الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة لكتاب الاعتقاد معينة لقارئها على المراد
ذكرفي هذه الترجمة الحكم العقلي وأقسامه وأول مايجب على المكلف وشروط التكليف وجعل ذلك مقدمة لكتاب الاعتقاد لأن مدار الاعتقادات على الحكم العقلي بأقسامه الثلاث وهي أول واجب في الجملة ولايخاطب بواجب ولاغيره إلا البالغ العاقل كماذكر في الترجمة الثالثة الحكم الشرعي وأقسامه وجعله مقدمة لمابعده من فروع الفقه لإنقسامها إلى واجب غيره من أقسام الحكم الشرعي فتأكدت لذلك معرفة الحكم الشرعي وأقسامه وترك الكلام على الحكم العادي لما لم يتوقف على معرفته شيء مماذكر بعد ومقدمة بكسرالدال بمعنى متقدمة من قدم اللازم بمعنى تقدم وبفتحها من قدم المتعدي بمعنى أن الغير قدمها وفي مختصرالسعد والمقدمة مأخوذة من مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه من قدم بمعنى تقدم يقال مقدمة العلم لما يتوقف عليه الشروع في مسائله ومقدمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود لارتباط له بها وانتفاع بهافيه والفرق بين مقدمة العلم ومقدمة الكتاب مماهوخفي على كثيرٍ من الناس اهـ ومقدمة خبر مبتدأ محذوف أي هذه مقدمة ومعينة صفة لها والله أعلم.
وَحكْمُنا العَقْلِى قَضِيَّةٌ بِلَا
وَقْفٍ عَلَى عَادَةٍ أَوْ وضْعٍ جَلَا
اعلم أن من أدرك أمراً من الأمور فإن تصور معناه فقط ولم يحكم بثبوته لأمرٍ ولابنفيه عن أمرسمى هذا الإدراك في الاصطلاح تصوراً كإدراكنا مثلاً أن معنى الحدوث الوجود بعد العدم من غير أن نثبته لأمرٍ ولاأن ننفيه عنه وإن تصورمع ذلك ثبوت ذلك المعنى لأمرٍ أونفيه عنه فهذاالإدراك يسمى في الاصطلاح حكماً ويسمى تصديقاً كإثباتناالحدوث مثلاً بعد تصورنا لمعناه للعوالم وهي ماسوى المولى تبارك وتعالى فنقول العوالم حادثةً أونفيناله عمن وجب قدمه وهو مولانا جل وعز فنقول مولانا تعالى ليس بحادثٍ فإثبات أمر لأمرٍ أونفيه عنه هو المسمى حكماً وهومراد الناظم بالقضية والله أعلم. ثم اعلم أن الحكم ينقسم إلى ثلاثة أقسام شرعي وعادي وعقلي وذلك أن الثبوت أوالنفي اللذين في الحكم إن أسنداإلى الشرع بحيث لايمكن أن يعلما إلا منه فهو الحكم الشرعي ولذا نسب إلى الشرع كقولنا في الإثبات الصلوات الخمس واجبة وقولنافي النفي صوم يوم عاشوراء ليس بواجب وإن لم يستند إلى الشرع فإن كفى العقل في إدراكه من غير أن يحتاج إلى تكرر ولا اختبار فهو الحكم العقلي ولماتوصل إليه العقل من غير أن يتوقف على شيء آخر نسب إلى العقل وذلك كقولنا في الإثبات (العشرة زوج) وفي النفي (السبعة ليست بزوج) وإن لم يستند النفي أوالإثبات اللذان في الحكم
إلى شرع ولاكفى العقل في التوصل إليهما بل احتاج إلى تكرر واختيار وعادةً فهوالحكم العادي نسب إلى العادة لأن بهاتول إليه لابشرعٍ ولابعقلٍ وذلك كقولنا في الإثبات شراب السكنجبين مسكن للصفراء وفي النفي الخبز الفطيرليس بسريع الإنهضام ثم ينقسم هذا العادي إلى قسمين عادي قولي كرفع الفاعل ونصب المفعول ونحو ذلك من الأحكام النحوية أواللغوية وعادي فعلى كالمثالين المذكورين فقول الناظم قضية كالجنس يشمل جميع أقسام الحكم وقوله بلا وقفٍ على عادة فصل أخرج به الحكم العادي فإنه لم يثبت إلا بواسطة التكرير والتجربة حتى عرف أنه ليس باتفاق. قال في شرح المقدمات فإن قلت هانحن نثبت لشراب السكنجبين تسكين الصفراء تقليداً للأطباء وإن لم يتكررعندنا ولاجربناه قلت إنما أثبتنا له هذا الحكم بواسطة التجربة التي صدقنا فيها الأطباء وليس من شرط التكرروالتجربة في الحكم العادي أن يكون من كل أحدٍ بل هو المستند لثبوت الحكم العادي وإن حصل من البعض الموثوق بتجربته وقوله أو وضع أي جعل عطف على عادة وهو فصل أخرج به الحكم الشرعي قال في شرح المقدمات فإن قلت كيف يصح أن يقال في الحكم الشرعي أنه حصل بالوضع والجعل وهو خطاب الله تعالى وكلامه القديم والقديم ليس بوضع ومجعول قلت المراد بالحكم الشرعي هنا التعلق التنجيزي لخطاب الله القديم بأفعال المكلفين بعد وجودهم وتوفر شروط التكليف فيهم وهذا التعلق ليس بقديم والقديم إنما هوكلام الله تعالى وتعلقه العقلي الصلاحي بالمكلفين في الأزل وإطلاق الحكم الشرعي على التعلق التنجيزي الحادث مشهورعند الفقهاء والأصوليين اهـ.
أَقْسامُ مُقْتَضاهُ بِالْحَصْرِ تُمازْ
وهِيَ الْوجُوبُ اِلاستِحالَةُ الْجَوازْ
فَوَاجِبٌ لَا يَقْبَلُ النَّفْيَ بِحالْ
ومَا أبَى الثّبُوتَ عَقْلاً الْمُحَالْ
وجَائِزاً مَاقَبْلَ الأَمْرَيْنِ سِمْ
ولِلضَّرورِيْ والنَّظَرِي كُلُّ قُسِمْ
أخبر أن أقسام مقتضى الحكم العقلي تتميز وتتبين بالحصر وتلك الأقسام هي الوجوب والإستحالة والجواز وبيان الحصر في الثلاثة أن كل مايحكم به العقل إماأن يقبل الثبوت والانتفاء معاًأويقبل الثبوت فقط أو يقبل الانتفاء فقط فالأول هوالجائز ويسمى الممكن أيضاً والثاني الواجب والثالث المستحيل وإنما قال أقسام مقتضاه أي متعلقه ولم يقل أقسامه لأن الحكم العقلي ليس نفس هذه الثلاثة المذكورة فلاتكون أقساماً له لأن من شرط القسمة صدق اسم المقسوم على كل واحدٍ من
أقسامه ولايصدق على الوجوب أوالاستحالة أوالجواز اسم الحكم وإنما يصدق عليهاأنهامحكوم بها قوله فواجب إلخ أخبرأن الواجب هومالايقبل النفي أصلاً بحيث لايدرك العقل عدمه وأن المحال هو ماامتنع ثبوته في العقل بحيث لايدرك العقل ثبوته ووجوده وأن الجائز ماقبل النفي والثبوت بحيث لايدرك العقل وجوده وعدمه فاللام في الأمرين للعهد والمعهود النفي والثبوت وجائزاً مفعول أول لسم وهوفعل أمرمن وسم بسم سمة من السمة وهي العلامة وماقبل مفعول ثانٍ لسم على حذف الباء أي علم الجائز بماقبل الأمرين معاً النفي والثبوت قوله للضروري والنظري كل قسمٍ يعني أن كل قسمٍ من الثلاثة المتقدمة ينقسم إلى ضروري وهومايدرك ثبوته أونفيه إبتداءً بلا تأمل وإلى نظري وهو مايدرك بعدالتأمل فمثال الواجب الضروري التحيز للجرم وهوأخذه قدر ذاته من الفراغ فإن ثبوت هذا المعنى له لايفتقرإلى تأمل وكذا كون الاثنين أكثر من واحدومثال الواجب النظري ثبوت القدم لمولانا جل وعز فإنه لايتصور في العقل نفيه عنه تعالى ولكن لايدرك ذلك إبتداءً من غير تأملٍ بل بعد التأمل فيمايترتب على نفيه من المستحيلات كالدور والتسلل وتعدد الإله وتخصيص كل واحدٍ منهم بنوع من الممكنات بلامخصص ونظيره في الوجوب النظري كون الواحد ربع عشر الأربعين ومثال المستحيل الضروري تعري الجسم عن الحركة والسكون معاً أي تجرده عنهما بحيث لايوجد فيه واحدٍ منهمافإن العقل إبتداءً لا يتصور ثبوت هذاالمعنى للجرم ومثال المستحيل النظري كون الذات العلية جرماً تعالى الله عن ذلك فإن استحالة هذا المعنى عليه جل وعز إنما يدركه العقل بعد أن يسبق له النظر فيمايترتب على ذلك من المستحيل وهوالجمع بين النقيضين وذلك أنه قد وجب لمولانا جل وعز القدم والبقاء لئلا يلزم الدور والتسلسل لوكان تعالى حادثاً فلوكان جرماً لوجب له الحدوث لماتقرر من وجوب الحدوث لكل جرمٍ فلزم إذن لوكان تعالى جرماً أن يكون واجب القدم لألوهيته واجب الحدوث لجرميته تعالى عن ذلك وذلك جمع بين النقيضين لامحالة ومثل الجائز الضروري إنصاف الجرم بخصوص الحركة مثلاً فإن العقل يدرك إبتداء صحة وجودها للجرم وصحة عدمها له ومثال الجائز النظري تعذيب المطيع الذي لم يعص الله قط فإن ذلك
في الإبتداء قد ينكرالعقل جوازه بل يتوهمه مستحيلاً كماتوهمته المعتزلة وأمابعدالنظر في وحدانيته تعالى وإنفراده بخلق جميع الممكنات وإرادتها بلا واسطة خيراً كان أوشراً وأن الأفعال كلها بالنسبة إليه تعالى سواء لانفع له في طاعةٍ ولاضرر ولانقص يلحقه جل وعلا بكفر كافرٍ أومعصية عاصٍ ولاحرج عليه ولاحكم لأحد عليه فتعلم حينئذٍ على القطع إنمايترتب منه سبحانه على الكفر من العذاب الأليم وعلى الطاعة من النعيم المقيم لوعكس تعالى في ذلك أولم يرتب جل وعلا عليهما شيئاً أصلاً لم يلزم على ذلك بالنظر إلى حقيقة الطاعة والكفر والمعصية نقص ولامحال أصلاً قال في شرح الصغرى واعلم إن الحركة والسكون للجرم يصح أن يمثل بهمالأقسام الحكم العقلي الثلاثة فالواجب العقلي ثبوت أحدهما لابعينه للجرم والمستحيل نفيهما معاً عن الجرم والجائز ثبوت أحدهما بالخصوص للجرم واعلم أن معرفة هذه الأقسام الثلاثة وتكريرها وتأنيس القلب بأمثلتها حتى لايحتاج الفكر في إستحضارمعانيهاإلى كلفةٍ أصلاً مماهو
ضروري على كل عاقلٍ يريدأن يفوز بمعرفة الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام بل قال إمام الحرمين وجماعة إن معرفة هذه الأقسام الثلاثة هي نفس العقل فمن لم يعرف معانيها فليس بعاقل اهـ (تنبيهان) الأول المراد بالواجب المذكورهوالواجب الذاتي وأما الواجب العرضي وهومايجب لتعلق علم الله تعالى به كتعذيب أبي جهل فإنه بالنظرإلى ذاته جائزيصح في العقل وجوده وعدمه وبالنظر إلى ماأخبربه الصادق المصدوق صلاة الله وسلامه عليه من إرادة الله تعالى لعذابه هو واجب لايتصورفي العقل عدمه وإنما لم يقيد الناظم الواجب بكونه ذاتياً لأنه عند الإطلاق لايحمل إلا على الذاتي ولايحمل على العرضي إلا بالتقييد على أنه لايبعدأن يكون تساهل في حذف مايدل عليه من هذا القسم إعتماداً على ماأثبته في الثاني حيث قال وماأبى الثبوت عقلاً فيكون معنى قوله هنافواجب أي عقلاً ولاإشكال بعد هذا في حذفه من قسم الجائز لاسيماوالتقسيم إنماهوفي الحكم العقلي وماوجب أواستحال أوجازعقلاً فهوالذاتي وكذلك المستحيل المذكورهوأيضاً الذاتي وأماالمستحيل لعارضٍ منفصلٍ عنه فهومن قبيل الجائز كاستحالة إيمان أبي لهب فإنهالماعرض لإيمانه من إرادة الله تعالى لعدمه والمراد بالجائز أيضاً مايصح في العقل وجوده وعدمه أي لايلزم من هذين التقديرين فيه محال لذاته ويدخل فيه ثلاثة أقسام الأول الجائز المقطوع بوجوده كاتصاف الجرم المطلق بخصوص البياض وخصوص الحركة ونحوها وكالبعث والثواب والعقاب ونحو ذلك وهذا هو الواجب العرضي.
الثاني الجائزالمقطوع بعدمه كإيمان أبي لهب وأبي جهل ودخول الكافرين الجنة ونحوذلك وهذاهوالمستحيل العرضي. الثالث المحتمل للوجود والعدم كقبول الطاعات وفوزنا بحسن الخاتمة وسلامتنا من عذاب الآخرة ونحوذلك وإنماقالوا لايترتب على تقديروجوده ولاعلى تقديرعدمه محال لذاته أي بالنظر إلى ذات ذلك الجائز أي حقيقته ليدخل فيه القسمان الأولان وهما المقطوع بوجوده والمقطوع بعدمه فإن كل واحدٍ منهمابالنظر إلى ذاته لايلزم محال في وجوده ولاعدمه ولونظرناإلى ماتعلق بهما من أخبارالله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام لترتب حينئذٍ على عدم الأول ووجود الثاني أمرمحال وهوالكذب والخلف في خبرمن يستحيل عليه ذلك وليس المرادبالجائزهنا ماأذن الشرع في فعله وتركه فيكون مرادفاً للمباح كالبيع والنكاح ونحوهما ولاماأذن في فعله وإن لم يأذن في تركه فيكون أعم من المباح لصدقه على الواجب والمندوب وحاصل هذا التنبيه أن المراد بالواجب الواجب لذاته لالعارضٍ وبالمستحيل المستحيل لذاته لالعارضٍ وبالجائزالجائز لذاته وإن عرض وجوبه بإخبارالشارع بوقوعه وهوالواجب العرضي أوعرضت إستحالته بإخبارالشارع بعدم وقوعه وهوالمستحيل العرضي وليس المرادبالجائز المباح أوالمأذون في فعله (التنبيه الثاني) قدتقدم في تقسيم الحكم بعض الكلام على الحكم العادي وأن الناظم لم تدعه حاجةٍ لذكره ولابدمن زيادة بعض الكلام فيه لتشوف النفس عندالتقسيم إلى معرفة جميع الأقسام فأقول قال في المقدمات وأماالحكم العادي فهوإثبات الربط بين أمرٍ وأمرٍ وجوداً أوعدماً بواسطة التكررمع صحة التخلف وعدم تأثير أحدهما في الآخر ألبتة قال في شرحها يعني أن الحكم العادي هوإثبات الربط بين وجودأمرٍ وعدمه وبين وجود أمرٍ آخر فقولنا وجوداً أوعدماً راجع لكل واحدٍ من الأمرين لا لأحدهما فقط إذ لوكان كذلك مادخل تحت هذاالكلام جميع الأقسام الأربعة الآتية وإحترز بقوله التكرر من الربط بين أمرين عقلاً أوشرعاً كالربط العقلي بين قيام العلم بمحل وبين كون ذلك المحل عالماً وكالربط الشرعي بين زوال الشمس ووجوب صلاة الظهر مثلاً فهذان الربطان لايسمى واحد منهما عادياً لعدم توقفه على تكرروأماقولنا مع صحة التخلف وعدم تأثير أحدهما في الآخر ألبته فلم نذكره لبيان حقيقة الحكم العادي بل التنبيه على تحقيق علم ودفع جهالةٍ ابتلى بها الأكثر في الأحكام العادية حتى توهموا أنه لامعنى للربط الذي حصل في الحكم العادي إلا ربط اللزوم الذي لايمكن
معه الانفكاك كاللزوم العقلي أوربط التأثير من أحدهما في الآخرر فنبهنا بهذه الجملة على أن الربط الذي حصل في الحكم العادي إنماهوربط اقتران ودلالة جعلية لاربط لزوم عقلي ولاربط تأثيرمن أحدهما في الآخر فأشرنا إلى عدم الربط فيه بطريق اللزوم الذي يشبه اللزوم العقلي بقولنامع صحة التخلف وفيه تنبيه على جهالة من فهم أن الربط في العاديات بطريق اللزوم الذي لايصح معه التخلف فأنكربسبب هذه الجهالة البعث وإحياء الميت في القبروالخلودفي النارمع استمرارالحياة لأن ذلك كله على خلاف العادة المستمرة في الشاهد والربط المقترن فيها لايصح فيه التخلف عندهم وأشرنا إلى عدم الربط فيه بطريق التأثيربقولناوعدم تأثيرأحدهما في الآخر ألبته وقديقال إن ذكرهذين القيدين في تعريف الحكم العادي إنماهولإفادة معرفته بناءً على أن الجهل بصفة حقيقية، وإثبات ضدها لتلك الحقيقة موجب للجهل بها وهومذهب الشيخ أبي عمران الفارسي رضي الله عنه في المسألة المشهورة بالخلاف وهي الجهل بصفات المولى تبارك وتعالى وإثبات ضدهابمالايليق به جل وعلا كإثبات الجسمية له والجهة ونحوذلك مماهومستحيل عليه تعالى هل يصدق على معتقدذلك أنه جاهل بالمولى تبارك وتعالى أم لا والأظهر أنه جاهل به جل وعلا كماإختار أبوعمران رحمه الله فعلى هذامن جهلٍ صفة الحكم العادي بأنه ربط اقتران جعلى يصح فيه التخلف واعتقد لجهله أن الربط فيه ربط تأثيرأولزوم ولايمكن فيه التخلف فإنه يصدق عليه أنه جاهل بالحكم العادي بناءً على هذا القول الأظهر أن الجهل بالصفة جهلٍ بالموصوف فإسقاط هذين القيدين إذاً من تعريف الحكم العادي قديخل بمعرفته قال في المقدمات أيضاً وأقسامه أربعة ربط وجود بوجود كربط وجودالشبع بوجود الأكل وربط عدم بعدم كربط عدم الشبع بعدم الأكل قال وربط وجودبعدم كربط وجود الجوع بعدم الأكل وربط عدم بوجود كربط عدم الجوع بوجود الأكل في الشرح قد عرفت أن الربط بين أمرين في الحكم العادي يصح في وجود كل واحدٍ منهماوعدمه فلزم انقسام الربط إلى أربعة أقسام من ضرب إثنين وهماوجود أحدالأمرين وعدمه في اثنين وهماوجود الأمرالآخر وعدمه اهـ. محل الحاجة (تتمه) كما إنقسم الحكم العقلي إلى ضروري ونظري فكذلك الحكم العادي فمثال الضروري من الحكم العادي حكمنا بأن النار محرقةٍ وأن الثوب ساترونحوذلك ومثال النظري منه كون شراب السكنجبين مسكناً للصفراء والخبزالفطير ليس بسريع الإنهضام ونحوذلك وأكثر أحكام أهل الطب عادية نظرية وكذلك الشرعي ينقسم إلى ضروري ونظري وسيأتي
أَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى مَنْ كُلِّفَا
مُمْكِّناً مِنْ نَطَرٍ أنْ يَعْرِفَا
الله وَالرُّسُلَ بِالصِّفَاتِ
مِمَّا عَلَيْهَا نَصَبَ الآيَاِت
أخبرأن أول مايجب على المكلف وهوالعاقل البالغ حالة كونه ممكناً من النظرمعرفة الله تعالى ومعرفة رسله عليهم الصلاة والسلام بالصفات التي نصب الله تعالى عليها الآيات أي أقام عليها البراهين والأدلة إذ الجهل بالصفة جهل بالموصوف كمامر قريباً وإنما قال ممكناً من نظرٍ ليتحرز به عن المكلف إذالم يتمكن من النظر لمفاجأة الموت له عقب البلوغ فلاتجب عليه المعرفة إذ لايتوصل لهاإلا بالنظروالفرض أنه لم يتمكن منه وكون المعرفة أول واجبٍ هو أحد أقوال في المسألة قال في شرح الكبرى مامررناعليه في هذه العقيدة من أن أول واجب النظر هومذهب جماعةٍ منهم الشيخ الأشعري وذهب الأستاذ وإمام الحرمين إلى أن أول واجبٍ القصد إلى النظر أي توجيه القلب إليه بقطع العلائق المنافية لهاومنها الكبروالحسد والبغض للعلماء الداعين إلى الله سبحانه، وتطهيرالقلب من هذه الأخلاق أول هداية الله للعبد وقال القاضي أول واجب أول جزءٍ من النظروقيل أول واجب المعرفة ويعزى للشيخ أيضاً وهوفي الحقيقة غير مخالفٍ لماقبله لأنه نظر إلى أول مايجب مقصداً وغيره نظر إلى أول مايجب إمتثالاً وأداء وإنمااخترنا من هذه الأقوال القول بأن أول واجب النظر لتكررالحث على النظر في الكتاب والسنة حتى كأنه مقصد بخلاف ماقبله من الوسائل فإنماأخذ من قاعدة أن الأمر بالشيء أمربمايتوقف عليه من فعل المكلف وفي تلك القاعدة نزاع اهـ قوله ممكناً من نظرالنظرقال ابن العربي هوالفكرالمرتب في النفس على الطريقة تفضى إلى العلم يطلب به من قام به علماً في العلميات أوغلبة ظنٍ في المظنونات وقال البيضاوي حقيقة النظر ترتيب أمورمعلومة على وجه يؤدي إلى إستعلام ماليس بمعلوم وقيل غيرذلك وهل الربط بين الدليل والنتيجة عادي فيمكن تخلفه أوعقلي
فلا يمكن عند نفي الآفات العامة كالموت ونحوه التخلف أوبالتولدأوبالإيجاب أربعة أقوال الأول مذهب الأشعري والثاني إمام الحرمين وهو الصحيح وللقاضي القولان والثالث مذهب المعتزلة والرابع مذهب الحكماء. قوله أن يعرفاالمعرفة هي الجزم المطابق عن دليل وللشيخ في شرح الكبرى تقسيم عجيب لابد من إيراده لمسيس الحاجة إليه وإشتماله على فوائدٍ قال رحمه الله أعلم أن الحكم الحادث ينشأ عن أمورٍ خمسةٍ علم وإعتقاد وظن وشك ووهم لأن الحاكم بأمرٍ على أمرٍ ثبوتاً أونفياً إماأن يجدفي نفسه الجزم بذلك الحكم أولا والأول إماأن يكون لسببٍ وأعني به ضرورةً أوبرهاناً أولا وغيرالجزم إماأن يكون راجحاً على مقابله أومرجوحاً أومساوياً فأقسام الجزم إثنان وأقسام غيرالجزم ثلاثةً ويسمى الأول من قسمي الجزم علماً ومعرفةً ويقيناً والثاني اعتقاداً ويسمى الأول من أقسام غير الجزم ظناً والثاني وهماً والثالث شكاً فإذا عرفت هذافالإيمان إن حصل عن أقسام غيرالجزم الثلاثة فالاجماع على بطلانه وإن حصل عن القسم الأول من قسمي الجزم وهو العلم فالإجماع على صحته وأما القسم الثاني وهو الاعتقاد فينقسم قسمين مطابق في نفس الأمر ويسمى الاعتقاد الصحيح كاعتقاد عامة المؤمنين المقلدين وغير مطابق يسمى الإعتقاد الفاسد والجهل المركب كاعتقادالكافرين فالفاسد أجمعوا على كفرصاحبه وأنه اثم غير معذور مخلدفي الناراجتهد أو قلد ولايعتدبه بخلاف من خالف في ذلك من المبتدعة واختلفوا في الاعتقاد الصحيح الذي حصل بمحض التقليد فالذي عليه الجمهور والمحققون من أهل السنة كالشيخ الأشعري والقاضي والإستاذ وإمام الحرمين وغيرهم من الأئمة أنه لايصح الإكتفاء به في العقائد الدينية وهو الحق الذي لاشك فيه وقدحكى غيرواحدٍ الإجماع عليه وكأنه لم يعتدبه بخلاف الحشوية وبعض أهل الظاهرإما لظهورفساده وعدم متانة علم صاحبه أو لإنعقادإجماع السلف قبله على ضده وقد حصل ابن عرفة في المقلد ثلاثة أقوال الأول أنه مأمن غيرعاصٍ بترك النظر الثاني أنه مؤمن لكنه عاصٍ إن ترك النظرمع القدرة.
الثالث إنه كافر، ثم قال وبالجملة فالذي حكاه غير واحدٍ عن جمهورأهل السنة ومحققيهم أن التقليد لايكفي في العقائد ولهذا قال ابن الحاجب في العقيدة المنسوبة له بعد قوله إن الإيمان هوالتصديق وهو حديث النفس التابع للمعرفة على الأصح قال ولايكفي التقليد في ذلك على الأصح اهـ وإلى القسم الأول من قسمي الجزم وهو الجزم المطابق عن دليل أشارالناظم بقوله أن يعرف الله والرسل إذ هوالمسمى معرفةً كمامر وسيب الخلاف في الاكتفاء بالتقليد وعدمه هوهل المعرفة واجبة على الكفاية أوعلى الأعيان فالمعرفة واجبة في الجملة بإجماع وهل على الكفاية بحملهامن قام بها وغيره يكفيه التقليد أوهي واجبة على الأعيان فتجب المعرفة على كل واحدٍ ولايكفي التقليد في المسألة قولان وكل من يقول يقول ادعى الإجماع لنقض ماادعاه مخالفةً وإلى ذلك أشارالإمام ابن زكرى بقوله
فصل وقد وجب بالإجماع
معرفة الله بلا نزاع
وفي وجوبها على الأعيان
أوالكفاية لهم قولان
لا يكتفي الأول بالتقليد
ويكتفي الثاني بلا ترديد
كل حكى الإجماع في نقيض ما
قد ادعاه خصمه ملتزما
قوله بالصفات وهو جمع صفة والصفة والوصف بمعنى واحد عند أهل العربية وأما عند المتكلمين فالوصف قول الواصف والصفة المعنى القائم بالموصوف وهوالمرادهنا. قوله مماعليه نصب الآيات. يتعلق بمحذوف صفة أوحال للصفات ومفهومه أنه لايجب المعرفة بمالم ينصب عليه دليل من الصفات وهوكذلك وهذاالمفهوم كقول الإمام السنوسي في شرح الصغرى صفات مولانا جل وعز الواجبة له لاتنحصرفي العشرين إذ كمالاته لانهاية لهالكن العجزعن معرفة مالم ينصب عليه دليل عقلي ولانقلي لانؤاخذبه بفضل الله تعالى.
وَكُلُّ تكْليفٍ بِشرْطِ الْعَقْلِ
مَعَ الْبُلُوغِ بِدمٍ أوْ حَمْلِ
أَوْ بِمَني أو بِإِنْباتِ الشّعْرِ
أَوْ بِثَمانِ عَشْرَةٍ حَوْلاً ظَهَرْ
اعلم أنه اختلف في التكليف فقيل هوإلزام مافيه كلفة وقيل طلب مافيه كلفة ويجري على القولين الندب فهوتكليف على الثاني دون الأول وللتكليف ثلاثة شروط. الأول العقل وهو قوة مهيئة لقبول العلم وقيل قوة يكون بها التمييز بين الحسن
والقبيح. وقال صاحب القاموس الحق أنه نور روحاني به تدرك النفوس العلوم الضرورية والنظرية وابتداء وجوده عند اختتان الولد ثم لايزال ينموإلى أن يكمل عند البلوغ اهـ وقال بعضهم اختلف الناس في العقل من جهاتٍ شتى هل له حقيقة تدرك أم لا وعلى أن له حقيقة تدرك هل هو جوهر أوعرض قولان وهل محله الرأس أوالقلب قولان وهل العقول متفاوته أو متساوية قولان وهل هو اسم جنس أوجنس أونوع أقوال ثلاثة فهذه أحد عشر قولاً ثم القائلون بالجوهرية والعرضية اختلفوا في رسمه على أقوال شتى أعد لها قولان قال أصحاب العرض هو ملكة النفس بها يستعد للعلوم والإدراكات وقال أصحاب الجوهر جوهر لطيف تدرك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدات خلفه الله في الدماغ وجعل نوره في القلب. الثاني من شروط التكاليف البلوغ وهوكما قال الإمام أبوعبدالله المازري قوة تحدث في الصبي يخرج بها عن حالة الطفولية إلى حال الرجولية وتلك القوة لايكاد يعرفها أحد فجعل الشارع لها علامات يستدل بها على حصولها اهـ والعلامات خمس ثلاث يشترك فيها الذكروالأنثى أولها الاحتلام وهو خروج المني ابن شاس ويثبت الاحتلام بقوله إن كان ممكناً إلا أن تعارضه ريبةً والثانية إنبات الشعر أي شعر الوسط والمراد به الخشن لاالزغب ابن العربي ويثبت بالنظر إلى مراة تسامت محل الإنبات ابن عرفة أنكر هذاعزالدين وقال هو كالنظر إلى عين العورة وكذا ابن القطان المحدث. والثالثة السن واختلف في حده والمشهور وعليه اقتصر الناظم ثمان عشرة سنة وقيل سبع عشرة وقيل خمس عشرة واثنتان تختص بهما الأنثى وهما الحيض والحمل ابن ناجي في عد الحمل نطر لأنه لايكون إلا بعد سبقية الإنزال من المرأة فهوراجع إلى الاحتلام وزاد الشهاب القرافي في العلامات رائحة الإبطين وزاد غيره فرق الأرنبة من الأنف وبعض الطبائعيين غلظ الصوت البرزلي ومن ذلك أن يأخذ خيطاً ويثنيه ويديره برقبته ويجمع طرفيه في أسنانه فإن دخل رأسه فإن دخل رأسه منه فقد بلغ وإلا فلا ولاإشكال في العلامات المذكورة بالنسبة إلى الشخص الذي تمخضت ذكورته أوأنوثته وأما الخنثى فإن غلبت ذكورته فله حكم الذكر أوأنوثته فله حكم الأنثى وإن كان مشكلاً فله حكم الاحتياط فتجري فيه العلامات الخمس. الثالث من شروط التكليف بلوغ دعوة النبي وأسقط الناظم هذا الشرط لعدم الحاجة إليه بسبب دعوته لكل أحد والله تعالى أعلم.
