المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التخصيص قوله: "التخصيص: قصر العام على بعض أفراده". أقول: التخصيص اصطلاحًا - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٢

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌ ‌باب التخصيص قوله: "التخصيص: قصر العام على بعض أفراده". أقول: التخصيص اصطلاحًا

‌باب التخصيص

قوله: "التخصيص: قصر العام على بعض أفراده".

أقول: التخصيص اصطلاحًا ما ذكره المصنف، وهذا يتناول ما أريد به جميع المتميزات (1)، ثم أخرج عنها البعض كقولك: جاء الرجال إلا زيدًا، وما لم يرد إلا البعض ابتداء كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فإن المراد غير الحوامل.

والشيخ ابن الحاجب عرفه بأنه: "قصر العام على بعض المسميات"(2).

(1) راجع تعريف التخصيص لغة واصطلاحًا: مختار الصحاح: ص/ 177، والمصباح المنير: 1/ 171، وكشف الأسرار: 1/ 306، وفواتح الرحموت: 1/ 100 وتيسير التحرير: 1/ 272، وشرح تنقيح الفصول: ص 51، والحدود للباجي: ص/ 44، واللمع: ص/ 18، والبرهان: 1/ 400، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 7، والإحكام للآمدي: 2/ 115، ونهاية السول: 2/ 374، والعدة: 1/ 155، ومختصر الطوفي: ص/ 107، ومختصر البعلي: ص/116، والمعتمد: 1/ 234، وإرشاد الفحول: ص/ 142، وتفسير النصوص: 2/ 78، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 206.

(2)

راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 129.

ص: 309

وإنما عدل المصنف - على ما في بعض الشروح (1) -: لأن مسمى العام واحد، وهو كل الأفراد، وهذا وهم منه: لأن المراد بالمسميات هي الآحاد التي اشتركت في أمر، كالرجال مثلًا، فإنها مشتركة في معنى الرجل، فهي مسميات ذلك الأمر المشترك فيه لا مسميات (2) / ق (67/ ب من أ) العام، ولذلك يصدق على كل واحد من تلك الآحاد أنه ذلك الأمر المشترك، مع توجه الاعتراض على عبارة المصنف من وجهين:

أحدهما: أن المتبادر من الأفراد هي الجزئيات كزيد، وعمرو، وخالد، فإنها أفراد الإنسان، أي: جزئياته، فيصدق على كل واحد أنه إنسان بخلاف العام، فإنه لا يصدق على تلك الأفراد.

الثاني: أن أفراد الجمع المستغرق هي الجموع لا الوحدان، فيلزم أن يكون معنى العموم في الرجال تناوله جميع الجموع لا الوحدان، والمصنف لم يقل به، وإن صار إلى التأويل بأن المراد هي الآحاد باعتبار أمر اشتركت فيه على ما ذكرناه في توجيه كلام الشيخ، فلا وجه للعدول عنه.

واعلم: أن التخصيص كما يطلق على قصر العام على بعض أفراده، كذلك يطلق على قصر اللفظ على بعض أجزائه، أي: أجزاء مدلوله، كقولك: لفلان عندي عشرة إلا واحدًا، فإنه تخصيص، والعشرة ليس

(1) في هامش (أ)"أي: المحلي". راجع شرحه على جمع الجوامع: 2/ 2.

(2)

آخر الورقة (67/ ب من أ).

ص: 310

عامًا، مصطلحًا، وإليه أشار ابن الحاجب بقوله:"ويطلق التخصيص على قصر اللفظ، وإن لم يكن عامًا كعشرة"(1).

وفى بعض الشروح (2) نقل عن المصنف كلام غريب، وهو أنه اعترض عليه بأسماء العدد، وقد قلت - في تعريف العام -: إنه الذي يستغرق جميع ما يصلح له من غير حصر، فأسماء العدد خارجة عن تعريف العام، مع أن التخصيص موجود فيها.

أجاب: بأن المقصود شرطه أن يكون متعددًا، وأسماء العدد ليس فيها تعدد، بل التعدد إنما هو في المعدود.

وهذا كلام في غاية السقوط، إذ لفظ من، وما، عام بالاتفاق، مع عدم التعدد في اللفظ، وأي دخل للفظ في عموم المعنى، وعدمه؟ ، فتأمل.!

قوله: "والقابل له حكم ثبت لمتعدد".

أقول: يريد أن المقصود في الحقيقة، هو الحكم المتعلق بالمتعدد، إذ ربما يتوهم أن الرجال في قولك: جاءني الرجال، هو المقصود نظرًا إلى ظاهر تعريف التخصيص بأنه قصر العام على بعض أفراده، ولولا ما نقل عن المصنف، كان يمكن حمل كلامه هذا على ما يشمل أسماء العدد إذ المتعدد صادق على العام، وعلى أسماء العدد (3).

(1) راجع: مختصر ابن الحاجب 2/ 130.

(2)

هو الزركشي في تشنيف المسامع: ق (62/ ب).

(3)

راجع: المحلى على جمع الجوامع: 2/ 2 - 3، والتمهيد: ص/ 372، وهمع الهوامع: ص/ 184.

ص: 311

ثم التخصيص جائز إلى الواحد إن لم يكن لفظ العامّ جمعًا (1)، وإلى الثلاثة عند الجمهور، إن كان جمعًا، وقيل: إلى الاثنين بناء على أنه أقل الجمع.

وقيل: إلى الواحد مطلقًا، وهو الظاهر الجاري على القانون إذ أفراد العام هي الوحدان مفردًا كان العام، أو جمعًا.

وقيل: لا يجوز إلى ما دون أقل الجمع مطلقًا مفردًا كان العام، أو جمعًا (2)، وإليه أشار بقوله: وشذ المنع مطلقًا. وإنما كان شاذًّا لبعد اعتبار بقاء الجمع في المفرد.

(1) يعني أن العام إن كان مفردًا، كمن، والألف واللام نحو: اقتل من في الدار، واقطع يد السارق، يجوز التخصيص إلى أقل المراتب، وهو واحد لأن الاسم يصلح لها جميعًا، أما إذا كان بلفظ الجمع كالمسلمين ففيه الخلاف المذكور في الشرح فاختار المصنف: أنه يجوز إلى أقل الجمع، إما ثلاثة، أو اثنين على الخلاف المعروف في ذلك، وهو مذهب القفال الشاشي، وابن الصباغ.

وذهب أكثر الحنابلة، وهو المختار عند الحنفية، وحكاه إمام الحرمين عن معظم أصحاب الشافعي، وبنحو ذلك قال ابن السمعاني، والإسفراييني، وصححه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي بأنه يجوز إلى الواحد.

راجع: اللمع: ص/ 18، والتبصرة: ص/ 125، والعدة: 2/ 544، والتلخيص لإمام الحرمين: ق (71/ أ) والمعتمد: 1/ 236، والمسودة: ص/ 116 - 117، ونهاية السول: 2/ 382، والتمهيد: ص/ 376، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 224، والعضد على المختصر: 2/ 131، ومختصر البعلي: ص/ 116، وفتح الغفار: 1/ 108، وفواتح الرحموت: 1/ 306، وتيسير التحرير: 1/ 326.

(2)

واختاره أبو بكر الرازي، والبزدوي، والنسفي، وصدر الشريعة من الحنفية، والغزالي من الشافعية، والمجد بن تيمية من الحنابلة، وغيرهم. =

ص: 312

وقيل: لا يجوز مطلقًا إلا أن يبقى المخرج منه غير محصور (1).

وقيل: إلا أن [يبقى (2)] قريب من مدلول العام قبل التخصيص (3).

وقيل: لا يجوز التخصيص مطلقًا: لأنه يوجب الكذب في الخبر، والبداء (4) في الإنشاء.

والجواب - عن هذا -: أن الكذب، والبداء إنما يلزم لو حكم قبل التخصيص على العام، وليس (5) / ق (68/ ب من ب) كذلك إذ الحكم إنما هو بعد الإخراج.

قوله: "والعام المخصوص مراد عمومه تناولًا لا حكمًا".

= راجع: فتح الغفار: 1/ 108، وفواتح الرحموت: 1/ 306، والمسودة: ص/ 117، والمستصفى: 2/ 91.

(1)

واختاره أبو الحسين البصري، وأكثر المعتزلة، والفخر الرازي، وحكي عن الكثير.

راجع: المعتمد: 1/ 236، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 15 - 16.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بالهامش.

(3)

وذكر الآمدي بأن إمام الحرمين مال إلى هذا القول.

راجع: الإحكام له: 2/ 118، وإرشاد الفحول: ص/ 144، وتشنيف المسامع: ق (63/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 3، وهمع الهوامع: ص/ 185.

(4)

البداء: ظهور الرأي بعد أن لم يكن، والبدائية: هم الذين جوزوا البداء على الله تعالى عما يقولون علوًا كبيرًا. راجع: التعريفات: ص/ 43.

(5)

آخر الورقة (68/ ب من ب).

ص: 313

أقول: قد سبق في صدر البحث أن العام قد يتناول جميع الأفراد، ثم يخرج عنها البعض كقولك: جاءني الرجال إلا زيدًا، بدليل الاستثناء، إذ لو لم يتناول الرجال زيدًا لم يصح الاستثناء.

وقد يراد بلفظ العام الخصوص ابتداء كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وهذا القسم الثاني/ ق (68/ أمن أ) العموم فيه ليس مرادًا، لا تناولًا ولا حكمًا، بل هو كلي بحسب المفهوم لتناول مفهومه أفرادًا كثيرة، وقد استعمل في جزئي، ولهذا كان مجازًا قطعًا.

وأورد عليه (1): بأن قوله: كلي، مخالف لما تقدم منه بأن العام كلية لا كلي. وليس الإيراد بشيء: لأن القول بالكلية إنما هو إذا كان العام يراد به جميع الأفراد، وأما إذا أريد به بعض الأفراد، فلا شك في أنه مفهوم كلي أريد به بعض ماصدقاته. والجزئي - في عبارة المصنف - يجب حمله على الجزئي الإضافي، وهو كل خاص دخل تحت عام لا الجزئي الحقيقي الذي يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة: لأن إرادة الخصوص لا تستلزم إلا الجزئي الإضافي.

وقد غلط فيه بعض (2) الشراح، فحمله على الحقيقي، فتأمل!

(1) جاء في هامش (أ): "المحلي" يعني هو صاحب الاعتراض على المصنف.

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 5.

(2)

هو الزركشي في تشنيف المسامع ق (63/ أ).

ص: 314

قوله: "والأول الأشبه حقيقة".

أقول: الأول، وهو العام الذي لم يرد به الخصوص ابتداء، بل أريد العموم تناولًا - ثم أخرج البعض عن الحكم - قد اختلف فيه اختلافًا كثيرًا:

فقيل: حقيقة في الباقي، واختاره المصنف وفاقًا لوالده، وهو المختار عندي، وقد نقل الغزالي: أنه مختار الشافعي، وأصحابه (1).

أبو بكر الرازي من الحنفية: إن كان الباقى غير محصور، فحقيقة (2)، وإلا فلا.

وطائفة منهم [الفاضل](3) صدر الشريعة من الحنفية: إن كان المخصص غير مستقل، فحقيقة، وإلا فلا (4).

(1) ونقله أبو المعالي عن جمهور الفقهاء، وبه قال أكثر الحنابلة، والحنفية كالسرخسي، وغيره، ورجحه الغزالي في المنخول.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 144، واللمع: ص/ 18، والتبصرة: ص/ 122، والبرهان: 1/ 410، والعدة: 2/ 533، والإحكام لابن حزم: 1/ 373، والمسودة: ص/ 116، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 18، والمنخول: ص/ 152، والروضة ص/ 124، وكشف الأسرار: 1/ 307، وفواتح الرحموت: 1/ 311، وتيسير التحرير: 1/ 308، ومختصر البعلي: ص/ 109، وإرشاد الفحول: ص/ 135.

(2)

راجع: كشف الأسرار: 1/ 307، وفواتح الرحموت: 1/ 311.

(3)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(4)

واختاره القاضي الباقلاني، وأبو الحسين البصري، والإمام فخر الدين الرازي، وغيرهم. غير أن القاضي يعتبره حقيقة إن خص بشرط، أو استثناء لا صفة.

راجع: المعتمد: 1/ 262 - 263، والمحصول: 1/ ق / 3/ 19، وتيسير التحرير: 1/ 308، وتشنيف المسامع: ق (63/ أ) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 6، وهمع الهوامع: ص/ 186.

ص: 315

إمام الحرمين: باعتبار التناول حقيقة، وباعتبار الاقتصار على البعض مجاز (1).

والأكثر: مجاز مطلقًا (2).

وقيل: مجاز، مع الاستثناء حقيقة في غيره (3).

وقيل: مجاز إن خص بغير اللفظ كالعقل، والعادة (4).

ونحن نذكر الدليل - على المختار - وهو أنه حقيقة في الباقي، ونشير إلى الجواب عن شبهة المخالف، فنقول: إذا قلنا: جاءني الرجال إلا زيدًا، فقد أردنا بالرجال جميع الأفراد قطعًا، وإلا لم يكن مستغرقًا، فلا يصح الاستثناء، وهو باطل إجماعًا، وإذا كان المراد الأفراد بأسرها، فقد

(1) راجع: البرهان: 1/ 411.

(2)

لأنه حقيقة في الاستغراق، فلو كان حقيقة في البعض أيضًا لزم الاشتراك وهذا مذهب الجبائي أبى علي، وابنه أبي هاشم من المعتزلة، واختاره ابن الحاجب والصفي الهندي، والقرافي، والبيضاوي، ومال إليه الغزالي في المستصفى ورجحه الآمدي، وبعض الأحناف، وبعض الحنابلة.

راجع: المعتمد: 1/ 262، والمستصفى: 2/ 54 - 56، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 18، والإحكام للآمدي: 2/ 71 - 72، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 226، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 106، ونهاية السول: 2/ 394.

(3)

وهو مذهب القاضي عبد الجبار المعتزلي. راجع: شرح العضد: 2/ 106.

(4)

راجع: المسودة ص/ 115، وتشنيف المسامع: ق (63/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 7.

ص: 316

استعمل اللفظ فيما وضع له اللفظ، فكان حقيقة، وخروج بعض الأفراد عن الحكم لا دخل له في كون اللفظ حقيقة، أو مجازًا.

ومن قال: إن كان الباقي غير محصور حقيقة كأنه جعل غير المحصور بمثابة الكل، وليس بشيء: لأن اللفظ موضوع للكل، فلو لم يستعمل لكان مجازًا على أي وجه استعمل.

والذي فرق بين المستقل وغيره، فلأن غير المستقل كالصفة، والشرط، والاستثناء، صيغ مضبوطة يمكن أن يقال: إن اللفظ موضوع للباقي عند انضمام تلك الصيغ إليه، بخلاف المستقل، فإنه غير محصور، فلا ينضبط به الوضع.

والجواب - عنه -: هو الجواب عن الشبهة الأولى.

والمنقول عن إمام الحرمين في توجيه القول: بأنه حقيقة تناولًا، مجاز اقتصارًا على البعض: هو أن الجمع في حكم تكرير الأفراد، فإذا قلنا: جاءني الرجال، فكأنه قيل: جاءني فلان، وفلان، وفلان.

وفائدة الجمع: هو الاختصار، فكما أنا إذا حذفنا في صورة التكرار بعض الأفراد لم يصر اللفظ في الباقي مجازًا، فكذا هنا.

والجواب: هو الجواب: لأن لفظ الجمع المستغرق موضوع للكل قطعًا، فإخراج البعض يصير مستعملًا في غير ما وضع له نظرًا إلى الحكم،

ص: 317

وأما بالنظر إلى التناول لا تفاوت. وأما أن الجمع في حكم تكرير الآحاد مناسبة ذكرها أهل العربية في فائدة وضع الجموع لا أن الجمع مثل تلك الأفراد من كل وجه.

والجواب - عن شبهة من قال: إنه (1) / ق (68/ ب من أ) مجاز مطلقًا، ومن قال: مجاز في صورة، ومن قال: مجاز في صورة الاستثناء حقيقة في غيره، ومن قال: إن خص بغير اللفظ مجاز، وإلا فلا -: هو الجواب الذي قدمنا، فلا حاجة إلى الإطناب/ ق (69/ أمن ب) لحصول المقصود بما قدمنا.

قوله: "والعام المُخصَّصُ، قال الأكثر: حجة".

أقول: قد اختلف في العام - بعد التخصيص - هل هو حجة، أم لا؟

نقل المصنف عن الجمهور: أنه حجة سواء كان المخصص معلومًا، أو مجهولًا، وهو المختار (2).

(1) آخر الورقة (68/ ب من أ).

(2)

ونقله أبو المعالى، والفخر الرازي، والآمدي عن الفقهاء، وصححه البزدوي، والسرخسي من الحنفية، ورجحه الشيرازي، وابن برهان، والآمدي، وابن الهمام، وأكثر المعتزلة.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 144، والبرهان: 1/ 410 - 411، والتبصرة ص/ 187، واللمع: ص/ 27، والإحكام للآمدي: 2/ 80، وكشف الأسرار: 1/ 308، وفتح الغفار: 1/ 90، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 227، والمعتمد: 1/ 265.

ص: 318

لنا - على كونه حجة مطلقًا -: احتجاج العلماء قديمًا، وحديثًا من غير نكير نحو:"إنما الأعمال بالنيات" إذ ليس كل عمل محتاج إلى النية. وقوله تعالى: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57].

وقيل: إن خص بمعين حجة (1) نحو: اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة، لا المجهول لعدم إمكان العمل إذ ما من فرد إلا ويحتمل أن يكون مخرجًا (2).

(1) وهذا هو مذهب الإمام أحمد، وأصحابه، واختاره الغزالي، والفخر الرازي، وأتباعه، وابن الحاجب، وصححه الأشموني، وذكر الشوكاني بأنه الحق الذي لا شك فيه، ولا شبهة، ورجحه ابن نجيم على الإطلاق.

راجع: العدة: 2/ 533، والمستصفى: 2/ 57، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 23، والمسودة: ص/ 115 - 116، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 108، ونهاية السول: 2/ 400، والتمهيد: ص/ 414، ومختصر الطوفي: ص/ 104، ومختصر البعلي: ص/ 109، ونزهة الخاطر: 2/ 150، وفتح الغفار: 1/ 90، وإرشاد الفحول: ص/ 137.

(2)

فرض الكلام في هذه المسألة في العام إذا خص بمعين، وهو المعروف، والمشهور في كتب الأصول، ولكن المصنف ذكر المذهبين القائل بأنه حجة مطلقًا، والقائل بأنه حجة إذا خص بمعين، لكن الآمدي نقل الاتفاق على أن العام لو خص تخصيصًا مجملًا لا يبقى حجة كما لو قال: اقتلوا المشركين إلا بعضهم، غير أن دعوى الاتفاق لم تسلم له، فقد رد عليه المصنف بنقل ابن برهان الخلاف فيما إذا خص بمبهم.

قلت: وللمصنف وجهة سليمة في رده لأن من الأصوليين من صرح بأن الخلاف جار كذلك في المبهم كالسرخسي، والبزدوي، وغيرهما، إضافة إلى أن الآمدي نفسه رجح القول بالإطلاق كما سبق حيث قال - بعد ذكره الخلاف في المسألة -:"والمختار الاحتجاج به فيما وراء صور التخصيص" لذا ذكر المحلي أن مقتضى كلام الآمدي دعوى الاتفاق في المبهم، مدفوع بنقل غيره الخلاف فيه، وبترجيحه هو أنه حجة فيه. =

ص: 319

الجواب: أنه ربما يقتضي العقل إخراج بعض لا بعينه كما في قوله: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]، وقولك: الرجال في الدار.

وقيل: حجة إن خص بمتصل مثل الاستثناء، والصفة، وإليه ذهب الكرخي (1): لأن المتصل يعلم منه قدر المخرج بخلاف المنفصل.

وقيل: حجة في الباقي إن أنبأ عنه العموم (2) نحو: اقتلوا المشركين إلا أهل الذمة، فإن لفظ المشركين ينبئ عن الحربي إنباءه عن الذمي، بخلاف قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38]، فإنه لا يشعر بكون المال المسروق شرطه أن يكون مخرجًا من الحرز، وأن يكون ربع الدينار، فإذا سقط العمل بها في صورة انتفائهما لم يعمل بها في صورة وجودهما.

وقيل: يجوز الاحتجاج به في أقل الجمع دون الأكثر، ويشبه أن يكون هذا قول من لم يجوز التخصيص إلى الواحد (3).

= راجع: أصول السرخسي: 1/ 144، وكشف الأسرار: 1/ 308، والإحكام للآمدي: 2/ 81، والإبهاج: 2/ 137، 140، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 23، وتشنيف المسامع: ق (63/ ب) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 7، وهمع الهوامع: ص/ 187.

(1)

واختاره محمد بن شجاع الثلجي، وأبو عبد الله الجرجاني وعيسى بن أبان في الرواية الأخرى عنه.

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 308، وتيسير التحرير: 1/ 313، وهمع الهوامع: ص/ 187، والتبصرة: ص/ 187.

(2)

واختاره أبو عبد الله البصري.

راجع: المعتمد: 1/ 265، والتبصرة: ص/ 188.

(3)

راجع: المستصفى: 2/ 57، وشرح العضد على المختصر: 2/ 109.

ص: 320

وقيل: ليس بحجة مطلقًا، وإليه ذهب أبو [ثور](1)، وعيسى بن أبان (2).

وما عدا الأول مردود بما ذكرنا من استدلال العلماء به مطلقًا، وما ذكروه مناسبات وهمية معارضة بدليل العقل، واستعمال الأئمة.

(1) ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

وأبو ثور هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان البغدادي الكلبي كان إمامًا جليلًا، وفقيهًا ورعًا، خيرًا، وكان من أصحاب الرأى، فلما جاء الشافعي إلى بغداد، أخذ عنه، ورجع عن الرأي إلى الحديث، وصار صاحب قول عند الشافعية، وهو الذي نقل أقوال الشافعي القديمة، وتوفي سنة (240 هـ ببغداد).

