الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في صفات (1) الحروف
اعلم أن الحروف إنما تختبر صفاتها بأن ينطق بها سواكن بعد همزة الوصل نحو (اب)(اج)(اد) فيكون الحرف إذ ذاك مجرداً من شوائب التركيب فتبرز ذاته وتتميز حقيقته وصفاته.
واعلم أن جملة الصفات التي أقصد الآن ذكرها ست عشرة، منها أربع (2) تضاد، كل واحدة منها صفة أخرى، فتبلغ مع أضدادها ثمان صفات، والثمان الباقية لا تضاد بينها.
أما المتضادات فمنها الجهر ومعناه الظهور (3) قال الله تعالى: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} (4) أي عيِاناً وقال: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} (5) أي لا ترفع صوتك. وضد الجهر الهمس ومعناه الخفاء (6) قال الله تعالى: {فَلَا تَسْمَعُ
(1) الصفات: جمع صفة والصفة لغة: ما قام بالشيء من المعافي كالعلم وما أشبه ذلك. واصطلاحا: كيفية عارضة للحرف عند النطق به من سليم الطبع كجرى النفس اللازم للهمس وعدم جريه اللازم للجهر ونحو ذلك.
انظر: الرائد ص 47، والنجوم الطوالع ص 215.
(2)
في (س) و (ز) أربعة.
(3)
أي لغة - وفي الإصطلاح قوة التصويت بالحرف لقوة الإعتماد عليه في مخرجه حتى منع أن يجرى النفس الكثير معه فكان فيه جهر أي إعلان وإظهار فسمى مجهوراً.
(4)
الآية (55) من سورة البقرة - 2 - .
(5)
الآية (110) من سورة الإسراء - 17 - .
(6)
قوله عناه الخفاء أي لغة. وفي الإصطلاح هو ضعف التصويت بالحرف لضعف الإعتماد عليه في مخرجه حتى جرى النفس معه فكان فيه همس: أي خفاء فسمى مهموساً.
إلَّا هَمْساً} (1). قال الهروي (2) أي صوتاً خفياً من وطء أقدامهم إلى المحشر.
والحرف الظاهر البين في النطق هو المجهور، والحرف الضعيف هو المهموس. وجملة الحروف المهموسة عشرة يجمعها قولك (سكت فحثه شخص) والحروف المجهورة ما عداها.
واعلم أن بعض المجهورة أقوى من بعض: فالطاء والدال المهملتان أقوى من الذال والظاء المعجمتين، وكذلك بعض الحروف المهموسة أضعف من بعض: فالهاء والحاء والثاء (والفاء)(3) ونحوها أهمس من الشين والخاء.
ومنها الشدة (4) وضدها الرخاوة (5).
والحروف تنقسم إلى شديدة ورخوة ومتوسطة، وجملة الحروف الشديدة ثمانية يجمعها قولك (اتجد طبقك) (6) وفسر سيبويه الحرف الشديد بأنه الذي يمنع الصوت أن يجري فيه ألا ترى أنك لو قلت:(اج) لم
(1) الآية (108) من سورة طه - 20 - .
(2)
هو: عبد الملك بن علي الهروى، لغوي مفسر، من كتبه: المحيط في اللغة، والمنتخب من تفسير الرماني (ت 489) بغية الوعاة 1/ 112. ومعجم المؤلفين 186/ 6.
(3)
ما ببن القوسين من (س).
(4)
الشدة لغة: القوة. واصطلاح: انحباس جريان الصوت عند النطق بالحرف لقوة الإعتماد عليه في مخرجه. الرائد ص 47.
(5)
الرخاوة لغة: اللين. واصطلاحا: ضعفاً لزوم الحرف لموضعه لضعف الإعتماد عليه في مخرجه حتى جري الصوت معه فكان فيه رخاوة أي لين. النجوم الطوالع ص 207.
(6)
ما بين القوسين من (س) و (ز) و (ت).
يمكن (1) مد (2) الصوت فيه وكذلك سائره (3).
واعلم أنه متى تحرك الحرف لم يمكن فيه مد الصوت سواء كان رخواً أو شديداً وإنما يتميز مد الصوت بالحرف وامتناعه إذا سكن الحرف.
وتد تقدم أن الحروف إنما تختبر إذا سكنت وعريت عن التركيب.
