المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الأمر قوله: "الأمر". أقول: أي هذه المباحث التي تشرع فيها مباحث - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٢

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌ ‌باب الأمر قوله: "الأمر". أقول: أي هذه المباحث التي تشرع فيها مباحث

‌باب الأمر

قوله: "الأمر".

أقول: أي هذه المباحث التي تشرع فيها مباحث الأمر (1)، وقد تقدم منا تحقيق هذا الكلام، ونعيده لبعد العهد (2).

فنقول: الأمر، أي: الهمزة، والميم، والراء كيف تركب هذه الحروف حقيقة في القول الطالب للفعل مطلقًا، أي: من غير ملاحظة علو، ولا استعلاء؟

قال المولى المحقق عضد الملة والدين - نور الله مرقده -: "لا نريد بالأمر هنا مسماه، كما يراد بالألفاظ مسمياتها عند إطلاقها، بل نريد به هذه؛ أم ر، مركبة، كما يراد لفظ "في" إذا قلنا: في حرف جر.

(1) باب الأمر، والنهي من أهم الأبواب في الأصول لأنهما أساس التكليف في توجيه الخطاب إلى المكلفين، ولهذا اهتم بهما علماء الأصول، توضيحًا، وبيانًا، وتمحيصًا للأحكام الشرعية، بل كثير منهم جعلهما في مقدمة مؤلفاتهم الأصولية، قال الإمام السرخسي:"فأحق ما يبدأ به في البيان الأمر، والنهى لأن معظم الابتلاء بهما، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام" أصول السرخسي: 1/ 11.

(2)

سبق ذلك عند كلامه على الحكم، وأقسامه: 1/ 245.

ص: 181

ونقول: ضرب فعل ماض، ويضرب فعل مضارع، وزيد مركب من حروف ثلاثة" (1).

وما ذكرنا من القول الطالب للفعل، هو معنى قول المصنف: القول المخصوص، ولهذا القول المخصوص صيغة، وهى افعل، ونظائره.

فمعنى قولك: أمر زيد (2) / ق (54/ ب من ب) عَمرًا بالقيام، أي: قال له: قم، مجاز في الفعل، دفعًا للاشتراك.

وقيل: للقدر المشترك بينهما، أي: بين القول والفعل، فيكون متواطئًا (3).

وقيل: مشترك لفظًا كالعين للباصرة، والجارية.

أبو الحسين البصري (4) من المعتزلة: إذا قيل: أمر فلان، ترددنا بين

(1) راجع: شرح العضد على المختصر: 2/ 76.

(2)

آخر الورقة (54/ ب من ب) وجاء في نهايتها على الهامش: (بلغ مقابلة على أصل بخط مصنفه بحسب الطاقة، والإمكان أبقى الله حياة مالكه في خير وعافية).

(3)

المتواطئ: هو الكلي الذي يكون حصول معناه، وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية كالإنسان، فإنه له أفراد في الخارج، وصدقه عليها بالسوية. راجع: التعريفات: ص/ 199.

(4)

هو محمد بن علي بن الطيب أبو الحسين المعتزلي، أحد أئمة المعتزلة، كان مشهورًا في علمي الأصول والكلام، قويًا في حجته، مدافعًا عن آراء المعتزلة، وله مؤلفات منها: المعتمد في الأصول، وتصفح الأدلة، وغرر الأدلة، وشرح أصول المعتزلة الخمسة، وغيرها، وتوفي سنة (436 هـ). =

ص: 182

القول، والفعل، والشأن، والصفة، وهو آلة الاشتراك، فيكون مشتركًا بين الأربعة (1).

قلنا: ممنوع، بل يتبادر القول، فيكون الباقي مجازًا، ولو لم يتبادر كان الحمل على الحقيقة في القول، والمجاز في الباقي واجبًا لكونه خيرًا من الاشتراك (2).

قوله: "وحَدُّه: اقتضاء فعل غيرِ كَفٍّ مدلولٍ عليه بغير كُفَّ".

أقول: حدَّه الشيخ ابن الحاجب رحمه الله بقوله: "اقتضاء فعل غير كَفٍّ على جهة الاستعلاء"(3).

= راجع: فرق وطبقات المعتزلة: ص/ 125، ووفيات الأعيان: 3/ 401، وشذرات الذهب: 3/ 259، والفتح المبين: 1/ 237.

(1)

راجع: المعتمد: 1/ 39.

(2)

راجع: الخلاف المذكور، وأصحاب كل قول: أصول السرخسي: 1/ 11، وكشف الأسرار: 1/ 101 - 102، والتوضيح لمتن التنقيح: 2/ 46، وفواتح الرحموت: 1/ 367، وتيسير التحرير: 1/ 334، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 126، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 75 - 76، واللمع: ص/ 7، والبرهان للجويني: 1/ 199، والمستصفى: 1/ 411، والمنخول: ص/ 98، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 7، والإحكام للآمدي: 2/ 3، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 366 - 367، ونهاية السول: 2/ 226، والعدة: 1/ 233، والمسودة: ص/ 16، والقواعد لابن اللحام: ص/ 158، ومختصر البعلي: ص/ 97، ومختصر الطوفي: ص/ 84، وإرشاد الفحول: ص/ 91، مباحث الكتاب والسنة: ص/ 109.

(3)

المختصر مع شرح العضد: 2/ 77.

وانظر: الحدود للباجي: ص/ 52، والكافية في الجدل: ص/ 33، والتبصرة: ص/ 17، وفتح الغفار: 1/ 26، ونزهة الخاطر: 2/ 62، والعبادي على الورقات: ص/ 77.

ص: 183

فورد عليه: كف نفسك، فإنه من صيغ الأمر، وقد خرج بقولك: غير كف، فلا يكون جامعًا، وقيد الاستعلاء يخل بالجمع - أيضًا - لوجود حقيقة الأمر بدون الاستعلاء كقول فرعون - عليه لعائن الله لقومه -:{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110، والشعراء: 35] لانتفائه قطعًا لكونه كان يدعي الربوبية، فلا مستعلى عليه في زعمه، وقد استعمله.

فاحترز المصنف عن الاعتراض، فأسقط قيد الاستعلاء، [وزاد قيدًا] (1) وهو قوله:"مدلول عليه بغير كف"، فدخل فيه كف.

واعلم: أن بعض المحققين (2) أجاب عن السؤالين: بأن الأمر في {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} مجاز عن ماذا تشيرون، بقرينة المقام، وبأن الكف المذكور في التعريف يراد به الكف عن مأخذ الاشتقاق كقولك: لا تضرب، يراد به الكف عن الضرب الذي هو مأخذ اشتقاق لا تضرب، فيدخل كف لأنه لا يراد به الكف عن مأخذ اشتقاقه، بل يراد به كف النفس عن شيء آخر مخصوص، أو عام، فاندفع السؤال عن الشيخ ابن الحاجب/ ق (54/ أمن أ) بشقيه (3).

وفيما أفاده - لنا - نظر لورود قولنا: كف عن الكف، إذ يصدق عليه أنه كف عن مأخذه الاشتقاق، فتأمل!

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "العلامة التفتازاني قدس الله روحه".

(3)

راجع: حاشية التفتازاني على المختصر: 2/ 77.

ص: 184

وقد أجاب المولى قطب الشيرازي (1): بأن مراد الشيخ ابن الحاجب غير كف، لا يكون قد اشتق منه اللفظ الدال على الاقتضاء، وذلك: بأن لا يكون كفًا، كما في اضرب، أو كان، ولكن اشتق منه الصيغة مثل: اكفف، وهذا الجواب سالم إلا أنه لا يفهم من عبارة ابن الحاجب، ولذا لم يرتضه المولى [المحقق](2) عضد الملة والدين، آنسه الله برحمته، وقال بورود الاعتراض، ولم يجب بشيء.

قوله: "ولا يعتبر علو، ولا استعلاء".

أقول: هذا تصريح بما علم ضمنًا: لأنه لما حده بالاقتضاء المذكور من غير تقييد بهما علم عدم الاعتبار.

قوله: وقيل يعتبران. أي: يعتبر كل واحد بانفراده عن الآخر عن طائفة، وإنما قلنا كذلك: لأن اعتبارهما مما لم يقل به أحد (3).

(1) هو محمود بن مسعود بن مصلح الفارسي قطب الدين الشيرازي الشافعي، قرأ الطب، والعقليات، ودرس الفقه، والتفسير، والنحو وغيرها، وله مؤلفات منها: فتح المنان في تفسير القرآن، وحكمة الإشراق، وشرح كليات القانون في الطب لابن سينا، ومفتاح العلوم في البلاغة، وغيرها وتوفي في تبريز سنة (710 هـ).

راجع: الدرر الكامنة: 5/ 108، ومفتاح السعادة: 1/ 164، والفتح المبين: 2/ 109، والأعلام للزركلي: 6/ 46.

(2)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

قلت: قد نُقِل عن القاضي عبد الوهاب المالكي، وابن القشيري أنهما اعتبرا الاستعلاء، والعلو معًا.

راجع: نهاية السول: 2/ 236، والتمهيد: ص/ 265، والقواعد لابن اللحام: ص/ 158، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 369.

ص: 185

وقد أشار في المتن إلى القائل بكل واحد من القيدين. فقال: "واعتبرت المعتزلة، وأبو إسحاق الشيرازي (1)، وابن الصباغ (2)، وابن السمعاني (3) العلو (4).

(1) هو إبراهيم بن على بن يوسف جمال الدين الفيروزأبادي الشافعي الإمام المحقق، المتقن المدقق صاحب الفنون، والعلوم المختلفة، والتصانيف النافعة، كالمهذب، والتنبيه في الفقه، والنكت في الخلاف، واللمع مع شرحه، والتبصرة في الأصول، وتوفي سنة (476 هـ).

راجع: طبقات السبكي: 4/ 215، والمنتظم: 9/ 7، ووفيات الأعيان: 1/ 9، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 172.

(2)

هو عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد، أبو نصر المعروف بابن الصباغ الشافعي فقيه العراق في عصره، واعتبره ابن عقيل ممن كملت فيهم شرائط الاجتهاد المطلق، وله مؤلفات، كالشامل، والكامل في الفقه، والعمدة في الأصول: وتوفي سنة (477 هـ).

راجع: طبقات السبكي: 5/ 122، ووفيات الأعيان: 2/ 385، وشذرات الذهب: 3/ 355.

(3)

هو منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي الشافعي المشهور بابن السمعاني أبو المظفر، الإمام الجليل، علمًا، وزهدًا، وورعًا، وفقهًا، وأصولًا، له مؤلفات: كقواطع الأدلة في الأصول، والبرهان في الخلاف، والأوسط، والمختصر في الرد على الدبوسي، وتوفي سنة (489 هـ).

راجع: طبقات السبكي: 5/ 335، والنجوم الزاهرة: 5/ 160، وشذرات الذهب: 3/ 393.

(4)

راجع: اللمع: ص/ 7، والتبصرة: ص/ 17، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 45، والمسودة: ص/ 41، ونزهة الخاطر: 2/ 62.

