الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المجمل والبيان
قوله: "المجمل ما لم تتضح دلالته، فلا إجمال في آية السرقة" إلى آخره.
أقول: المجمل - لغة - المجموع، وجملة الشيء جميعه، ومنه أجمل الحساب، أي: جمعه (1).
واصطلاحًا: ما لم تتضح دلالته، أي: ما له دلالة غير واضحة (2): لئلا يرد [عليه](3).
المهمل: لأنه يصدق عليه أنه لم تتضح دلالته، إذ لا دلالة فيه، ولا اتضاح.
وهذا الحد يتناول القول، والفعل، والمشترك، والمتواطئ.
(1) راجع: معجم مقاييس اللغة: 1/ 481، والمصباح المنير: 1/ 110، ولسان العرب: 13/ 135.
(2)
راجع: اللمع: ص/ 27، والحدود للباجي: ص/ 45، والإشارات: ص/ 43، والبرهان: 1/ 419، وأصول السرخسي: 1/ 168، والعدة: 1/ 142، والإحكام لابن حزم: 3/ 385، والمعتمد: 1/ 292، والمستصفى: 1/ 345، وأدب القاضي للماوردي: 1/ 290، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 231، وروضة الناظر: ص/ 159، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 37، 274، وكشف الأسرار: 1/ 54، وفتح الغفار: 1/ 116، والتوضيح 1/ 126.
(3)
سقط من (ب) وأثبت بهامشها.
قوله: "فلا إجمال في آية السرقة"(1)، تفريع على ما قدمه من تعريف المجمل، أي: لما كان المجمل ما لم تكن دلالته على المقصود واضحة، وهذه النصوص متضحة الدلالة، فلا إجمال.
بيان ذلك: أن اليد - لغة -: من رؤوس الأنامل إلى المنكب حقيقة، والقطع: عبارة عن الإبانة - أيضًا - لغة.
قيل: تطلق اليد تارة ويراد إلى الكوع، وتارة إلى المرفق، وتارة إلى المنكب، والقطع يطلق على الجرح، فكان كل منهما مجملًا (2).
قلنا: المسألة لغوية يكفي فيها النقل عن الثقات، وهو ما ذكرنا، وفعل الشارع مبين أن المراد مما تناوله اللفظ - لغة -: هو ذلك البعض (3).
وكذا لا إجمال في نحو: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] أي: في التحريم المضاف إلى الأعيان، مختار الجمهور: عدم الاجمال فيه (4). / ق (79/ ب من أ).
(1) وهي قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].
(2)
راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 173، والمسودة: ص/ 101، وفواتح الرحموت: 2/ 39، نهاية السول: 2/ 522، وشرح العضد 2/ 160، وإرشاد الفحول: ص/ 170.
(3)
روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - في سارق رداء صفوان -: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطعه من المفصل".
راجع: السنن له: 3/ 205، والدراية في تخريج أحاديث الهداية: 2/ 111، وسبل السلام: 4/ 27 - 28.
(4)
آخر الورقة (79/ ب من أ).
خلافًا للكرخي، وأبي عبد الله البصري (1).
لنا - على المختار - أن تحريم العين غير مراد: لأن التحريم إنما يتعين بفعل المكلف، فإذا أضيف إلى عين من الأعيان يقدر الفعل المقصود منه، ففي المأكولات يقدر الأكل، وفي المشروبات الشرب، وفي الملبوسات (2) / ق (80/ ب من ب) اللبس، وفي الموطؤات الوطء، فإذا أطلق أحد هذه الألفاظ سبق المعنى المراد إلى الفهم من غير توقف، فتلك الدلالة متضحة.
قالوا: [تعذر](3) تعلق الحكم بالعين [فيقدر](4) الفعل، وذلك الفعل ليس متعينًا فقد جاء الإجمال.
(1) هو الحسين بن علي أبو عبد الله البصري الحنفي، ويعرف بالجعل شيخ المتكلمين وأحد أعلام المعتزلة، أخذ الاعتزال، وعلم الكلام عن أبي علي بن خلاد، ثم أخذه عن أبي هاشم الجبائي، ولازم مجلس أبي الحسن الكرخي زمنًا طويلًا حتى صار مقدمًا في علمي الفقه، والكلام، وهو شيخ القاضي عبد الجبار، وله مؤلفات منها: شرح مختصر أبي الحسن الكرخي، وكتاب الأشربة، وتحليل نبيذ التمر، وكتاب تحريم المتعة، وجواز الصلاة بالفارسية، وتوفي سنة (369 هـ) على الراجح.
راجع: فرق وطبقات المعتزلة: ص/ 111، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ص/ 325، الفهرست: ص/ 248، 294، وتأريخ بغداد: 8/ 73، وطبقات الفقهاء للشيرازي: ص/ 143، وطبقات المفسرين للداودي: 1/ 155، والجواهر المضيئة: 1/ 216، والفوائد البهية: ص/ 67، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه: ص/ 165، وشذرات الذهب: 3/ 68.
(2)
آخر الورقة (80/ ب من ب).
(3)
في (ب): "القدر" والصواب المثبت من (أ).
(4)
في (أ، ب): "فبعد" وكتب عليها في (أ): "كذا" يعني في الأصل، والأولى، بل الصواب المثبت. وراجع: المعتمد: 1/ 307، وشرح العضد: 2/ 159.
قلنا: ذلك البعض متعين عرفًا بدلالة سبق الفهم (1). وكذا في نحو: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، إذ الرأس اسم لمجموع العضو المعروف، فإن لم يثبت فيه عرف، طار، فالمراد الكل - وإليه ذهب الإمام مالك، والباقلاني، وابن جني - فلا إجمال (2).
وإن ثبت عرف في إطلاقه على [بعض](3) - كما هو مذهب الشافعي، والقاضى عبد الجبار، وأبي الحسين من المعتزلة - فلا إجمال أيضًا (4).
(1) راجع: التبصرة ص/ 201، وأصول السرخسي: 1/ 195، والعدة: 1/ 106، والميزان للسمرقندي: ص/ 349 - 350، والمنهاج في ترتيب الحجاج: ص/ 103، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 241، والمستصفى: 1/ 346، والمسودة: ص/ 60، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 275، وروضة الناظر: ص/ 160، وكشف الأسرار: 2/ 106، وفواتح الرحموت: 2/ 33، وتيسير التحرير: 1/ 166، ومختصر الطوفي: ص/ 116، والآيات البينات: 3/ 109، وإرشاد الفحول: ص/ 169.
(2)
وهو مذهب الإمام أحمد، وأصحابه: لأنه عندهم بوضع حكم اللغة ظاهر في مسح جميع الرأس، وهو اسم لكله لا لبعضه.
راجع: أحكام القرآن لابن العربي: 2/ 568، والمغني لابن قدامة: 1/ 125، والمختصر لابن الحاجب: 2/ 159، والمسودة: ص/ 178، وشرح الكوكب المنير: 3/ 423.
