الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في زكاة الحبوب والثمار
سئل بعضهم: عن البن، هل هو من الحبوب وتجب فيه الزكاة؟
فأجاب: أما البن، فقد تقدم أنه من الحبوب، وحكمه حكمها لأنه مكيل ومدخر.
وسئل: عن السمن؟
فأجاب: أما السمن فليس فيه زكاة، لأن الأغنام تزكى، وهو من نتاج الغنم والبقر.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن نصاب الحب والتمر؟
فأجاب: أما نصاب الحب والتمر، فهو قدر خمسة أوسق، فيصير فيه نصف العشر.
وأجاب أيضاً: نصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ وأما تقديره بصاعنا فهو معروف عند عمال الزكاة، وصاعنا يزيد على الصاع القديم.
والمشهور عند الحنابلة أن النصاب فيها تحديد، فلو نقص يسيراً ولو نحو نصف صاع سقطت الزكاة. وعن أحمد رواية ثانية: أن النصاب فيها تقريب، فلا يؤثر النقص اليسير، قال في الإنصاف: وهو الصواب.
وسئل عن نصاب الحب والزبيب؟
فأجاب: نصاب الحب والزبيب، قيمة ثلاثمائة تنقص عشرين صاعاً، بصاع الوادي 1.
وأجاب أيضاً: وأما العنب فما أكله أهله منه رطباً فلا زكاة فيه، ويخرص عليه الباقي بعد أكله؛ فإذا بلغ خمسة أوسق وجبت فيه الزكاة، وأهل العلم ذكروا اعتبار النصاب بعد التصفية، فإذا صار مصفى صالحاً للأكل، فمتى بلغ النصاب وجبت فيه الزكاة.
وأجاب أيضاً: إذا كان المغل مبلغه نصاب، وفيه مقيظ صاحبه، ثم نقص عن النصاب، فلا زكاة فيه، وأما إذا كان المغل نصاباً وفيه صبرة، أو مشترك، فعادتنا نأخذ الزكاة على كلام من أوجبه.
سئل الشيخ سعيد بن حجي: عن "الوسمة" إذا كانت في ملك إنسان وبيعت بثمن، هل تجب فيها الزكاة في الحال، وعن ثمر السدر إذا كان منها نصاب؟
1 أي: وادي الدواسر، وهو ضعف صاع العارض.
فأجاب: اعلم أن زكاة الخارج من الأرض ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وأجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب؛ حكاه ابن المنذر وابن عبد البر. وتجب الزكاة فيما اجتمع فيه الكيل والادخار من الثمر والحبوب، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " 1، متفق عليه. وقال مالك والشافعي: لا زكاة في ثمر إلا التمر والزبيب، ولا في حب إلا ما كان قوتاً في حال الاختيار. انتهى ملخصاً من الشرح.
وقال في الكافي: ولا تجب الزكاة في الخارج من الأرض إلا بخمسة شروط: أن يكون حباً أو ثمراً، لقوله صلى الله عليه وسلم:" لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق " 2، رواه مسلم. الثاني: أن يكون مكيلاً، لتقديره بالأوسق. الثالث: أن يكون مما يدخر لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر، فتجب الزكاة في جميع الحبوب المكيلة، المقتاتة منها، والقطاني، والبزور، وفي التمر والزبيب واللوز، والفستق، والعناب. ولا زكاة في تبن ولا ورق ولا زهر، لأنه ليس بحب، ولا ثمر ولا مكيل. الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه؛ والزكاة إنما تجب ببدو الصلاح، ولم يكن ملك حينئذ فلم تجب زكاته. الخامس: أن يبلغ نصاباً خمسة أوسق لقوله: " ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة "3. انتهى ملخصاً.
وقال في الإقناع: تجب في كل مكيل مدخر من قوت،
1 البخاري: الزكاة (1447)، ومسلم: الزكاة (979)، والترمذي: الزكاة (626)، والنسائي: الزكاة (2445، 2446، 2473، 2474، 2475، 2476، 2483، 2484، 2485، 2487)، وأبو داود: الزكاة (1558، 1559)، وابن ماجة: الزكاة (1793) ، وأحمد (3/6، 3/30، 3/44، 3/59، 3/60، 3/73، 3/74، 3/79، 3/86، 3/97)، ومالك: الزكاة (575، 576)، والدارمي: الزكاة (1633) .
2 البخاري: الزكاة (1459)، ومسلم: الزكاة (979)، والنسائي: الزكاة (2475، 2483، 2484، 2485) ، وأحمد (3/86)، والدارمي: الزكاة (1634) .
3 البخاري: الزكاة (1447)، ومسلم: الزكاة (979)، والترمذي: الزكاة (626)، والنسائي: الزكاة (2445، 2446، 2473، 2474، 2475، 2476، 2483، 2484، 2485، 2487)، وأبو داود: الزكاة (1558، 1559)، وابن ماجة: الزكاة (1793) ، وأحمد (3/6، 3/30، 3/44، 3/59، 3/60، 3/73، 3/74، 3/79، 3/86، 3/97)، ومالك: الزكاة (575، 576)، والدارمي: الزكاة (1633) .