راجع: طبقات الفقهاء للعبادي: ص/ 22، ووفيات الأعيان: 1/ 7، والميزان للذهبي: 1/ 29، والخلاصة: ص/ 17، والبداية والنهاية: 10/ 322، وطبقات السبكي: 2/ 74، وطبقات الحفاظ: ص/ 223، وطبقات المفسرين: 1/ 7، وشذرات الذهب: 2/ 93.

(2)

هو عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى الحنفي كان من أصحاب الحديث، ثم غلب عليه الرأي، وتفقه على محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، وتولى قضاء العسكر، ثم قضاء البصرة، وله المؤلفات: كتاب الحج، وخبر الواحد، وإثبات القياس، واجتهاد الرأي، وتوفي ببغداد سنة (221 هـ).

راجع: تأريخ بغداد: 11/ 157، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 137، والجواهر المضيئة: 1/ 401، والفوائد البهية: ص/ 151، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه: ص/ 141، والأعلام للزركلي: 5/ 283.

وراجع قوله المذكور: أصول السرخسي: 1/ 144، وفتح الغفار: 1/ 90، وإرشاد الفحول: ص/ 137.

ص: 321

غايته: أنه دليل فيه شبهة، وهذا القدر لا يقدح في حجيّته، إذ قَلَّ ما يخلو دليل عن مثله، والله أعلم (1).

قوله: "ويُتمَسَّك بالعام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم".

أقول: العام - في حياته صلى الله عليه وسلم يستدل به قبل البحث عن المخصص اتفاقًا، على ما نقله الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني.

وأما بعده، فمختار الشافعي، وجمهور المتكلمين، والفقهاء أنه دليل ظني، وإليه ذهب طائفة من فقهاء سمرقند من الحنفية.

وعند عامة المتأخرين من الحنفية أنه يفيد الحكم قطعًا، ويقينًا (2).

(1) وهناك مذهب للقاضي عبد الجبار، وهو وإن كان لا يتوقف على البيان قبل التخصيص، ولا يحتاج إليه: كاقتلوا المشركين، فهو حجة: لأن مراده بين قبل إخراج الذمي، وإن كان يتوقف على البيان، ويحتاج إليه قبل التخصيص، فليس بحجة، كقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، فإنه يحتاج إلى البيان قبل إخراج الحائض، ونحوها، وقد أبطل هذا القول الشوكاني لعدم الدليل عليه.

وتوقف آخرون، وقالوا: لا يعمل به إلا بدليل. ورد بأن الوقف لا يكون إلا عند توازن الحجج، وتعارض الأدلة، وليس هنا شيء من ذلك.

راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 80 - 81، ومختصر البعلي: ص/ 109، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 7، وإرشاد الفحول: ص/ 138.

(2)

مراد المصنف هنا هل يستدل بالعموم - بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البحث عن المخصص، كما في حياته، أو لا بد من البحث عن المخصص قبل الاستدلال؟

لكن الشارح رحمه الله انتقل إلى ذكر الخلاف في مسألة أخرى، وهي هل حجيته قطعية، أو ظنية، وهذه المسألة ذكر الخلاف فيها عند كلامه على دلالة العام على أصل المعنى، وعلى كل فرد بخصوصه، وقد سبق ذلك في ص/ 254.

ص: 322

وتوقف بعض الأشاعرة في الاستدلال إلى أن يبحث عن المخصص (1) وإليه ذهب ابن سريج.

لنا - على المختار -: أن لفظ العام ظاهر في العموم يجب العمل به كسائر الظواهر من الأدلة، فلا وجه للتوقف (2).

قيل: يحتمل التخصيص. قلنا: لا يقدح في الظهور.

والحنفية القائلون: بأنه يفيد الحكم قطعًا، قالوا: الاحتمال مطلقًا لا يقدح في قطعية الدليل، بل الاحتمال الذي يكون ناشئًا عن دليل هو القادح.

(1) هذا هو محل الخلاف في المسألة، وما ذهب إليه ابن سريج هو مذهب بعض الحنابلة، وأكثر الشافعية كالغزالي، والجويني، والآمدي، وابن الحاجب، وغيرهم، بل بعضهم نقل الإجماع على أنه لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص، غير أن دعوى الإجماع فيها نظر لنقل الخلاف في المسألة، نقله الأستاذ، والشيرازي أبو إسحاق، والرازي وغيرهم.

راجع: البرهان: 1/ 408، والتبصرة: ص/ 119، والإحكام للآمدي: 2/ 196 - 197، والمسودة: ص/ 109، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 168، روضة الناظر: ص/ 126، وإرشاد الفحول: ص/ 139، والمستصفى: 2/ 157.

(2)

وهذا هو مذهب الأحناف، واختاره أبو بكر الصيرفي، وأبو إسحاق الشيرازي، وهو مقتضى كلام الرازي، ورجحه البيضاوي، والأرموي، وبعض الحنابلة، وغيرهم.

راجع: الرسالة ص/ 295، 322، 341، واللمع: ص/ 15، والعدة: 2/ 525، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 29 - 30، وفواتح الرحموت: 1/ 267، وتيسير التحرير: 1/ 230، والإبهاج: 2/ 141، ونهاية السول: 2/ 403، ومختصر الطوفي: ص/ 105.

ص: 323

قلنا: يكفي في ذلك القدح قولهم: ما من عام إلا وخص منه البعض، فيتطرق بذلك الشبهة إلى كل عام، فيخرجه عن القطعية، فيفيد الظن.

ثم القائلون: بانه لا بد من البحث عن المخصص، الأكثرون على أنه يكفى في ذلك غلبة الظن/ ق (69/ أمن أ) بعدم المخصص.

وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى أنه لا بد من القطع، وهذا بعيد (1) جدًا، إذ لا يمكن القطع إلا بعد استقراء تام: لأن الاستقراء الناقص لا يوجب الجزم فضلًا عن القطع، واليقين، والاستقراء متعسر جدًا.

قال الإمام - في المحصول -: "إذا قلنا: يجب نفي المخصص، فذاك لا سبيل إليه (2) إلا بأن يجتهد في الطلب، فلا يجد، لكن عدم الوجدان لا يُوَرِّث إلا ظنًا ضعيفًا"(3).

قوله: "المخصص قسمان".

(1) وذكر الغزالي قولًا ثالثًا: أنه لا يكفي الظن، ولا يشترط القطع، بل لا بد من اعتقاد جازم، وسكون نفس بانتفائه.

راجع: المستصفى: 2/ 158 - 159، والتمهيد: ص/ 364، والمحلى على جمع الجوامع: 2/ 9، وهمع الهوامع: ص/ 189.

(2)

جاء في هامش (ب): "المخصص".

(3)

راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 32 - 33.

ص: 324

أقول: لما فرغ من بيان التخصيص، وأحكامه شرع فيما به يحصل التخصيص، وهو في التحقيق إرادة المتكلم (1)، ويطلق على الدال على تلك الإرادة حقيقة عرفية (2) عندهم حتى لا يفهمون من المخصص إلا المعنى الثاني.

فذكر المصنف أنه قسمان:

متصل (3): وهو خمسة أقسام استثناء، وشرط، وصفة، وغاية، وبدل البعض (4).

والبيضاوي أسقط البدل تبعًا للإمام لقلة مباحثه (5).

وقسم بعض الفضلاء (6) إلى المستقل، وغيره، وأراد بغير المستقل ما يتعلق بصدر الكلام، وهذا أولى/ ق (69/ ب من ب) مما ذكره المصنف: لأن الاتصال ليس بواجب لا لفظًا، ولا زمانًا، وتلك العبارة توهمه.

(1) راجع: المعتمد: 1/ 234، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 8، وتشنيف المسامع ق (64/ أ)، وإرشاد الفحول: ص/ 145.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "رد على الحلوائي لأنه قال: إنه مجاز في الثاني".

أما غيره فيرى - وإن كانت مجازًا - لكنه شاع، فصار حقيقة عرفية.

(3)

المتصل: هو ما لا يستقل بنفسه، بل مرتبط بكلام آخر لإفادة معناه.

راجع: المعتمد: 1/ 239، ونهاية السول: 2/ 407، ومختصر البعلي: ص/ 117. وفواتح الرحموت: 1/ 316.

(4)

زاده ابن الحاجب، وتبعه المصنف، راجع: المختصر مع شرح العضد: 2/ 131.

(5)

راجع نهاية السول: 2/ 407، والابتهاج: ص/ 92، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 38.

(6)

يعني القاضي صدر الشريعة في كتابه التوضيح لمتن التنقيح: 1/ 42.

ص: 325

الأول: الاستثناء (1): وعرفه بأنه الإخراج بإلا وأخواتها، من متكلم واحد. وهذا التعريف باعتبار فعل المتكلم أعني المصدري.

وقد يطلق الاستثناء على اللفظ، أعني لا مع ما بعده، وهو المراد بالمخصص، كما لا يخفى.

ثم قد اشتهر: أن الاستثناء حقيقة في المتصل، مجاز في المنقطع، ومرادهم صيغ الاستثناء الواقعة في الاستعمالات لا لفظ الاستثناء، فإنه حقيقة عرفية عندهم في القسمين.

وقد قدمنا لك في المقدمة أن الإخراج مجاز عن عدم الدخول: لأن الإخراج عن لفظ العام لا معنى له، وعن الحكم - أيضًا - لأنه لم يدخل تحت الحكم قطعًا، فتذكره.

فإن قلت: [حينئذ](2) ينتقض التعريف بالصفة الواقعة بعد إلا، وسوى، وغير: لأنه إخراج بإلا، وأخواتها.

(1) الاستثناء: مأخوذ من الثني، وهو العطف من قوله: ثنيت الحبل أثنيه إذا عطفت بعضه على بعض، وقيل: من ثنيته عن الشيء إذا صرفته عنه، وأما اصطلاحًا، فقد عرف بتعاريف منها المذكور في الشرح. راحع: الصحاح: 6/ 2294، والمصباح المنير: 1/ 85، والاستغناء في أحكام الاستثناء: ص/ 90، 98 - 102، والمساعد على التسهيل: 1/ 548، والعدة: 2/ 659، 673، والإحكام لابن حزم: 1/ 397، والمستصفى: 2/ 163، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 38، وكشف الأسرار: 1/ 121، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 237، 256، والمسودة: ص/ 159 - 160.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (أ) والمثبت من (ب).

ص: 326

قلت: الإخراج في الصفة المذكورة ممنوع: لأن صدر الكلام لم يتناوله (1).

ثم قد اختلف في اعتبار الاستثناء هل يشترط فيه صدوره مع صدر الكلام من متكلم واحد، أم لا؟

وكلام المصنف دال على أن المختار هو الأول، وليس كذلك: لأن الكلام صدور جزئه أعني المسند، والمسند إليه لا يجب عن متكلم واحد على ما اختاره بعض المحققين من النحاة (2).

ثم هنا تدقيق آخر، وهو أن القائل: إلا زيدًا بعد قول من قال: جاء الرجال، مستلزم للحكم بالمجيء على من عدا زيدًا، بلا ريب، وإذا حكم فالاستثناء لم يقع إلا في ذلك الكلام المقدر.

غايته: لم يذكر للعلم به، فاشتراط متكلم واحد لا وجه له، إذ لم يتصور من متكلمين، وما ذكروه كلام ظاهري لا غناء فيه.

قوله: "ويجب اتصاله".

(1) راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 120، وشرح العضد على المختصر: 2/ 132، ونهاية السول: 2/ 407، والقواعد لابن اللحام: ص 245، ومختصر البعلي: ص/ 117، وشرح الورقات: ص/ 109.

(2)

راجع: تشنيف المسامع: ق (64/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 10، وهمع الهوامع: ص/ 190.

ص: 327

أقول: شرط الجمهور الاتصال في قبول الاستثناء عادة حتى لا يضر الانفصال بالسعال، ونحوه (1).

وعن ابن عباس رضي الله عنه: قبوله وإن طال الزمان طولًا فاحشًا (2).

وقيل: لا يجب الاتصال لفظًا، بل نية: لأن المخرج حقيقة هو النية، واللفظ دال عليه، وحمل على هذا ما نقل عن ابن عباس.

(1) كتنفس، أو عطاس، أو بعطف الجمل بعضها على بعض، ثم يستثنى بعد ذلك، فإن ذلك لا يقدح في الاتصال لأنه متصل عادة.

قال الإمام مالك رحمه الله: "أحسن ما سمعت في الثنيا أنها لصاحبها ما لم يقطع كلامه، وما كان في ذلك نسقًا يتبع بعضه بعضًا قبل أن يسكت، فإن سكت وقطع كلامه، فلا ثنيا له" الموطأ: ص/ 295.

وراجع: اللمع: ص/ 22، والتبصرة: ص/ 162، والبرهان: 1/ 385، والعدة: 2/ 660، والمعتمد: 1/ 242، والمنخول: ص/ 157، فواتح الرحموت: 1/ 321.

(2)

نقل عن ابن عباس أنه يصح إلى سنة، ونقل الآمدي وابن الحاجب عنه أنه يصح إلى شهر، والثالث المذكور في الشرح، ونقله عنه الشيرازي في اللمع، وأبو الحسين في المعتمد، وهو ظاهر نقل الغزالي في المستصفى، والمنخول، إلا أنه ذكر أن مثل ابن عباس لا يظن به ذلك، والوجه تكذيب الناقل عنه، أو يقال: أراد به إذا أضمره في وقت الإثبات، وأبداه بعد ذلك: لأن مذهبه أن ما يدين الرجل فيه يقبل منه إبداؤه أبدًا، وقيل: إنه أراد به في استثناءات القرآن، وهو ما رجحه القرافي، وبمثل ما قاله الغزالي قال الرازي.

راجع: التبصرة: ص/ 162، والمستصفى: 2/ 165، والمنخول: ص/ 157 - 158، والإحكام للآمدي: 2/ 122، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 137، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 39.

ص: 328

والحق: أنه إن صح عن ابن عباس ذلك النقل وجب حمله على هذا بلا ريب؛ لكونه باطلًا بحسب الظاهر إذ لو صح انفصال الاستثناء لما قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين، ثم رأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن (1) / ق (69/ ب من أ) يمينه، وليفعل ذلك" إذ لو كان الاستثناء المنفصل مشروعًا لخير بين التكفير، والاستثناء: لأنه لا حنث، مع الاستثناء، وهو أسهل من التكفير، ولشرع في الإقرارات، والعتق، والطلاق، والإجماع على خلافه.

وأيضًا لا يعلم صدق، ولا كذب إذ كل ما يلفظ به المتكلم يحتمل الاستثناء إلى آخر الدهر.

فإن قيل: فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "والله لأغزون قريشًا - ثلاثًا، وسكت، ثم قال -: إن شاء الله"(2).

قلنا: لو صح ذلك عنه كان محمولًا على العذر بالسعال، ونحوه، وقد سبق أنه غير قادح.

(1) آخر الورقة (69/ ب من أ)

(2)

رواه أبو داود عن سماك عن عكرمة مرسلًا، وذكر بأنه أسنده غير واحد عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، ورواه ابن حبان كذلك ورواه البيهقي موصولًا، ومرسلًا، ونقل ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه أن الأشبه إرساله.

راجع: سنن أبي داود: 2/ 207، والعلل لابن أبي حاتم: 1/ 440، والكامل في الضعفاء: 5/ 1937، والضعفاء لابن حبان: 2/ 308، والسنن الكبرى للبيهقي: 10/ 47 - 48، وتأريخ بغداد: 7/ 404، ومجمع الزوائد: 4/ 182، وموارد الظمآن: ص/ 228، وتلخيص الحبير: 4/ 166، وتهذيب التهذيب: 6/ 436.

ص: 329

وعن سعيد بن جبير: يجوز التأخير إلى أربعة أشهر، وكأنه أخذه من مدة الإيلاء (1).

وعن الحسن (2): يجوز الانفصال في المجلس لا بعده: لأن المجلس جامع المتفرقات، وكأنه قاسه على خيار المجلس (3).

وعن مجاهد (4): إلى سنتين، وكأنه أخذه من مدة الرضاع (5).

(1) الإيلاء من آلى إيلاء مثل آتى إيتاء إذا حلف، والألية الحلف، والجمع ألايا مثل عطية، وعطايا قال الشاعر:

قليل الألايا حافظ ليمينه

فإن سبقت منه الألية برت

واصطلاحًا: هو اليمين على ترك وطء المنكوحة مدة أربعة أشهر، أو أكثر، أو أقل على الخلاف في ذلك بين العلماء.

راجع: المصباح المنير: 1/ 20، والتعريفات: ص/ 41، وشرح فتح القدير: 4/ 190، وبداية المجتهد: 2/ 101، والمغني: 7/ 298 - 300، ومغني المحتاج: 3/ 343.

(2)

هو الحسن بن يسار البصري أبو سعيد إمام أهل البصرة المجمع على جلالته في كل فن، ويعتبر من سادات التابعين، وفضلائهم جمع العلم، والزهد، والورع، والعبادة أشهر كتبه: تفسير القرآن، وتوفي سنة (110 هـ).

راجع: طبقات المفسرين للداودي: 1/ 147، ووفيات الأعيان: 1/ 354، وحلية الأولياء: 2/ 131، وصفوة الصفوة: 3/ 233، وشذرات الذهب: 1/ 136، وتذكرة الحفاظ: 1/ 71.

(3)

راجع: الروضة: ص/ 132، والمسودة: ص/ 152 - 153، والمحلي على جمع الحوامع: 2/ 11.

(4)

هو مجاهد بن جبر المكي المخزومي مولاهم أبو الحجاج الإمام التابعي الشهير ثقة إمام في الفقه، والحديث، والتفسير، توفي سنة (103 هـ) وقيل: غير ذلك.

راجع: تهذيب التهذيب: 10/ 42 - 44، والتقريب: ص/ 328، وتذكرة الحفاظ: 1/ 92، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 83، وشذرات الذهب: 1/ 125.

(5)

راجع: القواعد لابن اللحام: ص/ 251، وإرشاد الفحول: ص/ 148.

ص: 330

وقيل: ما لم يشرع في كلام آخر، إذ ما لم يشرع في كلام آخر يعد كلامه متصلًا في العرف.

وقيل: يجوز التأخير إن نوى، وإلا فلا (1).

وقيل: في كلام الله يجوز التأخير فقط، لأنه تعالى لا يغيب عن علمه الشامل شيء بخلاف الغير، ويدل عليه ما روي أنه نزل قوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95]، ثم نزل:{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (2) في ذلك المجلس (3).

والحق: أنه لا دليل فيه لأنه يصلح أن يكون صفة، أو حالًا.

قوله: "أما المنقطع".

أقول: قد اختلف في لفظ الاستثناء على [أربعة](4) مذاهب (5).

(1) وحمل قول ابن عباس عليه كما سبق، وهو قول بعض المالكية، راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 242، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 40.

(2)

الآية: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95].

(3)

روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى على زيد بن ثابت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] فجاءه ابن أم مكتوم، وهو يمليها على زيد قال: يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} . نقلته بتصرف.

راجع: صحيح البخاري: 6/ 59 - 60، وأسباب النزول للواحدي: ص/ 118.

(4)

في (أ، ب): "أربع" والصواب المثبت لأن الأعداد من ثلاثة إلى تسعة تذكر مع المؤنث، وتؤنث مع المذكر.

(5)

هذه المسألة فرع مسألة أخرى، وهي هل يجوز الاستثناء من غير الجنس، أو لا؟ =

ص: 331

الأول: متواطئ في المتصل، والمنفصل، فهو حقيقة فيهما (1).

ويحد حينئذ بأنه المخالف للمستثنى منه في الحكم مع إلا، أو إحدى أخواتها.

الثاني: مجاز في المنقطع حقيقة في المتصل (2).

= فأقول: اختلف العلماء في الاستثناء من غير الجنس (المنقطع):

فذهب أكثر الحنابلة إلى أنه لا يصح، واختاره الغزالي في المنخول، ونقله الآمدي عن الأكثر.

ويصح استثناء أحد النقدين من الآخر استحسانًا، عند الإمام أبي حنيفة، وهي رواية عن الإمام أحمد.

وعند مالك، والشافعي يصح الاستثناء من غير الجنس مطلقًا لأنه ورد في الكتاب العزيز، ولغة العرب، واختاره بعض الحنابلة.

وذهب الحنفية: إلى أنه يصح إذا كان مكيلًا، أو موزونًا.

ثم اختلف المجوزون للاستثناء من غير الجنس في هل هو مجاز، أو حقيقة؟

إلى ما ذكره الشارح، وهي مسألة الباب.

راجع: البرهان: 1/ 396، والعدة: 2/ 673، والإفصاح: 2/ 264، والمنخول: ص/ 159، وكشف الأسرار: 3/ 131، 136، وتيسير التحرير: 1/ 283، ومختصر الطوفي: ص/ 111، ومختصر البعلي: ص/ 117، وإرشاد الفحول: ص/ 146.

(1)

وهو مذهب القاضي الباقلاني ومن تبعه، راجع: المستصفى: 2/ 167، 169.

(2)

واختاره السرخسي، والبزدوي، وصدر الشريعة، والعلاء البخاري، والكمال ابن الهمام، وأبو إسحاق الشيرازي، وإمام الحرمين، والغزالي، والرازي، والبيضاوي، وابن الحاجب، وغيرهم، وهو ما رجحه المصنف، والشارح. راجع: اللمع: ص/ 22، والتبصرة: ص/ 165، والبرهان: 1/ 384، 397، 398، والإحكام لابن حزم: 1/ 397، =

ص: 332

الثالث: مشترك لفظًا.

الرابع: التوقف.

وزاد المصنف مذهبًا خامسًا، ولا يتصور إذ لم يبق احتمال آخر سوى عكس المذهب الثاني، ولم يقل به أحد (1).

والمذهب الثاني: هو المختار: إذ ليس في المنقطع معنى الاستثناء موجودًا حتى يكون متواطئًا، أو مشتركًا.

قوله: "والأصح وفاقًا لابن الحاجب".

أقول: لما كان / ق (70/ أمن ب) ظاهر الاستثناء يشعر بالتناقض - لأن قولك: لفلان عليّ عشرة إلا ثلاثة فيه إثبات الثلاثة في ضمن العشرة لتمكن الاستثناء، ونفيها لها صريحًا، لأن الثلاثة لم تجب - اضطربت كلمتهم في دفع التناقض.