أم القواعد، وماانطوت عليه من العقائد
ذكر الناظم في هذه الترجمة القاعدة الأولى من قواعدالإسلام الخمس وهي الشهادتان ومااشتملت عليه من العقائد فبدأ بذكرالعقائد وبراهينها ثم ذكرأن جميعها مندرج في كلمة التوحيد ولماكانت بقية القواعدالأربعة المذكورة بعدهامبنية عليها ولايصح شيء منها إلا بعدوجودها كمايصرح به في قوله بعد وهي الشهادتان شرط الباقيات سماها أم القواعد أي شرطاً شرعياً لصحة بقية القواعد كماأن وجود الأم شرط عادي في وجودالولد والكتاب مصدركتب يكتب كتابة وكتاباً ومادة كتب تدل على الجمع والضم ومنه الكتيبة استعملوا ذلك فيما يجمع أشياء ومسائل والضم فيه بالنسبة إلى المكتوب من الحروف حقيقة بالنسبة إلى المعاني المرادمنها مجاز وكتاب خبرمبتدأ محذوف أي هذا كتاب والمشار إليه بالمبتدء المحذوف هو الكلام المذكور في الترجمة من أولها إلى آخرها أي هذاالكلام بجمع القاعدة الأولى وماانطوت عليه أي اشتملت عليه من عقائد الإيمان فقوله وماانطوت عطف على أم وسيأتي إن شاء الله بيان اشتمال الشهادتين على جميع العقائد حيث تعرض له الناظم بقوله
وقوله لاإله إلا الله
محمدأرسله الإله
يجمع كل هذه المعاني
يُجِبُ لله الْوُجُودُ وَالْقِدَمْ
كَذَا الْبَقَاء وَالْغِنَى الْمُطْلَقُ عَمْ
وَخُلُفُهُ لِخَلْقِهِ بِلَا مِثَالْ
وَوَحْدَةُ الذَّاتِ وَوَصْفٍ وَالْفِعَالْ
وَقُدْرَةٌ إِرَادَةٌ عِلْمٌ حَيَاةْ
سَمْعٌ كَلَامٌ بَصَرٌ ذِي وَاجبِاتْ
وَيَسْتَحِيلُ ضِدُّ هَذِهِ الصِّفاتْ
بَعَدمُ الْحُدُوثُ ذَا لِلْحادِثَاتِ
كذَاَ الْفَنَا وَالاِفْتِقَاُر عُدَّهْ
وَأنْ يُمَاثِلُ وَنَفْىُ الْوحْدَهْ
عَجْزٌ كَرَاهَةٌ وَجَهْلٌ وممَات
وَصَمَمٌ وَبَكَمٌ عَمَي صُمات
يَجُوزُ فِي حَقِّهِ فِعْلُ الْمُمْكِناتِ
بأَسْرِهَا وَتَرْكهَا فِي الْعَدَمَاتِ
لما ذكرالناظم في مقدمة كتاب الاعتقاد أن معرفة الله تعالى بالصفات التي قام الدليل عليها واجبة شرع هنا في ذكرتلك الصفات وقسمها كغيره إلى ثلاث أقسام قسم واجب في حقه تعالى بمعنى أن وصفه تعالى به واجب عقلاً لايتصور في العقل عدمه
وقسم مستحيل عليه تعالى بمعنى أن وصفه تعالى به محال عقلاً لايتصورفي العقل وجوده وقسم جائز في حقه تعالى بمعنى أن وصفه تعالى به جائز عقلاً أي بحيث أن العقل يجوز أن يوصف به تعالى وأن لا ولاينبني محال على كل منهما فالقسم الأول ثلاث عشرة صفة وكذاالثاني لأن كل صفةٍ واجبةٍ يستحيل ضدها. الأولى الوجود قال في شرح الصغرى وفي عد الوجود صفة على مذهب الأشعري تسامح لأنه عنده عين الذات ليس بزائدٍ عليها والذات ليست بصفة لكن لما كان الوجود توصف به الذات في اللفظ فيقال ذات مولاناموجودة صح أن يعد صفة على الجملة وأما على مذهب من جعل الوجود زائداً على الذات كالإمام الرازي فعده من الصفات صحيح لاتسامح فيه وعلى من جعله زائداً على الذات في الحادث دون القديم وهومذهب الفلاسفة أهل الثانية القدم وهو عبارة عن سلب العدم السابق على الوجود وإن شئت قلت هوعبارة عن عدم الأولية للوجود وهذامعنى القدم باعتبار ذاته تعالى وصفاته وأماإذا أطلق في حق الحادث كقوله هذا بناء قديم فهو عبارة عن طول مدة وجوده وإن كان حادثاً مسبوقاً بعدم ويستحيل إطلاقه بهذا المعنى على الله تعالى لأن وجوده تعالى لايتقيد بزمان ولامكان لحدوث كل منهما فلايتقيد بواحدٍ إلا ماهو حادث ويجوز أن يقال الله تعالى قديم لأن معناه واجب له جل وعلا وهو الصحيح لوروده في حديث أبي هريرة في التسعة والتسعين أخرجه ابن ماجه في سننه أويقال إنما يجب له تعالى القدم لأن أسماءه تعالى توقيفية تردد في ذلك بعض الشيوخ. الثالثة البقاء وهو عبارة عن سلب العدم اللاحق للوجود وهذا التفسير وكذا تفسير القدم المتقدم بناء على أن القدم والبقاء صفتان سلبيتان وقال
بعض الأئمة في تفسيرالقدم هو استمرار الوجود في الماضي إلى غير نهاية وقال في تفسيرالبقاء هو استمرار الوجود في المستقبل إلى غير نهاية قال في شرح الصغرى وكان صاحب هذه العبارة يجنح إلى أن القدم والبقاء صفتان نفسيتان لأنهما عنده الوجود المستمر في الماضي والمستقبل والوجود نفسي لعدم تحقق الذات بدونه وهذا المذهب ضعيف لأنهما لو كانا نفسيين لزم أن لاتعقل الذات بدونهما وذلك باطل بدليل أن الذات يعقل
وجودها ثم يطلب البرهان على وجود قدمهاوبقائها. الرابعة الغنى المطلق وهوقيامه تعالى بنفسه أي بذاته فلايفتقر لشيء من الأشياء فلايفتقر إلى محلٍ أي ذات سوى ذاته يوجد فيها كماتوجد الصفة في الموصوف لأن ذلك لايكون إلا للصفات وهو تعالى ذات موصوف بالصفات وليس هو تعالى بصفةٍ كما تدعيه النصارى ولا يفتقر تعالى إلى مخصص أي فاعل يخصه بالوجود لا في ذاته ولافي صفة من صفاته لوجود القدم والبقاء لذاته تعالى ولجميع صفاته وإنمايحتاج إلى المخصص من يقبل العدم ومولانا جل وعز لا يقبله فبعدم افتقاره إلى محل أي ذاتٍ أخرى لزم كونه تعالى ذاتاً لاصفة وبعدم افتقاره تعالى إلى مخصص أي فاعل لزم أن داته تعالى ليست كسائر الدوات المفتقرة إلى الفاعل وإن كانت لاتفتقر إلى محل أيضاً فإذا القيام بالنفس عبارة عن الغنى المطلق كما عبر به الناظم وذلك لايمكن إلا لمولانا جل وعز وقال تعالى (ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هوالغني الحميد) وعم آخر البيت الأول أصله عاماً حال مؤكدة من الغنى فحذفت الألف الأولى كماحذفت في بر والأصل بار حذفت الثانية ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة ويوقف عليه بتخفيف الميم للوزن. الخامسة مخالفته تعالى للحوادث أي لايماثله تعالى شيء منها مطلقاً لافي الذات ولافي الصفات ولافي الأفعال، قال تعالى (ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير). فأول هذه الآية تنزيه واخرها إثبات فصدرها يرد على المجسمة وأضرابهم وعجزها يرد على المعطلة النافين لجميع الصفات. السادسة الوحدانية أي لاثاني له في ذاته ولافي صفاته ولافي أفعاله فأوجه الوحدانية ثلاثة وحدانية الذات ووحدانية الصفات ووحدانية الأفعال فوحدانية الذات تنفي التركيب في ذاته تعالى ووجود ذاتٍ أخرى تماثل الذات العلية فتنفي التعدد في حقيقتها متصلاً كان أومنفصلاً ووحدانية الصفات تنفي التعدد في حقيقة كل واحدٍ منهامتصلاً كان أومنفصلاً فعلم مولانا جل وعز ليس له ثانٍ يماثله لامتصلاً أي قائماً بالذات العلية ولامنفصلاً أي قائماً بذاتٍ أخرى بل هو تعالى يعلم المعلومات التي لا
نهاية لها بعلم واحدٍ لاعددٍ له ولاثاني له أصلاً وقس على هذا سائر صفات مولانا جل وعز ووحدانية الأفعال تنفي أن يكون ثم إختراع لكل ماسوى مولانا جل وعز في فعل مامن الأفعال بل مولانا جل وعز هوالمنفرد باختراع جميع الكائنات بلا واسطة وحاصل وحدانية الأفعال نفي نظيرله تعالى في ألوهيته ونفي شريك معه في جميع الممكنات فلا مؤثر في جميعها سواه وليست الوحدة الثابتة لذاته تعالى بمعنى تناهيه في الدقة والصغر إلى حدلاينقسم وإلا لزم أن يكون جوهراً فرداً ولابمعنى من المعاني لأن المعاني لاتقبل الانقسام وإلا لزم أن يكون صفة غير قائم بنفسه وذلك محال. السابعة القدرة وهي صفة يتأتى بهاإيجادالممكن وإعدامه على وفق الإرادة أي يتيسر بها إخراج كل ممكن من العدم إلى الوجود وإخراجه عن الوجود إلى العدم سواء كان الممكن جرماً أوعرضاً مكتسباً أوغير مكتسب حيواناً أوغيره ففيه تنبيه على فساد مذهب القدرية الذين أخرجوا أفعال الحيوانات الاختيارية عن تعلق قدرة الله تعالى وعلى فساد مذهب الطبائعيين الذين أسندوا بعض الممكنات لقوى الطبائع العلوية والسفلية وقولهم على وفق الإرادة إشارة إلى أن فعله تعالى للكائنات إنماهو بطريق الاختيار لا بطريق اللزوم كفعل العلة والطبيعة عندالفلاسفة والطبائعيين. الثامنة الإرادة وهي صفة يتأتى بهاتخصيص الممكن ببعض مايجوز عليه ومعنى ذلك أن الممكنات نسبتها إلى قدرة الله تعالى على حدٍ سواء فلو اختصت بوجودبعضها دون بعض لزم العجز فإذا لابد لتخصيص بعض الممكنات بالوقوع دون مقابلة من صفة أخرى وليس إلا صفة الإرادة إذ لايلزم نقص في قولنا أراد الله وجود هذا الممكن ولم يرد هذا الممكن الآخر بل أراد عدمه بل ذلك دليل على غاية الكمال فإن تصرفه تعالى في الممكنات إنما هو بمحض الإرادة والاختيار ولاباعث له على ممكن منهاولاإكراه ولاإجبار كما قال تعالى (وربك يخلق مايشاء ويختار). ولوقلت قدر الله تعالى على هذا الممكن الموجود ولم يقدرعلى مقابله لكان فاسداً لمافيه
من لزوم نقيصة العجز. وأماسائر الصفات كالعلم والكلام والسمع والبصرفلايصح التخصيص بهالأن التخصيص تأثيروهذه الصفات ليست مأثرة في متعلقاتها وأشار بالعموم في قول الممكن إلى فساد مذهب المعتزلة الذين خصصوا تعلق الإرادة بالخير دون الشر وبالصلاح والأصلح دون مقابليهما والله تعالى أعلم اهـ من شرح المقدمات (تتمة) قال في شرح الصغرى متعلق القدرة والإرادة واحدوهوالممكنات دون الواجبات والمستحيلات إلا أن جهة تعلقهما بالممكنات مختلفة فالقدرة صفة تؤثر في إيجاد الممكن وإعدامه والإرادة صفة تؤثر في إختصاص أحد طرفي الممكن من وجود وعدم أوطول وقصر ونحوها بالوقوع بدلاً عن مقابله فصار تأثير القدرة فرع تأثير الإرادة إذ لايوجد مولانا جل وعز من الممكنات أويعدم بقدرته إلا ماأراد سبحانه وتعالى وجوده أوإعدامه وتأثير الإرادة عند أهل الحق على وفق العلم فكل ماعلم الله تبارك وتعالى أنه يكون من الممكنات أولايكون فذلك مراده جل وعز والمعتزلة قبحهم الله جعلوا تعلق الإرادة تابعاً للأمر فلايريد عندهم مولانا جل وعزإلا ماأمربه من الإيمان والطاعة سواء وقع ذلك أم لا فعندنا إيمان أبي جهل مأموربه غير مراد له تعالى لأنه تعالى علم عدم وقوعه وكفر أبي جهل منهي عنه وهو واقع بإرادة الله تعالى وقدرته وعند المعتزلة قبح الله رأيهم إيمانه هوالمراد لله تعالى لاكفره فلزمهم أنه وقع نقص في ملك مولانا جل وعز إذ وقع فيه على قولهم مالايريده تعالى من له ملك السموات والأرض ومابينهما عن ذلك علواً كبيراً. وبالجملة فالتعلقات عند أهل الحق ثلاثة مرتبة تعلق القدرة وتعلق الإرادة وتعلق العلم بالممكنات فالأول مرتب على الثاني والثاني مرتب على الثالث وإنما لم تتعلق القدرة والإرادة بالواجب والمستحيل لأن القدرة والإرادة لماكانتا صفتين مؤثرتين ومن لازم الأثر أن يكون موجوداً بعد عدم لزم أن مالايقبل العدم أصلاً كالواجب لايقبل أن يكون أثراً لهما وإلا لزم تحصيل الحاصل ومالا يقبل الوجودأصلاً كالمستحيل لايقبل أيضاً أن يكون أثراً لهماوإلا لزم قلب الحقيقة برجوع المستحيل عين الجائز فلا قصور أصلاً في عدم تعلق القدرة والإرادة القديمتين بالواجب والمستحيل بل لوتعلقتا بهما لزم حينئذٍ القصور لأنه يلزم على هذا التقدير الفاسد أن يجوز تعلقهما بإعدام أنفسهما بل وبإعدام الذات العلية وبإثبات الألوهية لمالايقبلها من الحوادث وسلبها عمن تجب له هو ومولانا جل وعز وأي
نقصٍ وفساد أعظم من هذا وبالجملة فذلك التقدير الفاسد يؤدي إلى تخليط عظيم لايبقى معه شيء من الإيمان ولاشيء من المعقولات أصلاً اهـ (فرع) قال الإمام أبوالعباس أحمد القلشاني في شرح اختلف العلماء هل يجوز إطلاق القول بأن الله تعالى أراد الكفرو المعصية أم لافقال ابن سعيد والقلانسي لايجوز إطلاق ذلك وإن صح في الاعتقاد لأن الطلاق يلزم فيه الأدب مع الله تعالى وأن ذلك يوهم أن المعصية حسنة مأمور بهاوقيل بالجواز قال ابن العربي قال شيخنا والصحيح الجواز حيث لاإيهام قلت الأظهر الأول مع اعتقاد أن لاخالق إلا الله وأن جميع الكائنات بمراده وانظر قوله تعالى (وأنالاندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشداً) اهـ. التاسعة العلم وهوصفة ينكشف بها المعلوم على ماهوبه انكشافاً لايحتمل النقيض بوجه من الوجوه قال في شرح المقدمات يعنى بالمعلوم كل مايصح أن يعلم وهوكل واجبٍ وكل مستحيلٍ وكل جائز ومعنى ينكشف أنه يتضح ذلك المعلوم لمن قامت به تلك الصفة ويتميز عن غيره اتضاحاً لاخفاء معه وهذامخرج للظن والشك والوهم فإن الاحتمال القائم فيها يمنع من انكشاف ذلك المظنون والمشكوك والموهوم ويوجب له تعالى خفاء والتعبير بالمضارع في الانكشاف يقتضي دوام الانكشاف واستمراره بحيث لايحتمل النقيض بوجه وذلك لإستناد هذه الصفات إلى ضرورة أوبرهان ويخرج أيضاًالاعتقاد الجازم مطابقاً كان أوغير مطابق لأنه يحتمل النقيض بتشكيك مشكك فلايستمر معه الانكشاف وقوله على ماهو به زيادة في البيان وتصريح على سبيل التوكيد بإخراج الجهل المركب وهواعتقاد أمر على خلاف ماهو به والمقصود من هذا التعريف التقريب على سبيل الاختصار لعسر تعريف العلم بما يسلم من كل مناقشة ويدخل في العلم على مقتضى هذا التعريف إدراك السمع والبصر وسائر الادراكات فهي إذاً أنواع للعلم وهذا مذهب الشيخ الأشعري رضي الله عنه اهـ. وقد اتضح من قوله يعني بالمعلوم كل مايصح أن يعلم وهو كل واجبٍ وكل جائز
وكل مايستحيل أن متعلق العلم الأقسام الثلاثة. العاشر الحياة وهي صفة تصحح لمن قامت به أن يتصف بالادراك قال في شرح المقدمات يعني أن الحياة ليست من الصفات المتعلقة وهي مايقتضي بذاته أمراً زائداً على القيام بمحله كالقدرة فإنها تقتضي زائداً على القيام بمحلها وهوالمقدور الذي يتأتى بها إيجاده وإعدامه والارادة تقتضي لذاتها مراداً يتخصص بها والعلم يقتضي معلوماً ينكشف به والكلام يقتضي معنى يدل عليه والكلام يقتضي معنى يدل عليه والسمع يقتضي مسموعاً والبصر يقتضي مبصراً والحياة لاتقتضي زائداً على القيام بمحلها وإنما هي صفة مصححة للادراك بمعنى أنهاشرط عقلي له يلزم من عدمها عدم الادراك ولايلزم من وجودها وجودالادراك ولاعدمه اهـ زاد في شرح الصغرى مانصه وبالجملة فجميع صفات المعاني متعلقة أي طالبه لزائد على القيام بمحلها سوى الحياة وهذاالتعلق نفسي لتلك الصفات كما أن قيامها بالذات نفسي لهاأيضاً. الحادية عشرة والثانية عشرة السمع والبصرقال في المقدمات والسمع الأزلي صفة ينكشف بها كل موجودٍ على ماهوبه إنكشافاً يباين سواه ضرورة والبصر مثله والإدراك على القول به مثلهما قال في شرحها هذه الصفات مشتركة في تعلقها بالموجودقديماً كان أوحادثاً إلا أنها في الشاهد مختصة ببعض الموجودات لتخصيصه تعالى بذلك ولوخرق الله سبحانه العادة في ذلك لصح أن تتعلق بسائر الموجودات ولهذا جازت رؤية المخلوقات لمولانا تبارك وتعالى على مذهب أهل الحق وجاز سماعهم لكلامه القائم بذاته العلية مع أن الرؤية في الشاهد إنما جرت العادة بتعليقها بالأجرام وألوانها وأكوانها والسمع في الشاهد إنماجرت العادة بتعلقه بالحروف والأصوات ولما استحال دخول التخصيص في صفات المولى تبارك وتعالى لاستلزامه الافتقار إلى المخصص المستلزم للحدوث وجب تعميم تعلق صفاته تعالى بكل ماتصلح له لأنها واجبة فلا يمكن أن تتصف بمايقتضي حدوثها والقاعدة أن كل مايقبله مولانا تبارك وتعالى من الصفات الذاتية وكمالاتها فهو واجب لاستحالة اتصافه جل وعلا بالجائزات اهـ وفي شرح الصغرى ونبه بقوله المتعلقان بجميع الموجودات على أن سمعه تعالى وبصره مخالفان لسمعنا وبصرنا في التعلق لأن سمعنا إنما يتعلق عادة ببعض الموجودات وهي الأصوات على وجه مخصوص من عدم البعد والسر جداً وبصرنا إنمايتعلق عادة ببعض الموجودات وهي الأجسام وألوانها وكونها في جهة مخصوصة على صفة مخصوصة وأما سمع مولانا جل وعز وبصره فيتعلقان بكل موجود قديماً كان أوحادثاً فيسمع جل وعز ويرى في أزله ذاته العلية وجميع صفاته الوجودية ويسمع ويرى
تبارك وتعالى مع ذلك فيمالايزال ذوات الكائنات كلهاوجميع صفاتها الوجودية كانت من قبيل الأصوات أومن غيرها أجساماً كانت أوألواناً وأكواناً أوغيرها. الثالثة عشرة وهي في ترتيب النظم الثانية عشرة الكلام قال في المقدمات والكلام الأزلي هوالمعنى القائم بالذات المعبر عنه بالعبارات المختلفات المبان لجنس الحروف والأصوات المنزه عن البعض والكل والتقديم والتأخير والسكوت واللحن والإعراب وسائر أنواع التغيرات المتعلق بمايتعلق به العلم من المتعلقات قال في شرحها لاشك أن الكتاب والسنة والإجماع مصرحة بإثبات الكلام لمولانا تبارك وتعالى من أمر ونهي ووعد ووعيد وتبشير وتحذير وأخبار ودليل العقل أيضاً يدل بالطريق القطعي أن كل عالم بأمر يصح أن يتكلم به ومولانا تبارك وتعالى عالم بجميع المعلومات فصح أن له كلاماً مايتعلق بها وكل مايصح أن يتصف به جل وعلا وجب له استحالة اتصافه تعالى بصفة جائزة فالكلام إذاً واجب له تعالى ثم قال وقداتضح أن الحق ماأجمع عليه أهل السنة من ثبوت كلام المولى تبارك وتعالى ليس من جنس الحروف والأصوات منزهاً عن التقديم والتأخيروالجزء والكل واللحن والإعراب والسكوت ونحوهامن خواص كلامنا الحادث لسانياً كان أونفسانياً لاستلزام ذلك كله النقص والبكم والحدوث وإنما كلامه جل وعلا صفة واجبة القدم والبقاء متعلقة بجميع ماتعلق به علمه وكنهه محجوب عن العقل إذ لامثل له عقلياً ولاوهمياً ولاخيالياً ولاموجوداً ولامقدراً وذلك كذاته العلية وسائر صفاته اهـ. وحاصلة إثبات الكلام القديم وأنه يستحيل أن توجدفيه صفة من صفات الكلام الحادث من حروف وأصوات وماذكر بعدها وإنما هوصفة معنى موجود قائم بذاته العلية ويعبرعنه بالعبارات المختلفات كالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان وليست هذه العبارات هي عين كلامه تعالى لأنهابالحروف والأصوات بل هذه دالة على كلام الله تعالى القديم ولم يحل كلامه تعالى في شيء من الكتب بل هو قائم بذاته العلية لايفارقه ولايتصف به غيره لكن لما كانت حروف القرآن دالةً على كلامه تعالى أطلق على القرآن أنه كلام الله من باب تسمية الدال باسم المدلول وذلك كقول عائشة رضي الله عنها (مابين دفتي المصحف كلام الله) ثم قال في شرح المقدمات بعدما تقدم عنه وإذاعرفت مذهب أهل الحق في كلام الله تعالى عرفت أن إطلاق السلف رضي الله عنهم على كلام الله تعالى أنه مقروء بالألسنة،
مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور هوبطريق الحقيقة لاالمجاز وليس يعنون بذلك حلول كلام الله تعالى القديم في هذه الأجرام تعالى الله عن ذلك وإنما يريدون أن كلامه تعالى مذكورمدلول عليه بتلاوة اللسان وكلام الجنان وكتابة البنان فهو موجود فيها فهماً وعلماً لاحلولا لأن الشيء له وجودات أربع وجود في الأعيان ووجودفي الأذهان ووجود في اللسان ووجود في البنان أي بالكتابة بالأصابع فالوجود الأول هوالوجودالذاتي الحقيقي وسائر الوجودات إنماهي باعتبار الدلالة والفهم وبهذا تعرف أن التلاوة غيرالمتلو والقراءة غير المقروء والكتابة غيرالمكتوب لأن الأول من كل قسمٍ من هذه الأقسام حادث والثاني منها قديم لانهاية له اهـ. قوله ذي واجبات جملة إسمية تتميم للبيت لاستفادة وجوب الصفات من قوله يجب لله (تنبيهات) الأول قوله في شرح المقدمات هو بطريق الحقيقة لاالمجاز صريح في أن إطلاق كلام الله تعالى على المقروء والمحفوظ والمكتوب حقيقة لامجازاً وكذاصرح به في جمع الجوامع وبأن إطلاق القرآن على كلام الله تعالى هوأيضاً حقيقة لامجاز وظاهر قوله آخراً فالوجودالأول هوالوجود الحقيقي إلخ أن إطلاقه على ماعدا الوجودالأول مجاز لا حقيقةً وبهذا الثاني صرح غير واحد من المحققين قال الإمام ناصر الدين اللقاني في حاشيته على المحلى واعلم أن الاتصاف بهذه الثلاثة في حق القديم مجاز قطعاً وماذكر من الوجودات الثلاثة غيرالخارجي بيان للعلاقة المصححة للتجوز نبه عليه في حاشيته وبعد فلايخفى عليك مافي قول المصنف والشارح على الحقيقة لاالمجاز كيف وقد صرح في شرح المقاصد بالتجوز وأن وصفه بالمقروء والمسوع والمكتوب من وصف المدلول بصفة الدال مجاز لاحقيقة اهـ وفي شرح جمع الجوامع للعراقي بعد كلام له وحاصل هذا إطلاق الكلام على النفسي القديم حقيقةً فقط عقليةً وإطلاقه أيضاً على المكتوب والمحفوظ والمقروء حقيقة شرعية وعرفية وليس حقيقةً عقليةً اهـ. (الثاني) تكلم الناظم على صفات المعاني وهي القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام ولم يتكلم على المعنوية وهي كونه تعالى قادراً ومريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً والله أعلم بناءً على مذهب الإمام الأشعري من نفي الحال وأنه لاواسطة بين الوجود والعدم فالثابت من الصفات التي تقوم بالذات إنما هو صفات المعاني أما المعنوية فعبارة عن قيام تلك بالذات إنماهو صفات المعاني أماالمعنوية فعبارة عن قيام تلك بالذات لاأن لها ثبوتاً في الخارج عن الذهن وأما على مذهب غيره من القول بثبوت الأحوال وهي صفات ثبوتية ليست بموجودة ولا معدومة تقوم بموجود فتكون هذه الصفات المعنوية صفات ثابتة قائمة بذاته تعالى فلابد من ذكرهاإلا أنه لوحظ فيها كونها ملازمةً للسبع الأولى وكون الأولى عللا
لهذه أي ملزومةً لها إذ لايصح اتصاف محل بكونه قادراً أوعالماً مثلاً إلا إذا قامت به القدرة أوالعلم وكذا الباقي ولذلك كانت سبعاً مثل الأولى ولذلك أيضاً نسبت هذه إلى تلك فقيل فيها صفات معنوية والياء في لفظ المعنوية ياء النسب إلى المعنى والواو فيه بدل من الألف التي في ذلك مالايخفي إذاً في المعنى وفي المقام مقام البسط والبيان والاكتفاء بالملزوم عن الملازم ذريعة إلى جهل اللازم لخائه غالباً وخطرالجهل في هذا العلم عظيم فينبغي الاعتناء فيه بمزيد الايضاح على قدرالإمكان (الثالث) مما لايتضح في مذهب الأشعري ماوجدته بخط شيخنا الإمام العلامة الحافظ المتفنن الحاج الأبر سيدي أبي العباس أحمدالمقري القرشي التلمساني نزيل فاس المحروسة رحمه الله مانصه سئل الإمام سيدي محمد بن يوسف السنوسي سيدي رضي الله عنه جوابكم عن معنى قولهم الصفة المعنوية هي وجه واعتبار نريد بيان الوجه والاعتبار فأجاب معنى قول الأستاذ في الصفات المعنوية ونحوها من كل مايسمى حالاً أنه وجه واعتبار التنبيه على نفي الحال وأن مايتخيل من ثبوت الحال في الخارج ليس بصحيح وإنما هو وجه يعتبره الذهن لاأمر وجودي فالعلم مثلاً إذاقام بمحل فله أوجه يعتبرها الذهن فإن اعتبره من حيث حقيقته فهو صفة معنى وجودية وإن اعتبره من حيث صار محله عالماً فهو المعنى الذي يعبرون عنه بالعالمية وليس له ثبوت في الخارج وإنما هو وجه اعتبره العقل من أوجه العلم وإن اعتبرالعقل العلم من حيث انكشاف المعلوم به سمي هذا الوجه تعلقاً وإن اعتبره العقل من حيث وجوده في محل سمي هذا الوجه قياماً فرجعت الأحوال كلها في هذا القدر إلى وجوه يعتبرها العقل للأمور الوجودية اهـ. (الرابع) أنكرت المعتزلة صفات المعاني التي أثبتها جماعة أهل السنة ووافقوهم على اتصافه تعالى بأحكامها المعنوية وهي كونه تعالى قادراً ومريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً وقالوا يجب أن تكون هذه هي الأحكام واجبة لذاته تعالى ولاتعلل بصفات المعاني كماهو في الشاهد ويلزم من إنكار صفات المعاني إنكارأحكامها التي هي المعنوية وإنكارها كفر فإن قلنا لازم القول قول كفروا وإلا فلا ولمالكٍ والشافعي والقاضي فيهم قولان وقد كنت قلت في هذا المعنى مبيناً للخلاف في لازم القول هل هو قول أولا وماينبني عليه بيتين وهما:
هل لازم القول يعد قولا
عليه كفر ذي هوى تجلى
كمثبت الأحكام للصفات مع
إنكاره لها فبئس ما ابتدع
(الخامس) صفات المعاني باعتبار متعلقها على أربعة أقسام قسم لايتعلق بشيء وهو الحياة وقسم يتعلق بالممكنات فقط وهو القدرة والإرادة وقسم يتعلق بجميع الموجودات وهو السمع والبصر وقسم يتعلق بجميع أقسام الحكم العقلي وهو العلم والكلام فأعمها في التعلق العلم والكلام وبين متعلق القدرة والإرادة ومتعلق السمع والبصر عموم وخصوص من وجه فتزيد القدرة والإرادة بتعلقها بالمعدوم والممكن. ويزيد السمع والبصر بتعلقهما بالموجود الواجب كذاته تعالى وصفاته ويشترك القسمان في تعلقهما بالموجود الممكن (السادس) قال في شرح المقدمات صفاته تبارك وتعالى على أقسام. الأول مايعبربه عن نفس الذات وهو الوجود. الثاني مايرجع في المعنى إلى سلب نقص مستحيل عليه تعالى وذلك خمس صفات القدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والوحدانية. الثالثة صفات المعاني وهي عبارة عن الصفات الوجودية القائمة بالذات العلياوهي سبع القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام واختلف في زيادة صفةٍ واحدةٍ وهي إدراك المشمومات والمذوقات والملموسات واللذائذ والآلام فقيل بثبوتها زائدة على الصفات السبع وعليه فتتعلق بكل موجود بغير اتصال بالأجسام ولا تكييف بالذات والآلام وقيل ترجع في حقه تعالى إلى العلم وقيل بالوقف وهوأحسنها. الرابع الصفات المعنوية وهي صفات الذات اللازمة لصفات المعاني وهي كونه تعالى قادراً ومريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً. الخامس زاد بعضهم صفات الأفعال وهي عبارة عن التعلق التنجيزي للقدرة والإرادة بالممكنات كخلقه ورزقه وإماتته وإحيائه وتحريكه وتسكينه وإن شئت قلت هي عبارة عن صدور الممكنات عن القدرة والإرادة وهي على قسمين. فعليه وجودية كالأمثلة وفعلية سلبية كعفوه تعالى عمن شاء من أهل المعاصي فإنه عبارة عن ترك العقوبة لمن يستحقها وهذاالترك متأخر عن المعصية، والحادثة هوفعل بناء على أن الترك فعل أوسلب فعل العقوبة لمن يستحقها بناءً على أنه ليس بفعل. (السادس) زاده بعضهم أيضاً وهوالصفات الجامعة لسائر الصفات كالألوهية
