المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب العام قوله: "العام: لفظ يستغرق الصالح له". أقول: من أقسام المتن - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٢

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌ ‌باب العام قوله: "العام: لفظ يستغرق الصالح له". أقول: من أقسام المتن

‌باب العام

قوله: "العام: لفظ يستغرق الصالح له".

أقول: من أقسام المتن العام (1) / ق (61/ ب من أ) والخاص، وقدم المصنف العام على الخاص:

لأن/ ق (63/ أمن ب) التقابل بينهما تقابل الملكة والعدم، والملكات أجلى عند العقل، والعدمات تعرف بالملكات، أي: الوجودات، مثل العمى عدم البصر، وأيضًا العام أكثر أبحاثًا من الخاص.

وقد عُرِّف العام بتعاريف مثل قولهم: "العام اللفظ المستغرق لما يصلح له"، وهو لأبي الحسين البصري من المعتزلة (2)، ولم يطرد لدخول أسماء العدد فيه مثل العشرة.

وقولهم: "اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدًا"، وهو للغزالي (3)، وليس بجامع لخروج المعدوم، والمستحيل لأنهما ليسا بشيء عنده.

(1) آخر الورقة (61/ ب من أ).

(2)

واختاره الإمام الرازي، وزاد عليه "بحسب وضع واحد" ورجحه الشوكاني، راجع: المعتمد: 1/ 189، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 513، وإرشاد الفحول: ص/ 112.

(3)

راجع: المستصفى: 2/ 32، والمنخول: ص/ 138.

ص: 247

وقد يجاب - عنه - بأن الشيء يطلق عليهما لغة.

وقولهم: "ما دل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقًا ضربة".

فبالأمر المشترك خرج أسماء العدد إذ آحاد العشرة لا تشترك في أمر.

وبقوله: مطلقًا خرج المعهود.

وبقوله: ضربة خرج النكرة نحو: رجل إذ عمومه بدلي لا شمول فيه، وهذا الحد لابن الحاجب (1).

وهذا، وإن كان سالمًا، ولكن فيه تطويل، فما اختاره المصنف أحسن إلا أن فيه بحثًا، وهو أن الصالح له يشمل النكرة لأنه يتناول ما يصلح له بدلًا، فكان الواجب أن يقول: جميع ما يصلح له.

والجواب - عنه -: أن اللام في قوله: الصالح له، للاستغراق بقرينة العام تقديره كل ما يصلح له، فيسقط الاعتراض (2).

وهنا سؤال أشكل من هذا (3)، وهو أن الصلوح إن أريد به صلوح الكلي للجزئيات، خرج نحو المسلمين، والرجال لأن أفرادهما ليست

(1) راجع: المختصر له وشرح العضد عليه: 2/ 98.

(2)

راجع: تعريفات العام: أصول السرخسي: 1/ 125، والحدود للباجي: ص/ 44، والإحكام لابن حزم: 1/ 363، والعدة لأبي يعلى: 1/ 140، واللمع: ص/ 15، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 38، والمسودة: ص/ 574، وفتح الغفار: 1/ 84، وتيسير التحرير: 1/ 190، وتفسير النصوص: 2/ 9، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 147.

(3)

جاء في هامش (أ، ب): "أورد السؤال العلامة التفتازاني، فلم يجب بشيء، وأجاب المؤلف بهذا الجواب". وراجع: حاشية التفتازاني على المختصر: 2/ 99.

ص: 248

جزئيات، أو صلوح الكل للأجزاء، خرج نحو: لا رجل في [الدار](1) لأنه عام، مع عدم الأجزاء لكونه عامًا في جزئياته.

الجواب: أريد أعم منهما، فلا إشكال لتناوله كلًا منهما.

هذا. وقوله: "من غير حصر"، احتراز عن أسماء العدد، والمثنى، ودخل فيه الحقيقة، والمجاز، والمشترك بالنظر إلى الوضع الواحد.