فذهب الأكثر إلى أن المراد بالعشرة هو السبعة إطلاقًا للفظ الكل على الجزء مجازًا، ولفظ: إلا، قرينة المجاز.

= والمستصفى: 2/ 167، 169، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 43، وكشف الأسرار: 3/ 121، ونهاية السول: 2/ 410، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 132، وفواتح الرحموت: 1/ 316، وتيسير التحرير: 1/ 283، 284، وإرشاد الفحول: ص/ 146، والمعتمد: 1/ 243.

(1)

يعني أنه مجاز في المتصل، حقيقة في المنقطع، ولعل مراد المصنف القول الذي يقول: لا يسمى حقيقة، ولا مجازًا، بل يعتبر استدراكًا.

راجع: تشنيف المسامع: ق (64/ ب) والمحلى على جمع الجوامع: 2/ 12، وهمع الهوامع: ص/ 191.

ص: 333

وقال القاضي: مجموع الكلمات الثلاث، أعني عشرة، وإلا، وثلاثة، موضوع للسبعة، أي: هذا المركب، وكأنه وضع للعشرة لفظان أحدهما مفرد، والآخر مركب.

وقيل: المراد بعشرة في التركيب المذكور آحادهما كلها، ثم أخرج بإلا، ثلاثة، وبعد الإخراج أسند إلى العشرة بحسب الظاهر، وإن كان في الحقيقة الإسناد إلى السبعة، فلا تناقض (1).

ولما كان المذهبان الأولان مخالفين للقوانين اختار الشيخ ابن الحاجب الثالث، وتبعه في ذلك المصنف (2).

وإنما قلنا: ببطلان المذهبين الأولين، أما مختار الأكثر، فلأنه يخالف إجماع أهل العربية لأنهم مطبقون على أن في الاستثناء المتصل إخراج بعض من كل (3)، وإذا أريد بالعشرة - في المثال المذكور - السبعة، وجعل كلمة إلا، قرينة ذلك، لم يوجد معنى الإخراج قطعًا، فبطل القول به.

(1) راجع: البرهان: 1/ 401، شرح تنقيح الفصول: ص/ 231، نهاية السول: 2/ 419 - 421، والقواعد لابن اللحام: ص 246، تخريج الفروع للزنجاني: ص/ 67، فواتح الرحموت: 1/ 316، تيسير التحرير: 1/ 289، مختصر البعلي: ص/ 117، إرشاد الفحول: ص/ 146.

(2)

راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 134، والكافية وعليها شرح الرضي: 1/ 225.

(3)

راجع: شرح المفصل لابن يعيش: 2/ 76، وأوضح المسالك: 2/ 62، وشرح ابن عقيل: 1/ 99، وقطر الندى: ص/ 245.

ص: 334

وأما بطلان ما ذهب إليه / ق (70/ أمن أ) القاضي، فلأنه مخالف لقانون اللغة، إذ لم يوجد في لغة العرب لفظ مركب من ثلاث كلمات لا يكون الجزء الأول معربًا، وهو غير مضاف، فيكون مردودًا أيضًا، ولا محمل لدفع التناقض سوى ما ذهب إليه الشيخ ابن الحاجب، واختاره الفاضل الرضي (1) في شرحه (2).

قوله: "ولا يجوز المستغرق خلافًا لشذوذ".

أقول: الاستثناء المستغرق باطل عند من يعتد به.

وقيل: لا يجوز إن كان المستثنى أكثر من المستثنى منه.

وفى المساوي منعه طائفة أيضًا.

وقيل: إذا كان العدد صريحًا نحو: على عشرة إلا ستة بخلاف ما إذا لم يكن صريحًا.

نحو: أكرم أهل البلد إلا الجهال، فإنه يجوز، وإن كان أكثرهم جهالًا.

وقيل: لا يجوز استثناء عقد صحيح كالعشرة مثلًا.

(1) هو محمد بن الحسن نجم الدين الرضي الاستراباذي عالم بالعربية اشتهر بكتابه شرح مقدمة ابن الحاجب في الصرف، وهي المسماة بالشافية، وشرح الكافية له أيضًا في النحو، وتوفي سنة (684 هـ أو 686 هـ) على خلاف في ذلك.

راجع: خزانة الأدب: 1/ 12، وبغية الوعاة: ص/ 148، ومفتاح السعادة: 1/ 147، وكشف الظنون: 2/ 1021، 1370، ومعجم المطبوعات: ص/ 940، وشذرات الذهب: 5/ 395.

(2)

راجع: شرحه على الكافية: 1/ 225.

ص: 335

وقيل: لا يجوز الاستثناء من العدد مطلقًا سواء كان عقدًا صحيحًا، أو كسرًا، والكل باطل سوى الأول (1).

وفى بعض الشروح (2) كلام عجيب في هذا الموضع، وهو أنه ذكر في توجيه المذهب الأخير - وهو القول بعدم جواز الاستثناء من العدد مطلقًا، إذ ورد عليه قوله تعالى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ} [العنكبوت: 14]: لكون الاستثناء واقعًا في العدد - أجاب: بأن الاستثناء هنا إنما هو من المعدود، وهي السنين لا من العدد. واشتبه عليه أن الاستثناء من المعدود هو المراد من الاستثناء في العدد، إذ لا يشك عاقل في أن من قال: لفلان عليَّ عشرة إلا خمسة مراده إخراج الدراهم المقر بها التي هي المعدودة.

لنا - على المختار وهو حجة ما عدا المستغرق -: قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] إذ المستثنى، - وهم الغاوون - أكثر بدليل:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، وإذا صح في الأكثر، فالمساوي أولى (3).

(1) راجع: الإبهاج: 2/ 148، وتشنيف المسامع: ق (65/ ب)، والمحلى على جمع الجوامع: 2/ 14 - 15.

(2)

جاء في (أ، ب): "الزركشي"، وراجع: تشنيف المسامع: ق (65/ ب).

(3)

يرى الذين قالوا: لا يجوز في الأكثر أن هذه الكثرة من دليل خارجي لا من اللفظ، وهذا لا خلاف فيه بالنسبة للآية إلى استدل بها الشارح، ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنه لا خلاف في جوازه إذا كانت الكثرة من دليل خارج لا من اللفظ.

راجع: المسودة: ص/ 155، والإحكام لابن حزم: 1/ 402، والقواعد لابن اللحام: ص/ 247 - 248.

ص: 336

وإجماع فقهاء الأمصار على أن من قال: لفلان عليَّ عشرة إلا تسعة، لم يلزمه إلا درهم، ولو لم يدل عليه لغة لم يرتكبوه، وبه يثبت المطلوب.

قوله: "والاستثناء من النفي إثبات وبالعكس، خلافًا لأبي حنيفة".

أقول: هذه المسألة من غوامض مسائل الأصول، ونحن نحقق الحق فيها على وجه لا يخفى على ذي فطنة إن شاء الله تعالى.

فنقول: المشهور - عند الشافعية - كون الاستثناء من الإثبات نفيًا، متفق عليه عند الطائفتين (1)، وإنما الخلاف في العكس، وهو كونه إثباتًا من النفي.

(1) فمثلًا لو قال: له علي عشرة إلا درهمًا، تلزمه تسعة عند الجميع بمن فيهم الأحناف، غير أنه يلزمه عند الأحناف بالأصل من حيث إن الدرهم المخرج منفي بالأصالة، أما عند الجمهور، فيلزمه باللغة.

وأما كون الاستثناء إثباتًا من النفي، فهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، وطائفة من محققي الحنفية كالدبوسي، وشمس الأئمة الحلواني، وفخر الإسلام البزدوي. وذهب جمهور الأحناف إلى أنه ليس الاستثناء من النفي إثباتًا، فمثلًا لو قال: ليس له علي شيء إلا درهمًا، فلا يجب عليه شيء عندهم لأن المراد إلا درهمًا، فإني لا أحكم عليه بشيء، ولا إقرار إلا مع حكم ثابت، أما عند الجمهور فيجب عليه درهم لأنه أقر به وهو مذهب نحاة البصرة، ومذهب الأحناف قال به نحاة الكوفة.

راجع: المساعد على التسهيل: 1/ 548، وشرح المفصل لابن يعيش: 2/ 73 - 76، وكشف الأسرار: 3/ 126، فتح الغفار: 1/ 124، وفوات الرحموت: 1/ 327، وتيسير التحرير: 1/ 294، وشرح تنقيح الفصول: ص 247، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 142، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 56، والإحكام للآمدي: 2/ 138، ونهاية السول: 2/ 421، والتمهيد: ص/ 392، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 68، والمسودة: ص/ 160، ومختصر البعلي: ص/ 120، والمحرر في الفقه: 2/ 462، والقواعد لابن اللحام: ص/ 263، وإرشاد الفحول: ص/ 149.

ص: 337

وفي كتب الحنفية أنه ليس من النفي إثباتًا، ولا من الإثبات نفيًا.

وعبارة المصنف موافقة لما ذكرناه: لأنه أخر العكس، ورتب عليه الخلاف.

قال البزدوي (1): "اختلف في كيفية عمل الاستثناء (2) / ق (70/ ب من ب).

قال أصحابنا: الاستثناء يمنع التكلم بحكمه بقدر المستثنى، وقال الشافعي: يمنع الحكم بطريق المعارضة، ففى مثل: لفلان عليَّ عشرة إلا ثلاثة عدم لزوم الثلاثة، إنما هو سبب البراءة الأصلية، وعدم دليل الثبوت لا أن اللفظ يدل على عدم الثبوت، وفي مثل قولك: ليس عليَّ إلا سبعة لا يثبت شيء بحسب اللغة، إنما يثبت إشارة على ما سنوضحه في تحقيق معنى كلمة التوحيد" (3).

(1) هو علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن مجاهد أبو الحسن فخر الإسلام البزدوي، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، وله مؤلفات عديدة منها: شرح الجامع الكبير، وشرح الجامع الصغير، وكتاب في أصول الفقه معروف بأصول البزدوي، وكشف الأستار في التفسير، وشرح الجامع الصحيح للبخاري، وله كتاب المبسوط، غير ما ألفه السرخسي، وتوفي بسمرقند سنة (482 هـ).

راجع: الجواهر المضيئة: 1/ 372، والفوائد البهية: ص/ 124، وتاج التراجم: ص/ 30 - 31، ومفتاح السعادة: 2/ 54 - 55.

(2)

أخر الورقة (70/ ب من ب).

(3)

راجع: أصول البزدوي وعليه كشف الأسرار: 3/ 121 وما بعدها.

ص: 338

إذا عرف هذا، فاعلم أن الاستثناء من النفي إثبات، وبالعكس (1).

لنا - على المختار -: النقل عن أئمة العربية، فالرجوع إليهم هو الواجب: لأن المسألة لغوية.

وأيضًا لو لم يكن كذلك لم يلزم التوحيد (2) / ق (70/ ب من أ) في لا إله إلا الله، واللازم باطل إجماعًا، فالملزوم مثله، فيثبت ما ادعيناه.

قالوا: "لا صلاة إلا بطهور"، و"لا نكاح إلا بولي"(3)، ولا ملك إلا بالعدل، لا يدل على أن المستثنى منه مشروط بالمذكور في هذه الصور لا يتحقق بدونه.

(1) وهذا هو مذهب الجمهور كما تقدم غير أن المالكية استثنوا من هذه القاعدة الأيمان قال القرافي: "اعلم أن مذهب مالك رحمه الله أن الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان، هذه قاعدته في الأقارير، وقاعدته في الأيمان الاستثناء من النفي ليس بإثبات، وعند الشافعية في ذلك قولان فمنهم من طرد أن الجميع إثبات في الأيمان وغيرها، ومنهم من وافقنا". الفروق: 2/ 93.

(2)

آخر الورقة (70/ ب من أ).

(3)

رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، وابن حبان، والحاكم، وصححه، وذكر له طرقًا، وأن الرواية فيه قد صحت عن عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وسرد تمام ثلاثين صحابيًا. والحديث اختلف في وصله، وإرساله.

راجع: المسند: 4/ 394، وسنن أبي داود: 1/ 481، وتحفة الأحوذي: 4/ 226، وسنن الدارمي: 2/ 137، وسنن ابن ماجه: 1/ 580، والمستدرك: 2/ 169، موارد الظمآن: ص/ 304، وسبل السلام: 3/ 117، ونيل الأوطار: 6/ 134.

ص: 339

وأما أنه يتحقق معه حيث وجد، فلا، ولو كان الاستثناء من النفي إثباتًا للزم الثبوت معه البتة، بلا خفاء.

والجواب: أن قولكم: "لا صلاة إلا بطهور" إن قلتم: إنه إذا كان الاستثناء من النفي إثباتًا يقتضى صحة كل صلاة ملتصقة بالطهور، فهو ممنوع إذ ليس ذلك بلازم من الكلام.

وإن قلتم: إنه يقتضي صحة صلاة في الجملة بطهور، فهو مسلم، ولكن لا يفيد مطلوبكم.

فإن قلت: الاقتران بالطهور يصلح أن يكون علة الصحة، وقد ذكرتم في باب القياس أن الإيماء إلى الوصف المناسب بطريق الاستثناء يكون علة، كما في قوله تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237] ، فإن العفو علة للسقوط، فليكن الأمر في هذه الصور كذلك، وإلا فما الفرق؟ .

قلت: لا شك أن ذلك دليل ظني يعمل به إذا خلا عن المانع، وهنا قد عارضه الأدلة القاطعة على أن مجرد الطهور ليس علة لصحة الصلاة، بل يتوقف على أشياء أخر، وكذلك النكاح، والملك.

ولما اعترض عليهم بكلمة التوحيد: بأنه إذا لم يكن الاستثناء من النفي إثباتًا، ويكون المستثنى في حكم المسكوت عنه لم يلزم التوحيد، ولم يحكم بإسلام الدهري إذا قال: لا إله إلا الله، واللازم باطل اتفاقًا.

ص: 340

أجابوا: بأن التوحيد حاصل بطريق الإشارة: لأن المشركين لما كانوا قائلين بوجود الإله البتة، لكن يجوزون الشركة في الألوهية.

فإذا قيل: لا إله إلا الله لزم ثبوت الواحد، لكن لا من اللفظ، بل بالإشارة على ما قلنا.

وأما إسلام الدهري، فإنما هو بناء على الظاهر، واتباعًا لقوله عليه السلام:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"(1).

وهذا كلام مردود: لأن المفهوم إشارة هو الذي لا يكون سوق الكلام له، بل يحصل ضمنًا، ولا ريب - عندنا - أن القائل: لا إله إلا الله إنما يقصد إثبات الوحدانية لا نفي الألوهية، مع السكوت عن إثبات الواحد القديم تعالى، وتقدس.

ومن تأمل في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18] لم يخف عليه أن القصد، وسوق الكلام إنما هو لإثبات الوحدانية التي هي أشرف مسائل أصول الدين.

(1) الحديث متواتر رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، والدارمي، وغيرهم.

راجع: صحيح البخاري: 1/ 14، وصحيح مسلم: 1/ 38، ومسند أحمد: 2/ 314، وسنن أبي داود 1/ 356، وتحفة الأحوذي: 7/ 339، وسنن النسائي: 5/ 14، وسنن ابن ماجه: 1/ 37، وسنن الدارمي: 2/ 218، وبدائع المنن: 2/ 95، وفيض القدير: 2/ 189، والأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة: ص/ 6.

ص: 341

ثم القول: بأن زيدًا في قولك: ما قام إلا زيد لم يثبت له القيام، مكابرة، وخروج عن الإنصاف. ولا يخفى - أيضًا - ضعف قولهم: إسلام الدهري إنما هو، / ق (71/ أمن ب) بناء على الظاهر، إذ الكلام في الدهري القاصد حقيقة الإيمان أعني القلبي المقرون بكلمة التوحيد العارف بمعاني الألفاظ، فلا وجه لبناء الأمر على الظاهر، إذ لا ريب عند أحد أن ذلك الدهري قاصد إثبات الوحدانية، بتلك الكلمة جزمًا، ويقينًا، هكذا يجب أن يفهم المقام، والله الموفق (1).

قوله: "والمتعددة إن تعاطفت، فللأول".

أقول: إذا تعاطفت الاستثناءات المتعددة نحو: لفلان عليَّ عشرة إلا ثلاثة، وإلا اثنين، فللأول، أي: الكل يعود إلى الأول، حتى يلزمه خمسة في الصورة المذكورة.

وإن لم تتعاطف، فكل منها يرجع إلى ما يليها نحو: لفلان/ ق (71/ أمن أ) عليَّ عشرة إلا خمسة، إلا أربعة، إلا ثلاثة، فيلزمه ستة (2)، فإن

(1) ذكر القرافي أن قول العلماء الاستثناء من النفي إثبات يختص بما عدا الشروط لأنه لم يقل أحد من العلماء: إنه يلزم من وجود الشرط وجود المشروط وبهذا التحرير لمحل النزاع يحصل الجواب على شبهة الحنفية، فإن النصوص التي ألزموا الجمهور بها كلها من باب الشروط، وهي ليست من صور النزاع كما عرفت، فلا تلزمهم.

راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 248.

(2)

لأن الثلاثة تخرج من الأربعة، فيبقى واحد يخرج من الخمسة فيبقى أربعة تخرج من العشرة، فيبقى ستة.

راجع: تشنيف المسامع: ق (65/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 17، وهمع الهوامع: ص/ 195.

ص: 342

استغرق كل ما يليه بطل الكل، وإن استغرق غير الأول نحو: له عليَّ عشرة، إلا عشرة، إلا أربعة.

قيل: يلزمه عشرة: لبطلان الأول بالاستغراق، والثاني تبعًا.

وقيل: يلزمه أربعة: لأنه مثبت من العشرة المنفية.

وقيل: ستة، يجعل الاستثناء مستأنفًا، كأن لم يذكر الأول (1).

قوله: "الوارد بعد جمل متعاطفة للكل".

أقول: إذا تعاقب جمل متعاطفة بعضها على بعض، ثم ورد بعدها استثناء، يمكن صرفه إلى الجميع، وإلى الأخيرة خاصة، ولا نزاع في ذلك إنما النزاع في الظهور.

الشافعي: ظاهر في الرجوع إلى الكل (2).

(1) راجع: المساعد على التسهيل: 1/ 577، والعدة: 2/ 666، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 60، والإحكام للآمدي: 2/ 122، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 256، ونهاية السول: 2/ 429، والتمهيد: ص/ 397، والمسودة: ص/ 154، ومختصر البعلي: ص/ 119، والقواعد لابن اللحام: ص/ 254.

(2)

ونقل عن الإمام مالك، وأحمد، وأكثر أصحابهما، والظاهرية، وغيرهم.

راجع: اللمع: ص/ 22 - 23، والتبصرة: ص/ 172 - 173، والبرهان للجويني: 1/ 388، والعدة: 2/ 678، والإحكام للآمدي: 2/ 131، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 249، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 139، والمسودة: ص/ 156، 158، نهاية السول: 2/ 430، ونزهة الخاطر: 2/ 85، والقواعد لابن اللحام: ص/ 257، وتشنيف المسامع: ق (66/ أ) وهمع الهوامع: ص/ 195.

ص: 343

الحنفية: إلى الأخيرة خاصة (1).

القاضي، والغزالي، ومن تبعهما: الوقف، بمعنى لا ندري أحقيقة فيهما، أم (2) لا.

الشريف المرتضَى (3): مشتركة (4) يجب التوقف إلى ظهور القرينة.

(1) راجع: كشف الأسرار: 3/ 123، وفتح الغفار: 2/ 128، وفواتح الرحموت: 1/ 332، وتيسير التحرير: 1/ 302.

(2)

واختاره الرازي في المحصول: إذ الأدلة عندهم متعارضة.

راجع: المستصفى: 2/ 174، والمنخول: ص/ 160، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 67، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 204، وإرشاد الفحول: ص/ 150، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 211.

(3)

هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد ينتهي نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقيه، أصولي، متكلم، نحوى، أديب، شاعر، من مؤلفاته: الغرر في اللغة والنحو، والذخيرة، والذريعة كلاهما في الأصول، وكتاب النقض على ابن جني، وطيف الخيال، والشيب والشباب، وله ديوان شعر، وكتاب نهج البلاغة، وقيل: إنه لأخيه الرضي. وتوفي صاحب الترجمة سنة (436 هـ).

راجع: طبقات المعتزلة: ص/ 383، وتاريخ بغداد: 11/ 403، ووفيات الأعيان: 3/ 3، ومرآة الجنان: 3/ 55، وإنباه الرواة: 2/ 249، ولسان الميزان: 4/ 223، والنجوم الزاهرة: 5/ 39، وشذرات الذهب: 3/ 256.

(4)

يعني اشتراكًا لفظيًا؛ لأنه ورد للأخيرة، وللكل، ولبعض الجمل، فهو كالقرء، والعين وذكر البعلي بأن حاصل هذا المذهب أنه مجمل.

راجع: مختصر البعلي: ص/ 120، وتشنيف المسامع: ق (66/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 17، وهمع الهوامع: ص/ 195.

ص: 344

وهذان المذهبان موافقان لمذهب الحنفية في الحكم، وهو أن الاستثناء يفيد الإخراج عن مضمون الجملة الأخيرة، لكن المأخذ مختلف، فعندهما لعدم الدليل على غيره، وعندهم لوجود الدليل على عدم الغير.

أبو الحسين من المعتزلة: إن سيق الكل لغرض عاد إلى الكل، وإلا، فلا (1).

هذا ما ذكره المحققون، ولنرجع إلى ضبط كلام المصنف، ثم نقيم الدليل على ما هو المختار.

فنقول: قوله: "الوارد بعد جمل متعاطفة فللكل". تبع في الإطلاق الإمام الرازي حيث لم يقيد حرفًا من حروف العطف (2)، وأما الآمدي، فقد قيد بالواو (3)، وتبعه الشيخ ابن الحاجب (4)، والقاضي صرح بالتعميم بين الحروف العاطفة، ويمكن حمل كلام المصنف على تعميم القاضي: لأن قوله: وقيل: عطف بالواو، يدل على ذلك، وإن لم يصرح بالتعميم.