(3)
لم توجد في (أ، ب) وزدتها من شرح العضد: 2/ 159، ليستقيم الكلام.
(4)
لأن عرف الاستعمال الطارئي على الوضع يقتضي إلصاق المسح ببعض الرأس ولأنه حقيقة في القدر المشترك بين الكل، والبعض، وهو ما ينطلق عليه الاسم.
راجع: أحكام القرآن للشافعي: 1/ 44، وأحكام القرآن للكيا الهراس: 3/ 85، والمعتمد: 1/ 308، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 247، والإحكام للآمدي: 2/ 169، ونهاية السول: 2/ 521، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 59، والغيث الهامع: ق (74/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 221، وإرشاد الفحول: ص/ 170.
وذهبت الحنفية: إلى أن الرأس مجمل (1) في حق المقدار بينه فعله صلى الله عليه وسلم في حديث المغيرة (2) -: "بمسح الناصية"(3) أن المراد قدر الربع من أي جهة كان.
والدليل - على عدم إرادة الكل -: هو أن الباء إذا دخلت الآلة تعدى الفعل إلى محله، فيستوعبه، كما إذا قلت: مسحت رأس اليتيم بيدي: أي، جميع رأسه، ولا يلزم أن يكون بجميع اليد.
(1) حكاية القول في الإجمال عن الحنفية فيه نظر؛ لأن القائل بالإجمال منهم قلة، وجمهورهم على أنه لا إجمال فيه.
راجع: فواتح الرحموت: 2/ 35، وتيسير التحرير: 1/ 166 - 167، وشرح فتح القدير: 1/ 33.
(2)
هو الصحابي المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أبو عبد الله، وقيل: أبو عيسى، أسلم عام الخندق، وكان موصوفا بالدهاء، والحلم، وشهد الحديبية، وولاه عمر بن الخطاب على البصرة مدة، ثم نقله إلى الكوفة واليًا، وأقره عثمان عليها، ثم عزله، وشهد اليمامة، وفتح الشام، وذهبت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية، وفتح نهاوند، واعتزل الفتنة بعد قتل عثمان، ثم استعمله معاوية على الكوفة حتى توفي فيها سنة (50 هـ أو 51 هـ) على خلاف في ذلك. راجع: الاستيعاب: 3/ 388، والإصابة: 3/ 453، والخلاصة: ص/ 385.
(3)
روى أبو داود، وأحمد، والنسائي عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"توضأ، ومسح على ناصيته، وذكر فوق العمامة"، وفي رواية:"أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته، وعلى عمامته". راجع: سنن أبي داود: 1/ 33، ومسند أحمد: 4/ 255، وسنن النسائي: 1/ 76 - 77.
وانظر تفصيل الخلاف في القدر الواجب مسحه من الرأس: شرح فتح القدير: 1/ 17، والمدونة: 1/ 16، والمجموع للنووي: 1/ 399، والمغني لابن قدامة: 1/ 125.
ومتى دخلت المحل تعدى إلى الآلة، فيستوعبها دون المحل، كما في الآية فيراد بعض الرأس، ولا يجوز أقل ما ينطلق عليه اسم البعض: لأنه يغسل، مع الوجه، فيكون مجملًا في السدس، والربع، والثلث، هكذا ذكره بعض (1) الأفاضل.
من غير زيادة. وليس بشيء: لأن كون البعض مغسولًا، مع الوجه لا يقوم مقام المسح: لأن الترتيب واجب عند الشافعي (2).
وإنما لم نذكر أن البعضية، مستفادة من الباء لأن كون الباء للبعضية لم تثبت لغة (3).
وكذا قوله: "لا نكاح إلا بولي" لا إجمال فيه: لأن المراد منه عرفًا هو الصحة، أي: لا صحة للنكاح إلا بولي.
وكذا نحو قوله: "رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان"[مما ينفى صفة](4) والمراد لازم من لوازمها.
(1) جاء في هامش (أ، ب): "هو التفتازاني في حاشية العضد" وانظر الحاشية له: 2/ 159.
(2)
وهو المشهور عن أحمد، ونقل عن عثمان، وابن عباس، ورواية للإمام علي رضي الله عنهم، وبه قال قتادة، وأبو ثور، وأبو عبيد، وإسحاق بن راهويه.
وقالت طائفة: لا يجب، وحكى عن أكثر العلماء، من الصحابة، وغيرهم كعلي، وابن مسعود، وسعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، ومكحول، والنخعي، والزهري، وربيعة، والأوزاعي، وأبي حنيفة، ومالك، وأصحابهما، والمزني، وابن المنذر وداود، وغيرهم.
راجع: شرح فتح القدير: 1/ 35، والمدونة الكبرى: 1/ 17، والمجموع للنووي: 1/ 443، والمغني لابن قدامة: 1/ 136، والفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 54 - 62.
(3)
جاء في هامش (أ): "بل ثبت لغة".
(4)
في (ب): "فما يبقى" والمثبت من (أ).
وإنما قلنا: لا إجمال فيه: لأن مثل هذا التركيب يدل على رفع المؤاخذة والعقاب، ولو قطع النظر عن وجود الشرع، كما إذا قال السيد لعبده: رفعت عنك الخطأ، أي: لا أُؤَاخذك.
قالوا: وجود الخطأ واقع قطعًا، فلا بد من تقدير فعل، وذلك المقدر يحتمل أفرادًا.
قلنا: العرف يخصصه، كما تقدم مرارًا (1).
وكذا لا إجمال في مثل: "لا صلاة إلا بطهور"(2): و"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"(3) خلافًا للقاضي أبي بكر، وقد علمت جوابه في قوله:"لا نكاح إلا بولي".
(1) راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 170 - 171، والغيث الهامع: ق (74/ ب)، والآيات البينات: 3/ 109، وإرشاد الفحول: ص/ 170.
(2)
هذا لفظ الطبراني وقد تقدم في هامش: 1/ 360.
ورواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي، وعنون له البخاري بلفظ:"لا يقبل الله صلاة بغير طهور".
راجع: صحيح البخاري: 1/ 45، وصحيح مسلم: 1/ 140، وسنن أبي داود: 1/ 47، وتحفة الأحوذي: 1/ 23، ومسند أحمد: 2/ 20، وسنن النسائي: 1/ 88، وسنن ابن ماجه: 1/ 118، وسنن الدارمي: 1/ 175، وفيض القدير: 6/ 415.
(3)
رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:"لا صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وعند أحمد، والترمذي بلفظ:"لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب"، وقد تقدم ذكره باللفظ الأول في هامش: 1/ 277، وتقدم ذكر الشارح له بلفظ: "لا صلاة لمن لم =
ويظهر مما فصلنا أن المصنف لو قال: مع الخلاف في الكل. كان أولى من، "وخالف قوم" إذ المخالف في المسائل المذكورة أقوام مختلفة (1).
قوله: "وإنما الإجمال في مثل القرء".
