الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الطهارة
لما فرع الناظم رحمه الله في مسائل الاعتقاد المتعلقة بالقاعدة الأولى من قواعد الاسلام وهي الشهادتان شرع الآن فيما يتعلق بالقاعدة الثانية وهي الصلاة من بيان صفة الماء الذي تحصل به الطهارة بقسميها أعني طهارة الحدث والخبث لأنها شرط في الصلاة والشرط متقدم على المشروط وهي إنما تكون بالماء غالبا فاحتيج إلى معرفتها قبلها إذ هو كالآلة لها وتقسم طهارة الحدث إلى صغرى وكبرى وذكر نواقضهما وفرائضهما وسنتهما ومستحباتهما وموانعهما وبعض المكروهات وما ينوب عن الطهارة المائية عند تعذرها وهو التيمم وما يتعلق به من فرائض وسنن ومستحبات وما يتعلق بذلك قال الإمام أبو عبد الله محمد بن مرزوقفي أول شرحه على مختصر الشيخ خليل ما نصه ببعض اختصار اختلفت مقاصد الفقهاء والمحدثين فيما يبتدئون به كتبهم اختلاف أغراضهم فيما قصدوا تبينه من أحكام الشريعة المتعلقة بأعمال القلوب وهي الاعتقادات المسماة بأصول الدين وأعمال الجوارح والظاهرة المسماة بالفروع فابتدأ البخاري ببيان بدء الوجه لقصد بيان أصول الشريعة وما ذكره من كتاب الايمان وغيره مبني عليه وقريب من مسلك البخاري مسلك ابن ماجه في ابتدائه بالتحريض على اتباع السنة لأنه أصل لما ذكر بعده من كتاب الايمان وغيره وابتدأ مسلم بكتاب الايمان لأنه رأى الشريعة تقررت وإنما يحتاج إلى بيان أحكامها الأصولية والفرعية وهو الذي قصد الشيخ أبو محمد في ابتداء رسالته بالكلام في العقائد قلت وصنيع الناظم مثل صنيع الشيخ أبي محمد قال ابن مرزوق ومن لم يبتدىء ببيان العقائد من الفقهاء والمحدثين رأى أن الكلام إنما هو في فروع الدين وذلك إنما يكون بعد تقرر العقائد الذي هو الواجب الأول على اختلاف بين العلماء في أول ذلك الواجب ما هو وهو فن مستقل بنفسه وكل هؤلاء أو جلهم ابتدأوا بالكلام في أول أركان الفروع التي بني عليها الاسلام وهو الصلاة المذكورة في الحديث بعد ركن الأصل الأول وهو الشهادتان تبركا بالحديث ولأن الصلاة من الدين كالرأس من الجسد ولقول عمر رضي الله عنه من حفظها وحافظ عليها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ثم لا يتحدثون بعدها في الغالب إلا في بقية الأركان المذكورة في الحديث إلا أن مقاصدهم اختلفت هنا أيضاً فمن ابتدأ بالكلام في الطهارة وهم الأكثرون رأى أنه مفتاح الصلاة الذي به تدخل والكلام في الشرط متقدم على المشروط ومن ابتدأ في الكلام في أوقات الصلاة كفعل الامام في الموطأ رأى أن الخطاب بالطهارة وغيرها إنما يكون
بعد دخول الوقت فقدم الكلام فيه ثم عاد إلى الكلام في الطهارة ثم الذين ابتدأوا بالطهارة أو ذكروها بعد العقائد اختلفت أراؤهم فيما يقدمون من أنواعها فمنهم من ابتدأ بذكر عمل الوضوء كالمدونة وابن الجلاب لأنه المنصوص عليه في القرآن عند القيام إلى الصلاة ومنهم من ابتدأ بذكر نواقض الوضوء كالرسالة لانها السابقة عليه عادة ومنهم من ابتدأ بذكر ما تكون به الطهارة وهو الماء في الغالب لانه إن لم يوجد هو أو بدله لا توجد الطهارة فهو كالآلة واستدعى الكلام فيه الكلام على الطاهر والنجس من الاشياء ليعلم ما ينجس الماء مما لا ينجسه وهذه طريقة المصنف ومن سبقه إلى ذلك (قلت) يعني بالمصنف الشيخ خليلا وبمن سبقه صاحب الجواهر وابن الحاجب وكذا فعل الناظم حيث قدم الكلام على المياه على الكلام في الطهارة قال ابن مرزوق والجميع مقتدون في الاستفتاح بما استفتح به القرآن العظيم من صفة المرتضين من عباد الله في قوله تعالى {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} وفي ابتداء الكلام بما ابتدأ بذكره رسول الله حين ذكر ما بني عليه الاسلام اهـ والطهارة في اللغة قال الشيخ أبو الحسن الصغير أصلها النزاهة والتخلص من الأنجاس والآثام وهي في عرف الفقه والشرع إزالة الدنس والنجس أو ما في معناه في الحدث بالماء أو ما في معناه ولا يعترض على هذا بالتيمم وهو من أقسام الطهارة وليس فيه تحسين ظاهر فإن المقصود فيه استباحة الطاعة المشترك فيها الطهارة أو رفع الحدث الموجب لها فهو في معنى التحسين والتنظيف وشرع عند تعذر الماء بدلا منه لئلا تطول المدة بترك العبادة فتركن النفس إلى الدعة بتركه فيصعب عليه الرجوع إلى متكرر الطهارة اهـ ولابن عرفة هنا حدود أربعة الطهارة والطهورية والتطهير والطهور وللناس معه فيها أبحاث كثيرة وأجوبة أنظر شرحها للرصاع
فَصْل وَتَحْصُلُ الطَّهارَةُ بِما
مِنَ التَّغَيُّرِ بِشَيْءٍ سَلِما
إذَا تَغَيَّرع بِنَجْسٍ طُرِحا
أوْ طَاهِرٍ لِعَادَةٍ قَدْ صَلْحا
إلَاّ إذَا لَازَمَهُ فِي الْغالِبِ
كمُغْرَةٍ فَمُطْلَقٌ كالذَّائِبِ
أخبر أن الطهارة تحصل بالماء الذي سلم من التغير بشيء من الاشياء أي النجسة
أو الطهارة ولذا نكر شيئاً أي بحيث لم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه لا بطهارة ولا بنجس ثم أفاد في البيت الثاني ما إذا تغير فأخبر أن الماء إذا تغيرت أوصافه أو أحدها بنجس كالبول والخمر فإنه يطرح لنجاسته أي فلا يستعمل في العبادات من وضوء أو غسل أو إزالة نجاسة من ثوب أو بدن أو مكان ولا في عادات من شرب أو طعام ونحوهما لان حكمه حينئذ حكم مغيره ومغيره من بول أو نحوه لا يستعمل في عادة ولا في عبادة فكذلك هو وإن تغيرت أوصافه أو أحدها بطاهر كالزيت واللبن فانه يصلح للعادات دون العبادات ثم استثنى من التغير بطاهر ما تغير بما يلازمه ولا ينفك عنه غالبا كالمتغير بالمغرة والزرنيخ الجاري هو عليهما وحكم عليه بأنه مطلق فيستعمل في العادات والعبادات وكذا المتغير بالطحلب بضم الطاء وسكون الحاء المهملة وبضم اللام وفتحها خضرة تعلو الماء لطول مكثه وكذا المتغير بالمكث وهو طول الإقامة قال في التوضيح لمشقة الاحتراز من المغير المذكور ثم قال قال سند وأما رائحة القطران تبقى في الوعاء وليس له جسم يخالط الماء فلا بأس ولا يستغنى عنه عند العرب وأهل البوادي اهـ. واحترز بقوله إلا إذا لازمه في الغالب مما يغير الماء وليس مما يلازمه غالبا كورق الشجر وفيه قولان الجواز للعراقيين والمنع للابياني حكاهما الباجي وكالغدير المتغير بأرواث الماشية فان مالكا قال فيه ما يعجبني ولا أحرمه اللخمي المعروف من المذهب أنه غير مطهر قال سند ليس الأمر على ما قال اللخمي بل إنما تردد مالك في ذلك لأنه رآه غالبا وكالمتغير بنشارة الأرز ففي أسئلة ابن رشد إذا تغير ماء القناة بما يخالطه من نشارة الأرز فلا يصح استعماله في شيء من ذلك وكذلك الماء المتغير في حواشي النهر المتغير من الكنان المنقوع فيه وأما الماء يستقى بالكوب الجديد أو الحبل الجديد فلا يجب الامتناع من استعماله في الطهارة إلا أن يطول مكث الماء في الكوب أو طرف الحبل حتى يتغير من ذلك تغيرا فاحشا اهـ قال الشيخ خليل في مختصره ويضر بين تغير بحبل سانية كغدير بروث ماشية أو بئر بورق شجر أو تين والأظهر في بئر الباديه بهما الجواز قوله كالذائب معناه أن الماء إذا ذاب بعد أن كان جامدا فمطلق أيضا وذلك كالثلج
والبرد والجليد سواء ذاب بموضعه أو بغيره ويدخل في ذلك الملح الذائب بعد جموده بموضعه سواء كان جموده بصنعة أو لا وحاصل الأبيات أن الماء إن لم يتغير أصلا فمطلق طهور وان تغير بما يلازمه في الغالب فكذلك أيضا وإن تغير بما لا يلازمه في الغالب فليس بطهور وقد تقدمت أمثلتها وبعد كونه ليس بطهور إن تغير بنجس فلا يستعمل في شيء وإن تغير بطاهر استعمل في العادات فقط والنجس في النظم ساكن الجيم تخفيفاً للوزن قال ابن هارون في (شرح) ابن الحاجب والحيوانات طاهرة قال سحنون وابن الماجشون الكلب والخنزير نجس ما نصه نجس بفتح الجيم ويصح الاخبار به عن المفرد وغيره كقولهم رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل ولذا أفرده هنا وفي كتاب الإقليد لتاج الدين عرف بالفركاح النجس بفتح الجيم عين النجاسة وعليه جاء قوله تعالى {إنما المشركون نجس} على المبالغة بجعلهم أنجاسا وبكسر الجيم المتنجس من الطهارات ويقال نجس الماء بكسر الجيم ينجس بفتحها في اللغة الفصحى وينجس بضمها في لغة ضعيفة اهـ الجوهري نجس الشيء بالكسر وأنجسه غيره ونجسه بمعنى اهـ (تنبيهات) الأول ظاهر كلام القاضي عبد الوهاب أن الماء المطلق والطهور مترادفان لأنه قال الماء ضربان مطلق ومضاف والتطهير بالمطلق دون المضاف والمطلق ما لم يتغير أحد أوصافه بما ينفك عنه غالبا مما ليس بقرار له ولا متولد عنه فيدخل في ذلك الماء القراح وما تغير بالطين لأنه قراره وكذلك ما يجري على الكبريت وما تغير بطول المكث لأنه متولد عنه وما تغير بالطحلب لأنه تغير من مكثه وما انقلب من العذوبة إلى الملوحة لأنه من أرضه وطول إقامته ويدخل في ذلك المستعمل على كراهة وكذلك القليل الذي لم تغيره النجاسة والمضاف نقيض المطلق وهو ما تغيرت أوصافه أو أحدها من مخالطة ما ينفك عنه غالبااهـ فانظر كيف جعل جميع ما يتطهر به مطلقا فهو كالصريح في ترادفهما وإياه تبع الناظم حيث حكم على المتغير بما يلازمه غالبا بأنه مطلق وأصرح من ذلك في هذا المعنى ما يقع في بعض نسخ هذا النظم وهو الذي رأيته بخط الناظم رحمه الله في نسختين بدل البيت الأول ونصه
ويحصل الطهران بالماء المطلق
وهو الذي من التغير يقي
فانه كالصريح في متابعة القاضي عبد الوهاب في ترادفهما حيث صرح في البيت الأول بأن ما لم يتغير مطلق وهذا شامل لما لم يخالطه شيء ولم يغيره وفي البيت الثاني
بأن المتغير بما يلازمه غالبا مطلق أيضا فجعل جميع ما يتطهر به مطلقا وكذا فعل الشيخ خليل في مختصره وظاهر صنيع ابن الحاجب حيث فسر المطلق بأنه الباقي على خلقته أي لم يضف إليه شيء أصلا كما قال في الجواهر أنه الباقي على أوصاف خلقته من غير مخالط وجعل ما تغير بما لا ينفك عنه غالبا ملحقا بالمطلق والملحق بالشيء خلافه وجعل ما خولط بغيره ولم يتغير قسما للمطلق لأن المطلق أخص من الطهور والطهور أعم منه وعليه فكل مطلق طهور وليس كل طهور مطلقا فإن المخالط غير المغير والمغير بما يلازمه في الغالب طهور غير مطلق (الثاني) قسم ابن الحاجب المياه إلى ثلاثة أقسام فقال المطلق طهور وهو الباقي على خلقته ويلحق به المتغير بما لا ينفك عنه غالبا كالتراب والزرنيخ الجاري هو عليهما والطحلب والمكث ثم قال والمسخن بالنار والمشمس كغيره الثاني ما خولط ولم يتغير فالكثير طهور باتفاق والقليل بطاهر مثله ووقع لابن القابسي غير طهور والقليل بنجاسة المشهور مكروه وقيل نجس ثم قال الثالث ما خولط فتغير لونه أو طعمه أو ريحه فحكمه كمغيره ولم يعتبر ابن الماجشون الريح ولعله قصد التغير بالمجاورة (الثالث) شمل قولالناظم وتحصل الطهارة طهارة الحدث وطهارة الخبث كما هو مصرح به في النسخة الثانية والحدث هو المنع المرتب على الأعضاء كلها وهو الحدث الأكبر أو بعضها وهو الأصغر والخبث هو النجس فطهارة الخبث هي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمكان فأما الحدث فلا يرتفع إلا بالماء الطهور اتفاقا كذا قال ابن الحاجب وسلمه في التوضيح وبحث بعضهم في الاتفاق لوجود خلاف في رفعه بالتيمم وأما الخبث وهو النجس فيزول عنه بغير المطلق اتفاقا وأما حكمه فالمشهور أنه لا يزول إلا بالمطلق وقيل يزال بالماء المضاف حكاه في النوادر وقيل بكل مائع قلاع كالخل ذكره اللخمي قال المازري وأراه أخذه من قول ابن حبيب إذا بصق دما ثم بصق حتى زال أنه يطهر ورده المازري بجواز أن يكون ابن حبيب إنما عفا عن هذا ليساره وعلى المشهور من أن حكمها لا يزال إلا بالمطلق فاذا زال عنها بغير المطلق عن ثوب فلا تجوز الصلاة به على المشهور وعليه فهل ينجس ما لاقاه قولان والأكثرون على عدم التنجس إذ الأعراض لا تنتقل قال ابن عبد السلام قولهم لا تزال النجاسة إلا بالمطلق عند الأكثر يدل على أن إزالتها تعبد وقولهم لا يفتقر زوالها إلى نية يدل على أنها معقولة المعنى فهو تناقض قال ابن ناجي ما ذكره صحيح وقد أوردته في درس كثير من أشياخي فكلهم لم يجب عنه إلا بما لا يصلح اهـ قلت الجواب عن ذلك ما قاله القاضي أبو عبد الله المقرىء في قواعده أو إزالة النجاسة فيها شائبتا المعقولية والتعبد
فأعمل الإمام الشائبتين معا فلإعمال شائبة المعقولية أسقط النية ولإعمال شائبة التعبد اشتراط ان تزال المطلق دون غيره (الرابع) ما تقدم من أن حكم الخبث لا يرتفع إلا بالمطلق مقيد بغير الإستنجاء فيكفي في رفعه مع وجود الماء وإزالة النجاسة بالأحجار وجواهر الأرض كالتراب ونحوه بل ويكفي كل يابس طاهر منق ليس بمؤذ ولا ذي حرمة وقال ابن حبيب إنما يكفي ذلك إن عدم الماء أما مع وجوده فلا وتأوله الباجي على الاستحباب قال وإلا فهو خلاف الإجماع قال في التوضيح والمشهور أظهر لعموم أحاديث الاستجمار اهـ ويأتي الكلام على الاستنجاء والاستجمار وما يتعلق بهما حيث تعرض الناظم لبعض ذلك إن شاء الله (الخامس) ظاهر قوله (بما من التغير بشيء سلما) وقوله (إلا إذا لازمه في الغالب) أن التغير بما ينفك عنه غالبا غير طهور سواء تغير لونه أو طعمه أو ريحه وهو كذلك على المشهور خلافا لابن الماجشون في عدم اعتبار تغير الريح فقد نقل عنه الباجي إن وقعت فيه ميتة لم تضره إن تغير ريحه فقط وهذا النقل يرد جواب ابن الحاجب عن ابن الماجشون بقوله ولعله قصد التغيير بالمجاورة (السادس) مما ينبغي التنبيه عليه هنا بيان الطاهر من الأشياء والنجس منها لتفصيلهم في الماء المغير بين أن يتغير بطاهر أو نجس فتأكدت معرفتهما لذلك. ولذكر بعض ذلك باختصار فمن الطاهر ميتة ما لا نفس له سائلة كالزنبور والعقرب والخنفساء وبنات وردان والصرصر وهي دويبة تصيح بالليل قفاز شبيهة بالجواد وشبه ذلك لا ينجس في نفسه ولا ينجس ما مات فيه ولا يؤكل إلا بذكاة على المشهور الموافق وفي المدونة إن وقع الخشاش في قدر أو إناء أكل إن تميز الخشاش فازيل أو لم يتميز وقل وكثر الطعام كاختلاط نملة بكثيره ومنه ميتة الحيوان البحري ولو طالت حياته بالبر كالضفدع والسلحفاة وترس الماء وأما ميتة الضفادع البرية فنجسة ومنه المذكى المأكول مباحا أو مكروها وجميع أجزائه دون محرم الأكل فإن الذكاة لا تعمل فيه. ومنه ما يزال من الحيوان في حياته أو بعد موته بغير ذكاة مما لا تحله الحياة ولا يتألم بزواله كالصوف والوبر وزغب الريش والشعر ولو من خنزير على المشهور إن جزت اللخمي أجاز مالك شعر الخنزير للخرازة المواق انظر هذا مع قولهم غير قلع وقد قالوا لا تتهيَّأ به الخرازة إن
جز ومنه الجماد قالوا وهو جسم غير حيوان ولا [منفصل] عن حيوان إلا المسكر منه فنجس هذا الحد غير جامع لخروج بعض أفراد الجماد كاللبن والعسل إلا إن أراد بالانفصال الولادة لا غير. ومنه الحي ودمه وعرقه ولعابه ومخاطه وبيضه ولو كان يأكل النجاسة على المشهور ولو كان هذا الحي كلباً أو خنزيراً على المشهور فيهما إلا البيض المزر أي الفاسد فنجس وكذا ما خرج منه بعد موت الحيوان لأنه ميتة المواق مالك البيض يخرج رطبا ويابسا من ميتة نجس التتائي قال ابن فرحون ان خرج صلباً غسل وأكل وفي الكافي إذا وجد في فرخ ميت أو دم حرم أكلها اهـ وكذلك نتونته وتعفنه المواق انظر قد يتفق أن يوجد في البيضة نقطة دم قيل ويكون ذلك من أكلها الجراد الذخيرة فمقتضى مراعاة السفح في الدم أن لا تكون هذه البيضة نجسة وقد وقع في هذا بحث وما ظهر غيره ابن عرفة بيض الطير طاهر وبيض سباعه والحشرات كلحمها ومنه لبن الآدمي رجلا أو مرأة إلا لبن الميت فنجس ولبن غير الآدمي تابع للحمه على المشهور قال في التوضيح لأنه ناشىء عنه فما حرم لحمه فلبنه نجس وما كره لحمه فلبنه مكروه وهو ظاهر المذهب قال عياض وغيره اهـ ويريد ما أبيح لحمه كالأنعام فلبنه طاهر وقوله وما كره لحمه فلبنه مكروه أي مكروه استعماله في أكل أو غيره مع طهارته والله أعلم وقد روي عن مالك لا بأس بلبن الحمارة ابن رشد يحتمل أن يريد لا بأس بالتداوي به ومنه البول والعذرة من مباح الأكل حيوان أو طائر إلا المتغذي بنجس فإن ذلك منه نجس ومنه القيء إلى المتغير عن الطعام تغيرا زائدا على تغير المضغ فنجس على المشهور فإن شابه أحد أوصافه العذرة فنجس اتفاقا وكذا القلس وهو ماء حامض قد تغير عن حال الماء ولو كان نجساً ما قلس ربيعه في المسجد ومنه الصفراء والبلغم والمسك وفأرته وهي مقره الذي يستحيل فيه الدم لاتصافه بنقيض علة النجاسة ومنه الدم غير المسفوح قال اللخمي ان لم يظهر الدم أكل اتفاقا كشاة شويت قبل تقطيعها وإذا قطعت فظهر الدم فقال مالكمرة حرام وحمل الإباحة فيه على ما لم يظهر لأن اتباعه من العروق حرج وقال مرة حلال بقوله تعالى {أو دماً مسفوحا} فلو قطع اللحم على هذا بعد إزالة المسفوح لم يحرم وجاز أكله بانفراده وفي القبس قوله أو دماً مسفوحاً يقتضي تحليل ما خالط العروق وجرى عند تقطيع اللحم سفح فرق ابن يونس الفرق بين قليل الدم وكثيره أن كل ما حرم أكله لم تجز الصلاة به وإنما حرم الله الدم المسفوح لقوله تعالى {أو دماً مسفوحاً} فدل أن ما لم يكن مسفوحاً حلال طاهر وذلك للضرورة التي تلحق الناس في ذلك إذ
لا يخلو اللحم وإن غسل من أن يبقى فيه دم يسير وقد قالت عائشة رضي الله عنها لو حرم قليل الدم لتتبع الناس ما في العروق ولقد كنا نطبخ اللحم والمرقة تعلوها الصفرة ولذلك فرق بين قليل الدم وبين قليل سائر النجاسات لأن قليل سائر النجاسات حرام أكلها وشرابها اهـ على نقل المواق ومنه القمح النجس يزرع فينبت هو طاهر وكذلك الماء النجس يسقى به شجر أو بقل فالثمرة والبقل طاهرتان (فائدة) إذا اختلط الطعام بنجس أو غيره فقال الشيخ زروق رحمه الله حكى لنا بعض الطلبة أن الشيخ ابن مرزوق رحمه الله كان يقول إذا اختلط الطعام بالتراب ونحوه بحيث لا يمكن النفع به سقطت حرمته وحكى لنا شيخنا أبو عبد الله القوري في أكل الخبز المحترق الذي صار كالتراب قولين قال ذكرهما في المعين في شرح التلقين اهـ ومن شرح الإمام الشهير سيدي أبي العباس أحمد الونشريسي على ابن الحاجب ومن خطه نقلت ما نصه كان الشيخ ابن عرفة رحمه الله تعالى يقول في الطعام المبدد في الشوارع إن قل ولم يكن في طين يلزمه لقطه وقال السيد أبو محمد عبد الله بن الحاج في مدخله وينبغي للمار في الأسواق أن ينوي أنه إن رأى قرطاسا في سكة الطريق رفعه وأزاله من موضع المهنة إلى موضع طاهر يصونه فيه ولا يقبله ولا يضعه على رأسه إذ فعل ذلك بدعة وسواء كان مكتوبا أو غير مكتوب وكذلك ينوي أنه إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة مما يؤكل فإنه يرفعه عن موضع المهنة إلى موضع طاهر يصونه فيه ويضعه على رأسه ولا يقبله تحرزاً من البدعة أيضاً وكان الشيخ أبو محمد المرجاني رحمه الله إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من الفقراء في الزاوية يعمل في ذلك اليوم عملا حتى يلقطوا ما وقع من الحب على الباب أو الطريق فاذا فعلوا ذلك حينئذ يرجعون إلى ما كانوا يعملون وهذا الباب مجرب من عظم نعم الله تعالى لطف به وأكرم وإن وقعت الشدة بالناس جعل الله لمن هذه صنعته فرجا ومخرجا فعلى منوالهم فانسج ان كنت ذا حزم اهـ ومنه الخمر إذا تحجر أي جمد وصار طرطاراً على المشهور وكذا ان صارت خلا وفي ذلك طريقتان طريقة ابن رشد ان تخللت بنفسها فلا خلاف في طهارتها ومحل القولين إذا خللها صاحبها بالمعاناة والمعالجة والطريقة الثانية أن القولين في المخللة لذاتها والمتخللة بالصنعة حكاها عياض عن ابن وضاح قال ابن غازي وماء الحياة إن سلم ذهاب السكر عنه دخله الخلاف الذي في الخمر إذا تخللت على الطريقتين معا لأن ذلك ما زال إلا بمعالجة وأي معالجة اهـ وفي نظم إيضاح المسالك لولد مؤلفه سيدي أبي محمد عبد الواحد الونشريسي رحمه الله
ولابن رشد حل ما تخللا
بنفسه والخلف فيما خللا
قال ابن غازي ما الحياة يجري
عليه إن سلم فقد السكر
ومن النجس زيادة على ما استثني من بعض الطاهرات ميتة الحيوان البري ابن عرفة ميتة بري ذي نفس سائلة غير إنسان كالوزغ نجس ولو قملة ابن بشير البرغوث لا نفس له سائلة فلا ينجس بالموت إلا أن يجتلب دما ففيه قولان وعلى هذا يجري قتله في المسجد بخلاف القملة فلا تقتل في المسجد ولا تلقى فيه وقال سحنون في برغوث وقع في ثريد لا بأس أن يؤكل الباجي يحتمل أن ينجس إذا كان فيه دم البرزلي استخف ابن عرفة جلد القملة وفي شرح مرزوق على مختصر الشيخ خليل ما نصه (فائدة) سمعت عن بعض من عاصرته من الفقهاء الصالحين أنه كان يقول من احتاج إلى قتل قملة في ثوبه أو في المسجد على القول بنجاسة ميتتها فينوي بقتلها الذكاة ليكون جلدها طاهراً فلا يضره ولا أدري هل رأى ذلك منقولاً أو قال برأيه إجراء على القواعد وهو إن كان محتملا للابحاث لا بأس به اهـ فالقملة إن كانت من مباح الأكل فما ذكره طاهر وإن كانت من محرمة أو مكروهة فذلك مبني على أن الذكاة تعمل في المحرم والمكروه كالمباح وهذا مراده بالإجراء على القواعد والله أعلم وفي هذه الفائدة فائدة أخرى هي جواز قول الفقيه المقلد برأيه إجراء على القواعد وهذا ظاهر شائع ذائع كثير في فتوى المتأخرين لا يمكن إنكاره فانظره مع ما نص عليه غير واحد أن المقلد لا يفتي إلا إن وجد النص في عين النازلة وقد كنت ذكرت مثل ذلك للناظم رحمه الله فقال لي العمل على جواز قول المقلد برأيه إجراء على القواعد وإلا بطلت فتاوي هؤلاء المتأخرين المشحونة بها كتب الأحكام وفي تأليف الإمام العالم أبي عبد الله محمد بن مرزوق الذي سماه تقرير الدليل الواضح المعلوم على جواز النسخ في كاغد الروم ما نصه القياس الممتنع على المقلد هو الذي ينشأ به حكما في واقعة بالقياس على أصل ثابت بالكتاب أو السنة أو الإجماع فإن هذا لا يكون الا للمجتهد وأما القياس الذي يستعمل في إخراج جزئية من نص كلية أو إلحاق مسألة لنظيرتها مما نص عليه المجتهد بعد اطلاع المقلد على مأخذ إمامه فيها أو المستعمل في ترجيح أقوال الإمام في مسألة لقياسه على قوله في مسألة أخرى تماثلها ولم يختلف قوله فيها بعد اطلاعه على المدار فهذا وأشباهه من تخريج الأقوال في النظائر كما يفعله الأشياخ لا
يمتنع على المقلد أنظر تمام كلامه ونقله صاحب المعيار أواخر كتاب الطهارة ومن النجس أيضاً ميتة بني آدم وقال ابن رشد الصحيح طهارته وذكر عياض عن بعض المتأخرين التفرقة ينجس الكافر ولا ينجس المسلم وقصر بعضهم الخلاف على المسلم قال وأما الكافر فلا يختلف في نجاسته وانكره بعضهم وهذا الخلاف لايدخل في أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومنه ما يبان ويزال من الحي أو الميت غير المذكى مما تحمله الحياة ويتألم إذا أزيل منه وهو حي وذلك كالقرن والعظم والظلف على المشهور وقال ابن المواز وما قطع من طرف القرن والظلف مما يؤلم ولا يناله دم ولا لحم فهو حلال أخذ منها حية أو ميتة اللخمي وعلى ذلك يجري ما قص من الظفر البرزلي قال أبو محمد من صر أظفاره في طرفه وصلى بها فلا شيء عليه إن لم يكن في أظفاره نجاسة والظلف للبقر والشاة والظباء كالحافر للفرس وكذا العاج وهو عظم الفيل وكره مالك الأدهان في أنياب الفيل والمشق بها والتجارة فيها ولم يحرم ذلك لأن عروة وربيعة وابن شهاب أجازوا ذلك فإن ذكى الفيل فلا إشكال على القول بأن الذكاة تعمل في المكروه وهو المشهور والريش وقال ابن الحاجب شبيه الشعر كالشعر وشبيه العظم كالعظم وما بعده فعلى القولين أي ما بعد من القصبة عن أصلها وهو طرفها الأعلى يجري على خلاف في طهارة طرف القرن. ثالثها يطهر إن صلق أي غلي في الماء وجلد الميتة نجس ولو دبغ على المشهور ويجوز استعماله بعد دبغه في اليابسات والماء إن كان من غير الخنزير ولا يباع ولا يصلى عليه لنجاسته وفي المدونة وقف مالك عن الجواب في الكيمخت ابن رشد وهو جلد الحمار وقبل جلد الفرس وفي العتبية ما زال الناس يصلون بالسيوف وفيها الكيمخت. ومنه المني والمذي والودي ابن الحاجب والمذهب أن المني نجس فقيل لا صله وقيل لمجرى البول وعليهما مني المباح والمكروه يريد فإن عللنا نجاسته بكون أصله دما فمني الحيوان المباح الأكل ومكروهه نجس وإن عللناها بجريانه مجرى البول فمني المباح طاهر ومني مكروه الأكل نجس لأن بولها كذلك على المشهور ابن عرفة المذي والودي والقيح والصديد نجس عياض ورطوبة الفرج عندنا نجسة ابن عرفة مسفوح الدم نجس قال عز الدين يجب غسل محل الذكاة بالماء وقال بعض الشيوخ يجب أن يرفع بأنف البهيمة ليخرج الدم المسفوح ولا فرق بين دم الحيض والسمك والذباب وغيرها
والسوداء نجسة وكذا رماد النجس ودخانه على المشهور اللخمي إنعكاس دخان الميتة في ماء أو طعام ينجسه المازري
الدخان أشد من الرماد ابن رشد الأظهر طهارتهما لأن الجسم الواحد تتغير أحكامه بتغير صفاته وقال التونسي رماد الميتة يجب أن يكون طاهرا لأنه كالخمر يصير خلا ابن الحاجب والبول والعذرة من الآدمي والمحرم الأكل نجس وكذلك من المباح الذي يصل إلى النجاسة وكذلك الدواب ونحوها على المشهور وقيل إلا بول من لم يأكل الطعام من الآدمي وقيل من الذكور وطاهر من المباح أي لا يصل إلى النجاسة بدليل ما مر له قريبا ومكروه من المكروه وقيل نجس اهـ والقول بنجاسة البول والعذرة من مكروه الأكل كالهرة هو المشهور وإن كان ظاهر كلام ابن الحاجب أن المشهور الكراهة لتصديره به وعطفه عليه فقيل واختلف في المراد بالطعام في قول من فرق في بول الادمي بين من أكل أو لا قال في التوضيح يحتمل أن يريد به لبن أمه ويحتمل أن يريد به غير لبن أمه لأنه الطعام عرفا ثم قال وهذا الخلاف إنما هو بوله وأما عذرته فنجسة باتفاق وقال قبل هذا ويستثنى من ذلك الأنبياء فإن الظاهر طهارة ما يخرج منهم لإقراره عليه الصلاة والسلام شاربة بوله اه وفي الحطاب عن بين الفرات وغسل عائشة رضي الله تعالى عنها الجنابة من ثوبه تشريع اهـ قال القاضي أبو عبد الله المقري في قواعده بعد أن أنكر كثرة الكلام في هذه المسألة مما أمن تجديده ولا يتوقف عليه حكم يجدد والمعلوم أنه كان يتوقى من نفسه ما أمر بتوقيه من غيره ثم لم ينكر على من شرب دمه وبوله بعد النزول لما غلب عليه من حسن قصده ومع أمنه من اعتقاد خلاف الحكم ألا ترى قوله للآخر زادك الله حرصا ولا تعد اهـ قال شيخ شيوخنا أبو عبد الله القصار على قول المقرى ثم لم ينكر الخ بل قال لابن الزبير منكراً من أمرك بشرب الدم لأنه استفهام إنكاري وفي الشمنى على الشفاء شرب دمه عليه الصلاة والسلام سالم بن الحجاج فقال له عليه الصلاة والسلام لا تعد فإن الدم كله حرام اهـ ولما تقدمت الإحالة على مباح الأكل ومكروهه ومحرمه في اللبن والبول والعذرة انبغي تكميل الفائدة بسرد بعض ذلك. فمن مباح الأكل من الحيوان الحيوان البحري وإن كان ميتا وجميع أنواع الطير ولو تغذى بالنجاسة أو كان ذا مخلب وهو الظفر على المشهور فيهما وقيل بكراهة الخطاف في وكره ببدو أو حضر ومنه النعم من الابل والبقر والغنم ولو جلالة على المشهور وكذا الوحش الذي يفترس كاليربوع دابة قدر
بنات عرس رجلاها أطول من يديها عكس الزرافة وكذا الخلد مثلث الأول ساكن فأر أعمى أعطي من الحس ما يغنيه عن البصر وكذا الوبر بسكون الموحدة وفتحها من دواب الحجاز فوق اليربوع ودون السنور كحلاء اللون لا ذنب لها وكذا الأرنب وفي أذنه طول وكذا القنفذ بضم القاف وفتحها ثم نون ساكنة ثم فاء مضمومة ثم ذال معجمة أكبر من الفأر كله شوك إلا رأسه وكذا الضربوب على وزن فعلول بفتح أوله كالقنفذ في الشوك إلا أنه أكبر وكذا الحية إذا أمن سمها وكذا خشاش الأرض مثلث الأول كالعقرب والخنفساء والنمل والدود. ومن المحرم الخنزير إجماعا والبغل والفرس والحمار على المشهور ولو كان الحمار وحشيا وتأنس وصار يعمل عليه فكذلك أيضا وقال ابن القاسم لا يحرم ما دجن من الحمر وأما الإنسي يتوحش فلا يؤكل ومن المكروه السبع والضبع والثعلب والذئب والهر وإن كان وحشيا وكذا الفيل وفي التوضيح الصحيح الإباحة. ومنه كلب الماء وخنزيره وفي كراهة القرد والكلب ومنعهما قولان وفي الفأر والوطواط التحريم وهو المشهور والكراهة والإباحة وإنما أطلنا في هذا التنبيه لشدة الحاجة لمسائله كما أشرنا إليه أولا ولسهولة حلها (السابع) تكلم الناظم على الماء الذي تحصل به طهارة الخبث وهو النجس ولم يتكلم هنا على حكم زواله عن ثوب أو بدن أو مكان بل أخره إلى أن يجمعه مع نظائره في شروط أداء الصلاة حيث قال شروطها الاستقبال طهر الخبث البيتين ولا على صفة زواله وذكر ذلك وما يتعلق به هنا أنسب كما فعل ابن الحاجب وغيره فأما حكم إزالة النجاسة فحكى ابن الحاجب ثلاث طرق والطريقة عبارة عن اختلاف الشيوخ في كيفية نقل المذهب بحيث ينقل شيخ أو شيوخ حكما ويرون المذهب كله على ما نقلوه وينقل غيره خلاف ذلك ويروي ذلك الغير المذهب كله على ما نقل هو والأولى الجمع بين الطرق ما أمكن والطريق التي فيها زيادة هي راجحة على غيرها لأن الجميع ثقات وحاصل دعوى النافي شهادة على نفي وحاصل الطرق الثلاث كما قال ابن عبد السلام يرجع إلى ثلاثة أقوال كطريقة اللخمي القول الأول في المدونة واجبة مع الذكر والقدرة لإيجابه الإعادة معهما في الوقت وبعده دون العجز والنسيان لأمره بالإعادة في الوقت خاصة فيعيد المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر والصبح ما لم تطلع الشمس قاله ابن بشير التتائيووزان ما تقدم في الظهرين أن يعيدها إلى الإسفار والظهر والعصر إلى الاصفرار أبو الحسن الصغير لأن الإعادة في الوقت إنما هي استحباب فأشبهت النافلة ولا يتنفل بعد الاصفرار والليل كله محل للتنفل اهـ وأصله لابن يونس والنهي عن التنفل لا يختص بالاصفرار بل هو من صلاة العصر لكن يتأكد النهي عنه عند الاصفرار فالإعادة في الوقت كما قال شبيهة بالنفل لا نفل حقيقة بل هي أعلى منه
فلانحطاطها عن الفرض لم تقع بعد الاصفرار لتأكد النهي عن التنفل إذ ذاك وهي شبيهة به ولو كانت فرضا لأوقعت في كل وقت ولارتفاعها عن النافلة جازت في وقت تكره فيه النافلة كراهة غير مؤكدة ولو كانت نفلا حقيقة ما وقعت بعد صلاة العصر مطلقا وبهذا يظهر أن ما قاله التتائي من إعادة الصبح إلى الإسفار لا بعده هو أظهر مما قال ابن بشير أنه يعيد ما لم تطلع الشمس والله أعلم وفي شرح الرسالة للقلشاني ناقلا عن اللخمي وقول من قال يعيد الليلة إلى الفجر لجواز التنفل إليه وكراهته بعد الاصفرار لا يتم لأن الإعادة بنية الفرض لا النفل اهـ فانظره مع قول أبي الحسن إن الإعادة في الوقت مستحبة قال بعض الشيوخ الظاهر ما قاله ابن يونس القول الثاني واجبة مطلقاً لأن ابن وهب روى يعيد أبداً وإن كان ناسياً. الثالثة سنة قال أشهب تستحب إعادته في الوقت عامداً أو ناسياً يريد وهو آثم إن تعمد الصلاة بها مختارا ثم قال القاضي عبد الوهاب في المدونة من تعمد الصلاة بالنجاسة مع القدرة على إزالتها فعلى القول بأنها سنة يأثم ولا إعادة عليه وعلى القول بأنها فريضة لا تجزئه وعليه الإعادة اهـ وقوله لا إعادة عليه أي واجبة فلا ينافي استحباب الإعادة المتقدم عن أشهب والله أعلم وفي البيان بعد أن قال المشهور أنها سنة إن صلى بها ناسياً أو مضطراً أو جاهلا بالنجاسة أعاد في الوقت وإن صلى بها عالماً غير مضطر متعمداً أو جاهلا أعاد أبداً لتركه السنة عامداً اهـ ونحوه في شرح الرسالة لابن عمر وهو مخالف لقول أشهب باستحباب الإعادة في الوقت مع التعمد والله أعلم وفي التوضيح عن الشيخ عبد الحميد ما معناه إن الاعادة في الوقت مع العجز والنسيان أو مطلقا على القول الثالث لا دليل فيها على عدم الوجوب لاحتمال أن يكون القائل بها يرى الوجوب وإنما قصر الاعادة على الوقت مراعاة للخلاف كما أن الاعادة أبداً مع الذكر والقدرة أو مطلقاً كما في القول الثاني لا دليل فيها أيضاً على الوجوب لاحتمال أن يكون القائل بها يرى السنية وذلك مذهبه فيها وأما صفة زوالها فعلى وجهين لأنه إما أن يتيقن إصابتها لثوب أو بدن أو مكان وإما أن يشك في ذلك ولا يتيقنه إن علم محلها غسل ذلك المحل فقط وإن جهل محلها وعلمت ناحيتها غسل تلك الناحية كعلمه أنها أسفل الثوب فيغسل الأسفل كله ولا يغسل الأعلى وإن لم يعلم محلها ولا جهتها غسل الثوب كله وإن أصابت إحدى كميه ولم يميزه غسلهما معا على المشهور وإذا اشتبه عليه ثوبان أحدهما طاهر والآخر نجس تحرى أحدهما على المذهب وصلى به ولكون الأصل في كل منهما على انفراده الطهارة فيستند اجتهاده إلى أصل ولا كذلك الثوب الواحد كمسألة الكمين لأن حكم الأصل قد بطل منه لتحقق حصول النجاسة فيه فيجب غسله ابن عبد السلام
هكذا قالوا ولا يخفى ما فيه ويعلم طهارة محلها بزوال طعمها ولونها وريحها وانفصال الماء طهوراً والغسالة المتغيرة نجسة وغير المتغيرة طاهرة ولا يضر بللها الباقي في الثوب لأنه جزء المنفصل فلذا لا يجب عصره وهذا في اللون والريح إن لم يعسر زوالهما فإن عسر لم يضر بقاؤهما التونسي خلط الماء بالسدر يضيفه وصب الماء على الجسد بعد حكمه بالسدر لا يضيفه ابن عرفة وعلى هذا يطهر الثوب النجس بصب الماء عليه بعد طليه بالصابون وأما المشكوك فيها فعلى ثلاثه أوجه الأول أن يتحقق نجاسة الشيء ويشك في إصابته لثوبه فيجب عليه النضح على المشهور فإن تركه أعاد على ما تقدم في ترك إزالة النجاسة من التفصيل والشاذ يجب الغسل ولا يكفي النضح الثاني أن يتحقق الاصابة ويشك في نجاسة المصيب فلا نضح على المشهور والشاذ النضح الثالث أن يشك في الإصابة هل حصلت أم لا وعلى تقدير حصولها فهل المصيب نجس أو طاهر فلا نضح لضعف الشك التوضيح وذكر الباجي في أقسام الشك قسما آخر وهو إذا تحقق النجاسة وشك في الازالة قال ولا خلاف في وجوب الغسل لأن النجاسة متيقنة فلا يرتفع حكمها إلا بيقين وصفة النضح قال سحنون رش ما شك في ظاهره وباطنه عياض هذا فيما شك في ناحيته معا وإلا رش التي شك فيها فقط وقال القابسي رش موضع الشك بيده رشة واحدة وإن لم يعمه إذ لا يجب غسله أبو عمر النضح لا يطهر نجاسة وإنما هو لقطع الوسوسة وفي افتقاره النية لظهر التعبد لأن الرش يزيد في كمية النجاسة بخلاف الغسل فإنه يزيلها فالنضح على خلاف المشروعية فكان متعبدا به والأصل في هذا النوع من الأحكام وجوب النية وعدم افتقاره لها جريا على أصل النجاسة قولان والثاني اختيار ابن محرز محتجا بأنه إن كانت نجاسة لم تفتقر لنية وإن لم تكن فلا إزالة فلا نية وهذا حكم الثوب وأما إذا شك في إصابتها لجسده فقيل حكمه كالثوب فيجري على التفصيل المتقدم ويشهد له قوله في المدونة والنضح من أمر الناس وهو طهور لكل ما شك فيه وقيل يتعين غسله وشهره ابن رشد ويشهد له قوله «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل ان يدخلهما في الإناء ثلاثة فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده» فجعل الشك موجبا للغسل لا للنضح ويشهد له أيضاً قول المدونة ولا يغسل أنثييه من المذي إلا أن يخشى أن يصيبهم منه شيء وأما البقعة يشك في نجاستها فحكمها الغسل اتفاقا ليسر
الانتقال للمحقق وقيل كالجسد فيدخلها الخلاف وألحق بن يونس الحصير بالثوب في النضح إذا شك فيه نقله المواق فراجعه الثامن النجاسات ما لا يؤمر الانسان بازالته إلا على طريق الاستحباب وهو كل ما تدعو الضرورة إليه ولا يمكن الانفاك عنه فيعفى عنه لمشقة التحرز عنه. ولما كانت المشاق على ثلاثة أقسام يعفى عنها إجماعا كطهارة حدث أو خبث تذهب بالنفس وسفلى لا يعفى عنها إجماعا كالتألم ببرودة الماء في الشتاء ومترددة بينهما هل تلحق بالعليا فتؤثر في الاسقاط أو بالسفلى فلا تؤثر وكان تنزيل الكلي على الجزائي مظنة النزاع وفي استخراج بعضها من الكلي نوع خفاء احتيج إلى بيان الجزئيات المعفو عنها بالتعيين. فمن ذلك الحديث المستنكح الذي يعترى صاحبه كثيراً يقال استنكح فلانا الأمرإذا غلبه كأن حدث بول أو مذي أو ريح وغير ذلك وبلل البواسير في المدونة قال يحيى بن سعيد من به باسور يخرج فيرد بيده عليه غسلها إلا أن يكثر القباب والثوب كاليد الذخيرة وثوب المرضع يجتهد في التحفظ فيه فيعفى عن بول الصبي فيه ما لم يتفاحش اهـ وقيل لأنه كالحدث المستنكح وندب لها ثوب تعدة للصلاة وكذا من شغله في الزبل النجس يستعد ثوباً للصلاة إن وجده وإلا فيصل على حاله ولا يخرج الصلاة عن وقتها وكذا اليسير من الدم والقيح والصديد ولا فرق في الدم بين دم الحيض والميتة وغيرهما وروي أن يسير الحيض ككثيره وقيل دم الميتة ولا يعفى عن يسير البول ونحوه وما دون الدرهم يسير وما فوقه كثير وفي الدرهم روايتان ومذهب المدونة أن اليسير من الدم لا يعفى عنه بل يؤمر بغسله استحبابا ما لم يره في الصلاة فلا يقطعها لأجله وكذا بول الفرس للغازي بأرض الحرب إن لم يكن له ممسك غيره ويتقيه ما استطاع ودين الله يسر ويسير البول والعذرة يعلق بالذباب ثم يجلس على المحل معفو عنه وكذا المحتجم، يكفيه مسح موضع الحجامة لتضرره بوصول الماء إليه فإذا برىء غسله فإذا لم يغسله أعاد ما صلى بعد البرء مما لم يخرج وقته بعد أن يغسله وكطين المطر ونحوه كالماء المستنقع في الطرق يصيب الجسد والثوب والخف والنعل وإن كان فيها العذرة وقال ما زالت الطرق وهذا فيها وكانوا يخوضون طين المطر ويصلون ولا يغسلون ما لم تكن النجاسة غالبة أو عينها قائمة وكذيل المرأة تطيله للستر فيطهر من القشب اليابس بمروره على طاهر وكذا من توضأ ثم وطىء موضعا قذرا جافا فلا