وأما الرخوة فجملتها ثلاثة عشر حرفاً: هي الهاء، والغين، والخاء، والشين، وا لضاد، والصاد، والسين، والزاي، والظاء، والذال، والثاء، والفاء، وكل واحد منها يمكن مد الصوت فيه إذا سكن.
وأما المتوسطة فثمانية أحرف، وهي حروف العلة الثلاثة، وخمسة من حروف الصحة يجمعها قولك (لم يروعنا)(4).
ووجه وصف هذه الحروف بأنها متوسطة:
أما العين فقال فيه سيبويه إنه بين الرخوة والشديدة تصير (5) إلى الترديد فيها لشبهها بالحاء. وقال في اللام: إنه حرف شديد جرى فيه الصوت لإنحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديدة، وإن شئت مددت فيه الصوت، وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه، وليس يخرج الصوت من موضع اللام، ولكن من ناحية مستدق اللسان فويق ذلك انتهى.
(1) في الأصل (يكن) وهو تحريف والصواب ما أثبته كا في باقي النسخ.
(2)
في (ت)(من) وهو تحريف والصواب ما أثبته كما في باقي النسخ.
(3)
في (س) و (ز)(سائرها).
(4)
وذهب بعضهم إلى أن الحروف المتوسطة سبعة فأسقط منها الألف وجمعها في قولك (نولي عمر). وذهب آخرون إلى أنها خمسة فأسقط منها أحرف المد الثلاث وجمعها في (لن عمر).
(5)
في الكتاب (تصل).
قوله (لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه) تعليل لصحة مد الصوت كما يكون ذلك في حروف الرخاوة (1) إذ خاصية الحرف الرخوي صحة مد الصوت فيه مع أن العضو الناطق به لا يزول عن موضعه الذي اعتمد عليه عند ابتدائه بالنطق بذلك الحرف مع كون الصوت الممتد خارجاً من موضع الحرف.
ومن ناحية الحرف الشديد أنه إذا نطق به العضو تجافى على الفور عن موضعه الذي اعتمد عليه وقت النطق، وانقطع الصوت مع أن صوت الحرف إنما يخرج من موضعه.
وأما اللام فلما حصل فيها جواز مد الصوت مع بقاء اللسان في موضعه من غير تجاف: أشبه بذلك الرخوة، والصوت الممتد ليس يخرج من موضع اللام وإنما يخرج من ناحيتى مستدق اللسان وهو طرفه، وفارق بذلك الحروف: لأن الصوت الممتد بالحرف الرخوي إنما يخرج من موضع الحرف كما تقدم.
وإنما موضع اللام الموضع الذي يلتقى من اللسان مع ما يليه من الأضراس وإذا لم يمد الصوت باللام الساكنة تجافى اللسان عن موضعه وخرج الحرف من الموضع الذي ذكرنا. فحصل من هذا أن نسبة الصوت الممتد خارجاً من ناحيتى مستدق اللسان إلى ذات اللام كنسبة الغنة الخارجة من الأنف إلى حرفي الغنة وهما الميم والنون.
وقوله: (وليس كالرخوة) يريد به نفى المثلية أي ليس رخوا، ولم يرد نفي الشبه: لأن الشبه حاصل بما فيه من مد الصوت مع لزوم اللسان لموضعه كما تقدم.
(1) في (س) و (ز) و (ت)(الرخوة).
وأما النون والميم فقال سيبويه: في النون: إنه حرف شديد يجري مع الصوت غنة من الأنف إنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف: لأنك لو أمسكت بأنفك لم يجر معه صوت ثم قال: (وكذلك الميم).
وأما الراء فقال: (إنه حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فيتجافى الصوت كالرخوة ولم يتكرر ولم يجر الصوت فيه انتهى.
وذلك أنك إذا نطقت بالراء تكيف الجزء الناطق بها من اللسان نوعا من التكيف في حال النطق، ثم انفلت من ذلك التكيف، فينقطع الصوت الذي هو ذات الراء، ثم يعود الجزء الناطق إلى ذلك التكيف، فيعود النطق بذلك الحرف هكذا مرة بعد أخرى، فيحصل في اللسان بحسب سرعة التكيف الإنفلات المتكرر بين صورة ترعيد وتكرير بلفظها، وكل قرعة منها راء مستقلة لكنه قل ما يقدر الناطق على الإقتصار على القرعة الواحدة من غير تكرار إلا بعد التمرن والرياضة مع سلامة العضو الناطق (1).