والكبرياء والعظمة (التنبيه السابع) حاصل الأقسام الأربعة الأول أن نقول كل صفة موجودة في نفسها
فهي صفة معنى سواء كانت قديمة كعلمه تعالى وقدرته وإرادته وحياته وسمعه وبصره وكلامه إوحادثة كبياض الجرم وسواده وإن كانت غير موجودة في نفسها فإن سلبت أمراً لايليق به تعالى فهي سلبية وذلك كالقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والوحدانية وإن لم تسلب مع كونها غيرموجودة وكانت واجبة للذات مادامت الذات فينظر فيها فإن كانت غيرمعللة بعلةٍ فهي صفة نفسية أوحال نفسية سواء كانت قديمة كالوجود لمولانا جل وعز أوحادثة كالتحيز للجرم مثلاً وإن كانت معللة فهي صفة معنوية أوحال معنوية ككون الذات عالمة أوقادرة فإنها معللة بقيام العلم والقدرة بالذات النفسية والمعنوية أحوال ليست بموجودة في نفسها ولابمعدومة كمامر في التنبيه الثاني والثالث. قوله ويستحيل ضد هذه الصفات إلخ هذا هو القسم الثاني وهومايستحيل وصفه تعالى به وذلك ثلاثة عشرة صفةً أيضاً كعددالواجبات لأنها أضدادها كما مر ورتب الناظم رحمه الله هذا القسم على الأول الواجب، فالعدم ضد الوجود والحدوث ضد القدم والفناء ضد البقاء واستحالة العدم عليه تعالى تستلزم استحالة الحدوث والفناء لأنه إذا استحال العدم عليه تعالى لم يتصورلاسابقاً ولا لاحقاً وكذلك وجوب الوجود له تعالى يستلزم وجوب القدم والبقاء فعطف ثاني الصفات وثالثها في قسم الواجب والمستحيل على الأول من القسمين من عطف خاص على عام أواللازم على الملزوم ولم يكتف بالأول في الموضعين لأن المقصود عد الصفات الواجبة والمستحيلة على التفصيل والاستغناء عن الخاص وبالملزوم عن اللازم ذريعةً إلى جهل كثير منها لخفاء اللوازم وعسرادخال الجزئيات تحت كلياتها والجهل في هذا العلم عظيم فينبغي الاعتناء به والايضاح والبيان والافتقار ضد الغنى والمماثلة للحوادث ضد مخالفته لها فأوجه المماثلة كثيرة وفي الصغرى بأن يكون جرماً أي تأخذ ذاته العلية قدراً من الفراغ أو يكون عرضاً يقوم بالجرم أويكون في جهة للجرم أوله هوجهة أويتقيد بزمان أومكان أوتتصف ذاته العلية بالحوادث أويتصف بالصغر أوالكبر أو يتصف بالأغراض في الأفعال أوالأحكام اهـ والجرم أعم من الجوهر الفرد والجسم لأن الجرم عبارة عماعمر قدر ذاته من الفراغ مركباً كان أم لا والجوهر الفرد عبارة عمالم يتركب وهو الذي يبلغ في الدقة إلى حد لايقبل معه القسمة عقلاً والجسم عبارة عما تركب من جوهرين فأكثر ونفي الوحدة ضد وحدانية الذات والصفات والأفعال والعجز ضد القدرة والكراهة ضد الإرادة وليس المراد بها الكراهة التي هي من أقسام الحكم الشرعي وهي طلب الكف عن الفعل طلباً جازماً أوغير جازمٍ فإن تلك يصح أن تجمع مع
الإيجاد فيوجد الله الفعل مع كراهته له أي نهيه عنه كما أضل الله كثيراً من الخلق مع نهيه لهم عن ذلك الضلال أما الكراهة بمعنى عدم إرادة الله تعالى للفعل فيستحيل إجتماعها مع الإيجاد إذ يستحيل أن يقع في ملك مولانا جل وعز ما لايريد وقوعه والجهل ضد العلم ويدخل في الجهل الظن والشك والوهم والنسيان والنوم وكون العلم نظرياً ونحوذلك لمنافاتها العلم كمنافاة الجهل له والممات ضد الحياة والصمم ضد السمع والبكم ضد الكلام والعمى ضد البصر والمراد بالصمم والعمى في هذا الموضع عدم السمع والبصر بوجود ماينافيهما أوغيبة موجود مامن الموجودات عن صفتي السمع والبصر لماسبق من وجوب تعلقهمابكل موجود والمراد بالبكم عدم الكلام أصلاً بوجود آفة تمنع من وجوده وإليه أشار بقوله وبكم وفي معناه السكوت وكونه بالحرف والصوت لاستحالة إجتماع حرفين في آن واحد فضلاً عن الكلمتين فقد تبكم المتكلم بالحرف والصوت واحتبس عن أن يدل على معلومات له في آن واحد بصفة الكلام المركب من الحروف والأصوات وإلى ذلك أشار بقوله صمات وهو لغة في الصمت فالكلام الذي يكون بالحروف والأصوات وإن بلغ غاية الفصاحة والبلاغة وكان كمالاً بالنسبة إلى الحوادث الناقصة فهوبالنسبة إلى مقام الألوهية الأعلى نقيصة عظيمة (مسئلة) سئل الإمام العالم
أبو عبد الله سيدي محمدبن جلال هل يقال المولى تبارك وتعالى لاداخل العلم ولاخارج العالم فأجاب السائل. هكذا نسمعه من بعض شيوخنا واعترضه بعضهم بأن هذا رفع للنقيضين وقال بعض فقهائنا في هذه المسألة هو الكل أي الذي قام به كل شيء وزعم أنه للإمام الغزالي وأجاب بعضهم أن هذا السؤال معضل ولايجوز السؤال عنه وزعم أن ابن مقلاش هكذا أجاب عنه في شرحه على الرسالة فأجاب بأن نقول ذلك ونجزم به ونعتقد أنه لاداخل العالم ولاخارج العالم والعجز عن الإدراك لقيام الدلائل الواضحة على ذلك عقلاً ونقلاً أما النقل فالكتاب والسنة والإجماع أماالكتاب فقوله تعالى {ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير} فلوكان في العالم أوخارجاً عنه لكان مماثلاً وبيان الملازمة واضح أمافي الأول فلأنه إن كان فيه صار من جنسه فيجب له ماوجب له. وأمافي الثاني فلأنه إن كان خارجاً لزم إما إتصاله وإماإنفصاله وإنفصاله إمابمسافة متناهية أوغير متناهية وذلك كله يؤدي لافتقاره إلى مخصص. وأما السنة فقوله (كان الله لاشيء معه
وهو الآن على ماكان عليه) وأماالإجماع فأجمع أهل الحق قاطبة على أن الله تعالى لاجهة له فلافوق ولاتحت ولايمين ولاشمال ولاأمام ولاخلف. وأما العقل فقد اتضح لك اتضاحاً كلياً مما مر في بيان الملازمة في قوله تعالى {ليس كمثله شيء} والاعتراض بأنه رفع للنقيضين ساقط لأن التناقض إنما يعتبر حيث يتصف المحل بأحد النقيضين ويتواردان عليه وأماحيث لايصح تواردهما على المحل ولايمكن الاتصاف بأحدهما فلاتناقض كمايقال مثلاً الحائط لاأعمى ولابصير فلاتناقض لصدق النقيضين فيه لعدم قبوله لهما على البدلية وكمايقال في الباري أيضاً لافوق ولاتحت وقس على ذلك. وقول من قال إنه الكل زاعماً أنه للغزالي فقضية تنحو منحى الفلسفة أخذ بها بعض المتصوفة وذلك بعيد من اللفظ وماأجاب به بعضهم أنه معضل لايجوز السؤال عنه ليس كما زعم لوضوح الدليل على ذلك وإن صح ذلك عن ابن مقلاش فلايلتفت إليه في هذا لعدم إتقانه طريق المتكلمين إذكثير من الفقهاء ليس له خبرة به فضلاً عن إتقانه. قوله يجوز في حقه فعل الممكنات البيت هذا هو القسم الثالث الجائز في حقه تعالى وهو فعل كل ممكن أوتركه في العدم وذلك كالثواب والعقاب وبعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصلاح والأصلح للخلق لايجب من ذلك شيء على الله تعالى ولايستحيل إذ لو وجب عليه تعالى فعل الصلاح والأصلح للخلق كماتقوله المعتزلة لما وقعت محنة دنيا وأخرى ولما وقع تكليف بأمر ولانهي وذلك باطل بالمشاهدة (فرع) اختلف المتكلمون هل تدرك حقيقة الذات العلية وصفاتها السنية أم لا على قولين قال الإمام أبو العباس أحمد القلشاني قال بعض الشراح يفهم من قوله ولايبلغ كنه صفته الواصفون نفي العلم بالحقيقة واختاره جماعة من المتقدمين وقال الجنيد لايعرف الله إلا الله واختاره أكثر المتأخرين وإليه ذهب الضرير وكان من المحققين وأنكر القاضي أبوبكر هذا القول ورده وتبعه الإمام أبو المعالي في طائفةٍ. وقال: الباري تعالى يعلم والعلم يتعلق بالمعلوم على ماهو به فلو تعلق العلم به على خلاف ما
هوبه لكان العلم جهلاً وقد أجمعت الأمة على وجوب معرفة الله تعالى ولو كانت مستحيلةً لما أجمعت عليه قيل وهو خلاف في حالٍ فإن من أثبت العلم بالحقيقة مقر بأنه تعالى لايحاط به ومن نفى مقر بأنه تعالى عرفه العارفون بدلالة الآيات وتحققوا أوصافه تعالى بواجب الصفات وتيقنوا تنزهه عن التشبيه بالمحدثات وتقدسه عن الحدوث والكيفيات قال الأستاذ أبوالحجاج الضرير مقرراً لنفي العلم بالحقيقة مثبتاً للعلم به تعالى من هذه الطريقة
ولايحيط عارف بذاته
علما كماقال ولاصفاته
ولو رآه خلقه تعالى
لأكثروا الإعظام والإجلالا
فدل ذلك أنه على صفه
من الجلال لم تنله معرفة انتهى
وظاهر أن هذا الخلاف في الدنيا والآخرة وفي جمع الجوامع للإمام السبكي مانصه. حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق قال المحققون ليست معلومة الآن واختلفوا هل يمكن علمها في الأخرة قال العراقي بعد أن حكى الخلاف في صحة العلم بحقيقته تعالى للبشر الآن في الدنيا وأن جمهور المحققين على عدم صحة ذلك وحكوا عن الشافعي أنه قال (من انتهض لطلب مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه وإن اطمأن إلى العدم الصرف فهو معطل وإن إطمأن إلى موجود واعترف بالعجز عن إدراكه فهو موحد) وهو معنى قول الصديق رضي الله عنه (العجز عن الإدراك إدراك) وقد قيل
حقيقة المرء ليس يدركها
فكيف كيفية الجبارفي القدم
واحتج على ذلك أنه يمتنع أن يكون الكلي معلوماً للجزئي لأن الجزئي متناه والكلي غير متناه ثم من ذهب إلى تجويز ذلك في الدنيا فهو في الآخرة أشد تجويزاً ومن منعه في الدنيا اختلفوا هل يمكن إدراكه في الآخرة اهـ وفي شرح الكبرى وبالجملة فالمقطوع به بشهادة البراهين العقلية والقواطع السمعية أنه جل وعلا ذات قائم بنفسه أي مستغنٍ عن المحل والمؤثر لوجوب وجوده موصوف بما لايحاط به من صفات الجمال والجلال ليس بصفة من الصفات ولاجرماتجري عليه الحوادث والتغيرات ولاتمر عليه الأزمنة ولايتخصص بالجهات لايقبل اجتماعاً ولاافتراقاً ولاصغراً ولاكبراً لامثل له ولانظير ولاضد ولا وزير كل الممكنات مفتقرة إليه وهو الغني عن جميعها في الأزل وفيما لايزال وهو على كل شيء قدير كل ذلك شهدت به البراهين المنتهية إلى ضرورات العقول وطابق فيها المعقول المنقول ثم عجزت العقول بعد عن
الإدراك وانقطع تشوفها للخوض فيماخرج عن دائرة التوهمات والتخيلات وقصارى أمرها أنهاصارت من أجل اللمحة التي لحظت والرمزة التي بهاغابت عن العوالم كلها وفيها تأهب وبهاولهت تطايرمن وراء حجب الكبرياء وإرادية العز تشوفاً إلى مالايكيف من جميل اللقاء وتتنسم من مواهب الزيادة لكشف الغطاء ماتروح به عن القلب المحترق الأحشاء وربماعظم الشوق بلطف نسيم المزيد فشطحت الذوات شطحاً طارت به الروح عن سحب الجد وإتصلت بما لانهاية لزيادة نعيمه على طول الأبد. وللمولى القطب الجامع أبي مدين رضي الله عنه في هذا المعنى.
فقل للذي ينهى عن الوجد أهله
إذا لم تذق معنى شراب الهوى دعنا
إذا اهتزت الأرواح شوقاً إلى اللقا
ترقصت الأشباح ياجاهل المعنى
أما تنظر الطير المقفص يافتى
إذا ذكرالأوطان حن إلى المغنى
ففرج بالتغريد مابفؤاده
فتضطرب الأعضاء في الحس والمعنى
ويرقص في الأقفاص شوقاً إلى اللقا
فيهتز أرباب العقول إذا غنى
كذلك أرواح المحبين يافتى
تهززهاالأشواق للعالم الأسنى
أتلزمها بالصبر وهي مشوقة
وهل يستطيع الصبر من شاهد المغنى
فيا حادي العشاق قم واحد قائما
وزمزم لنا باسم الحبيب وروحنا
وصن سرنا في سكرنا عن حسودنا
وإن أنكرت عيناك شيئاً فسامحنا
فأنا إذا طبنا وطابت عقولنا
وخامرنا خمر الغرام تهتكنا
فلا تلم السكران في حال سكره
فقد رفع التكليف في سكرنا عنا. وقدأنشدني بعض الأصحاب بيتاً قبل البيت الأول من هذه القصيدة ولفظه.
يحركنا ذكر الأحاديث عنكم
ولولا هواكم في الحشا ماتحركنا
ولم يشرح عليه شارح هذه القصيدة وهو الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الهبطي رحمه الله ونفع به
وُجُودُهُ لَهُ دَلِيلٌ قَاطِعْ
حَاجَةُ كُل مُحدِثٍ لِلصَّانِعْ
لَوْ حَدَثَتْ لِنَفْسِهَا الأَكُوَانُ
لَاجْتَمَعَ التَّساوي وَالرُّجْحَانُ
وَذَا مَحَالٌ وَحُدُوثُ العَالَمِ
مِنْ حَدَثِ الأعْرَاضِ مَعْ تَلَازُمِ
لما فرغ من تعداد الصفات الواجبة والمستحيلة والجائزة في حقه تعالى أخذ يذكر براهينها ودلائلها ليخرج المكلف بمعرفتها عن ربقة التقليد المختلف في إيمان صاحبه فأخبر أن لوجوده تعالى دليلاً قاطعاً أي لكل شبهة وهو افتقار كل محدث بفتح الدال اسم مفعول إلى صانع أي محدث بكسرها وافتقار كل حادث إلى محدث منهم من قال إنه أمر ضروري لايفتقر إلى دليل حتى قال الإمام الفخر في المعالم إن العلم بذلك مركوز في فطرة طباع الصبيان فإنك إذا لطمت وجه الصبي من حيث لايراك وقلت إنه حصلت هذه اللطمة من غير فاعل البتة لايصدقك بل في فطرة البهائم فإن الحمار إذا أحس بصوت الخشبة فزع لأنه تقرر في فطرته أن حصول صوت الخشبة بدون الخشبة محال وعلى كونه ضرورياً لو اكتفى الناظم بالبيت الأول لكفى ومنهم من قال أن العلم بذلك نظري وهو الصحيح إلا أنه يحصل بنظر قريب ولأجل قربه ظن بعضهم أن ذلك العلم ضروري وإلى بيان النظر أشار الناظم بقوله لوحدثت إلى قوله وذامحال ومعنى ذلك أن الحادث إذا حدث في الوقت المعين فالعقل لايمنع استمرار عدمه ولايمنع صحة تقدمه على الوقت الذي وجد فيه بأوقات أوتأخره عنه بساعات فاختصاصه بالوجود بدلاً عن العدم المجوز عليه وبكونه في ذلك الوقت لاقبله ولابعده يفتقر قطعاً إلى محدث يخصصه بماذكر بدلاً عن مقابله ولو حدث لنفسه لاجتمع التساوي والرجحان وإجتماعهما محال لأنهما متنافيان وبيانه أن العالم يصح وجوده ويصح عدمه على السواء كمامر فلو حدث بنفسه ولم يفتقر إلى محدث لزم أن يكون وجوده الذي فرض مساواته لعدمه راجحاً بلا سبب على عدمه الذي فرض أيضاً مساواته لوجوده وهو محال فتعين أن يكون المرجح لوجوده على عدمه ولكون وجوده في الوقت دون وقت آخر غيره هو الفاعل المختار جل وعلا وهذامعنى قولهم لزم أن يكون أحد الأمرين المتساويين مساوياً لذاته راجحاً وهومحال ضرورة هذاإن قلنا الوجود والعدم بالنسبة إلى الممكن متساويات وهو المختار
أما إن قلنا إن العدم أولى به من الوجود لقبوله إياه بلا سبب فهو أصل في كل حادث فأظهر في الاحتياج إلى الصانع لئلا يلزم ترجيح الوجود المرجوح على العدم الراجح بلا مرجح فقد ظهر استحالة المخصوص دون سائر الأمكنة وفي تخصيصه بالزمان المخصوص دون سائر الأزمنة وفي تخصيصه بالمقدار المخصوص دون سائر المقادير وفي تخصيصه بالصفة المخصوصة دون سائر الصفات فهذه الأشياء كلها متساوية فاختصاصها وترجيحها على مقابلها يدل على أن المرجح غيرها وهو الله تعالى.
قوله وحدوث العالم إلخ لماقدم في برهان الوجود حدوث العالم ذكر هنا برهان ذلك وهو ملازمته للأعراض الحادثة فإن أجرام العالم يستحيل انفكاكها عن الأعراض كالحركة والسكون وهذه الأعراض حادثة بدليل مشاهدة تغيرها فلوكانت قديمة لزم أن لاتنعدم لأن ماثبت قدمه استحال عدمه وإذا ثبت حدوثها واستحال وجودها في الأول لزم حدوث الأجرام واستحال وجودها في الأول قطعاً لاستحالة انفكاكها عن الأعراض إذ حدوث أحد المتلازمين يستلزم حدوث الآخر ضرورة ولم يذكر الناظم دليلي حدوث العرض لوضوحه والأكوان أعراض مخصوصة وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق قاله في شرح الكبرى والمراد به كلام الناظم والله أعلم ماهو أعم من الجوهر والعرض من سائر الموجودات الحادثة ويحتمل أن يريد الأعراض المخصوصة كماذكر ويدخل غيرها من الأعراض وسائر الجواهر من باب لافارق والتساوي في كلام الناظم بحذف الياء للوزن والعالم بفتح اللام كل ماسوى الله تعالى والعرض بفتحتين عند المتكلمين اسم لمالادوام له وهو مايقوم بغيره قاله في القاموس وفي شرح الكبرى العرض ماكانت ذاته لاتشغل فراغاً ولا له قيام بنفسه وإنما يكون وجوده تابعاً لوجود الجوهر كالعلم الذي يقوم بالجوهر وكالحركة واللون فإنها لاتشغل فراغاً بل الفراغ الذي شغله الجوهر قبل اتصافه بها هو الفراغ الذي أشغله مع إنصافه بها من غير زيادة اهـ.
لَوْ لَمْ يَكُ الْقِدَمُ وَصْفَهُ لَزِمَ
حُدُوثُهُ دَرْرٌ تَسَلْسُلٌ حُتمْ
لَوْ أمْكنَ الْفَنَاءُ لَانْتَفَى الْقِدَمُ
لَوْ مَاثَلَ الْخَلْقِ حُدُوثُهُ انْحَتَمْ
لَوْ لَمْ يَكُنْ وَصْفُ الْغِنَى افْتَقَرْ
لَوْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ لَمَا قَدَرْ
لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيَّاً مُرِيداً عَالِماً
وَقَادِرَاً لَمَا رَأَيْتُ عَالِماً
وَالتَّالِ فِي السِّتِّ الْقَضايَا بَاطِلُ
قَطْعاً مُقَدَّمٌ إِذاً مُماثِلُ
ذكر الناظم في هذه الأبيات براهين تسع صفات قائلاً في كل برهان منها لو لم يكن كذا للزم كذا أولوكان كذا لكان كذا وتبع رحمه الله اصطلاح أهل المنطق في تسمية مجموع قولنا لوكان كذا لكان كذا ونحوه قضية وتسميته الجزء الأول منها وهو قولنا لوكان كذا مقدماً وتسمية الجزء الثاني وهو قولنا لكان كذا تالياً باللازم كما يؤخذ
ذلك كله من قوله والتالي في الست القضايا البيت ولو أسقط هذه العبارة المستعملة عند أهل فن لايخالطه قارىء هذه المنظومة غالباً لكان أنسب بالمقام ولكنه لما كان يتفجر علماً نفعنا الله به صار وإن تنازل مااستطاع لابد أن تسرقه الطباع فهو كماقيل. وكل إناءبالذي فيه يرشح. الصفة الأولى القدم فذكر أنه تعالى لو لم يكن موصوفاً بالقدم لزم حدوثه فيفتقر إلى محدث ويلزم الدور أو التسلسل وكل منهما محال لكن حدوثه تعالى محال باطل قطعاً فعدم وصفه تعالى بالقدم محال بل هو تعالى واجب القدم فالتالي لزوم حدوثه تعالى والمقدم كونه تعالى غير قديم وكل منهما باطل فلزوم الدور أو التسلسل مسبب عن التالي الذي هو الحدوث إذ كل حادث مفتقر إلى محدث فيلزم ماذكر فجملة حتم بالبناء للمجهول خبر دور وما عطف عليه وحذف أو العاطفة وهوقليل ومنه قوله (رجل في إزار ورداء في إزار وقميص) أي ليصل رجل في إزار ورداء أوفي إزار وقميص والمسوغ للابتداء به التقسيم وفي الكلام حذف متعلق إذ به ترتبط الجملة بماقبلها تقديره عليه ودور أو تسلسل حتم أي تحتم على الحدوث وبيان البرهان الذي ذكرأنه لو لم يكن تعالى قديماً لكان حادثاً لوجوب انحصار كل موجود في القدم والحدوث فمهما انتفى أحدهما تعين الآخر والحدوث على مولانا جل وعز مستحيل ويلزم أيضاً في هذا المحدث مالزم في الذي قبله من الافتقار إلى محدث آخر وهكذا فإن انتهى العدد وانحصر لزوم الدور فيلزم
أن يكون الأول الذي انتهى إليه العدد إنما أوجده بعض من بعده ممن تأخر وجوده عنه فيكون سابقاً عليه في الوجود متأخراً عنه وذلك لايعقل وإن لم ينته العدد بل تسلسل إلى غير أول لزم وجود مالا نهاية له عدداً والفراغ من ذلك فيمامضى وذلك لايعقل إذ مالانهاية له من الأعداد كأنفاس أهل الجنة وأزمنتهم ونعيمهم مثلاً لايسعه إلا المستقبل بأن يوجد فيه شيئاً بعد شيء أبداً وإما أن يوجد في الحال والمضي فلايعقل (تنبيه) وكما يجب وصف ذاته العلية بالقدم فكذلك صفاته السنية قال في شرح الكبرى لوكان الشيء من صفاته تعالى حادثاً لزم أن لايعرى عنه أوعن ضده الحادث لما عرفت من أن القابل للشيء لايخلو عنه أوعن ضده وما لا يعرى عن الحوادث لا
يسبقها ومالايسبقها كان حادثاً مثلها وهو معنى قولي في أصل العقيدة ومالا تتحقق ذاته بدون حادث يلزمه حدوثه ضرورة أي مالايمكن مفارقة ذاته للحوادث يلزم حدوثه ضرورة إذ لو كان هوقديماً ووصفه اللازم له حادثاً لكان مفارقاً لوصفه اللازم كيف وقد تحقق أنه لا يفارقه اهـ. الثانية البقاء فذكر أنه لوأمكن أن يلحقه الفناء لانتفى عنه القدم وانتفاء القدم عنه تعالى مستحيل لمامر قريباً فإمكان الفناء محال أيضاً بل هو تعالى الباقي الذي لا يفنى فالتالي انتفاء القدم عنه تعالى والمقدم إمكان الفناء وكلاهما باطل وبيان ذلك أنه لو جاز أن يلحقه العدم تعالى عن ذلك لكان وجوده جائزاً لاواجباً لصدق حقيقة الجائز حينئذ على ذاته تعالى وهو مايصح وجوده وعدمه وهذا التقدير الفاسد يستلزم صحة الوجود والعدم للذات فيكون جائز الوجود وذلك يستلزم حدوثه تعالى عن ذلك لما عرفت من استحالة ترجيح الوجود الجائز على العدم مقابلة المساوي له في القبول من غير فاعل مرجح كيف وقد سبق قريباً برهان وجوب قدمه تعالى فثبت وجوب البقاء له تعالى كالقدم ولهذا يقولون ماثبت قدمه استحال عدمه. الثالثة مخالفته للحوادث فذكر أنه تعالى لو ماثل خلقه لتحتم حدوثه وتحتم حدوثه تعالى محال لمامر من وجوب القدم فمماثلته لخلقه مستحيلة أيضاً بل هو تعالى مخالف لخلقه فالتالي تحتم حدوثه تعالى والمقدم المماثلة للخلق وكلاهما لايصح أيضاً وبيان ذلك أن كل مثلين لابد وأن يجب لأحدهما مايجب للآخر ويستحيل عليه مااستحال على الآخر ويجوز له ماجاز عليه وقد عرفت بالبرهان القاطع أن كل ماسوى مولانا جل وعز يجب له الحدوث فلو ماثل شيئاً مماسواه لوجب له تعالى من الحدوث ماوجب لذلك الشيء وذلك باطل لما عرفت بالبرهان القاطع من وجوب قدمه وبقائه وبالجملة لوماثل تعالى شيئاً من الحوادث لوجب له القدم لألوهيته والحدوث لفرض مماثلته للحوادث وذلك جمع بين متنافين ضرورة. الرابعة استغناؤه تعالى عن كل ماسواه فذكر أنه لو لم يجب وصفه تعالى بالغنى لكان مفتقراً لكن افتقاره تعالى محال فانتفاء وجوب الغنى عنه تعالى محال أيضاً بل هو تعالى الغني عن كل ماسواه المفتقر إليه كل ماعداه فالتالي افتقاره تعالى عن ذلك والمقدم عدم وجوب الغنى له تعالى وكلاهما لايصح وبيان ذلك أنه قد تقدم أن قيامه تعالى بنفسه عبارة عن استغنائه جل وعلا عن كل ماسواه من محل أومخصص أما برهان استغنائه تعالى عن المحل أي عن ذات يقوم بها فهو أنه لو احتاج إلى ذات أخرى
يقوم بها لزم أن يكون صفة لتلك الذات إذ لايقوم بالذات إلا صفاتها ومولانا جل وعز يستحيل أن يكون صفة حتى يحتاج إلى محل يقوم به إذ لوكان صفةً لزم أن لايتصف بصفات المعاني وهي القدرة والإرادة إلى آخرها ولا بالصفات المعنوية وهي كونه تعالى قادراً ومريداً إلى آخرها إذ لو قبلت الصفة صفةً أخرى لزم أن لاتعرى عنها أوعن مثلها أوعن ضدها ويلزم مثل ذلك في الصفة الأخرى التي قامت بها وهلم جرا إذ القبول نفسي فلابد أن يتحد بين المماثلات وهو محال لما يلزم عليه من التسلسل ودخول مالا نهاية له من الصفات في الوجود وهو محال فإذاً الصفة لاتقبل أن تتصف بصفة ثبوتية تقوم بها من صفات المعاني ولاالمعنوية بخلاف الصفة النفسية والسلبية فتتصف بهما الذوات والمعاني ومولانا جل وعز قام البرهان القاطع على وجوب اتصافه بصفات المعاني والمعنوية فيلزم أن يكون ذاتاً موصوفاً بالصفات وليس هو في نفسه صفةً لغيره وأما برهان وجوب استغنائه تعالى على المخصص أي الفاعل فهو أنه لو احتاج إلى الفاعل لكان حادثاً وذلك محال لما عرفت بالبرهان القاطع من وجوب قدمه تعالى وبقائه فتبين بهذين البرهانين وجوب الغنى المطلق لمولانا جل وعز عن كل ماسواه وهو قيامه تعالى بنفسه. الخامسة الوحدانية فأخبر أنه تعالى لو لم يكن واحداً بل متعدداً بأن كان معه في الوجود إله أو أكثر ماقدر على إيجاد أي ممكن أوإعدامه بل يكون عاجزاً والعجز عليه تعالى محال فكونه غير واحد محال أيضاً بل هوتعالى الواحد الأحد فالتالي كونه غير قادر تعالى عن ذلك والمقدم كونه تعالى غير واحد بل متعدداً وكلاهما لايصح. ثم اعلم أنه يدخل في كونه غير واحد خمسة أقسام كمامر في الوحدانية الأولى كون ذاته مركبة من أجزاء الثاني أن يكون لها نظيريماثلها ويدخل هذان القسمان في عدم وحدانية الذات الثالث تعدد صفة من صفاته تعالى مع قيامها بذاتها العليا الرابع تعددها مع قيامها بذات أخرى ويدخل هذان القسمان في عدم وحدانية الصفات الخامس أن يكون معه في الوجود مؤثر في فعل من الأفعال وهو عدم وحدانية الأفعال فدليل استحالة القسم الأول وهو كونه الذات العلية مركبة من أجزاء أن أوصاف الألوهية إما أن تقوم بكل جزء أو بالمجموع أو بالبعض والأقسام كلها مستلزمة للعجز نفياً أما الأول فلأن كل جزء يكون إلهاً فيلزم التمانع كما في تعدد