ص: 186

وأبو الحسين، والآمدي، والإمام وابن الحاجب الاستعلاء" (1).

فقوله: واعتبرت. بيان، وتفصيل لقوله يعتبران، فالأولى عدم الواو.

وقوله: واعتبر أبو على الجبائي، وابنه أبو هاشم [تعيين](2) إرادة الطلب باللفظ/ ق (55/ أمن ب) احتراز عن التهديد، فإن صيغته إذا استعملت في التهديد لا طلب فيها.

وأجيب: بأن استعماله في التهديد مجاز، فلا حاجة إلى الاحتراز.

واعلم: أن الشيخ ابن الحاجب نقل هذا المذهب عن قوم على غير الوجه الذي نقله المصنف، فإنه قال: "وقال قوم: صيغة افعل، أي: الأمر صيغة افعل، بإرادات ثلاث: وجود اللفظ، أي: إرادة وجوده احترازًا عن النائم إذا قال: افعل، ودلالته على الأمر، أي: الطلب احترازًا عن التهديد، ونحوه، والامتثال، احترازًا عن المبلّغ، والحاكي.

(1) واختاره أيضًا الباجي، والقرافي من المالكية، وصدر الشريعة، والكمال ابن الهمام وابن عبد الشكور من الحنفية.

راجع: التوضيح لمتن التنقيح: 2/ 44، وفواتح الرحموت: 1/ 369، وتيسير التحرير: 1/ 338، والحدود للباجي: ص/ 53، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 136، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 77، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 22، والإحكام للآمدي: 2/ 11، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 369، ومختصر الطوفي: ص/ 84، ومختصر البعلي: ص/ 97، والمعتمد لابن الحسين البصري: 1/ 43.

(2)

سقط من (أ) والمثبت من (ب).

ص: 187

ورده بأنه تهافت: لأن المراد بالأمر إن كان هو اللفظ فسد لقوله: "وإرادة دلالته على الأمر" واللفظ غير مدلول عليه، وإن كان المعنى فسد لقوله:"الأمر صيغة افعل" والمعنى ليست صيغة [افعل](1) ".

وأجاب - عنه - المحقق (2): بأنه أريد في الأول اللفظ، وفي الثاني المعنى، فإنه يطلق عليهما، فلا تهافت.

قوله: "والطلب بديهي".

أقول: لما أخذ الاقتضاء الذي هو مرادف للطلب في تعريف الأمر - ومعرفة المحدود موقوفة على معرفة الحد، وأجزائه، والاقتضاء ليس بمعلوم، فيحتاج إلى تعريفه - أشار إلى استغنائه عن التعريف لكونه بديهيًا.

هذا، وكان الأولى أن يقدم هذا الكلام على تعريف الأمر؛ لكونه قسمًا من أقسام الطلب، ثم يقسمه، ثم يشرع في البحث عن كل قسم.

واعلم أن العلماء في الطلب، والخبر فرقتان: فرقة توجههما إلى التعريف لكونهما كسبيين كسائر الكسبيات، وفرقة تقول: باستغنائهما، وهذا هو مختار المحققين. ومحصل ما استدلوا به على مذاهبهما: أن كل واحد ممن لم يمارس العلوم، والاكتساب، يفرق بين الصادق، والكاذب في الأخبار، ويأمر، وينهى، ويستفهم في الطلب، يورد كلًا في مقامه اللائق به، فلو لم يكونا ضروريين لما تأتَّى له ذلك.

(1) سقط من (أ) والمثبت من (ب)، وراجع المختصر لابن الحاجب: 1/ 78.

(2)

هو عضد الملة والدين الإيجي في شرحه على المختصر: 1/ 78.

ص: 188

والجواب - عن ذلك -: أن النزاع في تصورهما بالكنه، وما ذكروه لا يدل عليه، إذ يكفي - في ذلك الإيراد - المعرفة بوجه.

والمصنف (1) / ق (54/ ب من أ) لم يتعرض لذلك الاستدلال، وكأنه يزعم أن بداهتهما، أي: وصف البداهة - فيهما - ضرورية أيضًا، فخلص من الاعتراض المذكور.

قوله: "والأمر غير الإرادة" إشارة إلى نفى ما ادعاه بعض المعتزلة من أن الأمر الذي هو الاقتضاء، نفس إرادة الفعل، وبنوا على هذا تلك المسألة القبيحة، وهى أن مراد الله، قد يتخلف: لأنه أمر من ختم على قلبه بالإيمان، والأمر غير الإرادة، فأراد منهم الإيمان، لكنه تخلف (2). تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.

قوله: "مسألة: القائلون بالنفسي".

(1) آخر الورقة (54/ ب من أ).

(2)

ولا يشترط في الأمر إرادة الفعل عند جماهير العلماء، لأن الله أمر إبراهيم بذبح ابنه ولم يرد منه وقوعه، وأمر إبليس بالسجود، ولم يرد منه كذلك، ولو أراد وقوع ذلك لوقع، لأنه فعال لما يريد، وهذا هو الحق في المسألة خلافًا لمن ذُكِروا في الشرح.

راجع: التبصرة: ص/ 18، والبرهان: 1/ 204، والعدة: 1/ 214، والمستصفى: 1/ 415، والمحصول: 1/ ق 2/ 24، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 138، والمسودة: ص/ 54، والموافقات: 3/ 811، ومختصر الطوفي: ص/ 85، ومختصر البعلي: ص/ 97، وفواتح الرحموت: 1/ 371، وتيسير التحرير: 1/ 341.

ص: 189

أقول: القائلون بثبوت الكلام النفسي (1) اختلفوا في أن الأمر، أي: الاقتضاء هل له صيغة تخصه، أم لا؟

قال إمام الحرمين، وتبعه كثير من المتأخرين:"إن هذه الترجمة خطأ إذ لا خلاف في أنه يعبر عن الطلب القائم بالنفس، مثل: أمرتك، وعن الإيجاب - خاصة - مثل: أوجبت عليك، والندب نحو: ندبت لك هذا الأمر، إنما الخلاف في مدلول صيغة افعل ما هو؟ وهذه العبارة (2)، / ق (55/ ب من ب) قاصرة عن تلك الإفادة"(3).

قال بعض الأفاضل (4): "ولا يبعد أن يقال: هذه التخطئة خطأ: لأن المراد أن الطلب هل له صيغة للدلالة عليه بهيئته بحيث لا يدل على غيره، كما أن للماضي، والمضارع صيغة تدل عليه كذلك؟

ولا خفاء في أن أمرت، ومأمور أنت بكذا، ونحوهما ليس كذلك لكونهما أخبارًا" (5).

(1) هذا هو مذهب الأشاعرة، وقد تقدم الإشارة إلى ذلك وبيان قول السلف عند الكلام على الحكم، وتعريفه، وسيأتي الكلام عليها بالتفصيل في علم الكلام الذي عقده في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

(2)

آخر الورقة (55/ ب من ب).

(3)

نقله بتصرف، راجع: البرهان: 1/ 212.

(4)

جاء في هامش (أ، ب): "هو العلامة التفتازاني".

(5)

نقله بتصرف راجع: حاشية التفتازاني على مختصر ابن الحاجب: 2/ 79.

ص: 190

هذا أصل كلامه، وفيه نظر: لأن قول الإمام، ومن تبعه: إن الخلاف إنما هو في مدلول صيغة افعل، ما هو، هل يخص الأمر، أم لا؟ فإذا كان المراد هذا - وترجم المسألة: بأن الأمر هل له صيغة - يتناوله مثل: أمرت، وأنت مأمور، يصدق على كل منهما أنه صيغة تخص الأمر، ولا مخالف فيه، ولا هو من المقصود في شيء، بل الخلاف في أن صيغة افعل، ونحوه أي شيء معناه، أي يخص الأمر أم لا؟

فالذي أبداه هذا الفاضل من قوله: "المراد أن الطلب هل له صيغة للدلالة عليه بهيئته بحيث لا يدل على غيره" هو الذي أراده المحققون، وخطَّؤوا الترجمة المذكورة، لقصورها عن المراد، فكيف يخطئون؟ وكيف يستقيم الرد عليهم؟

فإن قلت: في الصواب في الترجمة؟

قلت: الصواب في الترجمة أن يقال: هل صيغة افعل، ونحوه مخصوصة بالطلب، أم لا؟

والعجب: أن المصنف قال: "والخلاف في صيغة افعل" ولم يتنبه على فساد تلك العبارة (1).

(1) اعتذر العبادي للمصنف: بأنه ليس غرضه الرد على فساد العبارة، أو أنه يرى أنهم أطلقوا هذه العبارة تسامحًا، وأرادوا بها صيغة افعل، ولا فساد في ذلك إلا أنه مخالفة الأولى، أو أنه قد نبه على فساد العبارة، وأنها بإطلاقها ليست محل خلاف، =

ص: 191

قال بنفيه الشيخ الإمام في السنة أبو الحسن الأشعري، أي: لم يثبت عنده أن صيغة افعل، ونحوه مختصة بالطلب، فقيل: لأنه متوقف في معناه، وقيل: لكونها لفظًا، مشتركًا عنده (1).

وابن الحاجب نسب التوقف إلى الشيخ، والقاضي أبي بكر، والاشتراك إلى غيرهما (2).

قوله: "وترد للوجوب".

أقول: صيغة افعل - في لغة العرب - ترد لمعان كثيرة.

= وذلك في قوله: "والخلاف في صيغة افعل المقيد للحصر، أي: لا خلاف إلا فيها - بعد الترجمة بقوله -: هل للأمر صيغة تخصه، مع ظهور شموله صيغة افعل، وغيرها".

راجع: الآيات البينات: 2/ 208.

(1)

ذهب الأكثر إلى أن للأمر صيغة تدل بمجردها عليه لغة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، والأوزاعي، وجماعة من أهل العلم، والبلخي من المعتزلة.

وأما القائلون بالكلام النفسي، وهم الأشاعرة، ومن تبعهم، فقد اختلفوا في كون الأمر له صيغة تخصه، أو لا؟ على نحو ما ذكره الشارح.

راجع: التبصرة: ص/ 22، واللمع: ص/ 8، والبرهان: 1/ 199، والعدة: 1/ 214، والمستصفى: 1/ 412، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 24 - 34، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 126، والمسودة: ص/ 4، 8، 9، وكشف الأسرار: 1/ 101، والتلويح على التوضيح: 2/ 45، وتيسير التحرير: 1/ 340، ومختصر البعلي: ص/ 98، ومختصر الطوفي: ص/ 84، ونزهة الخاطر: 2/ 63.

(2)

راجع: المختصر مع شرح العضد عليه: 2/ 79 - 80.

ص: 192

قال الإمام الغزالي: "تستعمل في خمسة عشر معنى (1) "، وكذا الإمام في "المحصول" (2) والمصنف قد ارتقى بها إلى ستة وعشرين معنى (3):

الوجوب: نحو {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43].

