المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب النهي قوله: "النهي: اقتضاء كفٍّ عن فعل لا بقول كُفَّ" - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٢

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌ ‌باب النهي قوله: "النهي: اقتضاء كفٍّ عن فعل لا بقول كُفَّ"

‌باب النهي

قوله: "النهي: اقتضاء كفٍّ عن فعل لا بقول كُفَّ"(1).

أقول: حده للنهي سالم عن جميع ما يرد على من تقدمه: لأنه ترك قيد الاستعلاء، والعلو، وزاد لفظ:"لا بقول كف"، فخرج الكف المستفاد من كف، وما يرادفه، فاطرد حده (2).

والخلاف في أنه هل له صيغة تخصه؟ وهل تلك الصيغة ظاهرة في الحظر دون الكراهة، أو بالعكس، أو مشتركة، أو للقدر المشترك، أو فيها توقف؟

(1) النهي - لغة -: ضد الأمر يقال: نهيته عن الشيء أنهاه نهيًا، ونهوته نهوًا ونهى الله تعالى، أي: حرم، والنهية العقل لأنها تنهى عن القبيح، والجمع نهى.

راجع: مختار الصحاح: ص/ 683، والمصباح المنير: 2/ 629.

(2)

راجع: تعريفات النهي اصطلاحًا: اللمع: ص/ 14، والبرهان: 1/ 283، والعدة: 2/ 425، وأصول السرخسي: 1/ 78، والمعتمد: 1/ 168، والمستصفى: 2/ 24، والمنخول: ص/ 126، والإحكام للآمدي: 2/ 47، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 95، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 168، وكشف الأسرار: 1/ 256، وفتح الغفار: 1/ 77، وفواتح الرحموت: 1/ 395، وتيسير التحرير: 1/ 374، ورفع الحاجب:(1/ ق/ 226/ ب)، ومختصر الطوفي: ص/ 95، ومختصر البعلي: ص/ 103، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 95.

ص: 233

كما تقدم في الأمر (1).

ثم النهي بخلاف الأمر في أمور منها: أن حكم النهي التكرار، فيستلزم الدوام، ومنها: الفور، فيجب الانتهاء في الحال. ومنها: أن تقدم الوجوب في النهي لا يصلح قرينة دالة على أنه للإباحة، نقل الأستاذ الإجماع على ذلك، بل صيغته ظاهرة في الحظر مطلقًا، بخلاف الأمر: لأن تقدم الحظر كان قرينة دالة على أنه للإباحة عند الجمهور.

وفي كلام المصنف بحث من وجهين: الأول: أنه قال: وقضيته الدوام. ولم يقل: والنهي يدل على الدوام، وذكر في شرحه على مختصر ابن الحاجب: أن قول الشيخ ابن الحاجب: "وحكم النهي التكرار". ولم يقل: يدل على التكرار في غاية الحسن (2): لأن التكرار في النهي من ضرورة الواقع لا من الصيغة، فبدل لفظ الحكم هنا بقوله: وقضيته الدوام. وهذا كلام غريب، إذ لو لم تدل الصيغة على التكرار كيف كان يستفاد منها (3)؟ وابن الحاجب ذكر في الأمر: أنه لا يدل على التكرار عند الجمهور (4)، فلو كان ما فهمه المصنف من كلامه، كما فهمه تناقض كلام ابن الحاجب.

(1) سبق بيان ذلك في ص/ 188 وما بعدها.

(2)

راجع: رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب: (1/ ق/ 227/ أ).

(3)

يرى العلامة العبادي: بأنه لا غرابة، ولا إشكال في كلام المصنف كما توهم ذلك الشارح: لأن المصنف لم يرد نفي دلالة الصيغة مطلقًا، بل نفى دلالتها الوضعية، مطابقة، كانت، أو تضمنًا. راجع: الآيات البينات: 2/ 243.

(4)

راجع: المختصر وعليه شرح العضد: 2/ 81 - 82.

ص: 234

الثاني: أن قوله: وقيل مطلقًا - بعد قوله -: وقضيته الدوام ما لم يقيد بالمرة، مما لا معنى له: لأن الدوام، مع التقييد بالمرة لا يعقل، وبدون التقييد مطلقًا قد فهم من قوله: وقضيته الدوام. هذا على ما ذكره شراح كلامه (1).