بأس عليه قد وسع الله على هذه الأمة اللخمي لأن رفع رجليه بالحضرة يمنع اتصال النجاسة إلا ما لا قدر له وكمن وطىء بخفيه أو نعليه على أرواث الدواب الرطبة وأبوالها فيدلكه ويصلي ابن يونس لأنه مختلف في نجاسته باختلاف الدم والعذرة والبول فلا يصلي حتى يغسله ولذا قال ابن حبيب عن مطرف وأصبغ وابن الماجشون في مسافر مسح على خفيه فأصابت خفه نجاسة ولا ماء معه أنه ينزعه ويتيمم المازري وعلى هذا من لم يجد إلا قدر وضوئه أو ما يغسل به نجاسته بغير محله يغسلها ويتيمم إذ لا بدل عن غسلها وعن الوضوء بدل ابن عبد السلام وأظن أني رأيت لأبي عمران أنه يتوضأ به ويصلي بالنجاسة لأن طهارة الخبث مختلف في وجوبها بخلاف طهارة الحدث والمتفق على وجوبه أولى بالتقديم وهو الظاهر. الباجيلا نص في الرجل وأراها كالخف وخرجها اللخمي على النعل واختار هو وابن العربي غسلها لغير من شق عليه شراء النعل وكمن سقط عليه ماء من سقف فهو في سعة ما لم يوقن بنجاسة فإن سأل أهله فقالوا طاهر صدقهم إن لم يكونوا نصارى ابن رشد هو محمول على الطهارة وسؤالهم مستحب فيصدقهم إن لم يعرف عدالتهم وقال المازرى يقبل خبر الواحد وإن امرأة أو عبدا عن نجاسة الماء إن بين سبب النجاسة أو لم يبينها ومذهبه فيها كالمخبر وإن أجمل وخالف مذهبه استحب تركه لأنه قد صار مخبره مشتبها وكالسيف الصقيل وشبهه كالمدية والمرآة كل ما يشاكله في الصقالة من الحديد وسائر الجواهر يجزى مسحه عن غسله لما في غسله من افساده وقيل لانتفاء النجاسة بالمسح ولا يلحق بالسيف وما يشبهه غيره كالثوب والجسم على الأصح التوضيح وأكثر مثلهم في السيف إنما هو في الدم فيحتمل أن لا يقصر عليه ويحتمل القصر لأنه الغالب من النجاسة الواصلة إليه وكالجرح بمصل والدم في الجسد والثوب فإن تفاحش استحب بخلاف ما يتكاثر فإنه يغسل فان كان في صلاة قطع إلا أن يخرج الشيء اليسير فليقتله ولا ينصرف واليسير ما يقتله الراعف وكدم البراغيث غير المتفاحش ابن عرفة ظاهر المدونة وجوب غسل دم البراغيث إذا تفاحش بخلاف القرحة
(التاسع) أذكر فيه فروعا مما الكلام فيه بعضها يتعلق بالمياه وبعضها بالنجس والطاهر وبعضها بإزالة النجاسة. فالتي تتعلق بالمياه أولها روى على الندى يجمع من الورق طهور الثاني قال في المدونة لا بأس بسؤر الحائض والجنب وما فضل عنهما من وضوء أو غسل لا بأس بشربه وبالوضوء منه والأغتسال به الثالث قال المازري إن شك في المغير هل هو نجس مايؤثر أم لا فلا تأثير له مالك إن جهل سبب نتن ماء بئر الدور ترك قيل لما يغلب على الظن أن ذلك من المراحيض المجاورة لها فتترك ما لم توقن السلامة ابن رشد بخلاف البئر والغدير بالصحراء الرابع قال اللخمي إن كانت رائحة الماء عن المجاورة دون الحلول لم تنجس الخامس قال ابن الحاجب المغير بالدهن طهور ابن عبد السلام لأنه يجاور ولا يمازج ابن عرفة يرد بأن ظاهر الروايات أن كل تغير بحال معتبر وإن لم يمازج فإن تغير بمخالطة الأدهان فغير مطهر السادس قال ابن بشير المشهور أن الماء إن تغير بما هو قراره وبما عادته يتولد فيه بنقل ناقل نقله إليه لا مبالاة به والماء باق على أصله ابن يونس الملح إذا طرح في الماء فالصواب أن لا يجوز الوضوء به لأنه إذا فارق الأرض كان طعاما ولا يتيمم به ابن بشير اختلف المتأخرون في الملح هل هو كالتراب فلا ينقل حكم الماء على المشهور من المذهب أو كالطعام فينقله أو المعدنى منه كالتراب والمصنوع كالطعام ثلاثة طرق ثم اختلف المتأخرون هل ترجع هذه الطرق إلى قول واحد فيكون من جعله كالتراب يريد المعدنى ومن جعله كالطعام يريد المصنوع أو يرجع ذلك إلى ثلاثة أقوال كما تقدم السابع إن تغيرت رائحة الماء ببخار المصطكى كان مضافا الثامن قال ابن حبيب وفي التطهير بالماء بعد جعله في الفم قولان التوضيح القولان راجعان إلى خلاف في حال هل يمكن أن ينفك عنه الماء بصفته أم لا التاسع قال في المدونة ولا يتوضأ بماء قد توضىء به إلا أن لا يجد غيره وكان الذي
توضأ به أولا طاهر الأعضاء من نجاسة ووسخ القرافي إن كان المتوضىء بالماء مجدداً فالماء طهور بخلاف إن كان محدثا العاشر قال في المدونة من توضأ من ماء ولغ فيه كلب وصلى أجزأه ولا إعادة عليه وإن علم في الوقت مالك ولا يعجبني الوضوء به ونص ابن القاسم إن لم يجد غيره توضأ به ولا يتيمم الحادي عشر قال ابن الحاجب فيها ولا يغتسل في الماء الراكد وإن غسل الأذى للحديث اهـ (فائدة تناسب هذا الفرع) ذكر الشيخ زروق في النصيحة أن البول في الماء الراكد يورث النسيان وكذا أكل سؤر الفأر والتفاح الحامض وكنس البيت بالخرقة وأكل الكزبرة الخضراء وقراءة كتابة القبور والنظر في المصلوب والمشي بين الجملين المقطورين أي المربوطين وطرح القمل على الطريق وإدمان النظر إلى البحر قال ذكر ذلك الشيخ أبو طالب المكي آخر كتاب قوت القلوب الثاني عشر قال ابن الحاجب أيضا وفيها بئر قليلة الماء ونحوها وبيده نجاسة يحتال يعنى بآنية أو بخرقة أو بفيه على القول بتطهيره فإن لم يمكنه فقال ابن القاسم لا أدري وأجريت على الأقوال في ماء قليل تحله نجاسة وقال فإن اغتسل فيها أجزأه ولم ينجسها إن كان معينا الثالث عشر قال ابن الحاجب ما معناه إن فضلة شراب الحيوان الذي يأكل النجاسة أو فضلة طعامه إن رأيت على فيه نجاسة وقت استعماله عمل عليها أي فإن شرب من ماء وتغير يطرح وإن لم يتغير فيفصل بين قليله وكثيره كما مر في التنبيه الثاني وإن أكل من طعام مائع نجس كثيراً كان أو قليلا وإن كان جامداً تنجس ما سرت فيه وإن لم تر فيه نجاسة وقت الاستعمال فإن عسر الاحتراز منه كالهر والفأرة فمغتفر وإن لم يعسر كالطير والسباع والدجاج والأوز المخلاة فثالثها المشهور يفرق الماء والطعام لاستجازة طرح الماء وسؤر الكافر وما أدخل يده فيه وسؤر شارب الخمر وشبهه مثله اهـ ومعنى قوله ثالثها أي إذا لم تر النجاسة على فيه ولم يعثر الاحتراز منه فثلاثة أقوال الأول يطرح الماء والطعام والثاني لا يطرح واحد منهما المشهور يطرح الماء لجواز طرحه إن حصلت فيه شبهة كذا أو مطلقا ولا يطرح الطعام لحرمته (فائدة) إذا قال ابن الحاجب ثالثها فالضمير عائد على الأقوال المفهومة من السياق
ويؤخذ القول الأول من صدر الثالث والثاني من عجزه والثالث من مسألتنا يطرح الماء ولا يطرح الطعام فالأول طرحهما معا والثاني لا يطرح واحد منهما الرابع عشر قال ابن الحاجب والجاري كالكثير إذا كان المجموع كثيراً والجرية لا انفكاك لها انظر التوضيح وبحث ابن عرفة في قوله إذا كان المجموع الخ فانظره فيه الخامس عشر قال ابن الحاجب وأما الماء الراكد كالبئر وغيره تموت فيه دابة بل ذات نفس سائلة ولم يتغير فيستحب النزح بقدرهما بخلاف ما لو وقع ميتا التوضيح الراكد هو الواقف ثم قال ويشمل ماله مادة وما لا مادة له وقوله تموت احتراز مما لو وقع ميتا فإنه إن تغير وجب نزحه وإن لم يتغير لم يجب ولم يستحب لفقد العلة التي ذكرت للاستحباب إذا مات في الماء فالمخالفة إنما هي في عدم التغير وأما التغير فالحكم متساو وهو وجوب النزح وقوله دابة بر احتراز من دابة البحر فإنها إذا لم تغير لا يستحب النزح وقوله ذات نفس سائلة احتراز مما لا نفس له كالعقرب والزنبور فإنهما لو وقعا في ماء وماتا فيه ولم يتغير لا يستحب النزح والمراد بالنفس السائلة الدم الجاري وقوله لم يتغير احتراز مما لو تغير فإنه يجب نزحه حتى يزول تغيره وقوله بقدرهما أي بقدر الميتة والماء وبمراعاتها قال في الجلاب على قدر كثرة الماء وقلته وصغر الدابة وكبرها وعلى هذا فالصور أربع تارة يكثر الماء وتصغر الدابة فيقلل من النزح وتارة يقل الماء وتكبر الدابة فيزداد في النزح وتارة يتوسط إما لكبر الدابة وكثرة الماء وأما لقلة الماء وصغر الميتة اهـ قال القاضي عبد الوهاب وأما غير الماء فلا فرق أن تموت فيه الفأرة وبين أن تقع فيه ميتة أي فيتنجس مطلقا السادس عشر قال مالك في رواية ابن أبي أويس عنه في جباب تحفر في المغرب فتسقط فيها الميتة فيتغير لونه وريحه ثم يطيب الماء بعد ذلك فلا بأس به السابع عشر قال المازري لا فرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه لأن المخالطة حصلت في الحالين فلا اعتبار بتقديم أحد السببين وقالت الشافعية طرو الماء على النجاسة لا يضر لأنه أذهب حكمها وبقي طاهراً في نفسه. وأما الفروع التي تتعلق بالنجس والطاهر. فأولها قال ابن عرفة المشهور أن الطعام المائع ينجس بحلول يسير النجاسة قال في التلقين وإن لم تغيره ومن المدونة لو كان العسل أو السمن يعني الذي ماتت فيه الفأرة جامداً لطرحت الفأرة وما حولها وأكل ما بقى سحنون إلا أن يطول مقامها به ابن يونس بما علم أنه قد يذوب في خلال ذلك فيطرح ذلك كله الثاني قال ابن الحاجب وفي طهارة الزيت النجس ونحوه
واللحم يطبخ بماء نجس والزيتون بملح نجس وفي الفخار من ماء نجس غواص كالخمر قولان التوضيح قال ابن بشير المشهور في ذلك كله أنه لا يطهر وبنى الخلاف على خلاف في شهادة هل يمكن إزالة ما حصل من النجاسة أم لا ونحو الزيت كل دهن وكيفية تطهيره على القول به أن يؤخذ إناء فيوضع فيه شيء من الزيت ويوضع عليه ماء أكثر منه ويثقب الإناء من أسفله ويد الإناء بيده أو بغيره ثم يمخض الماء ثم يفتح الثقب فينزل الماء ويبقى الزيت يفعل هكذا مرة بعد مرة حتى ينزل الماء صافياً وبهذا القول كان يفتى ابن اللياد ابن الحاجب وفي نجاسة البيض يصلق مع نجس بيض أو غيره قولان التوضيح المشهور النجاسة. الثالثة قال ابن الحاجب وفي استعمال النجس لغير الأكل كالوقود وعلف النحل والدواب قولان بخلاف شحم الميتة والعذرة على الأشهر وحاصله أن في استعمال المتنجس وهو ما كان طاهرا ثم طرأت نجاسته لغير الأكل كوقود الزيت المتنجس يريد في غير المساجد قولين المشهور الجواز وهو لمالك والشاذ لابن الماجشون وأما نجس الذات كشحم الميتة ولحمها فلا يجوز استعماله فلا تطلى به السفن ولا غيرها فهو أقوى مما طرأت عليه النجاسة الرابع قال ابن الحاجب ولا يصلى بلباسهم بخلاف نسجهم ولا بثياب غير مصل بخلاف لباس رأسه ولا بما يحاذي الفرج من غير العالم بخلاف ثوب الجنب والحائض التوضيح قوله ولا يصلى بلباسهم أي بلباس الكافرين وشاربي الخمر بخلاف نسجهم قال في المدونة مضى الصالحون على ذلك أي على عدم الغسل ولأنا لو أمرنا بغسله لأدى إلى الحرج ولأنهم يصونون ذلك لغلاء الثمن وقوله ولا بثياب غير المصلي لعدم توقيه النجاسة ولا تصل غالبا إلى رأسه قوله ولا بما يحاذي الفرج أي القبل والدبر يريد من المصلي لأنه قل من يتقن أمر الاستبراء وفهم من التقييد بما يحاذي الفرج الجواز فيما لا يحاذيه من المصلي اللخمي وابن بشير ويلحق بما يحاذي الفرج ما ينام فيه ولو من المصلي لأن الغالب نجاسته والمراد بالعالم العالم بأمور الاستبراء ولا يشترط أن يكون عالما بغيره وكل من ولي أمراً في الشريعة فإنما يطلب منه العلم بذلك فقط الخامس قال في التوضيح من باع ثوبا جديدا وبه نجاسة ولم يبين كان ذلك عيبا فيه لأن المشتري يجب أن ينتفع به جديدا قاله اللخمي سند وكذلك إن كان لبيسا وينقص بالغسل كالعمامة والثوب الرفيع قال وإن كان لا ينقص من ثمنه فليس عيباً به. السادس قال في التوضيح أيضاً قال في النوادر وعلى من اشترى رداء من السوق إن قدر أن يسأل عنه صاحبه وإلا فهو من غسله في سعة اهـ وقال اللخمي وأما ما يلبسه المسلم فإن علم بائعه ممن يصلي فلا بأس بالصلاة فيه وإن كان
ممن لا يصلي به حتى يغسله وإن لم يعلم بائعه فينظر إلى الأشبه بمن يلبس مثل ذلك فإن شك فالاحتياط بالغسل أفضل ونص سند على أن ما اشترى من مسلم مجهول الحال محمول على السلامة قال وإن شك فيه نضح قال اللخمي وهذا في القمص وما أشبهها وأما ما على الرأس فالأمر فيه أخف قال وتحمل قمص النساء على غير الطهارة لأن الكثير منهن لا تصلي إلا أن يعلم أنه كان لمن تصلي وأما الفروع التي تتعلق بازالة النجاسة (فأولها) هل يجب توقي النجاسة الباطنة فيعيد شارب خمر قليل لا يسكر صلاته أبدا مدة ما يرى بقاءه في بطنه وهو نقل اللخمي عن رواية محمد أو لا يجب إلا توقي ما على ظاهر الجسد فلا إعادة على شارب الخمر إذا كان في عقله وقت الصلاة وهو قول التونسي قولان كذا نقله ابن عرفة قال بعضهم وظاهره ترجيح الأول (الثاني) قال ابن الحاجب والنجاسة على طرف حصير لا تماس لا تضر على الأصح ونجاسة طرف العمامة معتبرة وقيل إن تحركت بحركته اهـ وإنما كان الأصح في الحصير عدم الاعتبار لأنه صلى على مكان طاهر وهو المطلوب وإنما اعتبرت نجاسة العمامة لأنه في معنى الحامل للنجاسة وظاهر كلامه أن طرف الحصير الذي به النجاسة غير الطرف الذي عليه المصلي وجوز بعضهم في كلام التهذيب أن يكون المراد بالطرف النجس الوجه الموالي للأرض فيكون كنجاسة فرش عليها طاهر ومن هذا المعنى مسألة الهيدورة وهي التي تكون النجاسة بأحد وجهيها دون الوجه الآخر هل يصلي على الطاهر وقد اختلف فيها أصحاب الفقيه أبي ميومنة دارس فقيه فاس فمنهم من أجاز ومنهم من منع الأبياني من نزع نعله لنجاسة أسفله ووقف عليه جاز كطهر حصير ومن المدونة لا بأس بصلاة المريض على فراش نجس أي يبسط عليه طاهرا كثيفا ابن يونس خصه بعض شيوخنا بالمرض وعممه بعضهم فيه وفي الصحيح (الثالث) قال ابن حبيب المعتبر في طهارة البقعة محل قيامه وقعوده وسجوده وموضع كفيه عياض وسقوط طرف ثوبه على جاف نجاسة بغير محله لغو (الرابع) قد تقدم في التنبيه السادس أن مذهب المدونة أن إزالة النجاسة واجبة مع الذكر والقدرة ساقطة مع العجز والنسيان فمن صلى بنجاسة في ثوبه أو بدنه أو على مكان نجس عالما بذلك قادرا على توقيها بغسل أو إبدال ثوب أو مكان أعاد صلاته أبدا ومن صلى بها ناسيا أو ذاكرا لكن عجز عن توقيها بما ذكر أعاد في الوقت خاصة قال في المدونة من صلى بثوب نجس أو في جسده نجاسة ولا يعلم أعاد في الوقت ومن لم
يكن معه غير ثوب نجس صلى به فإن وجد غيره أو ما يغسل به أعاد في الوقت (الخامس) وجوب إزالة النجاسة في الصلاة هو ابتداء ودواما فلذا قال سحنون من ألقي عليه ثوب نجس في الصلاة ثم سقط عنه مكانه فأرى أن يبتدىء قال الباجي وهذا على رواية ابن القاسم وعن المدونة من علم بنجاسة في صلاته قطع وقال في غيرها ولو كان مأموما وهو تفسير وإن كان إماما استخلف وكل هذا إذا كان الوقت متسعا وأما مع ضيقه فقال ابن هرون لا يختلفون في التمادي إذا خشي فوات الوقت لأن المحافظة على الوقت أولى من النجاسة وعلى هذا لو رآها وخشي فوات الجمعة أو الجنازة أو العيدين فتمادى لعدم قضاء هذه الصلوات وفي الجمعة نظر إذا قلنا إنها بدل الحطاب والمراد بسعة الوقت أن يبقى منه ما يسع بعد إزالة النجاسة ركعة فأكثر قاله في الذخيرة ومن علم بالنجاسة وهو في الصلاة فهم بالقطع ثم نسي فتمادى قال ابن حبيب تبطل صلاته وهو الجاري على مذهب المدونة واختار ابن العربي عدم البطلان بناء على صحة الصلاة إذا نزع الثوب النجس ابن عرفة لو رأى بمحل سجوده نجاسة بعد رفعه فقال بعض أصحابنا يتم صلاته متنحيا وقلت أنا يقطع لقولها من علم في صلاته أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب قطع وابتدأ صلاته باقامة وإن علم بعد صلاته أعاد في الوقت التوضيح في مسألة من رأى نجاسة تحت قدميه فتحول عنها وخرجت على الخلاف في الثوب النجس إذا أمكنه طرحه قلت والمشهور بطلانها كما تقدم المازري عن بعضهم لو علم بنجاسة بنعله وهو في الصلاة فأخرج رجله دون تحريكه صحت صلاته اهـ والجاري على المشهور [هو] البطلان في هذه الصورة (السادس) قوله في المدونة كما تقدم قريبا ابتدأ صلاته باقامة قال في التوضيح هذا في الفريضة وأما في غيرها فليس عليه استئنافها قال في المدونة ومن قطع نافلة عمدا لزمه إعادتها وإن ذلك لعلة لم يعدها وقوله فيها باقامة هل ذلك مطلقاً لأنها إنما كانت لتلك الصلاة وقد فسدت أو مع الطول تأويلان للشيوخ صح منه بالمعنى (السابع) من المدونة قيل له إن رآها قبل أن يدخل في الصلاة زاد في المبسوط ونسي حتى دخل قال هو مثل هذا كله يعني إن صلى بذلك ولم يعلم أعاد في الوقت وإن ذكر في الصلاة قطع كان وحده أو مأموماً وإن كان أماما استخلف ابن القاسم وسحنون ولو رأى النجاسة في صلاته فهم بالقطع فنسي فلا إعادة عليه إلا في الوقت وهكذا لو رآها بعد صلاته فهم بالاعادة في الوقت فنسي وروى الأخوان يعيد أبدا المواق انظر إن ترك الإعادة عمدا اهـ وما تقدم قريبا عن ابن القاسم وسحنون فيمن هم بالقطع فنسي هو على خلاف قول ابن حبيب الجاري على مذهب المدونة
القطع كما تقدم في الفرع الخامس (الثامن) قال في التوضيح قال ابن القاسم وابن زرب وإذا صلى العاجز عريانا فلا يعيد بخلاف المصلي بثوب نجس واستشكل وفرق ابن عطاء الله بأن المصلي بنجاسة قادر على إزالتها بأن يصلي عريانا وإنما رجحنا ستر العورة على إزالة النجاسة مع أنه قادر على تركها بخلاف المصلي عريانا لعدم القدرة على الستر (التاسع) الإمام يصلي بنجاسة ناسياً ففي إعادة مأموميه قولان مبنيان على ارتباط صلاتهم بصلاة إمامهم أولا (العاشر) تقدم أن الإمام إذا ذكر نجاسة استخلف وهي إحدى النظائر التي تبطل فيها الصلاة على الإمام دون المأموم وستأتي وأما إن علم المأموم وهو في الصلاة نجاسة بثوب إمامه فإن كان قريباً منه أراه إياها وإن بعد منه كلمه لإصلاحها (الحادي عشر) قال ابن وهب من نسي فذكرها بعد شهر فصلاها ثم تبين له بعد ما صلى أن في ثوبه نجاسة أعاد ابن رشد هذا خلاف مذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك لأن الصلاة الفائتة بتمامها يخرج وقتها وإلى هذه المسألة أشار الشيخ خليل بقوله كفائتة بعد قوله لا عاجز صلى عريانا أي فلا يعيد (الثاني عشر) المصلي يصلي في سفر بالتقصير بثوب نجس ناسياً ثم يحضر في الوقت فإنه يعيدها أربعا قال أبو محمد والوقت في ذلك النهار كله (الثالث عشر) قال ابن الحاجب ولو عرق من المستجمر موضع الاستجمار فقولان التوضيح أي هل يعفى عن ذلك العرق في الثوب ثم قال ابن الحاجب والمرهم النجس يغسل على الأشهر التوضيح قال ابن رشد إذا عمل المرهم من عظام الميتة أو من شيء نجس وطلى به الجرح فهل يعفى عنه لمشقة غسله من الجرح وهو قول ابن الماجشون أو لا يصلي حتى يغسله وهو المشهور لأنه أدخله على نفسه فكان كما لو أنكأ القرحة (الرابع عشر) قال ابن الحاجب ويكفي مج الريق فينقطع الدم ولا يمصه بفيه ويمجه واليسير عفو التوضيح الفرع الأول فيما في نفس الفم والثاني فيما في غير الفم اهـ وإنما لم يكف ذلك لأن النجاسة لا تزال إلا بالماء المطق ابن عرفة روى ابن حبيب من دمي فوه به أي بالمسجد انصرف حتى ينقطع وإن كان بغيره بصق حتى ينقطع ولا يقطع صلاته إلا أن يكثر جداً الشيخ لغير ابن حبيب إن خف أرسله من فيه غير المسجد (الخامس عشر) في حكم من اشتبه عليه الإناء الطاهر بالنجس والثوب الطاهر بالنجس فأما اشتباه الأواني فقال ابن الحاجب وإذا اشتبهت الأواني قال سحنون يتيمم ويتركها وقال ابن الماجشون يتوضأ ويصلي حتى تفرغ وبه قال ابن مسلمة ويغسل
أعضاءه مما قبله وقال ابن المواز وابن سحنون يتحرى واحداً منها ويستعمله كمن التبست عليه جهة القبلة وقال ابن القصار مثل قول ابن المواز وابن سحنون إن كثرت الأواني ومثل قول ابن مسلمة إن قلت: التوضيح اشتبهت أي التبس الطاهر بالنجس وأما لو اشتبه مطهر بطاهر لم يستعملها وصلى صلاة واحدة ثو قال قال ابن عبد السلام وبقي عليه قول من قال إنه يتوضأ بعدد النجس وزيادة إناء مثل ما قال في الثياب خليل وهذا هو الصحيح بل لا ينبغي أن يفهم الخلاف على الاطلاق لأنه إذا كان معه عشر أوان فيها واحد نجس فما وجه التيمم ومعه ماء محقق الطهارة وهو قادر على استعماله وما وجه من يقول إنه يستعمل الجميع ونحن نقطع أنه إذا استعمل إناءين تبرأ ذمته وإنما ينبغي أن يكون محل الأقوال إذا لم يتحقق عدد النجس من الطاهر أو تعدد النجس واتحد الطاهر قال في الجواهر ثم من شرط الاجتهاد أن يعجز عن الوصول إلى اليقين فإن كان معه ماء يتحقق طهارته أو كان على شط نهر امتنع الاجتهاد ابن الحاجب فإن تغير اجتهاده بعلم عمل عليه وبظن قولان كالقبلة التوضيح: إذا فرعنا على القول بالاجتهاد فتحرى إناء ثم تغير اجتهاده فإن كان إلى يقين بطلت الأولى ولزمه إعادته وهذا معنى قوله عمل عليها وإن كان إلى ظن فقولان مبنيان على أن الظن هل ينقض بالظن أم لا اهـ وأما اشتباه الأثواب فقال ابن الحاجب أيضا ويتحرى في الثياب وقال ابن الماجشون أن يصلي بعدد النجس وزيادة ثوب التوضيح: والفرق بين الأواني والثياب خفة النجاسة بدليل الاختلاف فيها ولا كذلك الماء فلم يختلف في اشتراط المطلق في رفع الحدث وظاهر كلام ابن الحاجب وابن شاس عدم اشتراط الضرورة في التحري ونص سند على أنه إنما يتحرى في الثوبين عند الضرورة وعدم وجود ما يغسل به الثوبين اهـ المواق عند قوله في المختصر بخلاف ثوبيه فيتحرى والذي لابن القاسم في رجل في سفر ليس معه الا ثوبان أصابت أحدهما نجاسة لا يدري أيهما قال بلغني عن مالك يصلي في واحد كما لو لم يجد إلا ثوبا ويعيد في الوقت إن وجد طاهراً ولست أناأرى ذلك بل يصلي في واحد منهما ثم يعيد في الآخر مكانه ولا إعادة عليه إن وجد طاهراً ابن رشد في قول ابن القاسم نظر لأنه إذا صلى على أن يعيد لم يعزم في صلاته فيه أنها فرضه وكذلك إذا أعادها في الآخر لم يخلص النية للفرض لأنه إنما نوى أنها صلاته إن كان هذا الثوب هو الثوب الطاهر ونحو هذا لابن يونس في جامع القول في الإقامة على أن من صلى صلاة على أن يعيدها ينبغي أن لا تجزئه ابن رشد وقول مالك أصح وأظهر من جهة النظر والقياس أنه يصلي في أحدهما على أنه فرضه كما لو لم يجد غيره فإن وجد في الوقت ثوباً يوقن
بطهارته أعاد استحباباً أنظر في الذخيرة اعتراضه على ابن شاس اهـ (السادس عشر) قال ابن الحاجب ويغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً للحديث فقيل تعبداً وقيل لقذارته وقيل لنجاسته السبع تعبد وقيل لتشديد المنع وقيل لأنهم نهوا فلم ينتهوا وفي وجوبه وندبه روايتان ولا يؤمر إلا عند قصد الاستعمال على المشهور ولا يتعدد الغسل بتعدده على المشهور وفي إلحاق الخنزير به روايتان وروى ابن القاسم في الماء خاصة وروى ابن وهب وفي الطعام وفي إراقتهما مشهورها الماء لا الطعام وكان يستعظم أن يعمد إلى رزق الله فيراق لأنه ولغ كلب وفي غسله بالماء المولوغ فيه قولان قال في التوضيح فروع الأول الغسل مختص بالاناء فلو ولغ في حوض لم يغسل لأنه تعبد الثاني الحكم مختص بالولوغ فلو أدخل يده أو رجله لم يغسل خلافاً للشافعي الثالث لا تشترط النية في الغسل قاله الباجي وابن رشد قالا وإنما يفتقر التعبد الى النية إذا فعله الشخص في نفسه أما هذا وغسل الميت وما أشبههما فلا الرابع هل يشترط الدلك أم لا ليس فيه نص والظاهر على أصولنا الاشتراط لأن الغسل عندنا لا تتم حقيقته إلا به (التبيه العاشر) قال غير واحد ممن شرح الرسالة وغيرها جرت عادة الشيوخ أن يتعرضوا هنا لنقل نطائر منها أن ثماني مسائل من باب إزالة النجاسة يكفي فيها المسح عن الغسل وهي السيف الصقيل والجسم والثوب والمخرجان وموضع الحجامة والقدم والخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها وإجزاء المسح عن الغسل في الجسد والثوب جار على المشهور وهو مقابل الأصح في قول ابن الحاجب بعد أن ذكر السيف ولا يلحق به غيره على الأصح في التوضيح ممثلا بغير السيف كالثوب والجسم راجع التبيه الثامن: ولا غرابة في ارتكاب الشاذ في جميع النظائر المقصود منه الاشتراك في حكم ما مشهورا كان ذلك الحكم أم لا ومنها أن ثمانية أثواب لايطلب غسلها إلا مع التفاحش ثوب صاحب السلس والجرح السائل وذوى القرحة والبواسير وثوب المرضع والمتعيش بالدواب في سفره والغازي بأرض الحرب لايجد من يمسك له الفرس يصيبه بوله ودم البرغوث ومنها أن ثمانية تحمل على الطهارة الذباب يقع على النجاسة
ثم على الثوب أو البدن أو البقعة وذيل المرأة المطال للمستر وقترة سقف الحمام ومزاب السطوح وآلة رفع الماء كالدلو والحبل وطين المطر وما نجسه الكافر وأبواب الدور وهل المراد أن باب الدار محمول على الطهارة كداخلها وهذا إن كانت لمسلم مصل أو المراد أن طين أبواب الدور الناشأ عن غسلها مثلا محمول على الطهارة كطين المطر يظهر هذا من عطف بعضهم في تعداد هذه النظائر أبواب الدور على طين المطر لم أقف في ذلك على قاطع
بالمراد ومنها أن ثمانية تجب مع الذكر وتسقط مع النسيان طواف القدوم وزوال النجاسة من ثوب أو بدن أو مكان والنضح لما شك فيه وترتيب الصلوات والفور في الوضوء والغسل والكفارة في رمضان وقضاء التطوع من صلاة وصيام واعتكاف التوضيح اذاقطعت عمدا من غيرعذر لزم القضاء إن كان لعذر لم يلزم اهـ والتسمية في الذبح كذا ذكر هذه الثمانية الأخيرة وفي التوضيح وأسقط ابن ناجى منها طواف القدوم والنضح وجعل مكانهما ترتيب الحاضرتين وتقديم الفوائت اليسيرة على الحاضرة وجعل مكان ترتيب الصلوات الترتيب وكأنه يعني الترتيب في الوضوء والصواب والله أعلم ما في التوضيح لأنه أكثر فائدة لزيادة طواف القدوم والنضح وشمول ترتيب الصلوات ترتيب الحاضرتين وترتيب الفوائت في أنفسها وترتيب يسير الفوائت مع الحاضرة أي تقديمها عليها إلا أن الظاهر أن لاخصوصية للصلاة والصيام والاعتكاف بهذا الحكم بل جميع مايلزم بالشروع من الثلاثة المذكورة والحج والعمرة والطواف والإتمام كذلك على بحث لهذا الأخير في كونه يلزم بالشروع ولكن من خرج من الائتمام عمدا لم يجب عليه قضاء صلاته في جماعة ثم اعلم أن عد قضاء التطوعات اللازمة بالشروع مع هذه النظائر إنما هو باعتبار مجرد الاشتراك في الوجوب مع الذكر والسقوط والنسيان وإن اختلف المذكور والمنسي فيهما فإن النضح مثلا يجب على من ذكره ويسقط عمن نسيه وقضاء النافلة مثلا يجب على من ذكر قطعها أي قطعها عمدا ويسقط عمن نسي قطعها أي قطعها نسيانا فالمذكور والمنسي في النضح فعله والمذكور والمنسي في قضاء النافلة هو قطعها وليس المراد أن من قطع هذه التطوعات يجب عليه قضاؤها إن ذكره ويسقط عنه إن نسيه فإن من قطعها ناسيا لايجب عليه قضاؤها ولو ذكره ومن قطعها متعمداً وجب عليه قضاؤها لابقيد الذكر والله أعلم والأولى والله أعلم إسقاط قضاء التطوع من صلاة وصيام واعتكاف من هذه النظائر كما فعل الإمام سيدى على الزقاق في المنهج والمنتخب في قواعدالمذهب من إسقاطه لها في عد مايجب بالذكر ويسقط مع النسيان وعده لها مع مايلزم بالشروع فيقضيه من قطعه عمدا لانسيانا حيث قال
لايسقط الواجب بالنسيان
وفي ضعيف مدرك قولان
بخبث ثم بفور رتب
كفر وقيل وبعذر أذهب
في طوع حج وصلاة وصيام
طواف قادم عكوف وائتمام
وعمرة إذ لزمت من شرعا
وفي ائتمام نظر قد سمعا
وقد نظم النظائر الاثنين والثلاثين المتقدمة آنفا الشيخ الإمام العالم أبو محمد عبد
الواحد بن الامام الشهير أبي العباس ابن يحيى الونشريسى رحمهما الله تعالى معتمدا في الثمانية الأخيرة على ملس التوضيح فقال
ثمانية يجزى عن الغسل مسحها
وهى من الأسياف ماكان ذا صقل
وجسم وثوب مخرج ومحاجم
كذا قدم والخف أيضا مع النعل
وإن من الأثواب في العد مثلها
أمرنا بهذا عند التفاحش بالغسل
ثياب ذوي الأسلاس والجرح إن يسل
وقرح وباسور ومرضعة الطفل
وذي سفر بالظهر يرجو معيشة
ومن في بلاد الحرب يمسك للخيل وثوب ذوي البرغوث والطهر صف به
ثمانية وهي التي بعد ذا أمل
ذباب وإن فوق النجاسة قد بدا
وما جره النسوان للستر من ذيل
وقطرة حمام وميذاب أسطح
وآلة رفع الماء كالدلو والحبل
وطين الشتا أيضا ومنسوج كافر
وأبواب دور مثل مامر من قبل
وأخرى مع الذكر استبان وجوبها
فدونكها فى النظم مضمومة الشمل
طواف قدوم مع زوال نجاسة
ونضحاً وترتيباً وفوراله اتل
وكفارة في صوم شهر صيامنا
كذاك القضاء في التطوع والنفل
وتسمية في الذبح قدتم وانتهى
فلله رب الحمد ذو المن والطول
وأزكى سلام طيب العرف عاطر
على أحمد المختار والصحب والأهل
قال مؤلفه عفاالله عنه وقد خرجنا في هذا المحل أيضا عن الاختصار المقصود إلى تطويل ينكره الودود والحسود لمسيس الحاجة لذلك لكل واصل وسالك فمن صعب عليه الخوض في تلك المسالك فليقتصر على ما قبل التنبيهات من الشرح هنالك قال الناظم رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنته
فَصْلٌ فَرائِضُ الْوُضُو سَبْعٌ وهِي
دَلْكُ وفَوْرٌ نِيَّةٌ فى بَدْئِهِ
ولْيَنْوِ رَفْعَ حَدَثٍ أَوْ مُفْتَرضْ
أَو اسْتِبَاحَةً لِمَمْنُوع عَرَضْ
وغَسْلُ وجْهٍ غَسْلُهُ الْيَدَيْنِ
ومَسْحُ رَاسٍ غَسْلُهُ الرِّجْلَيْنِ
والْفَرْضُ عمَّ مَجْمَعَ الأُذُنَيْنِ
والْمِرْفَقَيْنِ عَمّ والْكَعْبَيْنِ
خلِّلْ أَصَابِع الْيَديْنِ وشَعَرْ
وجْهٍ إِذَا ما تَحْتَهُ الْجِلْدُ ظَهَرْ
الوضوء مشتق من الوضاءة وهى النظافة وهو في الشرح تطهير أعضاء مخصوصة بالماء ويرتفع عنها الحدث لاستباحة العبادة الممنوعة وهو بفتح الواو اسم الماء وبضمها اسم للفعل وقيل هما بمعنى واحد قال ابن دقيق العيد وإذا قلنا إنه بالفتح اسم للماء هل هو اسم لمطلق الماء أوبقيد كونه متوضأ به أو معدا للوضوء به فيه نظر اهـ وهو في النظم بضم الواو لأن المراد الفعل وحذف همزته للوزن وسكن ياء وهى للوقف وذكر أن فرائضه سبع (أولهاالدلك) قال في التوضيح وفي الدلك ثلاثة أقوال المشهور الوجوب والثانى لابن عبد الحكم نفي وجوبه والثالث أنه واجب لالنفسه بل لتحقيق إيصال الماء لطول مكث أجزأه ورأى بعضهم أن هذا راجع إلى القول بسقوط الدلك اهـ ابن العربى وتجوز الوكالة على صب الماء على أعضاء الوضوء ولاتجوز على ركعها إلا إن كان المتوضأ مريضا لايقدر عليه وانظر إذا دلك إحدى رجليه بالأخرى ولم يمر عليها بيده فمذهب ابن القاسم أن ذلك يجزئه والمشهور أن الدلك واجب لنفسه ابن أبي زيد ولو تدلك المنغمس إثر انغماسه فى الماء أجزأه وارتضاه ابن يونس ابن بشير وهو الصحيح قال بعض شيوخ عبد الحق لو كانت بجمسه نجاسة لم يجزه لأنها لاتزول إلا بمقارنة الدلك للصب فتبقى لمعة (الفريضة الثانية الفور) ويعبر عنه بالموالاة ابن بشير الموالاة أن يفعل الوضوء كله فى فور واحد من غير تفريق ابن الحاجب والتفريق اليسير مغتفر يريد ولو عمدا والمشهور وجوبها مع الذكر والقدرة وقال ابن رشد المشهور أنها سنة وعليه فإن فرق الوضوء ناسياً فلاشأ عليه وعامدا أعاد أبدا لتهاونه قال ابن القاسم وقال ابن عبد الحكم لاإعادة عليه وعلى الفريضة إذا فرق الوضوء فثلاثة أقوال يبطل وضوؤه عمدا كان التفريق أونسيانا لايبطل كذلك، ثالثها للمدونة وهو المشهور يبطل إن كان عمدا أواختيارا لا إن كان نسيانا أوعجزا فإن فرقه ناسيا بنى بنية طال أولم يطل وعاجزاً بنى مالم يطل والمشهور أن الطول معتبر بجفاف الاعضاء المعتدلة فى الزمان المعتدل وسيأتى مسألة ترك الموالاة مع العجز للناظم إن شاء الله وقيل وهو محدود بالعرف فإن بنى مع التفريق ناسيا من غير تجديد نية لم يجزه ذلك كما لو نسي رجليه وظن أنه أكمل وضوءه فخاض نهرا ودلكهما بلا نية فلا يجزئه ذلك (فرع) إذا بنينا على أنها لاتجب مع النسيان فلو فرق وضوءه نسيانا أي فعل بعض
[أعضائه] وترك بعضها ناسياثم تذكر فهم بكامله فنسي فهو كمن أخر معتمدا بناء على أن النسيان الطارأ ليس كالأصل راجع التوضيح (فرع) فلو ذكر فلم يجد ماء فحكى في النكت عن غير واحد من شيوخه أن حكمه كحكم من عجز ماؤه أي فيبني مالم يطل (فرع) من ذكر لمعة ولم يجد ما يغسلها به فهل حكمه حكم من عجز ماء وضوئه أو لايبطل ولو طال مالم بفرط قولان لنقل عبد الحق عن شيخه الأبيانى. (الفريضة) الثالثة من فرائض الوضوء النية في ابتدائه) والكلام فيها اتباعا لما ذكر الناظم في ثلاث فصول الفصل الأول في حكمها الفصل الثاني في المنوي في الوضوء ماهو الفصل الثالث في محلها في الوضوء هل عند غسل الوجه أو عند غسل اليدين فأما حكمها فقال ابن الحاجب فرائضه ست: النية على الأصح التوضيح لقوله تعالى
{وماأمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} وقوله «إنما الأعمال بالنيات» ومقابل الأصح رواية عن مالك بعدم الوجوب حكاها المازري نصا عن مالك في الوضوء قال وتخرج في الغسل خليل وفي التخريج نظر لأن التعبد في الغسل أقوى ولم يحفظ صاحب المقدمات في وجوب النية في الوضوء خلافا بل حكى الاتفاق عليها اهـ وعلى وجوب النية درج الناظم فى عدها مع الفرائض (فائدة) في بيان حكمة وجوب النية فيما تجب فيه وفي ضابط ماتجب فيه النية مما لا تجب فيه من الأفعال وفى بيان معنى التعبد المفتقر للنية ومعقول المعنى الذي لايفتقر إليها فأما حكمتها فقال في التوضيح وحكمة إيجاب النية تمييز العبادات عن العادات ليتميز مالله عما ليس له أو تمييز مراتب العبادات في أنفسها لتتميز مكافأة العبد على فعله ويظهر قدر تعظيمه لربه فمثال الأول يكون الغسل يكون عبادة وتبردا وحضور المساجد يكون للصلاة ويكون للفرجة والسجود لله وللصنم ومثال الثاني الصلاة لانقسامها إلى فرض ونفل والفرض إلى فرض على الأعيان وفرض على الكفاية وفرض منذور وغير منذور ومحل النية القلب وقيل في الدماغ اهـ وبعضه بالمعنى وأما ضابط ماتجب فيه من الأفعال فهو ماكان متعبداً به ولم يطلع على حكمته أو مافيه شائبة التعبد والمعقولية على خلاف في هذا الثاني قال ابن الحاجب والاجماع على
وجوب النية في محض العبادة وعلى نفي الوجوب فيما تمحض لغيرها كالديون والودائع والغصوب واختلف فيما فيه شائبتان كالطهارة والزكاة التوضيح: حاصله أن الفعل ثلاثة أقسام قسم تمحض للعبادة كالصلاة والإجماع على وجوب النية فيه الثاني مقابلة كإعطاء الديون ورد الودائع والغصوب فالاجماع أنه لاتجب النية أي نية التقرب فإن نواها أثيب كأن ينوي براءة ذمته أو امتثال أمر الله أو ادخال السرور على صاحب الدين وهذا كما قالواإن إن الامام لاتجب عليه نية الامامة لكن الأفضل ينويها ليحصل له فضلها الثالث: مااشتمل على الوجهين
كالزكاة والطهارة لأن الزكاة معناها معقول وهو رفق الفقراء وبقية الأصناف ولكن كونها إنما تجب في قدر مخصوص لايعقل معناه وكذلك الطهارة عقل معناها وهي النطافة لكن كونها في أعضاء مخصوصة على وجه مخصوص لا يعقل معناه واختلف في وجوب النية فيه اهـ باختصار بعضه وأما بيان معنى التعبد والمعقولية فقال في التوضيح أيضاً (فائدة) كثيراً مايذكر العلماء التعبد ومعنى ذلك الحكم الذى لاتظهر له حكمة بالنسبة إلينا مع أنا نجزم أنه لابد له من حكمة وذلك لأنا استقرينا عادة الله تعالى فوجدناه جالبا للمصالح دارئا للمفاسد ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنه إذا سمعت نداء الله فهو إما أن يدعوك لخير أو يصرفك عن شر فإيجاب الزكاة والنفقات لسد الخلات وأرش الجنايات لجبر المتلفات وتحريم القتل والزنا والسكر والسرقة والقذف صونا للنفوس والأنساب والعقول والأموال والأعراض عن المفسدات ويقرب لك ما أشرنا اليه مثال في الخارج إذا رأينا ملكا عادته أنه يكرم العلماء ويهين الجهال ثم أكرم شخصا غلب على ظننا أنه عالم والله تعالى إذا شرع حكما علمنا أنه شرعه لحكمة ثم إن ظهرت لنا فنقول هو معقول المعنى وإن لم تظهر فنقول هو تعبد اهـ (الفصل الثاني في محل النية) والمشهور أنها عند غسل الوجه وقيل عند غسل اليدين أولا وجمع بعضهم بين القولين فقال يبدأ بالنية أول الفعل ويصحبها إلى أول والمفروض قال الشيخ خليل والظاهر هو القول الثاني لأنا إذ قلنا إنه ينوي عند غسل الوجه يلزم منه أن يعري غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق عن نية فإن قالوا ينوي له نية مفردة فيلزم منه أن يكون للوضوء نيتان ولاقائل بذلك اهـ وقال ابن رشد وقول الناظم في بدئه يحتمل أن يكون أراد البدء الحقيقي وذلك عند غسل اليدين أولا فيكون على مقابل المشهور الذي استظهره الشيخ خليل ويحتمل أن يكون أراد في بدء ماهو الوضوء اتفاقا وهو غسل الوجه ليوافق المشهور.