والندب: نحو {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33].

والإباحة: نحو {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2].

والتهديد: نحو {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40].

وإرادة الامتثال: كقولك - لصاحبك -: سامرني.

والإذن: كقولك - لمن طرق الباب -: ادخل.

والتأديب: نحو "كل مما يليك"(4).

(1) هو بمعنى ما ذكره الغزالي. راجع: المستصفى: 1/ 417 - 418.

(2)

راجع: المحصول: 1/ ق/ 2/ 57 وما بعدها.

(3)

وبعضهم أوصلها إلى خمسة وثلاثين نوعًا.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 14، والمعتمد: 1/ 49، والعدة: 1/ 219، والمنخول: ص/ 132، وكشف الأسرار: 1/ 107، والتوضيح لمتن التنقيح: 2/ 51، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 78، ومختصر الطوفي: ص/ 84، ومختصر البعلي: ص/ 98، وفواتح الرحموت: 1/ 372، وأثر الخلاف في القواعد الأصولية: ص/ 295، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 112.

(4)

هو حديث عمر بن أبي سلمة، وفيه:"كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك"، فما زالت تلك طعمتى بعد".

راجع: صحيح البخاري: 7/ 88.

ص: 193

[والإرشاد: نحو {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282]] (1).

والإنذار: نحو {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} [الزخرف: 83].

والامتنان: نحو {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [المائدة: 88].

والتسخير: نحو {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 166]. / ق (55/ أمن أ).

والتكوين: نحو {كُنْ فَيَكُوُنُ} [النحل: 40 ويس: 82].

والتعجيز: نحو {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23].

والإهانة: نحو {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49].

والتسوية: نحو {فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: 16].

والدعاء: نحو {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران: 147].

والتمني: نحو "ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي"(2): لأن الشاعر لشدة شوقه استطال ليله، وجعل/ ق (56/ أمن ب) انجلاءه كالمستحيل.

(1) وما بين المعكوفتين لم يذكره في (ب) إلا بعد الدعاء الآتي: بلفظ: (الاستشهاد) والمثبت من (أ) أولى.

(2)

هذا صدر بيت من معلقة امرئ القيس بن حجر بن عمرو الكندي الشاعر المشهور، وعجز البيت:"بصبح وما الإصباح منك بأمثل".

راجع: ديوانه: ص/ 18، والمعلقات السبع مع شرحها: ص/ 21، والعيني في شواهد الألفية: 2/ 233، أعني شرحه للشواهد، والأشموني في شرح ألفية ابن مالك: 2/ 233.

ص: 194

والاحتقار: نحو {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء: 43].

والخبر: نحو "إذا لم تستح فاصنع ما شئت"(1). أي تصنع ما شئت.

والإنعام: نحو {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]. والحق: أنه للإباحة، كما سبق، وفي كثير من المعاني مناقشة ظاهرة، ولكن لم نتعرض لها لعدم زيادة فائدة، فاقتفينا أثر المصنف.

والتفويض: نحو {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72].

والتعجب: نحو {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} [الإسراء: 48 والفرقان: 9].

والتكذيب: نحو {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93].

والمشورة: نحو {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102].

والاعتبار: نحو {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99].

قوله: "والجمهور حقيقة في الوجوب".

(1) رواه البخاري، وغيره من حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

راجع: صحيح البخاري: 8/ 35، ومسند أحمد: 4/ 121، وسنن أبي داود: 2/ 552.

ص: 195

أقول: بعد الاتفاق على استعمال صيغة افعل، ونحوه في المعاني المذكورة اختلف في أن الاستعمال في الكل حقيقة، أم في بعضها حقيقة، وفي البعض مجاز؟

والجمهور: على أنها حقيقة في الوجوب، وفي الغير مجاز (1).

ثم قال المصنف: "ومن قال بالوجوب، وهم الجمهور، اختلفوا في ذلك الوجوب هل عُلِم لغة، أو شرعًا، أو عقلًا؟ ".

والذي ذكره منقول عن القاضي أبي بكر، ولكن القول بأن الوجوب عُلِم بالشرع، أو بالعقل في غاية السقوط، إذ وضع المسألة إنما هو في معنى صيغة افعل، ونحوه لغة، هل يختص بالطلب، أم لا؟ فلا وجه للتردد فيه.

ونحن نذكر المذاهب التي ذكرها المصنف على وجه الضبط، ونشير إلى ما هو الحق بعد ذلك.

(1) راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 259، واللمع: ص/ 8، والتبصرة: ص/ 26، وأصول السرخسي: 1/ 14، والبرهان: 1/ 216، والعدة: 1/ 224، والمستصفى: 1/ 423، والمنخول: ص/ 105، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 64، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 127، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 79، والمسودة: ص/ 13، والقواعد لابن اللحام: ص/ 159، وفواتح الرحموت: 1/ 373، وتيسير التحرير: 1/ 341، وإرشاد الفحول: ص/ 94، وتفسير النصوص: 1/ 241.

ص: 196

وقيل: للندب، وإليه ذهب أبو هاشم من المعتزلة (1).

وقال الشيخ أبو منصور الإمام المشهور الماتريدي (2) من الحنفية: للقدر المشترك بين الوجوب، والندب، وهو مطلق الطلب (3).

وقيل: بالاشتراك لفظًا بينهما.

وتوقف القاضي، والغزالي، والآمدي فيهما، أي: محتمل أن يكون مشتركًا في الوجوب والندب، ويحتمل [أن يكون](4) مشتركًا معنويًا (5).

وقيل: بالاشتراك لفظًا بين الوجوب، والندب، والإباحة.

(1) بل نقله أبو إسحاق الشيرازي عن المعتزلة، ونقله السرخسي عن بعض المالكية، ونقل عن أبى الخطاب من الحنابلة، وقال به بعض الشافعية، ونقله الغزالي، والآمدي عن الشافعي.

راجع: المعتمد 1/ 50 - 51، وأصول السرخسي: 1/ 14، والتبصرة: ص/ 26، والمستصفى: 1/ 423، والمنخول: ص/ 105، والإحكام للآمدي: 2/ 14، والمسودة: ص/ 5، والتمهيد لأبي الخطاب: 1/ 148، ورجح فيه الوجوب خلافًا لما نقل عنه في المسودة.

(2)

هو محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، الأصولي، المتكلم المشهور صاحب المؤلفات: كبيان وهم المعتزلة، وتأويلات القرآن، ومأخذ الشرائع في أصول الفقه، وتأويلات أهل السنة، وشرح الفقه الأكبر، وتوفي سنة (333 هـ).

راجع: الجواهر المضيئة 2/ 130، وتاج التراجم: ص/ 43، والفوائد البهية: ص/ 195، ومفتاح السعادة: 2/ 21، وكشف الظنون: 1/ 262، وهدية العارفين: 2/ 36.

(3)

راجع: كشف الأسرار: 1/ 18، وتيسير التحرير: 1/ 360، وفواتح الرحموت: 1/ 373.

(4)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(5)

راجع: المستصفى: 1/ 423، والإحكام: 2/ 14 - 15، وشرح العضد: 2/ 79، والمعتمد: 1/ 51، فقد حكاه عن أبي هاشم أيضًا.

ص: 197

قيل: في الثلاثة المذكورة، والتهديد أيضًا.

وقال عبد الجبار من المعتزلة: لإرادة الامتثال مطلقًا، فيشمل الوجوب، والندب (1).

وقال أبو بكر الأبهري (2) من المالكية: أمر الله تعالى للوجوب، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلو إما أن يكون من عند نفسه، فندب، أو حاكيًا عن الله فوجوب.

وقيل: بالاشتراك بين الخمسة، وهى الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة، والحرمة (3).

قوله: "والمختار - وفاقًا للشيخ أبي حامد، وإمام الحرمين -: حقيقة في الطلب الجازم".

(1) راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 263، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 127، والقواعد لابن اللحام: ص/ 159، ونهاية السول: 2/ 251، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 67، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 114.

(2)

هو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح التميمي الأبهري، أبو بكر، كان ورعًا، زاهدًا، مقرئًا، إمامًا في ذلك، وله مؤلفات: كإجماع أهل المدينة، والرد على المزني، وإثبات حكم القافة، وفضل المدينة على مكة، وكتاب في الأصول، وتوفي سنة (375 هـ).

راجع: الديباج: 1/ 206، وشجرة النور الزكية: ص/ 91، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 273، وشذرات الذهب: 3/ 85، والفتح المبين: 1/ 208.

(3)

راجع: تشنيف المسامع: ق (51/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 376، ومع الهوامع: ص/ 151 وإرشاد الفحول: ص/ 94.

ص: 198

أقول: مختار المصنف: أن صيغة افعل، ونحوه حقيقة في الوجوب لغة وفقًا لمن ذكره، وإذا وردت هذه الصيغة من الشارع دلت على الوجوب، وهذا بعينه هو مذهب الجمهور، إذ لا معنى لقولهم: إن الأمر للوجوب، إلا ما ذكره المصنف، إذ لا وجوب إلا بالشرع (1).

وتحقيقه: أن صيغة افعل، ونحوه تدل على الطلب الجازم [لغة، وذلك الطلب الجازم](2) المانع من النقيض، [والمعرَّف](3)(4) / ق (55/ ب من أ) بالوجوب، الذي يعاقب على تركه. ولا فائدة في العدول عن قول الجمهور.

وأما القول: بأن عند الجمهور يحتمل أن يكون الوجوب المستفاد منها شرعًا، أو عقلًا، كما ذكره المصنف في صدر البحث - وما اختاره المصنف (5) / ق (56/ ب من ب) هو الطلب الجازم لغة - فقد سبق منا هناك، بطلان ذلك وأنه لا معنى له: إذ الكلام في مدلول صيغة الأمر لغة، ولهذا ترك المحققون ذلك الترديد.

(1) راجع: اللمع: ص/ 8، والبرهان: 1/ 215، 223، والإحكام لابن حزم: 1/ 263، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 67، ونهاية السول: 2/ 251، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 376، وتشنيف المسامع: ق (51/ أ - ب)، وهمع الهوامع: ص/ 151.

(2)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

في (أ): "والمفرق" والصواب المثبت من (ب).

(4)

آخر الورقة (55/ ب من أ).

(5)

آخر الورقة (56/ ب من ب).

ص: 199

لنا - على مختار المصنف، وهو مذهب الجمهور -: الاستدلال بها على الوجوب من غير نكير، فكان إجماعًا.

وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12]، لامه على ترك المأمور به، ولا لوم إلا على ترك الواجب، فيكون قوله:{اسْجُدُوا} [الأعراف: 11] للوجوب (1).

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} [المرسلات: 48]، ذمهم على عدم الامتثال لقوله:{ارْكَعُوا} ووجه الاستدلال: ما ذكرنا في اسجدوا.

وقوله: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 93]، والمراد بالأمر قوله:{اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142].

وقوله: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم: 6].