ثم قول المصنف: إن مختار الإمام الرازي مذهب الحنفية، كلام "المحصول" يخالفه: لأنه فصل كلامه في أول البحث، وأطنب فيه، ثم قال: "ما ذكرنا من التقسيم حق، لكنا لدى المناظرة نختار التوقف (5)، / ق (71/ ب من ب) لا بمعنى الاشتراك، بل بمعنى أنا لا ندري حكمه،

(1) راجع: المعتمد: 1/ 246 - 247.

(2)

راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 63.

(3)

راجع: الإحكام: 2/ 33.

(4)

راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 139.

(5)

آخر الورقة (71/ ب من ب).

ص: 345

في اللغة ماذا، وهذا هو (اختيار القاضي)(1) "، ثم احتج لمذهب الشافعي.

والمصنف ذهل عن آخر كلامه، فحكم بالموافقة، أو وقف على كلامه في موضع آخر لم نقف نحن عليه (2).

لنا - على مختار المصنف، وهو المختار -: أن الشرط متى تعقب جملًا عاد إلى الكل، فكذا الاستثناء، والجامع كون كل منهما غير مستقل.

وأيضًا المعنى واحد فيهما: لأن قوله تعالى في آية القذف: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] في حكم: إن تابوا، فلا فسق، واقبلوا شهادتهم (3).

ولنا - أيضًا -: أن حرف العطف يُصَيِّر الجمل الكثيرة في حكم جملة واحدة.

(1) المحصول: 1/ ق/ 3/ 67.

(2)

قلت: وهذا هو الصواب، فإن الإمام اختار مذهب الأحناف في كتابه المعالم كما صرح بذلك الزركشي، والأشموني، أما في المنتخب، والمحصول: فقد توقف كما تقدم.

راجع: تشنيف المسامع: ق (66/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 18، وهمع الهوامع: ص/ 196.

(3)

وهذا هو محل الخلاف إذ قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} هل يعود إلى قبول الشهادة، فتقبل إذا تاب، أو لا يعود إليه، فلا تقبل شهادته، وإنما توبته ترفع عنه الفسق فقط كما هو عند الأحناف لأنها الأخيرة في الجمل.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 275، والبرهان للجويني: 1/ 389، 394، والمستصفى: 2/ 178، وكشف الأسرار: 3/ 127 - 133، وفواتح الرحموت: 1/ 337، وتيسير التحرير: 1/ 307، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 140.

ص: 346

لأنه لا فرق بين قولك: رأيت زيد بن عمرو، وزيد بن خالد، وبين قولك: رأيت الزيدين، فإذا صار المتعدد في حكم الواحد تعلق الاستثناء بالكل.

ولنا - أيضًا -: أن لو أدخل الاستثناء بين المتعاطفة، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، وقبل:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ، {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} ، {إِلَّا الَّذِينَ} ، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ، {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} كان كلامًا غير فصيح مستهجنًا عن مثله كلام البشر، فضلًا عن كلام خالق القُوَى، والقُدَر.

أبو حنيفة: الاستثناء إزالة العموم الظاهر، فلا يصار إليه إلا بقدر الحاجة: لأنه خلاف الأصل، والاكتفاء بجملة واحدة تصون (1) / ق (71/ ب من أ) الكلام عن كون الاستثناء فيه، فيقتصر عليه. ولما كانت الجملة الأخيرة متصلة بالاستثناء كان تعلق الاستثناء بها واجبًا (2).

الجواب: النقض بالشرط، فإنه راجع إلى الكل عندهم، مع أنه مزيل للعموم الظاهر أيضًا (3).

(1) آخر الررقة (71/ ب من أ).

(2)

راجع: كشف الأسرار: 3/ 123، وفواتح الرحموت: 1/ 334، وتيسير التحرير: 1/ 302.

(3)

الشرط: كما لو قال: نساؤه طوالق، وعبيده أحرار، وماله صدقة إن كلم زيدًا، وإن شاء الله، وقد ذكر الأحناف أن الشرط المتعقب جملًا يعود إلى جميعها، فألزمهم الجمهور بالاستثناء قياسًا عليه، راجع: العدة: 2/ 680، والتبصرة: ص/ 173، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 250، والمسودة: ص/ 157، ومختصر الطوفي: ص/ 112، وتيسير التحرير: 1/ 306، وفواتح الرحموت: 1/ 335.

ص: 347

وبالاستثناء بمشيئة الله، فإنه عائد إلى الكل، ولا محيص لهم عن هذا الالتزام.

القائلون: بالوقف قالوا: حسن الاستفسار عند تعاقب الجمل، والاستفهام عن المراد منها، فلا يدرى المراد، إما لعدم العلم بمدلوله في اللغة، أو للاشتراك، فيجب التوقف.

الجواب: أنا قد قررنا في صدر البحث أن القائلين برجوع الاستثناء إلى الكل قالوا بظهوره في الكل، فيحتمل الخصوص بالأخيرة، فالاستفهام لدفع ذلك الاحتمال.

ثم القائلون: بالاشتراك قالوا: صح استعماله في الكل، كما في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70]، فإنه راجع إلى الكل بلا خلاف.

وكذا قوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34].

وفي الأخيرة قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء: 92] لاختصاصه بالدية دون الكفارة.

وإذا صح إطلاقه للجميع، وللأخيرة - والأصل في الاطلاق، / ق (72/ أمن ب) الحقيقة - لزم الاشتراك (1).

(1) راجع: المسودة: ص/ 156، 159.

ص: 348

الجواب: قد سبق أن اللفظ إذا دار بين كونه مشتركًا، وبين كونه مجازًا، فالمجاز هو الراجح.

فقد تقرر من هذا البحث: أن كل موضع رجع الاستثناء إلى جميع الجمل المتعاطفة كان حقيقة، وحيث دلت قرينة على اختصاص الاستثناء بإحدى الجمل كان مجازًا.

ومذهب أبي الحسين راجع في التحقيق إلى الوقف: لأنه إن سيق الكلام لغرض واحد فالجمل كلها بمنزلة شيء واحد.

وإن انفصل ترتيب الكلام، وسيقت كل واحدة لغرض، فإلى الأخيرة: لأن الانفصال يجعل الجمل أجانب كالمنقطعة بعضها عن بعض.

والقائلون: بالوقف - أيضًا - إنما يقولون به حيث لا قرينة تدل على الاتصال أو الانفصال، إذ لا يتوقف عاقل في رجوع الاستثناء إلى الكل في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68].

وقوله: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33](1).

(1) لا خلاف في العود إلى ما قام له الدليل، ودلت القرائن عليه فقد يدل الدليل إلى العود على الكل، أو على الجملة الأخيرة كما ذكر الشارح في الأمثلة السابقة، وقد يدل الدليل إلى العود على الأول فقط كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة: 249]، فالاستثناء في قوله:{إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} راجع إلى {مِنْهُ} لا إلى {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} فهذا متفق عليه، ومحل الخلاف إنما هو عند عدم الدليل. راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 252، وشرح العضد على المختصر: 2/ 139.

ص: 349

واعلم: أن هنا بحثًا دقيقًا لا بد من الوقوف عليه، وهو أنه لما تقرر أن المختار عود الاستثناء إلى جميع الجمل المتعاطفة حيث لا قرينة تخصصه بالأخيرة، ورد الإشكال بآية القذف، فإن التوبة لا تسقط جلد الثمانين.

أجاب - عنه - الفضلاء (1): بأنه إنما لم يسقط لكونه حق العباد، فلا يسقط بالتوبة، وليس بشيء: لأن الذنوب المشروع فيها حد - وإن كانت في حقوق الله تعالى إذا ثبت - لا تسقط بالتوبة أيضًا.

مثاله: لو قال: والذين يشربون الخمر، فلا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا بعد ثبوت شرب الخمر، لا يسقط الحد بالتوبة جزمًا.

بل الجواب - عن ذلك الإشكال -: أن الاستثناء في آية القذف إنما هو نفس التوبة، وحق العباد توبته، إنما هو بأدائه، أو بالاستحلال، كما أن التوبة في حق الله تعالى، إنما هي باستيفاء الحدود بعد الثبوت، فتأمل! والله أعلم (2)./ ق (72/ ب من ب)

قوله: "والوارد بعد مفردات أولى بالكل".

أقول: هذه المسألة لم يذكرها كثير من الأصوليين: لأنهم لما أثبتوا أن الوارد بعد جمل متعاطفة راجع إلى الكل، فيعد المفردات بالطريق الأولى بلا خفاء.

(1) منهم عضد الملة والدين في شرحه على المختصر: 2/ 141.

(2)

آخر الورقة (72/ ب من ب)، وجاء في هامشها:(بلغ مقابلة على خط مؤلفه أدام الله ما ملك)، كما جاء في بداية ورقة (73/ أ) الهامش:(التاسع) يعني بداية الجزء التاسع.

ص: 350

فالدليل المذكور/ ق (72/ أمن أ) هناك جار هنا، بل كلام بعض (1) المحققين صريح، في أن عوده إلى الجميع في المفرد متفق عليه.

قال: "العطف يُصَيِّر المتعدد كالمفرد، فلا فرق بين قولنا: اضرب الذين قتلوا، وسرقوا، وزنوا [إلا من تاب] (2)، وبين قولنا: اضرب الذين هم قتلة، وسراق، وزناة"(3).

قوله: "أما القران بين الجملتين لفظًا".

أقول: إذا قرن شيء بآخر في كلام الشارع، وذكر لهما حكم يشتركان في ذلك الحكم، ولا يلزم من القران في الذكر التسوية فيما عدا الحكم المذكور، بل لو ثبت كان الدليل خارجيًا (4).

(1) جاء في هامش (أ، ب): "هو المولى المعظم عضد الملة والدين".

(2)

في (أ): "إلا الذين تابوا" ثم أضرب عنها، وصحح بالهامش.

(3)

راجع: شرح العضد على المختصر: 2/ 140، وتشنيف المسامع: ق (66/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 19، وهمع الهوامع: ص/ 197.

(4)

هذا هو مذهب الجمهور، أما الحنفية، فلهم تفصيل في ذلك حيث فرقوا بين الجمل الناقصة، والجمل التامة، فقالوا: الجمل الناقصة يوجب القران التساوي في الحكم كما في قوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] لأن حكم الجملتين لما لم يختلف كانتا كالجملة الواحدة، والإشهاد في المفارقة غير واجب، فكذا في الرجعة، بخلاف الجمل التامة، فإن القران لا يوجب فيها التساوي في الحكم، ومثلوا لذلك بالآية التي ذكرها الشارح، فإن كل واحدة من الجملتين مستقلة بنفسها، لم يلحقها ما ينافي استقلالها، فلا يقتضي ثبوت الحكم في إحداهما ثبوته في الأخرى. =

ص: 351

مثاله: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] قِران الزكاة بالصلاة لا يوجب تساويهما في جميع الأحكام، إذ الزكاة واجبة على الصبي دون الصلاة، خلافًا لأبي يوسف، والمزني (1).

وشبهتهما: [ما اشتهر](2) من أن العطف يقتضي اشتراك المعطوف، والمعطوف عليه.

قلنا: ذلك في الحكم الذي سيق له الكلام لا في جميع الأحكام.

قال الغزالي - في المستصفى -: "ظن قوم أن من مقتضيات العموم، العطف على العام، أو الاقتران به، وهو غلط إذ المختلفات قد تجمع

= راجع: أصول السرخسي: 1/ 273 - 274، وفتح الغفار: 2/ 58، واللمع: ص/ 24، والتبصرة: ص/ 229، والمسودة: ص/ 140، ومختصر البعلي: ص/ 113، والتمهيد: ص/ 273، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 19، وهمع الهوامع: ص/ 197.

(1)

المزني - بضم الميم، وفتح الزاى، وبعدها نون -: نسبة إلى مزينة بنت كلب، وهي قبيلة كبيرة مشهورة، وهو الإمام العلامة الفقيه الزاهد أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو، تلميذ الشافعي، وله مؤلفات في الفقه، كالجامع الكبير، والجامع الصغير، والمختصر، وتوفي (سنة 264 هـ).

راجع: اللباب: 2/ 205، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 79، وطبقات الفقهاء: للعبادي: ص/ 9، ومروج الذهب 4/ 206، والجرح والتعديل: 2/ 204، والعبر: 2/ 28، وسير أعلام النبلاء: 12/ 492، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 285، ومرآة الجنان: 2/ 177، والبداية والنهاية: 11/ 36، وطبقات السبكي: 2/ 93.

(2)

ما بين المعكوفين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 352

العرب بينها، فيجوز أن يعطف العام على الخاص، والواجب على المندوب، كقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228]- عامًا -، و {وَبُعُولَتُهُنَّ} عطف عليه، وهو خاص.

وقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ} -[استحسان](1)، وقوله:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] ، [إيجاب](2) "، ذكره في مباحث المفاهيم (3).

قوله: "الثاني: الشرط، وهو ما يلزم من عدمه العدم، ويلزم من وجوده الوجود".

أقول: من المخصصات المتصلة الشرط، وقد عرفه المصنف بما يستلزم عدمه، عدم الشيء، ولا يستلزم وجوده، وجود الشيء.

وهذا الحد يشمل الشرط العقلي: كالحياة للعلم، والشرعي: كالطهارة للصلاة، والعادي: كالسلم للصعود، واللغوي: كقولك: إن دخلت الدار، فأنت كذا، فإن أهل اللغة، وضعوا مثل هذا التركيب ليدل

(1) في (أ، ب): "إيجاب" والمثبت من المستصفى.

(2)

في (أ، ب): "ندب" والمثبت من المستصفى، وجاء في هامش (أ):"هذا - إشارة إلى الإيجاب، والندب - سهو، والصواب العكس {فَكَاتِبُوهُمْ} ندب {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} إيجاب".

(3)

راجع: المستصفى: 2/ 70 - 71، نقله بتصرف.

وقال الزركشي: "لا يخفى وجه مناسبة ذكر هذه المسألة هنا، وغيره ذكرها في باب الأدلة المختلف فيها، وهو أنسب. . .". تشنيف المسامع: ق (66/ ب).

ص: 353

على أن الجزء الثاني منه، وجوده موقوف، ومعلق على الجزء الأول، فانتفاء الأول يوجب انتفاء الثاني (1).

فإن قلت: إذا قال الرجل - لامرأته -: إن دخلت الدار، فأنت طالق، وجود الدخول مستلزم لوجود الطلاق، لا أن عدمه مستلزم لعدمه.

قلت: قد صار الشرط اللغوي حقيقة عرفية في السبب، فيستلزم الوجود، كما هو شأن الأسباب.

وكلامه في تقسيم الشرط مبني على ما لم يصر مستعملًا في السبب.

ويرد على حده جزء السبب، فإنه يلزم من عدمه عدم المسبب، ولا يلزم من وجوده وجوده.

الجواب: أن جزء السبب يوجد المسبب بدونه، إذا وجد سبب آخر، بخلاف الشرط، فإنه لا يمكن وجود المشروط بدونه أصلًا.

فإن قلت: نفرضه في جزء السبب المعين.

(1) قلت: وهذا هو المراد بالبحث هنا أعني الشرط اللغوي، المتمثل بصيغ التعليق مثل إن، أو إحدى أخواتها، كمن، وإذا، وما، ومهما، وحيثما، وأينما، وإذ ما، ويقال له: الشرط النحوي، يعني الصفة المسماة في عرف النحاة شرطًا، لكن الحد الذي ذكره المصنف يشمل جميع أنواع الشرط.

راجع: اللمع: ص/ 23، والمعتمد: 1/ 240، والمستصفى: 2/ 181، 205، والإحكام للآمدي: 2/ 139 - 140، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 89، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 132، 145، ونهاية السول: 2/ 437، وفواتح الرحموت: 1/ 342، وتيسير التحرير: 1/ 280، ونزهة الخاطر: 2/ 190، وشرح الورقات: ص / 108، وهمع الهوامع: ص/ 197، وإرشاد الفحول: ص/ 153.

ص: 354

قلت: جزء السبب المعين شرط عقلي لصدق تعريفه عليه، فلا إشكال، إذ لا تنافي / ق (73/ أمن ب) بين كون الشيء شرطًا، وجزء سبب.

وقد أجاب - عنه بعض (1) الأفاضل -: بأن انتفاء المسبب في الصورة المذكورة، ليس لانتفاء جزء السبب وحده، بل لانتفائه، وانتفاء أسباب أخر. ولا يخفى أنه تكلف بارد، والوجه ما ذكرناه.

ثم هنا - في بعض الشروح (2) - كلام غريب، وهو أنه اعترض على التعريف المذكور بنفس السبب المعين.

وأجاب: بأن السبب المعين لا يلزم من انتفائه من حيث هو سبب انتفاء الممكن، بل مع ضميمة كونه معينًا.

هذا حاصل كلامه، وهو غلط فاحش: لأن السبب - سواء كان معينًا، أو غيره - من لوازمه (3) / ق (72/ ب من أ) وجود المسبب عند وجوده. بخلاف الشرط، فإنه لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، فكيف يتصور الانتقاض به؟

قوله: لذاته، متعلق بالوجود، والعدم، واحترز به عن الشرط الذي لم يبق للمسبب ما يتوقف عليه سواه، فإن وجوده، وإن استلزم وجود المسبب لكن ليس لكونه شرطًا.

(1) جاء في هامش (أ): "هو الأبهري".

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "هو الزركشي". وراجع: تشنيف المسامع: ق (66/ ب).

(3)

آخر الورقة (72/ ب من أ).

ص: 355

قوله: "وهو كالاستثناء اتصالاً، وأولى بالعود إلى الكل على الأصح".

أقول: حكم الشرط حكم الاستثناء في اشتراط الاتصال، وفى رجوعه إلى الجمل المتعاطفة المتقدمة (1).

والإمام أبو حنيفة قال: برجوعه إلى الجميع بخلاف الاستثناء، فإنه يرجع إلى الأخيرة (2).

ووجه الفرق: أن الشرط له صدر الكلام، وإن تأخر لفظًا، فهو مقدم رتبة، فتقع جميع الجمل في موقع الجزاء.

وفيه نظر: لأنه يقدر مقدمًا على ما يرجع إليه سواء كان الجميع، أو الأخيرة (3).

مثاله: أكرم زيدًا، وعمرًا، وبكرًا، إن كان على طريقة أهل السنة.

(1) راجع: اللمع: ص/ 23، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 96، والإحكام للآمدي: 2/ 140 - 141، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 214، 264، وشرح العضد على ابن الحاجب 2/ 146، والقواعد لابن اللحام ص/ 260، ومختصر البعلي: ص/ 121، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 22، وهمع الهوامع: ص 198.

(2)

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 342، وتيسير التحرير: 1/ 281.

(3)

ذكر الفخر الرازي أن بعض الأدباء ذهب إلى أن الشرط يختص بالجملة التي تليه حتى إنه إن كان متأخرًا اختص بالجملة الأخيرة، وإن كان متقدمًا اختص بالجملة الأولى، ثم اختار التوقف كما سبق في الاستثناء.

راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 96، والتمهيد: ص/ 401، وإرشاد الفحول: ص/ 153.

ص: 356

ويجوز إخراج الأكثر بالشرط نحو: أكرم بني تميم إن كانوا علماء، يصح هذا الكلام، ويخرج الجهال، وإن كانوا أكثر، والأقوال الثلاثة الجارية في الاستثناء لا تجري هنا، ثم مبنى هذا على ظن المتكلم، فإن ظن أن الخارج أكثر صح، وإن كان الخارج هو الكل، فتأمل!

واعلم: أن الشرط على نوعين: لأن المؤثر في الشيء إن توقف وجوده على شيء آخر، فذلك الشيء الآخر هو شرط وجود ذلك المؤثر.

وإما أن يكون الموقوف على ذلك الشيء تأثير المؤثر لا وجوده.

قوله: "الثالث: الصفة كالاستثناء في العود إلى الكل".

أقول: من أقسام المخصص المتصل التخصيص بالصفة نحو: أكرم بني تميم الطوال، فقصر الطوال على بني تميم الذي هو لفظ عام على بعض مدلولاته.

وإذا تعقبت الصفة الجمل المتعاطفة (1)، أو المفردات، فالحكم كما في الاستثناء، فالمختار هناك مختار هنا.

(1) فمثال المتأخرة عن الجمل: أطعم أولادي، واكس إخوتي، وأقرض أعمامي المحتاجين. ومثال المتقدمة على الجمل: أطعم محتاجي أولادي، واكس إخوتي، وأقرض أعمامي. ومثال المتوسطة بين الجمل: أطعم أولادي المحتاجين، واكس إخوتي، وأقرض أعمامي. هذه ثلاث صور مع الجمل، وثلاث مع المفردات، وقد مثل لها الشارح.

راجع: اللمع: ص/ 26، والمعتمد: 1/ 239، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 105، والإحكام للآمدي: 2/ 141، والعضد على المختصر: 2/ 132، 146، ونهاية السول: 2/ 442، وفواتح الرحموت: 1/ 344، وتيسير التحرير: 1/ 382، ومختصر البعلي: ص/ 121، والقواعد لابن اللحام: ص/ 262، وإرشاد الفحول: ص/ 153.

ص: 357

ولا فرق بين الصفة المتأخرة والمتقدمة، واختيار المصنف - من غير نقل في المسألة -: أن المتوسطة تعود إلى الأول.

مثال المتأخرة: وقفت على أولادي، وأولاد أولادي المحاويج منهم.

ومثال المتقدمة: وقفت على محاويج أولادي، وأولاد أولادي.

ومثال المتوسطة: وقفت على أولادي (1) / ق (73/ ب من ب) المحاويج، وأولاد أولادي.

وفي مختار المصنف نظر: لأن المتقدمة على الكل إذا عادت إلى الجميع، فالمتوسطة أولًا بلا خفاء.

قوله: "الرابع الغاية كالاستثناء في العود، والمرادُ غايةٌ تَقدَّمَها عمومٌ".

أقول: من أقسام المخصص المتصل: الغاية، ومعنى الغاية - لغة -: النهاية (2)، ومن لوازمه انقطاع المغيا به نحو قوله تعالى:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29]، فإن حكم المغيا به، وهو وجوب المقاتلة، انتهى بوجود الغاية التي هي إعطاء الجزية، فلزم من ذلك إخراج أهل الذمة من عموم المشركين.