(فرع) نسيان النية في الوضوء مغتفر للمشقة قال الشيخ زروق في شرح القرطبية (فرع) إذا تقدمت النية عن محلها واستصحبت إلى أن شرع في الوضوء فلا إشكال وإن لم تستصحب فإن تقدمت بكثير لم تجز بلا خلاف وإن تقدمت بيسير فقولان قال ابن عبد السلام الأشهر عدم التأثير ومقتضى الدليل خلافه وقال المازري الأصح فى النظر عدم الإجزاء ابن بزيزة وهو المشهور وأما إن تأخرت عن محلها فلا تجزىء لعرو المفعول عنها وإذا تقرر هذا فمن هذا المعنى من خرج من بيته إلى الحمام ليغتسل فهل تجزئه تلك النية أم لا قال الشيخ أبو الحسن الصغير هذه المسألة على ثلاثة أوجه إذا خرج إلى الحمام للغسل فاغتسل ولم يتحمم أجزأه الغسل اتفاقا قلت وكذا إن تحمم بعد ما اغتسل والله أعلم قال وإن خرج للغسل فبداله يتحمم فيه ثم اغتسل لم تجزه اتفاقا إلا أن يجد النية وإذا خرج ليتحمم ثم ليغتسل ففعل أجزأه الغسل عند ابن القاسم ولم يجزه عند سحنون إلا أن يجدد النية عند الغسل ولبعضهمفي ذلك وأظن أنى رأيته منسوبا لسيدي أبي محمدعبد الواحد الونشريسى رحمه الله
من استقبل الحمام للغسل فاغتسل
ولم يتمم غسله مابه خلل
فإن يتحمم قيل لم يجز غسله
إذا لم يجدد نية حين يغتسل
وإن يقصد التحميم والغسل بعده
أجاز له ابن القاسم الغسل إن فعل
وماعند سحنون يجوز اغتساله
وإذ لم يجدد نية الطهر قد بطل
والأصل أن تستصحب النية مع المنوي الخ فإن لم تستصحب وانقطعت وذهل عنها بعد وقتها فذلك مغتفر للمشقة وكذلك لا يؤثر رفض النية على المشهور ويأتى في الصلاة إن شاء الله الكلام على رفض الوضوء أوغيره أو ما يرتفض وما لا يرتفض (فرع) قال ابن الحاجب ولو فرق النية على الأعضاء فقولان بناء على رفع الحدث عن كل عضو أو بالإكمال التوضيح أي خص كل عضو بنية مع قطع النظر عما بعده (الفصل الثالث في المنوي بها) وهو هنا أحد ثلاثة أشياء كما أشار إليه الناظم بقوله ولينو رفع حدث البيت أولها رفع الحدث أي عن الأعضاء وهو المنع المرتب عليها. الثاني الفرض أي ينوى أداء الوضوء الذي هو فرض عليه فيخرج عنه الوضوء للتجديد ويدخل فيه الوضوء للنوافل لأنه فرض إذ الفرض قسمان ما يأثم الانسان على تركه
ولا إشكال وما يتوقف عليه غيره كالوضوء للنافلة قاله الحطاب وكذا الوضوء للفريضة قبل دخول الوقت فإنه فرض بمعنى توقف الصلاة عليه قاله شيخ شيوخنا سيدى أبو عبدالله محمدالقصار * الثالث استباحة ما كان الحدث مانعا منه مما يتوقف على الوضوء كالصلاة ومس المصحف ونحوهما فقوله أو مفترض معطوف على رفع على حذف مضاف أي أداء مفترض ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة وكذا قوله أواستباحة وجملة عرض صفة في اللفظ الممنوع والمعنى عرض منعه ولابد في هذا الفصل من ذكر فروع الأول قال ابن الحاجب وإن نوى حدثا مخصوصا ناسيا غيره أجزأه التوضيح أي إذا أحدث أحداثا فنوى حدثا منها ناسيا غيره أجزأه لتساويها في الحكم ويأتي ما إذا أخرج غيره وأما لو كان ذكرا للغير ولم يخرجه فظاهر النصوص الاجزاء وسواء كان الحدث الأول أم لا وفرق بين المخالفين لنا في المذهب بين أن ينوي الحدث الأول فيجزئه وبين أن ينوي غيره فلا يجزئه إذ المؤثر في نقض الطهارة إنما هو الأول ولو نوى حدثا غير الذي صدر منه غلطا فنص بعض المخالفين على الاجزاء وهو أيضا صحيح على المذهب قاله ابن عبد السلام. الثاني إن خص
حدثا مخرجا غيره فسدت طهارته للتناقض كما إذا تغوط وبال ونوى رفع أحدهما دون الآخر وكذا لو أخرج أحد الثلاثة التى تنوى كما إذا نوى رفع الحدث وقال لا أستبيح أو نوى الاستباحة وقال لا أرفع الحدث أو نوى الفرض وقال لا أستبيح أو لاأرفع الحدث وقال لم تصح طهارته للتضاد. الثالث إذا أخرج بعض المستباح كأن ينوي أن يصلي به الظهر ولا يصلي به العصر أومس المصحف دون الصلاة فثلاثة أقوال قيل يستباح مانواه ومالم ينوه لقصد رفع الحدث قال الباجى وهو المشهور وقيل لايستبيح شيئا لأنه لما خرج بعض المستباح فكأنه قصد رفض الوضوء وقيل يستبيح مانواه دون مالم ينوه لخبر (وإنما لكل امرىء مانوى). الرابع قال المازري في صحة الوضوء لرفع الحدث والتبرد قولان ابن القاسم يجزأ للتعليم ورفع الحدث. الخامس من نوى مالا يصح إلا بطهارة كالصلاة ومس المصحف والطواف فيجوز أن يفعل بذلك الطهر مانواه وغيره ومن نوى شيئا لايشترط فيه الطهارة كالنوم وقراءة القرآن ظاهرا أو تعليم العلم فلا يجوز أن يفعل بذلك الوضوء غير المنوي على
المشهور قيل يستبيح الجميع لأنه نوى أن يكون على أكمل الحالات فنيته مستلزمة لرفع الحدث عنه. السادس إذا قصد الطهارة المطلقة لأن ذلك لايرفع الحدث لأن الطهارة قسمان طهارة حدث وطهارة نجس فإذا قصد قصدا مطلقا وأمكن انصرافه للنجس لم يرتفع حدثه قاله المازري. السابع لايلزم في الوضوء والغسل أن يتعين بنيته الفعل المستباح ويحتاج لذلك في التيمم قيل وجوبا وقيل استحبابا وهو المشهور فانظر الفرق. الثامن من تيقن الطهارة وشك في الحدث وقلنا لايجب عليه الوضوء فتوضأ ومن توضأ مجدداً فتبين حدثهما فالمشهور عدم الإجزاء لكونهما لم يقصدا رفع الحدث وإنما قصدا الفضيلة وقيل يجزئهما لأن نيتهما أن يكون على أكمل الحالات وذلك يستلزم رفع الحدث. التاسع من اغتسل وقال إن كانت علي جنابة فهذا الغسل لها ثم تبين أنه كان جنبا فروى عيسى عن ابن القاسم لايجزئه وقال عيسى يجزئه. العاشر من ترك لمعة فانغسلت ثانيا بنية الفضيلة فقولان والمشهور عدم الاجزاء وهى إحدى النظائر التي اختلف هل يجري فيها ما ليس بواجب عن الواجب ومنها من جدد فتبين حدثه كما تقدم ومنها من اغتسل للجمعة ناسيا للجنابة ومنها من سلم من ركعتين ساهيا ثم قام إلى نافلة أي فهل تجزئه ركعتا النافلة عن ركعتي فرضه ومنها من لم يسلم ولكن ظن أنه قد سلم يريد ثم قام لنافلة كالتى قبلها ومنها ماإذا بطلت ركعة ثم قام إلى خامسة ساهيا ومنها من نسي سجدة ثم سجد سجدا سهوا وسجد للسهو التوضيح: والمشهور فى هذه عدم الإجزاء ومنها من طاف للوداع ناسيا للافاضة ومنها من ساق هدي تطوع ثم تمتع ومنها من قام إلى ثالثة من غير أن يسلم أو يظن السلام يريد من قام من ثانية فرض لثالثة بنسة النفل أيضا أما إن سلم أو ظن أنه سلم فهي المسألة الرابعة والخامسة من هذه النظائر وإلى هذه الثلاثة أشار صاحب المختصر بقوله كلام وظنه إلى قوله كأن لم يظنه التوضيح: والمشهور في مسألة الطواف واللتين بعدها الإجزاء ومنها ماوقع لعبد الملك فيمن نسى جمرة العقبة ثم رماها ساهيا فإنه يجزئه وقد نظم هذه النظائر الفقيه أبو العباس أحمد بن عبد الله الزواوى فقال
مسائل يجزي نفلها عن فريضة
شذوذا فلا تتبع سوى قول شهرة
مجدد طهر ساهيا وهو محدث
ولمعة عضو طهرت بفضيلة
وآت بغسل ساهيا عن جنابة
نوى جمعة واحكم لتارك سجدة
من الفرض يأتي السجود لسهوه
ومبطلها يأتي بخامس ركعة
ومن لم يسلم ظن فيها سلامة
وآت بنفل قبل ختم فريضة
ومن لم يسلم أو يظن سلامة
لثالثة قد قام فافهم يصورة
ويجزأ في المشهور من طاف عندهم
طواف وداع ذاهلا عن إفاضة
وذو متعة قد ساق هدي تطوع
فيجزيه قد قالوا لواجب متعة
وقد قاله ابن الماجشون إذا رمى
جمارا بسهو لايعيد لجمرة
الحادى عشر لايصح وضوء الكافر ولاغسله لتعذر النية في حقه بخلاف الذمية فتجبر على الغسل من الحيض لحق زوجها المسلم إذ لا يجوز وطء الحائض إلا بعد الغسل على المشهور التوضيح: فإن قيل ما فائدة جبرها على الغسل وهو لايصح إلا بالنية وهى لاتصح منها قيل إنما تشترط النية في صحة الغسل إذا كان للصلاة وأما للوطء في حق الزوج فلا لأن الزوج معتمدا بالغسل فيها وما كان كذلك من العبادات التى يفعلها المتعبد في غيره لم يفتقر إلى نية كغسل الميت وغسل الإناء من ولوغ الكلب ولا يجبر المسلم زوجته الكافرة على الغسل من الجنابة لأن وطء الجنب جائز (الفريضة الرابعة غسل الوجه) ابن الحاجب والوجه من منبت الشعر المعتاد إلى منتهى الذقن فيدخل موضع الغمم ولايدخل موضع الصلع ومن الأذن إلى الأذن وقيل من العذار إلى العذار وقيل بالأول في نقي الخد والثانى في ذى الشعر وانفرد عبد الوهاب بأن مابينهما سنة اهـ التوضيح والذقن مجتمع اللحيين وبسبب قولنا الشعر المعتاد يغسل الأغم ما على جبهته من الشعر ولا يغسل الأصلع ما انحسر عنه الشعر من الرأس اهـ فأشار بقوله والوجه من منبت الخ إلى حد الوجه طولا وبقوله ومن الأذن إلى الأذن إلى حده عرضا وإلى حده عرضا أشار الناظم بقوله (والفرض عم) مجمع الأذنين والله أعلم واعتمد الناظم هذا الحد دون غيره كما حكى ابن الحاجب بعده لكونه هو المشهور ابن الحاجب ويجب تخليل حفيف الشعر دون كثيفه في اللحية وغيرها حتى الهدب وقيل وكثيفه ويجب غسل ما طال من اللحية
على الأظهر التوضيح الخفيف ما تظهر البشرة من تحته والكثيف ما لا تظهر قاله في التلقين والتخليل إيصال الماء إلى البشرة وإنما لم يجب تخليل كثيف الشعر في الوضوء على المشهور لأن المأمور به غسل الوجه: والوجه ما يوجه ماخوذ من المواجهة وأما في الغسل فالمطلوب المبالغة لقوله تعالى {فاطهروا} ولقوله «تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة» فيجب تخليله خفيفا كان أو كثيفا وإلى وجوب تخليل الشعر أشار الناظم بقوله (وجه إذا من تحته الجلد ظهر) وأفهم منه أنه لايجب تخليل كثيفه وهو مالا يظهر الجلد من تحته وهو كذلك في الوضوء كما تقدم ابن عرفة ويجب غسل ما تحت مارنه وأسارير جبهته وظاهر شفتيه ابن يونس ليس عليه غسل ما غار من جرح برىء على استغوار كثير أو كان خلقاً خلق به (تنبيه) قال الشيخ زورق في شرحه للرسالة: للعامة في الوضوء أمور منها صب الماء من دون الجبهة وهو مبطل ونفض اليدين قبل إيصال الماء إلى الوجه وهو كذلك ولطم الوجه بالماء لطما وهو جهل لايضر وقال قبل هذا ولا يكب وجهه في يديه كبا ولا يرشه رشا لأن ذلك كله جهل اهـ الفريضة الخامسة غسل اليدين مع المرفقين على المشهور وعلى دخول المرفقين في الغسل نية الناظم بقوله والمرفقين عم وقيل لايجب غسل نفس المرفقين والخلاف في ذلك مبني على دخول المغيا في الغاية وعدم دخوله من قوله تعالى {وأيديكم إلى المرافق} وللامة في المسئلة كلام طويل انظر القلشانى أو غيره إن شئت فإن قطع من اليد دون المرفق غسل باقيه فإن قطع من المرفق سقط ومن المدونة لايغسل أقطع المرفقين موضع القطع إذ قد أتى عليهما القطع بخلاف أقطع الرجلين فيغسل موضع القطع وبقية الكعبين لأن القطع نحتهما إلا إن عرف أنه بقي من المرفق شيء فإنه يغسل وفي السليمانية لو نبت كف في عضد دون ذراع غسلت فقط ومن لا رجل له ولا يد ولا ذكر وفضلته تخرج من سرته فهى كدبره وفرض اليد والرجل ساقط ونسمه من سرتها لأسفل خلق امرأة ومن فوق خلق ثنتين تغسل أيديها الأربع وتمسح رأسيها ويصح وطؤها بنكاح وتعقبه عياض بأنهما أختان قال ابن عرفة يرد بمنعه لاتحاد الوطء وذكر القاضي أبو الفضل عياض في مداركه لما عرف بالشافعى
قال بينما أنا أدور في طلب الحديث باليمن قيل لي هنا امرأة من وسطها إلى أسفل بدن وإلى فوق بدنان مفترقان بأربع أيد ورأسين فأحببت رؤيتها ولم أستحل فخطبتها ودخلت بها فوجدتها كما وصف فلعهدي بالبدنين يتلاطمان ويتقاتلان ويصطلحان ويأكلان ويشربان ثم نزلت عنهاوغبت ورجعت بعد مدة فسألت عنها فقيل مات الجسد الواحد وربط أسفله بحبل وثيق وترك حتى ذبل ثم قطع ودفن فرأيت الشخص الآخر بعد ذلك يذهب في الطريق ويجيء قال عياض في مثل هذا نظر وهما أختان. (فروع) الأول قال في الطراز إن وجد الأقطع من يوضئة ولو بأجره لزمه كشراء الماء وإن لم يجد فوجوب مسه الماء أظهر من سقوطه لمسه الأرض بوجه (الثاني) ماطال من الأظفار فيه خلاف جار على الخلاف فيما طال من اللحية (الثالث) في وجوب تخليل أصابع اليدينة ابن رشد هو المشهور وفي استحابه قولان فإن قلت علام يحمل الأمر في قول الناظم (خلل أصابع اليدين) هل على الوجوب أو الندب قلت يحمل على الوجوب لوجوه أحدها أن الأصل فى صيغة الأمر إذا أطلقت الوجوب الثاني موافقة المشهور من وجوب التخليل الثالث تخصيص أصابع اليدين بالتخليل ولو أراد الاستحباب ماخصصها إذ تخليل أصابع الرجلين مستحب فى الوضوء قلت وقد كنت قيدت عن شيخنا الامام العالم المحقق أبي الحسن علي بن عمير البطوتي رحمه الله عن شيخه الفقيه الأجل قاضى الجماعة بفاس سيدى عبد الواحد الحميدى عن شيخه الإمام العالم سيدى محمد البستنى أن هذا الخلاف إنما هو فيما عدا ما بين السبابة والإبهام لشبهه بالباطن أما ما بينهما فلا خلاف في وجوب تخليله لأنه من جملة ظاهر اليد الواجب غسله اتفاقا قلت شيخنا هذا كان إماما عالما محققا متقنا زاهدا ورعا مولعا بالخلوة للذكر والمطالعة والتقييد تاركا للأسباب ملازما لبيته منعزلا عن الناس نسخ بخطه كتبا عديدة أدرك جماعة من بقية العلماء وقرأ عليهم كالامام العالم الشيخ المسن ملحق الأحفاد بالأجداد سيدى يعقوب البدرى والامام العالم الولي الصالح المحدث المتصوف سيدى أبى النعيم رضوان نفعنا الله به والامام الأستاذ النحوي سيد أبى العباس أحمد القدومى والامام النحوى المحقق سيدى أبى عبد الله محمد الزياتى والامام العالم النحوى صاحب التأليف المفيد سيدى أبى الفضل قاسم بن أبي العافية الشهير بابن القاضى وإمام العصر في علم الكلام وغيره سيدى أبى العباس أحمد المنجور قيد عنه فوائد على العقيدة
الكبرى للامام السنوسى وامامي عصرهما في الفقه مفتي فاس وقاضيها سيدى أبى زكريا يحيى السراج وسيدى أبي محمد عبد الواحد الحميد والامام العالم الولي الصالح المشهور سيدى يوسف بن محمد الفاسى نفعنا الله به والامام العالم الصالح سيدى الحسن الدراوي والامام العالم المحقق قاضى الجماعة سيدى أبي الحسن على بن عمران والإمام المحقق المتفنن مفتي فاس وخطيبها سيدى أبي عبد الله محمد القصار وغيرهم وكان رحمه الله حسن النية ذا خلق حسن وحلم وحياء ينتفع بالقراءة عليه في الأيام اليسيرة ما لاينتفع بالقراءة على غيره في أضعاف ذلك مع سهولة تعبيره وعدم تكلفه توفي رحمه الله ليلة الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الثانى سنة تسع وثلاثين وألف وإلى وفاته أشرت بلفظ «كشيط» مع التنبيه على بعض أحواله مع قولنا في جملة أبيات في هذا المعنى أبو الحسن البطوي مازال متقنا لعلم وإلقاء «كشيط» بمعزل وفي لفظ «كشيط» زيادة على الزمن المذكور الإشارة إلى تجرده من الأسباب وذلك يستلزم غالبا انعزاله عن الناس كما هو مصرح به آخر البيت كشيط خبر ثانى عن أبى الحسن وفيه تقديم الخبر جملة عليه مفرداً الرابع من توضأ وفي يده خاتم فهل يحيله أي يحركه وهو لابن شعبان أولا وهو الذي رواه ابن قاسم عن مالك وهو المشهور ثالثها يحيله إن كان ضيقاً لاإن كان واسعاً لابن حبيب ورابعها ينزع ولاتكفي إجالته حكاه ابن بشير عن ابن عبد الحكم وأما غير الخاتم مما يحول بين الماء والعضو يداً كان أو وجها أو غيرهما فلا بد من نزعه فإن لم ينزع فموضعه لمعة فيندرج فيه ما يجعله الرماة وغيرهما من أصابعهم من عظام ونحوها وما يزين النساء وجوهنَّ وأصابعهن من النقط التي لها تجسد وما يضفرن به شعورهن من الخيوط وما يكون في شعر الرأس من حناء أو حلتيت أو غيرهما مما له تجسد وما يلصق بالظفر أو الذراع أو غيرهما من عجين أو زفت أو شمع أو نحوهما فإن كان العجين ونحوه يسيرا فقولان استظهر ابن رشد تخفيف ذلك لكن محل القولين بعد الوقوع والنزول وأما ابتداء من إزالته والنشادر لمعة لمشاهدته يتقشر ونجاسته تجري على الخلاف في النجاسة إذا انقلب أعراضها فإن نفضت الحناء من الرأس ولم تغسل فحكى بعض الشيوخ في جواز المسح خلافا ثم مال إلى الجواز قائلا إن إضافة الماء بمد وصوله إلى العضو لاتضره قال وما زال يدهنون ويتمندلون بأقدامهم ومعلوم أن الماء ينضاف بملاقاته للعضو مما عليه قال الشيخ زروق وكان شيخنا أبو عبد السلام القوري رحمه الله يقول إنى لأفتي النساء بالمسح على الحناء لأنا إن منعناهن منه تركن الصلاة رأسا وإذا دار الأمر بين ترك الصلاة وبين فعلها على خلاف
فارتكاب الخلاف أولى (الفريضة السادسة مسح الرأس) ابن الحاجب الرابعة مسح جميع الرأس للرجل والمرأة ومااسترخى من شعرهما ولاتنقض عقصها ولاتمسح على حناء ولاغيره ومبدؤه من مبدأ الوجه وآخره ماتجوزه الجمجمه وقيل آخره منبت القفاء المعتاد فإن مسح بعضها لم بحزه على المنصوص ابن مسلمة يحرى الثلثان وقال أبو الفرح الثلث وقال أشهب الناصية وروي عن أشهب أيضاً الاطلاق فقال إن لم يعم رأسه أجزأ ولم يقدر مالا يضره وتركه التوضيح اللخمي وابن عبد السلام لاخلاف أنه مأمور بالجميع ابتداء وإنما الخلاف إذا اقتصر على بعضه ابن عبد السلام وكان بعض أشياخي يحكي عن بعض شيوخ الاندلسيين أن الخلاف ابتداء في المذهب ولم أره اهـ وعقص الشعر ضفره وليه وإنما لم يجب عليها حل عقاصها للمشقة التى تلحقها في ذلك التوضيح: للعقصة التى يجوز المسح عليها ما يكون بخيط يسير وأما لو كثر لم يجز المسح لأن الخيط حينئذ حائل الباجى وكذا لو كثرت شعرها بصوف أوشعر لم يجز أن تمسح لأنه مانع من الاستيعاب ابن يونس وكذلك الرجل إذا فتل شعر رأسه يجوز له أن يمسح عليه كالمرأة وحكى البلنسى في شرح الرسالة أن الرجل لايجوز له أن يفتل شعر رأسه ابن أبى زيد وتدخل يديها من تحت عقاص شعرها في رجوع يديها في المسح ثم قال (تنبيه) ذكر في النوادر أن شعر الصدغين من الرأس يدخل في المسح قال الباجى يريد مافوق العظم (فرع) من غسل في الوضوء بدلا من مسحه فهل يجزئه وهو المشهور لأن الغسل مسح وزياة أولا يجزئه لأن حقيقة الغسل مغايرة لحقيقة المسح فلا يجزىء أحدهما عن الآخر ثالث الأقوال يجزىء على كراهة وجهه مراعاة الخلاف قاله في التوضيح (الفريضة السابعة) غسل الرجلين مع الكعبين على المشهور ونبه على دخول الكعبين بقوله والمرفقين عم والكعبين وقيل الغسل دون الكعبين فلا يدخلان فى الغسل التوضيح: الخلاف فى دخول الكعبين كالخلاف فى المرفقين والمشهور عندنا وعند أهل
اللغة أن الكعبين هما الناتئان في طرف الساقين وقيل عنده معقد الشراك وأنكره الاصمعى اهـ وعبارة القاضى عياض الكعبان هما العظمان الناتئان في جانبى طرف الساق هذا هو المشهور والأصح لغة ومعنى قيل يشهد لهذا حديث «أقيموا صفوفكم» فقال الراوي فلقد رأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه (فرع) فى وجوب تخليل أصابع الرجلين في الوضوء وندبه قولان والمشهور الاستحباب وروي عن مالك إنكار تخليلها التوضيح: وإنما أتى في أصابع الرجلين قول بالانكار ولم يأت فى اليدين لالتصاق أصابع الرجلين فأشبه ما بينهما الباطن اهـ قال بعضهم هذا قصور فإن فى تخليل أصابع اليدين قولا بالإنكار أيضا نقله ابن عرفة وغيره قال لكن الفرق المذكور يصح أن يفرق به المشهور حيث كان في اليدين الوجوب وفى الرجلين الاستحباب وهذا فى الوضوء وأما في الغسل فتخليلها واجب ونقل القرافى يبدأ بتخليل خنصر اليمنى ثم ما يليه وبإبهام اليسرى ثم ما يليه للابتداء بالميامن (فرع) قال الشيخ خليل ولايعيد من قلم ظفره أو حلق رأسه وفى لحيته قولان قال في المدونة من كان على وضوء فقلم أظفاره أو حلق رأسه لم يعد مسحه ابن يونس إذ ليس الشعر مثل الخفين لأن الشعر من أصل الخلقة
سُنَنُهُ السَّبْعُ ابْتدَاء غَسلُ الْيَدَيْنِ
وَرَدُّ مَسْحِ الرّاسِ مَسْحُ الأُذُنَيْنِ
مَضْمَضةُ اُسْتِنْشَاقٌ اُستِنْثَارُ
تَرْتيب فَرْضُهُ وَذَا الْمُخْتارُ
لما فرغ من الفرائض شرع فى السنن فأخبر أن سنن الوضوء سبع (الأولى) الابتداء بغسل اليدين ثلاثا قبل دخولهما في الإناء وهو المشهور وقيل إنه مستحب وفى كونه متعبدا به لم يطلع على حكمته وهو قول ابن القاسم أو معقول المعنى وهو النظافة وهو لأشهب قولان التوضيح وعلى التعبد يغسلهما من أحدث فى أثناء وضوئه ومن كان نظيف الجسد ويحتاج إلى نية ويغسلهما مفترقتين وعلى النظافة خلافه في الجميع اهـ والأصل في غسل اليدين قوله «إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا فإن أحدكم لايدري أين باتت يده» فتعين الثلاث يدل للتعبد والتعليل لكونه لايدرى أين باتت يده للنظافة وليس الأمر في
الحديث للوجوب بدليل أن النبى قال للذي سأله عن الوضوء «توضأ كما أمرك الله» فأحاله على آية {إذا قمتم ألى الصلاة إلى آخرها} وليس فيها غسل اليدين ولا المضمضة ولا الاستنشاق والمقام مقام تعليم فلو كان غير المذكور في الآية فرضا لبينه عليه السلام إذلايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فقول الناظم (ابتدا غسل اليدين) ابتداء وحذف همزته للوزن خبر سننه وغسل بالخفض باضافة ابتدأ إليه كذا ضبطه الناظم بخطه ويحتمل أن يكون غسل هو الخبر وابتدأ مقصور منون منصوب على إسقاط الخافض أى سننه غسل اليدين في ابتدائه وهذا الإعراب أولى لما يوهمه لفظه على الإعراب الأول أن السنة ابتداء غسل اليدين دون كماله أن السنة قراءة شأ مع الفاتحة لاكمال السورة وليس ذلك هو المراد بل المراد أن غسل اليدين في ابتداء الوضوء سنة ومعنى فى ابتدائه أي قبل دخولهما في الاناء حتى لو أحدث فى أثناء وضوئه فقال ابن القاسم لايدخلهما فى الإناء حتى يفرغ عليهما الماء أبو عمر من أدخل يده في الإناء قبل غسلها لم يضر ذلك وضوؤه فإن كان في يده نجاسة رجع كل واحد من الفقهاء إلى أصله فإن توضأ من مطهرة ونحوها مما لايمكنه أن يصب منه على يده جاز أن يدخل يده قبل غسلها (السنة الثانية) رد مسح الرأس ابن عرفة من سنن الوضوء رد اليدين من منتهى المسح لمبدئه (السنة الثانية) مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما فيمسح ظاهرهما بابهاميه وباطنهما بأصبعيه السبباتين يجعلهما في صماخيه ابن حبيب ولايتبع عضو بهما أي كما في الخفين اللخمى مسح الصماخين سنة اتفاقاً ابن يونس مسح داخل الأذنين سنة ومسح ظاهرهما قيل فرض والظاهر من قول مالك أنه سنة ابن الحاجب وظاهرهما مما يلي الرأس وقيل ما يواجهه (السنة الرابعة) المضمضة وهي إدخال الماء في الفم وخضخضته من شدق إلى شدق ومجه (السنة الخامسة والسادسة) الاستنشاق والاستنثار وهو أن يجذب الماء بأنفه وينثره بنفسه وأصبعيه ويبالغ غير الصائم وأنكر مالك ترك وضع يده على أنفه عند ابن رشد لأن وضع يده يمنع ما يخرج من أنفه من الماء الذى استنشقه من أن يسيل على فيه أو لحيته
عياض الاستنشاق والاستنثار عندنا سنتان وعدهما بعض شيوخنا سنة واحدة ابن عرفة وهو ظاهر الرسالة والمدونة ويدل للمشهور قوله عليه الصلاة والسلام «إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر» فقد أمر عليه الصلاة والسلام بجعل الماء في الأنف وهو الاستنشاق ثم أمر أيضا بنثره وهو الاستنثار وقول الناظم (مضمضة استنشاق استنثار) مرفوعات بالعطف على خبرسننه وهو ابتداء أو غسل على الإعرابين بحذف العاطف من الثلاثة والتنوين من الأول للوزن (السنة السابعة) ترتيب الفرائض فيما بينها فيقدم الوجه على اليدين واليدين على الرأس والرأس على الرجلين على القول المختار وعبر عنه ابن الحاجب بالأشهر وقيل بوجوب الترتيب فى الفرائض رواه علي عن مالك ثالث الأقوال يجب مع الذكر ويسقط مع النسيان لما تقدم فى النظائر وعلى المشهور من السنية لو نكس متعمداً فقولان قال ابن شاس أحدهما أن يعيد قريبا كان أو بعيداً الثانى أنه كالناسى فلا يعيد وهما على الخلاف في تارك السنن متعمداً هل تجب عليه إعادة الصلاة أم لا اهـ وقوله كالناسى فلا يعيد هو أحد الأقوال فيمن نكس معتمداً وتباعد وجف وضوؤه انظر التوضيح وقال ابن يونس من غير واحد إن نكس عامداً أعاد الوضوء والصلاة أبداً لأنه عابث اهـ وأما لونكس ناسياً فقال ابن الحاجب بحضرة الماء فإن بعد فقال ابن القاسم يعيد المنكس خاصة وقيل يعيده وما بعده التوضيح قوله أعاد بحضرة الماء يحتمل إعادة الوضوء كله وهو ظاهر قول ابن شاس إن كان بحضرة الماء فإنه يبتدأ ليسارة الأمر عليه ويحتمل إعادة المنكس وما بعده وهو الذي نص عليه ابن رشد وابن البشير اهـ وعليه فلو بدأ بيديه ثم بوجهه ثم برأسه ثم برجليه فإن كان بحضرة الماء فيغسل يديه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه وإن بعد فقال ابن القاسم يؤخر ما قدم من غسل ذراعيه ولا يعيد ما بعده وقال ابن حبيب يغسل يديه وما بعدهما كما لو كان بحضرة الماء ولو بدأ بوجهه ثم برأسه ثم بذراعيه ثم برجليه فإن كان بحضرة الماء فليمسح رأسه ثم يغسل رجليه وإن بعد فقال ابن القاسم يعيد رأسه فقط وقال ابن حبيب رأسه ورجليه ولو بدأ بوجهه ثم برأسه ثم برجليه ثم بذراعيه فإن كان بحضرة الماء مسح رأسه لأنه لم يقع بعد يديه وبعد غسل رجليه لهذه العلة وإن بعد فكذلك أيضاً ويتفق هنا ابن القاسم وغيره والضابط فى ذلك أنه يبني على العضو الذى يصح الترتيب دون إعادته وأما على القول بوجوب الترتيب فيبتدأ الوضوء وإذا نكسه قال
في الجواهر وكذلك روي عن مالك راجع التوضيح
وأَحَدَ عَشَرَ الْفَضائِلُ أَتَتْ
تَسْمِيَةٌ وبُقْعَةٌ قَدْ طُهِّرَتْ
تَقْلِيلُ مَاءِ وتَيامُنُ الإنا
والشّفْعُ والتّثْلِيثُ فىِ مَغْسُولِنَا
بَدْءُ الْمَيامِنِ سِواكٌ وَنُدِبْ
ترْتِيبُ مَسْنُونِهِ أَوْمَعْ ما يَجِب
وبَدْءُ مَسْحِ الرَّاسِ مِنْ مُقَدِّمِهْ
تَخْلِيلُهُ أصَابِعاً بِقَدَمِهِ
أخبر أن فضائل الوضوء أي مستحباته أحد عشر ولما صار لفظ عشر مع ما قبله بسبب التركيب كالكلمة الواحدة جاز تسكين أوله تخفيفا كما فعل الناظم. الفضيلة الأولى: التسمية على المشهور وروي فيها الإباحة والإنكار ومعنى الإباحة هنا على هذه الرواية اقتران هذا الذكر بأول هذه العبادة الحاصلة مباح لاحصول الذكر من حيث هو الذكر فإنه راجع للفعل وصيغة رواية الإنكار أهو يذبح ما علمت أحد يفعل ذلك وانظر الفرق التاسع عشر من فروق القرافى بين قاعدة ما يبسمل فيه وقاعدة مالاتشرع فيه البسملة وقد عد الشيخ خليل مواضع تشرع فيها البسمة فقال بعد أن ذكر استحبابها فى الوضوء وتشرع فى غسل وتيمم وأكل وشراب وذكاة وركوب دابة وسفينة ودخول وضده لمنزل ومسجد ولبس وغلق باب وإطفاء مصباح ووطء وصعود خطيب منبرا وتغميض ميت ولحده. الثانية: أن يتوضأ فى موضع طاهر لئلا يتطاير شأ على ثوبه أو بدنه إن كان الموضع متنجسا وقد عدابن رشد وابن يونس من الفضائل أن لا يتوضأ فى الخلاء. الثالثة: تقليل الماء من غير تحديد فليس الناس فيما يكفيهم من الماء سواء بل مختلفون بحسب القشابة والكثاقة والرطوبة والرفق والخرق الباجى ومن اغتسل أقل من صاع أو توضأ بأقل من مد أجزأه على المشهور وقال الشيخ أبو إسحق لايجزأ في الغسل أقل من صاع ولا في الوضوء أقل من مد اهـ ابن العربى ومراده التقدير بهما الكيل لافى الوزن ورأى أن ما رواه البخارى ومسلم من وضوئه بمد وتطهيره بصاع محمول على الأقل ابن الحاجب ولا تحديد فيما يتوضأ به ويغتسل على الأصح وقيل الأقل مد وصاع والواجب الإسباغ وأنكر مالك التحديد بأن يسيل أو يقطر وقال كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد يعنى مد هشام التوضيح: والإنكار إنما هو لنفس التحديد لأنه لغير دليل وإلا فهو مع عدم السيلان مسح بغير شك قاله فضل ابن مسلمة وقال ابن محرز ظاهر قوله أنه ليس من حد الوضوء أن يسيل أو يقطر قال التنبيهات هو خلاف الأولى والمشهور أن مد هشام مد وثلثان بمده.