قوله: "والصحيح دخول النادرة، وغير المقصودة تحته"، هذا كلام لا جدوى له: لأن النادر، وغير المقصود إن تناوله اللفظ، فهو من أفراد العام، وقد أخذ في التعريف استغراق جميع ما يصلح له، وإن لم يتناوله اللفظ، فهو خارج، فكون الشيء نادرًا، وغير مقصود لا دخل له في عموم اللفظ، بل ذاك بالنظر إلى الحكم.

قوله: "وأنه قد يكون مجازًا". يريد أن اللفظ إذا كان عامًا، ونصب قرينة، على أن المعنى الحقيقي غير مراد، فيعم في المعنى المجازي نحو: رأيت الأسود على الخيول، وإنما أفرده بالذكر توضيحًا، وإلا كان معلومًا من تعريف العام لإطلاق ما يصلح له اللفظ من غير تقييد بالوضع له.

قوله: "وأنه من عوارض الألفاظ، قيل: والمعاني".

(1) سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

ص: 249

أقول: لا خلاف في أن العموم من عوارض اللفظ حقيقة (1)، وهل هو في المعاني حقيقة، أو مجازًا؟

قيل: لا حقيقة، ولا مجاز، وهو ظاهر عبارة المصنف (2).

وقيل: مجاز (3).

وقيل: حقيقة، وهو المختار (4). تحقيق ذلك: أن العموم لغة الشمول (5)، وهذا المعنى موجود في كل أمر اشترك بين أمور متعددة سواء كان لفظًا نحو: من، وما، أو معنى موجود في الخارج نحو: عم المطر، والخصب، أو ذهنيًا كالكلي الذي يتصوره الإنسان، فإنه شامل لجزئياته في الذهن.

(1) لأن كل لفظ عام يصح شركة الكثيرين في معناه، وهو مجمع عليه. راجع: المستصفى: 2/ 32، ومختصر الطوفي: ص/ 97، ومختصر البعلي: ص/ 106، وإرشاد الفحول: ص/ 113.

(2)

قال عبد العلي الأنصاري: "وهذا مما لا يعلم قائله ممن يعتد بهم". فواتح الرحموت: 1/ 258.

(3)

واختاره أبو الحسين البصري، وأكثر الأحناف، وبعض الحنابلة، ونقله الآمدي عن الأكثر، ولم يرجح غيره.

راجع: المعتمد: 1/ 189، وأصول السرخسي: 1/ 125، والإحكام للآمدي: 2/ 56، ونهاية السول: 2/ 312، وفتح الغفار: 1/ 84، وفواتح الرحموت: 1/ 258، وتيسير التحرير: 1/ 194، ونزهة الخاطر: 2/ 118.

(4)

واختاره أبو بكر الرازي، والقاضي أبو يعلى، والكمال بن الهمام، وابن نجيم، وابن عبد الشكور، وصححه البعلي.

راجع: العدة: 2/ 513، والمسودة: ص/ 97، وفتح الغفار: 1/ 84، وفواتح الرحموت: 1/ 258، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 101، ومختصر البعلي: ص/ 106، والموافقات: 3/ 166، وتيسير التحرير: 1/ 194.

(5)

راجع: مختار الصحاح: ص/ 456، والمصباح المنير: 2/ 430.

ص: 250

غايته: أن الأصوليين اعتبروا القسم الأول، واصطلحوا (1) / ق (63/ ب من ب) عليه، وذلك لا يدل على عدم عروضه للمعاني لغة (2).

قوله: "وقيل: به في الذهن". يريد أن طائفة/ ق (62/ أمن أ) فرقوا بين الذهني، والخارجي، قالوا: بعروض العموم للمعنى الذهني دون الخارجي، وذلك لأن العموم عبارة عن شمول أمر واحد لمتعدد، وفي الخارج لا يتصور ذلك لأن المطر الواقع في هذا المكان، غير الواقع في ذلك المكان، بل كل قطرة منه مخصوصة بمكان خاص.

والجواب: أن مطلق الشمول كاف، وقيد المحل غير معتبر، ولو سلم ينتقض بالصوت، فإنه أمر واحد في الخارج يسمعه طائفة، فهو عام في أفراده، الخارجية.