فمن حيث كان سريع التفلت وقطع الصوت كان شديداً، ومن حيث عرض فيه التكرار السريع صار الصوت كأنه شئ واحد ممتد لم ينقطع فأشبه بذلك الرخوة: ولهذا قال سيبويه (جرى فيه الصوت بالتكرير وانحرافه إلى اللام) وقوله (فيتجافى الصوت) يريد تجافى بما فيه من الإنحراف.
(1) قال الجعبري وطريقة السلامة منه أي من التكرار أن يلصق اللافظ من كل مرة راء انتهى. ومراده باللصق المحكم بالراء ظهر لسانه بأعلى حنكه لصقا محكماً مرة واحدة، ومتى ارتعد حديث: اللصق القوي مجيث لا يظهر التكرير في اللفظ والسمع لا المبالغة جداً في لصق اللسان حتى ينحصر الصوت بالكلية فإن ذلك خظأ: لأنه يؤدي إلى أن يكون الراء من الحروف الشديدة شدة كاملة مع أنها من المتوسطة بين الرخاوة والشدة.
انظر: النجوم الطوالع ص 222.
وأما حروف العلة الثلاثة (1) فإن مخارجها اتسعت لهواء الصوت أكثر من غيرها وأوسعها مخرج الألف ثم الياء ثم الواو، تعرف ذلك بضم الشفتين في الواو وبرفع لسانك في الياء قبل الحنك، وليس في الألف شيء من ذلك. فإن قيل ادعيت في هذه الحروف الثمانية بأنها متوسطة بين الشدة والرخوة، ولم يقل سيبويه ذلك إلا في العين، ونص في اللام والراء والنون على الشدة وكذلك في الميم؟.
قيل قد ذكر سيبويه قبل هذه الحروف الشديدة التي منها الهمزة وجعلها قسماً، وذكر الرخوة وهي التي منها الحاء، وجعلها قسماً ثانياً (2) ثم ذكر هذه الأحرف الأخرى على حدة. فدل أن لها حكماً ثالثاً وهو التوسط. وقد نص في العين ووصف الأربعة بعدها بالشدة وذكر فيها مع ذلك وجها من الشبه بالرخوة وهو ما صاحبها من مد الصوت كما تقدم بخلاف القسم الذي منه همزة فبقدر ما فيها من شبه الرخوة سميت متوسطة، وكذلك حروف العلة لما اتسعت مخارجها حصل فيها امتداد الصوت وتعديه مخرجه أكثر مما في اللام وأخوتها فأشبهت بذلك الرخوة. والله تعالى أعلم.
ومنها الإنطباق (3) وضده الإنفتاح (4): فالأحرف المنطبقة الطاء والظاء والصاد والضاد، سميت بذلك لإنطباق ظهر اللسان مع الحنك الأعلى عند النطق بها، ولهذا كتب كل واحد منها من خطين متوازيين متصلى الطرفين إشعارا بمخرجها.
(1) وهي الألف مطلقا والواو الساكنة المضموم ما قبلها والياء الساكنة المكسور ما قبلها. وهي مجموعة في قوله تعالى {نُوحِيهَا} . الآية (49) من سورة هود عليه السلام.
(2)
انظر الكتاب ج 4 ص 434.
(3)
ويقال الإطباق. معناه لغة: الإلصاق، واصطلاحا: انطباق اللسان على سقف الحنك الأعلى عند النطق بالحرف.
(4)
الإنفتاح: لغة: الإفتراق. واصطلاحا: انفتاح ما بين اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف.
والمنفتحة ما عداها لانفراج ما بين ظهر اللسان والحنك الأعلى عند النطق بها. وقد توصف الميم والباء بالإنطباق لإنطباق الشفتين بها.
ومنها الإستعلاء (1) وضده الإستفال (2) فالحروف المستعلية سبعة وهي الخاء والغين من أعلى الحلق والقاف من أصل اللسان مستعلياً إلى الحنك كما تقدم.