الرابعة: أن يجعل الإناء عن يمينه لأنه أمكن له في تناوله كما في الرسالة عياضاختار أهل العلم ما ضاق عن إدخال اليد فيه وضع على اليسار. الخامسة: الغسلة الثانية والثالثة بمعنى أن تكرار المغسول ثلاثا مستحب وهو المشهور وظاهر كلامه أن مجموع الغسلة الثانية والثالثة فضيلة واحدة وهو الذى شهر فى التوضيح وقال ابن ناجى كل واحدة فضيلة مستقلة وقيل كلاهما سنة وقيل الثانية والثالثة فضيلة حكى هذه الأقوال الثلاثة عياض عن شيوخه وقيل بالعكس محافظة على المستحب وهي الثانية في هذا القول إذ لايتوصل للسنة إلا بعد فعل المستحب حكاه أبو عبدالله محمد السبتى وغيره وهل الرجلان كغيرهما أو لا فضيلة فى تكرار غسلهمالأن المقصود منه الإنقاء لأنهما محل الأقذار غالبا قولان السادسة: البداءة بالميامن قبل المياسر على المشهور وفى المدونة عن على وابن مسعود مانبالي بدأنا بأيماننا أوبأيسارنا السابعة: السواك قال ابن الحاجب في تعداد الفضائل والسواك ولوبأصبعه إن لم يجد والأخضر لغيرالصائم أحسن التوضيح: السواك فضيلة لماورد فيه من الأحاديث الصحاح قال سند يستاك قبل الوضوء ويتمضمض بعده ليخرج الماء ما حصل بالسواك وفي اللخمى هومخير بأن يجعله عند الوضوء أو الصلاة واستحسن إذا بعد ما بين الوضوء والصلاة أن يعيده عن صلاته وإن حضرت أخرى وهو على طهارته تلك أن يستاك للثانية ويستاك بالسبابة والإبهام قيل من اليمنى وقيل من اليسرى وينبغى أن يكون ذلك برفق لابعنف. الثامنة: ترتيب السنن فيما بينها بحيث يقدم غسل اليدين على المضمضة والمضمضة على الاستنشاق قال في التوضيح وأما ترتيب المسنون مع المسنون فمستحب. التاسعة: ترتيب السنن مع الواجبات بحيث يقدم غسل اليدين والمضمضة والاستنشاق والاستنثار على غسل الوجه ويقدم مسح الأذنين على غسل الرجلين ويؤخره عن مسح الرأس قال
فى التوضيح وفى المقدمات ظاهر الموطأ أنه يستحب لأنه قال فيمن غسل وجهه قبل أن يتمضمض أنه يتمضمض ولا يعيد غسل وجهه وقال ابن حبيب هو سنة إلا أنه أخف من ترتيب المفروض مع المفروض قال مرة إنه يعيد الوضوء إذا نكسه متعمداً كالمفروض مع المفروض وله مع فى موضع آخر ما يدل على أنه لاشيء عليه إذا فارق وضوءه. العاشر: أن يبدأ في مسح رأسه من مقدمه وحكى فيه ابن رشد قولان بالسنية فى
المذهب قول أنه يبدأ من مؤخر الرأس وقول من وسطه ثم يذهب إلى جهة وجهه إلى حد منابت شعره ثم يرجع إلى قفاه ثم يردهما إلى حيث بدأ وهو قول أحمد بن داود. الحادية عشرة: تخليل أصابع الرجلين وقد تقدم الكلام على ذلك فى غسل اليدين فراجعه إن شئت (تنبيه) قال الشيخ زروق في نصيحته للطهارة آفات منها الوسوسة وأصلهاجهل بالسنة أو خبل فى العقل والخلاص منها بالتلهى عنها والعلم بأن أحدا لن يقدر الله حق قدره وإن عمل ماعمل زاد فى شرح الرسالة أنه يستعين على دفعها بالنظر في اختلاف العلماء قال ومن آفاتهم لطم الوجه بالماء ولايفعله إلا النساء وضعفة الرجال ومنها استعجال صب الماء دون الجبهة ونفض اليدين قبل وصول الماء للوجه وترك امرار اليد على مغابنه وذلك نقص لواجبه ومنها كثرة صب الماء فى الغسل والطول فيه وذلك أيضا غلو في الدين ومنها كثرة الحديث على الوضوء حتى يتفرق القلب والافراط فى الذكر والتزام هذه الأذكار الأعضائية ولم يثبت عنه من أذكار الوضوء غير الشهادتين آخره والتسمية أوله وقال بعض العلماء الحضور في الصلاة بقدر الحضور في الوضوء وقد جرب ذلك فصح وإدمان الوضوء موجب لسعة الخلق وسعة الرزق ومحبة الحفظة ودوام الحفظ من المعاصي والمهلكات فقد جاء الوضوء سلاح المؤمن وهو مجرب وتأخير غسل الجنابة يثير الوسواس ويمكن الخوف من النفس ويقلل البركة من الحركات ويقال إن الأكل على الجنابة يورث الفقر والكلام في الخلاء والبول في المستحم يورث الوسواس والبول فى الماء الراكد يورث النسيان اهـ. (بشارة) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده وأبوبكر المروزي والبزار عن حمران مولى عثمان قال: دعا عثمان رضي الله عنه بوضوء في ليلة باردة وهو يريد الخروج إلى الصلاة فجئته بماء فأكثر نرداد الماء على وجهه ويديه فقلت حسبك قد أسبغت الوضوء والليلة شديدة البرد فقال صب فإني سمعت رسول الله يقول «لايسبغ أحد الوضوء إلا غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر» قال الامام أبوعبد الله محمد بن محمد الحطاب والأسباغ لغة الاتمام وقال البخاري في صحيحه قال ابن عمر إسباغ
الوضوء الإنقاء قال ابن حجر هو من تفسير الشأ بلازمه إذ الاتمام يستلزم الإبقاء عادة وحمران راوي الحديث بضم الحاء المهملة والبزار ثم راء اهـ من مريح القلوب فى الخصال المكفرة لما تقدم وما تأخر من الذنوب للحطاب المذكور وكل ما أنقل من هذا النحو فمن الكتاب المذكور
وكرِهَ الزَّيْدُ عَلى الْفَرْضِ لَدَى
مَسْحِ وَفى الْغَسْلِ عَلى ماحَدَّدَا
أخبر أن ما فرضه في الوضوء المسح كالرأس والأذنين يكره فيه الزيادة على الفرض أي على ما فرضه وقدره فيه الشارع وهو المسح ورده في الرأس والمرة الواحدة في مسح الأذنين فأطلق الفرض على التقدير الشرعي كقوله في الرسالة في زكاة الفطر فرضها رسول الله أي قدرها على أحد التأويلين فيه وأن مافرضه الغسل يكره فيه الزيادة على القدر الذي حدده الشارع فيه وهو الثلاث وهو صريح في كراهة الرابعة قال في التوضيح ونحوه في المقدمات وقال عبد الوهاب واللخمى والمازري بل تمنع ونقل سند على المنع اتفاق المذهب فوجه الكراهة أنه من جهة السرف في الماء ووجه المنع قوله للأعرابي الذي سأله عن الوضوء فأراه ثلاثاً وقال «هكذا الوضوء فمن زاد فقد تعدى وظلم» (فرع) إذا شك هل غسل اثنين أو ثلاثا فقولان للشيوخ قيل يأنى بأخرى قياساً على الصلاة وقيل لا خوفا من الوقوع في المحذور المازري لوشك في الثالثة فقولان بناء على أصل العدم وترجيح السلامة من ممنوع على تحصيل فضيلة قال وعليهما صوم من شك في كون يوم عرفة عاشرا (فرع) لافضيلة عند أهل المذهب فى إطالة الغرة ابن عبد السلام وينبغى أن يعدوها من الفضائل لما ثبت فى ذلك اهـ كان أبو هريرة يقول أحب أن أطيل غرتى قال عياض والناس مجمعون على خلافه.
(فرع) قال فى المدونة لابأس بالمسح بالمنديل بعد الوضوء ورآه علي قبل غسل الرجلين وإنى لأفعله
وعاجِز الْفَوْرِ بَنَى مالَم يَطُلْ
يُبْسٌ لاعْضافِى زَمانِ مُعْتَدلْ
تقدم أن الفور وهو الموالاة من فرائض الوضوء وإن المشهور وجوبه مع الذكر والقدرة وسقوطه مع العجز والنسيان وأخبر هنا أن من أخل به عاجزاً بنى مالم يطل فإن عجز ماؤه مثلا ولم يجد سواه فإن طال بطل وضوؤه وإن لم يطل ووجد الماء بالقرب فإنه يبني على مافعل ويكمل مابقي والطول معتبر بجفاف الأعضاء المعتدلة في الزمن المعتدل فقوله الأعضاء على حذف الصفة أي المعتدلة يدل عليها قوله في زمان معتدل وقيل يعتبر بالعرف وأما إن أخل بالفور ناسيا ثم تذكر فإنه يبني على ما فعل طال أو لم يطل لكن بنية وقد تقدم هذا كله في الكلام على الموالاة وهو الفريضة الثانية من فرائض الوضوء.
ذَاكِرُ فَرْضِهِ بِطُولٍ يَفْعَلُهْ
فَقطْ وفِى الْقُرْبِ الْمُوالِى يُكْمِلُهْ
إنْ كانَ صَلّى بَطَلَتْ ومَن ذَكَرْ
سُنَّتهُ يَفْعلَها لِما حَضَرْ
أخبر أن من نسي من وضوئه شيئاً فإما أن يكون ذلك المنسي فرضا أو سنة فإن كان فرضا ولم يذكر إلا بعد طول فإنه يفعل المنسي فقط ولا يعيد ما بعده وإن ذكره بالقرب فيفعله ويعيد مابعده فإن لم يذكر في الوجهين حتى صلى بطلت صلاته ويعيدها أبدا لأنه صلاها بلا وضوء وأما الوضوء نفسه فكما تقدم قريبا ويأتي الفرق بين الطول والقرب والعمد والنسيان وإن كان المنسي سنة فإنه يفعله وحده لما حضر [وقته] أي لما يستقبل الصلوات ولم يعد ما صلى قبل أن يفعله ولافرق بين الطول والقرب والله
أعلم وفهم كون الترك فى المسئلتين على سبيل النسيان من قوله ذكر فرضه ومن قوله ومن ذكر سنته إذ لايقال ذكر إلا مع النسيان وأما من ترك شيئاً من وضوئه عمدا فإما أن يكون المتروك أيضاً فرضاً أو سنة وإما أن يريد فعله بالقرب أو بعد طول فإن ترك فرضاً عمداً أو طال بطول وضوئه لاخلاله بالموالاة عمدا اختيارا وإن أراد فعله بالقرب فهو كمن نكس ناسيا وتذكر بالقرب فيعبد المتروك وما بعده وإن ترك سنة عمدا وصلى فيستحب له أن يعيد فى الوقت وقيل لايعيد أبدا ولافرق فى ذلك بين الطول والقرب أيضاً والله أعلم والحاصل أن الترك إما أن يكون ناسياً وعليه تكلم الناظم وإما عمداً وفى كل من الصورتين إما أن يكون المنسي أو المتروك فرضا أو سنة فهي أربع صور من ضرب اثنين وهما النسيان والعمد فى اثنين وهما الفرض والسنة وفى كل من الصور الأربع إما أن يفعل ذلك بالقرب أو بعد طول فالمجموع ثمان صور إلا أن صورتي ترك السنة عمداً أو نسيانا لافرق فيهما بين الطول والقرب فترجع لست صور كما تقدم قال فى الرسالة ومن ذكر من وضوئه شيئاً مما هو فريضة منه فإن كان بالقرب أعاد ذلك ومايليه وإن تطاول ذلك أعاده فقط وإن تعمد ذلك ابتدأ الوضوء إن طال ذلك وإن كان قد صلى فى جميع ذلك أعاد صلاته أبداً ووضوءه وإن ذكر مثل المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين فإن كان قريبا فعل ذلك ولم يعد ما بعده وإن تطاول فعل
ذلك لما يستقبل ولم يعد ما صلى قبل أن يفعل ذلك اهـ (تنبيه) لامنافاة بين ما تقدم فيمن ترك سنته ناسيا وبين قوله في الرسالة وإن ذكر مثل المضمضة الخ فإن مفهوم قوله فإن كان قريبا مفهوم موافقة نبه عليه لما قد يتوهم أنه كالفرض وكذا مفهوم قوله وإن تطاول الخ فلا فرق في فعل المنسي فقط دون ما بعده بين القرب والبعد ولابينكونه يفعل ذلك لما يستقبل من الصلوات ولا يعيد ماصلى قيل أن يفعله بين القرب والبعد أيضاً والله تعالى أعلم للفقيه الأديب أبى محمد عبد الواحد الونشريسى رحمه الله فى هذا المعنى
ومن بفرض من وضوئه أخل
أعاده وما يلى إن لم يطل
فإن يطل فليفعلن منسيه
وليحذر أن يترك فيه النيه
وإن يكن طول وعمدا ئتنف
كمثل من أخر بعد ما عرف
وإن يقم لعجز مائه بنى
فى القرب والبدء لبعد عينا
وليفعل المسنون إن لم يؤت في
محله بعوض كما تفي
ولتعد الصلاة إن أخللت به
على سبيل العمد ندبا فانتبه
وعودها لتارك الفرض حتم
والطول بالجفاف حده علم
من امرأ معتدل الأعضاء
فى زمن معتدل الهواء
فقوله ومن بفرض يشمل العمد والنسيان اذ حكمهما مع القرب سواء وأما مع البعد فالحكم مختلف كما نبه عليه بالبيت الثانى والثالث ونبه بالبيت الرابع على حكم من ترك بعض أعضائه لعجز مائه وقد تقدم بالكلام عليه فى الموالاة وأشار بقوله وليفعل المسنون إن لم يأت فى محله بعوض إلى قول ابن بشير ضابط ما يفعل من السنن أن كل سنة متى تركت ولم يأت فى محلها بعوض فإنها تفعل كالمضمضة والاستنشاق ومسح داخل الأذنين والترتيب وكل سنة عوضت فى محلها كغسل اليدين مع إدخالهما فى الإناء ومسح الرأس عائدا من المؤخر إلى المقدم فلا يفعل لأن محلها قد حصل فيه الغسل والمسح اهـ وظاهر قول الناظم ومن ذكر سنة يفعلها أنه لافرق بين أن يجعل فى محلها عوض أم لاوكذا يظهر من إطلاق الشيخ خليل فى مختصره
فَصلٌ نَواقِضُهُ سِتَّ عَشَرْ
بَوْلٌ ورِيحٌ سَلَسٌ إِذَا نَدَرْ
وغائِطٌ نَومٌ ثَقيِلٌ مَذْيُ
سُكْرٌ وإِغْماءُ جُنُونٌ ودْيُ
لَمْسٌ وقُبْلَةٌ وذَا إنْ وُجِدَتْ
لَذَّةُ عادَة كَذَا إنْ قُصِدتْ
إلْطافُ مَرْأَةٍ كَذا مَسُّ الذَّكَرْ
والشّكُّ فى الْحَدَثِ كُفْرُ مَنْ كَفَر
عبر الناظم كابن الحاجب والشيخ خليل بنواقض الوضوء وعبر في الجواهر والرسالة بموجبات الوضوء قال بعضهم الموجب سابق والناقض لاحق فالحدث السابق على الوضوء الأول موجب لاناقض ومابعده ناقض لما قبله موجب لمابعده فالموجب أعم بالتعبير به أتم وأجاب عن ذلك الإمام أبو عبد الله المقرى بأن قال الموجب هو القيام إلى الصلاة للآية حتى أنَّا لو قدرنا انخراق العادة بوجود شخص لم يحدث الى أن أراد الصلاة فإنا نوجب عليه الوضوء وعلى هذا التقدير يكون الحدث نا قضاً لاموجبا قال لايقال الآية متأولة بالقيام من النوم أو محدثين لأنا نقول لم يتعذر الظاهر فنتكلف التأويل على أن الموجب على التقدير القيام المقيد لا الحدث هو به والله أعلم اهـ ثم اعلم أن نواقض الوضوء على قسمين أحداث وأسباب فالحدث ما ينقض بنفسه كالبول والسبب ما كان مؤديا إلى خروج الحدث كالنوم فإنه مؤد الى
خروج الريح مثلا ابن الحاجب المعتاد من السبيلين جنسا ووقتاً وهو البول والمذي والودي والغائط والريح بخلاف دود أو حصى أو دم أو ماء بواسير التوضيح واحترز بالمعتاد من الحصى والدود والمراد بالسبيلين القبل والدبر واحترز به عما لو خرج من جائفة أو من الخلق وبالوقت من السلس وسيأتى. ثم قال وقال ابن بريزة إن انفتق لخروج الحدث مخرج السبيلين فلا يخلو من أن ينسد المخرجان المعلومان أم لا فإن انسدا وكان المنفتق تحت المعدة فهو كالمخرج المعتاد وإن لم ينسد المخرجان فهل يجري المنفتق مجرى المخرج المعتاد أم لا فيه قولان فى المذهب وكذلك إن كان فوق المعدة وهذه حالة نادرة اهـ (فرع) قال ابن الحاجب وصار يتقيأ عادة بصفة المعتاد فللمتأخرين قولان أي في النقص وعدمه. وقولان وهو البول تفسير للحدث وجعله خمسة من القبل واثنان من الدبر ابن الحاجب. وقال ابن عبد الحكم وغير الجنس ينقض يريد كالحصى والدود وقال المازري وإن تكرر وشق كالسلس. ثم قال ابن الحاجب الأسباب الثلاثة الأول زوال العقل بجنون أوإغماء أو سكر أو نوم: ثم قال الثانى لمس الملتذ بلمسها عادة ثم قال الثالث مس الذكر ثم قال وفى مس المرأة فرجها ثلاث روايات اهـ ولم يعد مس المرأة سببا رابعا كأنه رآه من معنى مس الذكر والله أعلم وقال بعض المتأخرين نواقض الوضوء أحداث وأسباب وغيرهما وهو ماليس حدثاً ولاسبباً وهو الردة كما يأتى وكذا الرفض على القول به والظاهر رجوعهما في المعنى إلى الأحداث والأسباب لأن الردة محبطة للعمل الذي من جملته الوضوء فكأنه لم يتوضأ وكذا الرفض فإنه يصير الواقع كأن لم يقع فكأنه لم يتوضأ قيل ومن هذا القسم أيضا الشك في الحدث لمن تيقن الطهارة والشك فى السابق من الحدث والطهارة والظاهر أنه سلب فيهما احتمال الحدث احتياطا فالنقض بالشك من النقض بالحدث حقيقة قوله ستة عشر يعنى باعتباره مجموع ماذكر من الأحداث والأسباب وغيرهما وباعتبار تنوع زوال العقل إلى أربعة أوجه بنوم أو إغماء أوسكر أو جنون. وقد خلط الناظم الأحداث بالأسباب على حسب ماسمح له النظم قوله بول وريح هما من الأحداث كما تقدم فى كلام ابن الحاجب ومراده بالريح الخارج من الدبر لاالريح الخارج من القبل فإنه لاينقص قوله سلس يشمل سلس البول والريح
والمذي والاستحاضة فعطفه على البول والريح من عطف عام على خاص ونبه بذلك على النقض بالبول والريح المعتادين وعلى النقض بالسلس وهو الخارج المعتاد إذا خرج على غير العادة كان سلس بول أو ريح أو غيرهما كالمذي والاستحاضة لكن إن كان إتيانه أقل من انقطاعه وهو معنى قوله إذا ندر ومعنى ندر قل وفهم منه أنه إذا لم يقل لاينقض وهو كذلك ثم هو صادق بما إذا كان إتيانه أكثر من انقطاعه فإنه لاينقض لكن يستحب منه الوضوء مالم يكن برد أو ضرورة وبما إذا تساوى زمن إتيانه وانقطاعه فلا ينقض على المشهور أيضا أما إن لم يفارق أصلا فلا فائدة فى الوضوء منه لاإيجابا ولااستحبابا وهذا التقسيم لايخص حدثا دون حدث وهو جامع لأقسام السلس العقلية لأنه أما ملازم أو لا وغير الملازم إما أن يكون إتيانه أكثر أوانقطاعه أكثر أو يتساويا وقد علمت حكمهما وفي اعتبار الملازمة فى وقت الصلاة خاصة لأنه الزمان الذى يخاطب فيه بالوضوء أو تعتبر في سائر الزمان رأيان للشيوخ وهذا كله إنما هو في سلس لم يقدر على رفعه أما سلس قدر على رفعه بمداواة أو نكاح أو تسر في المذي مثلا فإنه ينقض مطلقا على المشهور لأن القدرة على رفعه تلحقه بالمعتاد وينبغى أن يكون في زمن طلب المداواة أو النكاح أو شراء السرية معذورا قوله وغائط الغائط اسم المكان المنخفض وقد كانت العرب تقصده لقضاء حاجة الإنسان لأجل التستر ثم نقل عن المكان وكني به الخارج نفسه فهو من باب تسمية الشيء باسم محله. قوله نوم ثقيل اختلف في النوم فمذهب الجمهور أنه سبب وفي المدونة عن زيد بن أسلم إذا قمتم عني من النوم وهو يقتضي أن النوم حدث بنفسه وعلى كونه سببا ففيه ثلاث طرق الإولى قال اللخمى الطويل الثقيل ينقض القصير الخفيف لابنقض الطويل الخفيف لاينقض ويستحب منه الوضوء. وفى القصير الثقيل قولان والمشهور ينقض ووصف الناظم النوم بالثقل يدخل الأول والرابع فينتقض الوضوء بالنوم الثقيل مع الطول اتفاقا ومع القصر على المشهور ويخرج الخفيف فلا ينقض الوضوء مع القصر ولامع الطول اتفاقا فيهما على هذه الطريقة وعلامة الثقيل أن تنحل حبوته أويسيل لعابه أوتسقط السبحة من يده أويكلم من قرب ثم لايتفطن لشيء من ذلك، الطريقة الثانية: لابن بشير وهي كالأولى لكنها تحكي في الوجه الثالث وهو الطويل الخفيف قولين كالرابع لأن فى كل منها موجبا ومسقطا وهذان الطريقان راعيا حالة النوم الطريقة الثالثة لعبد الحميد وغيره المراعى فيها حالة النائم فان كان على هيئة
يتيسر فيها الطول والحدث كالساجد فينقض مقابله فالقائم والمحتبي لاينقض فإن تيسر له الطول دون الحدث كالجالس مستندا والحدث دون الطول كالراكع فقولان التوضيح وينبغى أن يقيد المحتبى بما إذا كان بيديه وشبههما. أما الحبوة المصنوعة فلا هي كالمستند والقولان في الثالث والرابع لتعارض موجب مسقط. وقيد بعض الأشياخ المستند بما إذا كان مستويا وإلا فالمال يلحق بالمضطجع ولو قيل بمراعاة الشخص فيفرق بين أن يكون حديث عهد باستبراء أملا وبين الممتلىء طعاماوغيره ما بعد عن القواعد. قوله مذي بالذال المعجمة الساكنة ويجوزفي غير هذا المحل كسرالذال وتشديد الياء وهو كما في الرسالة ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالانعاظ عند الملاعبة أو التذكار. وهل يجب منه غسل جميع الذكر أو موضع الأذى فقط قولان وعلى الأول ففي وجوب غسله بنية قولان الظاهر وجوبها لظهور التعبد وفي بطلان صلاة تاركها قولان وفي بطلان صلاة من غسل موضع الأذى فقط قولان وعلى الثاني فلا نية قوله سكر إغماء جنون جعل الناظم كل نوع من أنواع زوال العقل أي استتاره ناقضا مستقلا وإصطلاح غيره أن يعد زوال العقل ناقضا واحدا وتحته أربعة أنواع زوال إما بنوم أو إغماء أو سكر أو تخبط جنون كما قال في الرسالة وغيرها وقد مر التنبيه على هذا قال بعض شراح الرسالة ولافرق في السكر بين كونه بحرام أو بحلال قلت وفي هذا والله أعلم المسامحة فإن المسكر الحقيقي كما قال القرافى وغيره هو ما إذا ذهب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح ويترتب على ذلك ثلاثة أحكام التنجيس وحرمة القليل والكثير والحد وإذا كان ذلك فكيف يتصور السكر بالحلال إلا أن أطلقوه على ما هو أعم منه ومن المفسد زاد في التوضيح والمفسد ما غيب العقل دون الحواس لامع نشوة وفرح كعسل البلاذر والمرقد ما غيب العقل والحواس كالسكران اهـ وهما طاهران ويجوز استعمال اليسير منهما الذي لا يؤثر في العقل ومن استعمل منهما ما يؤثر في عقله فعليه الأدب باجتهاد من له النظر في الأحكام التوضيح اذا تقرر ذلك فللمتأخرين في الحشيشة قولان هل هي من المسكرات أو من المفسدات مع اتفاقهم على المنع من أكلها واختار القرافي أنها من المفسدات قال لأنى أراهم لايميلون إلى
القتال والنصرة بل عليهم الذل والمسكنة وربما عرض لهم البكاء وكان شيخنا رحمه الله تعالى الشهير بعبد الله المنوفى يختار أنها من المسكرات قال لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها فلولا أن لهم فيها طربا ما فعلوا ذلك بدليل أنا لانجد أحدا يبيع دارا ليأكل بها سكرا وهو واضح اهـ وللشيخ ابن غازي رحمه الله تأليف حسن مفيد جدا في الشراب المسمى بماء الحياة المعالج بالتقطير ولم يجزم فيه والله أعلم بكونه مسكرا والعامة اليوم مطبقون على أنه مسكر فلا أدري على ذلك لجهلهم بحقيقة السكر التى هى ذهاب العقل دون الحواس مع نشوة وفرح أم كيف الأمر ولشيوخنا رحمهم الله ومن عاصرهم ومن قبلهم بقريب من العلماء أجوبة مختلفة فى استفاف دخان العشبة المشومة المسماة بطابة فجلهم شدد فى منع ذلك وبعضهم مال إلى الجواز لضرورة. قوله وإغماء لافرق فيه بين أن يطول أو يقصر بخلاف النوم كما مر ليسر الإنتباه منه دون الإغماء قوله جنون لافرق فيه بين أن يكون بصرع أولا وظاهر كلام الناظم أن الجنون لا ينقض الطهارة الكبرى بصرع أو غيره وهو المشهور ورآه ابن حبيب من موجبات الغسل فى حق المصروع لأن الغالب عليه خروج المني كما نقل عنه ابن بشير ونقل عنه ابن يونس إن أفاق بحدثان فلا غسل عليه وإن أقام به يوما أو يومين فعليه الغسل (فرع) إذا حصل له هم أذهب عقله فقال مالك فى المجموعة عليه الوضوء قيل له فهو قاعد قال أحب إليَّ أن يتوضأ قال صاحب الطراز يحتمل الاستحباب أن يكون خاصاً بالقاعد بخلاف المضطجع ويحتمل أن يكون عاماً فيهما قوله ودي بسكون الدال المهملة ويجوز كسرها وتشديد الياء هو كما فى الرسالة ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول يجب منه ما يجب من البول قوله لمس وقبلة اعلم أن مطلق التقاء الجسمين يسمى مساً فإن كان بالجسد سمي مباشرة وإن كان باليد سمي لمساً وإن كان بالفم على وجه مخصوص سمي قبلة وإنما ينقض اللمس الوضوء إذا كان الملموس ممن يلتذ به عادة كالزوجة والأجنبية بالنسبة للفاسق وكان اللامس قصد باللمس اللذة سواء وجدها أم لا أو وجد لذة قصدها أم لا فإن كان الملموس ممن لايلتذ به فى العادة كالمحرم والصغيرة التى لاتشتهى فلا أثر للمسها وفى التوضيح ما معناه إذا التذ بمحرم فظاهر كلام ابن الحاجب والجلاب أنه لا أثر لذلك ونص القاضي عبد الوهاب وغيره أنه إذا وجد اللذة ينتقض وضوؤه وبناه على الخلاف فى الصور النادرة اهـ ابن رشد إذا قصدها الفاسق في المحرم فالنقض
ولو قصدها في الصغيرة ووجدها فلا وضوء إلا على النقض للذة التذكر ابن عرفة يرد بقوة الفعل عياض ولمس الغلمان وفروج سائر الحيوان للذة ناقض فإن حصل اللمس ولم يقصد لذة ولم تحصل له فلا نقض هذا حكم اللمس وأما القبلة فإن كانت لمحرم أو صغيرة لاتشتهى فلا نقض وقبلة غيرهما إن قصد لذة أو وجدها نقضت كاللمس فإن لم يقصد بالقبلة لذة ولا وجدها فقولان أحدهما إيجاب الوضوء قال في التوضيح وهى رواية أشهب عن مالك وقول أصبغ قال فى المقدمات وهو دليل المدونة وعلة ذلك أن القبلة لا تنفك عن اللذة إلا أن تكون صبية صغيرة يقبلها على وجه الرحمة أو ذات محرم يقبلها على سبيل الود أو الوداع أو نحو ذلك والقول الثاني أنه لاوضوء كالملامسة والمباشرة وهو قول ابن الماجشون اهـ وحكى ابن عرفة عن هذين القولين وزاد ثالثا إن كان على الفم نقضت وإلا فلا قال وهي رواية المجموعة وعزاه عياض لظاهر المدونة وفيها لاشأ على من قبلته امرأته على غير الفم إلا أن يلتذ اهـ ابن الحاجب والمشهور أن القبلة فى الفم تنقض للزوم اللذة التوضيح قال في التنبيهات اشتراط اللذة على غير الفم دليل على أنه لايشترط وجودها في القبلة في الفم ولا قصدها منهما جميعا وهو قول مالك في المجموعة قال ابن رشد وأما إن قصد اللذة ولم يجدها فالوضوء واجب عليه ولا أعلم في ذلك خلافا فى المذهب ولا يبعد دخول الخلاف فيها معنى وعلى هذا فيحمل قوله والمشهور أن القبلة فى الفم تنقض للزوم اللذة على الوجه الأول وذكر ابن بزيزة فى القبلة ثلاثة أقوال فى المذهب النقض مطلقا والثاني اعتبار اللذة والثالث إن كانت في الفم انتقض مطلقا وإن كانت في غيره اعتبرت اللذة اهـ قوله قال ابن رشد وأما إن قصد اللذة أي بالقبلة على الفم وقوله أي قول ابن الحاجب والمشهور أن القبلة في الفم الخ يحمل على الوجه الأول وهو إذا لم يجد لذة ولا قصدها فهذا على المشهور ومقابله الشاذ وأما إن وجد لذة بالقبلة على الفم أو قصدها بها فالنقض بلا خلاف كما صرح به ابن رشد فيما إذا قصد وبين بهذا أن معنى اللزوم في كلام ابن الحاجب الغلبية فقط لا اللزوم العقلي فقول الناظم وذا إشارة إلى الحكم المتقدم وهو النقض باللمس والقبلة وقوله لذة عادة يخرج الالتذاذ بالصغيرة والمحرم وقد تقدم قريبا أن الالتذاذ بالصغيرة لا
أثر له وبالمحرم ينقض على خلاف وقوله وجدت لذة عادة أي سواء قصدها أم لا ابن الحاجب فإن وجدها فالنقض باتفاق قصدها أو لم يقصدها قوله كذا إن قصدت أي سواء وجدها أم لا ابن الحاجب فإن قصدها ولم يجد فكذلك على المنصوص وخرج اللخمى من الرفض لا ينتقض اهـ وفهم من قوله (إن وجدت لذة عادة كذا إن قصدت) أنه إن لم يجد لذة ولم يقصدها فلا ينتقض وهو كذلك ابن الحاجب فإن لم يقصدها ولم يجد لم ينتقض اهـ وهذا الحكم ظاهر منطوقاً ومفهوماً بالنسبة للملامسة وظاهر أيضا باعتبار المنطوق فقط أعنى إذا قصد لذة أو وجدها بالنسبة للقبلة على غير الفم وأما باعتبار المفهوم أعنى إذا لم يجد ولم يقصد فإنما يجري على قول ابن الماجشون لانقض لاعلى قول أصبغ ورواية أشهب بالنقض وظاهر التوضيح ترجيح هذا الثاني كما مر قريبا وأما بالنسبة إلى القبلة على الفم فظاهر أيضاإن قصد لذة أو وجدهاإن لم يقصد ولم يجد إذ ظاهر كلامه عدم النقض والمشهور النقض والحاصل أن القبلة على غير الفم قيل كالملامسة وهو ظاهر كلام الشيخ خليل فى مختصره وقيل تنقض مطلقا وإن كانت على الفم فثلاثة أقوال المشهور النقض مطلقا قصد أم لا وجد أم لا وهذا حكم اللامس والمقبل بالكسر وأما الملموس والمقبل بالفتح فإن وجد لذة فالنقض وإلا فلا قال فى التهذيب والملموس إن وجد لذة توضأ وإلا فلا قالوا مالم يقصدها فيكون لامسا صح فى التوضيح (فرع) قال فى المجموعة ليس فى قبلة أحد الزوجين للآخر لغير شهوة وضوء فى مرض أو غيره ولا فى قبلة الصبية وضوء ومس فرجها إلا أن يكون للذة وروى على عن مالك ليس فى مس فرج الصبى والصبية وضوء قال فى النوادر يريد لغير لذة اهـ (فرع) لافرق في النقض بالقبلة بين الطوع والاكراه فعن مالك في المجموعة إن قبل زوجة مكرهة فعليها الوضوء وكذلك روى ابن نافع لوغلبته هي فقبلته فعليه الوضوء ولولم يلتذ ابن عرفة الصقلي يريد لو على غير الفم وقال ابن هارون هذا إن كانت على الفم وإلا فهي كالملامسة ولانعلم فى ذلك خلافا إلاما تأوله الصقلى كما تقدم (فرع) قال فى التوضيح ولا يبالى بماوقع اللمس فيه سواء كان ظفراً أوشعراً أويداً وهو المنصوص وروى بعض الشيوخ أن الظفر والشعر لايلحقان بما عداهما من الجسد لأن اللذة ليست بلمسها وإنما هي بالنظر ولا أثر له في نقض الطهارة (فرع) إذاوقع اللمس من فوق حائل فإن كان خفيفا فالنقض وإن كان كثيفا فقولان المشهور النقض وهذا إن كان اللمس باليد وإن ضمها إليه فالكثيف كالخفيف
(فرع) قال الإمام أبوعبداللهالمازري وأمامن نظر فالتذ بقلبه دون لمس فالمشهور عن أصحابنا أن وضوءه لاينتقض اهـ وذهب ابن بكير والأبيانى إلى أن اللذة بالنظر ناقضة (فرع) قال ابن الحاجب وفي الانعاظ الكامل قولان بناه على لزوم المذي أم لا اهـ والانعاظ قيام الذكر والقولان فى النقض بذلك مبنيان كما قال على أنه ملازم للمذي لا يفارقه فينقض أو لا فلا ينقض قال التوضيح وحكى ابن بشير أن الأشياخ رأوا أن ينظر للشخص في نفسه إن كانت عادته خروج المذى بذلك فعليه الوضوء وألا فلا. قوله إلطاف مرأة إلطاف المرأة: هوأن تدخل يدها في شفري فرجها والنقض به فقط هو رواية ابن أبى أويس وروى ابن زيادة الوضوء باللمس ألطفت أم لا ورواية المدونة نفي الوضوء ابن الحاجب وفى مس المرأة فرجها ثلاث روايات لابن زيادة والمدونة وابن أويس ثالثها إن ألطفت انتفض قال قلت ما ألطفت قال أن تدخل يدها بين الشفرتين فقيل على ظاهرها وقيل باتفاقهااهـ ومعنى قوله فقيل على ظاهرها أنه قد اختلف الشيوخ فى هذه الروايات فمنهم من أجراها على ظاهرها من الخلاف فالمذهب إذا على ثلاثة أقوال ومنهم من جعل الثالث تفسير للقولين فمن قال بالنقض فمعناه إذا ألطفت ومن قال بعدمه فمعناه إذ الم تلطف فليس إلا قول واحد بالتفصيل إن ألطفت انتقض وإلا فلا ولعل الناظم اعتمد على هذا وهو كون النقض مقيدا بالإلطاف فلذلك عبر به دون المس قوله كذا مس الذكر اعلم أن الآثار اختلفت في إيجاب الوضوء في مس الذكر ففي بعضها من مس ذكره فليتوضأ وفي بعضها من أفضى بيده إلى فرجه من غير حجاب فعليه الوضوء وفى بعضها أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن مس الرجل ذكره بعد الوضوء فقال «وهل هو إلا بضعة منك» ورأى المالكية الجمع بينهما بأن ينتقض الوضوء بمسه على صفة دون صفة وفي تعين تلك الصفة لهم أقوال أحدها اعتبار اللذة فإن وجد اللذة بمسه انتقض ماله لبغداديون من أهل المذهب الثانى مراعاة العمد فينتقض معه دون النسيان وهوأحد أقوال مالك وقول سحنون الثالث مراعاة باطن الكف فإن مسه بغيره لم بنتقض قاله أشهب الرابع مذهب المدونة مراعاة
باطن الكف وباطن الأصابع فإن مسه بغير ذلك لم ينتقض الخامس كالرابع وزيادة باطن الذراع نقله ابن زرفون وابن العربى عن الوقار السادس قول ابن نافع ينتقض بمص الكمرة والمشهور مذهب المدونة وعليه فإن مسه بحرف اليد ففى النقض قولان حكاهماابن العربى قال بناء على تقديم الحظر على الإباحة والعكس وشهر الشيخ خليل النقض بمسه بجانب الكف أو الأصابع وبالمشهور يفسر قول الناظم كذا مس الذكر أي إذا مسه بباطن كفه أو باطن أصابعه أو بجنبهما كما يصرح بذلك في الغسل حيث قال
تبدأ في الغسل بفرج ثم كف
عن مسه ببطن أو جنب الأكف
أو أصبع ابن عرفة في مسه بحرف لليد والأصابع أو بأصبع زائدة نقلا ابن العربى الطراز إذ امسه بين أصبعيه أو بحرف كفه أو بأصبع زائدة انتقض على ظاهر قول ابن القاسم اهـ (فرع) فإن مسه بأصبع زائدة فقولان قال ابن رشد والخلاف خلاف في حال هل فيها من الاحساس مافي غيرها أم لا وينبغي إن ساوت الأصابع في التصرف والإحساس فالنقض ولم تساو فلا ولو شك فعلى الخلاف فيمن تيقن الطهارة وشك في الحدث (فرع) فإن مسه من فوق حائل فطريقان الأولى قول ابن الحاجب ومن فوق حائل ثالثها إن كان خفيفا نقض الثانية إن كان الحائل كثيفا فلا وضوء قولا واحدا وإن كان رقيقا فروى ابن وهب لا وضوء عليه وهو الأشهر وروى على بن زياد أن عليه الوضوء التوضيح والظاهر عدم النقض مطلقا لما فى صحيح ابن حبان عنه عليه الصلاة والسلام من أفضى بيده إلى فرجه ليس بينهما ستر ولا حجاب فقد وجب عليه الوضوء للصلاة.