(1) آخر الورقة (63/ ب من ب).

(2)

قلت: سبق ذكر الشارح أن ظاهر عبارة المصنف في المتن عدم إطلاق العموم في المعاني لا حقيقة، ولا مجازًا لأنه قال: قيل: والمعاني، بالتضعيف.

أما في كتابه الإبهاج، وهو أول كتاب ألفه في الأصول مكملًا عمل والده فيه إذ إنه انتهى من تأليفه سنة (752 هـ) فقد اختار أنه يصدق عليها مجازًا.

وأما في كتابه رفع الحاجب، فقد اختار أنه يصدق عليها حقيقة تبعًا لابن الحاجب، وقد ألفه بعد الإبهاج حيث بدأ في تأليفه سنة (758 هـ) وانتهى سنة (759 هـ)، وقد ذكر في آخر الإبهاج أنه سيضع شرحًا على مختصر ابن الحاجب، وأنه لا عذر له إذا لم يأت بالعجب العجاب فيه.

راجع: الإبهاج: 2/ 82، 3/ 275، ورفع الحاجب: 1/ ق/ 236/ أ.

ص: 251

قوله: "ويقال - للمعنى -: أعم، وللفظ عام". وهذا مجرد اصطلاح لا يدرك له وجه سوى التميز بين صفة اللفظ، وصفة المعنى. وما وقع في شروحه (1) من أن صيغة التفضيل اختصت بالمعنى، لكونه أهم من اللفظ فسهو إذ الأعم لم يرد به معنى التفضيل، بل الشمول مطلقًا.

ولو كان الأمر على ما توهموه، لكان اعتباره في الألفاظ أيضًا واجبًا حيث كان الزيادة مقصودة.

وقد أشار أفضل المتأخرين (2) - إلى ما ذكرناه - في بعض تصانيفه في المنطق.

قوله: "ومدلوله كلية، أي: محكوم فيه على كل فرد مطابقة إثباتًا، وسلبًا".

أقول: لما فرغ من تعريف العام، وما يتعلق به، شرع في بيان جزئياته المستعملة في مواردها، مثل قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57]، قال: مدلول العام في موارد الاستعمال قضية كلية يتناول الحكم فيها كل فرد، فرد، موجبة كانت القضية، كما ذكرنا من المثالين (3)، أو سالبة نحو: لا شيء من الإنسان بجماد.

قوله: "مطابقة". قيد للمدلول: لأن المطابقة صفة الدلالة لا الحكم.

(1) القائل هو الجلال المحلي في شرحه على جمع الجوامع: 1/ 404.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "الشريف الجرجاني قدس الله روحه".

(3)

قلت: يعني بالمثالين الآيتين الكريمتين السابقتين، وأسَلِّم له بالأولى فهي موجبة، وأما الثانية فسالبة، كما ترى من النفى فيها، والإثبات في الأولى.

ص: 252

قوله: "لا كل" أي: إذا حكم في العام، فالحكم إنما هو على الأفراد بمعنى كل فرد، لا المجموع من حيث هو مجموع، أي: مع اعتبار الهيئة الاجتماعية.

وإن كان قد يستعمل اللفظ العام بذلك المعنى لكن ذلك ليس العموم المصطلح عليه، كما يقال: كل من في البلد لا يقدر على حمل هذا الحجر، يراد المجموع، وهذا الاستعمال قليل (1).

قوله: "ولا كلي" أي: مدلول العام هو الكلية على ما ذكرنا لا الكلي الذي لا يمنع نفس تصوره عن وقوع الشركة، كما هو مصطلح المنطقيين: لأن الاستدلال في المسائل الأصولية إنما هو بالمعنى الأول: لأن الأحكام الشرعية، إنما تعتبر بالنسبة إلى أفراد المكلفين، وهى موجودات خارجية متحققة، ومناط الكلي الأفراد العقلية، ولا نظر فيها إلى الوجود الخارجي، بل التحقيق: أن الوجود الخارجي ينافي الكلية، إذ كل موجود خارجي، جزئي حقيقي.