والأربعة المطبقة (3) التي من داخل الفم الطاء الظاء والصاد والضاد إذ لم يحصل الإنطباق فيها إلا بارتفاع ظهر اللسان إلى الحنك. والحروف المستفلة ما عداها (4).
فهذه الصفات الثمان التي حصل تضاد بين أربعة منها وأربعة.
وأما الصفات الثمان الباقية التي لا تضاد فيها فأولها: الهوائية وهي صفة الألف الساكنة سميت بذلك لأنها صوت يجرى في الصدر ولا تعتمد على شيء من الأعضاء الناطقة، ولذلك لا يمكن تحريكها.
(1) الإستعلاء لغة: الإرتفاع. واصطلاحا: ارتفاع اللسان إلى الحنك الأعلى عند النطق بالحرف.
(2)
الإستفالة لغة: الإنخفاض. واصطلاحا: انخفاض اللسان إلى قاع الفم عند النطق بالحرف.
(3)
وفي تسمية الأحرف الأربعة مطبقة تجوز، لأن المطبق إنما هو اللسان وما حاذاه وأما الحرف فإنه مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق وكذا يقال في تسمية المنفتحة والمستعلية والمستفلة.
النجوم الطوالع ص 219.
(4)
ويترتب على الإستفال الترقيق وعلى الإستعلاء التفخيم، وحروف الإستفال كلها مرققة لا يجوز تفخيم شيء مها إلا الراء واللام ففيهما تفصيل سيأتي في بابهما وحروف الإستعلاء كلها مفخمة لا يستثنى شيء منها في حال من الاحوال، إلا أن تفخيمها ليس في رتبة واحدة فأقواه إذا فتحت وجاء بعدها ألف ويليه إذا فتحت وليس بعدها ألف ويليه إذا كانت مضمومة ويليه إذا كانت ساكنة ودونه إذا كانت مكسورة كما في النشر ج 1 ص 215.
وثانيها الإستطالة (1) وهي صفة الضاد: لأن مخرجها ييدأ من أول حافة اللسان من أقصاها وينتهي إلى مخارج الطرف فيستوعب طول حافته فيسمى بذلك مستطيلاً.
وثالثها التفشي (2) ومعناه الظهور: وهي صفة الشين والفاء (3) وصفاً بذلك لما يبدو على ظاهر الفم من التكيف والتأثر عند النطق بهما.
ورابعها الإنحراف (4) ومعناه الميل وهو صفة اللام والراء، وانحرافهما إلى الجهة افي إلا أن انحراف اللام أقوي من انحراف الراء.
وخامسها التكرار (5) وهي صفة الراء كما تقدم.
وسادسها الصفير وهي صفة (6) الصاد والسين والزاي.
وسابعها الغنة وهي صفة النون والميم، وهو الصوت الخارج من الأنف وقد تقدم ذكره
(1) الإستطالة لغة: الإمتداد، واصطلاحا: امتداد الصوت من أول إحدى حافتي اللسان إلى آخرها.
(2)
التفشي لغة: الإنتشار والإتساع، واصطلاحا: انتشار الصوت في الفم عند النطق بالحرف.
(3)
أما الشين فمتفق على كونه متفشيا، وأما الفاء فعدها بعضهم متفشية كالشين وعليه مشى الشارح واقتصر الأكثرون على الشين وزاد بعضهم الضاد فعدها متفشية.
انظر: النجوم الطوالع ص 221.
(4)
الإنحراف لغة: الميل والعدول. واصطلاحا: ميل الحرف عن مخرجه إلى طرف اللسان.
(5)
التكرار لغة: إعادة الشيء مرة بعد أخرى. واصطلاحا ارتعاد طرف اللسان عند النطق بالحرف.
الرائد ص 50.
(6)
الصفير لغة: صوت يشبه صوت الطائر. اصطلاحا: صوت يخرج مصاحباً لأحد حروف الصفير.
الرائد ص 49.
وثامنها اللين (1) وهي صفة الياء والواو الساكنين بعد الفتحة، فأما إن سكنتا وكانت حركة ما قبلهما من جنسهما فهما حرفا مد كما أن الألف حرف مد أبدا لما لزمها السكون وكون حركة ما قبلها من جنسها. والله تعالى أعلم.
(1) اللين لغة: ضد الخشونة. اصطلاحا: خروج الحرف من غير تكلفه على اللسان.
النجوم الطوالع ص 49.