أقول: أراد بمثل القرء كل لفظ مشترك تجرد عن القرينة، فإنه مجمل محتمل معنييه، فإن القرء موضوع تارة للطهر، وتارة للحيض، وكذا لفظ: نور، مجمل لإطلاقه على الضوء، وعلى العقل، وعلى الإيمان، وعلى القرآن، وعلى سائر العلوم الشرعية، فيتردد الذهن عند سماعه لعدم المرجح، وكذا الجسم صالح للأجسام المختلفة كالأرض، والسماء، وكلفظ المختار: لأنه إن قدر قلب الألف/ ق (81/ أمن ب) من الياء المكسورة كان/ ق (80/ أمن أ) اسم فاعل، أو من المفتوحة كان اسم مفعول (2).
= يقرأ بأم القرآن" في ص/ 424. راجع: صحيح البخاري: 1/ 182، ومسند أحمد: 2/ 241، 478، وسنن أبي داود: 1/ 188، وتحفة الأحوذي: 2/ 59، وسنن النسائي: 2/ 127 - 128، وسنن ابن ماجه: 1/ 277، وسنن الدارمي: 1/ 283، وسنن الدارقطني: 1/ 321، وتلخيص الحبير: 1/ 230، ونصب الراية: 1/ 363.
(1)
راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 171 - 173، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 60، وتشنيف المسامع: ق (73/ ب) والغيث الهامع: ق (74/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 221 - 222.
(2)
راجع: اللمع: ص/ 27، والبرهان: 1/ 421، والمستصفى: 1/ 361، وأدب القاضي: للماوردي: 1/ 292، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 234، وروضة الناظر: ص/ 159، والإحكام للآمدي: 2/ 167، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 274، ونهاية السول: 2/ 509، وفواتح الرحموت: 2/ 32، ونشر البنود: 1/ 276، وإرشاد الفحول: ص/ 169.
وكذا: {بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] يحتمل الزوج، والولي، وعلى الأول حمله الشافعي (1)، ومالك على الولي (2)، لما لاح لكل منهما من الدليل.
وكذا: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1، الحج: 30](3) قبل نزول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] إلى آخر المحرمات لتردد الذهن في المحللات: لكون الحكم على المستثنى منه بعد العلم بالمستثنى، وإخراجه (4).
وكذا: {وَالرَّاسِخُونَ} [آل عمران: 7] مجمل لاحتماله الابتداء، أو العطف، كما هو المشهور بين السلف، والخلف (5).
(1) لأن الزوج هو الذي بيده دوام العقد، والعصمة، وهذا هو مذهب أبي حنيفة، والراجح من الروايتين عن الإمام أحمد رضي الله عنهم جميعًا.
راجع: أحكام القرآن للجصاص: 1/ 440، وأحكام القرآن للشافعي: 1/ 200، وأحكام القرآن للكيا الهراس: 1/ 305، وسنن البيهقي: 7/ 252، والمهذب: 2/ 61، والإفصاح لابن هبيرة: 2/ 138، والمحرر: 2/ 38، وكشاف القناع: 5/ 161، وشرح منتهى الإرادات: 3/ 74، وفواتح الرحموت: 2/ 32، ونهاية السول: 2/ 511.
(2)
لأنه الذي يتولى نكاح المرأة إذ هي لا تزوج نفسها.
راجع: أحكام القرآن لابن العربي: 1/ 222، ونشر البنود: 1/ 276.
(3)
فإنه استثنى من المعلوم ما لم يعلم، فكان الباقي محتملًا، فصار مجملًا.
(4)
راجع: المعتمد: 1/ 299، واللمع: ص/ 27، والبرهان: 1/ 421، والإحكام للآمدي: 2/ 167، ونهاية السول: 2/ 512، وشرح العضد: 2/ 159، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 61.
(5)
تقدم بيان ذلك عند الكلام على المحكم والمتشابه.
وانظر: تشنيف المسامع: ق (74/ أ) والغيث الهامع: ق (75/ أ) وهمع الهوامع: ص/ 222.
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره"(1) لاحتمال عود الضمير إلى الجار، وإلى أحد.
واختار الشافعي رجوعه إلى الجار لموافقته قانون اللغة من كون الضمير يعود إلى أقرب المذكور.
وللحديث الصحيح: "لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفسه"(2). فالمعنى على هذا لا يمنعه من وضع الخشبة على جدار نفسه (3)، أي: لا يظلمه.
(1) رواه البخاري، ومسلم، ومالك، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي عن أبي هريرة، وابن عباس.
راجع: صحيح البخاري: 3/ 163 - 164، وصحيح مسلم: 5/ 57، والموطأ: ص/ 464، والمسند: 2/ 240، وسنن أبي داود: 2/ 283، وعارضة الأحوذي: 6/ 105، وسنن ابن ماجه: 2/ 56 - 57، والسنن الكبرى: 6/ 68.
(2)
رواه البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس.
راجع: السنن الكبرى: 6/ 96 - 97.
(3)
وعلى هذا، فلا دلالة في الحديث على وجوب تمكين صاحب الجدار لجاره من وضع خشبته عليه، وبه قال أبو حنيفة، ومالك. وذهب الإمام أحمد، وأصحابه وغيرهم: إلى أن الضمير يعود إلى أحد، لقول أبي هريرة رضي الله عنه:"مالي أراكم عنها معرضين! ! ، والله لأرمين بها بين أظهركم" ولو كان الضمير عائدًا إلى الجار لما قال ذلك، وهو قول الشافعي القديم.
راجع: الإفصاح لابن هبيرة: 1/ 381، والقواعد لابن رجب: ص/ 227، والمغني لابن قدامة: 4/ 555، والشرح الكبير: 5/ 36، والمختصر لابن الحاجب: 2/ 158، ونشر البنود: 1/ 276، والآيات البينات: 3/ 114، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 61، وهمع الهوامع: ص/ 222، وإرشاد الفحول: ص/ 169.
وكذا: زيد طبيب ماهر، إذ المستكن في ماهر، يمكن عوده إلى زيد، وإلى طبيب (1)، فعلى ما اختاره الشافعي رضي الله عنه يعود إلى طبيب، فتنحصر مهارة زيد في الطب.
وكذا الثلاثة زوج وفرد: لاحتمال أن يريد المتكلم [كون](2) هذا العدد، يمكن اتصافه بالزوج والفرد، فتكون القصة كاذبة، وأن يريد اشتمال أجزائه عليهما، فتكون صادقة.
والشراح خبطوا في تفسير هذا، بل غلطوا (3).
(1) وهذا إجمال في مرجع الصفة، والمعنى متفاوت باعتبار الاحتمالين، فإن عاد ماهر إلى زيد، فإن مهارته تكون في غير الطب، وإن عاد إلى طبيب فكما ذكر الشارح.
راجع: الأحكام للآمدي: 2/ 167، وشرح العضد: 2/ 158، وفواتح الرحموت؛ 2/ 33، ونهاية السول: 2/ 511.