وما في بعض الشروح (2) في تفسير الكلي بالماهية من حيث هي غلط فاحش: لأن الماهية من حيث هي لا توصف بالكلية والجزئية، بل كل منهما من العوارض اللاحقة ذهنًا، أو خارجًا.

وكذا ما قيل: إن هذا الذي ذكره المصنف إنما يستقيم في الإثبات لا في النفي إذ في النفي لا يرتفع الحكم عن كل فرد. وقد التبس عليه عموم السلب بسلب العموم، فإن الأول هو الذي يفيد نفي الحكم عن كل فرد

(1) راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 195، ومختصر البعلى: ص/ 106، وتشنيف المسامع: ق (56/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 406، وهمع الهوامع: ص/ 169.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي". وانظر تشنيف المسامع ق (56/ ب - 57/ أ).

ص: 253

دون الثاني، والعجب: أنه ذكر في آخر كلامه الفرق بين عموم السلب، وسلب العموم (1).

قوله: "ودلالته على أصل المعنى قطعية".

أقول: دلالة العام على جميع ما تناوله اللفظ - قبل قيام الدليل على العموم، أو الحصول من الخارج عند الشافعية - ظنية لاحتمال دليل يدل على الخصوص، ومع الاحتمال لا قطع.

وعند عامة الحنفية قطعية، ومجرد (2) / ق (62/ ب من أ) الاحتمال لا يقدح في قطعيته (3).

وذكر المصنف: أن دلالته [على](4) أصل المعنى قطعية وهو الواحد في المفرد، والثلاثة في الجمع / ق (64/ أمن ب).

(1) حيث قال: "تنبيه: ما قالوه: إن دلالة العموم كلية بمعنى أن الحكم فيها على كل فرد هو في الإثبات، فإن كان في النفي، فلا يرتفع الحكم عن كل فرد، فرد، وفرق بين عموم السلب، وسلب العموم". تشنيف المسامع: ق (57/ أ).

(2)

آخر الورقة (62/ ب من أ).

(3)

ومذهب المالكية، والحنابلة كمذهب الشافعي في أنها ظنية.

واختار القطع من الحنابلة ابن عقيل وغيره، وهى رواية عن أحمد، والشافعي وذهب آخرون إلى الوقف.

راجع: التبصرة: ص/ 119، واللمع: ص/ 16، وأصول السرخسي: 1/ 132، والمسودة: ص/ 109، وفتح الغفار: 1/ 86، وفواتح الرحموت: 1/ 265، ومختصر الطوفي: ص/ 105، وكشف الأسرار: 1/ 91، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 173.

(4)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

ص: 254

ونقل صاحب (1) التلويح: أن حكم العام - عند عامة الأشاعرة - التوقف، حتى يظهر دليل عموم، أو خصوص.

وما نقله المصنف من الجزم بأصل المعنى عن الشافعي، نقله عن الثلجي (2)، والجبائي مع الاستدلال [عليه](3) بأنه متيقن، ولا يجوز إخلاء اللفظ على المعنى. واعترض عليه: بأنه إثبات اللغة بالترجيح. ولو سلم، فالحمل على العموم أحوط.

استدل الحنفية - على أن العام قطعي في مدلوله -: بأن المعنى الموضوع له لازم للفظ بحسب الوضع لا ينفك عنه بغير دليل، فما لم يقم دليل الخصوص، فالعام متناول لأفراده قطعًا، وأما مجرد احتمال الخصوص لا يقدح في قطعيَّته، كما لا يقدح احتمال المجاز في قطعية الخاص في مدلوله.

الجواب: أن دليل الخصوص قائم، وهو شيوع التخصيص في العام حتى صار مثلًا - عندهم -: ما من عام إلا وخص منه البعض.

(1) هو العلامة التفتازني. راجع: التلويح على التوضيح لمتن التنقيح: 1/ 38.