ويمكن/ ق (60/ أمن أ) توجيه كلامه بأن يقال: مراده أنه يفيد الدوام ما لم يقيد بمرة.

وقيل: يفيد مطلق الانتهاء. والدوام، والمرة من القرائن، مثله الأمر كما سبق، وما وجهنا به كلامه هو الذي ذكره المحققون (2).

هذا، وترد صيغته للتحريم نحو:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32].

والكراهة: نحو لا تصل في الوادي.

والإرشاد: نحو {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101].

والدعاء: نحو {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8].

وبيان العاقبة: نحو {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169].

والتحقير، والتعليل: نحو {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131].

(1) راجع: تشنيف المسامع: ق (54/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 391، وهمع الهوامع: ص/ 161.

(2)

راجع: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب: 2/ 99.

ص: 235

واليأس: نحو {لَا تَعْتَذِرُوا} [التوبة: 66].

وفي الإرادة، والتحريم (1) ما تقدم في الأمر، فراجعه (2).

وقد يكون عن واحد، وهو أكثري، وقد يكون المحرم الجمع نحو: لا تنكح الأختين، وقد يكون النهي عن الاقتصار على أحد الشيئين نحو:"لا يمشين أحدكم في نعل واحدة"(3)، وقد يكون عن كل فرد نحو:"لا تباغضوا، ولا تحاسدوا"(4).

والحق: أن هذا مستدرك: لأنه من قبيل النهي عن الواحد.

قوله: "ومطلق النهي التحريم، وكذا التنزيه في الأظهر للفساد شرعًا، وقيل: لغة".

(1) وراجع في معانيها: العدة: 2/ 427، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 469، والمنخول: ص/ 134، والإحكام للآمدي: 2/ 48، وكشف الأسرار: 1/ 256، ومختصر البعلي: ص/ 103، وفواتح الرحموت: 1/ 395، وتحقيق المراد: ص/ 62 وإرشاد الفحول: ص/ 109، والمحلى على جمع الجوامع: 1/ 392، وهمع الهوامع: ص/ 161.

(2)

سبق ذلك في ص/ 193 - 195.

(3)

رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمشي أحدكم في نعل واحدة ليحفهما، أو لينعلهما جميعًا".

راجع: صحيح البخاري: 7/ 199، وصحيح مسلم: 6/ 153.

(4)

هذا جزء من حديث أبي هريرة، وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام".

راجع: صحيح البخاري: 8/ 23.

ص: 236

أقول: هذه [مسألة](1) كثيرة الفروع، تفرقت آراء الأصوليين فيها، ونحن نذكر (2) / ق (61/ ب من ب) كلام المصنف في المذاهب، ونستدل على ما هو الحق ونشير إلى أدلة المخالفين، مع الجواب.

فنقول: ذهب جهور المحققين: إلى أن نهي التحريم إذا ورد خاليًا عن سائر القرائن يدل على الفساد، وكذا نهي التنزيه في الأظهر، فيما عدا المعاملات، سواء كان ذلك راجعًا إلى أمر داخل في الحقيقة كالصلاة بدون ركن، أو إلى لازم خارج كالصلاة في الأوقات المكروهة.

ويدل على الفساد في المعاملات إذا كان راجعًا إلى أمر داخل كالنهى عن بيع الملاقيح (3).

وقال الشيخ المحقق ابن عبد السلام (4) - قدس الله روحه -: "وإن احتمل الرجوع إلى الداخل، فإنه يحمل على الداخل، ويحكم بفساده".

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

آخر الورقة (61/ ب من ب).

(3)

تقدم ذكره من حديث ابن عمر، وأبي سعيد الخدري في: 1/ 277.