ولا ريب: أن هذه الأدلة - وإن لم تفد القطع - تفيد غلبة الظن، وأصل الظن كاف في مثل هذه المسألة (2).

(1) يعني قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف: 11].

(2)

ذكر المصنف اثني عشر قولًا في هذه المسألة كما تقدم في الشرح، وبلغ بها ابن اللحام الحنبلي إلى خمسة عشر قولًا.

راجع: القواعد، والفوائد الأصولية له: ص/ 159 - 161.

ص: 200

ثم للمصنف كلام عجيب - في شرحه للمختصر - وهو أنه قال: "لقائل أن يقول: قد وجدنا أوامر مستعملة في غير الوجوب، فلو اقتضى مجرد الأمر الإيجاب لزم، إما التعارض بين الموجب والمانع. وإما ترك الوجوب، مع الموجب السالم عن المعارض. وإما ثبوت الوجوب في صور عدم الوجوب.

بيان الملازمة: أن اقتضاء الإيجاب، إما أن يترتب في تلك الصور التي قيل فيها بعدم الوجوب، فيثبت الوجوب، في صور عدم الوجوب، أو لا يترتب، فإن لم يكن المانع لزم ترك الموجب السالم عن المانع، وإن كان لمانع لزم التعارض بين الموجب والمانع، واللوازم كلها منتفية، الأول بالإجماع، والثاني والثالث: لأن الأصل عدم كل واحد منهما.

ولا جواب لهذا الاعتراض إلا ببيان: أن التعارض بين المقتضي، والمانع، فيحتاج المستدل إلى دليل آخر" (1). هذا كلامه.

وإنما قلنا: إنه كلام عجيب: لأن الدعوى أن الأمر المجرد عن جميع القرائن مفيد للوجوب ظاهرًا، فحيث تجرد عن جميع القرائن يحمل على الوجوب للدلائل المذكورة، وحيث وجدت قرينة صارفة عن الوجوب كالإجماع الدال على عدم وجوب الأكل من الطيبات، والتخيير المنافي للوجوب في قوله:{فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] يحمل على ما دل عليه القرينة، كما هو شأن سائر الحقائق مع المجازات: لأن دلالة الألفاظ وضعية يجوز تخلف مدلولاتها عنها.

(1) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب: 1/ ق/ 202/ ب.

ص: 201

فما أبداه من البحث، والمناظرة خارج عن القانون.

قوله: "وفي وجوب اعتقاد الوجوب قبل البحث [خلاف] (1) العام".

يريد: أن لفظ الأمر إذا ورد من الشارع يحمل على الوجوب إذا خلا عن قرائن غيره.

وأما قبل الفحص عن الصارف، هل يجب اعتقاد الوجوب، أم لا؟ فيه الخلاف المذكور في العام.

وفي شروحه: أن الأصح يجب اعتقاد الوجوب، كما في العام يجب اعتقاد عمومه (2).

وفيه نظر: لأن الخلاف في العام، إنما ذكره المحققون في الحمل على العموم قبل البحث عن المخصص.

قال صاحب التلويح: حكم العام التوقف فيه عند عامة الأشاعرة، حتى يقوم دليل العموم، أو الخصوص.

وعند جمهور العلماء: الحكم في جميع ما يتناوله اللفظ - قطعًا، ويقينًا - عند مشايخ/ ق (57/ أمن ب) العراق/ ق (56/ أمن أ) من الحنفية.

ظنًا عند جمهور الفقهاء، والمتكلمين، وهو مذهب الشافعي" (3).

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

راجع: المحلى على جمع الجوامع: 1/ 377، وهمع الهوامع: ص/ 152، وتشنيف المسامع: ق (52/ أ).

(3)

التلويح على التوضيح: 1/ 38، وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب العام إن شاء الله تعالى.

ص: 202

فإذا كان تناوله ظنًا عنده، فكيف يجب اعتقاد عمومه؟ وكذلك الأمر حمله على الوجوب، مشروط بعدم الصارف عنه، كما هو شأن الحقيقة، مع المجاز، غايته: التبادر إلى الفهم، قبل الفحص عن الصارف.

ولا شك: أن الظهور إنما يفيد الظن لا الاعتقاد، فالحق أن يقال: يجب حمله على الوجوب: لأنه يجب اعتقاد الوجوب.

قوله: "فإن ورد بعد الحظر قال الإمام: أو استئذان، فللإباحة".

أقول: اختلف القائلون: بأن الأمر المجرد عن القرائن للوجوب في الأمر الوارد بعد الحظر.

قيل: للوجوب. وقيل: للندب. وترك المصنف الندب.

وذكر صاحب التلويح، وأسند إلى سعيد بن جبير (1): أن الانسان إذا انصرف من الجمعة، ندب له أن يساوم شيئًا، ولو لم يشره (2).

(1) هو الإمام سعيد بن جبير بن هشام الكوفي الأسدى مولاهم، أبو عبد الله، من كبار أئمة التابعين، ومتقدميهم في التفسير، والحديث، والفقه، كان عالمًا، عاملًا، عابدًا، زاهدًا، ورعًا، تقيًا، ومات شهيدًا، مظلومًا سنة (95 هـ).

راجع: طبقات ابن سعد: 6/ 256، أخبار القضاة: 2/ 411، حلية الأولياء: 4/ 272، وكتاب الزهد للإمام أحمد: ص/ 370، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 82، ووفيات الأعيان: 2/ 371، والعبر: 1/ 112، وتذكرة الحفاظ: 1/ 71.

(2)

راجع: التلويح على التوضيح لمتن التنقيح: 1/ 156، حملًا للأمر في الآية التي سيذكرها الشارح بعد قليل على الندب.

ص: 203

إمام الحرمين، ومن تبعه توقفوا فيه (1).

الموجب - وهو الإمام في "المحصول"، وصدر الشريعة من الحنفية -: إن الدلائل الدالة على أنه حقيقة في الوجوب دلت مطلقًا عليه، وكونه بعد الحظر لا تأثير له (2).

والحق: أنه للإباحة على ما اختاره الشيخ ابن الحاجب والمصنف: لأن النهي يدل على التحريم، فورود الأمر بعده يكون لرفع التحريم هو المتبادر، فالوجوب، أو الندب زيادة لا بد له من دليل (3).

(1) وهو الغزالي، والآمدي، وابن القشيري، وذلك لتعارض الأدلة.

راجع: البرهان: 1/ 264، والمستصفى: 1/ 435، والمنخول: ص/ 131، والإحكام للآمدي: 2/ 40.

(2)

وهو اختيار أبى الطيب الطبري، وأبي إسحاق الشيرازي، والقاضي أبى يعلى وابن السمعاني، والبيضاوي، وحكى عن أكثر الفقهاء، والمتكلمين من الشافعية، والمعتزلة، وغيرهم، واختاره الباجي، وأكثر أصحاب الإمام مالك، والإمام السرخسي من الحنفية.

راجع: اللمع: ص/ 8، والتبصرة: ص/ 38، والعدة: 1/ 257، وأصول السرخسي: 1/ 19، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 159، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 139، والمسودة: ص/ 16، والتوضيح: 1/ 156، وكشف الأسرار: 1/ 120، وفتح الغفار: 1/ 32، ومختصر البعلي: ص/ 100، والقواعد لابن اللحام: ص/ 165، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 124.

(3)

وهو قول الشافعي، وبعض المالكية غير الشيخ المذكور، واختاره الطوفي من الحنابلة، غير أنه يرى ذلك من حيث العرف لا اللغة لأنه في اللغة يقتضي الوجوب وهو ما أيده الكمال ابن الهمام، وابن عبد الشكور من الحنفية، وقالا:"إن الإباحة في عرف الشرع". =

ص: 204

قيل: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10]

قلنا: معارض بقوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، فالوجه ما ذكرناه من التبادر (1).

ثم هذا الخلاف إنما هو عند انتفاء القرينة، وأما عند وجودها، يحمل على ما يناسب المقام بلا خلاف.

وأما النهي الوارد بعد الأمر، منهم من طرد فيه القياس، وحمله على الإباحة، وقيل: للكراهة.

الجمهور - وهو مختار المصنف -: أنه للتحريم.

وقيل: لإسقاط الوجوب، فيعود الحال إلى ما كان عليه قبل الوجوب من إباحة، أو تحريم بحسب المقام (2).

= راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 91، ومختصر الطوفي: ص/ 86، وفواتح الرحموت: 1/ 379، وتيسير التحرير: 2/ 345، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 378، وتشنيف المسامع: ق (52/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 152.

(1)

وذهب الشيخ مجد الدين، وغيره إلى أنه لرفع الحظر السابق، وإعادة حال الفعل إلى ما كان قبل الحظر، واختاره الكمال ابن الهمام من الحنفية، وغيره.

راجع: المسودة: ص/ 18، وتيسير التحرير: 1/ 346، والقواعد لابن اللحام: ص/ 165.

(2)

راجع الخلاف المذكور في هذه المسألة: العدة: 1/ 262، والمنخول: ص/ 130، =

ص: 205

وتوقف إمام الحرمين، وتبعه الإمام الرازي في المحصول (1).

لنا - على المختار، وهو التحريم -: أن صيغة النهى [ظاهرة في](2) التحريم، وتقدم الأمر لا يصلح قرينة على أن النهي للإباحة، أي: رفع الوجوب: لأن صيغة النهي لم ترد للإباحة، بخلاف [صيغة](3) الأمر، كما قدمنا، ولا يقاس أحدهما على الآخر.

وقيل (4): لأن النهى يدل على رفع المفاسد، والأمر يدل على جلب المصالح، واعتناء الشارع برفع المفاسد أكثر منه بجلب المصالح.

وليس بشيء: إذا النهي، والأمر لم يتعارضا حتى يرجح النهى بما ذكر، بل التعارض إنما هو بين التحريم، والإباحة، كما كان في الأمر - الوارد بعد الحظر - بين الوجوب والإباحة.

= وشرح تنقيح الفصول: ص/ 140، والمسودة: ص/ 17، 83، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 95، وتيسير التحرير: 1/ 376، ومختصر البعلي: ص/ 100، ومختصر الطوفي: ص/ 87، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 379، وتشنيف المسامع: ق (52/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 153، وشرح الكوكب المنير: 3/ 64.

(1)

راجع: البرهان: 1/ 265، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 162، فقد ذكر الخلاف، ولم يصرح بأنه اختار التوقف، كما ذكر الشارح هنا.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(4)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي". وراجع: تشنيف المسامع: ق (52/ أ).

ص: 206

[والذاهب إلى الإباحة](1) كأنه توهم أن النهي يرفع الوجوب، وإذا رفع الوجوب ثبت التحريم، وغفل عن معنى النهي، وهو التحريم الذي هو مدلول النهي حقيقة.

قوله: "مسألة: الأمر لطلب الماهية لا لتكرار، ولا مرة، والمرة ضرورية".

أقول: معنى التكرار: وقوع الشيء مرة بعد أخرى، فإن كان الأمر مطلقًا تجب المداومة (2) / ق (57/ ب من ب)، وإن كان مؤقتًا يجب في كل وقت قَدَّره الشارع، كصلاة الفجر.