الإلهين الآتي وذلك مؤد للعجز وأما الثاني فلأنه يلزم منه عجز كل جزء على الانفراد وعجزه يوجب عجز سائر الأجزاء المماثلة وذلك مستلزم لنفينا وأما الثالث فلأنه لاأولوية لبعض الأجزاء على بعض وحينئذ لاتقوم بها وذلك يستلزم عجز جميعها ودليل استحالة القسم الثاني وهو أن يكون للذات العلية نظير يماثلها أن النظير إما أن يخالف في الإرادة تضاداً أو يوافق والقسمان مستلزمان العجز المستلزم لنفينا أما الأول فلأن الإرادتين إماأن تنفذا أم لا فإن نفذتا لزم اجتماع متنافيين وهو لايعقل فإذاً يجب عدم نفوذهما معاً وحينئذ فإما أن تتعطلا معاً أو إحداهما فإن كان الأول لزم عجزهماوإن كان الثاني لزم عجز من تعطلت إرادته ويلزم منه عجز الآخر للمماثلة وأما الثاني فلأن الإرادتين قد تتوجهان إلى مالايقبل الانقسام من عرض أوجوهر فرد فلا يمكن أن تنفذفيه إلا إرادة واحدة وحينئذ فإما أن تنفذ إرادة أحدهما أولا فإن نفذت لزم عجز من لم تنفذ إرادته ويلزم منه عجز الآخر للمماثلة وإن لم تنفذا فيه لزم عجزهما ودليل استحالة القسم الثالث وهو تعدد صفة من صفاته تعالى مع قيامها بذاته العلية فهو أن يقال لو كانت من صفاته متعددة لم يخل إما إن تتعدد بحسب تعدد متعلقاتها التي قام بها البرهان على أنها غيرمتناهية وإما أن تختص بعدد متناه ويلزم على الأول وجود صفات لانهاية لها عدداً وهو محال إذ كل مايدخل تحت الوجود فلا بد من صحة تمييزه وتمييز مالا يتناهى محال فوجود مالايتناهى محال ولايلزم على الثاني وهواختصاصها بعدم متناه افتقارها إلى مخصص يخصصها بعد دون آخرإذ لارجحان لبعض الأعداد على بعض وذلك يستلزم حدوثهاوأيضاً يلزم توزيع مالا يتناهي من المتعلقات على مالايتناهي من الصفات وهو محال ضرورة وإذا لزم من تعددها غيرمتناهية وجودصفات لانهاية لها عدداً وهو محال ولزم من تعددها متناهية حدوثها وهو محال أيضاً كما مرالتنبيه عليه في صفة القدم ومن جملة الصفات القدرة لزوم من تقدير التعدد بقسمية فيها عجزه تعالى عن ذلك إذ مايلزم عليه المحال وهو تعدد القدرة مثلاً محال وإذا استحال الوصف بالقدرة متعددة كان إما عاجزاً وهو محال أوموصوفاً بقدرة واحدة وهوالمطلوب ودليل استحالة القسم الرابع وهو تعدد صفة من صفاته تعالى مع قيامها بذات أخرى هو دليل إستحالة القسم الثاني وهو وجود نظير لذاته تعالى يماثلها ودليل استحالة القسم الخامس وهو أن يكون مع الإله تعالى في الوجود مؤثر في فعل من الأفعال أنه لوصح أن يكون لغير المولى تأثير لوجب أن يكون ذلك الأثر مقدوراً له تعالى لعموم قدرته وحينئذ إما أن يحصل اتفاق أواختلاف ويأتي ماسبق فإن كان المؤثر غير المولى سبحانه لزم عجزه ويلزم عجزه عن سائر الممكنات لتساويها وقد ظهر مما مر
أن قول الناظم لما قدر دليل الوحدانية بجميع وجوهها كماظهر من القسم الخامس أن لاتأثير لقدرتنا الحادثة في فعل من الأفعال قال في شرح الصغرى إثر ذكره برهان الوحدانية وبهذا تعرف أن لاأثر لقدرتنا في شيء من أفعالنا الاختيارية كحركاتنا وسكناتنا وقيامنا وقعودنا ومشينا ونحوها بل جميع ذلك مخلوق لمولانا جل وعز بلا واسطة وقدرتنا أيضاً مثل ذلك عرض مخلوق لمولانا جل وعز يقارن تلك الأفعال ويتعلق بها من غير تأثير لها في شيء من ذلك أصلاً وإنما أجرى الله تعالى العادة أن يخلق عند تلك القدرة لابها ماشاء من الأفعال وجعل سبحانه بمحض اختياره وجود تلك القدرة فينا مقترنةً بتلك الأفعال شرطاً في التكليف وهذا الاقتران والتعلق لهذه القدرة الحادثة بتلك الأفعال من غير تأثير لها أصلاً هو المسمى في الاصطلاح وفي الشرع بالكسب والاكتساب وبحسبه تضاف الأفعال للعبد كقوله تعالى {لها ماكسبت وعليهامااكتسبت} أما الاختراع والايجاد فهو من خواص مولانا جل وعز لايشاركه فيه شيء سواه تبارك وتعالى ويسمى العبد عند خلق الله تعالى فيه القدرة المقارنة للفعل مختاراً وعندما يخلق الله فيه الفعل مجرداً عن تلك القدرة الحادثة مجبوراً ومضطراً كالمرتعش مثلاً وعلامة مقارنة القدرة الحادثة لمايوجد في محلها تيسره بحسب العادة فعلاً وتركاً وعلامة الجبر عدم تلك القدرة وعدم التيسر وإدراك الفرق بين هاتين الحالتين ضروري لكل عاقل كما أن الشرع جاء بإثبات الحالتين وتفضل بإسقاط التكليف في الحالة الثانية وهي حالة الجبر دون الأولى قال تعالى {لايكلف الله نفساًإلا وسعها} بحسب العادة وأما بحسب العقل وما في نفس الأمر فليس في وسعها أي طاقتها اختراع شيء ماوبهذا تعرف بطلان مذهب الجبرية القائلين باستواء الأفعال كلها وأنه لاقدرة تقارن شيئاً منهاعموماً ولاشك في أنهم في هذه المقالة مبتدعة بل يكذبهم الشرع والعقل وبطلان مذهب القدرية مجوس هذه الأمة القائلين بتأثيرتلك القدرة الحادثة في الأفعال على حسب إرادة العبد ولاشك أنهم مبتدعة أشركوا مع الله تعالى غيره فتحقق مذهب أهل السنة بين هذين المذهبين الفاسدين فهو وقد خرج من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين وكما أن هذه القدرة الحادثة لاأثر لهاأصلاً في شيء من الأفعال كذلك لاأثر للنار في شيء من الإحتراق أو الطبخ أو التسخين أوغير ذلك لابطبعها ولابقوة وضعت فيها بل الله تعالى أجرى العادة اختياراً منه جل وعز بإيجاد تلك الأمور عندها لابها وقس على هذا مايوجد مع القطع للسكين والألم عند الجرح والشبع عند الطعام والري عند الشرب والنبات عند الماء والضوء عند الشمس والسراج ونحوهما والظل عند الجدار
والشجرة ونحوهما وبرد الماء الساخن عند صب ماء بارد فيه وبالعكس ونحو ذلك مما لاينحصر فاقطع في ذلك كله بأنه مخلوق الله تعالى بلا واسطة ألبتة وأنه لاأثر فيه أصلاً لتلك الأشياء التي جرت العادة بوجودها معه وبالجملة فلتعلم أن الكائنات كلها يستحيل منها الاختراع لأثر ما بل جميعها مخلوق لمولانا عز وجل ابتداءً ودواماً بلا واسطة بهذا شهد البرهان العقلي ودل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح قبل ظهور البدع ولاتصغ بأذنيك لما ينقله بعض من أولع بنقل الغث والسمين عن مذهب بعض أهل السنة مما يخالف ماذكرناه فشد يدك على ماذكرناه فهو الحق الذي لاشك فيه ولايصح غيره واقطع تشوقك عن سماع الباطل تعش سعيداً وتمت كذلك والله المستعان اهـ. السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة الحياة والإرادة والعلم والقدرة فذكر أنه لو لم يكن تعالى موصوفاً بجميعها مارأيت عالماً بفتح اللام وهو ماسوى الله تعالى والعالم موجود مرئي فهو تعالى موصوف بماذكر فالتالي عدم رؤية العالم والمقدم عدم وصفه تعالى بالصفات الأربع وكلاهما لايصح والدليل على تصافه تعالى بماذكر أنه قد تقدم أن تأثير القدرة الأزلية موقوف على إرادته تعالى ذلك الأثر وإرادته تعالى لذلك الأثر موقوفة على العلم به والاتصاف بالقدرة والارادة والعلم موقوف على الاتصاف بالحياة إذ هي شروط فيها ووجود المشروط بدون شرطه مستحيل فإذاً وجود حادث أي حادث كان موقوفاً على اتصاف محدثه بهذه الصفات الأربع فلو انتفى شيء منها لماوجد شيء من الحوادث قال في شرح الصغرى وبهذا يتبين وجوب اتصافه تعالى بهذه الصفات في الأزل إذ لو كانت حادثة لزوم توقف إحداثها على اتصافه تعالى بأمثالها قبلها ثم تنقل الكلام إلى أمثالها ويلزم التسلسل وهو محال فيكون وجود تلك الصفات على هذا التقدير محالاً وذلك مؤد إلى المحذور المذكور وهو أن لايوجد شيء من الحوادث وبهذا تعرف أيضاً وجوب عموم التعلق للمتعلق منها كالعلم والقدرة والإرادة إذ لو اختصت ببعض المتعلقات دون بعض لزم الافتقار إلى المخصص فتكون حادثةً ولايمكن أن يكون المحدث لها غير الموصوف بها لماعرفت من وجوب الوحدانية له تعالى وانفراده بالاختراع وإحداثه تعالى لها فرع عن اتصافه بأمثالها قبلها ثم تنقل الكلام إلى تلك الأمثال ويجيء ماقد سبق فقد بان لك بهذا أن البرهان الذى ذكرناه في أصل العقيدة يؤخذ منه ثلاثة أمور وجوب هذه الصفات ووجوب القدم والبقاء لها ووجوب عموم التعلق بالمتعلق اهـ والبرهان الذي ذكرناه في أصل هذه العقيدة هو قوله وأما برهان وجوب اتصافه تعالى بالقدرة والإرادة والعلم والحياة فلأنه لو انتفى شيء
منها لما وجد شيء من الحوادث وهو معنى قول الناظم لو لم يكن حياً البيت فيؤخذ منه الثلاثة الأمور كما قال في شرح صغرى الصغرى قوله والتالي في الست القضايا البيت معناه أن التالي من القضايا الست المتقدمة باطل فالمقدم منها الثاني في البطلان وقد تقدم بيانها عند ذكر البراهين الست فراجعه إن شئت.
وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامْ
بِالنَّقْلِ مَعْ كَمَالِهِ تُرَامْ
أخبر أن لوجوب إتصافه تعالى بالسمع والبصر والكلام دليلين شرعي ويقال فيه نقلي وسمعي وهو المراد بقوله بالنقل وعقلي وإليه أشار بقوله مع كماله فالسمعي كقوله تعالى {وهوالسميع البصير} وكقوله {وكلم الله موسى تكليما} والأحاديث بذلك كثيرة وانعقد الإجماع على وجوب اتصافه تعالى بذلك والعقلي هو أن نفي هذه الصفات يدل على اتصافه تعالى بضدها وهي نقائص والنقص عليه تعالى محال قال في شرح الصغرى لأنه يستلزم أن يحتاج حينئذ إلى من يكلمه بأن يدفع عنه ذلك النقص ويخلق له الكمال وذلك يستلزم حدوثه وافتقاره إلى إله آخر كيف وقد تقرر بالدليل وجوب الوحدانية له تعالى وأيضاً لو اتصف بتلك النقائص لزم أن يكون بعض مخلوقاته أكمل منه تعالى عن ذلك لسلامة كثير من المخلوقات من تلك النقائص والمخلوق يستحيل أن يكون أشرف من خالقه وهذا الدليل العقلي وإن كان لايسلم من الاعتراض فذكره عن سبيل التبعية والتقوية لما هو مستقل بنفسه ولايرد عليه شيء وهو الدليل النقلي حسن وقد لوحنا إلى ذلك بتأخيره في أصل العقيدة اهـ قلت وكذا لوح الناظم لذلك أيضاً بتأخيره (تنبيه) قال في شرح صغرى الصغرى اعلم أن عقائد الإيمان تنقسم على ثلاثة أقسام مالايصح أن يعلم إلا بالدليل العقلي وهو كل ماتتوقف عليه دلالة المعجزة كوجوده تعالى وقدرته وإرادته وعلمه وحياته فإنه لو استدلوا على هذا القسم بالدليل الشرعي وهو متوقف على صدق الرسل المتوقف على دلالة المعجزة لزوم الدور. الثاني مايصح أن يستدل عليه بالدليل الشرعي وهو كل مالاتتوقف عليه دلالة المعجزة كالسمع والبصر والكلام والبعث وأحوال الآخرة جملةً وتفصيلاً. الثالث مااختلف فيه للتردد فيه هل هو من القسم الأول أومن القسم الثاني كالوحدانية فإنه اختلف فيها
هل يكفي فيها الدليل السمعي بناءً على عدم توقف دلالة المعجزة عليها في علم الناظر وأن توقف وجود المعجزة عليها في نفس الأمر لإستحالة وجود الفعل مع وجود الشريك أو لابد فيها من الدليل العقلي نظراً إلى توقف دلالة المعجزة على صحة وجود المعجزة أيضاً المتوقف على الوحدانية لأن المعجزة فعل والفعل يستحيل وجوده على تقدير الأثنينية في الألوهية والمتوقف على المتوقف على الشيء متوقف على ذلك الشيء اهـ ومعنى كلامه أن دلالة المعجزة على صدق الرسول المتحدي بها متوقفةً على إتصاف مصدقه وهو الله تعالى بماذكر في القسم الأول فلايصح أن يستدل عليه بقول الرسول المتوقف على صدقه على دلالة المعجزة للدور وهو توقف دلالة المعجزة على إتصافه تعالى بتلك الأوصاف وإتصافه بتلك الأوصاف متوقف على دلالة المعجزة بخلاف ماذكر في القسم الثاني فلا تتوقف دلالة المعجزة على الصدق على إتصافه تعالى بها فصح الإستدلال عليها بقول الرسول وأما القسم الثالث فذو نظرين كما ذكر وكونه من القسم اوول أظهر والله أعلم وزاد في شرح الكبرى في القسم الأول القدم والبقاء وجعل كل مايرجع إلى وقوع جائز كالبعث وأحوال الآخررة مما لايصح الإستدلال عليه إلآ بالسمع عكس القسم اوول قال لأن غاية مايدرك العقل وحده من هذه الأمور جوازها أما وقوعها فلاطريق له إلآ السمع
لَوْ إسْتَحَالَ مُمْكِنٌ أَوْ وَجَبَا
قَلْبُ الْحَقَائِقِ لُزُوماً أَوْجَبَا
ذكر في هذا البيت دليل القسم الثالث الجائز في حقه تعالى المشار إليه بقوله يجوز في حقه فعل الممكنات البيت فأخبرأنه لو وجب عقلاً عليه تعالى وجود ممكن أواستحال عقلاً لزم قلب الحقائق وذلك لايعقل إذ حقيقة الممكن مغايرة لحقيقة الواجب والمستحيل كما مر بيانه فقوله ممكن على حذف مضاف أي فعل ممكن أو وجود ممكن وقلب مفعول وجبا قال في صغرى الصغرى وأما الجائز في حقه تعالى ففعل كل ممكن أو تركه صلاحاً كان أوضده لما عرفت قبل وجوب عموم قدرته تعالى وإرادته لجميع الممكنات، ويدخل في ذلك جواز خلق الله تعالى الرؤية لذاته العلية والسمع لكلامه القديم والثواب في دار النعيم والبعث لرسله الأكرمين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قال في الشرح: لاشك أن الجواز لايتطرق للذات العلية ولالشيء من صفاتها المرتفعة لوجوب الوجود لجميع ذلك وإنما يرجع الجواز للتعلق التنجيري لقدرته تعالى وإرادته وهذا التعلق ليس بقديم مرجعه إلى صدور الكائنات عن قدرته تعالى وإرادته ولما عرفت فيما سبق عموم تعلق قدرته تعالى وإرادته لجميع الممكنات،
وعرفت وجوب وحدانيته تبارك وتعالى عرفت أن كل ممكن فهو جائز بأن يكون بقدرة الله تعالى وإرادته وليس فيه ماهو واجب عقلاً كالصلاح والأصلح كما قال بعض من ضل لأنه يلزم عليه قلب حقيقة الصلاح والأصلح الجائزة بأن ترجع واجبة وذلك يمنع وقوع ضدها وهو الفساد كيف وهو موجود بالمشاهدة ومن الممكنات الجائزة عند أهل الحق رؤية المخلوق لمولانا جل وعلا على مايليق به تبارك وتعالى من غير وجهة ولاجرمية ولاتحيز لأنه تعالى موجود وكل موجود يصح أن يرى بالبصر واستدعاء الرؤية المقابلة للمرئي والجهة له والتوسط بين القرب جداً والبعد جداً إنماهو عادي يقبل التخلف وكما صح أن يعلم مولانا جل وعلا على مايليق بجلاله وعظمته من إحاطة فكذا يصح أن يرى جل وعلا بالبصر على ممايليق به تعالى وليست الرؤية بإثبات شعاع يتصل بالمرئي حتى تستحيل رؤيته
جل وعلا لاستحالة اتصال الشعاع به تبارك وتعالى إذ لوكانت الرؤية باتصال شعاع بالمرئي لزم أن لايرى الرائي إلا مقدار حدقته كيف وهو ينكشف للرائي في نظرة واحدة أضعاف ذاته أضعافاً لاحصر لها بحيث يقطع أنه لايمكن أن ينفصل منه شعاع يتصل بأدنى شيء منها وكذا من الجائزات إثابة الله تعالى المطيع إذ لاحق لأحد عليه تعالى إذ لانفع له بطاعة أحد وأيضاً فالطاعة خلق له تبارك وتعالى وليس للعبد فيها إلا الاكتساب والاتصاف ولاأثر له فيها أصلاً وكذا من الجائزات بعث الله تعالى لرسله عليهم الصلاة والسلام لأن ماقدر الله سبحانه وتعالى معهم من المصالح الدينية والدنيوية فبمحض فضله ولاأثر للرسل عليهم الصلاة والسلام في شيء من المصالح ولاحق لأحد على مولانا جل وعلا في هداية ولا مصلحة دنيوية ولا أخروية وأوجبت المعتزلة عقلاً على الله تعالى بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام على أصلهم الفاسد في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح على الله تعالى ولايخفى فساده وأما البراهمة فجعلوا بعث الرسل مستحيلاً ورأوا أن العقل يصل وحده بتحسينه وتقبيحه إلى أحكام الله تعالى ولاتخفى سخافة عقولهم إلى الغاية لماعرفت أن مرجع أحكام الله تعالى الشرعية إلى نصب أفعال خلقها الله تعالى وجعلها بمحض اختياره أمارات على ماشاء من ثواب أوعقاب أوغيرهما ولاحسن في فعل ولاقبح يوجب له حكماً من الأحكام ومن عرف انفراده تعالى بإيجاب جميع الكائنات ونفذ إرادته فيها مع التنزه عن الأغراض لايخفى عليه فساد تلك المقالة الشنيعة اهـ.
يَجِبُ لِلرُّسْلِ الْكِرامِ الصِّدْقُ
أَمانَةٌ تَبْلِيغُهُمْ يَحِقُّ
مُحالٌ الْكَذِبُ وَالمَنْهِىُّ
كَعَدَمِ التَّبْلِيغِ يا ذَكِيُّ
يَجُوزُ فِي حَقِّهِمْ كُلُّ عَرَضْ
لَيْسَ مُؤَدِّياً لِنَقْصٍ كالْمَرَضْ
هذا هو الجزء الثاني من جزأي الإيمان لأن الإيمان مركب من جزأين أحدهما الإيمان بالله تعالى وهو حديث النفس التابع للمعرفة بمايجب له تعالى ومايستحيل ومايجوز، الثاني الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام وهو أيضاً حديث النفس التابع للمعرفة بمايجب لهم ومايستحيل ومايجوز ولماكان الجزء الثاني موقوفاً على الأول لأنه إنما يعرف ويحصل بعد معرفته قدم علماؤنا الكلام على الجزء الأول قبل الكلام على الجزء الثاني والرسل في النظم بسكون السين تخفيفاً عن ضم جمع رسول وهوإنسان ذكر بعثه الله سبحانه إلى عبيده وإمائهم ليبلغهم عنه أحكامه التكليفية الوضعية ومايتبعهما من وعد ووعيد ونحوهما وهل شرطه أن يكون له شرع جديد أوكتاب مخصوص أونسخ لشرع من قبله أولايشترط فيه شيء من ذلك أقوال وقد تقرر أنا مكلفون بمعرفة الرسل عليهم الصلاة والسلام ولايتم إيماننا إلا بمعرفة مايجب لهم ومايستحيل عليهم ومايجوز في حقهم وذكرالناظم كغيره أنه يجب في حقهم عليهم الصلاة والسلام ثلاثة أشياء (أولها) الصدق في كل مايبلغون عن المولى تبارك وتعالى أن لايكون خبرهم في ذلك إلا مطابقاً لمافي نفس الأمر ولايقع منهم الكذب في شيء من ذلك لاعمداً ولاسهواً إجماعاً عند المحققين (الثاني) الأمانة وهي حفظ جميع الجوارح الظاهرة والباطنة من التلبس بمنهي عنه نهي تحريم أوكراهة ويسمى صاحبها أميناً للأمن في جهته من المخالفة لماحد له وأوصى به لأنه الذي يترك كل أمر على الوجه الذي أوصى به مالكه أن يترك عليه ولايخون بأن ينقله بسبب الشهوة من الموضع الذي ينبغي أن يكون بوصية مالكه الذي يجب طاعته (الثالث) تبليغ كل ماأمرهم الله سبحانه بتبليغه ولم يتركوا شيئاً منه لانسياناً ولاعمداً أما عمداً فلماتقدم من وجوب الأمانة وأما نسياناً فللإجماع وأنه يستحيل في حقهم عليهم الصلاة والسلام أضداد هذه الصفات وهي الكذب الذي هو عدم مطابقة الخبر لمافي نفس الأمر فقوله الكذب على حذف مضاف أي وقوع الكذب والخيانة بفعل شيء مما نهوا عنه نهي تحريم أوكراهة وقول الناظم والمنهي هو على حذف مضاف وجار ومجرور أي وفعل المنهي عنه أي غير الكتمان لتنصيصه على استحالة عدم التبليغ فالكاف في
كعدم التبليغ للتشبيه في إفادة الحكم وهو الاستحالة ويحتمل أن يريد بالمنهي عنه جميع المعاصي كتماناً أو غيره فالكاف للتمثيل والأول أظهر والله تعالى أعلم وعدم التبليغ هو كتمان شيء مما أمروا بتبليغه للخلق وأنه يجوز في حقهم عليهم الصلاة والسلام الأعراض البشرية التي لاتنافي علو رتبتهم كالمرض والفقر من الأعراض الدنيوية مع الغنى عنها بالله تعالى وكالأكل والشرب والنكاح والنسيان بعد التبليغ أو فيما لم يؤمروا بتبليغه والنوم إلا أنه تنام أعينهم ولاتنام قلوبهم فاحترزوا بالأعراض وهي الصفات الحادثة المتجددة من الصفات القديمة التي هي صفات الإله تعالى فلا يصح أن يتصف بهاغيره وقد كفرت النصارى بمخالفتهم هذا القيد وإفراطهم في حق عيسى عليه الصلاة والسلام فجعلوا صفة العلم القديم قائماً بجسم عيسى وجعلوه لذلك إلهاً على خبط لهم وتخليط عظيم لايفوه به عاقل واحترزوا بقيد البشرية كالأكل والشرب والمرض ونحوها عن صفات الملائكة عليهم السلام وهي غناهم عن هذه الأعراض التي وضعها الله في البشر فلا يشترط ذلك في الرسل عليهم الصلاة والسلام لعدم توقف الرسالة عليها وقد كفرت الجاهلية بمخالفتهم هذا القيد وإفراطهم فزعموا أن هذه الصفات البشرية ناقصةً لاتليق برتبة الرسالة وإنما يليق بها صفات الملائكة فكفروا وكذبوا بسبب ذلك الرسل وقالوا ماأخبر الله به عنهم (أبشر يهدوننا). (إن أنتم إلا بشر مثلنا). (مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) ولو كشفت الحجاب عن قلوبهم لعلموا أن وقوع هذه الأعراض البشرية بالرسل عليهم الصلاة والسلام كمالات لهم في أنفسهم وتكميلات متكاثرة لأممهم بحيث يغتبطها الملائكة الكرام ويتمنون وجود مثلها لهم لما فيها من الآداب الرفيعة والعبادات الدقيقة وأسقط الناظم هذا القيد للعلم بأنه المراد في هذا المحل والله أعلم واحترزوا بقولهم التي لاتنافي علو رتبتهم عن الغفلة عن جنابهم الرفيع والتفريط بسبب مشاهدة ظواهرهم البشرية في مراعاة قدرهم العلي وقد ضلت اليهود لعنهم الله فأساؤا الأدب ووصفوا أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام بمساوٍ لايليق أن يوصف بها من هو أدنى منهم في غاية وبهذا يعلم أن كل ماأوهم في حقهم وفي حق الملائكة نقصاً من الكتاب والسنة وجب تأويله انظر لآخر شرح صغرى الصغرى فقد أطال في المسألة جداً قلت وفي تمثيلهم للأعراض التي لانقص فيها بالمرض إجمال فقد سئل شيخنا
الإمام العالم العلامة المتفنن الفهامة المحدث المتصوف سيدي أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي رحمه الله في مسألة تظهر من جوابه ولفظ الجواب لايجوز الصمم على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفاقاً لأن السمع طريق إلى الوحي وباب له فلايقع بهم لأنه لامعنى للنبوة إلا الوحي فكيف تعطل حاسته وينسد بابه هذا لايعقل وكذا البكم لايجوز عليهم لأنه مانع من التبليغ وآفة بالغة ونقضية ظاهرة يتنزهون عن مثلها وكذلك يمنع في حقهم العمى على الصحيح قيل ولم يعم نبي قط ومايذكر عن شعيب لم يثبت وأما يعقوب فحصل ضعف في نور عينيه ولم تكونا عميتا وأزيل ذلك الضعف بعد ذلك فكان عارضاً هذا هو الحق الراجح وقيل غير ذلك مع الإتفاق على عدم استمرار ذلك العارض وكذا يمتنع في حقهم الجنون قليله وكثيره لأنه نقص بل يجب في حقهم كمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي والسلامة من كل ماينفر مما يوجب ثلماً في النسب والخلق والخلق كالفظاظة والعيوب المنفرة كالبرص والجذام والأدرة لأنهم على غاية الكمال في خلقهم وخلقهم ومن نسب أحداً منهم إلى نقص في خلقته فقد آذاه ويخشى على فاعله الكفر وقدقال تعالى {لاتكونوا كالذين آذوا موسى} يعني في وصفهم له بالأدرة فبرأه الله من ذلك كماقدعلم ونص في صحيح الأحاديث وأما أيوب عليه السلام فروي أنه أول من أصابه الجدري ولم يكن مرضه جذاماً لتنزه الأنبياء عن ذلك كما تقرر وعلم وكذا تجب سلامة الأنبياء من كل مايخل بالمروءة كالحجامة وكذا من كل مايخل بحكمة البعثة من البكم والفهاهة والخيانة والخور والبخل والضعف والمهانة لأنهم سيوف الله الماضية وحججه البالغة والسلام وكتبه عبدالرحمن بن محمد الفاسي كان الله له ولياً وبه حفياً اهـ والفهاهة عدم الفصاحة وفي بعض نسخ الجواب بدل والخور والنمر وهو الغضب وسوء الخلق والخور الضعف قلت شيخنا هذا كان إماماً عالماً متفنناً دراكةً شهد له
بذلك شيوخه زاهداً لم يتعاط قط أسباب الدنيا له معرفة بالنحو وباللغة والفقه والأصول والمنطق والبيان وعلم الكلام وغير ذلك وأما التفسير والحديث والتصوف المؤيد بالكتاب والسنة فلايجارى في ذلك أصلاً يستحضر جميع ذلك بلاتأمل تصحح من فيه نسخ البخاري ومسلم يستحضر حل مسائل مشارق عياض على الصحيحين والموطأويستحضر معارضات الآيات ومعارضات الأحاديث وأجوبتها وماقيل فيها من صحيح وسقيم ومأخذ المتصوفة من الكتاب والسنة له حاشية مقيدة على الكتاب المبارك المتداول بأيدي العامة والخاصة المسمى بدلائل الخيرات وله حاشية عجيبة على صحيح البخاري وله حاشية عجيبة على تفسير الجلالين وحاشية على العقيدة الصغرى للسنوسي وله تعليق عجيب على الحزب الكبير للشاذلي رضي الله عنه وله تقاييد كثيرة في التفسير والحديث والتوحيد وغير ذلك توفي رحمه الله آخر ليلة الأربعاء السابع والعشرين من ربيع النبوي من عام ستة وثلاثين وألف وإلى سنة وفاته رمز صاحبنا الأديب الشهير سيدي محمد المكلاتي رحمه الله بالشين واللام والواو من قوله
أبو زيد الفاسي شلو معظم
رثاه حديث المصطفى خير مرسل
رحمه الله ونفع به (تنبيهان) الأول اعلم أن بين الواجبات الثلاث وهي الصدق والأمانة والتبليغ عموماً وخصوصاً من وجه فلايمكن الاستغناء ببعضها عن بعض لأن كل واحد يزيد على صاحبه بزيادة لاتفهم إلا منه فأما الواجب الأول وهو الصدق فيزيد على الأمانة بمنع الكذب سهواً بمعنى أن هذه النقيصة إنما يفهم امتناعها في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام من وجوب الصدق لعمومه في كل قول ولايفهم امتناعه من الأمانة لأنها تمنع من وقوع المعصية أوالمكروه وأما الكذب سهواً فليس بحرام ولامكروه فلا منافاة بينه وبين الأمانة ويزيد الصدق أيضاً على التبليغ بمنع الزيادة على ماأمروا بتبليغه عمداً أونسياناً فلايفهم امتناع هذه النقيصة من التبليغ لأنها وقعت بعد التبليغ العام فلا تنافيه وإنما تفهم من الصدق لأن هذه الزيادة كذب ووجوب الصدق العام ينفعه وأما الواجب الثاني وهو الأمانة فتزيد على الصدق بمنع المعصية أوالمكروه في غير كذب اللسان كالغيبة مثلاً والنظر العمد للأجنبية في غير ضرورة فيفهم امتناع هذه النقيصة من وجوب الأمانة لمنافاتها لها لا من وجوب الصدق لأنها ليست بكذب
حتى يدفعها الصدق وتزيد الأمانة أيضاً على التبليغ العام بمنع المعصية التي لاتتعلق بالتبليغ كالسرقة والخديعة وأما الواجب الثالث وهو التبليغ العام فيزيد على الصدق بمنع ترك شيء مماأمروا بتبليغه عمداً أونسياناً مع إلتزامهم الصدق فيما بلغوا من ذلك فيفهم امتناع هذه النقيصة من وجوب التبليغ العام لأن النقص عمداً أونسياناً مناف لوجوب عموم التبليغ وليس بمناف لوجوب الصدق لأنه يصدق فيما يبلغ ويترك شيئاً آخر أجنبياً عنه يترك تبليغه ليس بكذب ويزيد أيضاً وجوب التبليغ العام على الأمانة بمنع ترك شيء مما أمروا بتبليغه نسياناً فهذه النقيصة إنما يفهم نفيها عنهم عليهم الصلاة والسلام من وجوب التبليغ العام لمنافاتها له لأن السلب الجزئي مناف للثبوت الكلي لايفهم نفيها من وجوب الأمانة لأنها إنما تدفع المعصية والمكروه ومايفعل نسياناً لاتحريم فيه ولاكراهة وإذا علمت هذا ظهر لك معرفة النقيصة التي تشترك الصفات الثلاثة الواجبة في نفيها عن الرسل عليهم الصلاة والسلام والتي تشترك اثنان في نفيها عنهم دون الثالث ومايزيد به كل واحد على مجموع الباقين فتشترك الواجبات الثلاث في نفي تبديل شيء مماأمر الله تعالى بتبليغه أوتغير معناه عمداً لأنه كذب فيدفعه وجوب الصدق ومعصية فيدفعه وجوب الأمانة وكتمان فيدفعه وجوب التبليغ لكل ماأمروا بتبليغه فهذه النقيصة تشترك الواجبات الثلاث في نفيها عن الرسل عليهم الصلاة والسلام وهذا هو المطلب الأول. المطلب الثاني معرفة النقيصة التي يشترك في نفيها عن الرسل عليهم الصلاة والسلام اثنان من الواجبات الثلاث دون الثالث فيشترك الصدق والأمانة في منع الكذب عمداً في الزائد على المأمور بتبليغه ولايمنعه التبليغ العام لأن هذه النقيصة إنما وقعت بعد التبليغ العام ويشترك الصدق والتبليغ العام في منع التبديل نسياناً لبعض المأمور بتبليغه فإنه مناف للصدق لأنه كذب ومناف لتبليغ المأمور بتبليغه ولايمنع هذه النقيصة وجوب الأمانة لأنها إنما تمنع المعصية والمكروه والتبديل نسياناً لاتكليف فيه فليس بمعصية ولامكروه وتشترك الأمانة والتبليغ العام في منع نقص شيء من المأمور بتبليغه عمداً فإنه معصية وترك للتبليغ العام فينفيه كل واحد من هذين الواجبين ولاينفيه الصدق لأن الترك من غير تبديل ليس بكذب. المطلب الثالث مايزيده كل واحد من الواجبات الثلاث على مجموع الواجبين الباقيين فالصدق يزيد على مجموع الأمانة والتبليغ العام يمنع الكذب نسياناً من غير