(4)

هو عبد العزيز بن عبد السلام، إمام عصره، بلا مدافع، قام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في مجتمعه، وأوذي، وسجن بسبب ذلك، كان مطلعًا على حقائق الشريعة، وغوامضها، عارفًا، بمقاصدها، زاهدًا، ورعًا، تقيًا، شجاعًا لا يخاف في الله لومة لائم، أخذ عنه العلم أئمة يقتدى بهم كابن دقيق العيد، وغيره، وهو الذي لقب العز بسلطان العلماء، له مؤلفات قيمة، منها: التفسير، واختصار النهاية، والقواعد الكبرى، والصغرى، وكتاب الصلاة، والفتاوى الموصلية، والإشارة إلى الإيجاز، وغيرها وتوفي سنة (660 هـ). =

ص: 237

قوله: "وفاقًا للأكثر". متصل بأول الكلام، أي: ما اخترناه من أن النهي يدل على الفساد على الوجه المذكور، هو مختار الأكثر من العلماء (1).

[ونفت طائفة دلالته مطلقًا (2).

= راجع: مرآة الجنان: 4/ 153، والعبر: 5/ 260، وفوات الوفيات: 1/ 94، وذيل الروضتين: ص/ 216، والمختصر لأبي الفداء 3/ 215، والبداية والنهاية: 13/ 235، وطبقات السبكي: 8/ 209، والنجوم الزاهرة: 7/ 308، ومفتاح السعادة: 2/ 353.

(1)

راجع: اللمع: ص/ 14، والتبصرة: ص/100، والبرهان: 1/ 283، والعدة: 2/ 432، وأصول السرخسي: 1/ 80 - 81، والمسودة: ص/ 80، 83، والفروق للقرافي: 2/ 83، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 95، وكشف الأسرار: 1/ 257 - 258، وفتح الغفار: 1/ 78، ومختصر الطوفي: ص/ 95، ومختصر البعلي: ص/ 104، وتفسير النصوص: 2/ 389، وتيسير التحرير: 1/ 376، والمحلي على الورقات: ص/ 93، وإرشاد الفحول: ص/ 110.

(2)

وحكى هذا عن أكثر المتكلمن، وذكره الإمام عن أكثر الفقهاء، وقال الآمدي:"إنه اختيار المحققين من أصحاب الشافعي كالقفال الشاشي، وإمام الحرمين والغزالي، وكثير من الحنفية، وبه قال جماعة من المعتزلة كأبى عبد الله البصري، وأبى الحسين الكرخي، والقاضي عبد الجبار، وكثير من مشائخهم" لكن الجويني مع الجمهور.

راجع: البرهان: 1/ 283، والمعتمد: 1/ 170 - 179، والمستصفى: 2/ 25، والمنخول: ص / 126، 205، والمحصول: 1/ ق / 2/ 486، والأحكام للآمدي: 2/ 48.

ص: 238

الغزالي، والإمام: يدل في العبادات دون المعاملات (1)] (2).

والأكثر القائلون بدلالته على الفساد اختلفوا:

منهم من قال: إن تلك الدلالة شرعية (3).

ومنهم من قال: إنها لغوية (4).

ومنهم من قال: إنها معنوية، والمراد بكونها معنوية أنه يفهم ذلك عرفًا: لأن العادة جرت بأن الشيء ما لم يتضمن فسادًا لا ينهى عنه.

(1) وهو اختيار أبي الحسين البصري، وبعض الحنفية، ولهم تفصيل آخر بين المنهي عنه لعينه، أي: لذات الفعل، فيقتضي الفساد، وإن كان لغيره، فلا.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 80 - 81، والمعتمد: 1/ 171، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 486، وفتح الغفار: 1/ 78، وتيسير التحرير: 1/ 376، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 129، وسيأتي بيان مذهب الأحناف أكثر تفصيلًا، وتقسيمًا في الشرح بعد قليل.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

لأن صيغة النهي لغة تدل على مجرد الطلب للكف عن الفعل على وجه الجزم والقطع، واقتضاؤه للفساد، أو البطلان قدر زائد يحتاج إلى دليل آخر غير اللغة، وهذا ما صححه الآمدي، وابن الحاجب، وجزم به البيضاوي.

راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 48 - 49، والابتهاج: ص/ 74، والمختصر وعليه شرح العضد: 2/ 95، وهمع الهوامع: ص/ 163.

(4)

لفهم أهل اللغة ذلك من مجرد اللفظ، وهذا منقول عن بعض الحنفية، وغيرهم.