(2)

هو محمد بن شجاع الثلجي - وبعضهم يصحفه بالبلخي، وهو غلط إذ الأخير غيره - أبو عبد الله، فقيه، حنفي من بغداد، كان فقيهًا عابدًا، محدثًا إلا أنه كان يميل إلى الاعتزال، ولعلماء الرجال فيه كلام، مات فجأة سنة (267 هـ) ساجدًا في صلاة العصر، وله مؤلفات منها: تصحيح الآثار، وكتاب النوادر، وكتاب المضاربة، في الفقه الحنفي.

راجع: تأريخ بغداد: ح 5/ 350، والجواهر المضيئة: 2/ 60، والفوائد البهية: ص/ 171، وميزان الاعتدال: 3/ 577، وتذكرة الحفاظ: 2/ 629، والأعلام للزركلي: 7/ 28.

(3)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 255

ولا شك: أن الشيوع يورث [(1) احتمالًا ظاهرًا يقدح في تناوله قطعًا.

قالوا: يرتفع الأمان عن عمومات النصوص.

قلنا: ممنوع، يعمل بها ظنًا لأنه كاف للعمل. وأما القطع في الاعتقاد، فيتوقف على انتفاء دليل التخصيص، كما في قوله تعالى:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحجرات: 16]{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284 وآل عمران: 189].

وثمرة الخلاف تظهر في تخصيص الكتاب بخبر الواحد، والقياس يجوز عند الشافعية دون الحنفية (2).

ثم إذا عم اللفظ الأشخاص، أي: أفراد المكلفين يستلزم ذلك جيع الأحوال، والأزمان، والأماكن لعدم تفاوت خطاب الشارع بسبب ذلك، وهو مختار والد المصنف (3).

ومن خالف في ذلك - مستدلًا بانتفاء صيغة العموم فيها (4) - فقد سها سهوًا بينًا، إذ ذلك ضروري، فلا يحتاج إلى ذكره أصالة، والله أعلم.

(1) من بداية المعكوفة إلى المعكوفة الآتية سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

سيأتي الكلام على هذه المسألة في باب التخصيص إن شاء الله تعالى.

(3)

وهو مذهب الجمهور، راجع: القواعد لابن اللحام: ص/ 236، ومختصر البعلي: ص/ 106، وتشنيف المسامع: ق (57/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 408، وهمع الهوامع: ص/ 171.

(4)

يرى صاحب هذا القول أن صيغ العموم، وإن كانت عامة في الأشخاص، فهي مطلقة في الأزمنة، والبقاع، والأحوال، والمتعلقات، فهذه الأربع لا عموم فيها من جهة ثبوت العموم في غيرها حتى يوجد لفظ يقتضي العموم.

راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 200، والمسودة: ص/ 49.

ص: 256

قوله: "مسألة: كل، والذي".

أقول: اختلف في أن العموم - بالمعنى المعروف عند الأصوليين -: هل له صيغة تخصه، أو لا؟

الشافعي، والمحققون: بلى له صيغة موضوعة له حقيقة (1).

وقيل: الصيغ المستعملة في العموم إنما وضعت للخصوص، وفي العموم مجاز.

واختلفت الرواية عن الشيخ الأشعري، فقال - تارة -: إنها مشتركة، وتارة بالوقف.

وقيل: بالوقف] (2) في الأخبار، لا الأمر، والنهي (3).

(1) وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وعامة المتكلمين، والظاهرية، ويسمى مذهب أرباب العموم. والثاني: مروي عن الجبائي، والثلجي، ويسمى مذهب أرباب الخصوص.

راجع المسألة والخلاف فيها: البرهان: 1/ 320، وأصول السرخسي: 1/ 132، واللمع: ص/ 16، والتبصرة: ص/ 105، والإحكام لابن حزم: 1/ 338، والعدة: 2/ 485، والمعتمد: 1/ 194، والمستصفى: 2/ 34، والمنخول: ص/ 183، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 523، والإحكام للآمدي: 2/ 57، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 192، والمسودة: ص/ 89، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 102، ومختصر الطوفي: ص/ 99، ومختصر البعلى: ص/ 106، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 173، وفواتح الرحموت: 1/ 260، وتفسير النصوص: 2/ 19، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 410.