المأمور بتبليغه لأنه مناف للصدق وليس منافياً للأمانة ولا للتبليغ العام فلا يفهم نفيه إلا من الصدق والأمانة تزيد على مجموع الصدق والتبليغ العام بمنع المعصية في غير الكذب وبعدم التبليغ العام كالسرقة مثلاً والتبليغ العام تزيد على مجموع الصدق والأمانة بمنع نقص شيء من المأمور بتبليغه نسياناً من غير تبديل ولا إخلال فيما بلغ فهو مناف للتبليغ ولاينافي الواجبين إذ ليس بكذب ولاخيانة. المطلب الرابع مايزيده كل واحد منها على كل واحد من صاحبيه وهو المتقدم أول التنبيه والفرق بينه وبين الثالث أن الثالث في معرفة مايزيده كل واحد منها على كل واحد من صاحبيه وهو المتقدم أول التنبيه والفرق بينه وبين الثالث أن الثالث في معرفة مايزيده كل واحد على مجموع الآخرين والمتقدم في معرفة مايزيده كل واحد على كل واحد واحد من الباقين والله تعالى أعلم اهـ. من شرح صغر الصغرى (التنبيه الثاني) قال في شرح الكبرى الكلام في عصمة الأنبياء في موضعين أحدهما قبل النبوة والثاني بعدها أما حكمهم قبل النبوة فالذي ذهب إليه أكثر الأشاعرة وطائفة كثيرة من المعتزلة أنه لايمتنع عقلاً على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل البعثة معصية كبيرة كانت أوصغيرة وذهب بعض أصحابنا إلى أنه يمتنع ذلك وهو مختار القاضي عياض على أنه قال تصور المسئلة كالممتنع فإن المعاصي إنما تكون بعد تقدير الشرع إذ لايعلم كون الفعل معصية إلا من الشرع وقال بعض أصحابنا يحصل الامتناع بالسمع إذ لامجال للعقل لكن دال السمع بعد ورود الشرع على أنهم كانوا معصومين قبل البعثة وذهب الروافض إلى امتناع ذلك كله عليهم عقلاً ووافقهم أكثر المعتزلة في امتناع وقوع الكبائر منهم عقلاً قبل البعثة ومعتمد الفريقين التقبيح العقلي لأن صدورالمعصية منهم ممايحقرهم في النفوس وينفر الطباع عن إتباعهم وهو اختلاف مااقتضته الحكمة من بعثة المرسل فيكون قبيحاً عقلاً وقد سبق الكلام على فساد أصل التحسين والتقبيح العقليين وأما بعد النبوة فالإجماع على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام لأن المعجزة دلت على صدقهم فيما يبلغونه عن الله تعالى فلو جاز تعمد الكذب عليهم لبطلت دلالة المعجزة على الصدق وأما جواز صدور الكذب منهم في الأحكام غلطاً أونسياناً فمنعه الأستاذ وطائفة كثيرة من أصحابنا لمافيه من منافضه دلالة المعجزة القاطعة وجوزه القاضي وقال إن المعجزة إنما دلت على صدقهم فيما يصدر عنهم قصداً واعتقاداً قال القاضي عياض لاخلاف في امتناعه سهواً وغلطا لكن عند الأستاذ بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله تعالى صدق عبدي وعند القاضي بدليل الشرع وأما غير المذكور من المعاصي القولية والفعلية فالإجماع على عصمتهم من تعمد الكبائر وصغائر الخسة خلافاً لبعض الخوارج وأما إتيان ذلك نسياناً أوغلطاً فقال
الآمدي اتفق الكل على جوازه سوى الروافض وهذا الذي ذكره لايصح بل اتفقوا على إمتناعه فقال القاضي والمحققون بدليل السمع وقال الأستاذ وظائفة كبيرة منا ومن المعتزلة وبدليل العقل أيضاً وأما الصغائر التي لاخسة فيها فجوزها عمداً وسهواً الأكثرون وبه قال أبو جعفر الطبري من أصحابنا ومنعته طائفة من المحققين من الفقهاء والمتكلمين عمداً أوسهواً قالوا لاختلاف الناس في الصغائر ولأن جماعة ذهبوا إلى أن كل ماعصي الله به فهو كبيرة ولأن الله تعالى أمرنا باتباعهم وأفعالهم يجب الإقتداء بهاعند أكثر المالكية وبعض الشافعية والحنفية فلو جازت منهم المعصية لكنها مأمورين باتباعهم فيها (قلت) وبهذا تعرف عدم جوز وقوع المكروه منهم فالحق أن أفعالهم دائرة بين الوجوب والندب والإباحة وليس وقوع المباح منهم كوقوعه من غيرهم وهوأن يقع بحسب مقتضى الشهوة بل لعظيم معرفتهم بالله تعالى وخوفهم منه واطلاعهم على مالم يطلع عليه غيرهم لايصدر منهم المباح إلا على وجه يصير في حقهم طاعةً وقربةً كقصدهم تشريعه أو التقوي به على طاعة الله تعالى ونحو ذلك مما يليق بمقاماتهم الرفيعة وإذا كان أهل المراقبة من أولياء الله تعالى بلغوا في الخوف منه تعالى ورسوخ المعرفة مامنعهم أن تصدر منهم حركة وسكون في غير رضاه تعالى فكيف بأنبيائه تعالى ورسله صلوات الله وسلامه على جميعهم اهـ
لَوْ لَمْ يَكُونُوا صَادِقِينَ لَلَزِمْ
أنْ يَكْذِبَ الإِلَهُ فِي تَصْدِيقهِمْ
إذْ مُعْجِزَاتُهُمْ كَقَوْلِهِ وَبَرْ
صَدَقَ هَذَا الْعَبْدُ فِي كُلِّ خَبَرْ
لَوِ أنْتَفَى التَّبْلِيغُ أَو خَانُوا حُتِمْ
أَنْ يُقْلَبَ الْمَنْهىُّ طَاعَةً لَهُمْ
جوَّازُ الأَغْرَّاضِ عَلِيْهِمْ حُجَّتُهْ
وُقُوعُها بِهِمْ تَسَلٍ حِكْمَتُهْ
تعرض الناظم في هذه الإبيات لبراهين الواجبات وغيرها ممايتعلق بجانب الرسل عليهم الصلاة والسلام فذكر أنهم عليهم الصلاة والسلام لولم يصدقوا للزم كذب الإله تعالى عن ذلك حيث صدقهم بإظهار المعجزات على أيديهم لتنزل المعجزة منزلة قوله تعالى صدق هذا العبد في كل ماأخبر به عني إذ تصديق الكاذب كذب والكذب عليه تعالى محال إذ خبره تعالى على وفق علمه والخبرعلى وفق العلم لايكون إلا صدقاً فخبره تعالى لايكون إلآ صدقاً قال في الكبرى فإن قلت قد وجدنا العالم منا بالشيء يخبرعنه بالكذب قلنا كلامنا
في الخبرالنفسي لافي الألفاظ لاستحالة اتصاف الباري تعالى بها والعالم منا بالشيء يستحيل أن يخبر الجزء من قلبه الذي قام به العلم بخبركذب على غير وفق علمه غايته أن يجد في نفسه تقدير الكذب لاالكذب قال في الشرح مامعناه إن العالم بالشيء يمتنع أن يخبرالمحل الذي قام به العلم منه بالكذب والكذب الذي يوجد للعالم منا إنماهو في خبر لسانه اللفظي أما كلامه النفسي فلايكون أبداً إلا على وفق عقده وغاية مايجد في نفسه تقدير أخبار ووسوسة بالكذب لاالخبر بالكذب والإله جل وعلا يستحيل عليه التركيب حتى يقوم العلم والصدق بمحل والكذب بمحل آخر ويستحيل عليه الوسواس والتقادير الحادثة اهـ زاد في الكبرى وأيضاً لو اتصف الباري تعالى بالكذب لاتكون صفته الأقدمية لاستحالة اتصافه بالصدق مع صحة اتصافه به لأجل وجوب العلم له تعالى ففيه استحالة ماعلمت صحته اهـ والمعجزة اسم فاعل مأخوذ من الإعجاز مصدر أعجز وهي لفظ أطلق على الآية الدالة على صدق النبي وهي أمر خارق للعادة مقارن لدعوى الرسالة متحدى به قبل وقوعه غير مكذب بعجز من يبغي معارضته على الإتيان بمثله قال في شرح الصغرى وقولنا في تعريف المعجزة أمر أحسن من قول بعضهم فعل لأن الأمر يتناول الفعل كانفجار الماء مثلاً بين الأصابع ويتناول عدم الفعل كعدم إحراق النار مثلاً لإبراهيم عليه الصلاة والسلام اهـ وخرج بقيد كون الأمر خارقاً للعادة فإنه يستوي فيه الصادق والكاذب قال في الكبرى ومن المعتاد السحر ونحوه وإن كان سببه العادي نادراً إختلافاً لمن جعل السحر خارقاً لكن لسبب خاص به ومن المعتادأيضاً مايوجد في بعض الأجسام من الخواص كجذب الحديد بحجر المغناطيس واحترز بقوله مقارن لدعوى الرسالة مما وقع بدون دعوى أوبدعوى غير دعوى الرسالة كدعوى الولاية بقوله متحدى به قيل وقوعه أي يقول آية صدقي كذا مما لو وقع بدون تحديه كالإرهاص ونحوه أو تحدى به لكن بعد وجوده وهل يجوز تأخير المعجزة عن موته قولان وبقوله غير مكذب مما إذا قال آية صدقى أن ينطق الله تعالى يدي فنقطعت بتكذيبه وفي تكذيب الميت المتحدى بإحيائه قولان للقاضي وإمام الحرمين واختار بعض المتأخرين عدم القدح في تكذيب اليد وشيهها لهدم التحدي بتصديقها وهل دلالة المعجزة على صدق الرسل دلالة عقلية أو وضعية أو عادية بحسب القرائن أقوال اهـ قال في شرح الصغرى وقد ضرب العلماء لدعوى الرسالة وطلبه المعجزة من الله تعالى دليلاً على صدقه مثالاً لتتضح به دلالتها على صدق الرسل ويعلم ذلك على الضرورة فقالوا مثال ذلك ماإذا قام رجل في مجلس ملك بمرأى منه ومسمع بحضور
جماعة وادعى أنه رسول هذا الملك فطالبوه بالحجة فقال هي أن يخالف الملك عادته ويقوم عن سريره ويقعد ثلاث مرات مثلاً ففعل ولاشك أن هذا الفعل من الملك على سبيل الإجابة للرسول تصديق له ومفيد للعلم الضروري بصدقه بلاارتياب ونازل منزلة قوله صدق هذا الإنسان في كل مايبلغ عني ولافرق في حصول العلم الضروري بصدق ذلك الرسول بين من شاهد ذلك الفعل من الملك أو لم يشاهده إلا أنه يبلغه بالتواتر خبر ذلك الفعل ولاشك في مطابقة هذا المثال لحال الرسل عليهم الصلاة والسلام فلايرتاب في صدقهم إلا من طبع على قلبه اهـ وقد أطال في العقيدة الوسطى في هذا المثال جداً وساقه مساقاً حسناً فراجعه إن شئت. وقول الناظم صدق هذا العبد إلخ هو محكي القول وبر بتشديد الراء أي صدق ويوقف عليه في النظم بالتخفيف للوزن وفاعله يعود على الله تعالى والجملة خالية من الضمير المضاف إليه القول لاقتضاء المضاف عمله على تقدير قد أي صدق تعالى في تصديقه لهم بالمعجزة إذ تصديقهم خبر على وفق العلم فلايكون إلا صدقاً كما مر وفي المشارق بعدأن ذكر أن بر بمعنى صدق وسمي الله تعالى نفسه براً قيل معناه خالق البر وقيل العطوف على عباده المحسن إليهم اهـ وظاهر قوله في كل خبر أن المعجزة دليل على صدقهم عليهم الصلاة والسلام فيما أخبروا به عن الله تعالى وغيره وهو كذلك لكن ماأخبروا به عن الله تعالى دلالة المعجزة على الصدق فيه بالمطابقة وأماغيره فبالالتزام كذا قيل وعبارة الشيخ في الوسطى والصغرى وصغراها ظاهرة في أن دلالة المعجزة على الصدق خاصة بماأخبروا به عن الله تعالى وعليه فدليل صدقهم في غير ماأخبروا به عن الله تعالى إنما يؤخذ من وجوب الأمانة لاغير. قوله لو انتفى التبليغ أو خانوا البيت أي لو انتفى عن الرسل عليهم الصلاة والسلام وصف التبليغ بأن كتموا شيئاً مماأمروا بتبليغه لصار الكتمان طاعةً فنكون مأمورين بأن نقتدي بهم في ذلك لأن الله تعالى أمر بالاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم فنكتم نحن أيضاً بعض ماأوجب الله علينا تبليغه من العلم النافع لمن اضطر إليه وهذا معنى انقلاب المنهي عنه الذي هو الكتمان طاعة كيف وهو محرم ملعون فاعله. قال الله تعالى {إن الذين يكتمون ماأنزلنا من البينات والهدى من بعد مابيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} وكيف يتصور وقوع ذلك منهم عليه الصلاة والسلام ومولانا جل وعز يقول لسيدنا ومولانا محمد (ياأيها الرسول بلغ ماأنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته) أي إن لم تبلغ بعض ماأمرت بتبليغه من الرسالة فحكمك حكم من لم يبلغ شيئاً منها فانظر هذا التخويف العظيم لأشرف خلقه وأكملهم معرفةً به فكان خوفه على قدر معرفته ولهذا كان يسمع لصدره عليه الصلاة والسلام أزيز أي غليان كأزيز المرجل من خوف الله وقد شهد مولانا جلا وعلا لسيدنا ومولانا محمد بكمال التبليغ فقال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً). وقال تعالى {لاإكراه في الدين قد تبين الرضد من الغي} وقال تعالى {فتول عنهم فماأنت بملوم} إلى غير ماآية قوله أوخانوا إلخ: أشار به إلى برهان الوصف الثالث وهو وجوب الأمانة لهم عليهم الصلاة والسلام فذكر أنهم لو إنتفى عنهم وصف الأمانة فوصفوا بضدها وهو الخيانة بفعل محرم أومكروه لانقلب ذلك طاعةً فنؤمن نحن بفعل ذلك لوجوب الاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم ولايأمر الله تعالى بمحرم ولامكروه فقوله أوخانوا عطف على انتفى وقوله حتم إلخ جواب عن المسألتين والمنهي عنه في المسألة الأولى خصوص معصية الكتمان وفي الثانية محرم ومكروه وإنما قال طاعةً لهم ولم يقل طاعةً ومباحاً بل اقتصر على الطاعة إشارةً إلى أن أفعالهم عليهم الصلاة والسلام وإن كانت دائرة بين الواجب والمندوب والمباح بحسب النظر إلى الفعل من حيث ذاته فهي بحسب العارض من حيث النية دائرة بين الواجب والمندوب لاغير لأن المباح لايقع منهم عليهم الصلاة والسلام بمقتضى الشهوة ونحوها كما يقع من غيرهم بل لايقع منهم إلا مصاحباً لنية يضير بها قربة وأقل ذلك أن يقصدوا به التشريع للغير وذلك من باب التعليم وناهيك بمنزلة قربه التعليم وعظيم فضلها وإذا كان أدنى الأولياء يصل إلى رتبة تصير معها مباحاته كلها طاعات بحسن النية في تناولها فمابالك بخيرة الله من خلقه وهم أنبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام فلذا اقتصر الناظم على مايقتضي الاختصاص بالواجب والمندوب وهو الطاعة. قال في الكبرى فصل وإذا علم صدق الرسل عليهم الصلاة والسلام بدلالة المعجزة وجب تصديقهم في كل ماأتوا به عن الله تعالى ويستحيل عليهم الكذب عقلاً والمعاصي شرعاً لأنا مأمورون بالإقتداء بهم فلو جازت عليهم المعصية لكنا مأمورين بها (قل إن الله لايأمر بالفحشاء) وبهذا تعرف عدم وقوع المكروه منهم أيضاً بل والمباح على الوجه الذي يقع من غيرهم وبالله التوفيق.
قوله جواز الإعراض عليهم حجته. وقوعها بهم. أخبر أن دليل جواز الأعراض البشرية على الرسل عليهم الصلاة والسلام مشاهدة وقوعها بهم فقد شوهد مرضهم وجوعهم وإذاية الخلق لهم ولكن حد ذلك منهم البدن الظاهر أما قلوبهم باعتبار مافيها من المعارف والأنوار التي لايعرف قدرها إلا الله مولانا جل وعز الذي من عليهم بها فلا يخل المرض ونحوه بقلامة ظفر منها ويكدر شيئاً من صفوها ولايوجب لهم ضجراً ولاانحرافاً ولاضعفاً لقواهم الباطنة أصلا كما ذلك موجود في حق غيرهم عليهم الصلاة والسلام وكذاالجوع والنوم لايستولي على شيء من قلوبهم ولهذا تنام أعينهم ولاتنام قلوبهم وجواز الأعراض مبتدأ ومضاف إليه وعلمهم يتعلق بجواز وحجته مبتدأ ثان ووقوعها خبر الثاني وبهم يتعلق به والثاني وخبره خبر الأول وضمير حجته للجواز وهو الرابط لجملة الخبر بالمبتدأ وضمير وقوعها للأعراض، قوله تسل حكمته أشار إلى أن حكمة وقوع هذه الأعراض بهم عليهم الصلاة والسلام التسلي عن الدنيا أي التصبر ووجود الراحة عليها واللذات لفقدها والتنبه لخسة قدرها عند الله تعالى بما يراه العاقل من مقاساة هؤلاء السادات الكرام خيرة الله تعالى من خلقه لشدائدها وإعراضهم عنها وعن زخرفها الذي غر كثيراً من الحمقى إعراضهم العقلاء عن الجيف والنجاسات ولهذا قال (الدنيا جيفة قذرة) ولم يأخذوا عليهم الصلاة والسلام إلا شبه زاد المسافر المستعجل ولهذا قال (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وقال (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ماسقى الكافر منها جرعة ماء) فإذا نظر العاقل في أحوال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام باعتبار زينة الدنيا وزخارفها علم علم اليقين أنها لاقدر لها عند الله تعالى فأعرض عنها بقلبه بالكلية وشد إزاره لعبادة مولانا جل وعلا وصبر هذه اللحظة من العمر وماأربح صفقة هذا الموفق إذ بذل شيئاً يسيراً لاقيمة له ليسارته وخسته فأخذ شيئاً كثيراً لاقيمة له لكثرته وعظيم رفعته وتزايد نعمه كل لحظة أبد الآباد،
ومن حكمة وقوعها بهم عليهم الصلاة والسلام تعظيم أجرهم كما في المرض والجوع وإذاية الخلق لهم ولهذا قال (أشدكم بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل) ومولانا جل وعز قادر أن يوصل لهم ذلك الثواب بلامشقة تلحقهم لكن ذلك الذي اقتضت الحكمة التي لاتحصرها العقول يفعل مايشاء لايسأل عما يفعل ومن حكمة وقوعهابهم أيضاً تشريع الأحكام المتعلقة بها للخلق كما عرفنا أحكام السهو في الصلاة من سهو سيدنا ومولانا محمد وكيف تؤدى الصلاة في حال المرض والخوف من فعله عند ذلك وعرفنا أكل الطعام وشرب الشراب من أكله وشربه وإلا فهو غني عن ذلك لأنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه إلى غير ذلك اهـ من شرح الصغرى باختصار.
وَقَوْل لَا إلَهَ إلاّ الله
مُحَمَّدٌ أَرْسَلَهُ الإِلَهُ
يَجْمَعُ كُلَّ هَذِهِ الْمَعانِي
كانَتْ لِذَا عَلَامَةَ الإِيمان
وَهِيَ أَفْضَلُ وُجُوهِ الذِّكْرِ
فَاشْغَلْ بِها الْعُمْر تَفُزْ بِالذَّخْر
لما فرغ رحمه الله من ذكر مايجب على المكلف معرفته من عقائد الايمان في حق مولانا جل وعز وفي حق رسله عليهم الصلاة والسلام على سبيل التفصيل كمل هنا الفائدة ببيان اندراج جميع ذلك تحت هذه الكلمة المشرفة وهي قولنا لاإله إلا الله محمدرسول الله ليحصل العلم بعقائد الإيمان تفصيلاً وإجمالاً ويعرف بذلك شرف هذه الكلمة وماانطوت عليه من المحاسن وبيان اندراج ذلك تحتها أن المختار في تفسير الإله أنه المستغني عن كل ماسواه المفتقر إليه كل ماعداه كما سيأتي إن شاء الله فإذا وضعت هذا التفسير في موضع المفسر وهو الإله صار معنى لاإله إلا الله لامستغني عن كل ماسواه ومفتقراً إليه كل ماعداه إلا الله فوصفه تعالى بالاستغناء عن كل ماسواه يوجب له تعالى الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث وأحد جزأي معنى القيام بالنفس وهو الاستغناء عن المخصص إذ لو انتفى شيء من هذه الصفات لكان حادثاً فيفتقر إلى محدث ويلزم الدور أو التسلسل كيف وهو الغني عن كل ماسواه ويوجب أيضاً له تعالى الجزء الثاني من جزأي معنى القيام بالنفس وهو الاستغناء عن المحل وإلا كان
مفتقراً إليه كيف وهو الغني ويوجب أيضاً له التنزه عن النقائص فيدخل في ذلك وجوب السمع له تعالى والبصر والكلام إذ لو لم يجب له هذه الصفات لكان محتاجاً إلى من يدفع عنه هذه النقائص كيف وهو الغني ويوجب أيضاً له تعالى تنزهه عن الأغراض في أفعاله وأحكامه وإلا لزم افتقاره تعالى إلى مايحصل غرضه كيف وهو الغني عن كل ماسواه وقد يمكن الاستغناء عن هذا بالمخالفة للحوادث إذ هو من أوجهه ويؤخذ منه أيضاً أنه لايجب عليه تعالى فعل شيء من الممكنات ولاتركه إذ لووجب عليه تعالى شيء منها عقلاً كالثواب مثلاً لكان تعالى مفتقراً إلى ذلك الشيء ليتكمل به إذ لايجب في حقه تعالى إلا ماهو كمال له كيف وهو جل وعلا الغني عن كل ماسواه والغرض المنفي عنه تعالى عبارة عن وجود باعث يبعثه تعالى على إيجاد فعل من الأفعال أوعلى حكم الشرعية من الأحكام من مراعاة مصلحة تعود إليه تعالى أو إلى خلقه وكلا الوجهين مستحيل عليه لمايزم عليهما من احتياجه تعالى أن يتكمل بمخلوقه الذي يحصل غرضه ويؤخذ من استغنائه تعالى عن كل ماسواه أن لاتأثير لشيء من الكائنات في أثر مابقوة جعلها الله تعالى كالنار في الإحراق والماء في الري لأنه يصير حينئذ مولانا وجل عز مفتقراً في إيجاد بعض الأفعال إلى واسطة وذلك باطل لماعرفت قبل من وجوب استغنائه تعالى عن كل ماسواه ووصفه تعالى بافتقار كل ماسواه إليه يوجب له تعالى الحياة وعموم القدرة والإرادة والعلم إذ لو انتفى شيء من هذه لماأمكن أن يوجد تعالى شيئاً عن الحوادث فلايفتقر إليه شيء كيف وهو الذي يفتقر إليه كل ماسواه ويوجب أيضاً له تعالى الوحدانية إذ لو كان معه تعالى ثان في ألوهيته لما افتقر إليه جل وعلا شيء للزوم عجزهما حينئذ كيف وهو الذي يفتقر إليه كل ماسواه ويؤخذ منه أيضاً أن لاتأثير لشيء من الكائنات في أثر مابطبعه وإلا لزم أن يستغني ذلك الأثر عن مولانا جل وعز كيف وهوالذي يفتقر إليه كل ماسواه عموماً وعلى كل حال وبهذا يبطل مذهب القدرية القائلين بتأثير القدرة الحادثة في الأفعال مباشرة أوتولداً ويبطل مذهب الفلاسفة القائلين بتأثير الأفلاك والعلل ويبطل مذهب الطبائعيين القائلين بتأثير الطبائع والأمزجة ويؤخذ منه أيضاً حدوث العالم بأسره إذ لو كان شيء منه قديماً لكان ذلك الشيء مستغنياً عنه كيف وهو الذي يجب أن يفتقر إليه كل ماسواه هذا حاصل ماذكره الولي الصالح سيدي محمد بن يوسف السنوسي نفعناالله به في عقيدته الصغرى فجزاه الله عن المسلمين خيراً وملخصه بتقريب أن استغناءه تعالى عن كل ماسواه يوجب له ثمان صفات من الصفات الواجبة وهي الوجود والقدم والبقاء
والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والسمع والبصر والكلام ويؤخذ منه حكم القسم الثالث وهو كون فعل الممكنات أوتركها جائزاً في حقه تعالى لاأنه واجب أومستحيل وأن افتقاره كل ماسواه إليه يوجب له تعالى خمس صفات من الصفات الواجبة وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والوحدانية فمجموع ذلك ثلاث عشرة صفةً كما ذكر الناظم قبل هذا ويلازم وصفه تعالى بالقدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام كونه تعالى قادراً مريداً وعالماً وحياً وسميعاً وبصيراً ومتكلماً فهذه عشرون صفةً واجبةً إذ وجب اتصافه تعالى بهذه العشرون استحال وصفه تعالى بأضدادها لاستحالة الجمع بينهما وتقدم قريباً أن حكم القسم الثالث وهو الجائز في حقه تعالى يؤخذ من وصف الاستغناء قال الشيخ رضي الله عنه ونفعنا به فقد بان لك تضمن قول لاإله إلا الله للأقسام الثلاثة التي تجب على المكلف معرفتها في حق مولانا جل وعز وهي مايجب في حقه تعالى ومايستحيل ومايجوز وأما قولنا محمد رسول الله فيدخل فيه الإيمان بسائر الأنبياء والملائكة عليهم السلام والكتب السماوية واليوم الآخر لأنه عليه الصلاة والسلام جاء بتصديق جميع ذلك ويؤخذ منه وجوب صدق الرسل عليهم الصلاة والسلام واستحالة الكذب عليهم وإلا لم يكونوا رسلاً أمناء لمولانا العالم بالخفيات واستحالة فعل المنهيات كلها لأنهم عليهم الصلاة والسلام أرسلوا ليعلموا الخلق بأقوالهم وأفعالهم وسكوتهم فيلزم أن لايكونوا في جميعها مخالفين لأمر مولانا جل وعز الذي اختارهم على جميع خلقه وأمنهم على سر وحيه ويؤخذ منه جواز الأعراض البشرية عليهم إذ ذاك لايقدح في رسالتهم وعلو منزلتهم عند الله تعالى بل ذلك ممايزيد فيها فقد اتضح لك تضمن كلمتي الشهادة مع قلة حروفها لجميع مايجب على المكلف معرفته من عقائد إيمانية في حقة تعالى وفي حق رسله عليهم الصلاة والسلام اهـ ويدخل في استحالة فعل المنهيات الكتمان لشيء مماأمروا بتبليغه قال في الكبرى فصل وإذا وفقت لعلم هذا كله حصل لك العلم ضرورة بصدق رسالة نبينا ومولانا محمد فوجب الإيمان به في كل ماجاء به عن الله سبحانه جملةً وتفصيلاً كالحشر والنشر لعين هذا البدن لالمثله إجماعاً وفي كونه عن تفرق أو عدم محض تردد باعتبار مادل عليه الشرح أما الجواز العقلي فيهما فاتفاق وفي إعادة الأعراض بأعيانها طريقان الأولى تعاد بأعيانها باتفاق الثانية قولان الصحيح منهما إعادتها بأعيانها وفي إعادة عين الوقت قولان وكالصراط والميزان وفي كون الموزون صحف الأعمال أوأجساماً تخلق أمثلة لها تردد وكالجنة والنار وعذاب القبر وسؤاله ولايقدح فيه مشاهدتنا للميت على نحو ما وضع في قبره لأن في الموت وما بعده خوارق عادات أخبر بها الشرع وهي
جائزة فوجب الإيمان بها على ظاهرها أما مااستحال ظاهره نحو على العرش استوى فإنا نصرفه عن ظاهره إتفاقاً ثم إن كان له تأويل واحد تعين الحمل عليه وإلا وجب التفويض مع التنزيه وهو مذهب الأقدمين خلافاً لإمام الحرمين (فصل) ومماجاء به ويجب الإيمان به نفوذ الوعيد في طائفة من عصاة أمته ثم يخرجون بشفاعته والحوض وهل قبل الصراط أو بعده أوهما حوضان أحدهما قبل الصراط والآخر بعده وهو الصحيح أقوال وتطاير الصحف إلى غير ذلك مما علم من الدين ضرورةً وعلمه مفصل في الكتاب والسنة وكتب علماء الأمة اهـ. والحشر عبارة عن جمع الأجساد وإحيائها وسوقها إلى الموقف وغيره من مواطن الآخرة والنشر عبارة عن إحيائها بعد مماتها والقول بأن الحشر عن عدم محض مقيد بغير عجب الذنب وبغير من نص الشارع أن الأرض لاتأكل جسده قال شيخنا الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد القرشي في إضاءة الدجنة
وإستثن من ذا الخلف عجب الذنب
وماأتت به النصوص كالنبي
وعجب الذنب بفتح العين المهملة ثم جيم ساكنة ثم باء موحدة ثانية الحروف وقد تبدل ميماً عظم صغير كالخردلة في أصل الصلب وهل بقاؤه دون سائر الجسد تعبد أو معلل جعله الله تعالى علامةً للملائكة على أنه يحي كل إنسان بجواهره بأعيانها قولان والذين لاتعدو عليهم الأرض خمسة نظمهم الإمام التتائي في شرح الرسالة فقال
لاتأكل الأرض جسماً للنبي ولا
لعالم وشهيد قتل معترك
ولالقارىء قرآن ومحتسب
أذانه لإله مجرى الفلك
وقد حكى شيخنا رحمه الله في النظم المذكور في المذنب العاصي هل يأخذ كتابه بيمينه أوشماله ثالثها الوقف وصحح مايذكر أن الصراط أرق من الشعر وأحد من السيف وحكي في إنفراده بالحوض أو لكل رسول حوض قولين وفي كون الحوض قبل الصراط أوبعده أو هما حوضان أحدهما قبل الصراط والآخر بعده ثلاثة أقوال فقال.