فتجب في كل الحبوب، وتجب في كل ثمر يكال ويدخر، كالتمر والزبيب، لا في عناب وقطن وزعفران وورس، ونيل وفوة وغبيراء 1 وحناء. ولا تجب في الخوخ والسفرجل والرمان والنبق. انتهى ملخصاً.
فإذا تأملت كلام هؤلاء العلماء، وما احتوى عليه من الأدلة، وجدت شجر الوسمة، وهي: نبت يخضب بورقه، ويقال هو العضلم، قاله في المجمع، وفي القاموس: الوسمة: ورق النيل، أو نبات يخضب بورقه. انتهى. وجدت أنه لا زكاة فيه، لأنه غير مكيل ولا حب مدخر، ولا قوت آدمي للادخار، وإنما تجب الزكاة في ثمنه إذا بيع بشرطه.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: ونعرفك بأنه ذكر لنا: أن بعض نوابكم في الزكاة أو كلهم، يأخذون الزكاة من الحبوب والثمار التي ما بلغت النصاب، ويقال ل: ي إن هذا أمر من دونك، وهو الظن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " 2، وخمسة الأوسق: ثلاثمائة صاع; هذا مما لا خلاف فيه بين أئمة الإسلام، ونقلة الشرع، ولا يسع أحداً أن يتجاوز ما حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [سورة الأحزاب آية: 36] ،
1 وهي: حشيشة الصباغين.
2 البخاري: الزكاة (1447)، ومسلم: الزكاة (979)، والترمذي: الزكاة (626)، والنسائي: الزكاة (2445، 2446، 2473، 2474، 2475، 2476، 2483، 2484، 2485، 2487)، وأبو داود: الزكاة (1558، 1559)، وابن ماجة: الزكاة (1793) ، وأحمد (3/6، 3/30، 3/44، 3/59، 3/60، 3/73، 3/74، 3/79، 3/86، 3/97)، ومالك: الزكاة (575، 576)، والدارمي: الزكاة (1633) .
وقال جل ذكره: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور آية: 63] ؛ قال الإمام أحمد: أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك؛ لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك؛ أجارنا الله وإياكم من أسباب الهلاك.
وقد نبهت الإمام على مثل هذا، وقال: أبرأ إلى الله، لا آمر به، ولا أرضاه; اذكروا لي من هو واقع منه; وأحببنا تنبيهكم، لأني أظن أنه يكفي في مثل هذا الأمر الظاهر في حكم الله ورسوله.
سئل بعضهم: هل تجب الزكاة في زرع الميت ونخله بعد ملك ورثته؟ وإذا زاد على الخرص هل تجب في الزائد؟
فأجاب: أما خرص زرع الميت بعد ملك ورثته، فبلى، لأن الثمار والحبوب تزكى، سواء كان صاحبها حياً أو ميتاً، إذا بلغت نصاباً. وإذا زاد نخل الرجل أو زرعه على الخرص، وجبت عليه زكاة الزائد.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: هل تضم ثمرة العام الواحد
…
إلخ؟
فأجاب: زرع العام الواحد يضاف بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، وتؤخذ من زرع القيظ زكاته إذا أضيف لزرع الربيع.
وأجاب أيضاً: وأما الحبوب، فالذي عليه العمل: أنه
يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، ولو اختلف الجنس، إذا كان ذلك في عام واحد.
وأجاب أيضاً: إذا كانت من جنس واحد، فإنه يضم بعضها إلى بعض بلا إشكال. فإن كانت من جنسين فاختلف الفقهاء في ضم بعضها إلى بعض، والذي عليه الفتوى اليوم، أنه يضم بعضها إلى بعض: فتضم الحنطة إلى الشعير، وتضم الذرة إلى الدخن; وأما معنى الضم فالمراد به إذا كانت الثمرة لا تبلغ نصاباً، ثم جاءت الثمرة الثانية، فإنها تضاف إلى الأولى، فإذا بلغ نصاباً أخرج زكاته.
وأجاب أيضاً: ضم ثمرة العام الواحد بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، المراد به عند بعضهم: أن يزرع زرعين في عام واحد، ولو كان ذلك دون السنة الهلالية، بأن يحصل ذلك في نحو ثمانية أشهر، أو تسعة أشهر، أو دون ذلك، ولا ينظر إلى كون الزرع الأول في آخر السنة الأولى، والزرع الثاني في أول السنة الثانية، لأن ذلك حساب عام واحد. واحترازهم بقولهم: ثمرة العام الواحد، إشارة إلى كون إنسان يزرع زرعاً في سنة، ثم يزرع في السنة التي بعدها، بعد مضي اثني عشر شهراً، فهذا لا يضم ثمرة هذا إلى هذا؛ فإذا كمل النصاب عنده بضم ثمرة إلى ثمرة في عام واحد، وجبت عليه الزكاة؛ هذا هو المفتى به عندنا.