(2)
سقط من (أ) وأثبت بهامشها.
(3)
يعني الزركشي، والمحلي لأنهما قالا:"لتردد الثلاثة بين جميع أجزائها، وجميع صفاتها، وبالنظر إلى دلالة اللفظ لا يتعين أحدهما، وبالنظر إلى صدق القائل يتعين أن يكون المراد منه جميع الأجزاء، فإن حمله على جميع الصفات يوجب كذبه" وكان الأولى أن يقولا - في نظر الشارح -: لتردد الثلاثة بين اتصافها بصفتيها، واتصاف أجزائها بهما، كما عبر هو، وما اعترض به الشارح هنا، أورده العلامة العبادي نقلًا عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، ثم ذكر العبادي أن ما عبر به الشارح هنا أقعد؛ لأن المدعَى إجماله لفظ الثلاثة، ولا معنى لإجماله إلا تردده بين أن يراد به الأجزاء، وأن يراد به الصفات وأما أن ترد الثلاثة بين اتصافها، واتصاف أجزائها، فهو فرع من هذا التردد.
راجع: تشنيف المسامع: ق (74/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 62 - 63، والغيث الهامع: ق (75/ أ)، والدرر اللوامع للكمال: ق (176/ ب - 177/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 223، والآيات البينات: 3/ 114 - 115.
قوله: "والأصح وقوعه في الكتاب، والسنة".
أقول: الجمهور: على وقوع المجمل في الكتاب، والسنة خلافًا لداود (1).
لنا: - على المختار - الآيات، والأحاديث المذكورة له (2).
إن الإجمال بدون البيان لا يفيد، ومعه تطويل لا يقع في كلام البلغاء فضلًا عن الله، وسيد الأنبياء.
الجواب: أن الكلام إذا ورد مجملًا، ثم بين، وفصل [كان](3) أوقع عند النفس من ذكره مبينًا ابتداء.
(1) هو داود بن علي بن خلف الأصفهاني البغدادي، أبو سليمان إمام أهل الظاهر، كان زاهدًا، ورعًا، عالمًا متبحرًا، وكان أكثر الناس التزامًا لأقوال الشافعي، وصنف في فضائله، والثناء عليه كتابين، ثم صار صاحب مذهب مستقل، متبعًا لظاهر النصوص، وله مؤلفات منها: الكافي في مقالة المطبي، وإبطال القياس، والمعرفة، والدعاء، والطهارة، والحيض، والصلاة، وغيرها، وتوفي في بغداد سنة (270 هـ).
راجع: تأريخ بغداد: 8/ 369، وتأريخ أصفهان: 1/ 312، وطبقات الشيرازي: ص/ 92، ومرآة الجنان: 2/ 184، وطبقات السبكي: 2/ 284، وميزان الاعتدال: 2/ 14، وطبقات الحفاظ: ص/ 257، وطبقات المفسرين للداودي: 1/ 166، وشذرات الذهب: 2/ 258.
(2)
يعني فيما تقدم راجع: أدب القاضي للماوردي: 1/ 290، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 237، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 280، وتشنيف المسامع: ق (74/ أ)، والغيث الهامع: ق (75/ أ) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 63، وهمع الهوامع: ص/ 223، وإرشاد الفحول: ص/ 168.
(3)
سقط من (أ، ب) وأثبت بهامش (أ).
وأجاب الإمام - في المحصول عن هذا السوال -: بأن الله يفعل ما يشاء (1). ولا يخفى أنه ليس بجواب: لأن قوله: مع البيان تطويل، بلا فائدة يكون مسلمًا عند المجيب، ولا يرضى به عاقل، فضلًا عن محقق فاضل.
قوله: "وأن المسمى الشرعي".
أقول: قد يكون للفظ مسمى شرعي، ومسمى لغوي، فإذا صدر من الشارع يحمل على المفهوم الشرعي، هو المختار إثباتًا، ونهيًا (2).
الغزالي: يحمل في الإثبات دون النهي، فإنه مجمل.
وقيل: يتعين في الإثبات الشرعي، وفي النهي اللغوي، فلا (3) / ق (81/ ب من ب) إجمال (4).
لنا - على المختار - أنه ظاهر في الشرعي لصدوره من الشارع: لأنه إنما بعث لتعريف الأحكام، لا لبيان اللغات.
قالوا: يصلح لهما، فيكون مجملًا. قلنا: بل متضح بقرينة صدوره منه.
(1) راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 239.
(2)
راجع: التبصرة: ص / 195، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 577، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 112، 114، والمسودة: ص/ 177، وشرح العضد: 2/ 161، وفواتح الرحموت: 2/ 41، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 123، والآيات البينات: 3/ 115، وإرشاد الفحول: ص/ 172.
(3)
آخر الورقة (81/ ب من ب) وجاء في هامشها: "بلغ مقابلة على خط مؤلفه أمتع الله بحياته"، كما جاء في بداية ورقة (82/ أ) على الهامش:"العاشر" يعني بداية الجزء العاشر.
(4)
واختاره الآمدي. راجع: الإحكام له: 2/ 176.
الغزالي: في الإثبات ما ذكرتم مسلم، لا في النهي، إذا لو حمل على الشرعي لدل النهي على الصحة، وإنما يدل على الفساد (1).
الجواب: ليس المراد بالشرعي ما يكون صحيحًا شرعًا، بل ما يستفاد من الشرع تسميته بذلك الاسم صحيحًا كان ذلك الاسم، أو فاسدًا، وقد تقدمت المسألة في بحث الحقيقة، والمجاز، ولكن لم يذكر هناك تفاريع المسألة، فأعادها لذلك.
ثم إن تعذر الحمل على المعنى الشرعي حمل على المعنى المجازي الشرعي.
مثاله: قوله: "طوافكم بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام"(2).
(1) راجع: المستصفى: 1/ 359.
(2)
رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان، والدارمي، والحاكم، والبيهقي عن ابن عباس مرفوعًا، مع الاختلاف في بعض ألفاظه، ورواه الطبراني عن ابن عمر، وأخرجه موقوفا النسائي عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ورجح وقفه الترمذي والنسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي، وصحح الحديث ابن السكن، وابن حبان، وابن خزيمة، وذكر الحافظ طرقه، وأنه اختلف فيها على طاوس على خمسة أوجه، وأن أوضح الطرق، وأسلمها رواية القاسم ابن أبي أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، فإنها سالمة من الاضطراب لكنها لا تخلو من الإدراج.
راجع: المسند: 3/ 414، 4/ 64، 5/ 377، وتحفة الأحوذي: 4/ 33 - 34، وسنن النسائي: 5/ 222، وسنن الدارمي: 2/ 44، وصحيح ابن خزيمة: 4/ 222، والمستدرك: 1/ 459، 2/ 267، والسنن الكبرى: 5/ 85، وتلخيص الحبير: 1/ 129، وفيض القدير: 4/ 293.