(فرع) قال فى التوضيح عن ابن هارون ولو مس موضع الجب فلا نقض عندنا وحكى الغزالى أن عليه الوضوء والجارى على أصلنا نفيه لعدم اللذة غالبا اهـ (فرع) ومس ذكر الغير يجري على حكم المس فلو مست المرأة ذكر زوجها تلذذاً الوجب عليها الوضوء ولغير شهوة من مرض ونحوه فلا ينقض وكذلك الملموس ذكره إن نذ فعليه الوضوء وإلا فلا ولذا قال القرافى لا ينتقض وضوء الخاتن بمس ذكر المختون (فرع) واختلف أصحاب مالك فيمن مس ذكره وصلى من غير وضوء فقيل يعيد في الوقت قاله مالك وابن القاسم وقيل لا إعادة عليه وهو أحد قولي مالك وابن القاسم ووجههما مراعاة الخلاف وقيل يعيد أبداً قاله ابن نافع وابن دينار وقيل يعيد العامد أبداً والناسي في الوقت قاله ابن حبيب (فرع) مس الذكر المقطوع قال ابن العربى لغو قال المازرى كذكر الغير قال ابن عرفة يرد بأن الحياة مظنة اللذة ونقيضها مظنة نقيضها (فرع) قال ابن الحاجب لا أثر لمس الدبر وخرجه حمديس على فرج المرأة ورده عبدالحق باللذة وابن بشير بأن ذلك ليس بقياس اهـ ومعنى قوله وابن بشير الخ أن ابن بشير رد إلحاق حمديس مس الدبر بمس الفرج بأن الوضوء من مس الفرج خارج عن القياس لأنه من الجسد والحكم إذا خرج على غير قياس لم يقس عليه (فرع) ومس الخنثى فرجه مخرج على من تيقن الطهارة وشك في الحدث للتردد في المحل الأصلى والزائد ابن العربى عن بعض شيوخه إن مس فرجيه معاً وجب الوضوء وإن مس أحدهما وقلنا إن المرأة ينتقض وضوؤها بمس فرجها فهو كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث ثم قال ولو مس أحدهما وصلى ثم توضأ ومس الآخر وصلى أي صلاة أخرى فقال ذانشمند يحتمل إعادته الصلاتين كذاكر صلاة من صلاتين أو عدم الإعادة لأن كل صلاة تمت باجتهاد كأربع صلوات لأربع جهات باجتهادات مع تيقن بطلان ثلاث منها قال ابن عرفة كل اجتهاد أوجب جهة وكل مس لغو أو مبطل على تخريجه على الشك في الحدث فكيف يقاس المبطل أواللغو على الموجب اهـ وهذا إنما هو في الخنثى المشكل وأما غير المشكل فبحسب ما ثبت له وفي تكميل التقييد للامام ابن غازي من أشياخ ابن العربي ذانشمند الأكبر وهو الإمام إسماعيل الطوسى وذانشمند الأصغر وهو الامام أبو حامد الغزالي الطوسي ومعنى ذانشمند بلغة الفرس عالم العلماء قال وكان شيخنا الأستاذ أبو عبد الله الصغير يحكي لنا
عن شيخه أبى محمد عبد الله العبدوسى أنه بلغه أن الفرس يفخمون ذانشمند اهـ وهذه المسئلة إحدى النظائر المعروفة بمسائل الخنثى المشكل وقد وقفت على جملة صالحة منها منظومة في سؤال وجواب رأيت إيرادهما هنا تكميلا للفائدة وهذا نص السؤال
أجب سائلا يا أيها الحبر إنه
على الحبر أن يفتي الفتى حين يسأل
أبن لي ففي الخنثى مسائل جمة
تزيد على عشر إذا كان يشكل
فما حكمه مهما غزا وإذا زني
به أوزنى ما حكمه حين يفعل
وقل أين يلقى فى الجنائز نعشه
ومن يتولى غسله حين يغسل
وميراثه ما قدره ونكاحه
أيؤذن فيه أم يصان فيعضل
وإن لمست كفاه موضع فرجه
فهل طهره يبقى له أم يبدل
وهل صفه خلف المصلين آخرا
إذا هو صلى فى الرجال أم أول
وهل سجنه بين الرجال أو النساء
فإن جوار الشكل بالشكل أمثل
وهل ينبذ القاضى شهادة قوله
إذا هو أدى أو يقول فيقبل
وقل هل يؤم القوم أو ليس يرتضى
فإن مقال الحق للمرء أجمل
ونص الجواب
تفطن هداك الله إن كنت تسأل
فهذا جواب نوره يتهلل
له نصف سهم فى الغزاة وإن زنى
به فعليه الحد والحد أعدل
ومهما زنى فالحد عنه بمعزل
فإن الفتى فى معرك الحرب أعزل
وميراثه فى نصف مرء ومرأة
كذلك تودى نفسه حين يقتل
ويعضل عن معنى النكاح إذا اشتهى
فإن الهدى فى عضله حين يعضل
وآخر صف فى الرجال مكانه
وأما إذا لاقى النساء فأول
وحيث يصلى ثم يوضع نعشه
وذلك فيه سنة لا تبدل
وتغسله مملوكة تشترى له
بخالص بيت المال لا تتمول
ومهما استحق السجن يسقف وحده
فليس له فى الناس شبه مماثل
وليس يؤم القوم إلا ضرورة
وفى المال لافى غير ذلك يقبل
وإن هو مس الفرج أبطل طهره
وإن مس إحليلا فنقض معجل
فدونها مثل النجوم زواهرا
قد الفها ذو فطنة يتوسل
فذهب على النقض بمس الفرج أوالإحليل بناء على القول بالنقض بمس المرأة فرجها إذ التردد فى المحل الأصلى من الزائد صير مس أحدهما موجبا للشك فى الطهارة ومسائل الخنثى المشكل أكثر مما تقدم وقد كنت ذيلت الجواب المتقدم ببيت يشتمل على مسألتين من مسائله وهو قولنا
مذكاه ومكروه دليل بلوغه
بأي بدا قل باحتياط يعلل
وكلام المجيب ظاهر إلا قوله. وليس يؤم القوم إلا ضرورة. فلم أقف عليه الآن وإنما وقفت على قول ابن عرفه فى شروط الامامة عن ابن بشير الخنثى المشكل كامرأة اهـ وعليه فلا يؤم إلا على رواية ابن أيمن تؤم المرأة النساء وعلى هذا فالأولى أن يقول. إمامته فامتنع لغير ابن أيمن. وقد ذكر ابن عرفة فى المحرمات من النساء فى كتاب النكاح مسائل عديدة من مسائله رأيت إثباتها هنا تكميلا للفائدة لغرابتها قال رحمه الله عبد الحق لايطأ ولا يوطأ وقيل يطأ أمته وإن زنى بذكره لم يحد لأنه كاصبع ويؤدب وبفرجه يحد المتيطى في حده إن ولد من فرجه قولان ابن عرفه قلت ففي حده ثالثها إن ولد وينبغى أن يتفق عليه لأن ولادته من فرجه دليل على أنوثته وعن عبد الحكم من وطىء خنثى غصبا حد زاد الشعبى وعليه نصف المهر ابن عرفهوالأظهر إن زنى بذكره وفرجه حد اتفاقا وحد قاذفه يجرى على حده وعن بعض أهل العلم في قطع ذكره نصف دية ونصف حكومة قال وصفة جسه أن يستر فرجه ويجس الرجال ذكره ويغطى ذكره وينظر النساء فرجه ابن عرفه وكذا فى دعواه أنه خنثى بعد نكاحه على أنه رجل أو امرأة ونزلت بتونس ففسخ النكاح وفى كون الواجب له إذا غزا ربع سهم أو نصفه قولان وفى بعض التعاليق يحتاط فى الحج فلا يحج إلا مع ذى محرم لا مع جماعة رجال فقط ولا مع نساء فقط. قلت إلا أن يكون جواريه أو ذوات محارمه ويلبس ما تلبسه المرأة ويفتدى وهذا فيما يجب على المرأة ستره وفى غيره ولا يلبسه إلالحاجة ويسجن وحده وإن مات ولا محرم معه ولا مال اشتريت له من بيت المال أمة تغسله وتعتق وولاؤها للمسلمين ابن عرفة قلت مقتضى الاحتياط أنه كرجل مع نساء وفي شراء الأمة من بيت المال نظر إذ لا ملك له فيها ولو كان لورثها عنه وارثه أو بيت المال فلا موجب لعتقها اهـ. وفي غير ابن عرفة أن شأنه في جميع أحواله على أحوط الأمرين ولا يفعل إلا ما يفعله الرجال والنساء معاً ولا يفعل ما يجوز لأحدهما فقط فلا يلبس
الحرير ولا الذهب ويسمع نفسه فقط إذا صلى ولا يؤذن ولا يرث الولاء ويستر نفسه إذا صلى ويبدي للرجال ماتبديه لهم المرأة والنساء ما يبديه لهن الرجال قوله والشك فى الحدث قال فى الرسالة ومن أيقن بالوضوء وشك في الحدث ابتدأ الوضوء وفي ابن يونس من أيقن بالوضوء ثم شك فلم يدر أحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه إلا أن يكون مستنكحاً فلا يلزمه إعادة وضوء ولا صلاة قال ابن حبيب وإذا خيل إليه أن ريحاً خرج منه فلا يتوضأ إلا أن يوقن به وكذلك إذا دخله الشك بالمس وذكرالحدث ثم قال وأما إن شك هل بال أم لا فهذا يعيد الوضوء اهـ. وفي ابن الحاجب من تيقن الطهارة وشك فى الحدث ففيها فليعد وضوءه كمن شك أصلى ثلاثاً أو أربعاً يعيد فقيل وجوباً وقيل استحباباً وقال اللخمى خمسه ثالثها يستحب ورابعها يجب ما لم يكن في صلاة وخامسها يجب مالم يكن الشك فى سبب ناجز كمن شك في ريح ولم يدرك صوتاً ولا ريحاً وأما المستنكح فالمعتبر أول خاطر به اهـ. قال في التوضيح استشكل الشيوخ قياس من شك في الحدث على من شك أصلى ثلاثا أم أربعا لأن الشك في الطهارة شك في المانع والأصل في الشك الالغاء إذ الأصل في الوضوء دوامه بخلاف الركعات فإن الشك فيها شك في الشرط والأصل عمارة الذمة بالعدد حتى يتحقق حصوله وحاصله أن الأصل الغاء الشك ويلزم منه البناء على الأقل في الركعات والبقاء على الطهارة ويمكن أن يوجه الوجوب بالاحتياط للعبادة إذ الاصل أن الصلاة في الذمة بيقين فلا تبرأ الذمة منه إلا بيقين ويمكن أن يقال منشأ الخلاف هل الشك في الشرط يورث الشك في المشروط أم لا قال صاحب النكت وإنما يجب الوضوء في غير المستنكح وأما المستنكح فلا شيء عليه اهـ. وهذا هو المشهور في المستنكح وهو الموسوس قال ابن عبد السلام وهو ظاهر المدونة وغيرها من غير نظر إلى خاطر البتة لأن من هذه صفته لا ينضبط الخاطر الاول مما بعده قيل والمعتبر أول خاطر به فإن سبق إلى نفسه أنه أكمل وضوئه أو أنه على وضوئه فلا يعيد وإن سبق إلى نفسه أنه لم يكمل أعاد لأنه فى الخاطر الأول مشابه للعقلاء وفي الثاني مفارق لهم ومعنى القول الخامس عند ابن الحاجب فى طريقة اللخمى أن الشك الذي طرأ في أثناء الصلاة إن كان على وجه هل خرج منه ريح إذ داك أو لم يخرج في حالة الصلاة ولم يدرك صوتا ولا وجد ريحا أو أنه حك فخذه مثلا وهو يصلى فشك هل مس ذكره أم لا فلا يقطع وإن كان على وجه هل بال أو تغوط مثلا قبل الدخول في الصلاة قطع وتوضأ وعلى المشهور من وجوب الوضوء على الشاك إذا حصل له الشك في الصلاة قطع صرح به في التوضيح وظاهر ما يأتي لابن رشد تقييد وجوب الوضوء على الشك بما إذا شك قبل الدخول في الصلاة أما بعد الدخول فيها فلا يقطع إلابيقين
(فرع) قال في التوضيح فإن افتتح الصلاة متيقناً الطهارة ثم شك في الصلاة وتمادى على صلاته ثم تبين له أنه متطهر فقالمالك صلاته تامة لحصول الشرط في نفس الأمر وقالأشهب وسحنون لا تصح لأنه غير عامل على قصد الصحة اهـ قال ابن رشد في رسم جمع من شك أثناء صلاته هل هو على وضوء أم لا فتمادى في صلاته وهو على شكه ذلك فلما فرغ من صلاته استيقن أنه كان على وضوء قال صلاته مجزئة عنه إلاأن يكون نواها نافلة حين شك ابن رشد إنما قال صلاته تامة وإن تمادى على شكه لأنه دخل في الصلاة بطهارة متيقنة فلايؤثر فيها الشك الطارأ عليه بعد دخوله في صلاته لحديث إن الشيطان يفسو بين أليتى أحدكم فلا ينصرف من صلاته حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً وليس هذا بخلاف لما فى المدونة من أيقن بالوضوء وشك فى الحدث مسألة المدونة طرأ عليه الشك فى طهارته قبل دخوله فى الصلاة فوجب أن لا يدخل فيها إلا بطهارة متيقنة وهو فرق بين وأظهر مما رواه سحنون عن أشهب اهـ (فرع) قالابن العربى لو تيقن طهرا وحدثا شك في السابق منهما فلا نص لعلمائنا وقال إمام الحرمين الحكم نقيض ما كان عليه وهو صحيح أقوالنا إلغاء الشك فمن كان قبل الفجر محدثاً جزم بعده بوضوء وحدث وشك في الأحدث منهما فمتوضأ لتيقن وضوئه وشك نقضه ولو كان متطهراً فمحدث لتيقن حدثه وشك رفعه ابن محرز يجب الوضوء فيهما وفى ابن الحاجب ولو شك على غير ذلك وجب الوضوء باتفاق التوضيح يدخل فيه خمس صور: الأولى تيقن الحدث وشك فى الطهارة وحكى ابن
يسير فيهاالإجماع الثانية تيقنهما ولم يدر السابق منهما وحكى سند فيها الاتفاق الثالثة شك فيهما فحكىبن محرز أن الوضوء يجب عليه لأنه ليس عنده أمر يتيقنه يبني عليه وذكرابن بشير في هذه الصورة أنه يطرح ما شك فيه ويبني على ما كان حاله قبل الشك فإن كان محدثاً لزمه الوضوء وإن كان متوضئاً صار بمنزلة من تيقن الطهارة وشك في الحدث الرابعة تيقن الوضوء وشك في الحدث وشك مع ذلك أكان قبله أو بعده، والخامسة عكس هذه تيقن الحدث وشك في فعل الوضوء وشك مع ذلك أكان قبله أو بعده وحكى ابن محرز الوجوب فيهما اهـ قوله كفر من كفر معناه إن المسلم إذا توضأ ثم ارتد وكفر والعياذ بالله ثم إنه راجع الإسلام فإن وضوءه ينتقض بردته قال ابن الحاجب وفى وجوب وضوء المرتد إذا تاب قبل نقض وضوئه قولان اهـ وسمع موسى ابن القاسم من ارتد عن الإسلام ثم راجع الإسلام قبل أن ينتقض وضوؤه أحب إلي أن يتوضأ وقاليحيى بن عمر واجب عليه أن يتوضأ لقوله تعالى {لئن أشركت ليحبطن عملك} أهو في كون الردة موجبة للوضوء وهو المشهور ولذا عدت من نواقضه أو للغسل قولان حكاهما ابن العربى ورأيت وأظنه في المعيار للونشريسى أن عد الردة من موجبات الوضوء إنما هو في حق من لم يجب عليه غسل قط وكان بلوغه بالإنبات مثلا أو ببلوغه ثمانى عشرة سنة فتوضأ ثم ارتد ثم راجع الإسلام قبل أن يحدث فهذا يبطل وضوؤه بردته وأما من وجب عليه الغسل واغتسل ثم راجع الإسلام قبل أن يجب عليه غسل فهذا يغتسل لبطلان غسله الأول بردته وكأنه توفيق بين القولين اللذين حكيا عن ابن العربى والله أعلم (فرع) في وجوب الوضوء بخروج الهادي وهو ماء أبيض يخرج من الحامل عند وضع الحمل أو السقط وسقوطه قال فى البيان وهو الأحسن لكونه ليس معتاداً (فرع) قالابن الحاجب ولا يجب الوضوء بقأ ولا حجامة ولا لحم إبل وفيها أحب إلي أن يتمضمض من اللبن واللحم ويغسل الغمر إذأراد الصلاة (فرع) قال اللخمى تجديد الوضوء بكل صلاة فضيلة قال القاضى عياض الوضوء على خمسة أقسام ثم ذكر من الوضوء الممنوع تجديده قبل صلاة فرض به (فرع) قال ابن الحاجب ويمنع المحدث من الصلاة ومس المصحف أو جلده ولو بقضيب ولا بأس بحمل صندوق أو خرج هو فيه ما لم يكن المقصود حمله ولا بأس بالتفاسير والدراهم وبالألواح للمتعلم ليصحهما ابن حبيب يكره مسها للمعلم والجزء للصبى كاللوح وبخلاف المكمل وقيل المكمل وفى التوضيح أجاز مالك فى
العتبية الحرز للصبى والحائض والحامل إذا كان عليه شيء يكنه ولا يتعلق وليس عليه شيء وما رأيت من يفعله
ويَجِبُ استِبْراءُ الاخبَثَيْنِ معَ
سَلْبٍ ونَتْرِ ذَكَرٍ وَالشَّدَّعْ
وجازَالإِسْتِجْمارُ مِن بَوْلِ ذكَرْ
سَلْتِ كَغَائِطٍ لَاما كَثِيراً انْتَشَرْ
يعني أنه يجب على قاضى الحاجة استبراء الأخبثين والاستبراء استفراغ ما في المخرجين ابن الجلاب الاستبراء واجب مستحق وهو إخراج ما بالمحلين من أذى والأخبثان بالثاء المثلثة من الخبث الذي هو التنجس قاله في المشارق والمراد به هنا البول والغائط ويزاد على ذلك في الذكر السلت والنتر الخفيفان فيأخذ ذكره بيسراه ويجعله بين سبابته وإبهامه ويمرهما من أصله إلى آخره والنتر بمثناة فوقية ساكنة جذب بخفة وقوله الأخبثين يقرأ بنقل حركة الهمزة للساكن قبلها للوزن وقوله سلت بكسرة واحدة لأنه مضاف في التقدير لمثل ما أضيف له نتر على حد بين ذراعي وجبهة الأسد وإنما أمر بترك الشد في السلت لأنه يرخي المثانة ولا تحديد في المرات لأن أمزجة الناس مختلفة الشيخ زروق وقد جرب لطوله أن يهمز بأصبعه بين السبيلين فإنه يدفع الحاصل ويمنع الواصل وسمع ابن القاسم ليس القيام والقعود وكثرة السلت بصواب اللخمى من عادته احتباسه فإذا نزل منه وجب أن يقوم ثم يقعد وسأل ابن رشد عن الرجل يخرج من بيت الماء وقد استنجى بالماء ثم توضأ فيكون في الصلاة أو سائراً إليها فيجد نقطة هابطة فيفتش عليها فتارة يجدها وتارة لا يجدها فأجاب لاشيء عليه إذا استنكحه ذلك ودين الله يسر وسئل ربيعة عن الرجل يمسح ذكره من البول ثم يتوضأ فيجد البلل فقال لا بأس به قد بلغ محنته وأدى فريضته وحكم الاستبراء الوجوب كما صرح به الناظم تبعاً لغيره وأما تنظيف المحلين بالاستنجاء أو بالاستجمار فهو من باب زوال النجاسة وقد تقدم حكمه (فرع) فإن ترك الاستنجاء والاستجمار ساهياً وصلى ففى إعادته فى الوقت رويتان لابن القاسم وأشهب فقال ابن أبى زيد يريد الماسح والمبعر وخرج اللخمى يعيد أبداً من القول بالإعادة أبداً لمن صلى بنجاسة ناسيا وهي رواية أبو وهب قوله وجاز الاستجمار البيت أن الاستجمار بالحجر ونحوه يجوز أن يكفى عن الاستنجاء بالماء في بول الذكر وفي الغائط ما لم ينتشر ذلك المذكور من البول والغائط عن المخرج كثيراً فلا بد فيه حينئذ من الاستنجاء بالماء كما لا بد منه في بول المرأة ولذا قال في بول ذكر فأما الاستنجاء فقال القاضي عياض إنه مأخوذ من نجوت العود إذا قشرته فكأن المستنجي يقشر ما على المحل من الأذى وقيل مأخوذ من النجاسة وهو التخلص
لأن الإنسان يتخلص به من دون المحل وتعلق الأذى به وحقيقته إزالة النجاسة الخارجة من المخرجين أو من أحدهما بالماء المطلق عن ظاهري المحل الذي خرجت منه وأما استجمار فقال إنه مأخوذ من الجمار وهي الحجارة الصغيرة التي تزال بها وقيل من الاستجمار بالبخور والمجمر لأنه يطيب المحل كما يطيب البخور ويسمى استطابة لتنظيفه الموضع بإزالة الأذى عنه قال المازرى الاستجمار التمسح بالجمارة وقال غيره وهو مسح المخرج من الأذى بجامد طاهر منق منفصل ليس بذي شرف ولا بذي حرمه ولا مطعوم ولا حق لأحد فيه ولا منجس غيره اهـ فقوله بجامد أي بكل جامد حجرا كان أو غيره وهو كالجنس قال في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب والجامد كالحجر على المشهور قاس في المشهور كل جامد على الحجر لأن القصد الإنقاء وروى في القول الآخر أن ذلك رخصة فيقتصر بها على ما ورد والصحيح الأول لأن الرخصة في نفس الفعل لا في المفعول به وأخرج بوصف الطهارة النجس فلا يستجمر به وليس على إطلاقه بل إذ باشر المحل فإن كان في أحد جنبي الحجر نجاسة جاز الاستجمار بالجنب الآخر قال فى التوضيح قال الباجى عندي إن استجمر بنجس فقد طرأت على المحل نجاسة غير معتادة فلا ترفع إلا بالغسل وبوصف الانقاء ما لا ينقى لملوسته كالزجاج وبوصف الانفصال يد نفسه لكن ذكر في الرسالة أنه يستجمر بيده ولفظه ثم يمسح ما في المخرج من الأذى بمدر أو غيره أو بيده وكذلك ذكر سيدىبو عبدالله ابن الحاج أنه إذا عدم الأحجار فلا يترك فضيلة الاستجمار بل يستجمر بأصبعه الوسطى بعد غسلها وأخرج بقوله ليس بذي شرف الذهب والفضة واليواقيت ونحوها وأخرجها ابن
الحاجب بوصف النفاسة فقال في التوضيح عن ابن رشد وذكر وصف النفاسة تنبيها على علة المنع لأن استعمالها في ذلك تنجيس لها ولأنها أجسام فيها ملوسة فتزيد المحل تلطيخاً وأخرج بقوله ولا بذي حرمة جدار المسجد كذلك قال ابن الحاجب قال في التوضيح ناقلا عن الاكمال وقد تساهل الناس في المسح بالحيطان وهو مما لا يجوز فعله لتنجيسها ولأن على الناس ضرائر في الانضمام إليها لا سيما عند نزول المطر وبلل الثياب وهو ظاهر وعلى هذا فلا يظهر لتخصيص جدار المسجد إلا الأولوية اهـ وكذا يخرج الورق لحرمة الحروف وتختلف الحرمة بحسب ما كتب فيه وفي معنى المكتوب الورق غير المكتوب لما فيه من النشا واخرج بقوله ولا مطعوم جميع المأكول ولو كان في الأدوية والعقاقير وأخرج بقوله ولا حق فيه لأحد ما كان مملوكا للغير ولا إشكال وكذا الحممة والروث والعظم الطاهر لحق الجن فقد روى أبوداود أنه قدم وفد الجن على النبى فقالوا يامحمد إنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة فإن الله جعل لنا فيها رزقا
«فنهى النبي عن
ذلك» قالأبو عبيدالحممة الفحم وقوله ولا منجس غيره احترز به من جدار المرحاض ومن المائعات والخرق المبتلة لأن الرطوبة تنشر النجاسة فتنجس ما لم يكن متنجسا زاد ابن الحاجب كونه غير مؤذ احترازا من الزجاج المحرف ونحوه ولا يبعد الاكتفاء عنه بوصف الانقاء لأن إذابته قد تمنع من الإنقاء به (فرع) فإن استجمر بشيء مما نهي عنه فقال اصبغ يعيد في الوقت وقالابن حبيب لا إعادة عليه وقالابن عبد الحكم صلاته باطلة فيعيد أبدا واستظهره ابن عبد السلام لأن الاستجمار رخصة فإذا لم يأت بمحل الرخصة بقي على أصل المنع فيكون مصليا بالنجاسة التوضيح وفيه نظر لأن الرخصة فى الإزالة وقد حصلت لا فيما يزال به والقول بعدم الإعادة فيما إذا استجمر بنجس مبنى على أن إزالة النجاسة مستحبة (فرع) المذهب أن المطلوب في الاستجمار الانقاء دون العدد فإذا حصل الانقاء بحجر واحد أو اثنين كفى ذلك ومذهب الشافعي مراعاة الانقاء مع العدد لحديث ومن استجمر فليوتر وحديث أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار وقد خرج هذا بيانا لأقل ما يجزىء وبوجوب الانقاء والعدد قال أبوالفرج وابن شعبان وأنه لا بد من ثلاثة أحجار وعلى قولهما فهل يجب لكل مخرج ثلاث أو تكفى الثلاث لهما معا قولان وفي إجزاء حجر ذي ثلاث شعب قولان وفى إمرار الثلاث على جميع المحل أولكل جهة واحد والثالث للوسط قولان وعلى المشهور من عدم وجوب العدد فهل يستحب الوتر قالابن هارون لم أر لأصحابنا فيه نصا والذى سمعته قديما فى المذكرات أنه يطلب الوتر إلى السبع فإن لم ينق بها لم يطلب إلا الانقاء من غير مراعاة وتر (فرع) المطلوب الجمع بين الأحجار والماء فإن اقتصر على الماء أجزأه بغير خلاف وإن اقتصر على الأحجار مع عدم الماء ولم تنتشر النجاسة على فم المخرج فكذلك وإن
اقتصر عليها مع وجود الماء فالمشهور الاجزاء وقال ابن حبيب بعدم الأجزاء مع وجوده. (فرع) ما انتشر من النجاسة عن محل خروجها أي بعد تعيين الماء كما نبه عليه الناظم بقوله إلا ما كان كثيراً انتشر وفى كون ما قرب جدا كالمخرج أو لا بد من الماء قولان الأول لابن الجلاب والثانى لابن عبد الحكم وابن حبيب وهذا مفهوم قول الناظم كثيراً والخلاف فى المسألة جار على الخلاف فيما قرب من الشيء هل له حكم ذلك الشيء أو حكم نفسه وللمسألة نظائر كثيرة انظرها فى كتب النظائر كالمنهج المنتخب للزقاق وإيضاح المسالك للونشريسى ونحوهما (فرع) إذا قلنا بالمشهور على إجزاء الاستجمار مع وجود الماء فغيرالمعتاد يخرج من السبيلين مثل المعتاد الطراز جوز القاضي الاستجمار من الدم والقيح وشبهه ويحتمل المنع (تنبيه) استثنى العلماء مسائل يتعين فيها الماء ولا يكفى الاستجمار فيها منها ما انتشر على المخرج كثيرا كما تقدم ومنها بول المرأة لتعديه محله لجهة المقعدة وكذلك الحصى ومنها المذي وتقدم الخلاف هل يجب منه غسل جميع الذكر أو محل الأذى فقط ومنها المني ودم الحيض والنفاس فى حق من فرضه التيمم لمرض أو لعدم ماء ومعه ما يزيل به النجاسة فقط فتجب إزالة ذلك بالماء ولا يكفي ذلك الاستجمار قلت وكذا المني إذا خرج بغير لذة أصلا أو للذة غير معتادة فإنه حينئذ موجب الوضوء فقط فلا بد من إزالته بالماء (فرع) قال في التهديب ولا يكره استقبال القبلة ولا استدبارها لبول أو غائط أو المجامعة إلا في الفلوات وأما المدائن والقرى والمراحيض التى على السطوح فلا بأس به وإن كانت تلي القبلة التوضيع وظاهره جواز الاستقبال في الكنيف وإن لم تكن مشقة بدليل جواز المجامعة ولا ضرورة فيها قاله اللخمي وابن رشد وعياض وسند قال سند وظاهر قوله فيها والمراحيض التى على السطوح الجواز وإن لم يكن سائر وعلى ذلك حمله في تهذيب الطالب ونقل أبو الحسن تأويلا آخر أن ما في المدونة محمول على الساتر اهـ قال في الشامل ويجوز في القرى والمراحيض وإن لم يلجأ على الأصح وهل يجوز ذلك في مرحاض سطح مطلقا أو بساتر قولان اهـ التوضيح وقال ابن رشدالموضع إن كان لا مراحيض فيه ولا ساتر فلا يجوز فيه الاستقبال والاستدبار أو يكون فيه المراحيض والساتر فيجلس بحسب ما تقتضيه المراحيض أو يكون ذا مراحيض ولا ساتر فيجلس بحسب ما تقتضيه المراحيض أيضاً للضرورة أو يكون ذا ساتر ولا مراحيض ففي المذهب قولان وسبب الخلاف هل العلة المصلون أي ينظره بعض من
يصلي للجهة فإن كان ساتراً جاز للأمن من علة المنع أو المنع لأجل حرمة القبلة وهي حاصلة سواء كان ثم حائل أم لا اهـ قال في المدونة الكبرى قلت أيجامع الرجل زوجته مستقبل القبلة قال لا أحفظ في هذا عن مالك شيئاً ورأى أنه لا بأس بذلك لأنه لا يرى بالمراحيض في المدائن والقرى بأساً ابن بشير تعلق بعض الأشياخ باللفظ الأول فأجاوزه مطلقاً وتعلق آخرون بالتشبيه فألحقوه بالحدث والتأويل الثاني للقابسي وشهره ابن الحاجب التوضيح وهو الظاهر لأن فيه اعتبار مجموع كلام ابن القاسم وأما التأويل الأول فينظر فيه إلى أول الكلام فقط وهو لا ينبغي ثم قال في التوضيح فرعان الأول قال صاحب الطراز لا يكره استقبال بيت المقدس لأنه ليس قبلة الثاني يجوز عندنا استقبال الشمس والقمر لعدم ورود النهي عنه كذا قالابن رشد وقال سيدى أبو عبد الله ابن الحاج في ذكر آداب الاستنجاء الثامنة أن لا يستقبل الشمس والقمر فإنه ورد أنهما يلعنانه ومقتضى كلامه أنه في المذهب فإنه قال أولا وقد ذكر علماؤنا رحمهم الله آداب المتصرف ذلك اهـ (فرع) قال في المدونة ولا يستنجى من الريح قال في التوضيح فيه تنبيه على من شذ فأمر بالاستنجاء من الريح وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام «ليس منا من استنجى من الريح» أي على سنننا رواه الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب المتفق والمفترق في ترجمة محمد بن زيادالكلبي اهـ
فصل أذكر فيه بعض آداب قضاء الحاجة
فمنها هل يكون قائما أوجالسا قال في التوضيح قسم بعضهم موضع القبول على أربعة أقسام فقال إن كان طاهراً رخواً كالرمل جاز القيام والجلوس أولى لأنه أستر وإن كان صلباً نجساً تنحى عنه إلى غيره وإن كان طاهراً صلباً تعين الجلوس وإن كان نجسا رخوا بال قائماً مخافة أن تتنجس ثيابه اهـ وإلى هذا التقسيم أشار الإمام أبو محمد عبد الواحد الونشريسى رحمه الله تعالى بقوله
بالطاهر الصلب اجلس
وقم برخو نجس
والنجس والصلب اجتنب
واجلس وقم إن تعكس
والعكس هو أن يكون المحل طاهراً رخواً عكس الوجه الثالث وقدم فيه فى النظم الجلوس على القيام لأنه الأفضل كما تقدم عن التوضيح وقد ورد فى الحديث «أن
النبى أتى سباطة قوم فبال قائما» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأنكرت ذلك عائشة وقالت من حدث أن رسول الله بال قائما فكذبوه وكأنها والله أعلم أنكرت ذلك للغالب من فعله قالمجاهد ما بال قائما قط إلا مرة واحدة وقال الخطابى إنما فعل ذلك لعلة به ولم يقدر على الجلوس معها وكانت العرب تستشفى به من وجع الصلب ولذا قال بعضهم بولة فى الحمام قائما خير من فصادة وقيل إنما فعله لقرب الناس منه والبول قائما يؤمن معه خروج الصوت وقيل إنما فعله لأنه خاف متى جلس أن يكون فى السباطة نجاسة فتنجس ثوبه اهـ والسباطة موضع طرح الكناسة وهذا التقسيم إنما هو فى البول وأما الغائط فلا يجوز إلا جالسا ومنها الإبعاد عن الناس بحيث لايسمع له صوت والتستر عن أعين الناس عياض من آداب الأحداث ابعاد الذاهب إلى الغائط فى الصحراء وحيث تتعذر الجدران بحيث لا يرى له شخص ولا يسمع له صوت القباب ولا يشم ريح وللبول بحيث يستر ويأمن سماع الصوت ومنها إتقاء الحجر لما يخرج من الهوام فيؤذيه قالابن حبيب فى النوادر ويكره أن يبول فى المهواة وليبل دونها ويجرى إليها وذلك من ناحية الجان ومساكنها ابن عبد السلام وكان ذلك سبب موت سعد ابن عبادة رضى الله عنه وكذا اتقاء الملاعن كالطريق والظلال والشاطأ والماء الراكد سميت بذلك لأن الناس يأتون إليها فإذا وجدوا العذرة هناك لعنوا فاعلها ومنها إعداد المزيل من حجر أو ماء ومنها الذكر قبل موضع الحدث لما فى الصحيحين أن رسول الله كان يقول عند الدخول إلى الخلاء «اللهم إنى أعوذبك من الخبث والخبائث الرجس النجس الشيطان الرجيم» فإن فاته أن يذكر قبل موضع الحدث فيذكر في مواضع الحدث إن كان غير معد لقضاء الحاجة وفى جوازه فى المعد لقضاء الحاجة قولان القاضى ذهب بعضهم إلى جواز ذكر الله فى الكنيف وهوقول مالك والنخعى وعبد الله بن العاصى وقالابن القاسم إذا عطس وهو يبول فليحمد الله ابن رشد الدليل لابن للقاسم من جهة الأثر أن رسول الله
كان إذا دخل الخلاء استعاذ وعن عائشة كان رسول الله يذكر الله على كل أحيانه ومن طريق النظر أن ذكر الله يصعدإلى الله فلا يتعلق من دناءة الموضع شيء فلا ينبغى أن يمتنع من ذكرالله على حال إلا بنص ليس فيه احتمال وكذا الذكر بعد الخروج من بيت الخلاء كقوله اللهم غفرانك الحمد الله الذي سوغنيه طيبا وأخرجه عني خبيثا أو يقول الحمد لله الذي رزقني لذته وأخرج عني مشقته وأبقى في جسمي قوته ومنها إدامة الستر إلى الجلوس فلا يرفع ثوبه حتى يدنومن الأرض ومنها السكوت فلا يتكلم إلا إذا خشي فوات مال أو نفس عياض ولا يسلم عليه ولا يرد قلت وهذه إحدى النظائر التى لا يسلم فيها على الإنسان وإن سلم عليه فلا يرد ولبعضهم فيها
ردالسلام واجب إلا على
من في صلاة أو بأكل شغلا
أو شرب أو قراءة أدعية
أو ذكر أو بخطبة تلبية
أو في قضاء حاجة الانسان
أو في إقامة كذا الأذان
أو سلم الطفل أو السكران
أوشابة يخشى بها افتتان
أو فاسق أو ناعس أو نائم
أو حالة الجماع أو تحاكم
أو كان فى الحمام أو مجنونا
فواحد من بعده عشرونا
انتهى ومن آداب قضاء الحاجة أيضا أن يتكأ على رجله اليسرى ومنها أن لا يأخذ ذكره بيمينه المازرى يأخذ المستجمر ذكره بشماله يمسح به الحجر عياض فإن لم يمكن أمسك حجرا بيمينه وحرك بشماله ذكره ومنها أن يفرغ الماء على يده قبل أن يلاقي بها الأذى لسهولة إزالة ما يتعلق بها من الرائحة وأن يغسلها بالتراب بعد الفراغ ومنها تقديم قبله قبل دبره خوف تلويثه ذراعه إن قدم الدبر وقيده سند بما إذا لم يقطر بوله عند مس الدبر فإن قطر فيقدم الدبر حينئذ ومنها تفريج فخذيه لأنه أبلغ فى استفراغ ما في الحمل واسترخاؤه قليلا لئلا ينكمش المحل بملاقاته برودة الماء على شيء من النجاسة وقيل ليتمكن بذلك من تقطير البول وغيره ومنها تغطية رأسه لقول الصديق رضى الله عنه لأذهب فى قضاء حاجتى مقنعا رأسي بردائي حياء من ربي وأن لا يلتفت يمينا وشمالا لئلا يعتريه ما يؤذيه ومنها أن ينحي ما فيه اسم الله الجزولي من آداب المحدث أن لا يدخل الخلاء ما فيه اسم الله تعالى إكراما له كالدرهم والخاتم وغير ذلك كما كره مالك أن يعامل أهل الذمة بالدراهم عليها مكتوب اسم الله وحكى ابن
الحاجب فى الاستنجاء بخاتم فيه ذكر الله قولين التوضيح والمعروف فى الخاتم المنع والرواية بالجواز منكرة ثم المانع فى الخاتم أقوى من الذكر لمماسة النجاسة له ومنها أن يقدم رجله اليسرى فى دخوله بيت الخلاء ويؤخرها فى الخروج منه عكس المسجد فيقدم اليمنى دخولا واليسرى خروجا وأما المنزل فيقدم يمناه دخولا وخروجا
فَصلٌ فُرُوضُ الغَسلِ قَصْدٌ يُحتَضرْ
فَوْرٌ عُمومُ الدَّلْك تَخْلِيلُ الشّعرَ
فَتابعِ الخَفِىَّ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنْ
الأَبِطَ والرُّفْغَ وبينَ الاليَتَينْ
وصِل لِما عَسُرَ بالمِنْديلِ
ونَحوِهِ كالحَبْلِ والتَّوكِيلِ
الغسل بالفتح اسم للفعل وبالضم اسم للماء عكس المختار فى الوضوء أخبر رحمه الله أن فرائض الغسل أربعة أولها النية وعبر عنها بالقصد وإنما وصفه بيحتضر أي يطلب حضوره عند الشروع فى الغسل لأن المطلوب أن تكون مصاحبة للمنوي وتقدم فى الوضوء الكلام على تقدمها وتأخرها فراجعه إن شئت قال فى التوضيح ناقلا عن ابن عبد السلام وابن هارون اتفق هنا على وجوب النية وخرج جماعة من الوضوء قولا بعدمه ابن هرون وقد يفرق بأن الوضوء فيه معنى النظافة لكونه متعلقا بالأعضاء التي يتعلق بها الوسخ غالبا بخلاف الغسل اهـ. وينوى إن كان الغسل واجبا رفع الحدث الأكبرأو استباحة الممنوع أو الفرض كالوضوء الباجى ينوي الجنابة أو ما يغسل له كل الجسد وجوبا كالحيض أو استحبابا كالجمعة أو استباحة كل موانعها أوبعضها ابن عرفة ويجىء ما مر في الوضوء اهـ ومحل النية عند شروعه في الغسل أما عند إزالة الأذى إن بدأ بها كما هو المطلوب أو عند غيرها مما بدأ به أوعند غسل اليدين المقدم على إزالة الأذى إن قلنا إن غسلهما واجب للجنابة وتقديم غسلهما هو السنة فإن نوى الجنابة عند إزالة الأذى فلا يحتاج إلى إعادة غسل ذلك المحل لأن إزالة النجاسة لا تفتقر إلى نية فتندرج في الغسل وتكفي الغسلة الواحدة لرفع الحدث وحكم الخبث إذ لا يشترط تقديم طهارة المحل على غسل رفع الحدث الأصغر أو الأكبر على ظاهر نصوص الأئمة خلافا لابن مسلمة وابن الجلاب ومن قال بقولهما أن الغسلة الواحدة لاتجزأ لهما وأنه لا بد من تقدم طهارة المحل على غسل رفع الحدث وعليه فينوي الاستنجاء في الثاني الذي هو بنية الجنابة دون الأولى إذ هو خارج عن الغسل وهو من باب إزالة النجاسة وعلى أن الغسلة الواحدة تكفي ولو اقتصر على نية الإزالة فلا بد من إعادة غسل محل النجاسة بنية الجنابة فإن لم يفعل فهي لمعة القلشانى
وظاهر قول الرسالة وأفضل له أن يتوضأ بعد أن يبدأ بغسل ما بفرجه أو في جسده من الأذى كقولالجلاب
في شرط تقدم طهارة المحل ويحتمل غير ذلك وأن ذلك على سبيل الأفضل لا أنه واجب اهـ التوضيح وكان شيخنا رحمه الله يقول كلام ابن الجلاب حق ولا يمكن أن يخالف فيه أحدا إذ لا بد من انفصاله بالماء عن العضو مطلقا ولوانفصل متغيراً بالنجاسة لم يمكن بالقول بحصول الطهارة لهذا المتطهر وعلى هذا فلا بد من إزالة النجاسة قبل طهارة الحدث انتهى (الثانى) الفور وهو المولاة كما تقدم فى الوضوء سواء صرح بذلك ابن الحاجب وابن عرفة وغيرهما فيجب مع الذكر والقدرة ويسقط مع العجز والنسيان على أحد القولين المشهورين وعليه اعتمد الناظم هنا وفى الوضوء (الثالث) الدلك التوضيح عن ابن هرون والدلك هنا كالوضوء اهـ وقد تقدم بعض الكلام على الدلك فى الوضوء فراجعه إن شئت ويتدلك بيده فإن لم تصل يده لبعض جسده دلكه بخرقة أو حبل أونحوهما أواستناب غيره على دلكه ممن تجوز له مباشرته كالزوجة والسرية على أي موضع عجز عنه فإن كان المعجوز عنه في غير ما بين السرة والركبة جاز أن يوكل على دلكه أجنبيا هذا هو المشهور وهو قول سحنون وقيل إن ما لم يصل إليه بيده يسقط وجوب دلكه وهو في الواضحة وقيل إن كان ذلك كثيرا لزمه دلكه بخرقة أو استنابة كما تقدم وإن كان ذلك قليلا سقط وهو للقاضى أبى الحسن فإن تعذر الدلك بكل وجه سقط كأن يكون بعض جسده لايصل إليه بيده ولابخرقة ولم يجد من يستنيب أصلا أو وجد أجنبيا وكان ذلك فيما بين السرة والركبة ابن الحاجب فإن كان مما لا يصل إليه بوجه سقط وإن كان يصل إليه باستنابة أوبخرقة فثالثها إن كان كثيراً لزمه اهـ ظاهر جواز الاستنابة فيما عجز عن دلكه بيده مع قدرته على دلكه بحبل ونحوه وهو كذلك والله أعلم على وجوب ذلك ما تصل إليه يده بحبل ونحوه أو استنابة فيه بقوله وصل لما عسر البيت فقوله والتوكيل عطف على بالمنديل ولما كان الواجب فى الغسل دلك جميع البدن قال الناظم فى تعداد الفرائض عموم الدلك أي لجميع الجسد واستنتج عن ذلك وجوب متابعة المغابن والمحافظة عليها فقال مصدرا بالفاء المؤذنة بتسبب ما بعدها عما قبلها فتابع الخفى البيت ومثل الركبتين على حذف مضاف أي طي الركبتين وكذا قوله والإبط أن تحت الإبط والرفغ أخذ الفخذ من المقدم وبين الاليتين هو الشق الذي بين الفخذين من خلف وهو منتهى سلسلة الظهر ونبه على المواضع بالخصوص وإن كانت داخلة في وجوب غسل جميع البدن لكونها
مغابن ينبو عنها الماء ويغفل عنها فاعتنى بذكرها محافظة عليها واعتناء بشأنها ويدخل في قوله مثل الركبتين أسافل الرجلين أي ما يلي الأرض من القدم وعمق السرة ونحو ذلك وفي الرسالة ويتابع عمق سرته وتحت حلقه ويخلل شعر لحيته وتحت جناحيه وبين أليتيه ورفغيه وتحت ركبتيه وأسافل رجليه ويخلل أصابع يديه اهـ قال ناظم مقدمة ابن رشد.