وأجاب أيضاً: ظاهر كلام الحنابلة، أن العام هو السنة
الواحدة، فيضم الشتاء إلى الصيف، والصيف إلى الشتاء; قال في المنتهى وشرحه: وتضم أنواع الجنس الواحد من زرع العام الواحد، بعضها إلى بعض في تكميل النصاب: فيضم العلس إلى الحنطة لأنه نوع منها، والسلت إلى الشعير لأنه نوع منه؛ جزم به جماعة، منهم الموفق والمجد؛ قال في الفروع: لأنه أشبه الحبوب في صورته، لا جنس آخر على الأصح، كالثمار والمواشي، فيعتبر النصاب في كل جنس منفرداً. وتضم أيضاً ثمرته، أي: ثمرة العام الواحد، إذا كانت من جنس واحد، ولو كانت الثمرة مما - أي من شجر - يحمل في السنة حملين في الأصح، بعضها إلى بعض، لأنها ثمرة عام واحد، فضموا بعضها إلى بعض كزرع العام الواحد، وكالذرة التي تنبت مرتين. وأما قدر العام، فلم نقف فيه للحنابلة على حد.
وقال في شرح المنهاج للأذرعي من الشافعية: وزرعا العام يضمان، والأظهر اعتبار وقوع حصاديهما في سنة، فما كان منه في وقت واحد يضم بعضه إلى بعض قطعاً، ولا أثر لامتداد وقت الزراعة؛ وقد يمتد شهراً وشهرين وأكثر، وهو زرع واحد. وأما ما يزرع في السنة مرتين أو أكثر، كالذرة، فإنها تزرع في الخريف، وفي الربيع، والصيف، فيضم بعضها إلى بعض.
وفي المعتبر في ذلك عشرة أقوال، أكثرها منصوص؛ أظهرها ما ذكره، لأن الحصاد وقت استقرار الوجوب، فكان
اعتباره أولى. والثاني: اعتبار زرعهما في سنة. والثالث: اعتبار الزرعين والحصادين أقل من اثني عشر شهراً عربية. الرابع: إن وقع الزرعان والحصادان، أو حصد الأول وزرع الثاني في سنة، وإلا فلا. والخامس: يعتبر أن الزرعين والحصادين في سنة، وهذا ما جعله الرافعي عبارة عن القول الرابع، لا قولاً غيره. والسادس: الحصادان في فصل. والسابع: الزرعان في فصل. والثامن: الزرعان والحصادان في فصل، أن يكون حصادهما في فصل وزرعهما في فصل; قالوا والمراد بالفصل: أربعة أشهر. والتاسع: إن زرع بعد حصد الأول لا يضم، كحمل الشجرة. والعاشر - خرجه أبو إسحاق -: أن ما يعد سنة واحد يضم، ولا أثر لاختلاف الزرعين والحصادين، وهو حسن; قال في الشامل: إنه أشبه الأقوال; وقال البندنيجي: إنه المذهب; وعلى هذا فالمراد بالسنة سنة الزرع، وهي من خمسة أشهر إلى ثمانية، وقال البندنيجي: أكثرها ستة أشهر.
وأجاب بعضهم: وأما زكاة الثمار فلا تجب إلا على من كملت عنده في الحول خمسة أوسق، لأن ثمرة العام يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب.
وأجاب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: وأما ضم ثمرة العام الواحد وزرعه بعضه إلى بعض لتكميل النصاب: فأما الثمار، فلا يضم جنس منها إلى آخر،
كالتمر إلى الزبيب بإجماع العلماء، وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض. وأما الزرع، فالمشهور من مذهب أحمد أنه لا يضم جنس منه إلى آخر؛ وهو مذهب الشافعي، وهو قول الحنفية. وعن أحمد رواية أخرى: بضم الحنطة إلى الشعير، والقطاني بعضها إلى بعض؛ واختار هذه الرواية الخرقي، وأبو بكر، وهو مذهب مالك. وعن أحمد رواية ثالثة: تضم الحبوب بعضها إلى بعض مطلقاً، والله أعلم. والقطاني: اسم لحبوب كثيرة، منها: الحمص والعدس واللوبيا، والدخن والأرز والباقلا.
وأجاب أيضاً: وأما ضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض في تكميل النصاب فالحكم كذلك عند العلماء، واستدلوا على ذلك بعموم الأحاديث، كقوله:" فيما سقت السماء العشر " 1، وقوله:" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " 2، قالوا: وهذا يعم ما إذا كان في فصل أو فصلين من السنة. واختلفوا: هل يضم جنس إلى آخر في تكميل النصاب، كضم الحنطة أو الشعير إلى الذرة أو الدخن؛ فيه عن أحمد روايتان.
وأجاب أيضاً: إذا كان عند إنسان نصاب في الشتاء، وبعض نصاب في القيظ 3، أخرج زكاة نصاب الشتاء، ولم يجب عليه شيء في زرع القيظ إذا لم يبلغ نصاباً.
1 البخاري: الزكاة (1483)، والترمذي: الزكاة (640)، والنسائي: الزكاة (2488)، وأبو داود: الزكاة (1596)، وابن ماجة: الزكاة (1817) .
2 البخاري: الزكاة (1447)، ومسلم: الزكاة (979)، والترمذي: الزكاة (626)، والنسائي: الزكاة (2445، 2446، 2473، 2474، 2475، 2476، 2483، 2484، 2485، 2487)، وأبو داود: الزكاة (1558، 1559)، وابن ماجة: الزكاة (1793) ، وأحمد (3/6، 3/30، 3/44، 3/59، 3/60، 3/73، 3/74، 3/79، 3/86، 3/97)، ومالك: الزكاة (575، 576)، والدارمي: الزكاة (1633) .