ولما تعذر حقيقة الصلاة، فيقال: إنه كالصلاة في اشتراط الطهارة، والنية، رعاية لقصد الشارع، بما أمكن (1).
وقيل: مجمل لتردده بين الصلاة (2) / ق (80/ ب من أ) شرعًا، وبين الدعاء (3)، أو يحمل على اللغوي، وهو الدعاء (4). المختار: هو الأول.
قوله: "والمختار اللفظ المستعمل لمعنى تارة، ولمعنيين".
أقول: إذا استعمل لفظ لمعنى تارة، ولمعنيين [أخرى](5) على السواء - وليس المعنى الواحد المستعمل فيه أحد المعنيين - مجمل، لوقوع التردد عند إطلاق اللفظ، وهو آية الإجمال (6).
(1) وهذا هو مذهب الجمهور: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لتعريف الأحكام وفائدة التأسيس أولى، فهو شرعي من هذه الناحية، ومجازي من ناحية أنه ليس فيه حقيقة الصلاة الشرعية.
راجع: الأحكام للآمدي: 2/ 175 - 176، وشرح العضد: 2/ 161، ونهاية السول: 2/ 545، وتشنيف المسامع: ق (74/ أ)، والغيث الهامع: ق (75/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 63، وهمع الهوامع: ص/ 223 - 224، والآيات البينات: 3/ 115، وإرشاد الفحول: ص/ 172.
(2)
آخر الورقة (80/ ب من أ).
(3)
من غير ميزة لأحدهما على الآخر، وهذا مذهب الغزالي، راجع: المستصفى: 1/ 357.
(4)
تقديمًا للحقيقة اللغوية على المجاز.
(5)
سقط من (أ) وأثبت بهامشها.
(6)
ومثلوا لذلك بحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم، ولا ينكح" بناء على أن النكاح مشترك بين العقد، والوطء، فإنه إن حمل على =
أما إذا كان المعنى المستعمل فيه أحد المعنيين الآخرين، فلا إجمال لتعينه على كلا التقديرين، والآخر يوقف (1).
وقيل: يعمل به - أيضًا - لكثرة الفائدة.
قوله: "البيان: إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي".
أقول: البيان - لغة -: مصدر بان (2)، إذا ظهر، وانفصل.
= الوطء استفيد منه واحد، وهو أن المحرم لا يطأ، ولا يوطأ، أي: لا يمكن غيره من وطئه، يعني المرأة، وإن حمل على العقد استفيد منه معنيان بينهما قدر مشترك، وهو أن المحرم لا يعقد لنفسه، ولا يعقد لغيره. والحديث رواه مسلم في صحيحه: 4/ 136 - 137، وقد رجح الإجمال الغزالي، وابن الحاجب، وهو مذهب الحنابلة.
وذهب الآمدي إلى أنه ظاهر في المعنيين، وحكاه عن الأكثر، واختاره.
راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 174، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 161، وشرح الكوكب المنير: 3/ 431، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 65، وفواتح الرحموت: 2/ 40، وإرشاد الفحول: ص/ 171.
(1)
ومثلوا له بقوله صلى الله عليه وسلم: "الثيب أحق بنفسها من وليها" أي: بأن تعقد لنفسها، أو تأذن لوليها، فيعقد لها، ولا يجبرها، وقد قال بصحة عقدها لنفسها أبو حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي، لكن إذا كانت في مكان لا ولي فيه، ولا حاكم.
راجع: صحيح مسلم: 4/ 141، وشرح فتح القدير: 3/ 293 - 294، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 65 - 66، وهمع الهوامع: ص/ 224.
(2)
بان: ثلاثي، ولا يستعمل إلا لازمًا، وأما غير الثلاثي، فإنه يستعمل لازمًا، ومتعديًا، كأبان، وبين، وتبين، واستبان، وهي كلها بمعنى الوضوح، والانكشاف، والاسم هو البيان.
راجع: المصباح المنير: 1/ 70، والقاموس المحيط: 4/ 204، ومختار الصحاح: ص/ 72.
واصطلاحًا: ما قاله المصنف (1)، وهذا التعريف مختار الصيرفي (2).
وأورد عليه إشكالان: أحدهما: البيان ابتداء، فإنه لا إشكال هناك حتى يخرج اللفظ منه.
ثانيهما: لفظ الحيز، مجاز، والحدود تصان عنه.
الجواب - عن الأول -: أن البيان لا يقتضي إشكالًا، بل يكفي توهم الإشكال.
وعن الثاني: أن المجاز المشهور ملحق بالحقائق.
ويطلق البيان - أيضًا - على الدليل الدال على ذلك الإخراج، وعلى المدلول المبين، ثم ليعلم أن المبين نقيض المجمل، فيعرف: بمتضح الدلالة (3).
(1) راجع: الرسالة: ص/ 21، والبرهان: 1/ 159، والعدة: 1/ 102، والحدود للباجي: ص/ 41، واللمع: ص/ 29، وأصول السرخسي: 2/ 26، والإحكام لابن حزم: 1/ 38، والمعتمد: 2/ 293 - 294، الفقيه والمتفقه: 1/ 115، المحصول: 1/ ق/ 3/ 226، والمستصفى: 1/ 364، وكشف الأسرار: 3/ 104، وفتح الغفار: 2/ 119، وروضة الناظر: ص/ 163، والمسودة: ص/ 572.
(2)
هو محمد بن عبد الله البغدادي، أبو بكر الصيرفي الشافعي الإمام الفقية الأصولي، كان أعلم الناس بعد الشافعي في زمانه، ومن مؤلفاته: البيان في دلائل الأعلام على أصول الأحكام، في أصول الفقه، وشرح الرسالة للشافعي، وكتاب الإجماع، والشروط، وتوفي سنة (330 هـ).
راجع: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 193، ووفيات الأعيان: 3/ 337، وطبقات السبكي: 3/ 186، وشذرات الذهب: 2/ 325، والفتح المبين: 1/ 180.
(3)
راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 177، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 274، وفواتح الرحموت: 2/ 42، وتيسير التحرير: 3/ 171، نهاية السول: 2/ 524، وشرح العضد: =
وكما أن المجمل يكون مفردًا، ومركبًا على ما تقدم من الأمثلة، فكذلك المبين وقد يكون في فعل، وفيما سبق له إجمال، وهو ظاهر، وفيما لا إجمال فيه، كمن يقول - ابتداء -:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات: 16]، وإنما يجب البيان لمن أريد فهمه، وأما إذا لم يرد، فلا وجوب لخلوه عن الفائدة.
قوله: "والأصح أنه قد يكون بالفعل".
أقول: الجمهور على أن البيان يجوز أن يكون بالفعل، وهو المختار (1).
لنا: أنه صلى الله عليه وسلم بين مجمل الكتاب به، مثل الصلاة، والحج.
= 2/ 162، ونشر البنود: 1/ 277، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 67، وتشنيف المسامع: ق (74/ ب)، والغيث الهامع: ق (75/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 224.