(1) آخر الورقة (73/ ب من ب).

(2)

راجع: المصباح المنير: 2/ 457، ومختار الصحاح: ص/ 488، والمراد بها هنا أن يجيء بعد اللفظ العام حرف من أحرف الغاية، كاللام، وإلى، وحتى.

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 23، وتشنيف المسامع: ق (67/ أ)، وشرح الكوكب المنير: 3/ 349، وإرشاد الفحول: ص/ 154.

ص: 358

ثم كل واحد من الغاية، وما قيد بها، إما متحد، أو متعدد، والحكم فيها كما في الاستثناء، والمختار المختار، وهو العود إلى الجميع على الأصح.

قوله: "أما مثل {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] ". إشارة إلى فائدة أبداها والد المصنف رحمه الله وهي أن الغاية إنما تكون للتخصيص إذا كان العام شاملًا لما بعد الغاية لولا ذكر الغاية، كالمثال المذكور، فإن المشركين عام في أهل الذمة وغيرهم، فالغاية أخرجت أهل / ق (73/ أمن أ) الذمة.

وأما نحو: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} ، فليس من هذا القبيل: لأن طلوع الفجر لم يتناوله أجزاء الليل ليخرج بالغاية، بل هو خارج ابتداء.

وإنما فائدة الغاية - في مثله - تأكيد العموم، أي: هي سلام في أجزائها كلها إلى طلوع الفجر لئلا يظن أن كونها سلامًا مخصوص ببعض أجزائها. وبعض الشراح (1) - لما لم يقف على مقصوده - اعترض عليه: بأن الليل ليس بعام، حتى تكون الغاية لتأكيد العموم.

ومنه قولك: قطعت أصابعه من الخنصر إلى البنصر، أي: جميع أصابعه، فلو لم يذكر حرف الغاية لربما توهم [التجوز](2)، فذكره لتوكيد معنى العموم.

قوله: "الخامس: بدل البعض".

(1) جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي"، وانظر تشنيف المسامع: ق (67/ أ).

(2)

في (ب): "التحرز" والمثبت من (أ) هو الصواب.

ص: 359

أقول: من التخصيص بالمتصل التخصيص بالبدل، ولا يعقل إلا في بدل البعض (1).

مثاله: جاءني القوم أكثرهم، ولم يتعرض له أكثر الأصوليين، وصوبهم والد المصنف. وشبهتهم - في ذلك، على ما ذكره بعض الشارحين -: أن المبدل لما كان في حكم السقوط، ومدار الحكم هو البدل، فلا معنى للتخصيص.

وأنا أقول: هذا كلام في غاية السقوط، لأنه جارٍ في الاستثناء أيضًا، ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني القوم إلا زيدًا، لم تسند الفعل إلى القوم، إلا بعد إخراج زيد منهم، وإلا كان تناقضًا، فإخراج زيد في صورة الاستثناء، قبل الحكم، مثل إخراج العاجز في قولك:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]. بل الصواب: أن ترك الجمهور ذكر البدل، إنما هو للعلم به من الاستثناء لتقاربهما في المعنى (2)، والله أعلم.

(1) هذا هو الخامس والأخير من المخصصات المتصلة، وقد تقدم أن الذي انفرد بذكره ابن الحاجب، ثم نقله عنه من تبعه في ذلك، وقد نقل عن الصفي الهندي، ووالد المصنف، وغيرهما الإنكار على ابن الحاجب.

راجع: المختصر مع شرح العضد: 2/ 132، وفواتح الرحموت: 1/ 344، وتيسير التحرير: 1/ 282، وتشنيف المسامع: ق (67/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 24، وهمع الهوامع: ص/ 200، وإرشاد الفحول: ص/ 154.

(2)

ولهذا قال ابن اللحام: "قال أبو العباس: عطف البيان، والتوكيد، والبدل ونحو ذلك من الأسماء المخصصة ينبغي أن تكون بمنزلة الاستثناء" القواعد والفوائد الأصولية ص/ 262.

ص: 360

قوله: "القسم الثاني: المنفصل، يجوز التخصيص بالحس، والعقل".

أقول: لما فرغ من أقسام المتصل شرع في المنفصل (1) وحصره في الحس (2)، والعقل، وهو غير منحصر للاتفاق على جواز التخصيص بالأدلة السمعية.

وأشار إليه المصنف - أيضًا - بقوله: والأصح جواز تخصيص الكتاب به، وبالسنة.

وزاد بعضهم (3) العادة، والزيادة، والنقصان، كما إذا حلف أنه لا يأكل الرأس، فلو أكل رأس العصفور لا يحنث / ق (74/ أمن ب) لأنه لم يتعارف بيعه بين الناس وحده.

وكذا لو حلف لا يأكل الفاكهة، لا يحنث بأكل العتب والرمان، كما روي عن أبي حنيفة لقوله تعالى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان} [الرحمن: 68](4) عطفهما على الفاكهة لزيادة فيهما على التفكه.

(1) المنفصل: هو ما يستقل بنفسه بأن لم يكن مرتبطًا بكلام آخر.

راجع: نهاية السول: 2/ 450، وفواتح الرحموت: 1/ 316، ومختصر البعلي: ص/ 117.

(2)

الحس: هو الدليل المأخوذ من الرؤية البصرية، أو السمع، أو اللمس، أو الذوق، أو الشم، من إطلاق أحد الحواس وإرادة الكل.

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 342، والمستصفى: 2/ 99، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 115، والإحكام للآمدي: 2/ 145، وشرح تنقيح الفحول: ص/ 215، ومختصر الطوفي: ص/ 107، والمحلي مع العطار: 2/ 60، وهمع الهوامع: ص/ 200، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 213.

(3)

هو العلامة التفتازاني في التلويح على التوضيح: 1/ 45.

(4)

وهذا مثال للزيادة، والذي سبقه للعادة، وقد صرح بأن المثال الأخير للنقصان.

ص: 361

وإذا قال: كل مملوك لي فهو حر، لا يعتق المكاتب لنقصان الرق فيه.

هذا، وكون العقل مخصصًا نسب خلافه إلى الشافعي (1).

وزعم المصنف: أن الخلف لفظي (2): لأن قوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (3)، لا يشك عاقل في أن ذاته المقدسة خارجة عن عموم الشيء، فكيف يخفى بطلان خلافه على مثل ذلك الحبر المحقق رضي الله عنه، والجواب الذي ذكره المصنف في غاية الحسن.

(1) يرى الإمام الشافعي أن ذلك من باب العام الذي أريد به الخصوص راجع: الرسالة ص/ 53 - 54. وقد منعت طائفة التخصيص بالعقل كذلك لأن المخصص يتأخر، ولأنه يلزم منه جواز النسخ بالعقل، ولأنه يؤدي إلى التعارض مع الشرع.

وقد رد الغزالي، والآمدي، وابن الحاجب على هذه الحجج التي احتج بها من منع التخصيص بالعقل.

راجع: المستصفى: 2/ 100، والإحكام للآمدي: 2/ 143 - 145، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 147.

(2)

وهذا ما قاله إمام الحرمين، والغزالي، والفخر الرازي، وغيرهم.

راجع: البرهان: 1/ 408 - 409، والمستصفى: 2/ 100، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 111، والعدة: 2/ 547، واللمع: ص/ 18، والمسودة: ص/ 118، وفواتح الرحموت: 1/ 301، وتيسير التحرير: 1/ 273.

(3)

الآية {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].

ص: 362

ثم المراد بكون الحس مخصصًا أن له مدخلًا فيه: لا أن التخصيص فعله، بل الحاكم به هو العقل (1).

وبما ذكرنا تنحل شبهة أوردها الإمام في أول "البرهان"، أوردها على الشيخ أبي الحسن الأشعري حيث حكم بأن التخصيص بالحس، أقوى منه بالعقل (2)، استشكله بعض (3) الأصحاب: بأن العقل أقوى من الحس لتطرق الآفات الكثيرة على الحس دون العقل، وخفي عليه مقصود الشيخ، وهو أن الحس إذا اجتمع مع العقل، كان الحكم أجلى وأوضح من انفراد العقل بلا ريب (4).

(1) ولهذا اقتصر جماعة - منهم الآمدي، وابن الحاجب - على العقل، ولم يذكروا الحس.

راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 143، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 147، وحاشية العطار على المحلي: 2/ 60.

(2)

قال إمام الحرمين: "ومما خاض فيه الخائضون: أنا قدمنا ما يدرك بالحواس على ما يدرك بالعقل، وهو اختيار شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمة الله عليه".

البرهان: 1/ 135، وانظر: التلخيص له: ورقة (80/ أ).

(3)

هو أبو العباس أحمد بن إبراهيم القلانسي.

راجع: البرهان: 1/ 135، وحاشية العطار على المحلي: 2/ 60.

(4)

وقد مثلوا للتخصيص بالحس بنحو قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]، وقوله تعالى:{يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57]، وقوله تعالى:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]، وقوله:{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42]. لأن المشاهد أن هناك أشياء كانت موجودة حين =

ص: 363

وبعض (1) الشراح (2) / ق (73/ ب من أ) أورد هذا النقل عن الأصحاب، ولكن لم يحم حول الجواب.

قوله: "والأصح جواز تخصيص الكتاب به".

أقول: منطوق عبارته يشتمل على أربع مسائل: الأولى: تخصيص الكتاب بالكتاب، الثانية: تخصيص السنة بالسنة، الثالثة: تخصيص الكتاب بالسنة، الرابعة: عكس الثالثة.

لنا - في المسألة الأولى على المختار، وهو الجواز (3) -: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] ، فإنه عام في الحامل، وغيرها، وقوله:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} [الطلاق: 4] مخصص له.

= هبوب الريح لم تدمرها، ولم تجعلها كالرميم، كالجبال، ونحوها، ونعلم أن ما في المشرق، والمغرب لم تجب إلى مكة ثمراته، وأن أشياء كثيرة لم تؤت منها بلقيس، غير أن الإمام الزركشي ذكر أن البعض لا يعتبر هذه الأمثلة من العام المخصوص بالحس، بل من العام الذي أريد به الخصوص.

راجع: تشنيف المسامع: ق (67/ ب)، ونزهة الخاطر: 2/ 160، وإرشاد الفحول: ص/ 157.

(1)

هو الزركشي في تشنيف المسامع: ق (67/ ب).

(2)

آخر الورقة (73/ ب من أ).

(3)

يعني تخصيص الكتاب بالكتاب، وهذا هو رأي جمهور الأصوليين لكنهم اختلفوا في شروطه: بالتقديم، أو التأخير، أو الاقتران، أو الاستقلال، أو الاتصال، أو التراخي، كما سيأتي ذلك في الشرح. =

ص: 364

وقوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] مخصص لقوله: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].

ومنع الجواز طائفة مطلقًا (1).

وفصَّله أبو حنيفة، والقاضي، وإمام الحرمين قالوا: لا يخلو إما أن يكون التأريخ معلومًا، أو لا، فإن كان معلومًا، وكان الخاص متأخرًا عن العام كان تخصيصًا، وإن تقدم الخاص، كان العام ناسخًا له (2).

وإن كان التاريخ مجهولًا تساقطا، فإن اعتضد الخاص بدليل ترجح، وإلا فالحكم للعام.

لنا - على المختار -: ما تقدم من الآيات المذكورة.

= راجع: المعتمد: 1/ 254، واللمع: ص/ 18، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 117، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 202، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 147، نهاية السول: 2/ 456، وفواتح الرحموت: 1/ 345، وشرح الورقات: ص/ 114، وإرشاد الفحول: ص/ 157.

(1)

ونسب إلى بعض الظاهرية، متمسكين بأن التخصيص بيان للمراد باللفظ، فلا يكون إلا بالسنة لقوله تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وحملوا الأمثلة التي سبقت على جواز تخصيصها بالسنة، راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 146، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 26، وتشنيف المسامع: ق (67/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 201.

(2)

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 346، تيسير التحرير: 1/ 277، ومختصر ابن الحاجب: مع العضد: 2/ 147 - 148، وإرشاد الفحول: ص/ 157.

ص: 365

وأيضًا: لو كان العام المتأخر ناسخًا للخاص المتقدم، لبطل القاطع بالمحتمل: لأن الخاص قطعي في مدلوله، والعام يحتمل الخصوص، فليس بقطعي في مدلوله، وبطلان القاطع بالمحتمل بديهي البطلان كذا ذكره بعض المحققين (1).

وفيه نظر: لأن العام عند أبي حنيفة قطعي في مدلوله كالخاص، ومطلق احتمال العام للخصوص لا يقدح في قطعية مدلوله ما لم يستند ذلك إلى دليل.

فقوله: وبطلان القاطع بالمحتمل بديهي البطلان، إنما يتم على أصل الشافعي لا على أصل أبي حنيفة، إلا أن يتبين بطلان ذلك الأصل، وهو مشكل جدًا.

ولنا - أيضًا -: أن الحمل على التخصيص أولى من النسخ: لأنه أكثر وأغلب، والإلحاق بالأغلب، أولى وأغلب.

وأيضًا: التخصيص دفع، والنسخ رفع، والدفع أهون من الرفع.

قالوا: لو قال (2) / ق (74/ ب من ب): اقتل زيدًا، ثم قال: لا تقتل المشركين، وكان زيد مشركًا لا يجوز قتله اتفاقًا.

(1) جاء في هامش (أ، ب): "المولى عضد الملة والدين"، وانظر شرحه على المختصر: 2/ 148.

(2)

آخر الورقة (74/ ب من ب).

ص: 366

قلنا: ذلك لنصوصية زيد في الإثبات، فلا يمكن تخصيصه، بخلاف ما إذا [قال] (1): لا تقتل أهل الذمة، ثم قال: اقتل المشركين، فإنه لا يدل على جواز قتل أهل الذمة.

قالوا: عن ابن عباس: "كنا نأخذ بالأحدث، فالأحدث"(2)، فإذا كان العام متأخرًا يؤخذ به، فيدل على نسخ الخاص.

قلنا: محمول على ما لا يقبل التخصيص جمعًا بين الأدلة.

وأما تخصيص السنة بالسنة، فجائز خلافًا لشرذمة (3).

(1) سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(2)

عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر قال: وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث، فالأحدث من أمره". أخرجه مالك، مسلم والدارمي بهذه الزيادة التي ذكرها الشارح، وأخرجه البخاري، وأبو داود، وعبد الرزاق بدون هذه الزيادة.

راجع: صحيح البخاري: 3/ 41 - 42، وصحيح مسلم: 3/ 140 - 141، والموطأ: ص/ 196، وسنن أبي داود: 1/ 560، وسنن الدارمي: 2/ 9، والمصنف لعبد الرزاق: 4/ 269، وشرح النووي على مسلم: 7/ 229.

(3)

المخالف هو داود الظاهري، وطائفة: لأن السنة بيان للقرآنِ، ولا يجوز أن يفتقر البيان إلى بيان.

راجع: اللمع: ص/ 18، والمعتمد: 1/ 255، والمستصفى: 2/ 141، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 120، والإحكام للآمدي: 2/ 148، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 148، وفواتح الرحموت: 1/ 349.

ص: 367

لنا - على المختار - وقوعه: لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق (1) صدقة"(2)، مخصص لقوله:"فيما سقت السماء العشر"(3).

(1) الأوسق: جمع وسق، والوسق ستون صاعًا، والصاع أربعة أمداد، والمد رطل وثلث بغدادي، فالأوسق الخمسة ألف وست مئة رطل بغدادي، والرطل البغدادي يساوي 408 غرامات، فالأوسق الخمسة تساوي = (652،8) كيلو غرامًا.

راجع: الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان: ص/ 506، وفيض القدير: 5/ 376.

(2)

هذا طرف من حديث رواه البخاري، ومسلم، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا.

راجع: صحيح البخاري: 2/ 141، وصحيح مسلم: 3/ 67، والموطأ: ص/ 167، والأم: 2/ 25، والمسند: 2/ 92، 3/ 6، وسنن أبي داود: 1/ 357، وتحفة الأحوذي: 3/ 261 - 262، وسنن النسائي: 5/ 18، 39، وسنن ابن ماجه: 1/ 147، وسنن الدارمي: 1/ 384، وفيض القدير: 4/ 460.

(3)

هذا جزء من حديث رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، والدارقطني، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي وغيرهم.

راجع: صحيح البخاري: 2/ 148، وصحيح مسلم: 3/ 67، والمسند: 1/ 145، 5/ 233، وسنن أبي داود: 1/ 370، وتحفة الأحوذي: 3/ 291، وسنن النسائي: 5/ 41، وسنن ابن ماجه: 1/ 556، وسنن الدارمي: 1/ 393، وسنن الدارقطني: 2/ 97، وصحيح ابن خزيمة: 4/ 37، والمستدرك: 1/ 401، والسنن الكبرى: 4/ 131.

ص: 368

وكذلك يجوز تخصيص السنة بالكتاب لقوله تعالى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]، والسنة شيء، فيجوز أن يكون الكتاب بيانًا له (1).

وأيضًا: الخاص من الكتاب قطعي، والعام من السنة محتمل، فلو لم يجز تخصيصه به بطل القطعي بالمحتمل.

قالوا: قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، فيكون هو المبين بالسنة القرآن، فلا يكون القرآن مبينًا لكلامه.

الجواب: الكل بلسانه، فتارة تبين السنة بالقرآن، وتارة بالعكس (2).

(1) وهذا هو مذهب جمهور الفقهاء، والمتكلمين، والمخالف في هذا هم بعض الشافعية، وبعض الحنابلة.

راجع: التبصرة: ص/ 136، والعدة: 2/ 569، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 123، والمسودة: ص/ 122، والإحكام للآمدي: 2/ 149، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 149، وفواتح الرحموت: 1/ 349، ومختصر الطوفي: ص/ 108، ومختصر البعلي: ص/ 123، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 217.

(2)

وقد مثلوا لتخصيص السنة بالكتاب بقوله صلى الله عليه وسلم: "ما أُبين من حي، فهو ميت"، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وابن ماجه والدارمي، وقد خص الحديث بقوله تعالى:{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]. ووجه الدلالة أن ما في الحديث من صيغ العموم تشمل كل ما انفصل عن الحيوان، وتجعله كالميت في عدم الاستعمال بما في ذلك الأصواف، والأوبار، والأشعار، فجاءت الآية الكريمة، فأخرجت من ذلك العموم ما ذكر فيها، وعليه فالأصواف، والأوبار، والأشعار يجوز استعمالها.

راجع: المسند: 5/ 218، وسنن أبي داود: 2/ 100، وتحفة الأحوذي: 5/ 55، وسنن ابن ماجه: 2/ 292، وسنن الدارمي: 2/ 93، ونيل الأوطار: 8/ 151. =

ص: 369

وأما الكتاب، فتخصيصه بالخبر المتواتر متفق عليه (1)، وبالآحاد فيه خلاف.

= ومن أمثلته - أيضًا - قوله عليه الصلاة والسلام: "خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مئة، ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مئة، والرجم" فإن هذا يشمل الحر، والعبد.

رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا، فخص العبد بقوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25].

راجع: صحيح مسلم: 5/ 115، والمسند: 3/ 476، 5/ 313، وسنن أبي داود: 2/ 455، وتحفة الأحوذي: 4/ 705، وسنن ابن ماجه: 2/ 114، وسنن الدارمي: 2/ 181، ونيل الأوطار: 7/ 91.

وانظر: الدرر اللوامع لابن أبي شريف: ق (167/ أ - ب) وحاشية البناني: 2/ 27، وحاشية العطار: 2/ 62.

(1)

وقد نقل عن الصفي الهندي أنه حكى الإجماع عليه، وقال الآمدي: لا أعرف عليه خلافًا، وتخصيص الكتاب بالمتواتر من قوله، أو فعله صلى الله عليه وسلم قد ثبت، ومثلوا للقول بقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، فلفظ الأولاد يشمل في استحقاق الإرث - على النحو المذكور - الكافر، والقاتل لمورثه، وغيرهما، فجاءت السنة المتواترة، فخصصت هذا العموم بإخراج الكافر، والقاتل، بقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" رواه البخاري، ومسلم ومالك، وأصحاب السنن، وغيرهم. وكقوله صلى الله عليه وسلم:"القاتل لا يرث" رواه مالك، وأحمد، وأصحاب السنن، والبيهقي، والحديث روي من طرق متعددة، بألفاظ مختلفة، ولكن في سنده انقطاع، وضعف، كما ذكر ذلك الحفاظ، وقد استُدِلَّ به في كتب الأصول على أنه متواتر، وليس =

ص: 370

والحق: جوازه / ق (74/ أمن أ)، وإليه ذهب الأئمة الأربعة.

وقيل: لا يجوز مطلقًا، ونسب إلى بعض المتكلمين.

وقيل: إن خص بقاطع جاز، وإلا فلا، وحكي هذا عن ابن أبان، واختار عكسه المصنف.

وقيل: إن خص بمنفصل جاز، وإلا فلا، وإليه ذهب الكرخي.

= كذلك، فإن طرقه لم تسلم من ضعف، وغيره، وإن كان يتقوى بمجموعها لكنه لا يبلغ إلى درجة التواتر سندًا، غير أن العمل عليه عند أهل العلم - أعني أن القاتل لا يرث بالإجماع - فيعتبر متواترًا حكمًا.

راجع: صحيح البخاري: 8/ 194، وصحيح مسلم: 5/ 59، والموطأ: ص/ 321، 540، ومسند أحمد: 1/ 49، وسنن أبي داود: 2/ 496، وتحفة الأحوذي: 6/ 286 - 287، 290 - 291، وسنن ابن ماجه: 2/ 164، 166، وسنن الدارقطني: 4/ 95، وسنن البيهقي: 6/ 219 - 221، نصب الراية: 4/ 328، وتلخيص الحبير: 3/ 84 - 85، ونيل الأوطار: 6/ 75، وأقضية الرسول عليه الصلاة والسلام: ص/ 174.

وأما تخصيص الكتاب بفعله المتواتر، كتخصيص قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] بما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من رجم المحصن في قصة ماعز، وغيره، غير أنه قد نقل فيه خلاف حيث ذهب البعض إلى أن فعله المتواتر لا يخصص الكتاب.