ثم لا خلاف في أن الأمر المقيد بالتكرار يفيد ذلك، وإنما الكلام في الأمر المجرد عن التقييد بالتكرار، والمرة، ففيه مذاهب خمسة:

الأول - وهو المختار -: لا تكرار، ولا مرة (3).

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

آخر الورقة (57/ ب من ب).

(3)

لكن المرة ضرورية: لأجل تحقيق الامتثال، إذ لا توجد الماهية بأقل منها، واختاره الرازي، والآمدي، وابن الحاجب، وابن الهمام، والسرخسي وغيرهم.

راجع: المحصول: 1/ ق/ 2/ 162، والإحكام 2/ 22، والمختصر وعليه العضد: 2/ 81، وأصول السرخسي: 1/ 20، والمسودة: ص/ 20 - 21، وإرشاد الفحول: ص/ 98، وتيسير التحرير: 1/ 351، وشرح المنار وحواشيه: ص/ 136.

ص: 207

الثاني: مدلوله المرة (1).

الثالث: وإليه ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو حاتم القزويني (2) -: التكرار مطلقًا (3) / ق (56/ ب من أ) أي: سواء علق بشرط، أو لا (4).

(1) جاء في هامش (أ، ب): "وإليه ذهب عامة العلماء الحنفية".

قلت: وهو قول المالكية، ونقله الشيرازي عن أكثر الشافعية، وذكر الغزالي بأن الشافعية، والفقهاء صاروا إليه، ومعنى هذا القول: أنه يقتضي المرة، وضعًا، ولفظًا.

راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 130، وشرح اللمع: 1/ 220، والبرهان: 1/ 224، والمستصفى: 2/ 2، والمنخول: ص/ 108، وفتح الغفار: 1/ 36، وفواتح الرحموت: 1/ 380، وتيسير التحرير: 1/ 351.

(2)

هو محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الطبري القزويني الأنصاري، الشافعي، أبو حاتم، فقيه، أصولي، متكلم، تفقه بآمل، ثم ببغداد، ودرس، وأملى، وحدث، له مؤلفات منها: كتاب الحيل في الفقه، وتجريد التجريد، وتوفي بآمل سنة (414 هـ أو 415 هـ) خلاف في ذلك.

راجع: طبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 109، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 207، وطبقات السبكي: 4/ 12، وطبقات ابن هداية الله: ص/ 145.

(3)

آخر الورقة (56/ ب من أ).

(4)

وقال به الإمام أحمد، وأكثر أصحابه، وجماعة من الفقهاء، والمتكلمين وحكاه الغزالي عن الإمام أبي حنيفة، كما نقل عن الإمام مالك.

راجع: المعتمد: 1/ 108، واللمع: ص/ 8، والتبصرة: ص/ 41، والمنخول: ص/ 108، والمسودة: ص/ 20، والقواعد لابن اللحام: ص/ 171، ومختصر البعلي: ص/ 100، ونزهة الخاطر: 2/ 78، والعبادي على المحلي على الورقات: ص/ 83، وتشنيف المسامع: ق (52/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 380، وهمع الهوامع: ص/ 83.

ص: 208

الرابع: إن علق بشرط، أو صفة نحو:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] (1).

الخامس: الوقف، أي: التوقف، وعدم الجزم بشيء لا نفيًا، ولا إثباتًا (2).

لنا - على المختار -: أن مدلول الصيغة طلب ماهية الفعل مطلقًا، ولهذا يعد ممتثلًا بالمرة الواحدة، لا لأنها مدلول الصيغة، بل لأن المرة أقل ما يمكن وجود الماهية في ضمنه. إليه أشار المصنف بقوله:"والمرة ضرورية".

ولنا - أيضًا -: لو كان للمرة كان تقييده به تكرارًا [وبالتكرار](3) تناقضًا، وكذا العكس.

ولنا - أيضًا -: أن التكرار، والمرة من صفات الفعل كالقليل، والكثير، والموصوف بالصفات المتقابلة لا دلالة له على خصوصية شيء منها.

(1) وحكى هذا عن بعض الحنفية، وبعض الشافعية، واختاره، وصححه المجد بن تيمية.

راجع: المسودة: ص/ 20، وإرشاد الفحول: ص/ 98.

(2)

يعني أنه مشترك بين التكرار والمرة، فيتوقف إعماله في أحدهما على وجود القرينة. هذا قول.

وقيل: بالتوقف، وهو اختيار إمام الحرمين، والغزالي، والقاضي وغيرهم، ثم اختلفوا في معنى الوقف، فقيل: لا يعلم أوضع للمرة هنا، أو للتكرار، أو لمطلق الفعل.

وقيل: لا يعلم مراد المتكلم لاشتراك الأمر بين الثلاثة.

راجع: البرهان: 1/ 224 - 228، والمستصفى: 2/ 2 - 3، والمنخول: ص/ 108.

(3)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 209

ولنا - على منع التكرار خاصة -: لو كان له لعم الأوقات كلها، ولزم تكليف ما لا يطاق، وهو باطل إجماعًا، وكان ينسخه كل أمر بعده، إذا كان منافيًا له. واللازم منتف اتفاقًا.

القائلون: بالتكرار قالوا: النهى يفيده، فكذا الأمر.

قلنا: قياس في اللغة، وقد عرفت حاله. ولو سلم فالانتهاء في النهى أبدًا ممكن دون الامتثال في الأمر، فافترقا.

قالوا: تكرر الصلاة، والزكاة.

قلنا: لتكرار السبب، وهو الوقت المقدر، وأيضًا معارض بالحج.

قالوا: الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي يمنع عن المنهي عنه دائمًا، فيلزم التكرار في المأمور به.

قلنا: كون الأمر بالشيء نهيًا عن ضده ممنوع، ولئن سلم، فالنهي بحسب الأمر، فإن كان الأمر بالفعل دائمًا كان نهيًا عن أضداده دائمًا.

وإن كان آمرًا به في وقت كان نهيًا عن الأضداد في ذلك الوقت.

القائلون: بالمرة، لو قال السيد لعبده: ادخل الدار، فدخلها عد ممتثلًا.

قلنا: لكون المأمور به حصل في ضمن ذلك الفرد جمعًا بين الأدلة، ولما ذكرنا من تناقض التكرار، لو كان مدلوله المرة.

قوله: "وقيل: [إن علق] (1) بشرط، أو صفة".

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 210

[أقول](1): القائلون: بأن الأمر لا يفيد التكرار متفقون على أنه إذا علق على علة ثابتة عليتها مثل قوله: إذا زنى فاجلدوه، يفيد التكرار لعدم جواز انفكاك المعلول عن علته، فالتكرار ليس مستفادًا من الصيغة (2).

وأما الشرط، والصفة، فالجمهور على عدم التكرار: لأن الشرط غير مستلزم للمشروط، والصفة إن ثبت عليتها فعلة، وإلا فلا استلزام.

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

قلت: دعوى الاتفاق فيها نظر: لأن البعض خالف في ذلك.

ذكر البزدوي: بأن عامة مشايخ الحنفية قالوا: لا توجيه، ولا تحتمله بكل حال.

وقال النسفي: "ولا يقتضي التكرار سواء كان معلقًا بالشرط، أو مخصوصًا بالوصف، أو لم يكن". وذكر عبد العزيز البخاري: أن المذهب الصحيح عند الأحناف أنه لا يوجب التكرار، ولا يحتمله سواء كان مطلقًا، أو معلقًا بشرط، أو مخصوصًا بصفة إلا أن الأمر بالفعل يقع على أقل جنسه. وقال ابن عبد الشكور:"فدعوى الإجماع في العلة، كما في المختصر، وغيره غلط".

راجع: أصول السرخسي: 1/ 21، وأصول البزدودي مع كشف الأسرار: 1/ 122 - 123، وشرح المنار وحواشيه: ص/ 136 - 138، وفتح الغفار: 1/ 36 - 37، وفواتح الرحموت: 1/ 386، والمستصفى: 2/ 7 - 8، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 179، والإحكام للآمدي: 2/ 27 - 28، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 83، والمسودة: ص/ 20، والقواعد لابن اللحام: ص/ 172.

والاتفاق الذي ذكره الشارح نقل عن الباقلاني، وابن السمعاني، وذكره الآمدي وابن الحاجب، وغيرهما. أما الإمام في "المحصول"، فقد ذكر في المسألة خلافًا ولم ينقل إجماعًا فيها. انظر المراجع السابقة.

ص: 211

قالوا (1): قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38]، و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2]، و {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، ونظائرها بالاستقراء من الشروط، والأوصاف.

قلنا: ثبت عليتها شرعًا، ولذلك لم يتكرر الحج، مع وجود شرطه، وهو الاستطاعة.

قالوا: تكرر بتكرر العلة، فالشرط/ ق (58/ أمن ب) أولى لانتفاء المشروط، بانتفائه، بخلاف العلة لجواز قيام علة أخرى مقامها.

قلنا: لا تأثير لما ذكرتم: لأن الكلام في مقتضى التكرار، ووجود الشرط ليس بمقتضى بخلاف العلة، وقيام إحدى العلتين مقام الأخرى عند انتفائها، لا ينافي ما ادعيناه.

القائلون بالوقف: لو ثبت شيء مما ذكر ثبت بالدليل، ولا دليل إذ العقل لا مدخل له في مثله، والآحاد لا يفيد العلم، والتواتر منتف.

قلنا: المسألة لغوية يكفيها الآحاد.

قوله: "ولا لفور خلافًا لقوم". وهم القائلون بالتكرار، فإن القول به مستلزم للفور، ووافقهم بعض من قال بالمرة.

القاضي، ومن/ ق (57/ أمن أ) تابعه: إما الفعل في الحال، أو العزم.

(1) جاء في هامش (أ): "القائلون بالتكرار للشرط والصفة".

ص: 212

وقيل: مشترك بين الفور، والتراخي، والمبادِر ممتثل خلافًا لمن منع الامتثال بناء على جواز كونه للتراخي، وخلافًا لمن توقف فيه (1).

(1) ذهب أكثر الحنفية، والشافعية، وهو الراجح عند المالكية واختاره ابن الحاجب وهو رواية عن أحمد وبه قالت المعتزلة إلى أن الأمر على التراخي.

وذهب الحنابلة، وبعض الحنفية، والظاهرية وبعض المالكية إلى أنه يفيد الفور، وذكر الجويني، والرازي، والبيضاوي، وغيرهم أنه مذهب الحنفية، وفي ذلك نظر، فإن القائل به من الأحناف هو أبو الحسن الكرخي، وتبعه بعفر الأحناف، لذا قال علاء الدين البخاري:"فذهب أصحابنا، وأصحاب الشافعي، وعامة المتكلمين إلى أنه على التراخي، وذهب بعض أصحابنا منهم أبو الحسن الكرخي إلى أنه على الفور".

