجبات مرغب فيها والاشتقاق يقتضي كونها من الرغائب لكنهم لا يختلفون على الامتناع من إيقاع هذه

ص: 121

التسمية على الواجبات وأما النافلة فهي الزيادة وتطلق على بعض المندوبات لكونها زيادة في الفرض وأصل الاشتقاق يقتضي إطلاق التسمية على سائر المندوبات لكونها زيادة على أصل الفرض لكنهم لم يستعملونها أيضا في الجميع وكذلك قولهم فضيلة إنما يطلقونه على بعض المندوبات فإن كان أخذا من الفضلة فالواجب فيه فضل وإن كان أخذا من الفضيلة فالمندوبات كلها كالفضيلة مع الواجبات هذا اشتقاق هذه التسميات ولكنهم اصطلحوا على معان لتمييز كل نوع عن صاحبه بمجرد النطق بتسميته فسموا كل ما علا قدره في الشرع من المندوبات وأكد الشرع أمره وحده وقدره وأشاده وأشهره سنة كالعيدين والاستسقاء وسموا ما كان في الطرف الآخر في العكس من هذا نافلة وسموا ما توسط بين هذين الطرفين فضيلة هذا هو سر القوم في إطلاق هذه التسميات وهي مما يكثر جريانها في ألسنة أهل الشرع وقال ابن بشير وقد قيل في الفرق بين السنن والفضل والمستحبات أن كل ما واظب عليه رسول الله مظهراً له فهو سنة بلا خلاف وما نبه عليه وأجمله في أفعال الخير فهو مستحب وما واظب على فعله غير مظهر له ففيه قولان أحدهما تسميته سنة التفاتا إلى المواظبة والثاني تسميته فضيلة التفاتا إلى ترك إظهاره وهذا كركعتي الفجر قال بعضهم واسم المندوب يقع على الثلاثة اهـ.

ص: 122