(1)
وعليه معظم العلماء، وخالف في ذلك القليل، وأما البيان بالقول من الكتاب، والسنة، فيجوز اتفاقًا كقوله تعالى:{صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] على القول أن المراد بالبقرة، بقرة معينة، وهو المشهور، وكقوله صلى الله عليه وسلم:"فيما سقت السماء، والعيون، أو كان عَثَرِيًا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر" رواه البخاري في صحيحه 2/ 148، بين قوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].
راجع: اللمع: ص/ 29، والعدة: 1/ 118، وأصول السرخسي: 2/ 27، والتبصرة ص/ 247، والإحكام لابن حزم: 1/ 72، والمستصفى: 1/ 366، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 169، والمسودة: ص/ 573، ومختصر الطوفي: ص/ 119، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 281، ونشر البنود: 1/ 278، وفواتح الرحموت: 2/ 45، والأحكام للآمدي: 2/ 178.
قيل: إنما بين بقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، و"خذوا عني مناسككم".
قلنا: ذلك دليل كون الفعل بيانًا: لأن هذا القول لم يفد كيفية الحج، والصلاة، بل أحال معرفته على تتبع فعله.
ولنا - أيضًا -: أن الفعل أدل على البيان من القول: لأنه لا يحتمل غير المقصود بخلاف القول، ولهذا نسمعهم يقولون:"ليس الخبر كالمعاينة"(1).
قالوا: الفعل أطول، فلو بين به لزم تأخير/ ق (82/ أمن ب) البيان.
الجواب: لا نسلم أنه أطول من القول إذ ربما يكون بيان الركعتين على الوجه الأكمل أطول من الفعل بكثير، ولئن سلم، ولزم تأخير البيان لا ضرر فيه، إنما الفساد في تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فإن قلت: إذا سلمت أن الفعل يكون أطول، فقد حصل مقصود الخصم إذ لا يجوز عند البلغاء ارتكاب التطويل.
(1) جاء في هامش (أ): "هو حديث رواه أحمد بسند صحيح وابن حبان والطبراني".
قلت: ورواه - أيضًا - الدارقطني، والبغوي، والضياء، وابن عدي، وابن منيع، وأبو يعلى، والحاكم عن ابن عباس، وقد صححه ابن حبان، والحاكم، وغيرهما.
راجع: المسند: 1/ 271، وموارد الظمآن: ص/ 510، والمقاصد الحسنة: ص/ 354، وكشف الخفاء: 2/ 168، وفيفر القدير: 5/ 357، وأسنى المطالب: ص/ 186.
قلت: ذلك عند عدم اشتمال الأطول على فائدة، وقد بينا أن الفعل أدل من القول، فسقط السؤال (1).
قوله: "وأن المظنون يبين المعلوم".
أقول: الحق أن البيان يجوز أن يكون مظنونًا، والمبين معلومًا (2).
(1) ولعل التحقيق في ذلك التوسط، وهو أن القول أقوى في الدلالة على الحكم، والفعل أقوى في الدلالة على الكيفية، فمثلًا فعل الصلاة أدل من وصفها بالقول لأنه فيه مشاهدة، وأما استفادة وجوبها، أو ندبها، أو غيرهما، فالقول أقوى لصراحته.
راجع: المعتمد: 1/ 312.
(2)
ونقل عن الجمهور، واختاره القاضي، وأبو الحسين البصري، والفخر الرازي، وغيرهم، وذهب ابن الحاجب، وغيره إلى أن البيان لا بد وأن يكون أقوى عن المبين لأنه دونه، فكيف يجعل في محله، حتى إنه المذكور بدله؟
وذهب آخرون: إلى أنه إن عم وجوبه جميع المكلفين كالصلاة، ونحوها وجب أن يكون بيانه معلومًا، متواترًا، وإن لم تعم البلوى، واختص العلماء بمعرفته، كنصاب السرقة، وأحكام المكاتب قبل في بيانه خبر الواحد، وحو مروي عن العراقيين من الأحناف، وقال الكرخي: لا بد من التساوي بينهما.
راجع: العدة: 1/ 125، والمعتمد: 1/ 313، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 275 - 276، وروضة الناظر: ص/ 143، والإحكام للآمدي: 2/ 181، وشرح العضد على المختصر: 2/ 163، ونهاية السول: 2/ 546، وفواتح الرحموت: 2/ 48، وتيسير التحرير: 3/ 173، ومختصر الطوفي: ص/ 119، وتشنيف المسامع: ق (74/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 69، والغيث الهامع: ق (76/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 225، والآيات البينات: 3/ 120.
لنا: أن البيان كالتخصيص، فكما يجوز تخصيص القطعي بالظني كخبر الواحد، والقياس، فكذلك يجوز بيان المعلوم، أي: ما كان متنه قطعيًا بالمظنون لأن البيان يتوقف على وضوح الدلالة، لا على قطعية المتن. هذا ظاهر كلام الإمام في المحصول (1).
والتحقيق - في هذا المقام -: أن المبين إن كان عامًا، أو مطلقًا، فيشترط أن يكون بيانه أقوى [لأنه يدفع العموم الظاهر، والإطلاق، / ق (81/ أمن أ) وشرائط الدافع أن يكون أقوى، وأما المجمل، فلا يشترط أن يكون بيانه أقوى](2). بل يحصل بأدنى دلالة لأن المجمل لما كان محتملًا للمعنيين على السواء، فإذا انضم إلى أحد الاحتمالات أدنى مرجح كفاه (3).
قوله: "وأن المتقدم، وإن جهلنا عينه".
أقول: إذا ورد عقيب مجمل فعل وقول، يصلح كل منهما أن يكون بيانًا، فإن اتفقا، أي: لم يزد مقتضى أحدهما على الآخر، فإن عرف المتقدم منهما، فهو البيان لحصوله به قبل وجود الآخر، والثاني يقع تأكيدًا (4).
(1) راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 276.
(2)
ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.
(3)
هذا التفصيل هو اختيار الآمدي في الإحكام 2/ 181.
(4)
واشترط الآمدي أن لا يكون دون الأول في الدلالة لاستحالة تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة. راجع: الإحكام له: 2/ 179.
وقيل: إن جهل، فالبيان أحدهما، وهو الذي تقدم صدوره، وإن لم يعلم، فالآخر تأكيد (1).
وقيل: إن كان أحدهما أرجح تعين للتأخر: لأن التأكيد لا يكون إلا بالأرجح (2).
قلنا: ذلك في المفردات نحو: جاءني القوم كلهم، فإن لفظ الكل في الشمول، والإحاطة، أرجح من لفظ القوم، وأما في المجمل لا يشترط ذلك، فإن الثانية وإن كانت أضعف إلا أنها بانضمامها تفيد زيادة تقرير في النفس.
قوله: "وإن لم يتفق البيانان".
أقول: ما تقدم كان فيما إذا اتفق القول، والفعل، أما إذا اختلفا، فالقول هو البيان (3): كما لو طاف طوافين، وأمر
(1) راجع: المعتمد: 1/ 321، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 281، وفواتح الرحموت: 2/ 46، ونشر البنود: 1/ 279، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 68، وإرشاد الفحول: ص/ 173.