3 زرع الشتاء: الحنطة والشعير، وزرع الصيف: الدخن والذرة.
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد، رحمهما الله: عن تأثير الخلطة؟
فأجاب: هذه المسألة مبنية على مسألة ضم الحبوب بعضها إلى بعض، فإن قلنا: تضم، فمتى كمل النصاب أخرج زكاته. وأما ديوان الأرض الذي يأخذه المالك، فينبني وجوب الزكاة فيه، على القول بتأثير الخلطة في غير السائمة; والذي عليه الجمهور: أنها لا تؤثر في غير السائمة. وعن أحمد رواية ثانية: أنها تؤثر في الحبوب والثمار؛ وهو قول إسحاق، واختارها الآجري وابن عقيل؛ فعلى هذا تؤخذ الزكاة.
وأما على قول من قال: إن الخلطة لا تؤثر في الثمار، فيخرج صاحب الزرع أجرة الأرض ثم يزكي الباقي إن بلغ نصاباً، لكن الأحوط في هذا إخراج الزكاة ولو نقص النصاب بإخراج الديوان، وذلك لأن الديوان أجرة في ذمة المستأجر وليس صاحب الأرض شريكاً له في الزرع، وأن الذي له أجرة معلومة في ذمة المستأجر؛ والفقهاء يمثلون الخلطة في الثمار نحو اشتراكهما في الزرع، ونحو اشتراط المالك جزءاً معلوماً من الثمرة نحو ربع الثمرة أو خمسها.
وأما مسألة إجارة الأرض بآصع معلومة، فهي بعيدة من مسألة الخلطة في مثل هذا؛ فإن صاحب الزرع إذا كمل عنده النصاب أخرج زكاته، ثم دفع ديوان الأرض إلى مالكها، ولا ينقص شيئاً من الزكاة.
وأجاب أيضاً: وأما أخذ صاحب الأرض ديوانه، قبل إخراج الزكاة أو بعده، فهذا ينبني على تأثير الخلطة في الزرع: فإن قلنا: تؤثر، أخرجت من رأس المال، ويكون على صاحب الأرض من الزكاة قدر ما يحصل له من الديوان. وأما إن قلنا: لا تؤثر الخلطة في الزرع، فلا زكاة على صاحب الديوان إلا أن تبلغ حصته نصاباً.
وسئل أيضاً: عن الشركاء في الزرع، لا يتم ما بينهم نصاب، ولكل واحد شيء يخصه؟
فأجاب: إذا حصل لكل واحد قيمة نصاب، أخذت منه الزكاة، وإلا فلا.
وسئل: عن صاحب الأرض، هل يؤخذ من نصيبه زكاة؟
فأجاب: إن كان بسهم فعليه حصته من الزكاة، وإن كان بديوان دفع إليه الشيء المشروط.
وأجاب في موضع آخر: الخلطة تؤثر في الماشية بالحديث الصحيح، وأما غير الماشية فالذي عليه أكثر أهل العلم أن الخلطة لا تأثير لها في الحبوب. وإذا كان بين اثنين زرع قدر مائتي صاع، لكل واحد مائة، وله قدر خمسين أو أزيد من زرع آخر مختص به عن شريكه، فهذا لا زكاة فيه على القولين جميعاً، لأنا إن قلنا: إن الخلطة لا تأثير لها في
غير الماشية فواضح، وإن قلنا تؤثر فهما لم يشتركا في نصاب، لأن المشترك لم يبلغ نصاباً فلا زكاة فيه.
فإذا اقتسما وأضاف كل واحد منهما نصيبه إلى ما حصل له من الزرع الآخر الذي اختص به عن شريكه، نظرنا: فإن بلغ نصاباً زكاه، وإلا فلا.
وأجاب أيضاً: وأما الناس المشتركون في النخل، وكلٌ عارفٌ حقه منه، وكل يسقي حقه وحده، فيحسب كل نصيب رجل وحده، فإن بلغ النصاب أخذت منه الزكاة، وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة عليه.
وأجاب أيضاً: وأما النخل المتميز بين الشركاء، ولا شركة بينهما إلا أن الماء واحد، فالذي نفهم أن شركة الماء لا تؤثر، بل كل ملكه يخرص على حدة.
وأجاب أيضاً: الشيخ عبد الله أبا بطين: أما تأثير الخلطة في غير الماشية في باب الزكاة، فالخلاف في ذلك مشهور بين القائلين بتأثير الخلطة في الماشية؛ والمشهور في مذهب أحمد، وهو مذهب مالك: عدم تأثير الخلطة في الجملة. وعن أحمد رواية بتأثير خلطة الأعيان في غير السائمة، وهو مذهب الشافعي. وعلى هذا، فهل تؤثر خلطة الأوصاف؟ فيه وجهان للأصحاب، ودليل كل من القولين مذكور في محله، وإن كانت حجة القول الأول أظهر، والقول
به أكثر. وأما إذا زرع إنسان لغيره بجزء من الزرع، فلا يلزم العامل إلا زكاة حصته خاصة، لكن إن شرط الزكاة على العامل فهل يصح أو لا؟
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: عما سقي بِمؤونةٍ بعضَ الوقت، وبعضه بغيرها؟
فأجاب: الأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً: العشر، وفيما سقي بالنضح: نصف العشر " 1، رواه البخاري. وأما إذا سقي النصف بكلفة، والنصف بغير كلفة، فذكر الفقهاء فيه ثلاثة أرباع العشر؛ قالوا: وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، ولا نعلم فيه مخالفاً. وأنت فاهم أن الإجماع حجة. وذكروا أيضاً: أنه إذا جهل أي الكلفة أو غير الكلفة أكثر، أنه يجب العشر احتياطاً، نص عليه.