وتابع الشقوق والأعكانا
وتابعن ماغارحيث كانا
فإن يكن في فعله مشقه
فعمه بالماء وادلك فوقه
وحرك الخاتم فى اغتسالك
والخرص والسوار مثل ذلك
انتهى ولا يشترط فى الدلك أن يكون مصاحبا لصب الماء أو الانغماس فيه على المشهور وعبرعنه ابن الحاجب بالأصح فقال لو تدلك عقب الانغماس أو الصب أجزأه على الأصح وهو قول أبى محمد ومقابله لابن القابسى وقيد محل الخلاف بطاهرالأعضاء أما من بجسمه نجاسة فلاتزول إلا بمصاحبة الدلك بصب كما تقدم (الرابع) تخليل الشعر وظاهره سواء كان كثيفاً أو خفيفاً وهو كذلك بخلافه فى الوضوء كما تقدم ابن الحاجب الأشهر وجوب تخليل اللحية والرأس وغيرهما وتضغث المرأة شعرها مضفوراً التوضيح تضغث بفتح التاء وبالغين المعجمة والضاد المعجمة الساكنة وآخره ثاء مثلثة ومعناه تضمه وتجمعه وتحركه وتعصره قال عياض وقوله مضفوراً مبنى على الغالب وإلا فلا فرق بين المضفور والمربوط اهـ الرسالة وليس عليها حل عقاصها قالوا يريد إذا كان مرخوا بحيث يدخله الماء وإلا فلا بد من حله وهذا التحليل هو بعد صب الماء على الرأس أو معه وأما التخليل قبله فمستحب ويأتى الكلام عليه إن شاء الله تعالى (فرع) من كانت برأسه علة لا يستطيع معها غسله وإنما يقدر على مسحه فأفتى ابن رشد بانتقاله إلى التيمم إذا خشي على نفسه قالابن عرفة الأظهر مسحه ومثله لابن عبد السلام أخذ له من مسائل على الجبائر (فرع) المرأة الجنب تحيض أوالحائض تجنب فتغتسل غسلا واحداً لها ثلاثة أحوال (الأولى) أن تنويهما معا ولا إشكال في الاجزاء (الحالة الثانية) أن تنوي الجنابة ناسية
للحيض فهل يجزئها، وإليه ذهب أبو الفرج وابن عبد الحكم ابن يونس وهومذهب المدونة، أو لا يجزئها وإليه ذهب سحنون لأن موانع الحيض أكثر فلا يندرج تحت الجنابة، ورأى في القول الأول أنهما متساويان في أكثر الأشياء وإنما يختلفان في الأقل ومن القواعد جعل الأقل تابعاً للأكثر (الحالة الثالثة) أن تنوي الحيض ناسية للجنابة قالابن الحاجب: فالمنصوص يجزأ لتأكده أولكثرة موانعه وخرج الباجى نفي الاجزاء بأن الجنابة تمنع القراءة، والحيض لا يمنعها على المشهور. وأما إن اجتمع الواجب من الغسل مع ما ليس بواجب كالجنابة مع غسل الجمعة فقالابن عبدالسلام الأظهر أن المكلف مطلوب بغسل الجنابة وغسل الجمعة واتفاقهما في الصورة لايوجب اتحادهما فلا بد من غسلين ولاسيما إذا فرعنا على المشهور أن غسل الجمعة متعبد به، ولكنهم حكموا إذا نواهما مستتبعا نية غسل الجمعة بالإجزاء عنهما. واختلفوا في العكس وعبارة التوضيح: اعلم أن لهذه المسألة صورتين (إحداهما) أن ينوي غسل الجنابة وينوي به النيابة عن غسل الجمعة وهذه الصورة لا خلاف فيهاأنها تجزىء لهما (والثانية) أن ينوي أي هذا الغسل للجنابة والجمعة، وهى المسألة التى ذكرها فى الجلاب ابن الحاجب. وفى الجلاب لو خلطهما بنية واحدة لم يجزه ومذهب المدونة عند الأكثرين الإجزاء فى صورة الخلط ولو نوى الجنابة ناسياً للجمعة فيجزئه عن الجنابة ولايجزئه عن الجمعة وإن نوى الجمعة ناسياً للجنابة لم يجزه عن جنابته ولاعن جمعته، هذا قولابن القاسم ووجهه قوله «إنما الأعمال بالنيات» فوجب إن نوى الجنابة ناسياً للجمعة أن لايجزئه عن الجمعة وأما إن نوى الجمعة ناسياً للجنابة فوجد عدم الاجزاء فى ذلك أن من شرط غسل الجمعة حصول غسل الجنابة القلشانى، وانظر على هذا إذا صام يوم عرفة أو عاشوراء ناوياً فضل اليوم مع فضل قضاء رمضان، وأما إذا نوى مع الجنابة أو الجمعة ما هو من ضروريات الفعل مما لا يفتقر إلى نية كالتبرد. فمال ابن العربى للأجزاء وهو منصوص عليه للشافعية وجار على أصل مذهبنا وذكر المازري في صحة الغسل بنية رفع حدث الجنابة والتبرد قولين ابن القاسم يجزأ للتعليم ورفع لحدث (فرع) من اغتسل لجنابة إن كانت فكانت ففي إجزاء غسله قولان قال عيسى يجزئه
إذا سئلت وضوءاً ليس ينقضه
إلا الجماع وضوء النوم للجنب
قال الناظم رحمه الله
تَبْدَأُ في الْغُسْلِ بِفَرْجٍ ثُمَّ كُفْ
عَنْ مَسِّهِ بِبَطْنِ أَو جَنَبِ الأَكُفْ
أَو أُصْبُعٍ ثُمَّ إذا مَسَسْتَهْ
أَعِدْ مِنْ الوُضُوءِ ما فَعَلْتَهْ
البداءة في الغسل بغسل الفرج تقدمت للناظم في المستحبات وإنما أعادها والله أعلم ليرتب عليها ما ذكر بعدها من كون المغتسل إذا غسل فرجه يطلب منه أن يكف عن مسه ببطن الكف أو جنبها أو بطن الاصابع أو جنبها ليكفيه الغسل عن الوضوء فإذا مسه بما ذكر بعد كمال الوضوء أو في أثنائه احتاج إلى اعادة ما فعل من الوضوء كما نبه عليه بقوله ثم إذا مسسته الخ وهو بكسر السين الأولى ولا خصوصية للمس بل وكذلك إذا انتقض وضوؤه بغير المس الحكم واحد وإنما خص المس لأنه الغالب فقط فقوله عن مسه أي عن مس الفرج وهو شامل للذكر وفرج المرأة وقوله ببطن بكسرة واحدة لأنه مضاف في التقدير إلى مثل ما أضيف له جنب كما قررنا وقوله أو أصبع عطف على الأكف مدخول لبطن وما عطف عليه أي أو ببطن أصبع أو جنبها وتخصيص النقض بالبطن والجنب للكف والأصابع ظاهر في أن المراد بالفرج خصوص الذكر إذا لم أقف الآن على أن النقض بمس المرأة فرجها على القول به خاص بمسه بالبطن والجنب اللهم أن يكون من باب صرف الكلام لما يليق به وإن المس إن كان لفرج المرأة فالنقض بأي جهة مسته وإن كان للذكر فيختص بما ذكر قال في الرسالة ويحذر أن يمس ذكره في تدلكه بباطن كفه فإن فعل ذلك وقد أوعب طهره أعاد الوضوء وإن مسه في ابتداء غسله وبعد أن غسل مواضع الوضوء منه فليمر بعد ذلك بيده على مواضع الوضوء بالماء على ما ينبغي من ذلك وينوبه الجزولى قوله فليمر بعد ذلك هل بعد المس في أثناء الغسل أو بعد كمال الغسل في المدونة ما يشهد لهما قال فيها ومن مس ذكره في غسله من جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله إلا أن يمر بيده على مواضع الوضوء في غسله فيجزئه اهـ فإن قلنا أراد بعد المس فيكون الشيخ أبو محمد تكلم عن الوجه الثاني في المدونه وهو المستثنى وإن قلنا أراد بعد الغسل فيكون تكلم عن الوجه الأول فيها
وهو المستثنى منه (فرع) إذا أحدث المغتسل في أثناء غسله بمس أو غيره فهل يجب عليه تجديد النية إذا غسل أعضاءه حينئذ قبل كمال غسله أم لا اختلف في ذلك الشيخان فقال ابن أبى زيد يجب عليه التجديد وإن لم يجدد لم يجزه ذلك عن وضوئه وقال القابسي يجزئه وأجرى هذا الخلاف على أصلين الأول هو كل عضو غسل يرتفع عنه حدثه أو لا يرتفع الحدث إلا بالإكمال الثاني هل الدوام كالابتداء أم لا ووجه إجزائه على الأصل الأول أنك إذا قدرت الطهارة كانت حاصلة لأعضاء الوضوء وجبت إعادة النية عند تجديد غسلها لذهاب طهارتها وان قدرتها غير حاصلة فالنية باقية فلا يحتاج إلى تجديدها لبقائها ضمنا في نية الطهارة الكبرى ووجه إجزائه على الأصل الثاني أن نية الطهارة الكبرى منسحبة حكما فإن قدر الانسحاب كالابتداء كان نية والدوام كالابتداء فينسحب عليه نية الابتداء وإن لم يقدر الانسحاب كالابتداء واحتيج إلى تجديدها وظاهرالمدونة مع القابسى لأنه إنما ذكر فيها إمرار اليدين من غير تعرض للنية فلو كانت شرطاً لذكرها قال في التهذيب ومن مس ذكره في غسله من جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله إلا أن يمر بيده على موضع الوضوء غسله فيجزئه فأطلق على الأول وهو الوضوء بعد فراغ الغسل إعادة وعلى الوضوء الثانى وهو أثر المس قبل كمال الغسل إمرارا وخالف بين اللفظين وذلك دليل على اختلاف الحقيقتين وليس إلا وجود النية وعدمها وفي التوضيح ما معناه في قولهم في تقرير هذا الظاهر لو كانت النية شرطا لذكرها ضعف إذ لا يلزم من عدم ذكر الشيء عدم اشتراطه وإلى المسئلة وما انبنى عليه خلافها أشار الإمام ابن الحاجب بقوله وأما اختلاف القابسى وابن أبى زيد فيمن أحدث قبل تمام غسله ثم غسل ما مر من أعضاء وضوئه ولم يجدد نية فالمختار بناؤه على أن الدوام كالابتداء أو لا ظاهرها للقابسى اهـ ومقابل المختار بناء على الخلاف على الأصل الأول كما تقدم (تنبيه) هذا كله إذا انتقض وضوؤه في أثناء غسله فغسل أعضاء الوضوء حينئذ قبل كمال الغسل وأما إذا لم يغسلها إلا بعد كمال الغسل فأما الشيخ أبو محمد فيقول بتجديد النية من باب الأولى وأما الشيخ أبو الحسن القابسى فهل يلزم عنده تجديد النية لانقضاء الطهارة الكبرى أم لا لأن الفصل يسير قولان للشيوخ المتأخرين قاله المازرى ونقله في التوضيح وأما إن لم ينقض وضوؤه إلا بعد كمال الغسل فتلزمه نية الوضوء اتفاقاً نقله التتائى في شرح الرسالة عن أبى الحسن الصغيرقلت ويتوضأ ثلاثاً ثلاثاً ولا أشكال والله أعلم
مُوجِبهُ حَيْضٌ نِفاسٌ انْزالُ
مَغِيبُ كَمْرَةٍ بِفَرْجٍ اسْجَالُ
لما فرغ من فرائض الغسل وسننه وفضائله شرع في بيان موجباته وأخبر أنها أربعة الأول والثانى الحيض والنفاس أي انقطاعهما ففي كلام الناظم حذف مضاف وعاطف أي موجب الغسل انقطاع حيض ونفاس إلى آخر ما ذكره الثالث الإنزال وهو خروج المنى المقارن للذة المعتادة الرابع مغيب الحشفه وتسمى الكمرة وهي رأس الذكر في فرج آدمي أو غيره أنثى أو ذكر حي أو ميت بانعاظ أم لا أنزل أم لا وإلى هذا التعميم في مغيب الحفشة أشار بقوله اسجال إذ هو مصدر أسجل إذا أطلق وأرسل ولم يقيد قال الجوهري قال محمد بن الحنفية في قوله تعالى {هل جزاء الإحسان إلاالإحسان} وهي مسجلة للبر والفاجر قال الأصمعى أي مرسلة لم يشترط فيها بردون فاجر يقال أسجلت الكلام أي أرسلته اهـ ولعل هذا اللفظ في كلام الناظم مخفوض على إسقاط الخافض أي بإسجال وهو في محل الحال من مغيب وإنزال ومغيب مرفوع بالعطف على حيض بحذف العاطف أيضا واعلم أن لابن الحاجب في موجبات الغسل صنيعاً يخالف صنيع الناظم لأنه قال الغسل موجباته أربعة الجنابة وهي إما بخروج المنى المقارن للذه المعتادة من الرجل أو المرأة وإما بمغيب الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج آدمي أوغيره أنثى أو ذكر حي أو ميت والمرأة في البهيمة مثله. الثاني انقطاع الحيض والنفاس بخلاف انقطاع دم الاستحاضة ثم قال تطهر أحب إلي. الثالث الموت والرابع الإسلام لأنه جنب على المشهور وقبل تعبد وعليه ولو لم تتقدم له جنابة وقال القاضى اسمعيل يستحب وإن كان جنبا لجنب الإسلام وألزم الوضوء اهـ فعد الجنابة موجبا واحدا تحته شيآن خروج المني ومغيب الحشفة والناظم عدهما موجبين وعد انقطاع الحيض والنفاس موجبا واحدا وجعل الموجب الثالث الموت ولم يذكره الناظم هنا بل أخره إلى الكلام على الصلاة على الميت ولم يذكر الناظم أيضا الموجب الرابع بناء على المشهور كما تقدم في كلام ابن الحاجب من أن غسل الكافر إذا أسلم إنما هو للجنابة التى تقدمت له وأنه إذا أسلم ولم تتقدم له جنابة لا يجب عليه غسل وإذا كان كذلك لم يحتج إلى ذكره لاندراجه في الإنزال ومغيب الحشفة. ولا بد من ذكر فروع الأول قال ابن الحاجب ولو وطىء الصغير كبيرة فلم تنزل فلا غسل عليها على المشهور قال في التوضيح الخلاف إنما هو في المراهق ونحوه على ما قال عبدالوهاب وأما ما دون ذلك فلا غسل
عليها اتفاقاً ومنشأ خلاف في شهادة هل يحصل من وطء المراهق لذة كالبالغ أم لاثم قال ابن الحاجب وتؤمر الصغيرة على الأصح أي وإذا
وطىء الكبيرة بناء على أن الغسل طهارة كالوضوء فتأمر كما تؤمر به أم لا لعدم تكرره كالصوم فان كانا غير بالغين فقال ابن بشير مقتضى المذهب أن لا غسل قال وقد يؤمران به على وجه الندب. الثاني قال في المدونة وإن جامعها دون الفرج فوصل من مائه إلى داخل فرجها فلا غسل عليها إلا أن تلتذ فمن الشيوخ من حمله على إطلاقه فتغسل مهما التذت لأن الالتذاذ مظنة الإنزال وهو تأويل الباجى وغيره وتأول ابن القاسم ذلك على أنها أنزلت فإن لم تنزل فلا غسل عليها وأما إن لم تلتذ أصلا فلا غسل عليها اتفاقا قاله ابن هرون التوضيح وفيه نظر لأن الشيخ أباالحسن الصغير نقل قولا ثالثا بوجوب الغسل بمجرد وصول الماء إلى فرجها وإن لم تلتذ الثالث قال ابن الحاجب فإن أمنى بغير لذة كمن لدغته عقرب أو ضرب أو بلذة غير معتادة كمن حك الجرب فأمنى فقولان التوضيح وهذان القولان جاريان على الخلاف في الصور النادرة لأن العادة خروج المني بلذة الجماع أو بمقدماته الحطاب ظاهر كلامهم أنه لا غسل عليه في اللذة غير المعتادة ولو أحس بمبادىء اللذة ثم استدام ذلك حتى أمنى وقد قالوا في الحج إن ذلك يفسده قال في المدونة ولو كان راكبا فهزته الدابة واستدام ذلك حتى أنزل فسد حجه ثم قال ابن الحاجب وعلى نفي الغسل ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان التوضيح وجه الوجوب أن هذا الخارج له تأثير في الكبرى فإن لم يؤثر فيها فلا أقل من الصغرى ووجه العدم أن هذا الخارج غير معتاد بالنسبة إلى الوضوء وإلى تشهير سقوط الغسل ووجوب الوضوء أشار الشيخ خليل بقوله لا بلا لذة أو غير معتادة ويتوضأ الرابع من جامع ولم ينزل فاغتسل ثم خرج منه المني ومن التذ بغيرالجماع ولم ينزل ثم أنزل بعد ذهاب اللذة فقيل بوجوب الغسل فيهما لأنه مستند إلى لذة متقدمة وقيل لا فيهما لعدم المقارنة ولأن الجنابة في الوجه الأول قد اغتسل لها والثالث التفرقة فيجب الغسل في الوجه الثاني دون الأول وهذا هو المشهور لأنه في الأول قد اغتسل لجنابته والجنابة الواحدة لا يتكرر الغسل لها ولو كان خروج المني بعد أن صلى ففي الإعادة قولان اختار ابن رشد والمازرى عدم الإعادة وسواء قلنا بوجوب الغسل أو سقوطه ابن الحاجب وعلى سقوطه ففي الوضوء قولان أي بالوجوب والاستحباب قال الباجى قال القاضى أبو الحسن والظاهر من مذهب مالك أن الوضوء واجب
الخامس قال ابن الحاجب فلو انتبه فوجد بللا لايدري أمني أم مذي فقال مالك لا أدري ما هذا ابن سابق كمن شك في الحدث قال بعضهم المشهور وجوب الغسل كمن أيقن بالوضوء وشك في الحدث وعليه فالمشهور أنه يستغنى بالغسل عن الوضوء كمن تحقق الجنابة وقيل انه يضيف إلى غسله الوضوء بناء على وجوب الترتيب في الوضوء لأن غسل الجنابة لا ترتيب فيه والوضوء يجب ترتيبه السادس من انتبه من نومه فوجد في لحافه بللا فإن كان منياً اغتسل وإن كان مذياً غسل فرجه ابن نافع فإن شك فيه فليغتسل ابن يونس يريد احتياطاً قال مالك وكذلك من لاعب امرأته في اليقظة أو رأى في منامه أنه يجامع في نومه فإن أمنى اغتسل وإن أمذى غسل فرجه والمرأة في ذلك كالرجل فيما يراه في المنام أو اليقظة الباجى وسواء ذكر أنه يجامع في نومه أو التذ أو لم يذكر شيئا إلا أنه رأي المني في ثوبه فإنه يغتسل لأن الغالب خروجه على وجه اللذة وأما إن استيقظ فذكر احتلاما ولم يجد بللا فلا حكم له قاله المازرى. السابع قال ابن الحاجب ولو رأى في ثوبه احتلاما اغتسل وفي إعادته أي لصلاته من أول نوم أو من آخر نوم نام فيه قولان التوضيح قوله احتلاما أي يابساً وأما الطري فيعيد من أحدث نومه اتفاقا ومذهب الموطإ والمجموعة أنه يعيد من أحدث نومه وسواء رأى أنه يجامع أم لا وذكر ابن رشد في المسألة ثلاثة أقوال يفرق في الثالث بين أن يكون بنزعه فيعيد من أحدث نومه أو لا فمن أول نومه ابن الحاجب والمرأة كالرجل التوضيح أي في جميع ما تقدم ثم قال ابن الحاجب ومني الرجل أبيض ثخين رائحته كرائحة الطلع والعجين ومني المرأة أصفر رقيق. الثامن اختلف قول مالك إذا انقطع دم الاستحاضة فقال أولا يستحب لها الغسل لأنها طهارة وليس ثم موجب ولأنه دم علة وفساد فأشبه الخارج من الدبر ثم رجع فقال يستحب لها الغسل لأنه دم خارج من القبل فتؤمر بالغسل منه كالحيض ولأنها لا تخلو من دم غالباً وفي الرسالة يجب الطهر لانقطاع دم الاستحاضة ابن عبد السلاماستشكلوا ظاهر الرسالة ابن عرفة إن كان هذا الاستشكال لمخالفة المدونة فالمشهور قد لا يتقيد بها وإن كان لعدم وجوده فقصور لنص الباجى وغيره قال مرة تغسل ومرة لا تغتسل اهـ أنظر القلشانى. التاسع من ولدت بغير دم ففي وجوب غسلها واستحبابه روايتان التوضيح والظاهرمن القولين الوجوب حملا على الغالب ومنشأ الخلاف في الصور النادرة هل تعطى حكم نسها أو غالبها وقال بعضهم أي في منشأ الخلاف هل النفاس اسم للدم
ولم يوجد أو اسم لتنفس الرحم وقد وجد اهـ اللخمى الغسل للدم لا للولد فلو نوت الغسل لخروج الولد دون الدم لم يجزها. العاشر إذا أسلم الكافر ولم يجد ماء يغتسل به فقال ابن الحاجب المنصوص يتيمم إلى أن يجد كالجنب وعن ابن القاسم ولو أجمع على الإسلام واغتسل له أجزأه وإن لم ينو الجنابة لأنه نوى الطهر وهو مشكل التوضيح قول ابن القاسم مشكل من وجهين أحدهما أن الغسل عنده للجنابة وهو لم ينوها وليس للإنسان إلا ما نوى الثاني أنه قبل التلفظ على حكم الشرك فلا يصح منه العمل لأن التلفظ في حق القادر شرط على المشهور والمشهور عدم اشتراطه مع العجز نقله عياض وهذا بخلاف الكفر فانه لا يفتقر إلى لفظ لأنه مقام خمسة فينبغى حمل قول ابن القاسم على ما إذا كان خائفاً أن ينطق بالشهادة ابن هرون وقد يجاب عن الأول بأنه وإن لم ينو الجنابة فقد نوى أن يكون على طهر وذلك يستلزم رفع الجنابة وعن الثانى إذا اعتقد الإسلام فهو ممن تصح منه القربة بخلاف ما لم يعتقد لما في الصحيح من اغتسال ثمامة قبل أن يسلم ثم أسلم ولم يأمره بإعادة الغسل (تنبيه) عد الناظم رحمه الله الحيض والنفاس من موجبات الغسل ولم يذكر من أحكامها شيئا وذكر ذلك من المهمات التي ينبغي الاعتناء بها فلنذكر بعض ذلك باختصار تكميلاً للفائدة إذ مثل ذلك لا ينبغي إسقاطه من الأم فضلاً عن الشرح وينحصر الكلام في ذلك في ثلاثة فصول الفصل الأول في تعريف الحيض والنفاس الفصل الثاني في معرفة قدر الحيض والنفاس وقدر الطهر وعلامته الفصل الثالث في تقسيم النساء، فأما تعريفهما فقال ابن الحاجب الحيض الدم الخارج بنفسه من فرج الممكن حملها عادة غير زائد على خمسة عشرة يوما من غير ولادة فأخرج بالدم غيره وأخرج بقوله بنفسه دم النفاس لأنه دم سببه الولادة التوضيح ومن ثم أجاب شيخنا رحمه الله لما سئل عن امرأة عالجت دم الحيض هل تبرأ من العدة بأن الظاهر أنها لا تحل وتوقف رحمه الله عن ترك الصلاة والصيام والظاهر على بحثه أن لا يتركا وإنما قال الطاهر لاحتمال أن استعجاله لا يخرجه عن الحيض كإسهال البطن وقوله من فرج يخرج الخارج لا من فرج كالدبر ونحوه لأن مراده القبل والأحسن أن لو قال من قبل لصدق الفرج على الدبر وقوله الممكن حملها عادة يخرج دم الصغيرة بنت ست ونحوها واليائسة كبنت السبعين وقيل الخمسين فليس بحيض وقوله غير زائدة على
خمسة عشر يوما أي على المشهور بخروج دم الاستحاضة وهذا والله أعلم حد غالبه وإلا فحيض الحامل أكثر كما سيأتي وقوله من غير ولادة زيادة بيان وإلا فهو خارج بقوله بنفسه ثم قال ابن الحاجب النفاس الدم الخارج للولادة قال في التوضيح قوله للولادة أخرج به الحيض والاستحاضة ثم قال حكى القاضي عياض في الدم الخارج قبل الولادة لأجلها قولين للشيوخ أحدهما أنه حيض والثاني نفاس والفصل الثاني في معرفة قدر الحيض والنفاس والطهر فأما الحيض فأقل مدته في باب العبادة غير محدودة فالدفعة حيض والصفرة والكدرة حيض وحده أو في أيام حيضها والصفرة كماء العصفر والكدرة كغسالة اللحم هذا في باب العبادة وأما أقله في باب العدة فالمشهور الرجوع في ذلك إلى قول النساء وأكثر الحيض خمسة عشرة يوما على المنصوص وخرج من قول ابن نافع أن المعتادة إذا زاد حيضها على عادتها تمكث خمسة عشر يوما وتستظهر بثلاة أيام إن كان أكثره ثماية عشر يوما وكون الكثرة خمسة يوما إ نما هو من حيث الجملة وإلا فالمشهور التفرقة بين المبتدأة والمعتادة والحامل كما سيأتي وأما الطهر فأكثره غيرمحدود لجواز عدم الحيض وأقله خمسة عشر يوما على المشهور ابن حبيب عشرة سحنون ثمانية ابن الماجشون خمسة وقيل يسأل النساء وفي الرسالة ثم إن عاودها دم أو رأت صفرة أو كدرة تركت الصلاة ثم إذا انقطع عنها اغتسلت ولكن ذلك كله دم واحد في العدة والاستبراء حتى يبعد ما بين الفتوى وقد استقراه أبو محمد من المدونة وهو قول سحنون قال في شرح الرسالة فعلى هذا فقد تنقضي العدة في السبعة عشر يوما انظر إنما هذا يأتي على أن الدفعة حيض وهذا هو مقتضى الفقه عند ابن رشد وقال ابن مسلة أقل الطهر خمسة عشر يوما واعتمده في التلقين وجعله ابن شأس المشهور وأما النفاس فلا حد لأقله كالحيض ابن الحاجب وفي تحديد أكثره بستين أو بما يرى النساء وإليه يرجع روايتان. ثم هي مستحاضة والطهر من الحيض له علامتان الجفوف وهو خروج الخرقة جافة والقصة البيضاء وهو ماء أبيض كالقصة وهو الجير واختلف في الأقوى منهما فقال ابن القاسم القصة أبلغ في الدلالة على الطهر من الجفوف لأن القصة لا يوجد بعدها دم والجفوف قد يوجد بعده دم وقال ابن عبد الحكم وابن حبيب الجفوف أبلغ لأن القصة من بقايا ما يرجئه الرحم والجفوف بعده وقال الداودي وعبد الوهاب هما سواء فما اعتادتهما معا تكتفي بأيهما رأت ومعتادة واحد منهما إن رأت عادتها
اكتفت بها وإن رأت غيرها فهل تكتفي بما رأت بناء على القول الثالث أن العلامتين سواء أو تنتظر عادتها ما لم يخرج الوقت المختار وقيل الضروري في ذلك قولان قلت وعلى أنها تنتظر عادتها فيظهر من كلام غير واحد أن ابن القاسم وابن عبدالحكم متفقان على
أنها إنما تنتظر عادتها إن كانت أقوى مما رأت وأما إن كانت أضعف فلا تنتظرها ثم أجرى ذلك على الاختلاف في الأقوى منهما كما مر قال ابن الحاجببعد ذكر الخلاف في أقوى العلامتين وفائدته أن معتادة الاقوى تنتظره يعني إن رأت غيره، مما هو أضعف ومفهومه أن معتادة الأضعف لا تنتظره إن رأت الأقوى فمعتادة القصة ترى الجفوف قبلها تنتظر القصة عند ابن القاسم لأنها معتادة للأقوى وقد رأت الأضعف ولا تنتظرها عند ابن عبد الحكم لأنها عنده معتادة للأضعف وقد رأت الأقوى فلا تنتظر عادتها ومعتادة الجفوف ترى القصة قلبه تنتظر الجفوف عند ابن عبد الحكم لأنها رأت الأضعف عنده وهي معتادة للأقوى ولا تنتظر عند ابن القاسم لأنها عنده معتادة للأضعف رأت الأقوى فلا تنتظر الأضعف وعلى هذا فالقصة عند ابن القاسم أبلغ لمعتادتها فتنتظرها إن رأت الجفوف والمعتادة الجفوف فلا تنتظره إن رأت القصة فقول الشيخ خليل وهي أبلغ لمعتادتها لامفهوم له والله تعالى أعلم حسبما صرح به الأجهوري وغيره نعم يفرق عند ابن القاسم بين معتادتها وغيرها في الانتظار لها كما مر قريبا هذا حكم المعتادة و (أما المبتدأة فقال ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون إن رأت القصة تنتظر الجفوف قال الباجي نزع ابن القاسم لقول ابن عبد الحكم وقال غيرهما تطهر بأيهما رأت انظر التوضيح. الفصل الثالث في تقسيم النساء قال ابن الحاجب والنساء مبتدأة ومعتادة وحامل فالمبتدأة إنما تمادى بها الدم تمكث خمسة عشر يوما وروى بن زياد تطهر لعادة لداتها وروى ابن وهب وثلاثة أيام استظهارا التوضيح المشهور مذهب المدونة أن المبتدأة إن تمادى بها الدم تمكث خمسة عشر يوما
ورأى في رواية ابن زياد أن الطباع لا تختلف كاستوائهن في النوم واليقظة والألم واللذة فيغلب على الظن أن الدم الزائد علة. واللدات هي الأتراب وهن ذوات أسنانها ابن الجلاب من أهلها وغيرهن والاستظهار استفعال من الظهير وهو البرهان فكأن أيام الاستظهار برهان على تمام الحيض والاستظهار على رواية ابن وهب مشروط بأن لا يزيد على خمسة عشر يوما ثم قال ابن الحاجب والمعتادة إن تمادى بها فخمسة أقوال فيها روايتان خمسة عشر يوما
وترجع إلى عادتها مع الاستظهار بثلاثة أيام ما لم تزد على خمسة عشر يوما فقيل على أكثر عادتها وقيل على أقلها وأيام الاستظهار عند قائله حيض وما بينه وبين خمسة عشر يوما قيل طاهر وقيل تحتاط فتصوم وتقضى وتصلي وتمنع الزوج ثم تغتسل ثانيا والثالث عادتها وفيما بينها وبين خمسة عشر القولان والرابع خمسة عشر واستظهار يوم أو يومين والخامس قال ابن نافع واستظهار ثلاثة أيام وأنكره سحنون اهـ والمشهور من هذه الأقوال القول الثاني أنها تمكث عادتها مع الاستظهار بلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوما فتستظهر بثلاثة إن كانت عادتها اثني عشر يوما فأقل وإن كانت ثلاثة عشر استظهرت بيومين وإن كانت أربعة عشر فيوم واحد وعلى المشهور من الاستظهار مع العادة فاختلف إذا اختلفت عادتها في الفصول كأن تحيض في الصيف عشرة أيام مثلا وفي الشتاء ثمانية أيام فتمادى بها الدم في الشتاء هل تبني على العشرة أو الثمانية والقول بالبناء على الأكثر مذهب المدونة وعلى الأقل لابن حبيب وإلى هذا الخلاف أشار ابن الحاجب بقوله فقيل على أكثر عادتها وقيل على أقلها وأما إن تمادى بها في فصل الأكثر فلا خلاف أنها تبني على الأكثر ابن هرون واتفق على أن أيام الاستظهار حيض عند من قال به ومذهب المدونة في كتاب الطهارة أنها فيما بين الاستظهار وتمام خمسة عشر يوما ظاهر فتصلي وتصوم ولا تقضي الصوم ويأتيها زوجها وقيل تحتاط فتصوم لاحتمال الطهارة وتقضي لاحتمال الحيض وتصلي لاحتمال الطهارة ولا تقضي لأنها كانت طاهرا فقد صلت وإن كانت حائضا فلا أداء ولا قضاء وتمنع الزوج لاحتمال وتغتسل عن انقطاعه لاحتمال الحيض والحامل تحيض قال في المدونة إذا رأت الحامل الدم أول حملها أمسكت عن الصلاة قدر ما يجتهد لها وليس في ذلك حد وليس أول الحمل كآخره ابن القاسم إن رأته في ثلاثة أشهر ونحو ذلك تركت الصلاة خمسة عشر يوما ونحوها وإن رأته بعد ستة أشهر من حملها تركت الصلاة ما بين العشرين ونحوها ابن زرقون واختلف على قول ابن القاسم في المدونة هل للشهر والشهرين حكم الثلاثة قال الأبياني لها حكمها فتجلس خمسة عشر يوما وقال ابن شيلون الشهران كالحامل ابن زرقون إذ لا يتبين المحل فيهما اهـ ولا بد من ذكر فروع تتعلق بعهذه الفصول. الفرع الأول قال في المدونة إذا رأت الطهر يوما والدم يوما أو يومين واختلط هكذا لفقت من أيام الدم عدة أيامها التي كانت تحيض وألغت أيام الطهر ثم تستظهر بثلاثة أيام إن اختلط عليها الدم في أيام الاستظهار أيضا لفقت ثلاثة أيام من أيام الدم هكذا ثم تغتسل وتصير مستحاضة بعد ذلك والأيام التي استظهرت بها هي فيها حائض وهي مضافة إلى الحيض رأت بعدها دما أم لا إلا أنها في أيام الطهر التي كانت تلغيها تتطهر عند انقطاع الدم في خلال ذلك وتصلي وتصوم وتوطأ وهي فيها طاهر وليست تلك
الأيام بطهر تعتد به عدة من طلاق لأن ما قبلها وما بعدها من الدم قد ضم بعضه إلى بعض فجعل حيضة واحدة اهـ التوضيح ولا خلاف في إلغاء أيام الطهر إن كانت أيام دمها أكثر من أيام طهرها إذ لا يكون الطهر أقل من الحيض أصلا هكذا على صاحب الذخيرة هذه المسألة والمشهور أن الحكم كذلك إن كانت أيام الطهر أكثر أو مساوية وقال ابن مسلمة وعبد الملك تكون حائضا يوم الحيض وطاهرا يوم الطهر حقيقة ولو بقيت على ذلك عمرها ثم قال (تنبيه) قوله حاضت يوما وطهرت يوما لا يريد به استيعاب جميع اليوم بالحيض فقد نقل في النوادر عن بن القاسم في التي لا ترى الدم إلا في كل يوم مرة فإن رأته في صلاة الظهر فتركت الصلاة ثم رأت الطهر قبل العصر فتحسبه يوم دم وتتطهر وتصلي الظهر والعصر. والثاني المعتادة إن زاد دمها على زاد دمها على العادة والاستظهار وحكم لها بالطهارة فإن زاد دمها على خمسة عشر يوما فالزائد على عادتها استحاضة وإلا فعادة انتقلت إليها نقله القلساني في شرح الرسالة عن اللخمي قائلا وقضت ما صامت فجعل انقطاع زمن الحيض دليل كون الزائدة على العادة المتقررة قبل حيضا وتماديه بعد زمن الحيض دليلا لكون الزائد عليها استحاضة وهو ظاهر وعليه فإن انقطع داخل الخمسة عشر يوما وحاضت بعد ذلك بنت على هذه العادة التي انتقلت إليها فإن كانت عادتها ثمانية أيام مثلا فتمادى بها فاستظهرت بثلاثة واغتسلت ثم انقطع في اليوم الثالث عشر ثم حاضت فتمادى بها فتبني على ثلاثة عشر وتستظهر يومين فقط والله تعالى أعلم وقوله وقضت ما صامت يريد بعد العادة والاستظهار وقبل انقطاع الدم كاليوم الثاني عشر والثالث عشر في المثال المتقدم لما تبين من أنها صامت وهي حائض وظاهر القول المشهور أنها بعد العادة على العادة والاستظهار طاهر مطلقا ولا فرق بين انقطاعه داخل خمسة عشر أو بعدها الثالث إن زاد دم المعتادة والاستظهار وحكم لها بالاستحاضة فإن بقي الدم بصفته ولم تميز غيره فلا تزال محكوما لها بالطهارة بعد أقل الطهر ولو استمر الدم بها شهورا متواليا إلى أن تميز وإن ميزت ورأت دما يخالف دم الاستحاضة قال ابن الحاجب والنساء يزعمن معرفته برائحته ولونه فإن ميزته قبل كمال الطهر فلا اعتبار بذلك التمييز وإن ميزته بعد طهر تام فهو حيض في باب العبادات اتفاقا وفي العدة على المشهور فإن تمادى هذا الدم المميز فهل تقتصر على عادتها فقط أو مع الاستظهار أو تمكث خمسة عشر يوما يجري على الخلاف في المعتادة يتمادى بها ثم اختلف القائلون بالاستظهار في
الحائض هل تستظهر المستحاضة أم لا وقول ابن القاسم في المجموعة لا تستظهر رواه عن مالك في العتبية وبه قال أصبغ لأنها قد تقرر لها حكم الاستحاضة فالأصل أن دمها إن زاد على حيضها استحاضة وإن لم يتماد هذا الدم المميز بل انقطع حقيقة أو حكم بانقطاعه لتغيره وضعفه قبل اكمال عادتها استأنفت طهرا تاما فإن أتاها دم أو ميزت دما لكونه مخالفا لما كان يجري عليه في لونه ورائحته وكان إتيانه أو تميزه قبل كمال مطهر فهي مفلقة أنظر التوضيح وراجع حكم المفلقة في الفرع الأول. الرابع قال الباجي قال مالك لا يلزم المرأة أن تتفقد طهرها بالليل ولا يعجبني ذلك ولم يكن للناس مصابيح وإنما يلزمها ذلك إذا أرادت النوم أو قامت لصلاة الصبح وعيبهن أن ينظرن في أوقات الصلوات ونحو هذا في سماع ابن القاسم وزاد وليس تفقد طهرها يعني بالليل من عمل الناس قال ابن رشد كان القياس أن يجب عليها أن تنظر قبل الفجر بقدر ما يمكنها إن رأت الطهر أن تغتسل وتصلي المغرب والعشاء قبل طلوع الفجر إذ لا اختلاف في أن الصلاة تتعين في آخر الوقت فسقط ذلك عنها من ناحية المشقة فإن استيقظت بعد الفجر وهي طاهر فلم تدر لعل طهرها كان من الليل حملت في تلك الصلاة على ما نامت عليه ولم يجب عليها قضاء صلاة الليل حتى توقن أنها طهرت قبل الفجر وأمرت في رمضان بصيام ذلك اليوم وأن تقضيه احتياطا اهـ والحاصل أنها إن شكت هل طهرت قبل الفجر أو بعده قضت الصوم دون الصلاة والفرق بينهما أن الحيض مانع من أداء الصلاة وقضائها وهو حاصل وموجب القضاء وهو الطهر في الوقت مشكوك فيه وأما في الصوم فإنما يمنع الحيض من الأداء خاصة ولا يمنع من القضاء قاله في التوضيح الخامس قال في المدونة وإذا ولدت وبقي في بطنها آخر فلم تضعه إلا بعد شهرين والدم متماد بها فحالها حال النفساء ولزوجها عليها الرجعة ما لم تضع آخر ولد في بطنها ابن يونس قوله كحال النفساء يريد في الجلوس عن الصلاة إذا تمادى بها فتجلس شهرين على قوله الأول وقدر ما يراه النساء على قوله الثاني اهـ ابن الحاجب وفي كون الدم بين التوأمين إلى شهرين نفاسا فيضم ما بعده أو حيضا قولان وحاصله أنها إن ولدت الثاني بعد شهرين من ولادة الأول فهما نفاسان تمكث لكل واحد إن تمادى الدم بها شهرين على المشهور وإن ولدته قبل كمال الشهرين ففي كون الدم الذي بينهما دم حيض الحامل نظرا لكونها لا تخرج من العدة إلا بوضع الثاني فيجري على حكم حيض الحامل وتستأنف ستين يوما من ولادة الثاني أو دم نفاس فتمكث ستين يوما من ولادة الأول قولان ولا تستظهر النفساء إذا جاوز دمها الستين رواه ابن حبيب عن مالك نقله ابن يونس وغيره