راجع: الرسالة: ص/ 171 - 172، وشفاء الغليل: ص/ 46، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 120، والإحكام للآمدي: 2/ 149، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 206، 207، وتشنيف المسامع: ق (68/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 27، والدرر اللوامع لابن أبي شريف: ق (67/ أ - ب) وهمع الهوامع: ص/ 201 - 202.

ص: 371

وتوقف القاضي: بمعنى هل يجوز، أم لا (1).

لنا - على المختار - قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح المرأة على خالتها، ولا على عمتها"(2)، مخصص لقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، فإن "ما" يتناول ما وراء المذكورة، ومنها العمة، والخالة.

وقوله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"(3)، مخصص لـ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} .

قالوا: إنما خص بالإجماع من الصحابة.

(1) راجع: أصول السرخسي: 1/ 142، والبرهان: 1/ 426، والعدة: 2/ 550، واللمع: ص/ 18، والتبصرة: ص/ 132، والمستصفى: 2/ 114، والمنخول: ص/ 174، والمسودة: ص/ 119، ومختصر ابن الحاحب: 2/ 149، ونهاية السول: 2/ 459، ومختصر الطوفي: ص/ 107، وإرشاد الفحول: ص/ 158.

(2)

هذا الحديث رواه البخاري، ومسلم، ومالك، وأحمد، وأصحاب السنن الأربع، والدارمي، وابن حبان عن أبي هريرة، وجابر رضي الله عنهما، مرفوعًا.

راجع: صحيح البخاري: 7/ 15، وصحيح مسلم: 4/ 135، والموطأ: ص/ 329، والمسند: 2/ 179، 189، وسنن أبي داود: 1/ 476، وتحفة الأحوذي: 4/ 272، وسنن النسائي: 6/ 96، 98، وسنن ابن ماجه: 1/ 595، وسنن الدارمي: 2/ 136، وموارد الظمآن: ص/ 210.

(3)

روى البخاري، ومسلم: أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركناه صدقة".

راجع: صحيح البخاري: 5/ 177، وصحيح مسلم: 5/ 153.

ص: 372

قلنا: فهموا من الخبر التخصيص، فأجمعوا على ذلك، فالدليل عندهم هو الخبر.

قالوا: الكتاب قطعي، وخبر الواحد ظني، فلا يترك القطعي بالمحتمل كما سبق.

قلنا: عام الكتاب قطعي المتن، ظني الدلالة، والخبر الخاص بالعكس، فوجب الجمع لقوة كل منهما من وجه، وهذا هو الذي أوجب التوقف عند القاضي.

والثالث من المذاهب: وهو أنه يجوز إذا خص بقاطع، فلأن القاطع إذا وقع مخصصًا تضعف دلالته لتطرق الشبهة إليه.

وما اختاره المصنف من عكس ذلك (1) - مع كونه مخالفًا لإطباق العلماء - غير معقول: لأن المصنف قائل بأنه إذا لم يخصص العام لا بظني، ولا قطعي يجوز تخصيصه بالآحاد، فالتخصيص بالقطعي لا شك يفيد ضعفًا في العام، فكان جواز التخصيص بعده من باب الأولى.

وشبهة الكرخي في الفرق بين المتصل والمنفصل: زيادة القوة في المنفصل، ولزيادة قوة المنفصل كان المخصص به مجازًا في الباقي، ومراتب التجوز سواء، فلا يبقى العام قطعيًا.

(1) يعني المنع إن خص قبل ذلك بقطعي، وإلا فيجوز: لأن المخرج بالقطعي لما لم تصح إرادته كان كأن العام لم يتناوله، فيلحق بما لم يخص، وهذا القول لم يسبق إليه المصنف.

راجع: تشنيف المسامع: ق (68/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 28، وهمع الهوامع: ص/ 202، والدرر اللوامع للكمال: ق (167/ ب).

ص: 373

والجواب: ما تقدم من كون الخاص قطعي الدلالة، وإن كان العام قطعي المتن.

قوله: "وبالقياس خلافًا للإمام مطلقًا" إلى آخره.

أقول: ذهبت الأئمة الأربعة إلى جواز تخصيص الكتاب، والسنة، بأقسامه (1) / ق (75/ أمن ب) بالقياس.

وذهب القاضي، والإمام (2) إلى التوقف.

وابن سريج: إن كان القياس جليًا جاز، وإلا فلا (3)، ونسب هذا إلى الجبائي، والنقل عنه عدم الجواز مطلقًا.

(1) قطعيًا كان أو ظنيًا، وهو مذهب الأشعري، والأكثر، وبه قال أبو هاشم أخيرًا، وأبو الحسن البصري من المعتزلة، ونقله الغزالي عن مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، ونقله ابن الحاجب عنهم، وعن أحمد.

راجع: التبصرة: ص/ 137، واللمع: ص/ 20، والعدة: 2/ 559، وأصول السرخسي: 1/ 141، والإحكام للآمدي: 2/ 159، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 203، والمسودة: ص/ 119، ونهاية السول: 2/ 463، ومختصر البعلي: ص/ 124، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 175، ونزهة الخاطر: 2/ 169، وإرشاد الفحول: ص/ 159، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 223.

(2)

المراد به إمام الحرمين الجويني، واختاره الغزالي في المنخول.

راجع: البرهان: 1/ 428، والمنخول: ص/ 159.

(3)

واختاره الإصطخري من الشافعية، والطوفي من الحنابلة، وغيرهما.

راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 160، ومختصر الطوفي: ص/ 109، وتشنيف المسامع: ق (68/ أ)، والدرر اللوامع للكمال: ق (168/ أ)، وشرح الكوكب المنير: 3/ 378.

ص: 374

وقيل: إن كان الأصل في القياس المخصص مخرجًا من ذلك العموم بنص جاز، وإلا فلا.

الكرخي - على مذهبه في تخصيص الآحاد للقطعي -: إن خص بمنفصل جاز، وإلا فلا.

الإمام الرازي: منع مطلقًا - في المعالم - وجوزه في المحصول (1)، قال - بعد ذكر الخلاف -:"لنا: أن القياس، والعموم دليلان متعارضان، والقياس خاص، فوجب تقديمه"(2).

وهنا مذهب آخر، وهو أنه: إن خص العام قبل القياس بنص جاز، وإلا فلا، ونسب إلى ابن أبان (3).

واختار الغزالي أرجح الظنين، وقال:"العام ظني الدلالة، وكذا القياس، فالمجتهد يعتبر أقوى الظنين"(4).

وقال الشيخ ابن الحاجب: "إن ثبت علية العلة في القياس بنص، أو إجماع، أو كان الأصل مخصصًا للعام متصلًا كان أو منفصلًا، خص به، وإلا، فالاعتبار بالقرائن"(5). كما ذكره الإمام الغزالي.

(1) راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 148.

(2)

نفس المرجع: 1/ ق/3/ 152.

(3)

وقد ذكر السرخسي أن أكثر الحنفية يقولون: تخصيص العام لا يجوز بالقياس وخبر الواحد إلا إذا ثبت تخصيصه أولًا، وابتداء. راجع: أصول السرخسي: 1/ 142.

(4)

راجع: المستصفى: 2/ 122، 132.

(5)

راجع: المختصر وعليه العضد: 2/ 153. =

ص: 375

لنا - على مختار الجمهور -: ما تقدم من أن العام دليل، والقياس دليل، فإذا خص به كان إعمالًا للدليلين، وإعمالهما أولى من إهمال أحدهما.

وأيضًا: العام يحتمل المجاز، والخصوص، بخلاف القياس، فكان (1) / ق (74/ ب من أ) أولى.

المانع [مطلقًا: القياس فرع، فلا يقدم على النص الذي هو أصله.

قلنا: كذلك لا يقدم على النص المقيس عليه، وغره ليس] (2) بأصل له.

قالوا: مقدماته أكثر، فكان أضعف، فلا يقدم على الأقوى.

قلنا: قد يكون العكس كما في الخبر المروي من كثرة الرواة، وشرائطها، ولو سلم غلبة أحد الظنين، لكن إعمال الدليلين أولى.

ويرد عليهم تجويز تخصيص الكتاب بالسنة لكثرة المقدمات في السنة دون الكتاب.

= وقد منع قوم التخصيص بالقياس في القرآن خاصة، وعُزي إلى الحنفية: لأن التخصيص - عندهم - نسخ، ولا ينسخ القرآن بالقياس، ولو كان جليًا وبه قال بعض الحنابلة، واختاره البزدوي، والسرخسي، وابن الهمام، وصدر الشريعة، ونقله السرخسي عن أكثر مشايخ الحنفية.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 141، وكشف الأسرار: 1/ 294، وفواتح الرحموت: 1/ 358، وتيسير التحرير: 1/ 322، والمنخول: ص/ 175، والمسودة: ص/ 119، والبرهان: 1/ 428، ومختصر الطوفي: ص/ 109، ومختصر البعلي: ص/ 124.

(1)

آخر الورقة (74/ ب من أ).

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 376

الجبائي: دل حديث معاذ على تأخير القياس عن الكتاب، والسنة، فلا يجوز تخصيصهما به.

قلنا: يرد عليك السنة مع الكتاب إذ يجوز تخصيص الكتاب به عندك، مع تأخرها عنه في خبر معاذ، مع أن خبر معاذ إنما يدل على عدم جواز إبطال النص به، وقد علمت: أن في التخصيص إعمال الدليلين، فلا يرد علينا القائل: بالجلي (1) دون الخفي لقوة الجلي، وظهوره دون الخفي.

الجواب: ما تقدم من إعمال الدليلين، وكونهما متساويين في الحجة.

ومن قال: بأن أصل القياس إن لم يكن مخرجًا من ذلك العام بنص لم يجز، وإلا جاز، فلأن الأصل المخرج من ذلك العام بنص إذا بني عليه قياس يقوى على معارضة العام: لكونه أصله مخرجًا عنه بدليل.

الجواب: ما تقدم مرارًا من عدم الفرق، وأولوية إعمال الدليلين.

الكرخي: على أصله من أن العام إن خص بمنفصل جاز تخصيصه بالقياس كما سبق في خبر الآحاد، والجواب: هو الجواب.

(1) واختلفوا في تفسير الجلي، والخفي، فقيل: الجلي قياس العلة، والخفي قياس الشبه، أو الجلي: ما يظهر فيه المعنى نحو: "لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان".

راجع: شرح النووي على صحيح مسلم: 12/ 15، وقيل: الجلي: ما تبادرت علته إلى الفهم عند سماع الحكم كتعظيم الأبوين عند سماع النهى عن قول التأفيف لهما، وقيل غير ذلك.

راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 150، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 203.

ص: 377

الواقفية كالقاضي، وإمام الحرمين قالوا: أدلة تقديم كل منهما تعارضت، وجب التوقف. وقد علمت الجواب (1)، والله أعلم بالصواب.

قوله: "وبالفحوى".

أقول: المفهوم بالفحوى - أي: مفهوم الموافقة كتحريم الضرب المفهوم من تحريم التأفيف للأبوين - يجوز تخصيص العام به (2)، وهذا ينبغي أن لا يخالف فيه عاقل: لأنه أولى من المنطوق، أو مساو له.

وكذا مفهوم المخالفة، كما في قوله:"في الغنم السائمة زكاة"، فإنه يخرج المعلوفة الداخلة في قوله:"في الغنم زكاة"(3)، وإنما قيل: بالأرجح

(1) يعني لامكان إعمال الدليلين معًا، فلا تعارض كما تقدم ذلك في الشرح.

(2)

فمثلًا قوله صلى الله عليه وسلم: "ليُّ الواجد يحل عرضه، وعقوبته" يعني شكايته إلى ولي الأمر، وحبسه، وهذا عام لكل من مطل وهو قادر على التسديد، غير أن الوالدين خص من هذا العموم بمفهوم قوله سبحانه:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فمفهومه أنه لا يؤذيهما بحبس، ولا بغيره، وبناء على ذلك، فلا يحبس الوالد بدين ولده، بل وليس له مطالبته على الصحيح عند أكثر العلماء، ويصلح هذا مثالًا لتخصيص السنة بالكتاب.

راجع: العدة: 2/ 578، والبرهان: 1/ 449، واللمع: ص/ 25، والمستصفى: 2/ 105، والمنخول: ص/ 208، 215، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 13، والإحكام للآمدي: 2/ 153، والعضد على المختصر: 2/ 150، فواتح الرحموت: 1/ 353، وتيسير التحرير: 1/ 316، ومختصر الطوفي: ص/ 109، ومختصر البعلي ص/ 123، وإرشاد الفحول: ص/ 160.

(3)

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الابل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته".

رواه: أحمد، والبيهقي، والحاكم، وقال: على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، والحديث في سنده كلام للحافظ. =

ص: 378

لأنه روي عن الشافعي المنع فيه لأنه أضعف من المنطوق (1)، والصحيح عنه جوازه: لأن مثل هذا الضعف لا يقدح في جواز التخصيص، ألا ترى أن خبر الواحد يخصص القطعي (2) / ق (75/ ب من ب).

قوله: "وبفعله".

أقول: إذا ورد في الكتاب، أو في السنة لفظ حكمه عام لجميع المكلفين، وفعل صلى الله عليه وسلم بعض أفراد ذلك العام المنهى عنه، مثلًا لو قال: صوم الوصال حرام (3) على كل مسلم، ثم صام هو، لا يخلو إما أن يكون فعله

= راجع: المسند: 5/ 179، والمستدرك: 1/ 388، والسنن الكبرى: 4/ 146، وتلخيص الحبير: 2/ 179، وفيض القدير: 4/ 445.

(1)

المخالف فيه الحنفية مطلقًا، وبعض الشافعية في بعض أقسامه، غير أن متأخري الأحناف حصروا عدم الاحتجاج به في كلام الشارع فقط.

وأما في المصنفات الفقهية، وفي كلام الناس في عقودهم، وشروطهم، وسائر عباراتهم، فقد قالوا به نزولًا على حكم العرف، والعادة، إذ جرت عادتهم أنهم لا يقيدون كلامهم بقيد من هذه القيود إلا لفائدة.

راجع: شرح المنار لابن مَلَك: ص/ 547، وكشف الأسرار: 2/ 252، والتقرير والتحبير: 1/ 177، وتيسير التحرير: 1/ 316، وفواتح الرحموت: 1/ 353، والإحكام للآمدي: 2/ 153، وإرشاد الفحول: ص/ 179.

(2)

آخر الورقة (75/ ب من ب).

(3)

عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا: إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى". =

ص: 379

من خواصه، أو مما يجب الاقتداء به فيه، فإن كان الأول فهو تخصيص له فقط، وإن كان الثاني: لا يخلو إما أن يكون ذلك بدليل خاص في ذلك الفعل، فهو نسخ، وإن كان بدليل عام، فالمختار أن ذلك الدليل العام يكون مخصصًا بالعام المتقدم ذكره، فيجب على الأمة موجب ذلك القول، ولا يلزمهم الاقتداء به في الفعل.

مثاله: قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] دل على وجوب الاتباع في كل الأفعال، والنهي عن الوصال دل على حرمة هذا الفعل المخصوص، فعلم أن وجوب الاتباع عام، مخصص، فيكون إعمالًا للدليلين، إذ لو بقى عمومه لبطل العمل بالأول / ق (75/ أمن أ) بالكلية، إذ الوصال مباح له، فلو أبيح لنا - أيضًا - لبطل العام الأول بالكلية (1).

= راجع: صحيح مسلم: 3/ 133، غير أن لفظ الحديث يقتضي أن يكون من باب الخصوصية به لا من باب التخصيص، ولهذا ذكر الإمام الزركشي أن صورة المسألة. - أعني التخصيص - أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داخلًا تحت ذلك العموم كقوله:"لا صلاة بعد العصر"، ثم صح عنه الصلاة بعده، فتبين بهذا الفعل أنه مخصص من ذلك العموم. ولكن لو كان الحديث السابق أعني الناهي عن الوصال باللفظ الذي ذكره الشارح كان ينطبق على أنه تخصيص لأنه لفظ عام يدخل فيه المخاطب، فلا يكون خصوصية له. راجع: المستصفى: 2/ 107، وتشنيف المسامع: ق (68/ ب).

(1)

ذكر الآمدي أن مذهب الأكثرين على أن الفعل يكون بيانًا خلافًا لطائفة شاذة، ويدل على ذلك العقل، والنقل.

راجع: التبصرة: ص/ 147، واللمع: ص/ 20، والعدة: 2/ 573، والمعتمد: 1/ 359 - 362، والمستصفى: 2/ 106، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 125، والإحكام للآمدي: 2/ 178، =

ص: 380

وقيل: يجب العمل به، وقيل: يجب التوقف، والجواب - عنهما -: قد تقدم مرارًا من إعمال الدليلين.

قوله: "وتقريره في الأصح".

أقول: إذا عَلِم صلى الله عليه وسلم بفعل صدر من مكلف، يخالف عموم ما دل عليه دليل شرعي، ولم ينكره، كان تقريره مخصصًا، ومخرجًا ذلك الفاعل إذ لا يمكن تقريره إلا على الصواب.

[ثم إن](1) تبين موافقة غيره له في علة مشتركة حمل عليه، إما قياسًا، وإما بقوله:"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة".

وأما إذا لم تبين الموافقة، فلا يتعدى المذكور (2)، أما قياسًا، فلاقتضائه الاشتراك في العلة، وأما قوله:"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"، فلتوقفه على عدم الفارق إجماعًا.

= وشرح تنقيح الفصول: ص/ 210، والمختصر: وعليه شرح العضد 2/ 151، والمسودة: ص/ 125، وفواتح الرحموت: 1/ 354، وإرشاد الفحول: ص/ 158، وتشنيف المسامع: ق (68/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 31، مختصر البعلي: ص/ 123.

(1)

سقط من (ب) وأثبت (إن) بهامشها.

(2)

واختاره ابن الحاجب، واختار المصنف في الإبهاج: التعميم إن ظهر المعنى ما لم يظهر ما يقتضي التخصيص.

راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 155، ومختصر ابن الحاجب مع العضد: 2/ 151، والإبهاج: 2/ 182.

ص: 381

وقول المصنف: "على الأصح"، إشارة إلى الخلاف، فإن طائفة ذهبت إلى أنه نسخ (1).

والجواب: أن التخصيص أولى، إما لأنه دفع، والنسخ رفع، والدفع أهون من الرفع، أو لأن التخصيص إعمال الدليلين، والنسخ يستلزم إبطال أحدهما.

قوله: "وأن عطف العام على الخاص" إلى آخره.

أقول: هذه مسائل: المختار فيها عدم التخصيص، منها: عطف العام على الخاص، مثل عطف {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ} ، على قوله:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4]، فإن المعطوف عليه خاص بالمطلقات، والمعطوف عام، إذ ذات الحمل - سواء كانت مطلقة، أو متوفى عنها زوجها - عدتها بالحمل إجماعًا (2).

(1) ذهبت الحنفية إلى أنه إن كان العلم بالفعل في مجلس ذكر العام، فهو تخصيص وإن لم يكن في المجلس، بل متأخرًا عنه، فهو نسخ، وفصل الأسنوي بين تخصيصه بالتقرير بالنسبة للفاعل، وبين شموله للباقي، فالأول: تخصيص، والثاني: نسخ، وقال غيره: يكون الثاني تخصيصًا أيضًا، بالقياس على الفاعل.

راجع: المستصفى: 2/ 110، ونهاية السول: 2/ 472، وفواتح الرحموت: 1/ 354، ومختصر البعلي: ص/ 123، ونزهة الخاطر: 2/ 167، وتشنيف المسامع: ق/ (68/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 32، وسلم الوصول: 2/ 472.

(2)

يعني بوضع حملها، وهو في المطلقة متفق عليه، لكن في المتوفى عنها، وقع فيه خلاف، فمذهب الجمهور أنها لو وضعت بعد وفاته بلحظة تكون قد حلت لحديث سبيعة الأسلمية أنها وضعت بعد وفاة زوجها بليال، فقاك لها النبي صلى الله عليه وسلم:"قد حللت، فانكحي من شئت". =

ص: 382

وكذا عكس هذه المسألة، أعني عطف الخاص على العام مثل قوله تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ} ، بعد قوله:{وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228]، فإن المعطوف خاص بالرجعيات، والمعطوف عليه عام في جميع المطلقات (1).

والحق: أن إفراد هذه المسألة لا وجه له بعد ذكر مسألة القران، فإن حكمها علم هناك (2).

= وذهب ابن عباس إلى أنها لو وضعت بعد وفاته بلحظة لا تحل، إلا بانقضاء الأشهر، واعتبره البعض ظاهرًا لولا حديث سبيعة، إذ هو جلاء لكل غمة، وعلا على كل رأي وهمة، هكذا قال، ومراد ابن عباس أنها تعتد بأبعد الأجلين، وهو مروي عن عليّ رضي الله عنهما.

وذهب الحسن، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي إلى أنها لا تحل إلا بعد الطهر من النفاس، رد بأن الحكمة من العدة: براءة الرحم، وبالنفاس يتحقق ذلك دون اشتراط الطهر، كما أن الآية أطلقت، ولم تشترط الطهارة أعني {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].

راجع: أحكام القرآن لابن العربي: 1/ 208، وبداية المجتهد: 2/ 96، والمغني لابن قدامة: 7/ 473.

(1)

راجع: اللمع: ص/ 24، المستصفى: 2/ 70، والمعتمد: 1/ 285، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 250، والإحكام للآمدي: 2/ 158، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 222، والمسودة: ص/ 140، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 120، ونهاية السول: 2/ 486، وفواتح الرحموت: 1/ 298، وتيسير التحرير: 1/ 261، ومختصر البعلي: ص/ 113، وإرشاد الفحول: ص/ 139.

(2)

يرى العبادي: أن للمصنف وجهًا وجيهًا في إفراد هذه المسألة بالذكر مسألة القران: لأن هناك عطف إحدى الجملتين على الأخرى، فذلك العطف هل يقتضي التسوية بينهما في غير الحكم المذكور من الأحكام المعلومة لإحداهما أو لا؟ أما هنا، فهو =

ص: 383

ومنها: عود الضمير إلى بعض أفراد العام لا يوجب تخصيص العام كعود ضمير {وَبُعُولَتُهُنَّ} إلى الرجعيات التي هي بعض أفراد المطلقات (1).