(2)
واختاره الآمدي في الإحكام: 2/ 180.
(3)
وهذا هو مذهب الجمهور، وذلك لأن القول يدل على البيان بنفسه، أما الفعل لا يدل عليه إلا بواسطة أمور ثلاثة: إما أن يعلم ذلك بالضرورة من قصده، أو أن يقول: هذا الفعل بيان للمجمل، أو بالدليل العقلي، بأن يذكر المجمل وقت الحاجة إلى العمل به، ثم يفعل فعلًا يصلح أن يكون بيانًا له، ولا يفعل شيئًا آخر، فيعلم أن ذلك الفعل بيان له، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ويرى الآمدي أنه إن تقدم القول، فهو المبين، وإن تأخر، فيكون الفعل المتقدم مبنيًا في حقه حتى يجب عليه الطوافان، والقول المتاخر مبينًا في حقنا، حتى يكون الواجب طوافًا واحدًا عملًا بالدليلين من غير نسخ، ولا تعطيل. =
بواحد (1)، فالمأمور به هو الواجب على الأمة، وما فعله زائدًا مندوب له، أو واجب عليه، ولا فرق بين تقدم القول، وتأخره.
وقال أبو الحسين: المتأخر ناسخ أيًا كان، ويلزمه نسخ الفعل إذا كان متقدمًا، كما إذا طاف طوافين، وأمر بواحد، فقد نسخ عنا أحد الطوافين (2).
وقد قدمنا غير مرة أن الجمع بين الدليلين أولى من إبطال أحدهما.
قوله: "مسألة: تأخير البيان عن وقت الفعل غير واقع، وإن جاز".
= راجع: التبصرة ص/ 249، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 275، والإحكام للآمدي: 2/ 180، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 281، والمسودة: ص/ 126، وشرح العضد: 2/ 163، ونهاية السول: 2/ 530، مناهج العقول: 2/ 150، ونشر البنود: 1/ 280، وفواتح الرحموت: 2/ 47، وتيسير التحرير: 3/ 176، وإرشاد الفحول: ص/ 173.
(1)
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد آية الحج - طاف طوافين، وكان قارنًا فعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم:"كان قارنًا، فطاف طوافين، وسعى سعيين"، وكذا روي عن ابن عمر أنه فعله، وقال:"هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع، كما صنعت".
كما أنه صلى الله عليه وسلم أمر من حج قارنًا بطواف واحد، فقد روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أحرم بالحج والعمرة، أجزأه طواف واحد، وسعى واحد عنهما حتى يحصل منهما جميعًا" فقوله الذي هو أمره بطواف واحد بيان سواء كان قبل فعله الذي هو طوافه مرتين، أو بعده لأن القول يدل على البيان بنفسه، بخلاف الفعل كما تقدم.
راجع: سنن الدارقطني: 2/ 258، 263، وعارضة الأحوذي: 4/ 173، وسنن ابن ماجه: 2/ 228، والدراية: 2/ 35.
(2)
راجع: المعتمد: 1/ 313.
أقول: تأخير البيان عن وقت الحاجة جائز عند من يجوز تكليف المحال، لكنه لم يقع، وأما عن وقت الخطاب، فالجمهور على جوازه (1) خلافًا للصيرفي والحنابلة (2).
الكرخي: يمتنع في غير المجمل، أي: في الظاهر إذا أريد به غير ظاهره (3) كالعام الذي أريد به بعض (4) / ق (82/ ب من ب) أفراده وبمثله قال أبو الحسين من المعتزلة (5)، لكنه اكتفى بالبيان الإجمالي.
(1) وهو مذهب جمهور الأصوليين من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
راجع: أصول السرخسي: 2/ 30، والبرهان: 1/ 166، والتبصر: ص/ 207، واللمع: ص/ 29، والعدة: 3/ 725، والفقيه والمتفقه: 2/ 164، والإحكام لابن حزم: 1/ 75، والمستصفى: 1/ 368، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 280، وروضة الناظر: ص/ 164، والإحكام للآمدي: 2/ 182، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 282، وشرح العضد: 2/ 164، ونهاية السول: 2/ 531، وكشف الأسرار: 3/ 108، وفواتح الرحموت: 2/ 49.
(2)
وهو مذهب بعض الحنابلة، وبعض الحنفية، وبعض الظاهرية، وبعض الشافعية.
راجع: المسودة ص/ 178 - 179، ومختصر الطوفي: ص/ 119، والتمهيد: ص/ 429، ومناهج العقول: 2/ 152، ونشر البنود: 1/ 281، وإرشاد الفحول: ص/ 173 - 174، وتشنيف المسامع: ق (75/ أ)، والغيث الهامع: ق (76/ أ - ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 69، وهمع الهوامع: ص/ 227.
(3)
لإيقاعه المخاطب في فهم غير المراد، أما المجمل لا يحصل به ذلك.
راجع: فواتح الرحموت: 2/ 49، وهمع الهوامع: ص/ 227.
(4)
آخر الورقة (82/ ب من ب)
(5)
وحكى عن القفال، والدقاق، وأبي إسحاق المروزي من الشافعية.
راجع: الغيث الهامع: ق (76/ ب)، وتشنيف المسامع: ق (75/ أ)، والمعتمد: 1/ 316.
مثل أن يقول - حين الخطاب -: هذا عام أريد به الخصوص، وهذا مطلق أريد به المقيد، وهذا الحكم سينسخ من غير تفصيل، وتعيين.
الجبائي: كأبي الحسين إلا في النسخ، فإنه لم يجوزه (1).
وقد أشار المصنف إلى مذهب الكرخي بقوله: وثالثها يمتنع في غير المجمل، وهو ما له ظاهر. وإلى مذهب أبي الحسين بقوله: ورابعها يمتنع تأخير البيان الإجمالي، فيما له ظاهر. بخلاف المشترك، والمتواطئ. وإلى مذهب الجبائي بقوله: وخامسها: يمتنع في غير النسخ.
وقوله: "وقيل: يجوز تأخير النسخ اتفاقًا". إشارة إلى ما ذكره إمام الحرمين والغزالي من أن النسخ ليس محلًا للخلاف (2).
وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز بيان بعض دون بعض: لأن ذلك يوهم خلاف المراد (3).
(1) عبارة الشارح فيها غموض، وبيانها هو أن أبا الحسين البصري لم يجوزه في النسخ، أما مذهب أبي علي الجبائي، وأبي هاشم، وقاضي القضاة عبد الجبار من المعتزلة، فإنهم منعوا تأخير بيان المجمل والعموم أمرًا كان أو خبرًا عن وقت الخطاب، وأجازوا تأخير بيان النسخ.
راجع: المعتمد: 1/ 215 - 216، والإحكام للآمدي: 2/ 182، ونهاية السول: 2/ 531.