السادس قال في المدونة إذا انقطع دم النفساء فإن كان قرب الولادة فلتغتسل وتصلي فإذا رأت بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أو نحو ذلك دما فهو مضاف إلى دم النفاس إلا أن يتباعد ما بين الدمين فيكون الثاني حيضا وإن رأت الدم يومين والطهر يومين فتمادى بها ذلك فتلغي أيام الطهر وتغتسل إذا انقطع عنها الدم وتصلي وتوطأ وتدع الصلاة في أيام الدم حتى تستكمل أقصى ما يجلس له النساء في النفاس من غير سقم ثم هي مستحاضة
والأَوَّلانِ مَنَعا الْوَطْءَ إِلى
غُسْلٍ وَالآخَرَانِ قُرْآنا حَلَا
وَالكُلَّ مَسْجِدا وَسَهْوُ الاغْتِسالْ
مِثْلُ وُضُوئِكَ وَلَمْ تُعِدْ مُوالْ
ذكر في البيت الأول وبعض الثاني بعض موانع الحدث الأكبر فأخبر أن الحيض والنفاس وهما اللذان عناهما بالأولين لتصديره بهما في البيت قيل يمنعان الوطء ويستمر المنع منه إلى أن تغتسل فلا يجوز وطء الحائض والنفساء حالة جريان الدم عليها اتفاقا ولا بعد انقطاعه وقبل الاغتسال على المشهور وأما الإنزال ومغيب الحشفة وهما اللذان عناهما بالآخرين فيمنعان قراءة القرآن يريد ويستمر المنع إلى الاغتسال أيضا هذا هو المشهور ويقرأ الآخران بالمد وكسر الخاء كذا ضبطه الناظم بخطه ومن غير ياء بعدها وبالنقل للوزن وفهم من كلامه أن الحيض والنفاس لا يمنعان القراءة وهو كذلك على المشهور وأن الإنزال ومغيب الحشفة لا يمنعان الوطء وهو كذلك اتفاقا والله أعلم ثم أخبر أن الكل من الحيض والنفاس والإنزال ومغيب الحشفة يمنع من دخول المسجد أما منع الحائض والنفساء من دخول المسجد فظاهر التوضيح أنه متفق عليه ثم نقل عن اللخميأنه خرج جواز دخولها إذا استثفرت بثوب وجواز كينونة الجنب فيه من قول ابن مسلمة لا ينبغي للحائض أن تدخل المسجد لأنها لا تأمن أن يخرج منها ما ينزه المسجد عنه وأما منع الجنب منه فعلى المشهور إن كان مجتازا فقط وأما المكث والمقام فيه فلا أحفظ الآن فيه قولاً منصوصا بالجواز وتقديم تخريج اللخمي من قول ابن مسلمة وحاصل كلامه أن بين موانع الحيض والنفاس وموانع الجناية عموما وخصوصا من وجه يجتمعان في منع دخول المسجد وينفرد الحيض والنفاس بالمنع من الوطء وتنفرد الجنابة وهي المعبر عنها بالإنزال
ومغيب الحشفة بالمنع من قراءة القرآن وجملة حلا صفة القرآن (تنبيه) ذكر الناظم بعض الموانع وسكت عن بعض لقصد الاختصار أما الجنابة فتمنع
موانع الحدث الأصغر وقد تقدمت قبل قول الناظم ويجب استبراء الأخبثين البيتين وتمنع أيضا القراءة إلا كآية للتعوذ ونحوه ويقيد كلام الناظم بذلك ودخول المسجد ولو مجتازا على المشهور ونقل عن مالك الجواز إذا كان عابر سبيل كما يمنع الكافر من دخول المسجد وإن أذن له مسلم لأن الحق لله تعالى المواق وانظر من كان مريضا أو على سفر ولم يجد ماء فتيمم هل يصلي في المسجد وأما الحيض والنفاس فيمنعان من أشياء وهي قسمان متفق عليها ومختلف فيها فالمتفق عليها تسعة وجوب الصلاة وصحة فعلها فلا تجب وإذا أوقعتها فلا تصح منها وصحة فعل الصوم ومس المصحف والطلاق وابتداء العدة والوطء في الفرج ورفع الحدث ودخول المسجد ويندرج فيه الطواف والاعتكاف إذ لا يقعان في غيره والمختلف فيها سبعة وهي على قسمين قسم المشهور فيه المنع وهو خمسة الوطء في الفرج بعد الطهر وقبل التطهير بالماء وأجازه ابن نافع وكرهه ابن بكير والوطء بعد طهر التيمم والوطء فيما دون الإزار ووجوب الصوم ورفع حدث جنابتها وفائدة الخلاف في الفرع الأخير إ باحة القراءة بالغسل وقسم المشهور فيه الجواز وهو قراءة القرآن ظاهرا والتطهير بفضل مائها ابن الحاجب ويمنع الوطء في الفرج اتفاقا ما لم تطهر وتغتسل على المشهور وقيل أو تتيمم وقال ابن بكير يكره قبل الاغتسال وما فوق الإزار جائز لا ما تحته على المشهور. قوله وسهو الاغتسال الخ حاصل أن حكم السهو في الغسل كالسهو في الوضوء إلا في صورة واحدة وهي أن من ترك من غسله لمعة ثم تذرها بالقرب فإنه يغسلها ولا يعيد ما بعدها وإلى ذلك أشار بقوله ولم تعد موال فإذا لم يتذكر إلا بعد طول، فعل المنسي فقط في الوضوء والغسل وإن لم يتذكر حتى صلى فعل المنسي وأعاد الصلاة وقد تقدم هذا كله في شرح قول الناظم (ذاكر فرضه بطول يفعله) البيتين فراجعه إن شئت وتعد بضم التاء وكسر العين مبني للفاعل كذا ضبطه الناظم بخطه وعليه فموال مفعوله أصله مواليا فحذف منه الألف المبدل من التنوين على لغة من يحذف التنوين إثر الفتح فصار موالي ثم حذف الياء تخفيفا ونون اللام ثم وقف عليه بالسكون
فَصْلٌ لِخَوفِ ضُرٍّ أَو عَدَمِ ما
عَوِّضْ مِنَ الطَّهارةِ التَّيَمُّما
ذكر الناظم في هذا الفصل التيمم وأحكامه والتيمم في اللغة القصد قال تعالى
{ولا تيمموا الخبيث} أي لا تقصدوه وفي الشرع طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين ليستباح به ما منعه الحدث قبل فعله عند العجز عن الماء وسبب مشروعيته إقامة رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء لالتماس عقد عائشة والحديث مشهور وإنه كان في غزوة المريسيع والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع قال تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر} الآية والسنة غير ماحدث في بعضها «جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت لنا تربتها طهورا» وثبت عنه قولاً وفعلاً وأجمع المسلمون عليه وحكمة مشروعيته أن الله تعالى لما علم من النفس الكسل والميل إلى ترك الطاعة التي فيها صلاحها شرع لها التيمم عند عدم الماء حتى لا تصعب عليها الصلاة عند وجوده لما ألفته من فعلها دائما وقيل لتكون طهارته دائرة بين الماء والتراب اللذين منهما أصل خلقته وقوام بنيته وقيل لما كان أصل حياته الماء ومصيره بعد موته إلى التراب شرع له التيمم ليستشعر بعدم الماء موته وبالتراب إقباره فيذهب عنه الكسل ابن ناجي والحق عندي أن التيمم عزيمة في حق العادم للماء رخصة في حق الواجد له العاجز عن استعماله والقول بأنه رخصة مطلقا لا يستقيم في حق العاجز فإن الرخصة تقتضي إمكان الفعل المرخص فيه وتركه كالفطر في السفر بخلاف عادم الماء لا سبيل له إلى ترك التيمم وقول من قال إن الرخصة قد تنتهي إلى الوجوب غير مسلم فإنها إذا انتهت إليه صارت عزيمة وزال عنها حكم الرخصة اهـ (فائدة) قال الطيبي في تقرير آية التيمم {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلى عابري سبيل حتى تغتسلوا} ولا محدثين من الغائط أو اللمس حتى تتوضئوا وإن كنتم مرضى أو على سفر سواء كنتم مجنبين أو محدثين فلم تجدوا ماء فتيمموا اهـ وكلام الناظم في هذا الفصل دائرة على ستة فصول الفصل الأول في السبب الناقل عن الماء إلى التيمم الفصل الثاني ما يفعل بالتيمم الفصل الثالث ما يتيمم له وما لا الفصل الرابع في فرائضه وسننه ومندوباته ويندرج فيه صفته الفصل الخامس في وقت التيمم وهو من جملة فرائضه الفصل السادس في نواقض التيمم وفيما لا ينقضه لكن تعاد الصلاة معه في الوقت وأشار
بهذ البيت إلى الفصل الأول من هذه الفصول فأمرك أن تعوض التيمم من الطهارة أي تجعله بدلاً عنها إما لخوف ضر يلحقه في استعمال الماء أو لعدم وجود الماء أصلاً ولا فرق في الطهارة التي يعوض عنها التيمم بين الكبرى والصغرى فكما أن المحدث الحدث الأصغر يتيمم لخوف ضر أو عدم ماء فكذلك المحدث الحدث الأكبر يتيمم لخوف ضر أو عدم ماء وقد تقدم في تقدير الآية للطيبي التصريح بذلك في قوله {وإن كنتم مرضى أو على سفر} سواء كنتم مجنبين أو محدثين فلم تجدوا ماء فتيمموا فأما ما يتعلق بخوف الضر فقال الإمام أبو عبد الله المازري المشهور أنه يتيمم لخوف حدوث مرض أو زيادة أو تأخر البرء ابن وهبويتيمم المبطون إذا كان لا يقدر على الوضوء وكذلك المائد في البحر ولو كان الماء معهما وهما لا يقدران على الوضوء به لضعفهما أو إضرار الماء بهما ابن القصار ويتيمم الصحيح إذا خاف نزلة أو حمى وكذا يتيمم مريض يقدر على الوضوء والصلاة قائماً فحضرت الصلاة وهو في عرقه وخاف إن قام جف عرقه ودامت علته فيتيمم ويصلي للقبلة إيماء وإن خرج الوقت قبل زوال عرقه ولم يعد قاله مطرف وابن الماجشون وأصبغ قال سند وهو موافق للمذهب وروى ابن نافعيتيمم ذو الماء يخاف العطش خاف الموت أو الضرر المازري والظن كالعلم ابن رشد على غيره من العطش كخوفه على نفسه سواء بن بشير وكذا خوفه على حيوان غير آدمي ابن الحاجب وكظن عطشه أو عطش من معه من آدمي أو دابة ونقل في التوضيح عن ابن عبد السلام في الدابة تفصيلاً بين أن تكون لا يبلغ إلا عليها أو لا وبين أن تكون مأكولة اللحم أو لا ثم قال والظاهر أنه إذا كان معه كلب أو خنزير فإنه يقتلهما ولا يدع الماء لأجلهما اهـ ولا خلاف أنه يتيمم من خاف على نفسه من لصوص أو سباع وأما من خاف على ماله فالمشهور أنه يتيمم وقيل لا واستبعده ابن بشير بن ناجي الجاري على أصل المذهب أنه إن كان يحتاج لذلك المال يتيمم مطلقا وإن كان يحتاج إليه فإن كان قليلاً بحيث يجب عليه شراء الماء بمثله فلا يتيمم وإلا تيمم اهـ (فرع) من أسباب التيمم استيعاب الجروح والقروح أكثر جسد الجنب أو أكثر أعضاء الوضوء قال ابن الحاجب في تعداد أسباب التيمم وكالمجدور والمحصوب يخافان من الماء وكشجاج غمرت الجسد وهو جنب أو أعضاء الوضوء وهو محدث وكذلك إن لم يبق إلا يد أو رجل فلو غسل ما صح ومسح الجبائر لم يجزه كصحيح وجد ما يكفيه من الماء فغسل ومسح الباقي (فرع) قال أبو عمير لا يجب حمل الماء للوضوء وقال الباجي يجوز السفر في طريق يتيقن فيه عدم الماء طلبا للمال ورعي المواشي ويجوز له المقام على حفظ ماله وإن أدى
ذلك إلى الصلاة بالتيمم ونحو هذا في الإكمال (فرع) من وجد ماء لا يكفيه لطهارته فهو كالعدم التلقين فإن وجد من الماء دون الكفاية لم يلزمه استعمال ومن المدونة إن كان مع الجنب قدر وضوئه فقط تيمم ولم يتوضأ وقال الشيخ أبو محمد فإن وجد من الماء ما يغسل به وجهه ويديه ويقدر على جمع ما يسقط منهما ويكمل به وضوءه فإنه يفعل ذلك ويصير كمن وجد ماء مستعملاً يجب عليه استعماله إن لم يجد غيره اهـ وعلم من هذا أن من وجد ما يغسل به الأعضاء المفروضة فقط أنه يتوضأ ويترك السنن ولا يجزئه التيمم انظر الحطاب وتقدم أن فيمن لم يجد من الماء إلا قدر وضوئه أو ما يغسل به النجاسة قولين قيل يتوضأ للخلاف في طهارة الخبث دون الحدث وقيل يزيل النجاسة إذ لابد من إزالتها وللوضوء بدل وهو التيمم (فرع) وكذا يتيمم المريض الذي يقدر على استعمال الماء ولا يجد من يناوله إياه كما في الرسالة وغيرها إذ هو في معنى العادم للماء (فرع) قال في التلقين يجوز التيمم لعدم الآلة التي توصله كالدلو والرشا وأما ما يتعلق بعدم الماء وهو السبب الثاني في كلام الناظم فإن تحقق عدمه تيمم من غير طلب إذ طلب ما يتحقق عدمه عبث وأما إن لم يتحقق عدمه فإن تحقق وجوده أو ظنه أو شك فيه أو توهمه فإنه يجب عليه أن يطلبه فإن طلبه ولم يجده تيمم والطلب يختلف فليس من ظن العدم كمن شك ولا الشاك كالمتوهم بل طلب الأول أقوى من الثاني والثاني أقوى من الثالث وليس الناس في القوة والضعف سواء فليس الرجل كالمرأة غالبا ولا الشاب كالشيخ فالواجب على كل أحد أن يطلب طلبا لا يشق بمثله قال مالك من الناس من يشق عليه نصف الميل فإن كان في رفقة فهل يسألهم فإن لم يعطوه ماء تيمم أو يتيمم من غير سؤال في ذلك تفصيل قال مالك رضي الله تعالى عنه إذا كانت الرفقة يبخلون بالماء لقلته معهم جاز له أن يتيمم بلا سؤال وإن لم يكونوا كذلك وكانت الرفقة كثيرة لم يكن عليه أن يسألهم قال مالك لم يكن عليه أن يسأل أربعين رجلاً وقال أصبغ يطلب من الرفقة الكثيرة ممن حوله ممن قرب فإن لم يفعل فقد أساء ولا يعيد وإن كانوا رفقة قليلة ولم يطلب أعاد في الوقت وإن كانت مثل الرجلين والثلاثة أعاد أبدا وبحث اللخمي في ذلك أنظر التوضيح فإن عدم الماء بعد أن طلبه أو دونه فيتيمم إن كان مسافرا اتفاقا أو حاضرا كالمسجون على المشهور وهل يشترط في تيمم المسافر أن يكون سفره أربعة برد فأكثر أو لا يشترط ذلك منشؤهما هل المعتبر السفر الشرعي أو يقال الخروج عن الوطن مظنة عدم الماء وهل يشترط في سفره
أيضا أن يكون مباحا أو غير ممنوع فيدخل الواجب كسفر الحج لمستطيعه والمندوب كزيارة الصالحين والمباح كسفر التجارة ويخرج غير المباح كسفر الآبق وقاطع الطريق فلا يتيممان وهو المشهور أو لا يشترط ذلك ويتيم الجميع قولان التوضيح عن ابن عبد السلام والحق أنه لا ينتفي عن الرخص بسبب العصيان بالسفر إلا رخصة يظهر أثرها بالسفر دون الحضر كالقصر والفطر وأما رخصة يظهر أثرها في السفر والإقامة كالتيمم ومسح الخفين فلا يمنع العصيان منها اهـ. فإن كان السفر مباحا فلا يمنعه من التيمم عصيانه فيه بشرب خمر أو نحوه (فرع) قال فيها أيضا من خاف في حضر أو سفر إن رفع الماء من البئر أن يذهب الوقت فليتيمم ويصلي ولا يعيد الصلاة بعد ذلك (فرع) قال ابن يونس قال بعض فقهائنا ومن خاف أن يتوضأ بماء معه ذهاب الوقت وهو إن تيمم يدركه فليتوضأ وقال عبد الوهاب وهو الصواب عندي إذ لا فرق بين تشاغله باستعماله أو رفعه من البئر وإنما وضع التيمم لإدراك فضيلة الوقت (فرع) من وهب له الماء لزمه قبوله ومن وهب له ما يشتريه به لم يلزمه قبوله على المشهور والفرق قوة المنة في هبة الثمن وضعفها في هبة الماء وأما من أقرض له ثمن الماء وهو يقدر على الوفاء فلا يجوز له التيمم لخفة مشقة المنة بمثل ذلك أيضا نقله المواق عن ابن علاق عن الشافعية قال ابن علاق ولا أذكر في مذهبنا في هذا نصا ابن العربي ولو وجد الماء بثمن في الذمة لزمه شراؤه لأنه قادر على ذلك فأشبه ما لو كان ثمنه معه والمبيع يكون بمعجل ومؤجل ولو وجد الماء بثمن معتاد ولا يحتاج إليه لزمه شراؤه ابن الحاجب ولو بيع بغبن مجحف أو بغير غبن وهو محتاج لنفقة سفره لم يلزمه قال في المدونة إذا لم يجد الجنب الماء إلا بالثمن فإن كان قليل الدراهم تيمم وإن كان يقدر فليشتره ما لم يرفعوا عليه في الثمن فإن رفعوا تيمم حينئذ اللخمي إن كان بموضع رخص كالدرهمين اشتراه ولو بزيادة مثليه (فرع) لا نص في جنب لم يجد ماء غير إلا في المسجد وأخذ بعض المتأخرين من قول مالك لا يدخل الجنب المسجد إلا عابر سبيل دخله لأخذ الماء لأنه مضطر وذكر أن محمد بن الحسن سأل مالكا فأجاب لا يدخل الجنب المسجد فأعاد مالك جوابه فأعاد محمد فقال مالك ما تقوله أنت قال يتيمم ويدخل لأجل الماء فلم ينكره مالك.
(فرع)
من نام في نفس المسجد فاحتلم خرج ولا يتيمم لأن في تيممه مكثا بالجنابة في
المسجد ومن نام في بيت ونحوه في المسجد فاحتلم تيمم في موضعه ثم خرج (فرع) يمنع المسافر من الوطء إن لم يكن معه ما يكفيه وزوجته من الماء إلا أن يطول فيجوز له الوطء اتفاقا فإن لم يطل فالمشهور المنع خلافا لابن وهب وكذا يمنع المتوضيء مما ينقض طهارته اختيارا كالتقبيل واللمس وفي الطراز منع ابن القاسم للمتوضيء العادم للماء من البول إن خفت حقنته اهـ قال في المدونة ليس كمن به شجاج أو جراح لا يستطيع الغسل بالماء هذا له أن يطأ [بلا ماء] لطول أمره
وصلِّ فَرْضاً وَاحِدا وإِنْ تَصِلْ
جَنَازَةً وسُنَّةً به يَحِلّ
ذكر في هذا البيت الفصل الثاني وهو ما يفعل بالتيمم فقال إن من تيمم للفرض فلا يصلي بذلك التيمم إلا فرضاً واحدا وهو المتيمم له ويجوز ويحل له أن يصلي بذلك التيمم على الجنازة وأن يصلي به سنة غير صلاة الجنازة إذا فعل ذلك بعد أن صلى الفرض الذي تيمم له متصلاً به فيكون تبعا لذلك الفرض وعلى هذا نبه الناظم بقوله وإن تصل إلخ وهو بفتح التاء وكسر الصاد مضارع وصل وضمير به للفرض أي أن تصلي الجنازة والسنة بالفرض المتيمم له فإن ذلك يحل أي يجوز واشتراطه في جواز إيقاع السنة بتيمم الفرض وصل السنة بذلك الفرض يفهم منه تأخيرها عن الفريضة زيادة على الاتصال المصرح به وأنه لا يجوز أن يصلي السنة قبل ذلك الفرض المتيمم ولا بعده غير متصل به وهو كذلك ويأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى ولو قال بدل به بعد لكان صريحا في التأخير.
وفي تعبير الناظم بالسنة إشارة إلى جواز إيقاع ما دون السنة من الرغيبة والنافلة بتيمم الفرض تبعا له وهو كذلك لأنه إذا جاز إيقاع السنة مع تأكدها بتيمم الفرض ما دون السنة من الرغبية بتيمم الفرض تبعا له المسألة الأولى وهو كونه لا يصلي بالتيمم إلا فرضا واحدا فقال في المدونة لا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد اهـ فإن صلى فريضتين بتيمم واحد بطلت الثانية منهما ولو كانتا مشتركتي الوقت على المشهور.
وفي المسألة الرابعة أقوال، واختلف في علة ذلك فقيل لأن التيمم لا يرفع الحدث فلا يستباح به إلا أقل ما يمكن وهو صلاة واحدة.
قال في التوضيح: وهذه دعوى لا دليل عليها وقيل: لأنه لا يتقدم عن الوقت.
ولهذا
روى أبو الفرج: يجوز أن يصلي فوائت بتيمم واحد كما قال في الرسالة وقد روى عن مالك فيمن ذكر صلوات أن يصليها بتيمم واحد ويقول ابن شعبان هذا صدر الشيخ أبو محمد في الرسالة حيث قال ولا يصلي صلاتين بتيمم واحد من هؤلاء إلا مريض لا يقدر على مس الماء لضرر بجسمه مقيم ثم قال أثره وقد قيل بتيمم لكل صلاة وهذا القول الثاني الذي حكاه بقيل هو المشهور وقال ابن القاسم: ولهذا عد شراح الرسالة أن هذه المسألة من النظائر التي ضعف فيها أبو محمد قول أبي القاسم وذلك من جهة تأخيره وحكايته بقيل وهي من صيغ التمريض والتضعيف عند المحدثين وإنما قلنا إن من تيمم لفرض فلا يصلي بذلك التيمم إلا فرضا واحدا وهو الفرض الذي يتيمم له لا لغيره لقول المدونة من تيمم لفريضة فذكر صلاة قبلها أعاد التيمم للمنسية وبدأ بها ثم تيمم للحاضرة وأما المسألة الثانية وهي جواز إيقاع السنة وغيرها من النوافل بتيمم الفرض تبعا له فقال في المدونة لا بأس أن يتنفل بعد الفريضة التوضيح قال بعضهم لا خلاف في جواز ذلك ثم قال ومن شرط جواز إيقاع النفل بتيمم الفرض أن يكون النفل متصلاً بالفرض فقد روى أبو زيد عن ابن القاسم في العتبية من تيمم لنافلة ثم خرج من المسجد لحاجة ثم عاد فلا يتنفل به ولا يمس المصحف وشرط فيه ابن رشد أن تكون النافلة منوية عند تيمم الفريضة قال وإن لم ينوها لم يصلها ولا فرق بين النفل والسنة عند ابن حبيب واستحب سحنون أن يتيمم للوتر التونسي وإنما له أن يتنفل بأثر الصلاة ما لم يطل كثيرا اهـ ثم قال وإن تيمم لفريضة فتنفل قبلها أو صلى ركعتي الفجر بتيمم الصبح ثم صلى الصبح ففي الموازية أعاد أبدا ثم قال هذا خفيف ورأى أن يعيد في الوقت اهـ وفي اشتراط كون النافلة منوية عند تيمم الفريضة نظر أنظر الحطاب (فرع) وأما من تيمم لنافلة فلا يجوز أن يصلي به الفرض فإن وقع ونزل وصلى به فريضة فنقل في التوضيح عن الموازية أن من تيمم لنافلة أو لقراءة في مصحف ثم صلى مكتوبة أعاد أبدا وقال سحنون عن ابن القاسم فيمن تيمم لركعتي الفجر فصلى به الصبح أو تيمم لنافلة فصلى به الظهر أنه يعيد في الوقت وقال البرقي عن أشهب يجزئه صلاة الصبح بتيممه لركعتي الفجر ولا يجزئه إذا تيمم لنافلة أن يصلي به الظهر (فرع) وكذا تجوز السنة فما دونها من النوافل والرغائب بالتيمم للنافلة سواء قدم النافلة المتيمم لها على ما ذكر أو أخرها عنه ففي النوادر عن ابن القاسم لا
بأس أن يوتر بتيمم النفل وكذا يجوز من باب أخرى إيقاع الرغبة بتيمم السنة ففي المجموعة من تيمم للوتر بعد طلوع الفجر فله أن يركع به ركعتي الفجر وكما تجوز الجنازة والسنة بتيمم الفرض إن تأخرت عنه وبتيمم النافلة مطلقا فكذلك مس المصحف والقراءة والطواف وركعتاه يجوز كل منهما بتيمم الفرض إن تأخرت عنه وبتيمم النافلة تأخرت عنها أو تقدمت عليها وأما الاتصال بالتيمم له فشرط في الجميع والله أعلم قال الشيخ خليل في مختصره وجاز جنازة وسنة ومس مصحف وقراءة وطواف وركعتان بتيمم فرض أو نفل إن تأخرت وهذا في الجنازة ما لم تتعين فإن تعينت صارت فرضا فلا تصلى بتيمم فرض آخر كما يقول الناظم وصلى فرضا واحدا وقيد بهذا قول الشيخ خليل وجاز جنازة كما قيد قوله وطواف بغيره الواجب للعلة المذكور أيضا واشتراطه تأخير الأشياء عن الصلاة المتيمم لها إنما يصح باعتبار التيمم للفريضة أما المتيمم لنافلة أن يفعل به غير ما تيمم له من النوافل بعد الذي تيمم له أو قبله كما مر
وجازَ لِلنَّفْلِ ابْتِدا ويَسْتَبِيحْ
الْفَرْض لَا الجُمْعَةَ حاضِرٌ صَحِيحٌ
هذا هو الفصل الثالث من الفصول الستة التي اشتمل عليها كلام الناظم في التيمم وهو ما تيمم له وما لا يتيمم له فأخبر هنا أنه يجوز أي للمسافر والمريض التيمم للنفل وهو ما عدا الفرائض ابتداء أي استقلالاً بحيث يتيمم له بالقصد ويصليه وأما إيقاع النفل بتيمم الفرض تبعا له فقد تقدم في البيت قبل هذا وما ذكره من التيمم للنافلة استقلالاً إنما هو على المشهور في حق المريض والمسافر لأنهما محل النص وأما الحاضر الصحيح العادم الماء كالمسجون فلا يتيمم للنوافل استقلالاً وإنما يتيمم استقلالاً للفرائض فقط على المشهور فإذا تيمم للفرائض جاز له أن يتنفل بذلك التيمم كما تقدم في شرح البيت قبل هذا وعلى المشهور من كونه للفرائض فقط إذا خشي فوات الجمعة فهل يتيمم له حكاه ابن القصار وغيره أولا يتيمم لها وهو لأشهب قال فإن فعل لم يجزه قولان ابن عطاء الله ومنشأ الخلاف هل الجمعة فرض يومها أي فيتيمم لئلا يفوته أو بدل عن الظهر أي فلا يتيمم لأنه إن فاته فرض الجمعة لم يفته وقت الظهر الذي هو الأصل التوضيح وظاهر المذهب أنه لا يتيمم للجمعة وإلى كون الحاضر الصحيح إنما يتيمم استقلالاً للفرائض فقط ما عدا الجمعة فلا يتيمم لها ولا للنوافل أشار الناظم بقوله (ويستبيح الفرض لا الجمعة حاضر صحيح) فالفرض مفعول بيستبيح والجمعة معطوف عليه ويقرأ بلغة سكون الميم وللوزن وحاضر فاعل يستبيح وفهم من كلامه أن الذي يجوز له التيمم للنوافل ابتداء المذكور أول البيت هو غير الحاضر الصحيح
وهو المسافر والمريض والحاصل أن المريض والمسافر يتيممان للفرائض والنوافل فإذا تيمما للفرائض جاز إيقاع النفل بذلك التيمم بشرط تقدم الفرض واتصال النفل به كما تقدم وإن تيمما للنوافل جاز أن يصليا به ما عدا الفرض وأما الحاضر الصحيح فالمشهور أنه لا يتيمم للنوافل استقلالاً إنما يتيمم للفرائض فقط إذا خشي فوات وقتها وفي تيممه للجمعة خلاف فإذا تيمم للفرائض جاز له إيقاع النفل بعده تبعا له هذا
ظاهر إطلاقاتهم وقال الشيخ محمد السوداني في شرحه للمختصر ما معناه إنما يتنفل بتيمم الفرض المريض والمسافر أما الحاضر الصحيح فلا يتيمم للنوافل استقلالاً ولا يصليها بتيمم الفرض تبعا وقيل إنه كالمسافر والمريض فيتيمم للفرائض والنوافل واستظهرهابن عبد السلام قال بعضهم لأن علة التيمم عدم الماء وخوف فوات الوقت فلا فرق في المعنى بين مسافر ومريض وبين حاضر وصحيح لاستوائهما في العلة طردا وعكسا وإنما خص الله تعالى بالذكر المسافر والمريض لغلبة وقوع ذلك لهم دون غيرهم فلا يقع به إلا نادرا فإن وقع به لحق بهما إذ لا فرق بينهما في المعنى وقيل لا يشرع له التيمم أصلاً وهو لـ مالك في الموازية قال يطلب الماء وإن خرج الوقت نقله ابن رشد ابن عبد السلام وهذا يظهر إذا قيل إن عادم الماء والصعيد لا يصلي وأما على القول بأنه يصلي فيحتمل أن يصلي هذا بغير تيمم ويحتمل أن يقال إنه يتيمم لأن التيمم لا يزيده إلا خيرا التوضيح منشأ الخلاف هل تناول الآية الحاضر أو هي مختصة بالمريض والمسافر وذلك أنه قال تعالى {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيباً} فإن حملنا أو في الثانية على بابها فيكون قوله أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء مطلقا لا يختص بمريض ولا بمسافر وإن جعلناها بمعنى الواو خصت المريض والمسافر لأن التقدير وإن كنتم مرضى أو على سفر وجاء أحد منكم والمشهور أظهر لحمل أو على حقيقتها اهـ ويعني بالمشهور القول بأنه يتيمم للفرائض إذا خشي فوات وقتها ولا يتيمم للنوافل إلا تبعا للفرائض وهذا هو القول الثالث في المسألة وعليه ذهب الشيخ خليل في مختصره وعلى المشهور إذا تيمم وصلى ثم وجد الماء فلا يعيد وقال ابن حبيب يعيد وصلاة الجنازة للحاضر الصحيح إن لم تتعين فكسائر السنن لا يتيمم لها استقلالاً وإن تعينت فكسائر الفرائض يتيمم لها وإلى هذا كله أشار الشيخ خليل بقوله يتبعهم ذو مرض وسفر أبيح لفرض ونفل وحاضر صح لجنازة إن تعينت وفرض غير جمعه ولا يعيد
فَرضُهُ مَسْح مَسْحُكَ وجْها والْيَدَيْنِ
للْكُوعِ والنِّيَّةُ أُولى الضَّرْبَتينِ
ثمَّ المُوالاةُ صَعِيدٌ طَهَرا
ووصْلُها بهِ ووقْتٌ حَضَرا
آخِرُهُ لِلرَّاجِ آيِسٌ فَقَطْ
أَولُهُ والمُتَرَدِّد الْوَسَطْ
ذكر في هذه الأبيات الثلاثة والأربعة بعدها
الفصل الرابع
من فصول باب التيمم وهو بيان فرائضه وسننه ومستحباته وذلك يستلزم بيان صفته المستحبة وأدرج في هذا الفصل
الفصل الخامس
من فصول هذا الباب أيضا وهو بيان وقت التيمم لكون دخول الوقت من جملة الفرائض فأخبرنا هنا أن فرائض التيمم ثمانية. أولها مسح الوجه ابن شعبان ولا يتتبع غضونه الثاني مسح إلى الكوعين ابن الحاجب وينزع الخاتم على المنصوص قالوا ويخلل أصابعه التوضيح الاستيعاب بالمسح مطلوب ابتداء ولو ترك شيئا من الوجه أو من اليدين إلى الكوعين لم يجزه على المشهور وقال ابن مسلمة إذا كان يسيرا أجزأه ولاخلاف أنه مطلوب منه نزع الخاتم ابتداء لأن التراب لا يدخل تحته فإن لم ينزعه فالمذهب أنه لا يجزئه وتضعيف تخليل الأصابع بقوله قالوا لأن التخليل لا يناسب المسح الذي هو مبني على التخفيف الثالث النية ومحلها عند الضربة الأولى ولم يعينه الناظم كما قال في الوضوء نية في بدئه لظهوره والله أعلم إذ شأن النية أن تكون أول الفعل المنوي واحتمال كون قوله أولى الضربتين غير معطوف بحذف العاطف بل ظرفا للنية بعيد إذ يلزم عليه محاولة إفادة أمر ظاهر وإسقاط ما لا بد من ذكره وهو التنصيص على وجوب الضربة الأولى وينوي استباحة الصلاة محدثا أو جنبا فإن نسي الجناية وتيمم لم يجره تيممه ففي المدونة قال مالك إن تيمم للفريضة وصلى ثم تذكر أنه جنب أعاد التيمم لجنابته وأعاد الفريضة قال في المختصر أبدا ابن يونس وهذا أصوب لأن التيمم للوضوء بدل منه وللغسل بدل منه فكما لا يجزء الوضوء عن الغسل كذلك لا يجزئه بدل عن بدل الغسل ابن الحاجب فإن نسي الجنابة لم يجزه على المشهور فيعيد أبدا ونقل عن ابن مسلمة الإجزاء وروى ابن وهب يعيد في الوقت
(فرع) إذا تيمم الجنب ثم أحدث فظاهر المذهب أن يتيمم بنية الجنابة أيضا وخرج اللخمي على قول بن شعبان أن له أن يصيب الحائض إذا طهرت بالتيمم أن ينوي
الحدث الأصغر ولا ينوي المتيمم رفع الحدث فإن التيمم لا يرفعه على المشهور فإذا تيمم ثم وجد الماء توضأ أو اغتسل إن وجب عليه الغسل ولو لم يحدث له موجب طهارة فيما بين تيممه ووجود الماء وقال ابن المسيب يرفع الحدث الأصغر دون الأكبر فإذا تيمم وهو غير جنب وصلى ثم وجد الماء لم يلزمه استعماله حتى تنتقض طهارته وأما الجنب فإنه يغتسل وبه قال ابن شهاب وقال عبد العزيز ابن أبي سلمة يرفع الحدث الأصغر والأكبر فإذا أجنب وتيمم ووجد الماء لا يتطهر حتى يجنب جنابة أخرى نقله الجزولي شارح الرسالة ونقله الفاكهاني في شرح الرسالة عن أبي بكر ابن عبد الرحمن اهـ من القلشاني عند قوله في الرسالة فإذا وجد الماء تطهرا ولم يعيدا ما صليا (تنبيه) قولهم أن المتيمم ينوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث قال في التوضيح يفهم منه أن الاستباحة لا تلزم رفع الحدث بل أعم نعم يمكن أن يدعي أن الاستباحة مساوية لرفع الحدث اهـ وعلى كون الاستباحة أعم من رفع الحدث أو مساوية ففي المسألة إشكال إذ المراد بالحدث هنا المنع المرتب على الأعضاء وإن لم يرتفع هذا المنع فكيف يستبيح الصلاة إذ لا يلزم عليه اجتماع النقيضين إذ الحدث وهو المانع والإباحة متحققة بإجماع وأجيب عن ذلك بجوابين أحدهما ل لقرافي أن معنى قولهم التيمم لا يرفع الحدث أي لا يرفعه مطلقا بل إلى غاية وجود الماء قال وعلى هذا فلا يبقى في المسألة خلاف أي لأن من قال يرفعه معناه إلى غاية وهي وجود الماء ومن قال لا يرفعه أي رفعا مطلقا بحيث لو وجد الماء لم يلزمه استعماله فالمثبت في القول الأول الرفع المقيد والمنفي في الثاني الرفع المطلق فليس إذا إلا قولا واحدا بالتفصيل وهو أنه يرفع الحدث رفعا مقيدا بغاية ولا يرفعه رفعا مطلقا ولذلك قال الإمام ابن عبد الله المازري لعل الخلاف في اللفظ فقط الجواب الثاني لابن رشد قال يمكن أن يقال الجنابة سبب يترتب عليه مسببان أحدهما المنع من الصلاة والآخر وجوب الغسل بالماء فأقام الشرع التيمم سببا لرفع أحد المسببين وهو المنع من الصلاة ولا يقيمه سببا لرفع المسبب الآخر وهو وجوب استعمال الماء بل إذا وجد الماء أمر بإيقاع المسبب الثاني وهو وجوب الغسل فلا منافاة بين قولنا التيمم يرفع الحدث وبين كونه يؤمر بالغسل لما يستقبل قال وهو لعمري مراد الأشياخ بقولهم التيمم لا يرفع الحدث أي لا يرفع مسببات الحدث كلها وإنما وقع الإشكال من قصور الفهم عنهم فتأمله فهو بحث حسن جدا خليل وعليه فلا يكون في المسألة خلاف أيضا أي لأن مراد من قال التيمم يرفع الحدث أنه يرفع بعض مسبباته وهو المنع من الصلاة ومراد من قال لا يرفعه أنه لا يرفع بعض مسبباته وهو وجوب الغسل فالمثبت غير المنفي أيضا فالخلاف لفظي والله أعلم.