والأخذ للكتب به النص أتى
والخلف في العاصي لديهم ثبتا
هل بيمين أو شمال يعطى
كتابه ومن يقف ماأخطا
إذ لم يرد فيه صريح يعول
عليه والوارد فيه مجمل
وكالصراط ذي الكلاليب ومن
أنفذ منه فهو بالفوز قول
جسر على متن جهنم التي
يهوي بها من رجله قد زلت
ومايقال إنه تاق
من شعر صدقه فهو حق
وفى صحيح مسلم ماأرشدا
إليه والضرير فيه أنشدا
والرب لايعجزه إمشاؤهم
عليه إذالم يعيه إنشاؤهم
وللقرافي هنا كلام
نيط به من أجله ملام
ثم قال
وحوضه ممابه النص ورد
وفيه خلف هل به الهادي انفرد
وهل الأصح أولكل مرسل
حوض من العذاب الرحيق المسلسل
وكونه بعد الصراط مختلف
فيه وبعض بالتعدد اعترف
قلت وقد أجاد شيخنا رحمه الله فى النظم المذكور فى هذا الفصل فعليك به ولولا خوف السآمة لأثبته بجملته (قلت) وشيخنا هذا كان إماماً عالماً متفنناً حافظاً مستحضراً للفقه والنوازل غاية فى الحفظ والفهم وفصاحة اللسان له ولوع بالأدب وطريقته ولي الفتوى والخطابة والإمامة بجامع القرويين بعد وفاة الفقيه سيدي محمد الهواري وذلك فى جمادى الأولى من عام اثنين وعشرين وألف إلى أن خرج للحج وذلك أواخر رمضان من عام سبعة وعشرين وألف فحج واستوطن مصر وكملت حجاته خمساً والله أعلم وألف تآليف منها حاشية مفيدة على مختصر الشيخ خليل ومنها كتاب فى التعريف بالقاضي أبي الفضل عياض ومنها نظم مفيد في علم الجدل ومنها هذه المنظومة في العقائد فقد اشتملت على فوائد وجواهر فريدة مع سلاسة النظم وحسن المساق نظمها بمكة المشرفة حسبما ذكر فيها ورواها عنه ثمة من الخلق من لايحصى كثرة من أقطار مختلفة* وممن رواها عنه وأعطاه منها نسخة بخطه الفقيه الأجل الحاج الأبر سيدي أبوعبدالله محمد بن الإمام العالم العلامة المتفتن الفهامة الولي الصالح الورع الزاهد العابد المشمر عن ساعد الجد والثبت ومعظم العلماء وأهل البيت الحاج الأبر سيدي أبي عبدالله محمد بن الولي الصالح العابد الزاهد ذي الكرامات العديدة والمآثر الحميدة الشهير شرقا وغربا سيدي أبي بكر المجاصي أبقى الله بركته وعظم حرمته وكبت عدوه وذلك لما حج سنة أربعين وألف وعنه انتشرت عندنا بفاس فجزاه الله خيرا
وأعظم له أجرا ماهي بأول بركاتكم ياآل أبي بكر (قلت) ولشيخنا المذكور مقطعات في الأدب وغير ذلك توفي رحمه الله بمصر منتصف رجب أوشعبان سنة إحدى وأربعين وألف* وإلى سنة وفاته أشرت بالشين والألف والميم مع إفادة كونه كان عازما على استيطان الشام فاخترمته المنية من قولنا في جملة أبيات في تاريخ وفيات جملة من شيوخنا رحمهم الله تعالى وجامع أشتات العلوم بأسرها* وذا أحمد المقري شامالمنزل* قوله كانت
لذا علامة الإيمان أشار به والله أعلم إلى قول الشيخ في الصغرى ولعلها لاختصارها مع اشتمالها على ماذكرناه جعلها الشرع ترجمة على مافي القلب من الإسلام ولم يقبل من أحد الإيمان إلا بها قال في الشرح لاشك أنه عليه الصلاة والسلام قد خص بجوامع الكلم فتحت كل كلمة من كلماته من الفوائد مالا ينحصر فاختار لأمته في ترجمة الإيمان هذه الكلمة المشرفة السهلة حفظاً وذكرا الكثيرة الفوائد علماً وحساً فماتعبوا فيه من تعلم عقائد الإيمان الكثيرة المفضلة جمع لهم ذلك كله فى حرز هذه الكلمة المنيع وتمكنوا من ذكر عقائد الإيمان كلها بذكر واحد خفيف على اللسان ثقيل في الميزان ثم تنبه أيها المؤمن العظيم إلى رحمة الله تعالى وإنعامه علينا بهذه الكلمة الشريفة وهو أن المكلف إنما ينجو من الخلود في النار إذا اتصف في آخر حياته بعقائد الإيمان التي تنطق بالله وبرسله عليهم الصلاة والسلام والغالب عليه في ذلك الوقت الهائل الضعيف عن استحضار جميع عقائد الإيمان مفصلة فعلمه الشرع بمقتضى الفضل العظيم هذه الكلمة السهلة العظيمة القدر حتى يذكر بها من غير مشقة تناله جميع عقائد الإيمان بلسانه أوبقلبه واكتفى منه في هذا الوقت الضيق بذكرها مجملة إذ طالما أداها قبل ذلك على لسانه وقلبه مفصلة ولهذا قال
(من كان آخر كلامه لاإله إلاالله دخل الجنة) وقال أيضا (من مات وهو يعلم لاإله إلاالله دخل الجنة) فالأول فيمن يستطيع النطق والثاني فيمن لايستطيعه والله أعلم وقد ورد أن الملكين الكريمين يجتزيان منه بمجرد ذكرها حيث يمنعه مانع الهيبة والخوف من ذكر عقائد الإيمان لهما مفصلة اهـ باختصار وإذا كان ذكر هذه الكلمة المشرفة علامة للإيمان وترجمة
عليه فلايقبل من أحد الإيمان إلابذكرها كماصرح به في الصغرى وهذا يستدعي الكلام على حكم ذكرها قال في الشرح اعلم أن الناس على ضربين مؤمن وكافر أماالمؤمن بالأصالة فيجب أن يذكرها مرة في العمر ينوي في تلك المرة بذكرها الوجوب وإن ترك ذلك فهو عاص وإيمانه صحيح والله أعلم ثم ينبغي له أن يكثر من ذكرها بعد أداء الواجب كماأشرنا إلى ذلك بقولنا في أصل العقيدة فعلى العاقل أن يكثر من ذكرها وليعرف معناها أولاً لينتفع بذكرها دنيا وأخرى وأماالكافر فذكره لهذه الكلمة واجب شرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة وإن عجز عن ذكرها بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت ونحو ذلك سقط عنه الوجوب هذا هو المشهور من مذهب علماء أهل السنة وقيل لايصح الإيمان إلابها مطلقا ولافرق في ذلك بين المختار والعاجز وقيل يصح الإيمان بدونها مطلقاً وإن كان التارك لها اختياراً عاصيا كمافى حق المؤمن بالأصالة إذا نطق بها ولم ينو الوجوب ومنشأ هذه الأقوال الثلاثة الخلاف في هذه الكلمة المشرفة هل هي شرط في الايمان أوجزء منه أوليست بشرط فيه ولاجزء منه والأول هو المختار اهـ انظر المسلم الذي يولد في الاسلام إذا اتفق له لم ينطق بالشهادتين قط فان كان ذلك لعجز كالأخرس فهو كمن نطق وإن كان ذلك إباية وامتناعاً فهو كافر بلاشك وإن كان لغفلة فقط فهل هو كمن امتنع فهو كافر أيضا أوهو كمن نطق فهو مؤمن ونسب للجمهور قولان وإلى هذا كله أشار الإمام العالم المتفتن صاحب العلم الفصيح والقلم المؤيد الصحيح سيدي أبوعبدالله محمد المدعو
العربي بن الإمام الشهير العالم العلامة الولي الصالح سيدي يوسف الفاسي نفعنا الله به في نظمه المسمى بمراصد المعتمد في مقاصد المعتمد بقوله:
ومن يكن ذا النطق منه مااتفق
فان يكن عجزا يكن كمن نطق
وإن يكن ذلك عن إباء
فحكمه الكفر بلاامتراء
وإن يكن لغفلة فكالإبا
وذا لسنة عياض نسبا
وقيل كالنطق وللجمهور
نسب والشيخ أبي منصور
انتهى وهذا هو الفصل الأوّل من الفصول السبعة المتعلقة بهذه الكلمة المشرفة وهو بيان حكمها (من كان آخر كلامه لاإله إلاالله دخل الجنة) وقال أيضا (من مات وهو يعلم لاإله إلاالله دخل الجنة) فالأول فيمن يستطيع النطق والثاني فيمن لايستطيعه والله أعلم وقد ورد أن الملكين الكريمين يجتزيان منه بمجرد ذكرها حيث يمنعه مانع الهيبة والخوف من ذكر عقائد الإيمان لهما مفصلة اهـ باختصار وإذا كان ذكر هذه الكلمة المشرفة علامة للإيمان وترجمة عليه فلايقبل من أحد الإيمان إلابذكرها كماصرح به في الصغرى وهذا يستدعي الكلام على حكم ذكرها قال في الشرح اعلم أن الناس على ضربين مؤمن وكافر أماالمؤمن بالأصالة فيجب أن يذكرها مرة في العمر ينوي في تلك المرة بذكرها الوجوب وإن ترك ذلك فهو عاص وإيمانه صحيح والله أعلم ثم ينبغي له أن يكثر من ذكرها بعد أداء الواجب كماأشرنا إلى ذلك بقولنا في أصل العقيدة فعلى العاقل أن يكثر من ذكرها وليعرف معناها أولاً لينتفع بذكرها دنيا وأخرى وأماالكافر فذكره لهذه الكلمة واجب شرط في صحة إيمانه القلبي مع القدرة وإن عجز عن ذكرها بعد حصول إيمانه القلبي لمفاجأة الموت ونحو ذلك سقط عنه الوجوب هذا هو المشهور من مذهب علماء أهل السنة وقيل لايصح الإيمان إلابها مطلقا ولافرق في ذلك بين المختار والعاجز وقيل يصح الإيمان بدونها مطلقاً وإن كان التارك لها اختياراً عاصيا كمافى حق المؤمن بالأصالة إذا نطق بها ولم ينو الوجوب ومنشأ هذه الأقوال الثلاثة الخلاف في هذه الكلمة المشرفة هل هي شرط في الايمان أوجزء منه أوليست بشرط فيه ولاجزء منه والأول هو المختار اهـ انظر المسلم الذي يولد في الاسلام إذا اتفق له لم ينطق بالشهادتين قط فان كان ذلك لعجز كالأخرس فهو كمن نطق وإن كان ذلك إباية وامتناعاً فهو كافر بلاشك وإن كان لغفلة فقط فهل هو كمن امتنع فهو كافر أيضا أوهو كمن نطق فهو مؤمن ونسب للجمهور قولان وإلى هذا كله أشار الإمام العالم المتفتن صاحب العلم الفصيح والقلم المؤيد الصحيح سيدي أبوعبدالله محمد المدعو العربي بن الإمام الشهير العالم العلامة الولي الصالح سيدي يوسف الفاسي نفعنا الله به في نظمه المسمى بمراصد المعتمد في مقاصد المعتمد بقوله:
ومن يكن ذا النطق منه مااتفق
فان يكن عجزا يكن كمن نطق
وإن يكن ذلك عن إباء
فحكمه الكفر بلاامتراء
وإن يكن لغفلة فكالإبا
وذا لسنة عياض نسبا
وقيل كالنطق وللجمهور
نسب والشيخ أبي منصور
انتهى وهذا هو الفصل الأوّل من الفصول السبعة المتعلقة بهذه الكلمة المشرفة وهو بيان حكمها
الفصل الثاني
في ضبطها قال ينبغي لذاكرها أن لايطيل مد ألف لاجداً وأن يقطع الهمزة من إله إذ كثيراً مايلحن بعض الناس فيردها ياء وكذا ينبغي أن يفصح بالهمزة لأن بعضهم يرد الهمزة أيضاً ياء أويخفف اللام وأما كلمة الجلالة فإن وقف عليها تعين
السكون وإن وصلها كأن يقول لاإله إلاالله وحده لاشريك له فله وجهان الرفع وهو الأرجح والنصب وهو مرجوح ويأتي توجيهها فى فصل الإعراب وينبغي أن ينون اسم سيدنا ومولانا محمد ويدغم تنوينه في الراء اهـ واستحباب عدم إطالة مد ألف (لا) هو أحد أقوال ثلاثة مد (إلا) ويشدد اللام بعدها إذ كثيراً مايلحن ثلاثة قال القشلاني اختلف هل الأفضل للمكلف المد في لاالنافية ليستشعر المتلفظ بها نفي الألوهية عن كل موجود سوى الله تعالى أوالقصر لئلا تخترمه المنية قبل التلفظ بذكر الله وفرق الفخر بين أول كلمة فيقصر أولا فيمد اهـ وفي التوضيح في تعداد مايغلط فيه المؤذنون ومنها الوقوف على (لاإله) وهو خطأ ومنها أن بعضهم لايدغم تنوين محمد في الراء بعدها وهو لحن خفي عند القراء
الفصل الثالث
فى إعرابها اعلم أن هذه الكلمة قد احتوت على صدر وعجز فعجزها ظاهر الإعراب إذهو جملة من مبتدأ وخبر ومضاف إليه وأماصدرها ف (لا) فيه نافية و (إله) مبني معها لتضمنها معنى من إذ التقدير لامن إله ولهذا كانت نصاً في العموم كأنه نفى كل إله غيره جل وعز من بدء مايقدر منها إلى مالا نهاية له ممايقدر وقيل بنى الاسم معها للتركيب وذهب الزجاج إلى أن اسمها معرب منصوب بهاوإذ فرعنا على المشهور من البناء فموضع الاسم نصب بلاالعاملة عمل إن والمجموع من لاإله في موضع رفع بالابتداء والخبر المقدر هو لهذا المبتدأ ولم تعمل فيه لاعند سيبويه وقال الأخفش لاهي العاملة فيه وأما اسم الجلالة وهو الله فيرفع وهو الكثير ولم يأت في القرآن إلامرفوعاً وقد ينصب فالرفع إما على البدلية وهو المشهور والجاري على ألسنة المعربين وهو رأي ابن مالك وعليه فالأقرب أن يكون بدلا من الضمير المستتر في الخبر المقدر وقيل إنه بدل من اسم لاقبل دخولها وإنما كان القول بالبدل من الضمير المستتر أولى لأن البدل من الأقرب أولى من الأبعد ولأن كونه بدلا من اسم لاقبل دخولها داع إلى الاتباع باعتبار المحل مع إمكان الاتباع باعتبار اللفظ وأما أنه مرفوع على الخبرية قال ناظر الجيش وأماالقول بالخبرية في الاسم المعظم فقد قال به جماعة ويظهر لي أنه أرجع من القول بالبدلية وهذان القولان بالبدلية والخبرية في الاسم المعظم هما المعتبران وفي المسألة ثلاثة أقوال أخر قال ناظر الجيش لاعمل عليها أحدها أن إلا ليست أداة استثناء وإنما هي بمعنى غير وهي مع الاسم المعظم صفة لاسم باعتبار المحل والتقدير لاإله غير الله في الوجود ولامانع لهذا القول من جهة الصناعة النحوية وإنما يمتنع من جهة المعنى لأن المقصود من هذه الكلمة أمران نفي الألوهية عن غيره تعالى وإثبات ألوهيته تعالى وهذا الأمر الثاني لايفيده منطوق هذا
التركيب وإنما يفيده مفهومه وأين دلالة المنطوق من دلالة المفهوم ثم هو إما مفهوم ولم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة أومفهوم صفة وهو غير مجمع عليه الثاني أن لاإله في موضع الخبر وإلاالله في موضع المبتدأ ولايخفى ضعفه ويلزم منه أن الخبر يبنى مع لا وهي لايبنى معها إلاالمبتدأ أوأنه لايجوز نصب الاسم المعظم في هذا التركيب وقد جوزه كماسيأتي الثالث أن الاسم المعظم مرفوع بإله كمايرفع الاسم بالصفة في قولنا قائم الزيدان فيكون المرفوع بمعنى أغنى عن الخبر على أن إلها مألوه من أله أي عبد فيكون مفعولا أقيم مقام الفاعل واستغنى به عن الخبر كقولنا مامضروب إلاالعمران وضعفه وأجاب عنه وأما النصب فقد ذكر وله وجهين أحدهما أن يكون على الاستثناء من الضمير في الخبر المقدر الثاني أن يكون إلاالله صفة لاسم لاأما كونه صفة فلايكون إلاإذا كانت بمعنى غير وقد مربيان ضعفه في القول الأول من الثلاثة الأخيرة من أوجه الرفع وأما التوجيه الأول فقد قالوا فيه إنه مرجوح وكان حقه أن يكون راجحاً لأن الكلام غير موجب ثم قال والذي يقتضيه النظر أن النصب لايجوز بل ولا البدل ثم بين وجه ذلك فقف عليه وعلى مايتعلق بجميع الأوجه المذكورة من الأبحاث والأجوبة في شرح الصغرى
الفصل الرابع
في بيان معناها قال في شرح الصغرى لاشك أنها مشتملة على نفي وإثبات فالمنفي كل فرد من أفراد حقيقة لاإله غير مولانا جل وعز والمثبت من تلك الحقيقة فرد واحد وهو مولانا جل وعز وأنى بالالقصر حقيقة الإله عز وجل بمعنى أنه لايمكن أن توجد تلك الحقيقة لغيره تعالى لاعقلاً ولاشرعاً وحقيقة الإله هو الواجب الوجود المستحق للعبادة ولاشك أن هذا المعنى كلي أي يقبل بحسب مجرد إدراك معناه أن يصدق على كثيرين لكن البرهان القطعي دل على استحالة التعدد فيه وأن معناه خاص بمولانا جل وعز فقط والاسم المعظم المذكور بعد حرف الاستثناء ليس هو بمعنى الإله فيكون كليا بل هو جزئي علم على ذات مولانا جل وعز لايقبل معناه التعدد ذهنا ولاخارجا ولو كان معنى الله كمعنى الإله لزم استثناء الشيء من نفسه وأن لايحصل توحيد من هذه الكلمة ولو كان معنى الإله جزئياً مثل الاسم الأعظم لزم أيضاً استثناء الشيء من نفسه والتناقص في الكلام بإثبات الشيء ثم نفيه قال فإن كان المراد بالكلي الذي هو الإله مطلق المعبود لم يصح لما يلزم عليه من الكذب لكثرة المعبودات الباطلة وإن كان المراد بالإله المعبود بحق صح فإذا لايصح إلا أن يكون الإله كليا بمعنى المعبود بحق والاسم المعظم علم على الفرد الموجود منه أوالمعنى على هذا لامستحق للعبودية موجود أوفي الوجود إلاالفرد الذي هو خالق العالم جل وعز اهـ وهو صريح في أن
المنفي هو ماقد يتوهم من تعدد المعبود بحق وهذا المعنى أيضاً هو الذي عقد شيخ شيوخنا الإمام الشهير الحافظ الكبير الولى الصالح الحاج الرحال سيدى أبو القاسم ابن الامام الشهير الحافظ الأثير القاضى سيدى عبدالجبار بن أحمد بن موسى البزوري الفجيجي رحمه الله بقوله
(فصل)
ومعنى لاإله إلا
الله جل الرب نعم المولى
مافي الوجود من إله يعبد
بالحق إلاالله فرد صمد
وهي رد خطأ المعتقد
أن إله الحق ذو تعدد
كمن يظن أن عند زيد
من العبيد نحو ألف عبد
وليس عنده سوى عبد فريد
وذلك العبد يسمى بسعيد
فأنت حقاً فى خطابك تقول لذاك لاعبد لزيد ياجهول إلا سعيد فنفيت كل
ماكان مخاطباً له توهما
مستثنياً سعيداً المحقق
وجوده وربنا الموفق فصرح أيضا بأن المنفي هو ماقد يتوهم من تعدد المعبود بحق أما المعبود بباطل فلم يتعرض له إذهو موجود فلايصح نفيه وإلى هذا ذهب الشيخ الامام العالم سيدي أبومحمد عبدالله الهبطي الطنجي من تسلط النفي على أفراد الآلهة المعبودة بالحق على تقدير وجودها دون الباطل من الأصنام والأوثان قائلا إذ لاينفي الشيء إلا عما من شأنه أن يتصف به الأصنام لامشاركة بينها وبين الإله الحق سبحانه حتى يحتاج إلى نفيها وهو خلاف ماذهب إليه الإمام العالم سيدي أبوعبدالله محمد السبتيني النفي على المجموع من الأفراد المعبودة بالحق على تقدير وجودها والأصنام والأوثان المعبودة بالباطل قال بدليل قوله تعالى {إنهم كانوا إذا قيل لهم لاإله إلا الله يستكبرون} فلولا أنهم فهموا من هذا النفي أنه أزال لهم ألوهية أصنامهم مااستكبروا وقالوا ماقال بعضهم وتحقيق ذلك لاإله إلا الله دلت على نفي الأفراد المعبودة بالحق على توهم وجودها بالمطابقة ودلت على نفي ألوهية الأصنام والأوثان المعبودة بالباطل بالالتزام قال والظاهر الأول فإن تعميم للنفي للأفراد المعبودة بحق على تقدير وجودها وتوهمه وللمعبودة بباطل من الأصنام ونحوها كماقال السبتيني يؤدي إلى عدم كفر الكافرين وأن لايوجد مشرك في الدنيا إذ المعنى حينئذ لامعبود بحق ولابباطل إلاالله تعالى وإذا لم يعبد إلاهو تعالى فمن عبده ليس بكافر (قلت) وفي الاستدلال بالآية نظر لاعتقادهم حقية عبادة أصنامهم ومن كلام الهبطى
المذكور من قصيدة له في ذلك.
ومن قائل نفى الصليب وشبهه
هو القصد بالتهليل تعدوك فتنة
ولم يدر أن ماأريد بنفيه
هو المستحيل مابذلك مرية
فمعبود كل كافر بين عينيـ
ـه عليه لأجله خضوع وذلك
فلو نفسه ربي أراد بخبره
لما كان صدقا لاتفتك شهادة
كما مات خير الخلق مات دينه
ومن شك في قولي غشته عماية
ومن كلامه أيضا من قصيدة له أخرى في هذا المعنى.