وذهب أبو بكر الصيرفي، والقاضي أبو الطيب الطبري، وأبو حامد، وأبو بكر الدقاق من الشافعية إلى أنه لمجرد الطلب لا يدل على الفور، ولا على التراخي، فيجوز التأخير، كما يجوز البدار، واختاره ابن عبد الشكور في الأمر غير المقيد بوقت محدود كالأمر بالكفارات، وذكر بأنه الصحيح عند الحنفية.

وذهب بعض الأشعرية إلى التوقف في ذلك، وآخرون إلى التوقف فيه وفي الامتثال.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 26 - 28، والبرهان: 1/ 231 - 235، والتبصرة: ص/ 52 - 53، واللمع: ص/ 8 - 9، والمعتمد: 1/ 111، والعدة: 1/ 282، والإحكام لابن حزم: 1/ 387، والمستصفى: 2/ 9، والمنخول: ص/ 111، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 189، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 128 - 129، والمسودة: ص/ 24، ومختصر ابن الحاجب مع العضد: 2/ 83، وفواتح الرحموت: 1/ 387، ومختصر البعلي: ص/ 101، ومختصر الطوفي: ص/ 89، والقواعد لابن اللحام: ص/ 179، والعبادي على المحلي على الورقات: ص/ 85، وإرشاد الفحول: ص/ 99.

ص: 213

والحق: أن قول المصنف: "خلافًا لمن منع". لا وجه له: لأن القائل: بأنه للتراخي لم يقل به وجوبًا، بل جوازًا، صرح به المحققون (1)، بل عدم الامتثال يلائم القول بالتوقف على ما ذهب إليه طائفة من الواقفية.

ثم قول المصنف: "ومن وقف". عطفًا على من منع، أيضًا، ليس على ما ينبغي: إذ الواقفية طائفتان: إمام الحرمين، ومن تبعه قالوا: بالوقف في مدلوله، لغة، أهو للفور، أم لا؟ ، لكنه لو بادر - ممتثلًا - سواء كان للفور، أو للقدر المشترك، وأما وجوب التراخي [فغير](2) محتمل عندهم (3).

وذهبت طائفة: إلى التوقف فيه، وفي الامتثال لاحتمال وجوب التراخي. لنا - على أن مجرده لا يقتضي الفور -: ما تقدم من الأدلة في نفي التكرار والمرة.

القائلون: بالفور، قالوا: قوله تعالى: {وَسَارِعُوَا} [آل عمران: 133] نص في ذلك.

قلنا: فهم من مادة الكلمة لا من الصيغة.

قالوا: ذم إبليس على ترك السجود، ولو لم يقتضِ الفور لما استحق الذم، وهو ظاهر.

(1) جاء في هامش (أ، ب): "البيضاوي، والمولى المحقق عضد الملة والدين".

راجع: الابتهاج: ص/ 74، وشرح العضد على المختصر: 2/ 83.

(2)

في (أ، ب): "غير" والمثبت أولى.

(3)

راجع: البرهان: 1/ 232، والمستصفى: 2/ 9، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 190.

ص: 214

قلنا: لتقييده بالوقت لقوله تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72].

قالوا: لو قال لعبده اسقني، وأخَّر من غير مانع عد عاصيًا، ضرورة.

قلنا: بقرينة المقام لا من صيغة الأمر، ونحن لا نمنع دلالته عليه، مع القرينة، بل جميع الموارد من التكرار، والفور، والتراخي مفوضة إلى القرائن.

قالوا: إذا قيل: زيد قائم، وعمرو قاعد، أو قال السيد لعبده: أنت حر، أو الزوج لامرأته: أنت طالق، فهم الفور من الكل، فكذا الأمر إلحاقًا لأحد نوعي الكلام - وهو الإنشاء - بالآخر، وهو الخبر.

قلنا: قياس في اللغة، ولو سلم، فالفرق واضح: لأن الأمر يدل على الاستقبال قطعًا [لعدم](1) جواز الأمر بتحصيل الحاصل، فالحال غير محتمل، [والاستقبال القريب إلى الحال، والبعيد منه محتمل](2)، فلا يحمل على أحدهما إلا بالقرينة. قالوا: النهي يفيده - كما تقدم - فكذا الأمر.

قلنا: قد تقدم الجواب أيضًا.

قالوا: لو جاز التأخير لزم التكليف بالمحال لعدم بيان آخر وقت التأخير.

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 215

قلنا: نعم، لو كان واجب التأخير، وأما إذا كان جائز التأخير - كما هو المدعَى - فلا محذور، إذ له أن يوقعه في أي جزء شاء من الوقت.

القائل بوجوب الفعل، أو العزم: إنه كخصال (1) / ق (58/ ب من ب) الكفارة، كما ذكره، في الواجب الموسع، وقد تقدم جوابه. وهو أن المطلوب هو الفعل، والعزم على الإتيان بالواجب جار في جميع الواجبات، فلا تعلق له بالبحث.

الواقفية قالوا: تعارضت الأدلة، فوجب التوقف.

قلنا: بل يحصل الامتثال كيف أوقع الفعل: لأن المطلوب صدور الفعل من المكلف، مع أنّا قد بينا: أن الفورية، والتراخي إنما استفيدا من القرائن، وما ذكرنا من المختار هو المنقول عن الإمام الشافعي عليه من الله، ما يستحقه من جلائل النعم، ومواهب الكرم.

قوله: "مسألة: الرازي، والشيرازي، وعبد الجبار: الأمر يستلزم القضاء".

أقول: إذا أمر الشارع بفعل في وقت معين، هل يقتضي ذلك الأمر الفعل المعين بعد ذلك الوقت أداء، وقضاء، أو لا يقتضي؟

الجمهور: لا يقتضيه.

(1) آخر الورقة (57/ ب من ب).

ص: 216

أبو بكر الرازي (1) من الحنفية، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي من الشافعية، وعبد الجبار من المعتزلة: يستلزمه (2)(3) / ق (57/ ب من أ).

لنا - على مختار الجمهور، وهو المختار -: أنا قاطعون أنه لو قال: صم يوم الخميس، لم يدل على صوم [يوم](4) الجمعة بوجه من الوجوه، وإذا انتفت الدلالة من سائر الوجوه، فأنى يجب! ؟

وأيضًا لو كان واجبًا به لكان أداء، ويرجع إلى الواجب المخير، كأنه قال: صل إما يوم الجمعة، أو يوم الخميس، واللازم منتف إجماعًا.

(1) هو أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص، كان إمام أصحاب أبي حنيفة في وقته اشتهر بالزهد، والدين، والورع له مصنفات متعددة منها: أحكام القرآن، وشرح الجامع، لمحمد بن الحسن، وشرح مختصر الكرخي، ومختصر الطحاوي، وشرح الأسماء الحسنى، وله كتاب في أصول الفقه، وغيرها، وتوفي ببغداد سنة (370 هـ).

راجع: الطبقات السنية: 1/ 477، والجواهر المضيئة: 1/ 84، والفوائد البهية: ص/ 27، وطبقات المفسرين: 1/ 55، وتاج التراجم: ص/ 6، وشذرات الذهب: 3/ 71.

(2)

واختاره بعض الحنابلة.

راجع: الخلاف في المسألة: البرهان: 1/ 265، واللمع: ص/ 9، والتبصرة: ص/ 64، وأصول السرخسي: 1/ 45، والإحكام لابن حزم: 1/ 301، والمعتمد: 1/ 135، والعدة: 1/ 296، والمستصفى: 2/ 10، والمنخول: ص/ 121، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 420، والمسودة: ص/ 27، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 144، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 92، وفتع الغفار: 1/ 42، ومختصر الطوفي: ص/ 90، ومختصر البعلي: ص/ 102، والقواعد لابن اللحام: ص/ 180، وإرشاد الفحول: ص/ 106.

(3)

آخر الورقة (57/ ب من أ).

(4)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 217

ويلزم: أن لا يقضى بالتأخير، وهو خلاف الإجماع أيضًا.

قالوا: المأمور به هو فعل المكلف، والوقت ليس من ذاتياته، بل من ضرورياته، فاختلاله لا يؤثر في سقوط المأمور به.

قلنا: كذلك، لكن قيد للفعل، والمقيَّد من حيث إنه مقيّد ينتفى بانتفاء قيده، ولذلك لم يجز تقديمه على الوقت اتفاقًا.

قالوا: الوقت للعبادة كالأجل للدين، فكما لا يسقط الدين بانقضاء الأجل لا تسقط العبادة بانقضاء الوقت.

قلنا: ليس كالأجل من كل وجه، وإلا لجاز التقديم عليه مثله، ولم يقل به أحد.

قالوا: فيم أوجبتم القضاء؟

قلنا: بأمر جديد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:"من نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"(1).

قالوا: فيكون أداء.

قلنا: بل قضاء: لأنه استدراك لما سبق وجوبه.

(1) الحديث رواه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه عن أبي هريرة ورواه الدارمي عن أنس، والحديث له سبب قيل فيه بعد غزوة خيبر.

راجع: صحيح مسلم: 2/ 138، وسنن أبي داود: 1/ 103، وسنن النسائي: 1/ 398، وسنن ابن ماجه: 1/ 137، وسنن الدارمي: 1/ 280، وتلخيص الحبير: 1/ 155، 185، وسلسلة الأحاديث الصحيحة: 1/ 136.

ص: 218

هذا، وقد أفاد المولى المحقق عضد الملة والدين: أن منشأ الخلاف هو أن المقيد مفهوم، مركب من المطلق، والمقيد، فهما سيان (1).

فمن ذهب إلى الأول: زعم أن انتفاء أحد الأمرين لا يستلزم انتفاء الآخر.

ومن ذهب إلى الثاني: فلأن الامتياز إنما هو في الذهن، وأما نظرًا إلى الوجود الخارجي، فأمر واحد كالماهية المركبة من الجنس، والفصل، فإنها أمر واحد في الوجود الخارجي، وهذا هو الحق، كما بُيِّن في موضعه.

قوله: "والأصح أن الإتيان بالمأمور به يستلزم الإجزاء".

أقول: [الإجزاء](2) يُفَسر تارة: بحصول الامتثال به على معنى أن كون الفعل مجزئًا، هو حصول الامتثال به، وتارة: بسقوط القضاء (3).

والمختار - على كلا التفسيرين -: أن الإتيان بالمأمور به على وجهه - أي: كما أمر به الشارع - يستلزم الإجزاء خلافًا لعبد الجبار من المعتزلة، إذا فُسِّر بسقوط القضاء.

لنا - على ما اختاره المصنف، وهو الأصح -: لو لم يستلزم الإتيان المذكور الإجزاء، بمعنى سقوط القضاء، لما حصل امتثال أبدًا.

(1) راجع: شرح العضد على المختصر: 2/ 92.

(2)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

راجع: تيسير التحرير: 2/ 238، وتشنيف المسامع: ق (52/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 383، وهمع الهوامع: ص/ 156، وإرشاد الفحول: ص/ 105، وشرح الكوكب المنير: 1/ 469.