= عطف العام على الخاص، فهل يقتضي التسوية بينهما في صفة الحكم المذكور لهما، أو لا؟ وهناك فرق بين التسوية في صفة الحكم المذكور - كما هو هنا - وبين التسوية فيما لم يذكر من الأحكام - كما هو هناك - إذ الأول أهون من الثاني، ولكون الأول أهون من الثاني، فقد يتوهم الجواز هنا، فناسب ذكرها على انفراد.

قلت: لعل الشارح لا ينازع في هذا الفرق، وإنما مراده أن الخلاف الجاري هناك جار هنا، والمخالف هناك، هو المخالف هنا، فمن هذه الحيثية، له وجهة نظر، بدليل قوله: فإن حكمها علم هناك.

راجع: الآيات البينات: 3/ 63، وقد تقدمت المسألة بمراجعها وأقوال العلماء فيها: ص/ 350 - 351.

(1)

لأن المطلقات عام للبائن والرجعية، وتجب العدة عليهما، ويلزم من ذلك أن يكون الضمير في {وَبُعُولَتُهُنَّ} يشمل بعل البائن، وبعل الرجعية، وهذا غير صحيح: لأن البائن لا يحق لبعلها أن يردها ويراجعها حتى تنكح زوجًا غيره، فدل على أن الضمير مع المعطوف خاص بالرجعية، مع أنه في المعطوف عليه عام في البائن والرجعية؛ لأن العطف لا يقتضي المشاركة هنا عند الجمهور.

وذهب الحنفية، وإمام الحرمين، وأبو الحسن البصري، وابن الحاجب إلى أنه يخصصه كما ذكر الشارح، وذهب البعض إلى القول بالوقف لتعارض الأدلة.

راجع: اللمع: ص/ 24، والمستصفى: 2/ 71، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 205، والإحكام للآمدي: 2/ 159، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 191، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 121، وفواتح الرحموت: 1/ 299، وتيسير التحرير: 1/ 320، ومختصر البعلي: ص/ 124، وتشنيف المسامع: ق (69/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 205، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 32.

ص: 384

وقيل: يخصصه، ويؤخذ حكم البوائن من دليل آخر، وليس بشيء، وإليه الإشارة بقوله:"والأصح". لأنه مقابله.

ومنها: مذهب الراوي لا يخصص، ولو كان الراوي صحابيًا، إذ ربما ظنه دليلًا، ولم يكن في نفس الأمر دليلًا: لأن ظنه ليس بمصون عن الخطأ، ولا يجوز لمجتهد تقليد غيره (1).

(1) مذهب المالكية، والشافعية أن قول الصحابي الذي فيه مجال للاجتهاد ليس حجة، وعليه، فلا يخصص به، واختاره مشاهير الأحناف كالكرخي، والسرخسي، والبزدوي، والبخاري علاء الدين، وابن الهمام، وبعض الحنابلة. وذهبت الحنفية، والحنابلة في المشهور عنهم، وابن حزم إلى أنه حجة، وعليه فيجوز تخصيص اللفظ العام بمذهب الصحابي، على اختلاف بينهم في اشتراط كونه هو الراوي للحديث، أو مطلقًا، لذا ذكر ابن الحاجب عن الجمهور أن مذهب الصحابي ليس بمخصص ولو كان الراوي، خلافًا للحنفية، والحنابلة.

وذكر ابن عبد الشكور أن فعل الصحابي العالم مخصص عند الحنفية، والحنابلة، خلافًا للشافعية، والمالكية.

وذهب البعض إلى جواز تخصيص العام بقول الصحابي دون غيره.

وذهب بعض آخر إلى جواز ذلك بشرط أن لا يكون هو الراوي للعموم، وكان ما ذهب إليه منتشرًا، ولم يعرف له مخالف في الصحابة.

ولإمام الحرمين تفصيل آخر حيث فرق بين نسيانه لما رواه، فلا يعمل بقوله، بل بروايته، أما مع ذكره لروايته، فالعمل بقوله.

وقد ذكر المناوي أن قوله عليه الصلاة والسلام: "من بدل دينه فاقتلوه" مثل به الأصحاب في الأصول لما ذهبوا إليه من أن مذهب الصحابي لا يخصص العموم، إذ إن الحديث من رواية ابن عباس، مع قوله:"إن المرتدة لا تقتل". =

ص: 385

قالوا: لو لم يكن له دليل قطعي / ق (76/ أمن ب) لبيَّنَه دفعًا للتهمة.

قلنا: معارض بمثله، إذ نقول: لو كان له دليل قطعي لبينه دفعًا لذلك، وأيضًا لو كان قطعيًا لم يخف على أكثر الصحابة عادة.

ومنها: تخصيص بعض أفراد العام بالذكر لا يوجب تخصيص العام.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "أي إهاب دبغ فقد طهر"(1)، فهذا عام، وقوله - في شاة ميمونة (2) -:"هلا انتفعتم بإهابها؟ " قالوا: يا رسول الله، إنها ميتة،

= راجع: البرهان: 1/ 442، والعدة: 2/ 579، واللمع: ص/ 20، والمنخول: ص / 175، والمستصفى: 2/ 112، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 191، والإحكام للآمدي: 2/ 156، والتبصرة: ص/ 149، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 219، والمسودة: ص/ 127، وكشف الأسرار: 3/ 65 - 66، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 151، وفواتح الرحموت: 1/ 355، وتيسير التحرير: 1/ 326، نهاية السول: 2/ 474، مختصر الطوفي: ص/ 109، ومختصر البعلي: ص/ 123، تخريج الفروع للزنجاني: ص/ 82، والتقرير والتحبير: 2/ 265، ونزهة الخاطر: 2/ 169، وإرشاد الفحول: ص/ 161، وفيض القدير: 6/ 95.

(1)

الحديث رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا، غير أن رواية البخاري بالمعنى.

راجع: صحيح البخاري: 7/ 125، وصحيح مسلم: 1/ 191، ومسند أحمد: 1/ 219، 270، وسنن أبي داود: 2/ 386، وتحفة الأحوذي: 5/ 398، وسنن النسائي: 7/ 173، وسنن ابن ماجه: 2/ 379، وفيض القدير: 3/ 139.

(2)

هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع في ذي القعدة لما اعتمر عمرة القضية، وقيل: اسمها برة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: غيرها، وهي آخر امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم ممن =

ص: 386

قال: "دباغها طهورها"(1)، فلا دلالة فيه على التخصيص بالحكم: لأن مفهومه، مفهوم لقب، وليس بحجة عند الجمهور، وإليه أشار بالأصح (2).

قوله: "وأن العادة بترك بعض المأمور".

أقول: إذا ورد لفظ عام من الشارع في تحريم، أو إيجاب، والمخاطبون يعتادون بعضًا مما تناوله العام، هل العادة تخصص العام؟ .

= دخل بهن، وقد روي عنها 46 حديثًا، وماتت بسرف، ماء قرب مكة على بعد عشرة أميال إلى جهة المدينة، ودفنت هناك سنة (51 هـ)، وقيل غير ذلك، وصلى عليها عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها، وهو محرم، وقيل: تزوجها وهو حلال، ولهذا اختلف الفقهاء في نكاح المحرم، كما سيأتي.

راجع: الاستيعاب: 4/ 404، وأسد الغابة: 7/ 272، والإصابة: 4/ 411، والخلاصة: ص/ 496.

(1)

رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأحمد، والنسائي، وابن ماجه.

راجع: صحيح البخاري: 7/ 124، وصحيح مسلم: 1/ 190، ومسند أحمد: 1/ 279، وسنن أبي داود: 2/ 386، وسنن النسائي: 7/ 171، وسنن ابن ماجه: 2/ 379.

(2)

وذهب أبو ثور إلى أن تخصيص الشاة بالذكر يدل بمفهومه على نفي الحكم عما عداه، وأنه يجوز تخصيص المنطوق بالمفهوم، ورد الجمهور عليه بأنه مفهوم لقب، وليس بحجة، حتى عنده إذ لم يُعْرَف القول عنه بمفهوم اللقب، لكن قد يقال: إنه جعله من باب العام الذي أريد به الخصوص لا من باب العام المخصوص.

راجع: المعتمد: 1/ 288، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 195، والإحكام للآمدي: 2/ 158، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 219، مختصر ابن الحاجب: 2/ 152، والمسودة: ص/ 142، والتمهيد: ص/ 415، فواتح الرحموت: 1/ 356، وتيسير التحرير: 1/ 319، تشنيف المسامع: ق (69/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 33، وهمع الهوامع: ص/ 206، والدرر اللوامع للكمال: ق (169/ ب)، نهاية السول: 2/ 484.

ص: 387

مثل: أن يقول: حرمت الربا في الطعام، وعادتهم تناول البر، هل يعم حرمة الربا كل مطعوم، أو يختص بالبر (1)؟

قال المصنف: إن كانت العادة في زمانه صلى الله عليه وسلم (2) / ق (75/ ب من أ)، ودرى بها، ولم ينكر، أو انعقد الإجماع بعد ورود العام على قصر الحكم على المعتاد تخصص، وإلا فلا، وتبع - في ذلك - الإمام في المحصول (3).

(1) مذهب الحنفية، والمالكية: أن العادة مخصصة للعام.

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 345، وتيسير التحرير: 1/ 317، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 211، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 152.

(2)

آخر الورقة (75/ ب من أ).

(3)

قسم الإمام العادات إلى ثلاثة أقسام: قسم حصلت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فأقرها، وقسم لم تحصل، فالأولى يخصص بها، والمخصص هو التقرير والثانية لا يخصص بها لكن لو أجمعوا عليها صح التخصيص بها للإجاع، وقسم لا يعلم واحد مما سبق، فهذا محتمل للأمرين السابقين، ولا يجوز القطع بأحدهما.

وذكر الآمدي: أن العادة لا تخصص عند جهور العلماء، ولا تناقض بين ما قاله الإمام، وما قاله الآمدي، فيحمل قول الآمدي على مطلق العادة والعرف، فإنه لا يخصص بهما عند الشافعية، والحنابلة.

راجع: البرهان: 1/ 446، واللمع: ص/ 21، والعدة: 2/ 593، والمعتمد: 1/ 278 - 279، والمستصفى: 2/ 111، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 198، الإحكام للآمدي: 2/ 157، والمسودة: ص/ 123، مختصر ابن الحاجب: 2/ 152، نهاية السول: 2/ 469 - 474، فواتح الرحموت: 2/ 345، وتيسير التحرير: 1/ 317، مختصر البعلي: ص/ 124، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 34، والغيث الهامع: ق/ (70/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 206، وإرشاد الفحول: ص/ 161.

ص: 388

والحق: أن ما كان مخصصه التقرير، أو الإجماع ليس من البحث في شيء: لأن المخصص هو التقرير، أو الإجماع، وما عدا هذين القسمين المختار أنه ليس لمخصص (1): لأن اللفظ عام لا يخصصه إلا دليل شرعي، وتناولهم، وعرفهم ليس دليلًا شرعيًا (2).

قالوا: يتخصص بالعرف: كالدابة، فإنها لغة لكل ما يدب على الأرض، واختصت عرفًا بذوات القوائم الأربع.

قلنا: ذلك في غلبة الاسم بالنقل لا في الحكم بالعادة، والمفروض هذا.

قالوا: إذا قال: اشتر لي لحمًا، وكان متناول أهل البلد لحم الضأن ينصرف إليه.

قلنا: غير محل النزاع: لأنه مطلق، والكلام في العام، ولا قياس بينهما.

(1) ولعل الأوضح "بمخصص".

(2)

نقل الزركشي عن ابن دقيق العيد أنه فرق - في شرح العنوان - بين العادة الراجعة إلى الفعل، والرجعة إلى القول، فما رجع إلى الفعل يرجح فيه العموم على العادة، كأن يحرم بيع الطعام بالطعام، فتكون العادة بيع البر، فلا يخص عموم اللفظ بهذه العادة الفعلية، وأما ما يرجع إلى القول كان يكون أهل العرف اعتادوا تخصيص اللفظ ببعض موارده، فهنا ينزل اللفظ العام على الخاص المعتاد.

راجع: تشنيف المسامع: ق (69/ ب).

وقال المجد بن تيمية: "تخصيص العموم بالعادة بمعنى قصره على العمل المعتاد كثير المنفعة، وكذا قصره على الأعيان التي كان الفعل معتادًا فيها زمن التكلم" المسودة: ص/ 125.

ص: 389

ثم في كلام المصنف نظر: لأن الخلاف إنما هو في قصر العام على المعتاد، مثل: البر - في المثال المذكور - لا على ما عداه بأن يكون الربا محرمًا في غيره دونه، فإنه لم يذهب إليه أحد، مع أن قول المصنف: ولا على ما وراءه، صريح في كونه محل الخلاف، أيضًا، والعجب [أن شارحي] (1) كلامه لم ينتبهوا له. وأما حكاية الحال بلفظ ظاهره العموم مثل:"قضى بالشفعة"(2)، و"نهى عن بيع الغرر"(3)، هل يعم أو لا؟

(1) في (أ، ب): "شارحو كلامه" والصواب ما أثبته لأنه اسم أن منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لكونه جمع مذكر سالم، ويعني بهم الزركشي، والعراقي، والمحلي، وقد ردَّ العبادي على الشارح الاعتراض بأن المصنف ومن تبعه في شرح كلامه هم العمدة في مثل هذا، والمقدمون فيه، وعدم الوقوف من الشارح على الخلاف الذي ذكره المصنف لا يدل على عدم الخلاف، راجع: الآيات البينات: 3/ 65.

(2)

الحديث رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث جابر، وسمرة بألفاظ متقاربة.

راجع: صحيح مسلم: 5/ 57، ومسند أحمد: 3/ 353، 5/ 17، 22، وسنن أبي داود: 2/ 256، وتحفة الأحوذي: 4/ 609، وسنن ابن ماجه: 2/ 99، وأقضية الرسول صلى الله عليه وسلم: ص/ 88، وتلخيص الحبير: 3/ 55، ونيل الأوطار: 5/ 375.

(3)

الحديث رواه مسلم، ومالك، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي عن أبي هريرة مرفوعًا.

راجع: الموطأ: ص/ 412، وصحيح مسلم: 5/ 3، ومسند أحمد: 1/ 116، 302، 2/ 154، وسنن أبي داود: 2/ 228، وتحفة الأحوذي: 4/ 426، وسنن النسائي: 7/ 262، وسنن ابن ماجه: 2/ 18، وسنن الدارمي: 2/ 251، ونيل الأوطار: 5/ 166.

ص: 390

فالأكثر على عدم عمومه: لأن المسألة أصولية، فلا تثبت بالمحتمل (1).

قالوا: عدل عارف باللغة، فلا ينقل الآن بصيغة العموم إلا بعد علمه بأن مراد الشارع العموم.

(1) لأنه ربما كان خاصًا بشخص بعينه، أو نهى عن غرر خاص، فنقل صيغة العموم لظنه عموم الحكم، ويحتمل أن يكون سمع صيغة خاصة، فظنها عامة، وليست كذلك وإذا تعارضت الاحتمالات لم يثبت العموم، والاحتجاج إنما هو بالمحكي لا بنفس الحكاية.

وهذا هو مذهب جمهور الأصوليين.

وذهب الحنابلة إلى أنه يعم، ومال إليه الآمدي، واختاره ابن الحاجب، والشوكاني، وغيرهم، وذكر الفخر أن الاحتمال فيهما قائم، ولكن جانب العموم أرجح.

وحكي عن الباقلاني، والأستاذ أبي منصور، والشيخ أبي إسحاق التفصيل بين أن يقترن الفعل بحرف أن، فيكون للعموم، وإن لم يقترن بها فيكون خاصًا، وصححه القاضي عبد الوهاب، وحكاه عن أبي بكر القفال.

وذهب بعض المتأخرين إلى أن النزاع لفظي: لأن المانع للعموم ينفى عموم الصيغة المذكورة، والمثبت للعموم فيها باعتبار دليل خارجي.

راجع: اللمع: ص/ 16، والبرهان: 1/ 348، والأحكام لابن حزم: 1/ 384، والمستصفى: 2/ 66، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 194، والإحكام للآمدي: 2/ 97، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 188، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 119، ونهاية السول: 2/ 366، والتمهيد: ص/ 336، وفواتح الرحموت: 1/ 294، وتيسير التحرير: 1/ 249، ونزهة الخاطر: 2/ 146، وتشنيف المسامع: ق (69/ ب) والغيث الهامع: ق (70/ أ) وشرح الورقات: ص/ 105، وهمع الهوامع: ص/ 207، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 36، وإرشاد الفحول: ص/ 125، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 156.

ص: 391

قلنا: ربما قاله اجتهادًا.

قالوا: لو كان مثل هذا الاحتمال قادحًا لوجب ترك الظواهر كلها.

قلنا: نلتزمه في المسائل الأصولية، فإنه إذا قام فيها الاحتمال سقط الاستدلال.

قوله: "مسألة: جواب السائل غير المستقل دونه" إلى آخره.

أقول: المراد بالجواب المستقل ما يكون - مع قطع النظر عن السؤال - وافيًا بالمقصود، كما إذ قلت - لشخص -: تعال تغد معي، فقال: إن تغديت اليوم، فعليَّ كذا، فإنه كلام مستقل لا تعلق له بالسؤال حتى إنه يحنث سواء تغدى معه، أو مستقلًا.

وغير المستقل مثل: نعم، أو بلى، فإنه لا يفيد بدون الكلام السابق، فهو تابع له إن كان عامًا، كما إذا قال له: هل يجوز التوضؤ بماء البحر؟ فقال: نعم، يعم الجواز السائل، وغيره (1)، ولو قال له: يجوز لك، يختص

(1) لحديث أبي هريرة، وجابر رضي الله عنهما أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، رنحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته".

رواه مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وابن الجارود، وابن أبي شيبة، وقد صححه البخاري، وابن المنذر، والبغوي، وابن عبد البر وذلك لتلقي العلماء له بالقبول، وإن كان في سنده كلام، وقال الشافعي: هذا الحديث نصف علم الطهارة. =

ص: 392

الجواز بالسائل. هذا وكلام الآمدي صريح في أن الشافعي لم يقل بكون غير المستقل يتبع السؤال في الخصوص؛ لأن ترك الاستفصال في حكاية الحال يدل على العموم في المقال (1)، وكذا ذكره الإمام في البرهان (2).

وعلى هذا، فقول المصنف: تابع (3) / ق (76/ ب من ب) للسؤال في عمومه، مع عدم ذكر الخصوص، ربما كان اختيارًا منه لذلك المنقول (4) ثم المستقل إما أن يكون أخص من السؤال، أو يكون مساويًا، أو أعم.

= راجع: الموطأ: ص/ 40، ومسند أحمد: 2/ 361 - 362، وسنن أبي داود: 1/ 19، وتحفة الأحوذي: 1/ 225، 230، وسنن النسائي: 1/ 50، 7/ 207، وسنن ابن ماجه: 1/ 154، وسنن الدارمي: 1/ 186، وسنن الدارقطني: 1/ 34، والمستدرك: 1/ 141، وبدائع المنن: 1/ 19، وموارد الظمآن: ص/ 60، وتلخيص الحبير: 1/ 9، والبيان والتعريب 3/ 242، ونيل الأوطار: 1/ 14.

(1)

راجع: الأحكام له: 2/ 84.

(2)

راجع: البرهان: 1/ 373 - 375.

(3)

آخر الورقة (76/ ب من ب).

(4)

بالنسبة للجواب غير المستقل يكون تابعًا للسؤال في عمومه بالاتفاق، وإنما الخلاف في هل يتبع السؤال في خصوصه، أو لا؟

فذهب البعض: إلى أن الجواب غير المستقل يتبع السؤال في خصوصه، واعتبره ابن عبد الشكور الأوجه.

وذهب البعض الآخر: إلى أن الجواب لا يتبع السؤال في خصوصه إذ لو اختص به لما احتيج إلى تخصيصه، وذكر المجد بن تيمية بانه ظاهر كلام الإمام أحمد رضي الله عنه: لأنه احتج في مواضع كثيرة بمثل ذلك، ونسبه إلى الأصحاب. =

ص: 393

فالجواب بالأخص جائز، إذا فهم حكم المسكوت من ذكر الخاص، كما إذا سئل: من أفطر في رمضان ماذا عليه؟ فقال: من جامع في رمضان فعليه ما على المظاهر، فإن قيد الجماع - في الجواب - يعلم منه عدم وجوب الكفارة في سائر المفطرات.

وأما إذا لم يعلم منه حكم المسكوت، فلا يجوز: لأنه يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو باطل.

وأما الجواب، المساوي، فلا إشكال فيه لحصول المقصود من غير زيادة، ولا نقصان.

= أما الإمام الشافعي، فقد تقدم تحقيق مذهبه فيما سبق.

ومثلوا له بقوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: 44]، وبحديث أنس قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه، أو صديقه، أينحني له؟ قال:"لا، قال: أفيلزمه، ويقبله؟ قال: لا، قال: فيأخذ بيده، ويصافحه؟ قال: نعم".

راجع: سنن أبي داود: 2/ 644، وتحفة الأحوذي: 7/ 514.

وانظر الخلاف في المسألة: أصول السرخسي: 2/ 271، والعدة: 2/ 596، والمعتمد: 1/ 193، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 187، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 109، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 216، ونهاية السول: 2/ 367، وفتح الغفار: 2/ 59، وفواتح الرحموت: 1/ 289، وتيسير التحرير: 1/ 263، ومختصر البعلي: ص/ 110، والمسودة: ص/ 109، وتشنيف المسامع: ق (69/ ب)، والغيث الهامع: ق (70/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 37، والدرر اللوامع للكمال: ق (170/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 208، وإرشاد الفحول: ص/ 113.

ص: 394

وأما الأعم، وهو الذي عبر عنه بقوله: / ق (76/ أمن أ) والعام على سبب خاص، أي: سواء كان سؤالًا، أو غيره، كقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء بئر بضاعة -:"خلق الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه"(1)، وكما روي عنه: أنه مر بشاة ميمونة، فقال:"أيما إهاب دبغ، فقد طهر"، فالحكم بالعموم، حتى يحكم بطهورية كل ماء، وكل إهاب، أو بخصوص السبب، حتى يحكم بطهورية بئر بضاعة، وإهاب شاة ميمونة؟

الجمهور: على اعتبار اللفظ دون خصوص السبب: لأن الاستدلال إنما هو باللفظ، وهو عام، ولا تنافي بين خصوص السبب، وعموم اللفظ (2).