راجع: فواتح الرحموت: 1/ 396، وتيسير التحرير: 1/ 376، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 393، وتشنيف المسامع: ق (54/ ب)، ومختصر البعلي: ص/ 104، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 129 - 130.

ص: 239

والمختار: أنها شرعية لأن المنهي عنه في قولنا: لا تصم يوم النحر هو الصوم الشرعي قطعًا، فلا بد، وأن تكون الدلالة شرعية إذ أهل اللغة لا يفهمون المعنى الشرعي، فكيف يدل اللفظ عليه؟ ومما ذكرنا علم الجواب عن المعنوية.

وأيضًا: لم تزل علماء الأمصار في الأعصار يستدلون على الفساد بالنهي من غير قرينة، وقد تواتر ذلك عنهم، بحيث لم يبق للريب فيه مجال.

ولا يمكن أن يقال: استدلال العلماء يدل على الفساد لغة، لما قدمنا أن تلك المعاني التي يستدل بها على الفساد فيها لم يعلمها أهل اللغة.

قيل: الأمر يدل على الصحة لغة، والنهى نقيضه، فيكون مقتضيًا للفساد.

قلنا: دلالة الأمر على الصحة شرعية، ونقول: بمثلها في النهي النافي لدلالته على الفساد، لا شرعًا، ولا لغة.

لو دل لكان مناقضًا للتصريح بصحة المنهي عنه، واللازم منتف: لأنه يصح أن نقول: نهيتك عن الزنى، ولو فعلت لعاقبتك، لكنه يحصل به الملك.

الجواب: أن المدعَى ظهور النهى في (1) / ق (60/ ب من أ) الدلالة على الفساد، ويعدل عن الظاهر بالقرينة، كما هو شأن سائر الظواهر.

الإمام، والغزالي: يدل على الفساد في العبادات دون المعاملات.

(1) آخر الورقة (60/ ب من أ).

ص: 240

أما الأول: فلأن المراد من كون العبادة فاسدة [أن](1) لا يحصل الإجزاء بها، والعبادة إذا كانت منهيًا عنها، فلا تكون مأمورًا بها.

فالآتي بالمنهي عنه، لم يأت بالمأمور به، فلم يحصل الإجزاء الذي هو موافقة الأمر، فيكون المأتي به فاسدًا.

وأما الثاني: فلأن المراد من قولنا: هذا البيع فاسد أنه لا يفيد الملك، فلو دل النهي على الفساد لدل إما بلفظه، أو بمعناه، لكن النهي لا يدل إلا على الزجر، فلا يدل لفظًا.

وأما معنى، فلأنه لا استبعاد في أن يقول: / ق (62/ أمن ب) نهيتك عن هذا البيع، لكن لو أتيت به حصل الملك، ولم يكن في ذلك تناقض، هذا حاصل كلام الإمام في المحصول (2).

وأما الغزالي: كلامه في المستصفى ظاهر في أنه لا يدل على الفساد لا في العبادات، ولا في المعاملات: لأنه قال: "فإن قيل: قد حمل بعض المناهي في الشرع على الفساد، دون بعض، فما الفرق؟ قلنا: لا يدل على الفساد، وإنما يعرف فساد العقد، والعبادة بفوات شرطها، وركنها - ثم قال بعد هذا الكلام -: فكل نهي تضمن ارتكابه الإخلال بالشرط يدل على الفساد من حيث الإخلال بالشرط"(3).

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

راجع: المحصول: 1/ ق/ 2/ 486.

(3)

المستصفى: 2/ 30.

ص: 241

وقال - في موضع آخر -: "فلو قام دليل على أن النهي للفساد، ونقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان هذا من جهة الشرع تصرفًا في اللغة بالتغيير، أو كان صيغة النهي من جهة علامة منصوبة على الفساد، ويجب قبول ذلك، ولكن الشأن في ثبوت هذه الحجة، ونقلها"(1).

وإنما أكثرنا من نقل كلامه ليظهر أن كلام المصنف، مخالف له صريحًا (2).