وأجاب أيضاً: الذي ثمرته على السقي وعلى السيل، يسأل أهل المعرفة، فإن كان نفع السيل أكثر فعليه العشر تاماً، وإن كان السقي أكثر نفعاً فعليه نصف العشر، وإن استويا فثلاثة أرباع العشر.
وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: وزكاة الذي يسقى بالسواني نصف العشر، والذي يسقى بالعيون أو السيل ففيه العشر تاماً.
1 البخاري: الزكاة (1483)، والترمذي: الزكاة (640)، والنسائي: الزكاة (2488)، وأبو داود: الزكاة (1596)، وابن ماجة: الزكاة (1817) .
وسئل: متى تجب؟
فأجاب: المشهور عند أهل العلم أن الزكاة تجب إذا اشتد الحب، ولا يستقر الوجوب إلا إذا جعل في البيدر؛ فإن تلف بعضه سقطت الزكاة فيما تلف وزكى الباقي، ولا أعلم أحداً من العلماء قال بوجوبها فيما تلف قبل الحصاد؛ بل الذي عليه أكثر العلماء أو كلهم، بل أظنه إجماعا: أن الزرع إذا هلك بآفة سماوية قبل حصاده، والثمرة إذا هلكت قبل الجذاذ، فالزكاة تسقط فيما تلف. وأما إذا جذّت الثمرة ووضعت في الجرين، أو حصد الزرع وجعل في البيدر، ثم أصابته آفة سماوية كالريح، والنار التي تأكله قبل التمكن من إخراج الزكاة، فهذه المسألة هي محل الخلاف: فبعضهم يقول بوجوب الزكاة، وبعضهم يقول بسقوطها، ويقول شرط الوجوب التمكن من الإخراج وهو لم يحصل.
وسئل: عمن يدفع زكاة البر سنبلاً؟
فأجاب: ظاهر كلامهم عدم الجواز، لأنهم نصوا على أنه لا يخرج الحب إلا مصفى، ولا التمر إلا جافاً.
وسئل: عمن اشترى عيشاً وزكى به؟
فأجاب: أما شراء الإنسان زكاة ماله من عيش غيره فلا علمت فيه خلافاً، والذي فيه المنع: إذا شراها من الفقير بعدما يدفعها إليه; وأما كونه يخرج عيشه للديانين، ويشتري مثله ويعطيه أهل الزكاة، فلا أرى به بأساً.
وأجاب الشيخ عبد الله العنقري: وأما الذي يتسلف
عيشاً ويخرجه عن زكاته، فلا بأس بذلك، فإنه يملكه بالقرض، وإذا ثبت ملكه له جاز تصرفه فيه بأي وجه كان. ولعل الذي أشكل عليك أنه لا يجوز إخراج الزكاة إلا من الذي وجبت فيه، وهذا ليس بلازم؛ فإنها تجب في عين المال ولها تعلق بالذمة، فتكون كالدين، فحينئذ سواء أخرجها من الذي وجبت فيه أو من غيره، فكل هذا جائز.
وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن إنكار الخرص؟
فأجاب: الخارص عليه الاجتهاد والتحري، والخرص فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كان يبعث عماله إلى الثمار يخرصونها عند استوائها، وقد قال الله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب آية: 21] .
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: عما يدعه الخارص
…
إلخ؟
فأجاب: وأما ترك الخارص الثلث أو الربع، فأرجح الأقوال عندي، قول أكثر أهل العلم: أنه غير مقدر، بل يترك له قدر ما يأكله ويخرجه رطباً باجتهاد الخارص؛ وعلى هذا وردت الأدلة ويصدق بعضها بعضاً.
وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: يؤمر الخارص أن يدع الثلث أو الربع لأهل النخيل يأكلونه ويهدون منه ويتصدقون، وبعض أهل العلم يقول: يدع لأهل النخيل قدر حاجتهم، كل
إنسان على قدر حاجته; فما كان يحتاجه للأكل قبل الجذاذ ويهديه لأقاربه ونحوهم، أو يتصدق به فلا زكاة فيه، وما عدا ذلك ففيه الزكاة؛ فتبين لك أنما أخرجه بلا عوض يعود إليه فلا زكاة فيه، وما باعه وأهداه هدية يطلب عوضها ففيه الزكاة.
وسئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن الترك في الخرص، هل هو خاص بالنخل دون الزرع؟
فأجاب: الذي يترك في الخرص: الثمر، لأجل أن أهله يتسعون في القيظ، وتأخر الثمرة عن النجاح، والزرع بخلاف ذلك؛ ولو قدر أن أهله يحتاجون للأكل قبل الحصاد، فالذي نرى أنه يترك لهم ما يأكلونه كالثمر.