ص: 219

بيان الملازمة: أنه إذا أتى به، ولم يوجب الإجزاء، فيجب عليه مرة أخرى، إذ/ ق (59/ أمن ب) الفرض: أن الإتيان به على الوجه الذي أمر به الشارع لم يسقط القضاء، فلا فرق بين الإتيان به مرة، أو أكثر، واللازم باطل ضرورة، بل إجماعًا.

قالوا: لو كان مسقطًا للقضاء، لكان صلاة من ظن أنه متطهر صحيحة، مسقطة للقضاء إذ ظن الطهارة كاف في جواز الإقدام، واللازم منتف.

قلنا: ممنوع إذ المسألة مختلف فيها، إذ قال بالسقوط بعض العلماء، وإن سلم أنه يجب القضاء، فالمقضي واجب مستأنف، وتسميته قضاء مجاز، هكذا أجاب المولى المحقق عضد الملة والدين (1). وفيه نظر: لأنه بعد تبين أن المصلي لم يكن على طهارة، فصلاته قضاء باتفاق الفقهاء.

والحق - في الجواب -: أن صلاة الظان إذا تبين خطأ ظنه لم يكن على الوجه الذي أمر به الشارع، فلو استمر ظنه كان غير آثم بما فعل.

والحاصل: أنه على تقدير استمرار الظن لا قضاء، وعلى تقدير عدمه ليس من البحث: لأنه لم يأت بالمأمور به على الوجه الذي أوجبه الشارع، وهذا/ ق (58/ أمن أ) جواب في غاية الحسن.

(1) راجع: شرحه على المختصر: 2/ 92، والروضة: ص/ 31، والإحكام للآمدي: 1/ 130، ونهاية السول: 1/ 75، والموافقات: 1/ 197، وفواتح الرحموت: 1/ 121، وشرح الورقات للمحلى: ص/ 30، ومختصر الطوفي: ص/ 33، والمدخل إلى مذهب أحمد: ص/ 69، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 76.

ص: 220

وفي عبارة المصنف نظر من وجهين: الأول: أنه لم يقيد الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به الشارع، ولا بد منه.

وربما يجاب - عنه -: بأنه إذا أوقعه المكلف على غير الوجه الذي أوجبه الشارع لا يكون آتيًا بالمأمور به.

والثاني: أن الأصح إنما هو على التفسير الثاني للإجزاء، وهو إسقاط القضاء.

وأما على التفسير الأول: فلا خلاف لأحد فيه، ولا إشعار لكلامه بذلك.

[قوله: ](1)"وأن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به".

يريد أن زيدًا إذا قال - لعمرو مثلًا -: مر خالدًا بكذا، هل يكون زيد آمرًا لخالد، أو لا؟ فيه خلاف:

ومختار المصنف: أنه ليس آمرًا، وهو الحق (2) لوجهين:

الأول: أنه يلزم أن يكون القائل - لغيره -: مر عبدك بكذا متعديًا لكونه آمرًا للعبد بدون إذن سيده، ولم يقل به أحد.

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

وهو الذي صححه الامام الرازي، والقرافي، وابن الحاجب، وابن النجار وابن عبد الشكور، وغيرهم.

راجع: المستصفى: 2/ 13، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 426، والإحكام للآمدي: 2/ 44، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 148، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 93، وفواتح الرحموت: 1/ 390، والقواعد لابن اللحام: ص/ 190، وتيسير التحرير: 1/ 361، وإرشاد الفحول: ص/ 107.

ص: 221

الثاني: أنه لو قال - بعد ذلك الأمر للعبد -: لا تفعل يكون متناقضًا، وهو خلاف الإجماع.

قالوا: إذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إن الله يأمركم بكذا، يصدق أن الله هو الآمر.

قلنا: لأنه مُبَلِّغ عنه، وكذا الوزير إذا أمر عن الأمير، وكذا كل منا إذا أمر بأوامر الشرع، فتأمل (1)!

قوله: "وأن الآمر بلفظ يتناوله داخل فيه الآمر". إذا كان داخلًا تحت عموم اللفظ، يدخل في الحكم على الأصح نحو: قول السيد - لعبده -: أكرم مَنْ أحسن إليك، يدخل السيد في عموم مَنْ.

والحق: أن هذا من أبحاث العام، وسيأتي تحقيقه.

قوله: "وأن النيابة تدخل المامور به". أي: العبادة، أي: قد تدخل إلا إذا منع مانع، وقد فصل في الفروع موضع الصحة وعدمها، يطلب هناك (2).

قوله: "مسألة: قال الشيخ والقاضي: الأمر النفسي بشيء معين نهيٌ عن ضده الوجودي".

(1) قال الإمام القرافي: "لأن الأمر بالأمر لا يكون أمرًا، لكن علم من الشريعة أن كل من أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر غيره، فإنما هو على سبيل التبليغ، ومتى كان على سبيل التبليغ صار الثالث مأمورًا إجماعًا". شرح تنقيح الفصول: ص/ 149.

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (53/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 384، وهمع الهوامع: ص/ 157.

ص: 222

أقول: قد اختلف في الأمر هل هو نهي عن ضده، أم لا؟

ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري، والقاضي في أحد قوليه: إلى أنه نهيٌ عن ضده (1).

والقاضي - في قوله الآخر -، وعبد الجبار، وأبو الحسين من المعتزلة، والإمام، والآمدي: ليس عينه، ولكن يتضمنه (2).

إمام الحرمين، والغزالي: لا عينه، ولا يتضمنه، وهو مختار المحققين (3)، وسوف نستدل عليه. والمصنف حكى المذاهب من غير اختيار.

(1) بناء على أن الأمر لا صيغة له، وإنما هو معنى قائم بالنفس، فالأمر هو نفس النهي من هذا الوجه عند الأشاعرة. واختاره الكعبى وهو مذهب الحنابلة لكن لا على أن الأمر لا صيغة له، بل بناء على اختيارهم من أن مطلق الأمر للفور كما سبق ذلك عنهم، فهو نهي عن ضده من طريق المعنى.

راجع: اللمع: ص/ 11، والتبصرة: ص/ 90، والمعتمد: 1/ 59، 97، والعدة: 2/ 368 - 370، والمسودة: ص/ 49، ومختصر الطوفى: ص/ 83، ومختصر البعلي: ص/ 101، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 128، والقواعد لابن اللحام: ص/ 183، وشرح الورقات للمحلي: ص/ 91.

(2)

واختاره ابن الصباغ، وأبو الطيب، والشيرازي من الشافعية، والسرخسي، وابن نجيم، وغيرهم من الحنفية، ونقل عن أكثر الفقهاء، واختاره ابن الحاجب.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 94، والتبصرة: ص/ 89، والمعتمد: 1/ 97، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 334 - 335، والإحكام للآمدي: 2/ 35 - 36، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 85، والتوضيح لمتن التنقيح: 2/ 238، وفتح الغفار: 2/ 60، وتيسير التحرير: 1/ 363، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 386.

(3)

وهو منقول عن الْكِيا الهراس، والآمدي في قوله الآخر. =

ص: 223

وقال طائفة (1) / ق (59/ ب من ب) من المعتزلة: في الوجوب يتضمن، لا في الندب.

أما اللفظي، فليس عين المنهي عنه، ولا يتضمنه (2).

وهل النهي عن الشيء أمر بضده، أم لا؟

قيل: الخلاف هو الخلاف. وقيل: النهي يتضمن دون الأمر (3).

هذا ضبط المذاهب في المسألة. ولا بد - أولًا - من تحرير محل النزاع ليُعْلَم توارد السلب، والإيجاب على محل واحد.

فنقول: ليس النزاع في أن مفهوم الأمر هو مفهوم النهي، ولا أن صيغة الأمر هو صيغة النهي، إذ فساده واضح لا يخفى على عاقل، بل

= راجع: البرهان: 1/ 250 - 252، والمستصفى: 1/ 82، والمنخول: ص/ 114، والاحكام للآمدي: 2/ 36، والإحكام لابن حزم: 1/ 314، وتشنيف المسامع: ق (53/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 158، وإرشاد الفحول: ص/ 102.

(1)

آخر الورقة (59/ ب من ب).

(2)

راجع: المعتمد: 1/ 97، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 334، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 125، ومختصر البعلي: ص/ 101.

(3)

راجع: اللمع: ص/ 14، وأصول السرخسي: 1/ 96، والبرهان للجويني: 1/ 250، والإحكام للآمدي: 2/ 36، والمسودة: ص/ 81، والمختصر لابن الحاجب: 2/ 88، والقواعد لابن اللحام: ص/ 183، ومختصر البعلي: ص/ 102، وتشنيف المسامع: ق (53/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 388، وهمع الهوامع: ص/ 159.

ص: 224

النزاع في أن إيجاب الشيء، أو ندبه هل هو بعينه تحريم ضده، أو يتضمنه، أو لا؟ حتى إذا قال: تحرك. هل هو بمثابة لا تسكن، أم لا دلالة له عليه؟

لنا - على المختار، وهو أنه لا نهي عنه، ولا متضمن له -: أن لو كان كذلك لزم تعقل الضد، والكف عنه، واللازم منتف ضرورة: لأن نقطع بأن الآمر بالصلاة لا يلزمه تعقل الزنى، والكف عنه لدى الأمر بالصلاة.

قيل: ما ذكرتموه إنما يتأتَّى في الأضداد الجزئية: كالأكل، والشرب، ونحوهما بالنسبة إلى الصلاة، فإن تعقلها لا يلزم.

وأما الضد (1) / ق (58/ ب من أ) العام، أي: الفعل المنافي، فتعقله ضروري، فإن الفعل المطلوب إنما يطلب من المأمور إذا كان متلبسًا بضده، فتعقله إذ ذاك ضروري.

والجواب: أنه لا يلزم اشتغاله بالضد حين الطلب: لجواز أن يكون مشتغلًا بالفعل المطلوب في الحال، ويؤمر به لتوجه الطلب في الأمر إلى الاستقبال.

ولو سلم، فلا يلزم تصور الضد للعلم بالكف عن المطلوب، ولا ملازمة بين العلم بالكف، وتصور الضد، فتأمل!

(1) آخر الورقة (58/ ب من أ).

ص: 225

وهنا أبحاث:

الأول: أن التعيين - في قولهم -: الأمر بشيء معين، يراد به أعم من الشخصي، واحترز به عن المخير، فإنه ليس نهيًا عن ضده كذلك في الشروح (1).

الثاني: أن التقييد بالنفسي لإخراج الأمر اللفظي، وصرح به المصنف بعده، مما لا معنى له بعد تحرير محل النزاع: لأن الإيجاب، أو الندب لا يتصور إلا في النفس.

الثالث: أن تقييد الضد بالوجودي لغو إذ الضد لا يكون إلا وجوديًا: لأن الوجود مأخوذ في تعريفه.