والجواب - عما ذكروه، ما تقدم من استدلال العلماء على الفساد في المواطن الخالية عن القرائن على الفساد من غير تفرقة بين المعاملات، والعبادات، حيث كان النهي راجعًا إلى أمر داخل، حتى ادعى بعض الفضلاء (3) التواتر في ذلك.

قوله: "فإن كان لخارج كالوضوء بمغصوب لم يفد عند الأكثر، وقال أحمد: يفيد مطلقًا".

أقول: ما تقدم كان إذا رجع النهي إلى أمر داخل، أو خارج لازم.

(1) المستصفى: 2/ 26.

(2)

قلت: نَقْلُ المصنف عن الغزالي فيه نظر، لأن الغزالي قد صرح في المستصفى بقوله:"والمختار أنه لا يقتضي الفساد"، وقال في المنخول:"النهي محمول على فساد المنهي عنه على معنى أنه يجعل وجوده كعدمه" وقال في موضع آخر منه: "المناهي بجملتها في العقود محمولة على الفساد" المستصفى: 2/ 25، 30، والمنخول: ص/ 126، 205، كما أن الإمام الزركشي لم يسلم للمصنف نقله عن الغزالي.

راجع: تشنيف المسامع: ق (54/ ب).

(3)

جاء في هامش (أ، ب): "العلامة التفتازاني رحمه الله". راجع: حاشيته على المختصر: 2/ 96.

ص: 242

فأما إذا كان الخارج مما ينفك سواء كان في العبادات كالصلاة في الدار المغصوبة والوضوء بماء مغصوب، أو في العقود كالبيع وقت النداء، أو في الإيقاع كالطلاق حين الحيض، فالأكثر أنه لا يدل (1).

فإن قلت: ما الفرق بين الزمان، والمكان حيث كان النهي دالًا على الفساد إذا رجع إلى الزمان بخلافه في المكان؟

قلت: الفرق اللزوم، وعدمه، وتحقيق هذا: أن الأفعال الاختيارية للعباد تقتضي زمانًا، ومكانًا، وكل منهما لازم لوجود الفعل، لكن الزمان، كما يلزم الوجود، يلزم الماهية، دون المكان.

ولهذا ينقسم الفعل بحسب انقسام الزمان إلى الماضي، والمستقبل، والحال فكان أشد ارتباطًا بالفعل من المكان، فافترقا.

والإمام [أحمد](2) لم يفرق بين خارج، وداخل، ولازم [و](3) غير لازم.

وقد تقدم أنه لم يقل بصحة الصلاة في الدار المغصوبة، وقد أشرنا هناك إلى أن ما ذهب إليه، مخالف للإجماع (4).

(1) وذهب أكثر الحنابلة، والمالكية، والظاهرية إلى أنه يدل على الفساد.

راجع: المعتمد: 1/ 179، والإحكام لابن حزم: 3/ 307 - 308، والعدة: 2/ 441، والفروق للقرافي: 2/ 85، وشرح تنقيح الفصول له: ص/ 174، والمسودة: ص/ 83، ومختصر الطوفي: ص/ 86، ومختصر البعلي: ص/ 104، وتشنيف المسامع: ق (55/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 164، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 132.

(2)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

سقط من (أ).

(4)

قد تقدم بيان ذلك، مع ذكر الخلاف: 1/ 363 - 367.

ص: 243

وإذا دل دليل من خارج على عدم الفساد يكون حقيقة، وإن خرج عنه البعض، كالعام [بعد التخصيص عند](1) بعض.

قوله: "وأبو حنيفة لا يفيد".

أقول: عند الشافعية دلالة النهي على الصحة بطلانه، يكاد يلحق / ق (61/ أمن أ) بالبديهيات للقطع بأن مدلول: لاتبع، إلا طلب الكف عنه، مع لزوم الفساد، أو بدونه، كما تقدم.

وأما كون الصحة مدلوله الالتزامي، أو التضمني (2) / ق (62/ ب من ب)، فشئ لا يشهد له عقل، ولا لغة ولا يندرج تحت قانون شرعي.