إن قلت لاإله إلاالله
المثل قد نفيت لاسواه
ومن يقل نفت وجود الصنم
فليثبت أنه توهمى
لكونه قطعاً لديه آلهة
نفاها من نفى الإله قاطبة
فإن أردت ثمرة الكلام
ولاعليك فيه من ملام
فخذ إليك لفظة بها اكتفى
المثل ماقدرت منه منتف
فكل ماأتى به التقدير
فمنتف قليل أوكثر
فشد كفك على هذا المقال
وكف عن قول جميعه ضلال
انتهى وقد ألف رحمه الله هذه المسئلة تأليفا مفيداً ثم قال الشيخ رضي الله عنه في شرح الصغرى وإن شئت قلت في معنى الإله هو المستغني عن كل ماسواه المفتقر إليه كل ماعداه وهو أظهر من المعنى الأول وأقرب منه وهو أيضاً أصل له لأنه لايستحق أن يعبد أي يدل له كل شيء إلامن كان مستغنيا عن كل ماسواه ومفتقراً إليه كل ماعداه فظهر أن العبارة الثانية أحسن من الأولى وبها ينجلي اندراج جميع عقائد الإيمان تحت هذه الكلمة ثم نقل عن المقترح مامعناه أنه لفظ الاستثناء في الحقيقة لايجري على ظاهره مايفهمه كل قاصر من أنه نفي وإثبات إذ يلزم منه هنا كفر وإيمان وإنما المقصود الإخبار بأن الإله الحقيقي واحد ثم يمكن أن يفاد هذا المعنى بعبارتين إحداهماالله واحد والثانية لاإله إلاالله فعدل إلى صيغة النفي لكونها أبلغ في إفادة معنى الوحدانية إذ يلزم منه نفي الكمية المتصلة والمنفصلة إذ مضمونها ليس كمثله شيء وليس هذا موجوداً في العبارة الأخرى وهي الله واحد فلاترتيب باعتبار المعنى حتى يلزم منه كفر ثم إيمان النفي والاثبات مقصودان دفعة واحدة ومدلوهما معا شيء
واحد وهو وحدانية الإله الحقيقي دل على ذلك مجموع قولنا لاإله إلاالله فلاإله إلاالله كقول القائل لفلان علي عشرة إلاثلاثة فقد قال الفقهاء إنه مقر بسبعة لاأنه أقر بعشرة ثم نفى منها ثلاثة إذ يلزم أن يقبل منه ذلك لأنه تعقب بالرافع لكن للسبعة عبارتان إحداهما بسيطة وهي سبعة والأخرى مركبة وهي مجموع قولنا عشرة إلاثلاثة فسبعة وعشرة إلاثلاثة مترادفان كماأن قولنا الله واحد ولاإله إلاالله مترادفان لكن عدل إلى العبارة المشتملة على النفي والإثبات لكونها أبلغ كمامر قال وهذا الذي اختاره المقترح هو قول القاضي أبي بكر قال وقال الأكثرون المراد بعشرة إنماهو السبعة وإلاثلاثة قرينة ذلك من إرادة الجزء باسم الكل وعلى هذا فاله المنفي أريد به غير الله وإلا الله قرينه إرادة ذلك ويندفع به التناقض أيضا قال وقيل المراد بعشرة جميع أفرادها السبعة والثلاثة معا ثم أخرجت الثلاثة بإلافبقيت السبعة ثم أسند إليها الحكم بعد الإخراج فلم يلزم تناقض في الحكم إذ ثبوته إنما هو للباقي بعد الإخراج والتقدير والعشرة المخرج منهاثلاثة له على ماقيل وهذا القول هو الصحيح على هذا فالمراد بإله كل أفراده ثم أخرج منها المعبود بحق ثم أسند الحكم بعد الإخراج والتقدير أفراد الإله المخرج منها الله معدومة (فرع) ومن خط شيخنا الإمام الحافظ الحجة سيدي أبي العباس أحمد المقري التلمساني نزيل فاس مانصه وقد سئل الشيخ سيدي محمد السنوس نفعناالله به هل يشرط في الإيمان أن يعرف المكلف معنى لاإله إلا الله محمد رسول الله على التفصيل الذي ذكرى في العقيدة الصغرى أم لا؟ فأجاب بأن ذلك لايشترط إلافي كمال الإيمان وإنمايشترط فى الصحة معرفة المعنى على الإجمال على وجه يتضمن التفصيل ولاشك أن الغالب على المؤمنين عامتهم وخاصتهم معرفة ذلك إذ كل أحد يعرف أن الإله هو الخالق وليس بمخلوق والرازق وليس بمرزوق وذلك هو معنى غناه جل وعز عن كل من سواه اليه وافتقار كل ماسواه إليه ويعرفون أن الإله لايصلى الاله ولايصام إلاله ولايحج ولايعبد سواه وافتقار كل ماسواه إليه وهو معنى قولهم إن الإله هو المستحق للعبادة ولايستحقها سواه وذلك الذي وقعت به الفتوى بعدم الإيمان نادر جداً وهو الذي لايدرى معنى لاإله إلاالله لاجملة ولاتفصيلاً ولايفرق بينه وبين الرسول بل يتوهم أنه متل ونظير لله تعالى وهذا النوع يقع في البادية البعيدة عن العمران جدا التي لاتخالط علما ولاخبرا والله تعالى أعلم اهـ وأشار بقوله وذلك الذي وقعت به الفتوى الخ لقوله في شرح الوسطى في باب الدليل على وجوب الوحدانية له تعالى وقد سئل فقهاء بجاية وغيرهم من الأئمة عن أول هذا القرن أو قبله
بيسير عن شخص ينطق بكلمتي الشهادة ويصلي ويصوم ويحج ويفعل كذا وكذا لكن إنما يأتي بمجرد الأقوال والأعمال فقط على حسب مايرى الناس يقولون ويعملون حتى أنه لينطق بكلمتي الشهادة ولايفهم لهما معنى ولايدرك معنى الإله ولامعنى الرسول وبالجملة فلايدرى من كلمتي الشهادة ماأثبت ولامانفى وربما توهم أن رسول الله نظير الإله لمارآه لازم الذكر معه في كلمتي الشهادة وفي كثير من المواضع فهل ينتفع هذا الشخص بماصدر منه من صورة القول والفعل ويصدق عليه حقيقة الإيمان فيمابينه وبين ربه أم لا فأجابوا كلهم بأن مثل هذا لايضرب له في الإسلام بنصيب وإن صدر منه من صور أقوال الإيمان وأفعاله وماوقع (قلت) وهذا الذي أفتوا به في حق هذا الشخص ومن كان على حالته جلي في غاية الجلاء لايمكن أن يختلف فيه اثنان وإنما نزاع العلماء واختلافهم فيمن عرف مدلول الشهادتين وجزم بماتضمنه من عقائد التوحيد من غير تردد إلاأن موجب جزمه بذلك التقليد ومجرد النشأة بين قوم مؤمنين من غير أن يعرف برهانا على ذلك أصلا والخلاف في صحة إيمان هذا هو الخلاف المعروف في صحة التقليد وقد قدمنا مافي ذلك في شرح مقدمة هذه العقيدة اهـ
(الفصل الخامس فى بيان فضلها)
قال رضي الله عنه اعلم أنه لولم يكن في بيان فضلها إلاكونها علماً عن الإيمان في الشرع تعصم الدماء والأموال بحقها وكون إيمان الكافر موقوفا على النطق بها لكان كافياً للعقلاء كيف وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرا فمنها قول رسول الله «أفضل ماقلته أناوالنبيون من قبلي لاإله الاالله وحده لاشريك له» رواه مالك فى الموطأ زاد الترمذي في روايته له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير وروى هو والنسائي أنه قال (أفضل الذكر لااله الاالله وأفضل الدعاء الحمدلله) وروى النسائي أنه قال «قال موسى عليه الصلاة والسلام يارب علمني ماأذكرك به وأدعوك به فقال ياموسى قل لاإله الاالله قال موسى عليه السلام يارب كل عبادك يقولون هذا قال قل لاإله إلاالله قال موسى: لا
إله إلاأنت إنماأريد شيئا تخصني به قال ياموسى لوأن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع فى كفة ولاإله إلا الله في كفة لمالت بهن لاإله إلا الله وقال يؤتى برجل إلى الميزان ويؤتى بتسعة وتسعين سجلا كل سجل منها مد البصر فيها خطاياه وذنوبه فتوضع في كفة الميزان ثم تخرج بطاقة مقدار الأنملة فيها شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله فتوضع في الكفة الأخرى فترجح بخطاياه وذنوبه» إلى غير ذلك مماورد في فضلها ففي الشرح من ذلك جملة صالحة فراجعه إن شئت
الفصل السادس
فى كيفية ذكرها على الوجه الأكمل قال رضي الله عنه اعلم أن ذكر هذه الكلمة على كل حال بقصد القربة يحصل به الثواب لكن الأكمل الذي ترد به على القلب المواهب الإلهية والفتوحات الربانية التي يقصر عنها الوصف أن يعظم الذاكر ماعظم الله تعالى وأن يحسن أدبه مع ماشرف مولانا جل وعز وقد علمت أن هذه الكلمة من أفضل الأذكار وأشرفها عند مولانا جل وعز فينبغي للمؤمن أن يعتني بشأنها فيتوضأ لها ويلبس ثيابا طاهرة ويقصد موضعا طاهرا كمايقصده للصلاة وليتحر الخلوة والإنفراد عن الناس مااستطاع ويقصد الأزمنة المشرفة كمابعد الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى غروبها أومايتمكن منه من بعض ذلك وبين العشاء والسحر ثم ليستقبل القبلة وليفتتح ورده أولا بالاستغفار ولو مائة مرة ليغسل باطنه من أدران المعاصي ليتهيأ لتحليته بمايرد عليه بعد ذلك من أنوار بقية أوراده ثم يتبع أثر ذلك صلاة على النبى ولوخمسمائة مرة ليستنير بها باطنه ويتهيأ لحمل مايرد عليه من سر التهليل ويقصد بذلك كله امتثال أمر الله سبحانه وطلب رضاه والذي يعينه على احضار قلبه وقصد القربة في هذه الأذكار أن يذكر على قلبه أمر مولانا جل وعلا بكل واحد منها ليستشعر قلبه هيئة الأمر بمعرفة من صدر منه اهـ ماتعلق به الغرض ولابد وراجع بقية الفصل في الشرح إن شئت فقد أجاد فيه رضي الله تعالى عنه ماشاء
الفصل السابع
في الفوائد التي تحصل لذاكر الكلمة المشرفة على الوجه الأكمل قال رضي الله عنه اعلم أن المواظبة على ذكر الكلمة المشرفة على الوجه الذي ذكرناه أولا
تحصل فوائد كثيرة منها مايرجع إلى محاسن الأخلاق الدينية ومنها مايرجع إلى الكرامات التي هي خوارق أماالأولى فمنها اتصافه بالزهد وهو خلو الباطن من الميل إلى فان وإن كانت اليد معمورة بمتاع حلال فعلى سبيل العارية فيتصرف فيه بالاذن الشرعى تصرف الوكيل الخاص ينتظر العزل عنه في كل نفس ومنها التوكل وهو ثقة القلب بالوكيل الحق ولايقدح في ذلك تلبس ظاهره بالأسباب إذا كان قلبه فارغا منها يستوي عند وجودها وعدمها ومنها الحياء بتعظيم الله عز وجل بدوام ذكره والتزام امتثال أمره ونهيه والإمساك عن الشكوى به إلى العجزة الفقراء غيره ومنها غنى القلب بسلامته من فتن الأسباب فلايعترض على الأحكام بلو أوبلعل لعلمه بمن صدرت منه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير ومنها الفقر وهو نفض يد القلب من الدنيا حرصاً وإكثاراً ومنها الإيثار على نفسه بمالايذمه الشرع ومنها الفتوة وهي التجافي عن مطالبة الخلق بالإحسان إليه ولوأحسن إليهم لعلمه بأن إحسانه إليهم وإساءتهم إليه كل ذلك مخلوق لله تعالى فلايرى لنفسه إحسانا حتى يطلب عليه جزاء ولايرى لهم إساءة حتى يذمهم عليها إلاأن يكون الشرع هو الذي أمر بذمهم أومعاقبتهم فيفعل ماأمر به الشرع ليقوم بوظيفة العبادة فقط وهذه الفتوة فوق المسألة ومنها النظر وهو إفراد القلب بالثناء على الله تعالى ورؤية النعم منه في طي النقم قال رضي الله عنه والفوائد كثيرة ومن أرادها فليجتهد في أسبابها فسيعرفها بالذوق وأماالنوع الثاني من الفوائد وهو مايرجع إلى الكرامات فمنها وضع البركة في الطعام ونحوه حتى يكثر القليل ويكفي اليسير وهذا مشاهد لأولياء الله تعالى كثيرا ومنها تيسير دنانير أودراهم أوكليهما أوغير ذلك مما تدعوا إليه الحاجة وقد كان بعض المشايخ في أول أمره جزارا فتعذر عليه شغل الجزارة تعذرا شرعيا فكان إذا كان قضى وظيفة ذكره برفع رأسه فيجد في حجره درهما يشتري به قوت ذلك اليوم ومنها مسألة سقة الشيخ أبي عبد الله التاودي نفعنا الله به وغير ذلك مما لايحصى كثرة قال رضي الله عنه وكرامات هذا الباب كثيرة لاتنحصر إلا أن المؤمن لاينبغي له أن يقصدها بشيء من طاعته وإلادخل عليه الشرك الخفي ومكر به والعياذ بالله إذ هذه من جملة مايجب أن يصفي منها قلبه عند ذكر كلمة التوحيد ويقطع التفافه إليها بالكلية وليكن مقصوده رضا مولاه وكشف الحجاب عن قلبه فيواجه مولاه بالعجائب والأسرار. وهذا آخر الفصول السبعة المتعلقة بكلمة التوحيد باختصار جلها على حسب ماظهر في الوقت قوله وهي أفضل وجوه الذكر ظاهر وراجع الفصل الخامس في بيان فضلها قوله فاشغل به العمر تفز بالذخر أمر بالاشتغال والإكثار وعمارة الأوقات بذكر كلمة التوحيد لفضلها وثوابها قال في شرح الصغرى روى أن بعض السادات كان لايفتر عن ذكرها ليلا ولانهارا
ومنهم من يذكرها بين اليوم والليلة سبعين ألف مرة وأهل السبب والمشتغلون بالخدمة والصنائع اثني عشر ألفا وروي أن من قالها سبعين ألف مرة كانت فداءه من النار قوله تفز بالذخر جواب اشغل والذخر بالمعجمة المضمونة مصدر ذخر كمنع قال في القاموس ذخره كمنعه ذخرا بالضم وادخره اختاره أوأتخذه والذخيرة ماادخر كالذخر والجمع أذخار
فَصْلٌ وَطَاعَةُ الْجَوارِحِ الْجَمِيعُ
قَوْلاً وَفِعْلاً هُو الإِسْلامُ الرَّفِيعْ
قَوَاعِدُ الاسْلَامِ خَمْسٌ وَاجِبَاتِ
وَهِىَ الشَّهادَتَانِ شَرْطُ البَاقيِاتِ
ثُمَّ الصَّلاةُ والزَّكاَةُ فِي الْقطِاعْ
والصَّوْمُ والحْجُّ عَلَى مَنِ اسْتَطاعْ
لاِيمانُ جَزْمٌ بِالإلهِ والْكُتُبْ
والرُّسلِ والأَمْلاك مَعَ بَعْث قَرُبْ
وقَدْرٌ كَذَا الصِّرَاطُ فالميزانْ
حَوْضُ النَّبيِّ جَنَّةٌ نيرانُ
وأمَّا الإحسانُ فَقالَ مَنْ درَاهْ
أَنْ تَعْبُدَ الله كأَنَكَ تَرَاهْ
إنْ لَمْ تَكُنْ ترَاهُ إنَّهُ يَرَاكْ
والدِّينُ ذِي الثّلَاثِ خُذْ أَقْوَى عُرَاكْ
نعرض في هذا الفصل لبيان الإسلام وقواعده ولبيان الإيمان والإحسان والدين فأخبر أن طاعة جميع الجوارح أي السبعة من اللسان الموافق للاعتقاد وغير اللسان أي الانقياد بها إلى فعل المأمور به وترك المنهي قولا كان أوفعلا هو الإسلام أي في عرف الشرع ووصفه بالرفعة لكماله بسبب انقياد الجوارح كلها وفهم منه أن الانقياد ببعض الجوارح فقط ليس اسلاما كاملا بل إسلام ناقص أوكفر وهو كذلك إن كان هذا البعض المنقاد به النطق بالشهادتين وحده أومع غيره كماهو مشاهد في الناس كثيرا من فعل المأمور به غالباً وعدم ترك المنهي عنه فهو إسلام ناقص إذ يثبت حكم الإسلام في الظاهر بالنطق بالشهادتين وحده فأحرى إن انضاف له غيره وأما إن لم ينطق بالشهادتين فلايصح إسلامه رأساً كماسيأتي فالمنفي في الوجه الأول الكمال مع ثبوت أصل الإسلام والمنفي في الثاني أصل الإسلام هذا معنى الاسلام في عرف الشرع وأما الإسلام لغة فهو مطلق الطاعة والانقياد والجوارح الكواسب أي الأعضاء السبعة التي
يكسب بها الخير والشر وهي السمع والبصر واللسان واليدان والرجلان والفرج والبطن روي أن من عصى الله تعالى بجارحة من هذه فتح له باب من أبواب جهنم ومن أطاعه بواحدة منه غلق عنه باب فإن أطاعه بالجميع غلقت عنه أبوابها كلها* وقوله الجميع نعت للجوارح ويحتمل كونه تأكيداً لها وأل فيه خلف عن الضمير على المذهب الكوفي أي جميعها وقوله قولا وفعلا منصوب على إسقاط الخافض أي في القول والفعل نبه به على أن الإسلام الكامل هو ماحصل عن الانقياد في القول بالنطق بمايجب النطق به وفي الفعل يفعل المأمور به يزيد كماترك المنهي عنه كمامر ثم أخبر أن قواعد الإسلام أي أصوله التي بني عليها خمس خصال كل منها واجب ومعنى كونها أصولا له أنها أعظم خصاله وآكدها الأولى الشهادتان أي النطق بهما مع اعتقاد معناهما ولو على جهة الإجمال كمامر في الفرع قبل الفصل الخامس وقوله شرط الباقيات صفة الشهادتين وكونهما شرطاً في الخصال الباقية صحيح أماالنطق بهما فهو شرط في صحة الخصال الأربعة الباقية كماذكر يريد وشرط صحة أيضاً في غيرها من بقية خصال الإسلام لكن هذا بالنسبة للكافر فلاتصح منه صلاة ولاغيرها إلابعد النطق بهما إن كان قادراً عليه وأمكنه ذلك وأمابالنسبة لمن ولد في الإسلام ففي كون نطقه بهما شرط صحة في إسلامه فلايصح دونه أوشرط كمال فيه قولان لكن محل الخلاف إن كان عدم نطقه بهما في غفلة فقط أماإن كان إباية وإمتناعا فالاتفاق على عدم صحة إسلامه وقد تقدم هذا في الفصل الاول من الفصول السبعة المتعلقة بكلمة التوحيد وأمااعتقاد معناهما فهو نفس الإيمان الذي يصح الإسلام الشرعي دونه (الخصلة الثانية) الصلاة (الثالثة) الزكاة فيماتجب فيه من الأنواع وهي الماشية والعين والحرث وبعض الثمار ومن الأخرين تخرج زكاة الفطر وهذه الأنواع هي مراد الناظم والله أعلم بالقطاع القاموس قطاع ككتاب الدرهم وقطيع كأمير الطائفة من الغنم والنعم وجمعه القطاع بالكسر اهـ وحاصله إطلاق القطاع على الدراهم والماشية وقد أطلقه الناظم على ماهو أعم من ذلك من جميع ماتجب فيه الزكاة (الرابعة) صوم رمضان (الخامسة) حج البيت من استطاع إليه سبيلا.
ثم أخبر أيضا أن الايمان هو الجزم أي القطع بوجود الإله سبحانه وتعالى وباتصافه بصفات الجلال والكمال وبالكتب أي المنزلة على الرسل وبالرسل والملائكة والبعث والقدر والصراط والميزان والحوض والجنة والنيران وسيأتي مزيد بيان لذلك عند التعرض لشرح الحديث الذي عقده الناظم في هذه الأبيات إن شاء الله تعالى وقوله الإيمان ابتداء اللام مكسورة مجردة من همزة الوصول لأن همزة الوصل إنما جيء بها للتوصل إلى الابتداء بالساكن والساكن هنا هو اللام تحرك بحركة الهمزة المنقولة إليه فاعتد بها وأسقط الهمزة وقد ارتكب الناظم هذا الوجه في مواضع من هذا الرجز ثم إن الإحسان عند من دراه أي علمه هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله ثم أخبر أيضا أن الدين مجموع هذه الثلاث وهي الإسلام والإيمان والإحسان وقوله ذي الثلاث ذي اسم إشارة خبر الدين والثلاث بالرفع نعت له أوعطف بيان وقوله خذ أقوى عراك إشارة إلى أن الدين أقوى وأوثق عروة يستمسك بها وذلك إشارة إلى قوله تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) وقوله (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) وفى ذلك تلويح إلى تعبيره العروة فى رؤيا عبدالله بن سلام رضي الله عنه بالإسلام الكامل المرادف للدين ففي صحيح البخاري رضي الله عنه عن قيس بن عباد قال «كنت جالساً في مسجد المدينة فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع فقال هذا رجل من أهل الجنة فصلى ركعتين تجوز فيهما ثم خرج وتبعته فقلت إنك حين دخلت إلى المسجد قالوا هذا رجل من أهل الجنة قال والله ماينبغي لأحد أن يقول مالايعلم فسأحدثك لم ذاك رأيت رؤيا على عهد النبي فقصصتها عليه رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة فقيل لي ارق فقلت لاأستطيع فأتاني منصف فرفع ثيابي من خلفي فرقيت حتى كنت في أعلاها فأخذت العروة فقال لي استمسك فاستيقظت وإنها لفي يدي فقصصتها على النبي فقال تلك الروضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة الوثقى فأنت على الإسلام حتى تموت وذلك الرجل عبدالله بن سلام» اهـ.
والأصل فيماذكره الناظم في هذا الفصل ماأخرجه الامام أبوعبدالله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله تعالى عنه في صحيحه عن أبي هريرة قال كان النبي بارزاً يوما للناس فأتاه رجل فقال ما الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث قال ماالإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال ماالإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك قال متى الساعة قال ماالمسؤول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربتها وإذاتطاول رعاة الإبل إليهم في البنيان فى خمس لايعلمهن إلاالله ثم تلاالنبى (إن الله عنده علم الساعة) الآية ثم أدبر فقال ردوه فلم يروا شيئاً فقال هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم قال أبوعبدالله فجعل ذلك كله ديناً وماأخرجه الامام أبوالحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري رضي الله تعالى عنه في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه «قال بينما نحن جلوس عند رسول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولايعرفه مناأحد حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يامحمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله الإسلام أن تشهد أن لاإله إلاالله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فاخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فاخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فانه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ماالمسؤول عنها بأعلم من المسائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت ملياً ثم قال ياعمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم»
قال الإمام شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي في شرح الأربعين للنووي بعد شرحه لحديث عمر مانصه وهو حديث متفق على عظم موقعه وكثرة أحكامه لاشتماله على جميع وظائف العبادات
الظاهرة والباطنة من عقائد الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه فهو جامع لطاعات الجوارح والقلب أصولا وفروعا حقيق بأن يسمى أم السنة كماسميت الفاتحة أم القرآن لتضمنها جل معانيه ومن ثم قيل لولم يكن في هذه الأربعين بل في السنة جميعها غيره لكان وافيا بأحكام الشريعة لاشتماله على جملتها مطابقة وعلى تفصيلها فهو جامع لها علما ومعرفة وأدبا ونطقا ومرجعه من القرآن والسنة كل آية أوحديث تضمن ذكر الإسلام أوالإيمان أوالإحسان أوالإخلاص أوالمراقبة أونحو ذلك اهـ قال الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح حديث أبي هريرة المتقدم ظاهر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام وجوابه يقتضي تغايرهما وأن الإيمان تصديق بأمور مخصوصة والإسلام إظهار أعمال مخصوصة وتقدم أن المصنف يرى الإيمان والإسلام عبارة عن معنى واحد وقد نقل أبو عوانة الاسفرايني في صحيحه عن المزني صاحب الشافعي الجزم بترادفهما سمع ذلك منه وعن الإمام أحمد بتغايرهما ولكل من القولين أدلة متعارضة وقال أبومحمد البغوي في الكلام على حديث جبريل هذا جعل النبى الإسلام هنا اسما لماظهر من الأعمال والإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ولا أن التصديق ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة كلها شىء واحد وجماعها الدين ولهذا قال (أتاكم ليعلمكم دينكم) وقال تعالى (ورضيت لكم الإسلام دينا) وقال (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) ولايكون الدين فى محل الرضا والقبول الا بانضمام التصديق اهـ كلام البغوي قال ابن حجر والذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقة شرعية كما أن لكل منهما حقيقة لغوية لكن كل منهما يستلزم الآخر بمعنى التكملة له فكما أن العامل لايكون مسلما كاملا الا إذا اعتقد فكذلك أن العامل لايكون مسلما كاملا إلاإذا اعتقد فكذلك المعتقد لايكون مؤمنا كاملا إلا إذا عمل وحيث يطلق الإيمان في موضع الإسلام أو بالعكس أويطلق أحدهما على إرادتهما معا فهو على سبيل المجاز ويتبين المراد بالسياق فإن ورد في مقام السؤال حملا على الحقيقة وإن لم يردا معا أولم يكونا في مقام سؤال أمكن الحمل على الحقيقة وعلى المجاز بسبب مايظهر من القرائن اهـ ومن إطلاق الإسلام على إرادتهما معا قوله تعالى {ورضيت لكم الإسلام دينا} .
{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} كما تقدم بيانه في نقل ابن حجر عن البغوي ومن إطلاق اسم الإيمان عليهما قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أى صلاتكم فأطلق الإيمان على التصديق والعمل إذ من المعلوم أن الصلاة التي لايضيعها الله متى صدرت من مؤمن ونقل الامام سيدي أحمد القلشاني في شرح الرسالة عن ابن الصلاح مانصه قال ابن الصلاح في كلامه على حديث سؤال جبريل هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق بالباطن وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والصيام والحج لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لهايشعر بانحلال قيد انقياده واختلافه ثم إن اسم الإيمان يتناول مافهم به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ومقومات ومتممات وحافظات له ولهذا فسره النبي في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وأداء الخمس من المغنم ولكون الإيمان يطلق الأعمال لكونها ثمرات له ومقومات ومتممات له لايقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أوترك فريضة لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ولايستعمل في الناقص إلابقيد ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله «لايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن» واسم الإسلام أيضا يتناول ماهو أصل الإيمان وهو التصديق بالباطن ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام فخرج بما ذكرنا وحققنا أن الإسلام والإيمان يجتمعان ويفترقان فإذا اجتمع التصديق بالقلب بمايجب التصديق به شرعا من وحدانية الله تعالى وغير ذلك وانقاد بلسانه أوجوارحه وبالإقرار والعمل كان مسلما مؤمنا فان لم يكن تصديق في الباطن يريد وهو منقاد فى الظاهر فلا يصدق على هذا الظاهر إيمان يريد بل إسلام فقط قال تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} فبين تعالى أن
محله القلب وكذلك فسره عليه السلام في حديث جبريل كماسبق اهـ وهذا هو المسمى الآن بالزنديق وقد كان فى الصدر الأول يسمى بالمنافق فان وجد التصديق بالقلب ولم يحصل في الظاهر انقياد فإن كان عدم حصوله حتى بلسانه فيمايجب عليه النطق به من الشهادتين لغير عذر فمؤمن لغة لاشرعاً غير مسلم ومؤمن لغة وشرعا على أحد القولين إن كان عدم نطقه غفلة راجع الفصل الأول من الفصول السبعة المتعلقة بكلمة التوحيد وإن انقاد بلسانه فيماذكر ولم ينقد بغيره من سائر الأركان فهو مؤمن لتصديقه مسلم لأن حكم الإسلام يثبت في الظاهر بالشهادتين كماتقدم في كلام ابن الصلاح إلاأن إسلامه ناقص كمامر أيضا ولاخفاء أن هذا كله مبني على القول بتغايرهما لاعلى القول بترادفهما فاعلمه وتغايرهما إنما هو باعتبار اللغة وأماباعتبار الشرع فمتلازمان لايصح إيمان إلا بإسلام ولا إسلام إلابإيمان واللهأعلم (تنبيه) مما يتأكد ذكره والتنبيه عليه فى هذا المحل مسائل مهمة ممالاغنى للفقيه عنها* المسألة الأولى في زيادة الإيمان ونقصانه وفي ذلك ثلاثة أقوال (الأول) يزيد وينقص (والثانى) لايزيد ولاينقص (والثالث) يزيد ولاينقص والأول والثالث رويا عن مالك فالأول باعتبار الأعمال وتسميتها إيمانا ومن قال بالثاني اعتبر حقيقة التصديق القائم بالمحل وهو عرض فلا يزيد ولاينقص إلا أن يقال زيادته باعتبار كثرة متعلقاته وكثرة أدلته وانتفاء الغفلات وتوالي ذلك من غير فتور وأماالثالث فمراعاة للإطلاق الشرعي فزادتهم إيمانا ولم يرد بنقصه وقال محققو المتكلمين نفس التصديق لايزيد ولاينقص ليس شيئا يتجزأ حتى يتصور كماله مرة ونقصه أخرى والإيمان الشرعي يزيد وينقص فزيادة بكثرة ثمراته وهي الأعمال ونقصه بنقصانها قالوا وفي هذا توفيق بين ظاهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وهو ظاهر وقيل الأظهر أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة وبهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لايعتريهم الشبه أولا يتزلزل إيمانهم بعارض بل لاتزال قلوبهم منشرحة منيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال وغيرهم ليسوا كذلك ولاشك أن نفس تصديق أبي بكر رضي الله تعالى عنه لايساويه تصديق آحاد الناس والله أعلم المسألة الثانية اختلف العلماء في إطلاق الإنسان أنا مؤمن أوتقييدها بالمشيئة فيقول انا مؤمن إن شاء الله تعالى وبالأول قال المحققون وبالثاني قالت جماعة وذهب الأوزاعي إلى التخيير فمن أطلق نظر إلى الحال ومن قيد بالمشيئة قال إما على وجه التبرك أونظر إلى العاقبة وهي مجهولة لايدري هل يثبت على إيمانه الآن أولا والعياذ بالله تعالى والكافر في التقييد بإن شاء الله كالمسلم.
المسألة الثالثة قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين قال جمع من الحنفية الإيمان مخلوق وكلام أبي حنيفة صريح فيه وقال آخرون منهم غير مخلوق وهما متفقان على أن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى وبالغ جمع منهم فكفروا من قال بخلقه لما يلزم عليه من خلق كلامه تعالى لأنه تعالى قال (فاعلم أنه لاإله إلاالله) فالتكلم بها قاطع بكلامه بما ليس بمخلوق كما أن قارىء آية قارئا لكلامه تعالى حقيقة ورد بأن هذا جهل وغباوة إذ الإيمان وفاقا التصديق بالجنان أومع الإقرار باللسان وكل منهما فعل العبد وهو مخلوق لله تعالى وأيضا فقد قال الفقهاء لايكون المقروء إلابالقصد وأيضا يلزمهم أن كل ذاكر بل كل متكلم وافق كلامه أجزاء من القرآن قد قام به ماليس بمخلوق من معاني كلامه تعالى وذلك مما لايقوله ذو لب وأيضا المتلفظ بالشهادتين لم يقصد به قراءة بل الإقرار بالتصديق والحاصل أن الواجب اعتقاده أن كل ماقام بقارىء القرآن حادث لأنه إن قام به مجرد التلفظ والملفوظ لعدم فهمه لمايقرؤه فظاهر إذ التلفظ أمر اعتبارى وهو حادث لأنه مسبوق بمايعتبر به والملفوظ سبقه العدم فيستحيل قدمه وإن قام به مع ذلك الفهم والتدبر فهو إنما يحدث في نفسه صورة معاني نظم القرآن وغايتها أن تدل على المعنى القائم بذاته تعالى وليست هو للقطع بحدوثها وبعدم انفكاكه عن الذات الواجب الوجود ولتغايرهما إذ هو مدلول لفعل القارىء وصفة للكلام النفسي والقائم بنفس القارىء هو صفة العلم بتلك المعاني النظيمة لاللكلام بدليل أن القائم بقارى (أقيموا الصلاة) ليس طلب إقامتها بل العلم بأنه تعالى طلب ذلك قيل وهذا ينافيه قولهم القراءة وهي أصوات القارىء حادثة لوجودها تارة وعدمها أخرى والمقروء بالألسنة المكتوب بالمصاحف المسموع بالأسماع المحفوظ في الصدور قديم لاقتضائه قيام المعنى القديم بنفس الإنسان لأن المحفوظ مودع في قلبه ورد بأنهم لم يريدوا بهذ اللفظ ظاهره لتصريحهم بمايدل على أنهم تساهلوا فيه إذ قالوا عقبه ليس المقروء المذكور حالا في قلب ولالسان ولامصحف فأرادوا بالمقروء المعلوم بالقراءة والمكتوب المفهوم من الخط والمسموع المفهوم من الألفاظ المسموعة فالحال في القلب هو نفس فهمه والعلم به لامتعلقهما إذ هو المعنى القديم القائم بذاته تعالى وقد نقل بعض أهل السنة أنهم منعوا من إطلاق القول بحلول كلامه تعالى في لسان أوقلب أومصحف ولو مع اللفظ لئلا يسبق الوهم إلى إرادة النفسي القديم ثم مامر من القول بعدم خلق الإيمان لم ينفرد به الحنفية بل نقله
الأشعري عن أحمد وجماعة من أهل الحديث ومال إليه لكن وجهه بغير مامر وهو أن المراد بالإيمان حينئذ مادل عليه وصفه لله تعالى بالمؤمن فايمانه هو تصديقه فى الأزل بكلامه القديم لإخباره بوحدانيته وليس تصديقه هذا محدثا ولامخلوقا أن يقوم به حادث بخلاف تصديقه لرسله بإظهار المعجزة فإنه من صفات الأفعال وهي حادثة عند الأشاعرة قديمة عند الماتردية وبذلك علم أنه لاخلاف في الحقيقة لأنه إن أريد بالإيمان المكلف به فهو مخلوق قطعا أومادل عليه وصفه تعالى بالمؤمن فهو غير مخلوق قطعا اهـ وإنما نقلته بكماله وإن كان يمكن اختصاره لما اشتمل عليه من الفوائد ولست فى عهد مافيه من التحصيف إذ لم أجد فى الوقت ماأصله منه وإذ فرغنا من حل كلام الناظم وبعض مايتعلق بالإيمان والإسلام فلنرجع إلى الحديثين المتقدمين اللذين عقدهما الناظم في هذه الأبيات فأنقل عليهما مالابد منه من كلام بعض من شرحهما لأنهما أصل الدين ومداره ويفهم
معناهما بفهم كلام الناظم فأقول قال الإمام ابن حجر قوله في حديث أبي هريرة كان النبي بارزا يوما للناس أي ظاهرا لهم غير محتجب ولاملتبس بغيره والبروز الظهور وقد وقع في رواية أبي فروة بيان ذلك قال كان رسول الله يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلايدري أيهم هو فطلبنا إليه أن يجعل له مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه قال فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه واستنبط منه القاطبى استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه قوله فأتاه رجل أي ملك في صورة رجل قوله فقال ماالإيمان فإن قيل كيف بدأ بالسؤال قيل السلام أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغ في التعمية لأمره أوليبين أن ذلك غير واجب أوعلم فلم ينقله الراوي وهذا الثالث هو المعتمد قوله ماالإيمان قدم السؤال على الإيمان لأنه الأصل وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى وثلث بالإحسان لأنه متعلن بهما وفي رواية عمارة بن القعقاع بدأ بالإسلام لأنه الأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه الأمر الباطن ورجح هذا الطيبي لمافيه من الترقي قلت وإياها تبع الناظم ابن حجر قوله (أن تؤمن بالله) دل هذا الجواب على أنه علم أنه سأله متعلقاته لاعن معنى
لفظه وإلا لكان الجواب الإيمان التصديق وأعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيما لأمره منه قوله تعالى {قل يحيها الذي أنشأها أول مرة} في جواب من يحيي العظام وهي رميم قوله (وملائكته) الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كماوصفهم الله عباد مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسل * قوله (وكتبه) الإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ماتضمنه حتى قوله وبلقائه قيل إنه مكرر مع الإيمان بالبعث والحق أنه غير مكرر فقيل المراد بالبعث القيام من القبر والمراد باللقاء مابعد ذلك وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا والبعث بعد ذلك وقيل المراد باللقاء رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الايمان* قوله (ورسله) الإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله ودل الإجماع في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل إلامن ثبت تسميته فيجب الايمان على التعين قوله (وتؤمن بالبعث) زاد في التفسير (الآخر) ولمسلم في حديث عمرو (اليوم الآخرة) فأما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب وقيل لأن البعث وقع مرتين الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أومن بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا والثانية البعث من بطون القبور إلى محال الاستقرار وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة والمراد بالإيمان به التصديق وبما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار (فائدة) زاد الاسماعيلي (وتؤمن بالقدر) ولمسلم (كله) وفي رواية (خيره وشره) وكان الحكمة فى إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر البعث الإشارة إلى أي نوع آخر مما يؤمن به لأن البعث سيوجد بعد وماذكر قبله موجود الآن أوالتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار ولهذا كثرة تكرار في القرآن وهكذا الحكمة في إعادة لفظ وتؤمن عند ذكر القدر كأنها إشارة إلى ماسيقع فيه من الاختلاف فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن وتأكيده بقوله كله ثم قرره بالإبدال بقوله خيره وشره حلوه ومره والقدر مصدر
قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والضم قدرا إذا أحطت بمقدار والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ماسبق في علمه أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطيعة وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة وقد روى مسلم القصة في ذلك ثم قال ابن حجر وقد حكى المصنفون عن طوائف من القدرية إنكار كون البادىء عالما بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم وإنما يعلمها بعد كونها قال القرطبي وغيره وقد انقرض هذا المذهب ولايعرف أحد انتسب إليه من المتأخرين قال والقدرية اليوم مطبقون على أن الله تعالى عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم أن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال ثم قال (تنبيه) ظاهر السياق يقتضي أن الإيمان لايطلق إلاعلى من صدق بجميع ماذكر وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسله ولااختلاف لأن الإيمان برسول الله المراد به الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه فيدخل جميع ماذكر تحت ذلك والله أعلم* قوله في تفسير الإسلام أن تعبد الله قال النووي يحتمل أن يكون المراد بالعبادة معرفة الله تعالى ويحتمل أن يكون المراد الطاعة مطلقا فعطف الصلاة وغيرها من عطف الخاص على العام ابن حجر يبعد الأول أن المعرفة من متعلقات الإيمان وأما الإسلام فهو أعمال قولية وبدنية وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله أن تشهد أن لاإله إلاالله وأن محمداً رسول الله فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين وبهذا يتبين دفع الاحتمال الثاني ولماعبر الراوي بالعبادة احتاج أن يوضحها بقوله ولاتشرك به شيئا ولم يحتج إليها فى رواية عمر لاستلزامها ذلك وليس المراد بمخاطبته بالإفراد اختصاصه بذلك بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين وقد بين ذلك بقوله في آخره يعلم الناس دينهم ولم يذكر الحج لكون بعض الرواة ذهل عنه ونسيه وفي رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت ءليه سبيلا
قوله الإحسان الإحسان مصدر أحسن يحسن إحسانا ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا أتقنه وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا يحسن بإخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة والإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس ومراقبة المعبود وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعها أن تغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله (كأنك تراه) أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل مايعمل وهو قوله (فإنه يراك) وهاتان الحالتان تثمرهما معرفة الله وخشيته قال النووي معناه إنك إنما تراعي الاداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك لكونه يراك لا كونك تراه فهو دائماً يراك فأحسن عبادته وإن لم تره فتقدير الحديث فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك قوله (متى الساعة) أي متى تقوم الساعة واللام للعهد والمراد يوم القيامة قوله (بأعلم من السائل) الباء زائدة لتأكيد النفي وهذا وإن كان مشعراً بالتساوي في العلم لكن المراد التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلمها لقوله بعد في خمس لايعلمهن إلا الله قالالنووي يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم يصرح بأنه لا يعلمه ولايكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون دليلا على مزيد ورعه قوله (وسأخبرك عن أشراطها) الأشراط جمع وأقله ثلاثة والمذكور هنا اثنان والجواب المرضي عن ذلك أن الأشراط المذكورة ثلاثة ولكن اقتصر بعض الرواة على اثنين منها فذكر هنا الولادة والتطاول وذكر في التفسير الولادة أيضاً وترؤس الحفاة فقال وإذا كان الحفاة العراة رءوس الناس فذلك من أشراطها قوله إذا ولدت الأمة ربها وفى التفسير ربتها بتاء التأنيث وكذا في حديث عمر واختلف في معنى ذلك فقيل المراد السراري فمن أولد أمة كان ولده منها بمنزلة ربها لأنه ولد سيدها وقيل المراد كثر السبى فقد يسبى الولد أولاً وهو صغير ثم يعتق ويكبر ويصير رئيساً بل ملكا ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفا بها أو وهو لايشعر أنها أمه فيستخدمها أويتخذها موطوءه أويعتقها ويتزوجها وقد جاء في بعض الروايات أن تلد الأمة بعلمها فحمل على هذه الصورة وقيل المراد كثرة العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الاهانة والسب والضرب والاستخدام.