(2)
راجع: البرهان: 1/ 167، المستصفى: 1/ 373.
(3)
راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 69، ونشر البنود: 1/ 281، وهمع الهوامع: ص/ 227، وإرشاد الفحول: ص/ 174.
لنا: قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41].
فإن ذي القربى عام في جميع الأقارب بينه بأن المراد بنو هاشم، وبنو المطلب دون بني نوفل، وبني عبد شمس (1)، ولا بيان حين الخطاب لا تفصيلًا، ولا إجمالًا، إذ لو وقع لنقل.
ولنا - أيضًا -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، إذا الصلاة بين جبريل حقيقتها، وكيفيتها للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو بين للناس تدريجيًا، وكذلك الزكاة، وكذلك السرقة حين الخطاب (2) / ق (81/ ب من أ)، لم يذكر لا النصاب، ولا الحرز.
المانع: لو جاز تأخير البيان عن وقت الخطاب، فإما إلى مدة معينة، فتحكم، أو إلى الأبد يلزم التكليف مع عدم الفهم.
الجواب: إلى مدة معينة يعلمها الله تعالى، فلا تحكم، يفعل ما يشاء.
قالوا: الخطاب توجيه الكلام نحو المخاطب للإفهام، فيكون بدون البيان تكليفًا بالمحال لعدم إمكان الاطلاع على مقصود المتكلم بدونه.
الجواب: أن المخاطب لم يطلب منه الفعل ليلزم ما ذكرتم، وحين الطلب لا بد من اقتران البيان.
(1) وذلك أنه صلى الله عليه وسلم: "لما أعطى بني المطلب، مع بني هاشم من سهم ذي القربى، ومنع بني نوفل، وبني عبد شمس سئل، فقال: إنما بنو المطلب، وبنو هاشم شيء واحد" رواه البخاري في صحيحه: 4/ 111.
(2)
آخر الورقة (81/ ب من أ).
وفائدة الخطاب بدون البيان: توطين النفس على ما يرد بعده من البيان، كما هو شأن المجمل، والمفصل، إذ ذكر الشيء مجملًا، ثم مفصلًا، أوقع عند النفس.
الكرخي: ما له ظاهر، وأريد به غيره من غير بيان، يوقع في خلاف المراد، بخلاف المجمل، فإنه يتوقف فيه.
الجواب: ما تقدم من الآيات، والأحاديث.
أبو الحسين: البيان الإجمالي يرفع الوقوع في غير المراد لأنه إذا قال: هذا العام مخصوص، يتوقف المخاطب في العمل إلى الوقوف على المخصص.
الجواب: هو الجواب المتقدم.
الجبائي: الإخلال إنما يحصل في غير النسخ، أما النسخ، فإنه رفع للحكم، أو بيان انتهائه عن جميع المكلفين، فلا يقدح إجماله في المراد: لأن الكل مخاطبون إلى حين النسخ، وبعده لا خطاب مع أحد، بخلاف التخصيص مثلًا، فإنه قبل المخصص لو جوز تأخيره / ق (83/ أمن ب) على ما زعمتم يقع الشك في كل فرد، فرد، فلا يتوجه التكليف إلى أحد، وبهذا استدل من قال: إن النسخ ليس محل الخلاف.
الجواب: أن التخصيص يوجب الشك في فرد على البدل، والنسخ يوجب الشك في الجميع، إذ في كل زمان، بل في كل آن يحتمل النسخ عن الجميع، فيكون تأخير البيان في النسخ بالمنع أجدر.
قوله: "وعلى المنع: المختار أنه يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم تأخير التبليغ إلى الحاجة".
أقول: القائلون بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، اختلفوا في جواز تأخير النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ إلى الحاجة.
مختار المصنف، وهو المختار: أنه يجوز لعدم فوات مقصود، مع أنه ربما، أي: في التأخير مصلحة ظاهرة له دون غيره (1).
قالوا: قال تعالى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة: 67]، والأمر للوجوب.
قلنا: ممنوع كونه للوجوب، ولو سلم، لا نسلم الفور، ولو سلم يختص بالقرآن بقيد {مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ، فسقط بهذا التقرير قول من قال من الشراح: لا يتجه فرق بين القرآن وغيره (2).
(1) وهذا هو رأي الجمهور، وكلام الفخر الرازي، والآمدي يقتضي أن الخلاف في تبليغ غير القرآن من الأحكام، أما القرآن، فيجب فيه قطعًا.
راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 327 - 329، والإحكام للآمدي: 2/ 194 - 195، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 167، ونهاية السول: 2/ 540 - 541، وفواتح الرحموت: 2/ 49، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 73، وهمع الهوامع: ص/ 228، وشرح الكوكب المنير: 3/ 453.
(2)
هو الإمام الزركشي في تشنيف المسامع: ق (75/ ب).
وعلى المنع يتقرر الخلاف في مسألة أخرى، وهي أنه لما جاز عندنا تأخير البيان من الشارع وقت الخطاب، فجواز تأخير إسماعه، مع وجوده أولى.
وأما من منع المسألة الأولى، أي: عدم البيان وقت الخطاب، فقد اختلفوا في جواز تأخير إسماع البيان الموجود، والمختار - على المنع في تلك المسألة - الجواز هنا: لأن تأخيره مع وجوده، أقرب من تأخيره مع عدمه (1).
وأيضًا: لو لم يجز لم يقع لكنه واقع، فمنه أن فاطمة (2) رضي الله عنها سمعت:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ} [النساء: 11] ولم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث".
(1) راجع: شرح العضد: 2/ 167، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 73، وتشنيف المسامع: ق (75/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 228.
(2)
هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمها خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، وهي أصغر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عليّ رضي الله عنه بعد موقعة أحد، وقيل: غير ذلك، وولدت لعلي الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد زوجتك سيدًا في الدنيا والآخرة"، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء من غزوة بدأ بالمسجد، فصلى فيه، ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه، وإذا دخلت عليه قام إليها، فقبلها، ورحب بها، وهي سيدة نساء المؤمنين ومناقبها كثيرة، وتوفيت سنة (11 هـ) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بستة أشهر.
راجع: الاستيعاب: 4/ 373، والإصابة: 4/ 377، وحلية الأولياء: 2/ 39، والخلاصة: ص/ 494.
واعلم: أن عبارة المصنف، مختلة: لأن الكلام في المخصص الموجود، مع تأخير إسماعه، لا عدم إسماعه للمكلف الموجود ليكون معنى الكلام / ق (82/ أمن أ) يجوز أن لا يعلم ذات المخصص، ولا وصف كونه مخصصًا، فإنه كلام مخالف للكتب المعتبرة (1) قليل الجدوى (2).
* * *
(1) راجع: المختصر مع شرح العضد: 2/ 167.
(2)
يرى العبادي أن كلام المصنف لا خلل فيه، ثم رد على الشارح في كلام يطول ذكره.
راجع: الآيات البينات: 3/ 127 - 128.