والحنفية يقبلون القضية، ويدعون ظهور لزومها، ودلالة النهي عليها، وهذا البحث بين الطائفتين مشهور، ونحن نذكر تفصيل مذهبهم في النهي، مع إيراد أدلتهم، والجواب عنها على أحسن وجه إن شاء الله تعالى، فإن المسألة حقيقة بذلك. فنقول: المنهي عنه عندهم أربعة أقسام:

لذاته، ولجزئه، ولوصف لازم، ولوصف مجاور، وهذا التقسيم إنما هو في الأمور الشرعية. وأما الأفعال الحسية كالشرب، والزنى، فلا خلاف في أن النهي عنها لمعنى في نفسها.

فالنهي - في الأفعال الشرعية - إن كان لعين الفعل كبيع الحر، والملاقيح، فغير مشروع لعدم قابلية المحل. وكذا بيع حر مع عبد غير مشروع لكون جزء المبيع غير قابل، وهو الحر.

(1) ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(2)

آخر الورقة (62/ ب من ب).

ص: 244

وإن كان لمجاور: كالصلاة في الدار المغصوبة، والبيع وقت النداء يصح بلا خلاف. وإن كان لوصف قائم بالفعل المنهي عنه كالصوم يوم النحر، فإن [الصوم](1) يقوم بالوقت بخلاف الصلاة بالمكان المغصوب، فالنهي في مثله يفيد الصحة.

واستدلوا - عليه -: بأنه لو لم يدل لكان المنهي عنه غير الشرعي، واللازم باطل للقطع بأنه إذا قال: لا تصم يوم النحر، المنهي عنه هو الصوم الشرعي لا مطلق الإمساك، وكذا قوله: لا تصل في الأوقات المكروهة (2).

الجواب: أن المراد بالشرعي هو المعنى الذي اعتبره الشارع، ووضع اللفظ بإزائه صح، أو لم يصح، ولا ريب: أن قولهم: صوم فاسد، يريدون به المعنى الشرعي، ولا معنى لوصف اللغوي بالفساد هنا.

قالوا: لو كان غير مشروع كان ممنوعًا عنه شرعًا، فلا ينهى عنه، كما لا يقال - للأعمى -: لا تبصر.

قلنا: ممنوع عنه بهذا النهي لا بدليل سابق، وأيضًا لو صح ما ذكرتم لزم صحة النكاح في قوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النساء: 22]، ولم تقولوا به.

(1) سقط من (أ) وأثبت، بهامشها.

(2)

راجع: أصول السرخسي: 1/ 80 - 81، وكشف الأسرار: 1/ 257 - 258، وفتح الغفار: 1/ 78، وتيسير التحرير: 1/ 376، وفواتح الرحموت: 1/ 396.

ص: 245

قالوا: أريد به المعنى اللغوي.

قلنا: وكذلك اللغوي ممتنع شرعًا، فلا ينهى عنه، ولو سلم فصلاة الحائض ترد نقضًا لعدم القائل بالصحة منا ومنكم، مع عدم جواز إرادة المعنى اللغوي، لأن الحائض لم تمنع من الدعاء قطعًا.

قوله: "وقيل: إن نُفِيَ عنه القبولُ"، يريد أن البحث المذكور كان فيما إذا توجه النهي على الفعل غير مقيد، فأما إذا قيد بالقبول، فالقبول هو المنتفي، وانتفاؤه لا يوجب انتفاء الصحة: لأن القبول أخص من الصحة، لكونه مناطًا للثواب، والصحة مناط لموافقة الأمر، أو لإسقاط القضاء.

وقيل: بل نفي القبول ظاهر في [نفي](1) الفساد لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"(2).

والحق: أن الأول أكثر، وأن القبول عبارة عن ترتب الثواب، وعدمه عن عدمه، به صرح الإمام المحقق النووي قدس الله روحه (3).

والحديث إنما دل على الفساد للإجماع على ذلك.

ونفي الإجزاء كنفي القبول، أي: يجري فيه القولان السابقان.

وقيل: نفي الإجزاء بالفساد أولى لما قدمنا من تفسيره، والله أعلم.

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

رواه البخاري، ومسلم، والإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ".

راجع: صحيح البخاري: 1/ 45، وصحيح مسلم: 1/ 140، والمسند: 2/ 308.

(3)

راجع: شرحه على صحيح مسلم: 3/ 103.

ص: 246