وسئل: هل يترك الخارص قدر ما يخرج الإنسان من أكله وأهل بيته، ويعم الهدية والتقسيم على المساكين، وكذا الحمير، والأجير، ونحو ذلك؟ وهل التحديد بالربع أو الثلث؟ أم على كلام الآمدي، وابن عقيل: يترك قدر أكلهم وهديتهم بالمعروف؟
فأجاب: الذي نرى أن مثل الحمير لا تدخل، والسبب أن أهل العلم يذكرون حاجته، وكذا الذي ينفق شيئاً هدايا ونحوه فلا يحسب، والأجير تبع لأهل البيت. وقولك: هل يزكي ثمنه إذا باعه؟ فليس الأمر كذلك، بل يزكي نفس الثمرة التي باعها.
وأجاب أيضاً: كل ما يأكله صاحب النخل من المقيظ هو وعياله، وما يهديه لقريب، وما يتصدق به على فقير، فكل هذا لا زكاة فيه، ويؤمر الخارص بترك ذلك فلا يخرصه على أهل النخيل، ويخرص الباقي.
وأجاب بعضهم: وأما النخلة التي يتصدق بها صاحبها، فالذي أشرفنا عليه من كلام أهل العلم، أن عامل الصدقة إن كان يخرص على أهل الثمرة مع أول الثمرة حين يطيب أكلها، أنه يترك من الثمرة قيمة ما يأكلون ويتصدقون به، كالربع أو الثلث أو دون ذلك، على اختلاف العلماء، والباقي يزكى. وإن كان الخارص ما يخرص إلا قريب الجذاذ، فالظاهر أنه يخرص ما وجده، لأن النفقة والأكل قد مضيا، وأما ما يباع أو يعطى أجرة، فهذا يخرص مع النخل.
وأجاب الشيخ عبد الله أبا بطين: إذا ترك الساعي في الخرص لرب المال شيئاً من كمال النصاب، كما إذا كان عنده خمسة أوسق فترك منها وسقاً، فقد ذكروا: إن كان رب المال أكل هذا الوسق المتروك، فلا يجب عليه شيء في الأربعة الأوسق الباقية، وإن لم يأكل هذا الوسق المتروك، زكى الأربعة الأوسق فقط.
وأجاب بعضهم: ثمر النخلات التي تعطى الفقراء لا زكاة فيها، ولا فيما أكل صاحب الثمرة.
[زكاة العسل]
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: عن زكاة العسل
…
إلخ؟
فأجاب: وأما العسل فيؤخذ منه العشر زكاة، ويعرف هذا بالكيل والوزن.
وأجاب بعضهم: وأما العسل، فمذهب أحمد وغيره من العلماء: أن فيه العشر: إذا بلغ قدر عشر قرب، أخرج منه عشره.
[زكاة الخضراوات]
سئل الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود: عن الخضراوات، هل تجب فيها الزكاة؟
فأجاب: الذي عليه أكثر العلماء أنها لا تجب فيها الزكاة; وقال أبو حنيفة: تجب فيها الزكاة. والصحيح: القول الأول، وعليه يدل عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، وعمل خلفائه الراشدين بعد وفاته، لمن تدبر ذلك، وعلم سيرة القوم.
إغلاق الباب وقت الحصاد
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: عن إغلاق الباب وقت الحصاد؟
فأجاب: وأما إغلاق الباب وقت الحصاد، فلا أتجرأ على الجزم بتحريمه، ولكن أظنه لا يجوز لما ورد في هذا المعنى من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، من ذلك ما ذكر الله في سورة "ن" عن أصحاب الجنة: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا
مُصْبِحِينَ} [سورة القلم آية: 17] ؛ وهم لم يغلقوا الباب، ولكن تحيلوا بالصرام وقتاً لا يأتي فيه المساكين.
وأجاب بعضهم: وأما قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام آية: 141]، قال ابن جرير: قال بعضهم في الزكاة المفروضة، ثم رواه عن أنس بن مالك، وكذا قال ابن المسيب، وقال العوفي عن ابن عباس:" وذلك أن الرجل إذا زرع فكان يوم حصاده لم يخرج منه شيئاً، فقال الله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} "، وقال الحسن: ?" هي الصدقة من الحب والثمار "، وقاله قتادة وغير واحد. وقال آخرون: هي شيء آخر سوى الزكاة، قال أشعث عن ابن سيرين ونافع عن ابن عمر في الآية:" كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة "; وعن عطاء: ?" يعطى من حضر يومئذ مما تيسر، وليست الزكاة ".
وقال ابن المبارك عن سالم عن سعيد بن جبير: ?": {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، قال: هذا قبل الزكاة للمساكين، القبضة والضغث لعلف الدابة ". وفي حديث ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً في الآية، قال:" ما سقط من السنبل ". وقال آخرون: هذا شيء كان واجباً ثم نسخه بالعشر ونصف العشر، حكاه ابن جرير عن ابن عباس، وابن الحنفية وإبراهيم وغيرهم، واختاره - يعني ابن جرير -.