(1) الحديث رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي عن ابن عباس، وأبي سعيد، وسهل بن سعد رضي الله عنهم مرفوعًا، بألفاظ مختلفة، وقد صححه أحمد، وحسنه الترمذي، وذكر المناوي أنه متروك الظاهر، فيما إذا تغير بالنجاسة اتفاقًا، وخصه الشافعية، والحنابلة بمفهوم خبر أبي داود وغيره "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا" فينجس ما دونها بكل حال. وأخذ مالك، وجمع بإطلاقه، فقالوا: لا ينجس الماء إلا بالتغير.

راجع: المسند: 1/ 235، 284، 3/ 16، 31، 6/ 172، وسنن أبي داود: 1/ 15 - 16، وتحفة الأحوذي: 1/ 204، وسنن الدارقطني: 1/ 28، تلخيص الحبير: 1/ 12، وفيض القدير: 6/ 248.

(2)

هذه المسألة هي المعروفة في كتب الأصول بالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فالجمهور اعتبروا عموم الجواب الوارد في الصورة الأولى في حديث بئر بضاعة كما اعتبروا عموم الجواب الوارد على السبب الخاص في الصورة الثانية في حديث شاة ميمونة، ولم يقتصروا على سببه، وبه قال أحمد، والشافعي، وأكثر الحنفية، والمالكية، =

ص: 395

ولأن الصحابة رضي الله عنهم تمسكوا بالعمومات الواردة في الحوادث الخاصة، مع علمهم بورودها في تلك الوقائع الخاصة، كآية (1)

= والأشعرية: لأن عدول المجيب عما سئل عنه، أو عدول الشارع عما اقتضاه حال السبب الذي ورد العام عليه عند ذكره بخصوصه إلى العموم دليل على إرادته، والحجة في اللفظ، وهو مقتضى العموم، والسبب لا يصلح معارضًا.

وذهب مالك، وأبو ثور، والمزني، والقفال، والدقاق: إلى اختصاصه به ونقله إمام الحرمين عن الشافعي، ونصره، لكن الفخر الرازي ناقشه، ورد عليه بأنه التبس على الناقل عن الشافعي، كما نقل هذا القول عن الشافعي الغزالي، والآمدي، وابن الحاجب، وردة المصنف في الإبهاج، ورفع الحاجب، وفي المسألة آراء أخرى، وتفصيلات غير ما سبق.

راجع: الرسالة: ص/ 206 - 208، 231، وأصول السرخسي: 1/ 272، واللمع: ص/ 21، والبرهان: 1/ 372، والمعتمد: 1/ 279، والمستصفى: 2/ 60، 114، والمنخول: ص/ 151، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 188، ومناقب الشافعي للفخر الرازي: ص/ 110 - 112، والتبصرة: ص/ 145، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 216، والإحكام للآمدي: 2/ 84 - 85، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 110، والموافقات: 3/ 178، والإبهاج: 2/ 183، ونهاية السول: 2/ 475 - 480، وفتح الغفار: 2/ 59، وفواتح الرحموت: 1/ 290، وتيسير التحرير: 1/ 264، والمسودة: ص/ 130، ومختصر الطوفي: ص/ 102، ومختصر البعلي: ص/ 110، وإرشاد الفحول: ص/ 134.

(1)

وهي قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة: 2 - 4]. =

ص: 396

الظهار (1)، والسرقة (2)، واللعان (3).

= نزلت في أوس بن الصامت عندما ظاهر من زوجه خولة بنت مالك بن ثعلبة، كما روى ذلك أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم مرفوعًا عن خولة، وعائشة وسلمة بن صخر، وغيرهم.

راجع: مسند أحمد: 6/ 411، وسنن أبي داود: 1/ 13، وتحفة الأحوذي: 4/ 381، وسنن النسائي: 6/ 167 - 168، وسنن ابن ماجه: 1/ 635 - 636، والمستدرك: 2/ 481، وأسباب النزول للواحدي: ص/ 273 - 274، ونيل الأوطار: 6/ 258.

(1)

الظهار: يقال: ظاهر من امرأته ظهارًا مثل قاتل قتالًا، وتظهر إذا قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، قيل: إنما خص ذلك بذكر الظهر لأنه من الدابة موضع الركوب، والمرأة مركوبة وقت الغشيان.

واصطلاحًا: هو تشبيه زوجته، أو ما عبر به عنها، أو جزء شائع منها بعضو يحرم نظره إليه من أعضاء محارمه نسبًا، أو رضاعًا كأمه، وبنته، وأخته.

راجع: المصباح المنير: 2/ 388، ومختار الصحاح: ص/ 407، والتعريفات: ص/ 144.

(2)

وهي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].

قيل: نزلت في طعمة بن أُبَيرق سارق الدرع، وقيل: نزلت في رجل سرق رداء صفوان، وقيل: في سرقة المجن.

راجع: أسباب النزول للواحدي: ص/ 120، 130، وجامع البيان: 5/ 169، وتفسير ابن كثير: 1/ 551 - 553، وفتح القدير للشوكاني: 1/ 511 - 512.

(3)

وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6 - 9] وسبب نزولها: هو هلال بن أمية، وقيل: =

ص: 397

قالوا: لو كان الاستدلال بعموم اللفظ لم ينقل السبب.

قلنا: العلم بسبب النزول، وورود الأحاديث في الحوادث فائدة جليلة.

قالوا: لو عم المسؤول عنه، وغيره لم يكن الجواب مطابقًا للسؤال.

قلنا: اشتماله على الزيادة لم يخرجه عن المطابقة، بل زاده حسنًا (1).

قوله: "فإن كانت قرينة، فأجدر". يعني إذا دلت قرينة على العموم، فهو أجدر، أي: أولى من اعتبار السبب.

وإن دلت على خصوص السبب، فهو أولى، كما جاء في الحديث: "أنه [مر](2) بامرأة مقتولة، فقال: من قتل هذه؟ ، وهي لا تقاتل، ونهى

= عويمر العجلاني وجمع بينهما النووي باحتمال أنها نزلت فيهما جميعًا، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت فيهما، وسبق هلال باللعان، فيصدق أنها نزلت في ذا، وفي ذاك، وأن هلالًا أول من لاعن، وبمثل ذلك جمع الصنعاني.

راجع: صحيح البخاري: 7/ 69، وصحيح مسلم: 4/ 209، وشرحه للنووي: 10/ 120، وسنن أبي داود: 1/ 522، وتحفة الأحوذي: 9/ 26، وسنن النسائي: 6/ 172، وسنن ابن ماجه: 1/ 637، والسنن الكبرى للبيهقي: 10/ 265، والمستدرك: 2/ 202، وسبل السلام: 4/ 16، ونيل الأوطار: 6/ 267 - 270، والرسالة: ص/ 148، فهذه حوادث خاصة، وقد عمموها على غير من نزلت فيهم، فكل من ظاهر، أو سرق، أو رمى زوجه بالفاحشة شمله. ذلك الحكم إما كفارة الظهار، أو حد القطع، أو الملاعنة، تطبيقًا للقاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

(1)

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 290، وتيسير التحرير: 1/ 264، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 38، وتشنيف المسامع: ق (70/ أ)، والغيث الهامع: ق (70/ ب - 71/ أ)، والدرر اللوامع للكمال: ق (170 - 171)، وهمع الهوامع: ص/ 208.

(2)

سقط من (أ) والمثبت من (ب).

ص: 398

[عن](1) قتل النساء، والصبيان" (2)، أي: الكفار، فلا يدل عموم اللفظ على عدم جواز قتل المرتدة كما ذهب إليه أبو حنيفة؛ لوجود القرينة الدالة على اعتبار الخصوص (3).

(1) سقط من (أ، ب)، والمثبت من هامش (ب).

(2)

رواه البخاري، وأحمد، ومسلم، وابن ماجه، والبيهقي عن ابن عمر وابن عباس ورباح بن الربيع رضي الله عنهم.

راجع: صحيح البخاري: 4/ 74، وصحيح مسلم: 5/ 144، ومسند أحمد: 1/ 256، 2/ 22، 23، 76، وسنن ابن ماجه: 2/ 195، والسنن الكبرى للبيهقي: 9/ 77، 82، 91، وفيض القدير: 6/ 336.

(3)

الحديث السابق الذي رواه ابن عمر، وابن عباس، ورباح بن الربيع عام من وجه، وخاص من وجه آخر، فهو عام في الحربيات، والمرتدات، وخاص بالنساء، وحديث ابن عباس الآخر، وهو "من بدل دينه فاقتلوه" - سيأتي ذكره في الشرح، بعد قليل، وسأخرجه هناك - عام في الرجال والنساء، خاص بأهل الردة، ومذهب الجمهور وجوب الترجيح من خارج لتعادلهما تقارنًا، وتأخر أحدهما، وهو حديث ابن عمر، لكنهم رجحوا حديث ابن عباس في قتلها بأدلة أخرى كقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". متفق عليه. وقال الحنفية المتأخر ناسخ، وهو حديث ابن عمر السابق، فلا تقتل المرتدة - عندهم - بل تحبس، ويضيق عليها حتى تسلم، كما أن لهم دليلًا آخر، وهو أن راوي الحديث عبد الله بن عباس خالف روايته، ولم يقل بقتل المرأة المرتدة، واعتبروا رأيه مخصصًا للحديث كما تقدم في تخصيص قول الراوي، والخلاف في ذلك.

راجع: شرح فتح القدير: 6/ 71، وبداية المجتهد: 2/ 459، ومغني المحتاج: 4/ 139، والمغني لابن قدامة: 8/ 123، والتمهيد للأسنوي: ص/ 413، وفيض القدير: 6/ 336.

ص: 399

قوله: "وصورة السبب قطعية الدخول".

أقول: هذا جواب عن سوال مقدر، تقريره أن المعتبر لما كان عموم اللفظ العام يجوز تخصيصه، ولا مزية لأفراده بعضها على بعض من حيث إنه عام، فيجوز إخراج صورة السبب، ولم يقل به أحد.

أجاب: بأنه إنما يجوز إخراج بعض الأفراد من العموم، إذا لم يدل دليل على دخوله في الحكم قطعًا، وصورة السبب من هذا القبيل (1).

ونقل المصنف عن والده: أن دخول صورة السبب ظني.

وشبهته: ما نقل عن أبي حنيفة أنه جعل دخوله، لإخراجه ولد الأمة المستفرشة من قوله:"الولد للفراش"(2)، إذ في الأمة لا بد من الدعوة بخلاف الحرة، فإن مجرد الفراش كاف في لحوقه.

(1) راجع: اللمع: ص/ 21، والبرهان: 1/ 378، والمستصفى: 2/ 60، والمنخول: ص/ 151، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 191، والإحكام للآمدي: 2/ 86، والعضد على ابن الحاجب: 2/ 110، ونهاية السول: 2/ 478، والقواعد لابن اللحام: ص/ 242، وتيسير التحرير: 1/ 267، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 39.

(2)

هذا بعض حديث طويل رواه البخاري، ومسلم، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، والترمذي عن عائشة، وأبي هريرة، وعثمان، وابن مسعود، وابن الزبير، وابن عمر وأبي أمامة مرفوعًا، رضي الله عنهم.

راجع: صحيح البخاري: 8/ 194، وصحيح مسلم: 4/ 171، والموطأ: ص/ 460، والمسند: 4/ 5، 6/ 27، 129، وسنن أبي داود: 1/ 528، وتحفة الأحوذي: 4/ 321، وسنن النسائي: 6/ 180، وسنن ابن ماجه: 1/ 618، والمستدرك: 4/ 96، والسنن الكبرى: 6/ 86، وبدائع المنن: 2/ 219، وأقضية الرسول صلى الله عليه وسلم: ص/ 98، وإحكام الأحكام: 2/ 319، ونيل الأوطار: 6/ 279، والبيان والتعريف: 3/ 289.

ص: 400

والحق: أن ما ذهب [إليه](1) الإمام أبو حنيفة رحمه الله ليس محل النزاع: لأن ما ورد فيه العام هو ولد خاص، وهو ولد زمعة (2)، وأبو حنيفة لم يقل: بجواز خروجه، بل يقول: لا يتصور إخراج صورة السبب: لأنه وقع فيه النزاع، وألحقه الشارع بأحد الخصمين، فكيف يعقل إخراجه؟ وأما قول أبي حنيفة: إن ولد الأمة/ ق (77/ أمن ب) لا يلحق بمجرد الفراش، فقد قال الغزالي رحمه الله:"إن أبا حنيفة إنما قال: ذلك لأنه لم يبلغه الخبر"(3).

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

هو زمعة بن قيس بن عبد شمس القرشي العامري المكي مات قبل فتح مكة، وكانت له جارية يطؤها مع غيره، كما كان معهودًا في أنكحة الجاهلية فولدت غلامًا فتنازع فيه سعد بن أبي وقاص - مدعيًا أنه ابن أخيه عتبة بوصية منه حيث واقعها، وفيه شبه من عتبة، وعبد بن زمعة أخو سودة أم المؤمنين حيث قال: هذا أخي ولد على فراش أبي من وليدته، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"هو لك يا عبد بن زمعة" ثم ذكر الحديث الذي سبق تخريجه. والغلام المتنازع فيه هو عبد الرحمن بن زمعة العامري القرشي، وله عقب وتوفي بالمدينة.

راجع: تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 311، وأسد الغابة: 3/ 844، والاستيعاب: 2/ 410، والإصابة: 2/ 433.

(3)

راجع: المستصفى: 2/ 61، وقد رد ابن عبد الشكور والأنصاري شارحه على ما قاله الجويني والغزالي من أن الحديث لم يبلغ أبا حنيفة بأنه غير صحيح إذ الحديث مذكور في مسنده، ولعدم الاطلاع على مذهب أبي حنيفة، فإن الأمة ما لم تصر أم ولد ليست بفراش عنده، والإخراج فرع الدخول، وأما وليدة زمعة، فكانت أم ولد كما قيل.

راجع: مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت: 1/ 291، وتيسير التحرير: 1/ 265، والبرهان: 1/ 379.

ص: 401

قلت: ولو بلغه الخبر، ولاح له إخراج ولد الأمة لم يدل على إخراج صورة السبب: لأن ذلك واقع في عهده صلى الله عليه وسلم لا يمكن إخراجه.

غايته: أن ولد الأمة بعض أفراد العام، أخرجه بدليل آخر مخصص لذلك، وأيّ تعلق لهذا الكلام بصورة السبب؟ .

ثم قال والد المصنف: ويقرب من صورة السبب خاص ذكر في القرآن، وتلاه، أي: تبعه - في المصحف - عام.

مثاله: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ} [النساء: 44، 51](1)، فإنه خاص في طائفة من أهل الكتاب، مثل: كعب (2)

(1) والأخيرة، أي الآية 51 من سورة النساء هي المرادة هنا، وتمامها:{يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} فعن عكرمة قال: جاء حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة، فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب، وأهل القديم، فأخبرونا عنا، وعن محمد، فقالوا: ما أنتم، وما محمد؟ .

قالوا: نحن ننحر الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونفك العاني، ونصل الأرحام، ونسقي الحجيج، وديننا القديم، ودين محمد الحديث قالا: بل أنتم خير منه، وأهدى سبيلًا، فأنزل الله الآية السابقة والتي بعدها:{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} [النساء: 52].

راجع: أسباب النزول للواحدي: ص/ 103، وجامع البيان: 5/ 85، وتفسير ابن كثير: 1/ 514، وفتح القدير للشوكاني: 1/ 478 - 479.

(2)

هو كعب بن الأشرف الطائي من بني نبهان شاعر جاهلي دان اليهودية، كانت أمه من بني النضير، وصار سيدًا في أخواله، ويقيم في حصن له قرب المدينة ما زالت آثاره باقية إلى اليوم، أدرك الإسلام، ولم يسلم، واشتد إيذاؤه للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هجاء، =

ص: 402

ابن الأشرف (1)، / ق (76/ ب من أ) وهم الذين كتموا نعت النبي صلى الله عليه وسلم وكان أمانة أخذ الله الميثاق على أدائها، وتلاه عام هو قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58](2)، فإنه شامل لتلك الأمانة وغيرها، فهل يجوز تخصيص هذا العام بإخراج ذلك البعض، أو يكون ذلك البعض مثل صورة السبب، حتى لا يجوز إخراجه؟ فتوسط، وقال: يقرب، أي: ليس مثله، ولا بعيدًا منه، وهذا تفقه منه قليل الجدوى، مع أنه قد تقدم لنا أن القِران في الذكر لا دخل له في توافق الأحكام (3).

= وتشببًا بالنساء، وتحريضًا للقبائل على قتالهم، وخرج إلى مكة بعد وقعة بدر، فندب قتلى قريش، وحثهم على الأخذ بثأرهم، وتكفل بنصرتهم، ثم رجع إلى المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فذهب إليه خمسة من الأنصار، فقتلوه في ظاهر حصنه، وحملوا رأسه في مخلاة إلى المدينة سنة (3 هـ).

راجع: تاريخ الطبري: 3/ 2، الكامل لابن الأثير: 2/ 143، والروض الأنف: 5/ 397، والأعلام للزركلي: 6/ 80.

(1)

آخر الورقة (76/ ب من أ).

(2)

فهذه الآية عامة في كل أمانة، والآية السابقة خاصة بأمانة هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والعام بعد الخاص في رسم القرآن، وأما في النزول، فمتراخ عنه بست سنين مدة ما بين وقعة بدر في رمضان من السنة الثانية، والفتح في رمضان من السنة الثامنة.

راجع: تشنيف المسامع: ق (70/ ب) والغيث الهامع: ق (71/ ب) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 40، والدرر اللوامع للكمال: ق (171/ ب) وهمع الهوامع: ص/ 210، والآيات البينات: 3/ 71 - 73.

(3)

لم يسلم العبادي للشارح اعتراضه على والد المصنف، بل رد عليه، وبين سلامة ما قاله والد المصنف.

راجع: الآيات البينات: 3/ 72.

ص: 403

قوله: "مسألة: إن تأخر الخاصُّ عن العمل نَسَخَ العامَّ، وإلّا خَصَّصَ".

أقول: الخاص، والعام إذا تنافيا في الحكم لا يخلو إما أن يكون أحدهما متأخرًا عن الآخر، أو لا، فإن تأخر أحدهما عن الآخر، وعلم التأريخ، فإن كان المتأخر العام، يكون الخاص مخصصًا له. وإن كان المتأخر هو الخاص، فإما أن يكون متأخرًا عن العمل بالعام، أو لا، فإن كان متأخرًا، فالخاص ناسخ لذلك القدر الذي تناوله العام؛ لعدم إمكان القول بالتخصيص، لأنه تبين عدم دخول المخصص في المراد، وبعد العمل لا يمكن ذلك.

وإن لم يتأخر عن العمل، يكون مخصصًا لتقدم التخصيص على النسخ لما تقدم من الدليل عليه.

وإن لم يتأخر عن العمل، فإما أن يتأخر في النزول، أو يتقدم، أو يتقارنا، أو يجهل التأريخ، ففى الكل يخصص العام (1).

وذهب إمام الحرمين - تبعًا للحنفية -: أن العام المتأخر ناسخ إن علم التأريخ (2)، وإن جهل، فالوقف، أو يتساقطان، الاحتمالان (3) منقولان عنهم.

(1) راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 42، وهمع الهوامع: ص/ 211، والدرر اللوامع للكمال: ق (172/ أ).

(2)

ولهذا اشترط الأحناف - في التخصيص شروطًا أهمها: أن لا يتأخر المخصص، وأن يكون المخصص مستقلًا بالكلام، وأن يكون متصلًا في الوقت ذاته بالنص العام، وإلا كان نسخًا لا تخصيصًا.

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 300، 345، وإرشاد الفحول: ص/ 163، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 217.

(3)

وهذا أحد قولي المعتزلة، وهي رواية عن الإمام أحمد. =

ص: 404

وقد علمت الجواب، فيما سبق، فراجعه (1).

وإن كان كل منهما عامًا من وجه، فالترجيح من الخارج لتساويهما.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"(2).

فإنه خاص بأهل الردة، عام في الرجال والنساء.

وقوله: "لا تقتل النساء" خاص بالنساء عام في المرتدات، والحربيات.

= وقال بعض أهل الظاهر: يتعارض الخاص، والعام مطلقًا.

وقال بعض المعتزلة، وبعض الحنفية، وهي رواية - أيضًا - عن الإمام أحمد إن جهل التأريخ فيقدم الخاص.

راجع: اللمع: ص/ 19، والتبصرة: ص/ 151، 153، والعدة: 2/ 615، والمعتمد: 1/ 256، والمستصفى: 2/ 103، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 161، والإحكام للآمدي: 2/ 146، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 147، ونهاية السول: 2/ 452، ومختصر الطوفي: ص/ 108، والمسودة: ص/ 134، 136، ومختصر البعلي: ص/ 123.

(1)

تقدم ذلك في ص/ 365.

(2)

الحديث رواه البخاري، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، وابن أبي شيبة، وعبد الرزاق عن ابن عباس مرفوعًا.

راجع: صحيح البخاري: 9/ 19، ومسند أحمد: 1/ 2، 282، 5/ 231، وسنن أبي داود: 2/ 440، وتحفة الأحوذي: 5/ 24، وسنن النسائي: 7/ 105، وسنن ابن ماجه: 2/ 110، والمستدرك: 4/ 366، ونصب الراية: 3/ 407، 456، وفيض القدير: 6/ 95.

ص: 405

والحنفية: على كون المتأخر ناسخًا في هذه الصورة في قدر ما تناوله المتأخر من المتقدم.

مثاله: قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، مع قوله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]، فإن الآية الثانية شاملة للحوامل، وغيرها فالآية الأولى إنما تنسخ من الثانية حكم الحوامل، وهي العدة بالأشهر، وغير الحوامل حكمها باق.

* * *

ص: 406