قوله (يتطاولون) أي يتفاخرون في تطويل البنيان قوله (رعاة الابل) بضم الراء جمع راع كقاض وقضاة والبهم بضم الموحدة ووقع في رواية الأصيلى بفتحها ولا يتجه مع ذكر الابل وإنما يتجه مع ذكر الشاة أوعدم الاضافة وميم البهم يجوز كسرها صفة للإبل يعني الإبل السود فقد قيل إنها شر الألوان عندهم وخيرها الحمر التي ضرب بها المثل فقيل (خير من حمر النعم) ويجوز ضمها صفة للرعاة لأنهم مجهولوا الأنساب ومنه أبهم الأمر فهي مبهم إذا لم تعرف حقيقته وقالالقرطبي الأولى أن يحمل على أنهم سود الألوان لأن الأدمة غالب ألوانهم وقيل معناه أنه لاشيء لهم لقوله (تحشر الناس حفاة عراة بهما) والإضافة للإبل للاختصاص لا للملك وهذا هو الغالب أن الراعي يرعى لغيره بالأجرة وأما المالك فقل أن يباشر الرعي لنفسه والمراد بهم أهل البادية قال القرطبي المقصود الأخبار عن تبدل الحال بأن يستولي أهل البادية على الأمر ويملك البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به وقد شاهدنا ذلك فى هذه الأزمان ومنه الحديث الآخر (لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس لكع بن لكع) ومنه (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة) وكلاهما في الصحيح قوله (في خمس) أى علم وقت الساعة داخل فى جملة خمس قال القرطبي لامطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمس لهذا الحديث وقد فسر النبي قول الله تعالى (وعنده مفاتح الغيب لايعلمها إلاهو) بهذه الخمس وهو في الصحيح قال (فمن ادعى علم شيء منها غير مستند إلى رسول الله كان كاذبا في دعواه) قال وأما ظن الغيب فقد يجوز من المنجم وغيره إذا كان عن أمر عادي وليس ذلك بعلم وقد نقل ابن عبدالبر الاجماع على تحريم أخذ الأجرة وإعطائها في ذاك قال القرطبي علامات الساعة على قسمين معتاد وغيره والمذكور هنا الأول وأما الغير المعتاد مثل طلوع الشمس من مغربها فتلك مقارنة لها أومقاربة والمراد هنا العلامات السابقة على
ذلك ثم قال ابن حجر (تنبيهات) الأول دلت الروايات على أن النبي ماعرف أن السائل جبريل إلا في آخر الحال (الثاني) قال ابن المنير في قوله (يعلمكم دينكم) دلالة على أن السؤال الحسن يسمى علما وتعليما لأن جبريل لم يصدر منه سوى السؤال ومع ذلك سماه معلما وقد اشتهر قولهم حسن السؤال نصف العلم ويمكن أن يؤخذ من هذا الحديث لأن الفائدة فيه مبنية على السؤال والجواب معا (الثالث) قال القرطبي هذا الحديث يصلح أن يقال له أم السنة لماتضمنه من حمل السنة وقالالقاضي عياض اشتمل هذا الحديث على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود كلها راجعة إليه ومتشعبة منه قال ابن حجر ولذلك أشبعت القول في الكلام عليه مع أن الذي ذكرته وإن كان كثيراً ولكنه بالنسبة لمايتضمنه قليل فلم أخالف طريقة الاختصار والله الموفق اهـ ماتعلق به الغرض من كلام ابن حجر على هذا الحديث الكريم باختصار وتقدير وتأخير في بعض المسائل وقد رأيت أن أنقل هنا بعض الفوائد ممايتعلق بالحديث المتقدم وجلها يتعلق بحديث مسلم عن عمر من كلام الإمام شهاب الدين أحمد بن جعفر الهيتمى في شرح الأربعين للنووي تكميلا للفائدة قال رحمه الله في قوله في حديث عمر قال (يامحمد) قد يستشكل بحرمة ندائه به لقوله تعالى {لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا} مع أن المقام مقام تعليم ويجاب بأنا لا نسلم حرمة ذلك على الملائكة فكأن في ندائه بذلك مع ماسيعلم به الصحابة رضي الله تعالى عنهم من أنه جبريل إعلام له بأن الملائكة لايدخلون فى هذا الخطاب على أنه يحتمل أن حرمة ذلك إنما عرضت بعد فلا إشكال أصلا ثم رأيت بعضهم أجاب بأنه قصد مزيد التعمية عليهم فناداه بما كان يناديه به أجلاف الأعراب وفيه أيضا جواز نداء العالم والكبير باسمه ولو من المتعلم ومحله إن لم يعلم كراهته لذلك وإلاكان على سبيل الوضع على قدره لمخالفته ما اعتيد من النداء لأولئك بالألقاب المعظمة وقال في قوله في حديث عمر أيضاً أن تشهد أن لاإله إلاالله وأن محمداً رسول الله مامعنا ظاهره أنه لابد في الإسلام من لفظ أشهد فلو قال أعلم بدل أشهد أوأسقطهما فقال لاإله إلاالله محمد رسول الله لم يكن مسلما ويوافقه رواية أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا وهو ما اعتمده بعض
المتأخرين منا وهذا إن لم يحمل تشهد على تعلم ويؤيده حمله عليه قوله تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله} ثم قال وكلام الروضة في الإيمان يقتضي عدم الاشتراط ويؤيده اكتفاؤهم في حق من لم يدن بشيء بآمنت وكذا أؤمن بالله إن لم يرد به الوعد أوالله خالقي أوربي مع الشهادة الأخرى فإذا اكتفوا بذلك نظراً للمعنى دون اللفظ فالأولى الاكتفاء بلا إله إلا الله لأنه وجد فيه اللفظ الوارد نظراً لرواية يقولوا ومعناه وعلى هذا فيكفى بدل إله بارىء أو رحمن أو رزاق وبدل الله محيي أومميت إن لم يكن طبائعيا وبدل محمد أحمد ووأبوالقاسم وبدل إلا غير وسوى وعدا وسوى وعدا وبدل رسول الله نبي ولبعض أئمتنا رأي ثالث وهو اشتراط أشهد أومرادفها كأعلم وأنه يشترط ترتيبها وإن لم تقتضه الواو إذ لا يصح الإيمان بالنبي قبل الإيمان بالله نعم لا تشترط الموالاة ببنهما ولا العربية وإن أحسنها وأنه لابد من مجموعها في الإسلام فلا يكفي أحدهما خلافا لما شذ به بعض أصحابنا من أنه يكفي لا إله إلا الله وحدها وأنه لايشترط زيادة عليهما وهي البراءة من كل دين يخالف دين الإسلام ومحله إن أنكر أصل رسالة نبينا فإن خصها بالعرب اشترط زيادة إقراره بعمومها ويزيد حتما من كفر بإنكار معلوم من الدين بالضرورة اعترافه بما كفر بإنكاره أوالتبري من كل ما خلف الإسلام والشرك والمشبه البراءة من التشبيه وقال عند قوله وتقيم الصلاة معطوف على تشهد خلافا لمن زعم رفع هذا وما بعده استئنافا وكأنه نظر إلى أنه يكفي في إجراء أحكام الإسلام الشهادتان وحدهما وجوابه أن الانقياد له أقل وهو هذا وأكمل وهو ما ذكر في الحديث فكان عطف ما بعد تشهد عليه ليفيد هذا الأكمل أولى ومعنى إقامة الصلاة أن يأتي بها محافظا على أركانها وشروطها أوعلى مكملاتها أو يداوم عليها فيقيم معناه التعديل أومن الاقامة أي الملازمة والاستمرار والتشمير والنهوض وحمله على يقوم إليها أويقيم لها من الإقامة أخت الأذان بعيد لغة ومعنى ثم قال عند قوله (وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا) وإنما قيد بالاستطاعة في الحج مع أن مامر مقيد بها أيضا اتباعا للنظم القرآني فإنه لم يقيد بهذا اللفظ غيره أو إشارة إلى أن فيه من المشاق ما ليس في غيره أقوال وأيضاً فعدمها في نحو الصلاة والصوم لا يسقط فرضهما بالكلية وإنما يسقط وجوب أدائه بخلافها في الحج فإن عدمها يسقط وجوبه بالكلية ثم قال عند قوله قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه ما معناه فاعل قال الأول جبريل وفاعل قال الثاني عمر ووجه التعجب أن سؤاله يقتضي عدم علمه وأن كلامه دال على خبرته بالمسؤول عنه مع أنه لم يكن إذ ذاك
من يعرف هذا غير رسول الله فساغ التعجب منه ثم زال بإعلامهم أنه جبريل لأنه تبين أنه عالم في صورة متعلم ليعلمهم ثم قال عند قوله أن تؤمن بالله أى بأنه تعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لا شريك له في الألوهية وهي استحقاق العبادة منفرد بخلق الذوات بصفاتها وأفعالها وبقدم ذاته وصفاته الذاتية تعالى لها صفات حياة منزهة عن الروح وعلم بلا ارتسام لصورة في قلب ولا دماغ وإنما هو صفة تتميز بها الأشياء يتعلق بكل ما كان وما هو كائن بعلم واحد وكل من صفاته لا تكثر فيه التكثير في المتعلقات وقدرة على الممكنات وإرادة لجميع الكائنات لم تجدد له إرادة بتجدد المرادات وبأن الطاعات بإرادته ومحبته ورضاه وأمره والكل بقضائه وقدره وسمع بلا صماخ وبصر بلا حدقة وكلام بلا حرف ولا صوت منزه عما يعتري كلامنا النفسي من الخرس الباطن منزه عن قيام حادث به من حركة وسكون أوتحيز فصفاته ليست أعراضا ولا عين ذاته ولا غيرها وبأنه أحدث العالم باختياره من غير أن يحصل له به كمال لم يكن قبله ولم يتجدد له بإيجاد اسم ولا صفة لم يزل بأسمائه وصفات ذاته لا شبيه له في ذاته ولا يصفاته ولا في أفعاله منزه عن الجهة والجسمية وصفاتهما ولوازمهما وكل سمة نقص أولا كمال فيها وبأنه لا يكون في ملكه إلا ما شاء من خير وشر ونفع وضر بل لا تقع لمحة ناظرة ولا فلتة خاطر إلا بإرادته تعالى وبأنه الغنى المطلق فكل موجود مفتقر إليه في وجوده وبقائه وسائر ما يمده ويجمع ذلك كله أنه تعالى متصف بكل كمال منزه عن كل وصف لا كمال فيه ثم قال عند قوله (وملائكته) جمع ملك على غير قياس أوجمع ملاك على وزن مفعل إذ هو من الألوكة وهي الرسالة ثم خفف بنقل الحركة والحذف فصار ملكا وقيل فيه غير ذلك وتاؤه لتأنيث الجمع وقيل للمبالغة غلب فى الأجسام النورانية المبرأة من الكدورات الجسمانية القادرة على التشكل بالأشكال المختلفة أي بأنهم عباد له كما زعم المشركون من تألهم مكرمون لا كما زعم اليهود من نقصهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وبأنهم سفراء الله بينه وبين خلقه متصرفون فيهم كما أذن صادقون فيما أخبروا به عنه وأنهم بالغون من الكثرة مالا يعلمه إلا الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو أطت السماء وحق لها أن تئط ما من موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أوراكع (وكتبه) أي كلام الله الأزلي القديم القائم بذاته المنزه عن الحرف والصوت وبأنه تعالى أنزلها على بعض رسله بألفاظ حادثة في ألواح أوعن لسان الملك وبأن كل ما تضمنته حق وصدق وبأن بعض أحكامها نسخ وبعضها لم ينسخ قال الزمخشري وغيره وهي
مائة كتاب وأربعة كتب أنزل منها خمسون على شيث وثلاثون على إدريس وعشرة على آدم وعشرة على إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان ورسله أي بأنه أرسلهم إلى الخلق لهدايتهم وتكميل معاشهم ومعادهم وأيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم فبلغوا عنه رسالته وبينوا للمكلفين ما أمروا ببيانه وأنه يجب احترام جميعهم ولا نفرق بين أحد منهم كما في الإيمان به وأنه تعالى نزههم عن وصمة ونقص فهم معصومون من الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها على المختار بل هو الصواب وما وقع في قصص يذكرها المفسرون وفي كتب قصص الأنبياء مما يخالف ذلك لا يعتمد عليه ولا يلتفت إليه وإن جل كالبغوي والواحدي وما جاء في القرآن من إثبات العصيان لآدم ومن معاتبة جماعة منهم على أمور فعلوها فإنما هو من باب إن للسيد أن يخاطب عبده بما شاء وأن يعاتبه على خلاف الأولى معاتبة غيره على المعصية وقدمنا أنهم أفضل من سائر الملائكة بدليله فإذا فضلوا المعصومين لزم كونهم معصومين بالأولى اهـ ثم قال عند قوله وبالقدر خيره وشره أي بأن ما قدره الله في أزله لابد من وقوعه ومالم يقدره يستحيل وقوعه وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره وإرادته لقوله تعالى (خلق كل شيء)(والله خلقكم وما تعملون)(انا كل شىء خلقناه بقدر) بنصب كل كما أجمع عليه السبعة وحينئذ يكون نصا في عموم الخلق إذ تقديره إن خلقنا كل شيء خلقناه بقدر وبرفعها يزول هذا المعنى إذ تقديره حينئذ إنا كل مخلوق لنا بقدر وما تشاءون إلا أنا يشاء الله ولاجماع السلف والخلف على صحة قول القائل: (ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن) ولخبر (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس) والقضاء عند الأشعرية إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال والقدر إيجاده اياها على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها أوأفعالها أوالقضاء علمه أزلاً بالأشياء على ما هي عليه والقدر إيجاده إياها على ما يطابق العلم اهـ ما تعلق به الغرض من كلام هذا الرجل على حديث عمر (تنبيه) تقدم في كلام ابن حجر العسقلاني ومثله نقل ابن حجر الهيتمي عن بعضهم أنه يجب الإيمان بجميع الملائكة والكتب والرسل إيمانا كليا فمن ثبت بعينه وباسمه كجبريل والإنجيل وموسى وجب الإيمان به عينا حتى أن من لم يصدق بمعين من ذلك فهو كافر ومن لم يعرف اسمه آمنا به إجمالا وإذا كان كذلك فينبغي ويتأكد أو يجب الاعتناء بمن
سمي من ذلك ليؤمن بعينه فأما الكتب فالمسمى منها أربعة التوراة والانجيل والزبور والفرقان وقد جمعتها في قولنا
وفي الذكر من أسماء كتب نزلت
لأربعة فاعلم هديت مبجلا
فالإنجيل والتوراة ثم زبورها
ومن بعد فرقان لأحمد كملا
وأما الأنبياء والرسل والملائكة فقد ذكر الإمام جلال الدين السيوطي في الإتقان في علوم القرآن في النوع التاسع والستين أنه وقع في القرآن من أسماء الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام خمس وعشرون من أسماء الملائكة اثناعشر على خلاف في بعضهم. وقد رأيت أن آتى بكلامه مختصراً وإن كان المتأكد من ذلك إنما هو مجرد تعداد أسمائهم لكن تبعناه في التعريف بهم لغرابته والتبرك بهم قال رحمه الله (آدم أبوالبشر) سمي بذلك لأنه خلق من أديم الأرض وقيل وصف مشتق من الأدمة ولذلك منع من الصرف عاش تسعمائة وستين سنة واشتهر في كتب التاريخ أنه عاش ألف سنة (نوح) أعجمي معرب ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة فوق المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام بعدها خاء معجمة ابن أخنوخ بفتحتين ثم نون مضمومة مخففة واو ساكنة ثم خاء معجمة وهو إدريس فيما يقال سمي نوحا لكثرة بكائه على نفسه وأكثر الصحابة أنه قبل إدريس روى الطبراني عن أبي ذر قلت يارسول الله من أول الأنبياء «قال آدم قلت ثم من قال نوح بينهما عشرة قرون» وفي المستدرك عن ابن عباس مرفوعا بعث الله نوحا على رأس أربعين سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا وذكر ابن جرير أن مولد نوح كان بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عاما وفي التهذيب للنووي أنه أطول الأنبياء عمراً.
(إدريس) قيل إنه قبل نوح وهو أخنوخ وإدريس اسم سرياني وقيل عربي مشتق من الدراسة لكثرة درسه الصحف وفي المستدرك بسند واه عن الحسن عن سمرة قال كان نبي الله إدريس أبيض طويلا ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس وكانت إحدى عينيه أعظم من الأخرى وفى صدره نكتة بياض من غير برص فلما رأى الله من أهل الأرض ما رأى من جورهم واعتدائهم فى أمر الله تعالى رفعه إلى السماء السادسة فهو حيث يقول {ورفعناه مكانا عليا} وذكر ابن قتيبة أنه رفع وهو ابن ثلثمائة وخمسين سنة وفي صحيح ابن حبان أنه كان نبياً ورسولا وأنه أول من خط بالقلم وفي المستدرك عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال كان فيما بين نوح وإدريس ألف سنة (ابراهيم) اسم قديم ليس بعربي بل سرياني ومعناه أب رحيم وقيل مشتق من البرهمة وهي شدة النظر وهو ابن آزر قال الواقدي ولد إبراهيم على رأس ألفي سنة من خلق آدم وفي المستدرك من طريق ابن المسيب عن أبي هريرة قال اختتن إبراهيم بعد عشرين ومائة سنة وقيل عاش مائة وخمسة وسبعين سنة (إسمعيل) ويقال بالنون آخره قال النووي وغيره هو أكبر ولد ابراهيم (إسحق) ولد بعد إسمعيل بأربع عشرة سنة وعاش مائة وثمانين سنة ومعناه بالعبرانية الضحاك (يعقوب) عاش مائة وسبعا وأربعين سنة (يوسف) عاش مائة وعشرين سنة وهو اسم أعجمي لا اشتقاق له (لوط) هو ابن هاران بن آزر وفي المستدرك قال لوط ابن أخي إبراهيم (هود) كان أشبه الناس بآدم كان رجلا جلداً واسمه عاير بن أرفخشذ بن سام بن نوح (صالح) هو ابن عبيد بن حاير ابن ثمود بن حاير بن سام بن نوح بعث إلى قومه حين
راهق الحلم وكان رجلا أحمر إلى البياض سبط الشعر فلبث فيهم أربعين عاما وهو من العرب ولما أهلك الله عاداً عمرت ثمود بعدها فبعث الله إليهم صالحاً غلاما شاباً فدعاهم إلى الله حين شمط وكبر ولم يكن بين نوح وإبراهيم إلا هود وصالح مات بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة (شعيب) هو ابن ميكيل بن يشجن بن مدين بن إبراهيم الخليل وكان يقال له خطيب الأنبياء وبعث رسولا إلى أمتين مدين وأصحاب الأيكة وكان كثير الصلاة وعمي في آخر عمره (موسى) هو ابن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب لا خلاف في نسبه وهو سرياني وأخرج أبوالشيخ من طريق عكرمة عن ابن عباس قال إنما سمي موسى لأنه ألقي بين شجر وماء فالماذ بالقبطية مو والشجر سىء والصحيح وصفه بأنه آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة قال الثعلبي عاش مائة وعشرين سنة (هرون) أخوه شقيقه وقيل لأمه فقط وقيل لأبيه فقط كان أطول منه فصيحاً جدا مات قبل موسى وكان ولد قبله بسنة وفي بعض أحاديث الإسراء صعدت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهارون ونصف لحيته أبيض ونصفها أسود تكاد لحيته تضرب سرته من طولها فقلت ياجبريل من هذا قال المحبب في قومه هرون بن عمران ومعنى هرون بالعبرانية المحبب (داود) هو ابن إيشا بكسر الهمزة وسكون التحية وبالشين المعجمة ابن
عوبد بوزن جعفر الترمذي أنه كان أعبد البشر وقال كعب كان أحمر الوجه سبط الشعر أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت والخلق وجمع له النبوة والملك قال النووي قال أهل التاريخ عاش مائة سنة ومدة ملكه منها أربعون سنة وكان له اثنا عشر ابنا (سليمان) ولده كان أبيض جسيما وسيما وضيئا جميلا خاشعا متواضعا وكان أبوه يشوره فى كثير من أموره مع صغر سنه لوفور عقله وعلمه أخرج ابن جبير عن ابن عباس قال ملك الأرض مؤمنان سليمان وذو القرنين وكافران نمروذ وبخنتصر قال
أهل التاريخ ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ملكه بأربع سنين ومات وله ثلاثة وخمسون سنة (أيوب) الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء إلا اسم أبيه وكان أبيض كان بعد شعيب وقيل بعد سليمان ابتلي وهو ابن سبعين وكانت مدة بلائه سبع سنين وقيل ثلاث عشرة وقيل ثلاث سنين وروى الطبراني أن مدة عمره ثلاث وتسعون سنة (ذو الكفل) قيل هو ابن أيوب وفي المستدرك عن ابن وهب أن الله بعث بعد أيوب ابنه بشير بن أيوب نبيا وسماه ذا الكفل وأمره بالدعاء إلى توحيده وكان مقيما بالشام عمره حتى مات وعمره خمس وسبعون سنة وقيل هو اليسع وأن له اسمين (يونس) هو ابن متى بفتح الميم وتشديد التاء الفوقية مقصور ومتى اسم أبيه كما في الصحيح ونسبه إلى أبيه وقيل اسم أمه وهو مردود بما ذكر قال ابن حجر ولم أقف في شيء من الأخبار على اتصال نسبه روي أنه لبث في بطن الحوت أربعين يوما وقيل أقل من ذلك (إلياس) هو ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هرون أخي موسى بن عمران قال وهب إنه عمر كما عمر الخضر وأنه يبقى إلى آخر الدنيا وعن ابن مسعود أن إلياس هو إدريس وقد زيد في آخره ياء ونون في قوله تعالى {سلام على آل ياسين} (اليسع) هو ابن أخطوب بن العجوز وهو بياء واحدة مخففة عجمي وقيل عربي منقول من وسع يسع (زكريا) كان من ذرية سليمان بن داود وقتل بعد قتل ولده كان له يوم بشر بولده اثنتان وتسعون سنة وقيل تسعة وتسعون وقيل عشرون ومائة وزكريا اسم عجمي (يحيى) ولده أول من سمي يحيى بنص القرآن ولد قبل عيسى بستة أشهر ونبىء صغيرا وقتل ظلما وسلط الله على قاتله بخنتصر وجيوشه ويحيى اسم عجمي وقيل عربي ولا ينصرف على القولين وعلى الثاني سمي بيحيى لأنه أحياء الله بالإيمان وقيل لأنه حيى به رحم أمه وقيل لأنه استشهد والشهداء أحياء وقيل معناه يموت
كالمفازة للمهلكة والسليم للديغ (عيسى) بن مريم بنت عمران خلقه الله بلا أب وكانت مدة حملة ساعة وقيل ثلاث ساعات وقيل غير ذلك ورفع وله ثلاث وثلاثون سنة وفي الحديث أنه ينزل ويقتل الدجال ويتزوج ويولد له ويحج ويمكث في الأرض سبع سنين ويدفن عند النبي وأنه ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني حماما وعيسى اسم عبراني أوسرياني اهـ باختصار (ونبينا ومولانا محمد) قال ناظم الإتقان وهو الشيخ الإمام الفقيه المشارك عبد العزيز بن عبد الواحد اللمطي أخو سيدي عثمان اللمطي المشهور ولد سيدي عثمان هذا وهو سيدي أحمد بن عثمان اللمطي أحد أشياخ الناطم رحم الله جميعهم
وفي الذكر من أسمائهم قدر ستة
وعشرين إجمالا وأما مفصلا
فآدم نوح ثم إدريس بعده
ومن بعد إبراهيم وابناه بجلا
ويعقوب أيضا ثم يوسف نجله
وهود ولوط صالح كل أرسلا
وجاء شعيب ثم موسى وصنوه
وداود فاعلم مع سليمان فضلا
وأيوب أيضا ثم ذو الكفل منهم
ويونس مع الياس واليسع انجلا
كذا زكريا وابنه وابن مريم
وخاتم رسل الله جاء مكملا
انتهى إلا أن قوله قدر ستة لعله سبق قلم أوتصحيف وصوابه قدر خمسة إذ لم يذكر في النظم ولا في الإتقان ولا أصله إلا خمسة وعشرين ولو قال عوض البيت الأول وفي الذكر من أسماء رسل وأنبيا لخمسة مع عشرين خذها مفصلا لكان أصرح وإن كان ضمير أسمائهم في كلامه عائدا على الأنبياء لتقديم ذكرهم في الترجمة قيل هذه الأبيات ثم قال في الإتقان وفيه من أسماء الملائكة (جبريل وميكائيل) وفيها لغات ومعنى جبريل عبدالله وكذا ميكائيل وكل اسم فيه إبل فهو عبدالله (وهاروت وماروت) ملكان من ملائكة السماء وقد أفردت في قصتهما جزأ (الرعد) ملك موكل بالسحاب يسبح (البرق) ملك له أربعة وجوه وجه إنسان ووجه ثور ووجه نسر ووجه أسد فإذا مصع بذنبه فذلك البرق (ومالك) خازن جهنم (السجل) ملك كان هاروت وماروت من
أعوانه وهو موكل بالصحف (وقعيد) اسم كاتب السيئات (ذو القرنين) قيل إنه ملك من الملائكة (الروح) في قوله تعالى {يوم يقوم الروح} قال ابن عباس هو ملك من أعظم الملائكة خلقه (السكينة) في قوله تعالى {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين} قيل إنه ملك يسكن قلب كل مؤمن ومؤمنة كما روي أن السكينة تنطق على لسان عمر اهـ باختصار وجملتهم اثناعشر اسما قال ناظم الإتقان المذكور آنفا
وفي الذكر من أسمائهم قد تنزلا
ثمانية جبريل ميكال حملا
وهاروت مع ماروت منهم ومالك
قعيد بالرعد السجل تكملا
انتهى إلا أنه أسقط ذكر البرق وذي القرنين والروح والسكينة وقد عززت البيتين بثالث يجمع الأربعة البواقي وهو قولنا:
كذلك ذو القرنين في البرق ضف له
سكينة مع روح فلاتك مهملا.
ولو قال عوض الشطر الأول من البيتين. وفي الذكر من أسما ملائك ربنا لكان أصرح وهنا انتهى رضي الله عنه على ما يتعلق بالقاعدة الأولى من قواعد الإسلام وهي الشهادتان. ثم شرع فيما يتعلق بالقاعدة الثانية وهي الصلاة مصدراً له بمقدمة تتأكد الحاجة إليها فقال.
وسماعه من ابن القاسم لا يجزئه الباجى على وجوب غسل الشاك يجزأ اتفاقاً وعلى استحبابه قول اللخمى شك الجنابة كالحدث وتجويز الجنابة دون شك لغو لو اغتسل له ثم تيقن لم يجزه (فرع) لو اعتقد أنه جنب فاغتسل ثم ظهر أنه لم يجنب فهل يجزئه هذا الغسل عن الوضوء أم لا؟ قال المازري يجزئه ونية الأكبر تنوب عن الأصغر قال ابن عرفة وخرج على ترك الترتيب وإجزاء غسل الرأس عن مسح (فرع) فلو توضأ بنية رفع الحدث الأصغر ناسياً للجنابة وتذكر عند كمال وضوئه قال اللخمى. له أن يبني عليه فيكمل غسله ويجزئه ويغسل رأسه وأذنيه وهذا الفرع عكس ما قبله يليه (فرع) قال فى التوضيح. ويدخل فى قول ابن الحاجب ويجزأ الوضوء عن غسل محله مالو كانت جبيرة ومسح عليها فى غسل الجنابة ثم سقطت وتوضأ بعد ذلك وكانت فى مغسول الوضوء وقد نص فى المدونة فى هذه على الإجزاء وستأتى فى قول ابن الحاجب ف (*)