وقد ذم الله الذين يصرمون ولا يتصدقون، كما ذكره في سورة "ن". انتهى; وأما الاستحباب فلا يخفى، وإنما اختلافهم في
الوجوب، فلا ينبغي لمن أعطاه مولاه نعمة أن لا يؤدي حقها، والمال يعتريه حقوق كثيرة غير الزكاة.
وأجاب الشيخ عبد اللطيف: من طلب من الثمرة عند الجذاذ، يعطى إذا كان فقيراً أو مسكيناً ما يسد جوعته، وأما إذا طلب من الزكاة، فيعطى بحسب الزكاة وقدرها، وكثرة المساكين.
كتب الشيخ حسين وإبراهيم، وعبد الله، وعلي: أبناء الشيخ محمد، وحمد بن معمر: إلى الأخ عبد العزيز، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، فإن الله تبارك وتعالى أوجب على جميع الخلق أداء الزكاة من أموالهم، والرسول صلى الله عليه وسلم بين مراد الله من ذلك، وقدر النصاب في جميع الأموال، وأخبر صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين أنه:" ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة "1.
وأجمع العلماء أن الزكاة تجب في وزن خمس أواق، ولا تجب فيما دونها. وحرر الفقهاء من جميع المذاهب أن زنة خمس الأواق مائة وأربعون مثقالاً، وحرر المثقال بأنه وزن اثنين وسبعين حبة من الشعير المتوسط، وحررناه فوجدناه كما ذكروا. وحررنا النصاب بالريالات، لأجل أنها أخلص ما يوجد من الفضة، والحكم على الخالص، فصار الريال ثمانية مثاقيل محررة. وسألنا الصاغة عن غش الريال، فحرروه لنا السدس، وأسقطنا من كل ريال سدساً، فصار النصاب من الفضة الخالصة: سبع
1 البخاري: الزكاة (1405)، ومسلم: الزكاة (979)، والترمذي: الزكاة (626)، والنسائي: الزكاة (2445، 2446، 2473، 2474، 2475، 2476، 2483، 2484، 2485، 2487)، وأبو داود: الزكاة (1558، 1559)، وابن ماجة: الزكاة (1793) ، وأحمد (3/6، 3/30، 3/44، 3/59، 3/60، 3/73، 3/74، 3/79 ، 3/86، 3/97)، ومالك: الزكاة (575، 576)، والدارمي: الزكاة (1633) .
عشرة ريالاً ونصف ريال، ومن المغشوشة إحدى وعشرون ريالاً.
وفي حياة الشيخ، عفا الله عنه، والريال ما هو بعبرة لنا حتى يحرره لنا، وعبرة الناس ذلك الوقت الزرور، والجديدة، وصرف الزر ذلك الوقت تسع جدد، أو قريب منها، وعشرون الزرور، ومائتا الجديدة متقاربان. وفي وقتنا هذا سقط صرف الحمر، وصار الريال هو الأغلب، وحررنا نصاب الذهب من الحمران: سبعة وعشرين زراً. وأما الجدد فلا فيها من الفضة إلا القليل، فتصير عرضاً من العروض، وتقوم بقيمتها من الريالات، وكذلك سائر العروض تقوم بالريالات، لأنه هو الأحوط في الزكاة. والذي عنده ذهب زرور أو غيرها، فنصابها ما ذكرناه لكم، يزكيها إذا بلغته. وأحببنا ننبهك لتنبه الناس عن شيء يخل عليهم، والزكاة فيما ذكرنا لك، ربع العشر، على الحالة التي تمشون عليها؛ ولكن المراد التنبيه على قدر النصاب الذي تجب الزكاة ببلوغه.
وأجاب الشيخ عبد الله بن محمد أيضاً: وأما نصاب الذهب والفضة، فنصاب الفضة من الريالات: قدر واحد وعشرين ريالاً، هذا أول نصابها، وزكاتها: نصف ريال يزيد ربع عشر الريال، وما زاد على ذلك بحسابه. وأما نصاب الذهب، فالذي نعمل عليه عندنا أنها: قدر سبعة وعشرين زراً، من الحمران المعروفة عندنا، ومن المشاخص: قدر عشرين مشخصاً.
وأجاب في موضع آخر: ذكر أهل العلم أن نصاب الذهب: عشرون مثقالاً، وحررناه بالوزن فصار: مقدار سبعة وعشرين زراً. وأما الفضة فنصابها: مائتا درهم، وحررناه فوجدناه: إحدى وعشرين ريالاً. وأمرنا من كان عنده من الذهب أو من الفضة هذا المقدار، وقد حال عليه الحول، أن يزكيه.
وأجاب الشيخ حمد بن ناصر: تقدير نصاب الذهب: عشرون مثقالاً، وحررناه: قريب سبعة وعشرين زراً، بزرور الناس العابرة بينهم اليوم، ونصاب الفضة: مائتا درهم، وحررناه: قريب إحدى وعشرين ريالاً من ريالات الناس التي يتعاملون بها اليوم، وهي من الجدد: قدر مائة جديدة تزيد قدر خمس جدد؛ فإذا صار عند المسلم من هذا ما ذكرناه، زكاه إذا حال عليه الحول.