القائلون: بأن الأمر نفس النهي عن ضد المأمور به، قالوا: قولنا - لزيد -: اسكن مثل قولنا له: لا تتحرك لا اختلاف إلا من جهة العبارة: لأن السكون عبارة عن كون الجسم في آنين في مكان واحد.

ولا ريب: أن [قولنا](2): اسكن، أو: لا تتحرك، يدل صريحًا عليه، واختلاف العبارة لا اعتبار به.

وأيضًا لو كان مغايرًا لكان إما مثلًا، أو مخالفًا، أو ضدًا.

(1) راجع: الإبهاج: 1/ 124، ورفع الحاجب:(1/ ق/ 211 ب - 212/ أ) والمحلى على جمع الجوامع: 1/ 388، وتشنيف المسامع: ق (53/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 159، والتبصرة: ص/ 89.

(2)

في (ب): "قلنا".

ص: 226

وجه الحصر: أن الشيئين إما أن يتساويا في الماهية، وصفاتها اللازمة لها، وهما المثلان كزيد، وعمرو، وإن لم يتساويا، فإما أن يتباينا بذاتهما، أو لا.

فالأول: [الضدان](1) كالسواد، والبياض.

والثاني: الخلافان كالسواد، والحلاوة، والأقسام بأسرها باطلة:

لأنهما لو كانا مثلين، أو ضدين لم يجتمعا: لأن المثلين، والضدين لا يجتمعان، لكن اجتماع الأمر بالشيء، والنهي عن ضده ضروري جوازه.

ولو كانا خلافين لجاز اجتماع كل منهما مع الآخر، وضده كالسواد، فإنه يجتمع مع الحلاوة، والحموضة، لكن/ ق (60/ أمن ب) الأمر بالشيء لا يجامع ضد النهي عن ضده: لأن ضد النهي عن ضده هو الأمر بضده، وذلك محال، لأنه أمر بفعل الشيء وضده في زمان واحد، وذلك يستلزم تجويز الجمع بين الضدين.

الجواب: نختار من الأقسام المذكورة الثالث.

قولكم: لو كانا خلافين لجاز وجود كل، مع ضد الآخر، أو خلافه.

قلنا: الملازمة ممنوعة إذ ليس كل مخالف يجوز اجتماعه مع ضد مخالفه، ولا كل مخاف يجوز اجتماعه مع مخالف مخالفه، فإن المتضايفين يتخالفان مع التلازم بينهما، وإذ كان الخلافان متلازمين استحال اجتماع أحدهما مع ضد الآخر لاستلزامه اجتماع الضدين.

(1) في (أ): "الضد".

ص: 227

وإن أراد أن طلب الفعل نفسه، أي: نفس الفعل المأمور به، ترك لضده، رجع النزاع لفظيًا: لأن الذي سماه القوم طلبًا سماه القاضي نهيًا، مع توقف مثله على اللغة.

وبعد اللتيا والتي، يكون تعبيرًا عن معنى واحد بلفظين مختلفين.

وإنما تركنا الجواب عن دليل الأول: لأنه يعلم من الثاني، فتأمل!

القائلون: بالتضمن استدلوا بوجهين:

الأول: أمر الايجاب طلب فعل يذم تاركه اتفاقًا، فالذم إما على فعل الضد، أو على الكف عن المأمور به، وكل منهما/ ق (59/ أمن أ) ضد للفعل المأمور به، فأيهما كان يستلزم النهى، إذ لا ذم [عليه](1) مالم ينه عنه.

قلنا: فرق بين حصول الشيء، وتصوره للإيجاب، وإن لم ينفك عن الذم على الكف عنه، أو فعل ضده، ولكن لا يلزم تعقل ذلك الكف، أو الضد لدى الايجاب، فلا تضمن إذ لا استلزام في التعقل.

قالوا - ثانيًا -: فعل المأمور به واجب، ولا يتم هذا الواجب إلا بترك ضده، والترك هو الكف، والكف هو معنى النهي لا العدم لأنه غير مقدور.

أجاب المولى المحقق عضد الملة والدين: بأن هذا مبني على أن كل ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب، وذلك ممنوع، إلا في الشرط الشرعي (2).

(1) في (أ): "على".

(2)

راجع: شرح العضد على المختصر: 2/ 87 - 88. وغالبية الأدلة، والردود التي ساقها الشارح في هذه المسألة أخذها عنه.

ص: 228

قلت: القائلون: بأن كل ما لا يتم الواجب إلا به واجب، سواء كان شرعيًا، أو عقليًا، أو عاديًا لهم أدلة على ذلك.

فالأولى - في الجواب -: أن يقال: سلمنا أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب، ولكن الكلام فيه من القبيل الأول إذ لا يلزم من كونه مقدمة الواجب تعقله، لأن حصول تلك المقدمة شرط لحصول الواجب؛ لأن تعقله شرط التعقل الواجب، وهذا في غاية الظهور والحُسْنِ.

الفارقون - بين الوجوب، والندب، وإليه ذهب الإمام في المحصول -: أن المنع من الترك من ضروريات الوجوب دون الندب (1).

وجوابه هو الجواب الذي تقدم في التضمن، وهو أن المنع من الترك من ضرورات الوجوب، لكن الآمر لا يلزمه تعقله، والكلام في هذا لا في الحصول.

[وأيضًا يلزم إبطال المباح إذ ما من وقت إلا وفيه فعل مندوب، لأن استغراق الأوقات بالمندوبات.

الجواب: مندوب، منع ذلك، فإن بعض الأوقات تكره فيها العبادات بأسرها] (2).

الذاهبون - إلى أن النهي عن الشيء عين الأمر بضده -: وقد استدلوا بما استدل به القاضي في الأمر، وقد علم جواب ذلك في تقرير (3)

(1) راجع: المحصول: 1/ ق/ 2/ 334 - 335.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

آخر الورقة (60/ ب من ب).

ص: 229

/ ق (60/ ب من ب) مذهب القاضي، واستدلوا هنا - أيضًا - بأن النهي طلب ترك فعل، والترك فعل الضد؛ لأن الترك. بمعنى العدم غير مقدور، فيكون النهي عين الأمر بالضد.

الجواب - عنه -: لو صح ما ذكرتم لكان فعل الزنى واجبًا لكونه ضد اللواط، وبالعكس، أيضًا، ولم يقل به عاقل، ويلزم ارتفاع المباح، إذ كل مباح ضد للزنى مثلًا، ولا قائل به سوى الكعبي [وقد أبطلناه (1)](2).

وأيضًا: المطلوب بالنهي الكف لا الأضداد الجزئية، كما ادعيتم إذ المدعَى أن كل نهي عن شيء مخصوص أمر بضده المخصوص كقولنا: لا تتحرك [أهل](3) هو عين الأمر بالسكون، أم لا؟ لا مطلق الضد كالأكل، والشرب مثلًا.

وإن قلتم: نريد بالضد نفس الكف: لأنه فعل محقق، فيكون ضدًا، رجع النزاع لفظيًا لأنا نسمي طلب الكف نهيًا، وطلب غيره أمرًا، وأنتم لم تفرقوا.

القائلون: بالتضمن - أي: الذين ذهبوا إلى أن النهي عن الشيء يتضمن الأمر بضده - استدلوا: بأن المطلوب من النهي هو الكف، ولا يحصل إلا بفعل ضد من أضداد المنهي عنه، فكما لا يتم المطلوب من الأمر بالشيء إلا بترك جيع أضداده، لا يتم في النهي إلا بوجود أحد أضداد المنهي عنه.

(1) سبق عند الكلام على المباح: 1/ 325 - 326.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

سقط من (أ).

ص: 230

الجواب - كما تقدم - من الإلزام الفظيع، وهو وجوب الزنى في النهي عن اللواط: لأنه أحد الأضداد، وبانتفاء المباح، كما تقدم، والله أعلم.

قوله: "الأمران غير متعاقبين، أو بغير متماثلين غَيْرانِ".

أقول: إذا ورد من الشارع أمران، فإن لم يتعاقبا، بأن وقع تراخ بين الأول والثاني، فالثاني غير الأول، سواء كان المأمور بهما متماثلين، أو متخالفين، وإن تعاقبا، لكن لم يكن الأمر بمتماثلين كقوله: صل، صم، فكذلك (1) / ق (59/ ب من أ).

وإذا تعاقبا، وكان الأمر بمتماثلين، ولم يمنع من التكرار مانع مثل:

التعريف - في قولنا -: صل ركعتين، صل الركعتين.

أو قرينة حالية مثل قولنا: اسق زيدًا، اسق زيدًا، فإن المرة كافية فيه عادة، ولا يكون الثاني مذكورًا بطريق العطف.

قيل: غيران يحمل الكلام على التأسيس: لأن موضوعه للإفادة، فلا يحمل على التأكيد الذي هو موضوع للإعادة.

وأيضًا التأسيس أكثر في كلام العرب من التأكيد، فيحمل الفرد المتنازع فيه على الأعم الأغلب.

وقيل: يحمل على التأكيد: لأن التأسيس، وإن كان في الكلام أكثر إلا أن التكرار في التأكيد أكثر

(1) آخر الورقة (59/ ب من أ).

ص: 231

وأيضًا الأصل براءة الذمة بواحد، والتأسيس يؤدي إلى خلاف الأصل، فيكون التأكيد راجحًا. وقيل: بالوقف للاحتمالين.

وإن كان الثاني معطوفًا:

قيل: التأسيس راجح لقلة التأكيد، مع العاطف.

وقيل: التأكيد لتماثل المتعلقين، وهذا ضعيف. ثم إن رجح التأكيد في صورة العطف بعادي مثل التعريف وقع التعارض، فيصار إلى الترجيح، فإن وجد مرجح آخر، فذاك، وإلا وجب التوقف (1).

وقد ظهر من هذا التقرير: أن قول المصنف: "فإن رجح التأكيد بعادي قدم" ليس على ما ينبغي: لأن العادي معارض بظهور العطف في المغايرة، فهو وحده لا يصلح مرجحًا، هذا إذا لم يمنع من التكرار مانع عقلي نحو: اقتل زيدًا، اقتل زيدًا، أو شرعي نحو: اعتق عبدك، اعتق عبدك، فإن التأكيد حتم/ ق (61/ أمن ب) في الصورتين.

(1) راجع الأقوال التي ذكرها الشارح في المسألة، وأصحابها، مع أدلتهم:

التبصرة: ص/ 50، واللمع: ص/ 9، والعدة: 1/ 280، والمعتمد: 1/ 160 - 164، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 253 - 260، والإحكام للآمدي: 2/ 84 - 85، والمسودة: ص/ 23 - 24، وشرح تنقيح الفصول: ص / 131 - 132، والمختصر: 2/ 94، وفواتح الرحموت: 1/ 391 - 392، وتيسير التحرير: 1/ 362، ومختصر البعلي: ص /103، والقواعد لابن اللحام: ص/ 173، وتشنيف المسامع: ق (54/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 389، وهمع الهوامع: ص/ 159 - 160، وإرشاد الفحول: ص/ 108 - 109.

ص: 232