الرابع من فرائض التيمم الضربة الأولى والمراد بها وضع اليد على الصعيد لا
الضرب على بابه فقول الناظم (أولى الضربتين) هو معطوف على النية بحذف العاطف واحترز بأولى من الضربة الثانية فإنها سنة وستأتي:
الخامس الموالاة وهي الفور كما في الوضوء قال في المدونة من فرق تيممه وكان أمرا قريبا أجزأه وإن تباعد ابتدأ التيمم كالوضوء قال وتنكيس التيمم كالوضوء.
السادس الصعيد الطاهر واختلف في الصعيد ما هو فقال الأزهري ما صعد على وجه الأرض وقال ابن فارس الصعيد التراب وقال ابن العربي الذي يعضده الاشتقاق وهو صريح اللغة أنه وجه الأرض على أي وجه كان من رمل أو حجارة أو مدر أو تراب ومذهب مالك أن المراد بالطيب في الآية الطاهر وقيل هو النظيف وقيل هو المنبت بدليل {والبلد الطيب يخرج بناته بإذن ربه} وقيل هو الحلال وأجمع المسلمون على جواز التيمم بكل تراب طاهر منبت غير منقول ولا مغصوب وعلى منعه بمثل الخبز واللحم والأطعمة ولا يعترض بالملح على القول بجواز التيمم عليه لأنه مصلح للطعام ولا طعام في نفسه واختلفوا فيما وراء ذلك. ولا بد من ذكر فروع.
الأول المشهور جواز التيمم بالتراب المنقول خلافا لابن بكير
الثاني يجوز التيمم على صلب الأرض لعدم التراب اتفاقا ومع وجوده على المشهور وكذا حكم التيمم الحجر
الثالث يجوز التيمم على خالص الرمل خلافا لابن شعبان اللخمي ويجوز بتراب السباخ اتفاقا
الرابع اختلف في التيمم على المعادن كمعدن الشب والزرنيخ والكحل والكبريت والزاج والمشهور جوازه وقيل بعدم جوازه والثالث إن لم يجد غيرها وضاق الوقت تيمم عليها وإلا فلا التوضيح وقال مالك في السليمانية إذا نقل الكبريت والزرنيخ والشب ونحو ذلك لا يتيمم به لأنه لما صار في أيدي الناس معدا لمنفعتهم أشبه العقاقير ويتيمم بالمغرة لأنها تراب اهـ وفي جواز التيمم على الملح ومنعه ثالثا يتيمم على المعدني لا المصنوع والرابع إن كان بأرضه وضاق الوقت تيمم الوقت وإلا فلا الخامس في جواز التيمم على الثلج والمشهور منعه ثالثها إن عدم الصعيد والرابع كالثالث بزيادة يعيد في الوقت.
السادس الجلاب لا بأس
بالتيمم بالجص والنورة قبل طبخهما اللخمي ويمنع بالجير والآجر والجص بعد حرقه والياقوت والزبرجد والرخام والذهب والفضة فإن فقد سوى ما منع التيمم به وضاق الوقت تيمم به السابع قال بعض البغداديين في التيمم على الزرع قولان ابن يونس عن الأبهري يجوز على الحشيش الوقار يجوز على الخشب المازري فيهما نظر واحتراز الناظم يوصف الصعيد بالطهارة من التيمم بالصعيد النجس فإن من تيمم به عالما أعاد أبدا نقله الشيخ عن أصبغ وجاهلاً أعاد في الوقت قاله ابن حبيب وفي المدونة المتيمم على موضع نجس كالمتوضيء بماء غير طاهر يعيد في الوقت واستشكل قصر الإعادة على الوقت وأجيب بأن المراد أن نجاسته لم تظهر ظهورا يحكم بها فهو كماء شك فيه وبأن ذلك مراعاة لمن يقول جفوف أرض طهورها وهو مذهب الحسن ومحمد بن الحنفية
(فرع) من عدم الماء والصعيد فاختلف المذهب فيه على أربعة أقوال. الأول لابن القاسم يصلي كذلك ويقضي. والثاني ل مالك لا يصلي ولا يقضي. الثالث لأشهب يصلي ولا يقضي. والرابع لأصبغ يقضي ولا يصلي ونظم بعضهم هذه الأقوال فقال
ومن لم يجد ماء ولا متيمما
فأربعة الأقوال يحكين مذهبا
يصلي ويقضي عكس ما قال مالمك
وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
قال القابسي يوميء المربوط للأرض بوجهه ويديه للتيمم كإيمائه بالسجود إليها وذيل بعضهم البيتين بقول القابسي قال
وللقابسي ذو الربط يومي لأرضه
بوجه وأيد للتيمم مطلبا
ومطلبا في البيت مفعل بفتح أوله وثالثه مراد به المصدر وهو حال من فاعل يومي على حذف مضاف أي ذا طلب أو مفعول من أجله وهو أظهر وقد ذيل الشيخ بن غازي في تكميل التقيد البيتين المتقدمين ببيتين آخرين في بيان توجيه الأقوال الأربعة فقال
أرى الطهر شرطا في الوجوب لمسقط
وشرط أداء عند من بعد أوجبا
ويحتاط باقيهم ومن قال إنه
إنه لأشهب شرط دون عذر قد أغربا
فأخبر أن المسقط أي لأداء الصلاة وقضائها وهو مالك بنى قوله على أن الطهارة شرط وجوب والشرط يلزم من عدمه العدم وأن الذي أوجب القضاء بعد خروج الوقت ولم يوجب أداءها كذلك وهو أصبغ بنى قوله على أنها شرط في الأداء لا في
الوجوب وأن وجه باقي الأقوال وهو أنه يصلي كذلك يقضي هو لابن القاسم أو يصلي ولا يقضي وهو لأشهب الاحتياط ومن وجه قول أشهب بكون الطهارة عنده شرطا مع القدرة دون العجز فقد أتى بغريب من القول واختار السيوري وغيره مذهب مالك لظواهر أقربها عنده سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء ولا موجب لذلك إلا العجز عن الطهارة
(فرع)
من دخل الصلاة بلا وضوء ولا تيمم على القول به عند عدم الماء والصعيد فأحدث فيها غلبة فإن ذلك لا يضره لأنه لم يرفع حدثا بطهر وإن تعمد الحدث بطلت ويقطع لأنه رفض للصلاة ويلغز بها فيقال أخبرني عن صلاة لا تبطل بسبق حدث ولا غلبته قاله ابن فرحون في ألغازه.
السابع من فرائض التيمم أن تكون الصلاة متصلة به قال ابن الجلاب من شرط التيمم أن يكون متصلاً بالصلاة فلا يجوز أن يصلي فريضتين بتيمم واحد ولا بأس أن يصلي نوافل بتيمم واحد إذا كان في فور واحد وفي المدونة ما معناه من تيمم لفريضة فذكر صلاة قبلها أعاد التيمم للمنسية وبدأ بها ثم تيمم للحاضرة ومن تيمم لفريضة فصلاها ثم ذكر صلاة نسيها تيمم لها أيضا.
الثامن دخول الوقت فلا يصح التيمم قبل دخوله ولو دخل بنفس فراغه من التيمم ولهذا لم يكتف بالفرض السابع الذي هو اتصال الصلاة بالتيمم عن هذا إذ لا يلزم من اتصاله بها كونه في الوقت كما لا يلزم من كونه في الوقت اتصاله بها إذ قد يتيمم أول الوقت ويصلي آخره قال ابن عرفة شرط التيمم للفرض دخول وقتهابن الحاجبووقته بعد دخول الوقت لا قبله على الأصح التوضيح ما ذكره أنه الأصح قال غيره هو المشهور ووجه أنها طهارة ضرورة ولا ضرورة لفعلها قبل وقت الصلاة وما قبله لابن شعبان بناء على أنه يرفع الحدث اهـ. ثم بعد كونه لا يصح إلا بعد دخول الوقت فالمتيممون على ثلاثة أقسام قسم يتيمم أول الوقت المختار وهو الآيس من وجود الماء في الوقت المختار ومن شاركه في المعنى ممن غلب على ظنه عدم وجوده فيه لأن غلبة الظن كاليقين في مسائل كثيرة والمريض الذي لا يقدر على مس الماء إذا عدم قدرته على مسه يصيره كمن عدمه فلا فائدة في تأخيرها وتفويته فضيلة أول الوقت وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله آيس فقط أوله وأخرج بفقط الراجي والمتردد له ونحوهما لا من غلب على ظنه عدم وجوده ولا المريض الذي لا يقدر على مس الماء إذ هما في معنى الآيس كما ذكر فالمطلوب دخولهما وقسم يتيمم وسطه وهو المتردد في
لحوق الماء أو في وجوده وإليه أشار بقوله والتردد الوسط قال في التوضيح ويلحق بالمتردد الخائف من سباع ونحوها والمريض الذي لا يجد من يناوله إياه فيتيممان ومحصل الفرق بين المتردد في اللحوق والوجود أو المتردد في اللحوق يتيقن وجود الماء وإنما تردد في إدراكه ولحوقه قبل خروج الوقت أو بعد خروجه والمتردد في الوجود لا علم عنده لا يدري هل بذلك الموضع ماء أم لا فهو متردد في وجود الماء وعدمه ويعبر عنه بعضهم بالجاهل وقسم يتيمم آخره وهو الموقن بوجود الماء في الوقت الذي غلب على ظنه وجوده ويسمى الراجي لأن غلبة الظن هنا كاليقين وإلى هذا القسم أشار الناظم بقوله آخره الراجي وإذا أخر الراجي فالموقن أولى والضابط في هذه المسائل أن إ يقاع الصلاة في الوقت المختار بطهارة ترابية أولى من إيقاعها بعد طهارة مائية لنقصان الأولى وكمال الثانية وأن إيقاعها آخر المختار بطهارة مائية أولى من إيقاعها أوله بطهارة ترابية والمراد بوسط الوقت نصف القامة في الظهر قاله ابن أبي زمنين وقال ابن محرز ثلثها لبطء حركة الشمس قرب الزوال وسرعة حركتها بعد الميل ابن عرفة يرد باعتبار الظن لا نفس الحركة وآخر الوقت قال ابن عبدوس وهو في الظهر إلى أن يخاف دخول وقت العصر قال ابن حبيب إلى أن يبلغ ظله مثله وفي العصر إلى أن يبلغ ظله مثليه وفي المغرب قبل غيبوبة الشفق وفي العشاء ثلث الليل قال الشيخ أبو الحسن الصغير ومعناه أن يبقى من الوقت مقدار ما يتيمم فيه ويصلى اهـ وهذا التفصيل الذي ذكره الناظم في وقت التيمم هو المشهور ابن الحاجب روى آخره في الجميع وقيل وسطه إلا الراجي فيؤخره وقيل آخره إلى الآيس فيقدم اهـ وقد نظم الإمام الحطاب في شرح نظائر الرسالة وقت التيمم لجميع المتيممين بعد بحثه مع ابن غازي حيث عد الراجي لوجود الماء مع من يوسط وإنما حكمة التأخير كما تقدم فقال
بادر بيأس ثم ممنوع المرض
وموقنا أخر وراج إن عرض
ووسطن عادم المناول
كالشك والخائف ثم الجاهل
ألا أنه بقي عليه من غلب على ظنه عدم وجود الماء في الوقت وحكمه التيمم أوله كما مر فلو قال بادر بظن عدم منع المرض لدخل اليأس من باب أولى ويكون بظن عدم على حذف مضاف أي بذي ظن عدم كقوله هو كالشك فإنه على حذف مضاف أيضا والمراد بقوله المتردد في اللحوق وبالجاهل المتردد في الوجود
سُنَنُهُ مَسْحُهما للْمِرْفَقِ
وضَرْبةُ الْيَدَيْنِ تَرْتِيبٌ بَقِي
منْدُبُهُ تَسمِيَةٌ وصْفٌ حمِيْد
أخبر أن سنن التيمم ثلاثة الأولى مسح اليدين من الكوعين إلى المرفقين. وأما
مسحهما إلى الكوعين فهو فرص كما تقدم. الثاني الضربة الثانية لمسح اليدين. الثالث الترتيب فيقدم مسح الوجه على مسح اليدين فإن نكسه وصلى أجزأه ثم ذكر مندوباته وهي التسمية والوصف الحميد الصفة المستحبة في مسح اليدين ولم يبينها اعتمادا على شهرتها قال في الرسالة.
يضرب بيديه الأرض فإن تعلق بهما شيء نفضهما نفضا خفيفا ثم يمسح بهما وجهه كله مسحا ثم يضرب بيديه الأرض فيمسح يمناه بيسراه يجعل أصابع يده اليسرى على أطراف يده اليمنى ثم يمر أصابعه على ظاهر يده وذراعه وقد حنى أصابعه حتى يبلغ المرفق ثم يجعل كفه على باطن ذراعه من طي مرفقه قابضا عليه حتى يبلغ الكوع من يده اليمنى ثم يجري بباطن بهمه على ظاهر بهم يده اليمنى ثم يمسح اليسرى باليمنى هكذا فإذا بلغ الكوع مسح كفه اليمنى بكفه اليسرى إلى آخر أطرافه اهـ هذه هي الصفة المستحبة في مسح اليدين فقوله يجعل أصابع يده اليسرى أي الأربعة ما عدا الإبهام على أطراف أصابع يده اليمنى يعفى ما عدا الإبهام أيضا بدليل ما ذكره في الإبهام قال ابن عرفة: ظاهر الروايات مسح إبهام اليمنى مع ظاهر أصابعها. والرسالة وابن الطلاع إذا بلغ باطن كوعها أمر باطن إبهام اليسرى على ظاهر إبهام اليمنى اهـ وهلا يمسح كف اليمنى حتى يمسح اليسرى وينتهي الكوع منها فيمسح الكفين بعضهما ببعض وهو الذي في الرسالة وبه قال ابن حبيب قيل إنما اختيار ذلك ليبقى التراب فيها واستشكل أو يمسح كف اليمنى قبل الشروع في اليسرى وهو اختيار القابسي قال لا ينتقل عن العضو إلا بعد كماله كالوضوء قولان وهذا كله على مشهور المذهب من استحباب مراعاة صفة مسح اليدين. وقال ابن عبد الحكم: لا تراعى فيهما صفة بل يمسحهما كيف شاء كغسلهما في الوضوء قيل: وإلى قوله أشار صاحب الرسالة بقوله أثر النص المتقدم ولو مسح اليمنى باليسرى أو اليسرى باليمنى كيف شاء
وتيسر عليه وأو عب المسح لأجزأه
(فرع)
إذا مسح بيديه على شيء قبل التيمم ففي الإجزاء وعدمه قولان للمتأخرين بخلاف النقض الخفيف فإنه مشروع
(فرع)
لو لم يجد إلا قدر ضربة فقال ابن القصار لا يستعمله وقال غيره يستعمله لوجهه ويديه وهما على الخلاف في الاقتصار على ضربة واحدة
(فرع)
إذا اقتصر على ضربة أو على الكوعين فأربعة أقوال: الأول ابن نافع يعيد أبدا فيهما الثاني لا إعادة فيهما الثالث الإعادة في الوقت فيهما ل ابن حبيب الرابع وهو المشهور إن اقتصر على الكوعين أعاد في الوقت وإن اقتصر على ضربة واحدة فلا إعادة عليه في وقت ولا غيره ولا يشترط وضع اليدين منفرجة الأصابع عند ضرب الأرض بهما واشترط الشافعية ضم أصابعهما في الضربة الأولى وتفريقهما في الضربة الثانية
(فرع)
سمع موسى بن القاسم لا بأس أن يتيمم بتراب تيمم به ابن رشد لأن التراب لا يتعلق به من أعضاء المتيمم ما يخرجه عن حكم التراب كما يتعلق بالماء بعض وسخ الأعضاء
ناقِضُهُ مِثْلُ الْوُضُوءِ ويَزيدْ
وُجُودُ ماءٍ قَبْلَ أنْ صلّى وإنْ
بَعْدُ يَجِدْ يُعِدْ بِوَقْتٍ إنْ يكُنْ
كَخائِفِ اللِّصِّ وراجٍ قدَّما
وزَمَنٍ مُناوِلاً قَدْ عَدما
أخبر أن كل ما ينقض الوضوء من الأحداث والأسباب فإنه ينقض التيمم أيضا قوله ويزيد وجود ماء قيل أن صلى معناه أن التيمم ينتقض بنواقض الوضوء كما مر ويزيد التيمم على الوضوء بنقضه بأمر آخر لا ينقض الوضوء وهو وجود الماء قبل الصلاة.
قال في التلقين: من تيمم فوجد الماء قبل أن يصلي لزمه استقبال الماء وبطل عليه تيممه إلا أن يكون الوقت من الضيق بحيث يخشى معه فوات الصلاة إن تشاغل به اهـ أي فلا يلزمه استعماله ولا يبطل تيممه على الصحيح من المذهب قال اللخمي وفهم من قوله قبل أن صلى أن وجوده في الصلاة أو بعدها لا ينقض التيمم وهو كذلك في الجملة.
فإن وجده فيها فيتمادى وتصح صلاته إلا إذا نسيه وهو عنده في رحلة فتذكره في الصلاة بأنه يقطع قال في المدونة وإن ذكر الماء في رحله وهو في الصلاة قطع ولو أطلع عليه رجل بالماء وهو في الصلاة تمادى وأجزأته صلاته ابن يونس لأن الذي ذكر الماء في رحله حين قيامه إلى الصلاة كان واجدا للماء ومالكا له اجتمع عليه مع ذلك العلم به حال الصلاة بطلت عليه لأنه قادر على الماء قبل تمامها ومالك له في حين القيام إليها بخلاف الذي أطلع عليه بالماء وهو في الصلاة هو غير واجد للماء وغير مالك له فقد دخل في الصلاة بما أمر به وحصل له منها عمل بإحدى الطهارتين فوجب أن لا يبطله لقوله سبحانه {ولا تبطلوا أعمالكم} اهـ
وأما إن وجده بعد الفراغ من الصلاة فلا يبطل تيممه أيضا وصلاته صحيحة وهل يعيد في الوقت أم لا.
في ذلك تفصيل باعتبار تعدد المتيممين فمنهم من يعيد سواء صلى في الوقت المأمور هو بالصلاة أم لا، ومنهم من لا يعيد إلا إذا قدم على الوقت الذي أمر بالتيمم فيه وأشار الناظم إلى بعض هذا التفصيل بقوله (وإن بعد يجد يعد بوقت أن يكن. كخائف اللص وراج قدما. وزمن مناولا قد عدما)
أي وإن لم يجد المتيمم الماء بعد أن صلى فإنه يعيد في الوقت أن يكن كخائف من لص أو سبع ونحوهما أو ما عطف عليه من الراجي إذا قدم ومن الزمن أي المقعد الذي يقدر على استعمال الماء ولا يجد من يناوله إياه في كونه مقصرا فيما طلب منه أو مخالفا لما أمر به، فالخائف مقصر في الطلب والزمن مقصر في إعداد الماء والراجي إذا قدم مخالف لما أمر به من التوسط وأحرى في الإعادة والمخالفة الموقن بوجود الماء إذا قدم أيضا.
ويدخل تحت الكاف من وجد الماء بعد أن صلى بقربه ومن أصل مائه في رحله فخشي خروج الوقت فتيمم وصلى ثم وجده والمتردد في لحوق الماء في رحله ولم يذكره إلا بعد أن صلى فيعيد كل هؤلاء في الوقت أيضا على المشهور.
والمراد بالوقت إذا أطلق هذا الباب للوقت المختار ابن الحاجب فإن قدم ذو التأخير فوجد الماء في الوقت أعاد أبدا.
وقيل في الوقت وتحتملهما التوضيح ذو التأخير هو الراجي ويدخل في كلامه المتيقن للماء لأنه صاحب تأخير وقد حكى ابن شأس في الراجي والمتيقن إذا قدما أول الوقت ثلاثة أقوال: الإعادة في الوقت لابن القاسموالإعادة أبدا والتفصيل فيعيد المتيقن أبدا والراجي في الوقت ل ابن حبيب.
ومن ثم اعترض على ابن الحاجب في تقديم قول ابن القاسم ثم قال قال ابن عطاء الله ومنشأ الخلاف هل التأخير من باب الأولى أو من باب الأوجب ثم قال والمسألة مقيدة بما إذا وجد الماء المرجو، وأما إن وجد غيره فلا إعادة قاله ابن عبد السلام.
ثم قال ابن الحاجب: ومن تيمم في وقته وصلى ثم وجد الماء في الوقت فلا إعادة ما لم يكن كالمقصر فيعيد في الوقت، وتحتمل أبدا كالشاك هل تدركه مع العلم بوجوده والمطلع عليه بقربه والخائف والمريض العادم المناول لتقصيره في الاستعداد وفي ناسي الماء في رحله ثالثها ل ابن القاسم يعيد في الوقت اهـ أما إعادة الموقن والراجي إن قدما فلمخالفتهما ما أمرا به من التأخير كما مر وأما إعادة الخائف فتقصيره في الطلب لكن قال في التوضيح قال شيخنا إعادة الخائف مشكلة إذ لا يجوز له أن يغرر بنفسه.
وأما إعادة الزمن العادم المناول فلتقصيره في الاستعداد.
قال في التوضيح: إن كان ممن يتكرر عليه الداخلون فليس بمقصر ابن ناجي قلت والأقرب أنه لا إعادة عليه مطلقا لأنه إنما ترك الماء قبل دخول الوقت وهو مندوب على ظاهر المذهب وذلك لا يضر.
وأما إعادة واجد الماء لقربه أو في
رحله وقد كان أضله فيه أو نسيه وإعادة المتردد في لحوقه فلتقصيرهم في الطلب أيضا والله أعلم وما ذكره الناظم من إعادة الخائف وعادم المناول لا فرق فيها بين أن يصليا في وقتهما وهو وسط الوقت أو قبله كما إذا قدما أول الوقت فقوله قدما صفة لراج فقط وألفه للإطلاق وقوله وزمن عطف على كخائف ومنا ولا مفعول عدم بفتح العين وفاعل عدم يعود على زمن وجملة عدم صفة لزمن
(فرع)
من أضل رحله بين الرحال وبالغ في طلبه فلم يجده فتيمم وصلى ثم وجده فلا يعيد في وقت ولا غيره قال ابن رشد ولم أر في هذا خلافا
(فرع)
قال ابن الحاجب وكل من أمر أن يعيذ في الوقت فنسي بعد أن ذكر لم يعد بعده وقال ابن حبيب يعيد (فذلكة مفيدة) في الأسباب الناقلة إلى التيمم وعدد المتيممين وقت تيممهم ومن يعيد منهم ومن لا يعيد ممن تيمم في وقته أو قبله أو بعده ثم وجد الماء فالأسباب الناقلة إلى التيمم ثلاثة كما في الرسالة: عدم الماء والمرض والخوف وما عداها يرجع إليها فمن دخل عليه الوقت ولا ماء معه فلا يخلو حاله من ستة أوجه إما أن يتيقن وجوده في الوقت المختار وهو الموقن وإما أن يغلب على ظنه وجوده فيه وهو الراجي وإما أن يتردد في وجوده وعدمه ويستوي عنده احتمال الوجود والعدم وهو المتردد في الوجود وإما أن يغلب على ظنه عدم وجوده فيه وإما أن ييأس من وجوده فيه، وهذا هو اليائس والمتردد إما أن يكون تردده في وجود الماء وعدمه كما مر لجهله هل بذلك الموضع ماء أم لا وإما أن يكون في إدراكه قبل خروج الوقت أو بعده مع علمه أن بذلك الموضع ماء لا محالة والمرض إما أن يكون مانعا من مس الماء ولا فرق فيه بين أن يكون حاصلاً في الحال أو مترقبا أي سواء خاف زيادة مرضه باستعمال الماء أو حدوث مرض لم يكن به وإما أن يكون المرض مانعا من تناوله حيث لا يجد مناولا مع القدرة على استعماله الخوف قسم واحد كان على النفس أو المال لاتحاد حكمهما في الجملة فالمتيممون إذا تسعة وهم بالنسبة لوقت تيممهم على ثلاثة أقسام قسم يتيمم أول الوقت وهو ثلاثة: الآيس من وجود الماء في الوقت والذي غلب على ظنه عدم
وجوده فيه والمريض الذي لا يقدر على مس الماء وقسم يتيمم وسطه وهم أربعة المتردد في لحوق الماء والمتردد في وجوده والخائف من سباع ونحوها والمريض الذي لا يجد مناولا. قسم يتيمم آخره وهو الموقن بوجود الماء في الوقت والراجي الذي غلب على ظنه وجوده فيه [فمن] تيمم منهم في وقته وصلى ثم وجد الماء في الوقت فلا يعيد إلا إن كان معه تفريط وتقصير كمن وجد الماء بقربه أو في رحله ولم يتقدم
له به علم أو كان يعلمه ونسيه وهو عنده في رحله وكذلك من ألحق به كالخائف من سباع والمريض العادم للمناول والمتردد في لحوق الماء والثلاثة الأول من هذه الستة من قسم عادم الماء الذي يتيمم أول الوقت والثلاثة الأخيرة من الذين يوسطون وأما من تيمم في غير وقته فإن أخره عن وقته كمن حكمه أن يقدم فوسط وأخر، أو حكمه التوسط فأخر فلا يعيد إلا [إن] كان مفرطا أو ملحقا بالمفرط كالستة المتقدمة فيعيد أيضا كما تقدم قريبا هذا ظاهر إطلاقهم وإن الثلاثة الأول من الستة المذكورين المعيدين يعيدون في الوقت سواء قدموا أو وسطوا أو أخروا وإن الثلاثة الأخيرة منها يعيدون في الوقت أيضا سواء وسطوا كما صرحوا به ولا إشكال أو أخروا على ظاهر إطلاقهم أما إن قدم وتيمم قبل وقته فإن كان مما يوسط به يعيد إلا للتردد في وجود الماء فلا إعادة عليه لاستناده للأصل وهو العدم وإن كان ممن يؤخر ففي إعادته في الوقت وقد كنت قلت أبياتا في هذه الفذلكة لتقريبها للحفظ وهي هذه
والانتقال للتيمم اعلما
لمرض أو خوف أو عدم ما
آخرها ليائس ظن العدم
وموقن راج وشك انقسم
والشك في لحوق أو وجدان
ومرض قالوا له قسمان
مانع من مانع التناول
بالعد تسعة لكل سائل
والكل منهم بوقت الاختيار
يأتي صلاته بطهر الاضطرار
ذو اليأس والظن لفقد قدما
كذا مريض مع المس اعلما
وموقن ثمنه راج أخرا
ومن بقي وسط وقت قررا
من شك في اللحوق أو وجدان أو
خاف وذو عجز التناول رأوا
وإن يكن ماء بوقت الاختيار
أعاد ضعف أربع ولا تمار
من واجد للماء بقرب أو متاع
من غير علم ذاكر بالرحل شاع
كذلك الخائف والذي عدم
مناولا شك إدراك وسم
في أي وقت فعلوا التيمما
ثمنه موقن راج قدما
ثم الثلاثة الأولى ممن عدم
ماء وأوله له كان رسم
وسط وقت الظهر نصف قامة
وقس عليه الغير لا ملامة
آخر أن يبقى منه قدر ما
فيه يصلي بعد ما تيمما
جمع ذا محمد بن أحمدا
ميارة بذاك يدعى أبدا
عامله الإله بالفغران
والفوز بالنعيم والرضوان
ثم صلاة الله تترى بالدوام
على النبي وآ له مع السلام
حذف مضاف أيضا
(فرع)
إذا وجدت جماعة ماء يكفي أحدهم فقط بعد أن تيمموا فإن بادر إليه أحدهم لم يبطل تيمم الباقين إذ لا قدرة لهم عليه ومن أخذه فهو أحق به فيبطل تيممه وحده وإن سلموه لواحد منهم اختياراً فقولان قيل يبطل تيمم الجميع لأن الحكم فيه القرعة فما من واحد منهم إلا ويجوز أن يملكه بالسهم وقيل لا يبطل إلا تيمم آخذه فقط لأن ما تركه كل واحد لا تكمل به الطهارة والقولان ل سحنون قاله في البيان وهذا الفرع تعلق بقول الناظم وجود ماء وقولنا ظن العدم على حذف مضاف وعاطف أي والذي ظن وكذا قولنا وشك انقسم وقولنا وشك إدراك هما على قبل أن صلى
(فرع)
إذا مات صاحب الماء ومعه جنب فربه أولى به أن يخشى الجنب العطش فيضمن قيمته للورثة لا مثله فإن كان الماء بين رجلين فمات أحدهما وأجنب الآخر فقال ابن القاسمالحي أولى ويضمن قيمة نصيب الآخر لأن غسل الجنابة مجمع عليه وقال ابن العربي الميت أولى لأنها طهارة خبث وهي أولى ولأنها آخر طهارته من الدنيا
(تنبيه) سكت الناظم رحمه الله عن فصلين مناسبين لهذا المحل وهما المسح على الخفين والمسح على الجبائر ولا بد من ذكر بعض ما يتعلق بالفصلين بتقريب واختصار تكميلاً للفائدة
(وأما المسح على الخفين) فقال ابن الحاجب إنه رخصة على الأصح التوضيح مقبال الأصح ما وقع في مختصر ابن الطلاع أنه مطلوب قيل بالندب وقيل بالوجوب وكان شيخنا رحمه الله يحمل بالوجوب على ما إذا كان لابسا فأراد خلعه بغير عذر لا أنه يجب عليه أن يلبس ليمسح اهـ ابن طلاع نفس مسح الخفين فرض والانتقال إليه من الغسل رخصة اهـ وانظر كيف قابلوا الرخصة بالطلب وجوبا أو ندبا مع أن الرخصة تكون واجبة ومندوبة ففي جمع الجوامع للإمام السبكي والحكم الشرعي إن تغير إلى سهولة لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي فرخصة كأكل الميتة والقصر والسلم وفطر مسافر لا يجهده الصوم واجبا ومندوبا ومباحا وخلاف الأولى وإلا فعزيمة اهـ والجواب والله أعلم أن كلام ابن الحاجب على حذف الصفة أي رخصة مباحة وحينئذ تحسن المقابلة بالمطلوب بقسيمة والمسح على الخفين رخصة للرجل والمرأة وإن مستحاضة في السفر والحضر وله عشرة شروط خمسة في الماسح وخمسة في الممسوح فالتي في الماسح أن يلبسهما على طهارة بالماء غير كاملة وهو غير عاص بلبسه أو سفره ولا مترفه بلبسه والتي في الممسوح أن يكون الخف جلدا طاهرا مخروزا ساتراً لمحل الفرض تمكن متابعة المشي فيه فلو لبسهما علىغير طهارة فلا يمسح اتفاقا إلا ما وقع في العتبية أو على طهارة ترابية فلا يمسح خلافا ل أصبغ ومحل الخلاف إذا لبسه بعد التيمم وقبل الصلاة وأما إذا لبسه بعدها فلا يخالف في ذلك أصبغ لانقضاء الطهارة والمشترطة حسا وحكما ولا إذا غسل إحدى الرجلين ولبس خفها ثم غسل الأخرى ولبس الآخر حتى يخلع الملبوس قبل كمال الطهارة ولا المحرم العاصي بلبسه ولا نحو الآبق العاصي بسفر ولا لابس لمجرد المسح كمن جعل في رجليه حناء ولبس الخفين ليمسح عليهما أو لبسهما لينام وكذا لا يمسح على الجورب وهو ما كان على شكل الخف من كتان أو صوف أو غير ذلك إلا أن يكون من فوقه ومن تحته جلد مخروز ففوقه ما على ظاهر القدم وتحته ما يلى الأرض لا ما يلى بشرة الرجل والحاصل أنه يشترط مباشرة المسح للجلد كان تحته غيره أم لا فإذا لبس الخف فوق الريحية أو فوق خرق ونحوها مسح عليه وإذا لبسه تحت ما ذكر فلا يمسح لكونه حائلاً بين المسح والخف ويستثنى من ذلك المهماز فيمسح عليه مع كونه فوق الخف لكن خصصه ابن عبد السلام بالراكب ولا يمسح على نجس الذات كجلد الخنزير أو بمتنجس كجلد مذكى تنجس ولا على جلد لصق بعضه على بعض على هيئة الخف ولا على خف لا يستر
الكعبين ولا على ذي الخرق الكثير وهو الذي يظهر معه جل القدم على المنصوص وقال العراقيون هو أن تتعذر مدوامة المشي عليه وهو مقيد بذوي المروآت وأما غيرهم فلا يتعذر عليه شيء ويمسح على الخف فوق الخف على المشهور فلو نزع الأعليين مسح على الأسفلين وإن نزع الخفين المفردين غسل الرجلين فلو أخر مسح الأسفلين ولو أخر غسل الرجلين قدر ما تجف فيه الأعضاء المعتدلة في الزمان المعتدل فإن كان عامدا بطل وضوؤه وإن كان ناسيا فيبني وإن طال وإذا نزع أحد الخفين وجب نزع الآخر وغسل رجليه معا فإن عسر عليه نزع الآخر وضاق الوقت ففي تيممه ومسحه عليه أو إن كثرت قيمته مسح عليه وإلا مزقه أقوال. وصفة المسح قال في المدونة أرانا مالك المسح على الخفين فوضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من ظاهر قدمه اليمنى ووضع اليسرى تحت أطراف أصابعه من باطن خفه فأمرهما إلى مواضع الوضوء وذلك أصل الساق اهـ واختلف الشيوخ في صفة اليسرى فقال ابن شيلون يمسح اليسرى كاليمنى فيضع يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع رجله اليسرى ويده اليسرى من تحتها إذ لو كانت بينهما مخالفة لنبه عليها وقالابن ابي زيدوغيره يجعل اليد اليسرى على الرجل اليسرى واليمنى من أسفلها لأنه أمكن وقيل يبدأ بيديه من الكعبين مارا إلى القدم التوضيح وانظر هل يأتي الخلاف المتقدم في كون اليد اليمنى على الرجلين أو اليد اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى وقيل يجعل اليد اليمنى كالصفة الأولى واليد اليسرى من عند العقب كالصفة الثانية ويمرهما مختلفتين وإذا مسح الخف الأول فإنه يغسل يده التي مسح بها أسفل الخف لما عسى أن يتعلق بها ويجدد الماء لمسح الخف الآخر لأن ما بيده من البلل ذهب في مسح الخف الأول ويزيل عنهما الطين لأنه حائل ولا يتتبع الغضون ويكره تكرار مسحه وغسله بدلاً عن مسحه ويجوز المسح عليه بالشروط المذكورة من غير توقيت بمدة من الزمن على المشهور ولا يقطعه إلا خلعه أوحدوث ما يوجب الغسل وروى ابن نافع للمقيم من الجمعة إلى الجمعة وروى أشهب للمسافر ثلاثة أيام واقتصر أي على حكم المسافر ولم يذكر حكم الحاضر وفي كتاب السر
وللمقيم يوم وليلة ولو مسح أعلاه فقط أجزأه ويعيد في الوقت وأسفله فقط لم يجزه أشهب يجزيء فيهما ابن نافع لا يجزيء فيهما (وأما المسح على الجبائر) فيمسح أولا على جراحه إن قدر فإن خشي بمسحها ضررا كما في باب التيمم مسح على الجبائر وشبهها وكذلك المرارة تجعل على الظفر والقراطاس يجعل على الصدغ وإن احتاجت إلى عصابة مسح على العصابة وإن انتشرت على المحل المألوم وإن كثرت العصائب وأمكنه مسح أسفلها لم يجزه المسح على ما فوقه ويمسح على عصابة الفصادة وغيرها إن خافها في المسح والوضوء إن شئت على غير طهارة لأن لبسها ضروري بخلاف لبس الخف فإنه اختياري فلذلك لا يمسح عليه إلا إن لبسه على طهارة ابن عرفة يمسح على العمامة إن شق مسح الرأس ويمسح على الرأس في غسل الجنابة وفتوى ابن رشديتيمم من خشي على نفسه من غسل رأسه تعقبت والمسح على الجبائر مرة واحدة كالخف فإن كان يتضرر بمسح الجراح ولا تثبت عليها الجبيرة كما لو كانت تحت المارن أو لا تمكن أصلاً كما لو كانت في أشفار العينين فإن كان ذلك في أعضاء التيمم تركها وغسل ما سواها وإن كان في غيرها فقيل يتيمم ليأتي بطهارة كاملة وقيل يغسل ما صح ويسقط موضع الجبيرة لأن التيمم إنما يكون مع عدم الماء ثالثها يتيمم إن كان كثيرا لأن الأقل يتبع الأكثر ورابعها يجمع بين الوضوء والتيمم ويقدم الوضوء ومن مسح ثم صح غسل ما مسحه مما هو في الأصل مغسول ومسح مباشرة ما فرضه المسح كالرأس والأذنين في الوضوء مما كان يمسح على جبيرته ابن عرفة يجب فعل الأصل حين البرء وتأخير ذلك تأخير للموالاة ولو نسي غسل ما كان يمسحه في غسل جنابته ففيها إن كان في مغسول الوضوء أجزأ وقضى ما قبل غسله أي من حين صحته إلى أن غسلها في وضوئه وإن لم تكن في مغسول الوضوء إن كانت ممسوحة أو في غير أعضاء الوضوء غسل وقضى كل ما صلى من حين صحته إلى أن غسلها وإن سقطت الجبيرة أو نزعها هو بعد أن مسح عليها في وضوء أو تيمم ردها ومسح وإلا كان تاركا للموالاة أيضا وإن سقطت وهو في الصلاة قطع وردها ومسح لتعلق الحدث بمحلها فقد فقد شرط من شروط الصلاة وهو طهارة الحدث المطلوبة ابتداء ودواما.