وأجاب أيضاً: وأما نصاب الأريل، فالذي عليه الفتوى أنه: قدر واحد وعشرين ريالاً تقريباً، والله أعلم.
إخراج الجدد في الزكاة
سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله تعالى: عن إخراج الجدد في الزكاة، هل يجوز؟
فأجاب: هذه المسألة أنواع: أما إخراجها عن جدد مثلها، فقد صرحوا بجوازه، فقالوا إذا زادت القيمة بالغش، أخرج ربع العشر مما قيمته كقيمته. وأما إخراج المغشوش عن
الخالص، مع تساوي القيمة، فهذه هي التي ذكر بعض المتأخرين المنع منها، وبعضهم يجيز ذلك؛ وهو الصحيح، بدليل ما تقدم في إخراج القيمة 1 أنه يجزي، فإن إخراج المغشوش يجيزه من لا يجيز القيمة؛ بل قال الشيخ تقي الدين: نصاب الأثمان هو المتعارف في كل زمان، من خالص ومغشوش، وصغير وكبير. وأما إخراج المغشوش عن الجيد مع نقصه، مثل الجنازرة التي تساوي ثماني لأجل الغش بالفضة عن جنازرة تساوي أكثر لقلة الغش، فهذا لا يجوز.
وأجاب ابنه الشيخ عبد الله: الجدد عرض تقوم بالفضة.
وأجاب ابنه الشيخ سليمان: أما إلحاقها بالنقدين فلا يصح، لأنها ليست بنقد أصلاً، فكيف يلحق ما ليس نقداً بالنقد؟ ولا أظن أحداً يقول ذلك؟ والأولى عندي أن يقال: هي وما أشبهها ملحقة بالمغشوش، فينظر فيها: فإن بلغ ما فيها من الفضة نصاباً بنفسه، أو بالضم إلى فضة أخرى، أو نقول بضم الفضة إلى الذهب، كما هي رواية عن أحمد، وقول مالك وأبي حنيفة، فإنه يزكيها زكاة النقدين. وإن لم يبلغ ما فيها من الفضة نصاباً، ولو بالضم إلى فضة أخرى، أو كان عنده ذهب، ولم نقل بضم الفضة إلى الذهب، فإنه يزكيها زكاة
1 ويأتي في فصل إخراج الزكاة صفحة: 232.
تجارة، كما قاله المجد في المغشوش إذا كان للتجارة أنه يزكيها زكاة تجارة، على أني لم أر أحدا من الأصحاب ذكر ذلك غيره، بل ذكروا أن المغشوش ليس فيه زكاة حتى يبلغ نصاباً مطلقاً؛ هذا ما ظهر لي على أني لم أجد فيها كلاماً لأحد. انتهى.
وأجاب الشيخ حسن بن حسين بن الشيخ محمد: اعلم أن المقطوع به عند علمائنا أنها ملحقة بالعروض، وتحسب بقيمتها في باب الزكاة، كما تحسب العروض بالقيمة، كذا قالوا؛ وقد اعتنوا بتمييز ما فيها من الفضة، فلم يجدوا فيها إلا القليل، وأما إلحاقها بالنقدين فهو خطأ، والقائل به قد قال شططاً، إذ كيف يلحق ما ليس نقداً بالنقد؟ وأما قول القائل: إن بعض الجدد فيه من الفضة النصف، وبعضها خالص فضة، فهذا ممنوع غير مسلم، وتحديد صرف الريال بالسبع أو الثمان من الجدد، باطل.
وأجاب سعيد بن حجي: لا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ليس في الحلي زكاة "، رواه الطبراني؛ وهو قول ابن عمر وعائشة، وأسماء ابنة أبي بكر وجماعة من التابعين. ويباح للنساء من الذهب كل ما جرت عادتهن بلبسه قل أو كثر. وقال ابن حامد: إذا بلغ ألف مثقال حرم، وفيه الزكاة. ويجوز للمرأة التحلية بدراهم ودنانير معراة، أو في مرسلة في وجه، وعليها تسقط الزكاة. انتهى
من المبدع. وقال في الإقناع: ولا زكاة في حلي مباح، ويباح للنساء من ذهب وفضة ما جرت عادتهن بلبسه، كطوق وخلخال وسوار، ولو زاد على ألف مثقال، حتى دراهم ودنانير معراة وفي مرسلة. انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي: قوله: هل تجب الزكاة في الحلي المباح؟ فيه قولان: أحدهما: لا، وهو الأظهر، لأن " عائشة تحلي بنات أخيها يتامى في حجرها، فلا تخرج منها الزكاة "، رواه في الموطإ. وفي جواز التحلي بالدراهم والدنانير المثقوبة التي تجعل في القلادة، وجهان: أصحهما الجواز، قال الأسنائي: وحكاية الخلاف ممنوعة، بل يجوز لبس ذلك للنساء بلا كراهة، وصرح به في البحر. انتهى. فقد علمت أن المسألة المسؤول عنها، وهي: لبس المشاخصة مع الحلي، لا زكاة فيها تبعاً للحلي، أو مفردة بالشروط المتقدمة، لكن إن كان متخذ المشاخصة مع الحلي، مراده فراراً من الزكاة، ففيها الزكاة.