(2)

إلى هنا ينتهي السقط المشار إليه سابقًا في بداية المعكوفة الأولى من نسخة (ب).

(3)

فإنها تحمل على العموم.

ص: 257

القاضي: قائل بالوقف، بمعنى أنا لا ندري، أحقيقة منفردًا، أم مشتركًا، أم مجازًا؟

ثم تلك الصيغ هي التي عدد المصنف بلا خلاف عند القائل بالوضع له، وبعضها مع الخلاف، فمنها: كل (1)، والذي، والتي، وجمعهما، وتثنيتهما (2).

(1) وهي أقوى صيغ العموم، وأصرحها، لشمولها العاقل، وغيره، والمذكر، والمؤنث والمفرد، والمثنى، والجمع، ولها عند إضافتها عدة معان:

فإن أضيفت إلى نكرة، فهي لشمول أفراده نحو قوله جل شأنه:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185 والأنبياء: 35].

وإن أضيفت إلى معرفة، وكانت جمعًا، أو ما في معناه، فهي لاستغراق أفراده، كقوله عليه الصلاة والسلام:"كل الناس يغدو فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها".

رواه مسلم في الصحيح: 1/ 140، وأحمد في مسنده: 3/ 21، 399، 5/ 342، 544.

وإن أضيفت لمعرفة مفرد، فهى لاستغراق أجزائه نحو: كل زيد جميل.

فتبين مما سبق أن مادتها تقتضي الاستغراق، والشمول، وسواء بقيت على إضافتها، كما تقدم، أو حذف المضاف إليه، نحو قوله تعالى {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: 285].

راجع: أصول السرخسي: 1/ 157، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 517، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 179، والمسودة: ص/ 101، وكشف الأسرار: 2/ 8، وفتح الغفار: 1/ 97، ومختصر الطوفي: ص/ 98، ومختصر البعلي: ص/ 107.

(2)

راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 102، وفواتح الرحموت: 1/ 260، والمحلى على جمع الجوامع: 1/ 409، وشرح الورقات له: ص/ 101، وإرشاد الفحول: ص/ 121.

ص: 258

وأي: شرطًا، واستفهامًا، وموصولًا (1)، وكذلك، ما. في المعاني الثلاثة (2)، ومتى للزمان (3)، استفهامًا، وشرطًا، وأين، وحيثما، للمكان استفهامًا، وشرطًا (4).

(1) أي: عامة فيما تضاف إليه من الأشخاص، والأزمان، والأمكنة، والأحوال كقوله تعالى:{لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} [الكهف: 12]، وكقوله:{أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28]، وكقوله عليه الصلاة والسلام:"أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل". حسنه الترمذي، وذكر الشوكاني بأنه أُعل بالإرسال.

راجع: مسند أحمد: 6/ 47، وسنن أبي داود: 1/ 481، وتحفة الأحوذي: 4/ 228، ونيل الأوطار: 6/ 165.

وينبغي أن يقيد بالاستفهامية، أو الشرطية، أو الموصولة كما ذكر الشارح لتخريج الصفة.

نحو: مررت برجل أي رجل، والحال نحو: مررت بزيد أي رجل.

ويرى البعض أن الموصولة لا عموم فيها نحو: يعجبني أيهم هو قائم، بخلاف الاستفهامية، والشرطية، وقد سبق أمثلة ذلك عند الكلام على المعاني التي ترد لها.

راجع: العدة: 2/ 485، واللمع: ص/ 15، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 516، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 179، وإرشاد الفحول: ص/ 118، وشرح الكوكب المنير: 3/ 122.

(2)

وقد تقدم الأمثلة على ذلك عند الكلام على المعاني التي ترد لها.

راجع: فتح الغفار: 1/ 95، وكشف الأسرار: 2/ 11، والبرهان: 1/ 322، والمسودة: ص/ 101.

(3)

متى لزمان مبهم ففي الاستفهام تقول: متى جاء زيد؟ وفي الشرط: متى تقم أقم، وكقول الحطيئة:

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

راجع: أصول السرخسي: 1/ 157، والمنخول: ص/ 138، ومختصر البعلي: ص/ 107، وشرح ابن عقيل: 2/ 365.

(4)

كقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4]، وقوله تعالى:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]، وتقول مستفهمًا: أين زيد؟ =

ص: 259

وأراد بقوله: "ونحوها"، كل ما يشتمل على معنى العموم بالوضع لغة، كـ: مَن في المعاني الثلاثة: الاستفهام، والشرط، والموصولية (1)، ولفظ جميع (2)، وطُرًّا (3)، والجمع المعرف باللام (4)،

= وقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].

راجع: الإحكام للآمدي: 2/ 56، ومغني اللبيب: ص/ 176، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 409.

(1)

تقدم ذكر أمثلتها عند الكلام على المعاني التي ترد لها، وعبر عنها الإمام البيضاوي، وغيره بقوله:"ومن للعالمين"، وبين الأسنوي الحكمة من ذلك بأن فيه معنى حسنًا غفل عنه الشارحون لأنها تعم الذكور، والإناث، والأحرار، والعبيد.

راجع: نهاية السول: 2/ 324، ومغني اللبيب: ص/ 419، وكشف الأسرار: 2/ 5، وفتح الغفار: 1/ 95، ومختصر ابن الحاجب: ح 2/ 102، وشرح الورقات: ص/ 101.

(2)

وهي مثل كل إلا أنها لا تضاف إلا إلى معرفة، كما أن دلالتها على كل فرد، فرد بطريق الظهور بخلاف كل، فإنها بطريق النصوصية، وفرق الحنفية بينهما بأن كلًا تعم على جهة الانفراد، وجميع على جهة الاجتماع.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 158، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 517، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 179، وكشف الأسرار: 2/ 10، وفتح الغفار: 1/ 99، وتيسير التحرير: 1/ 225.

(3)

ومثلها أيضًا، أجمع، وأجمعون، وعامة، وكافة، وقاطبة، ومعشر، ومعاشر.

راجع: مختصر الطوفي: ص/ 98، ومختصر البعلي: ص/ 107، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 409، وإرشاد الفحول: ص/ 119.

(4)

سواء كان لمذكر، أو لمؤنث، أو سالمًا، أو مكسرًا، أو جمع قلة، أو كثرة، فمثال السالم من المذكر، والمؤنث المعرف باللام قوله تعالى:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35]، =

ص: 260

والجمع المضاف ظاهران في العموم ما لم تصرف قرينة خلافًا لأبي هاشم من المعتزلة مطلقًا (1).

ولإمام الحرمين: إن احتمل معهود (2). وهذا مخالف لإجماع أهل العربية، والتفسير (3).

= ومثال جمع الكثرة من المذكر، والمؤنث الرجال، والصواحب، وجمع القلة الأفلس، والأكياد.

ومثال الجمع المعرف بالاضافة قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، وقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23].

راجع: اللمع: ص/ 15، والبرهان: 1/ 323، والمستصفى: 2/ 37، والمنخول: ص/ 138، والإحكام للآمدي: 2/ 60.

(1)

أي: لا يفيد العموم عنده سواء احتمل عهد أم لا، بل للجنس الصادق ببعض الأفراد، وعزاه المازري لأبي حامد الإسفراييني.

راجع: المعتمد: 1/ 223، وتشنيف المسامع: ق (58/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 173.

(2)

يعني لا يفيد العموم إذا احتمل عهد، بل هو متردد - باحتمال العهد - بينه، وبين العموم حتى تقوم قرينة. ومحل النزاع ما لم يتحقق عهد، فإن تحقق عهد صرف إليه جزمًا.

راجع: البرهان: 1/ 339 - 340، والمستصفى: 2/ 37.

(3)

لاستعمال القرآن الكريم ذلك كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، أي: كل محسن، وقوله تعالى:{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} [القلم: 8] أي: كل واحد منهم ويؤيده صحة استثناء الواحد منه نحو: جاء الرجال إلا زيدًا.

راجع: أوضح المسالك: 1/ 127، وشرح ابن عقيل: 1/ 178، وجامع البيان: 4/ 61، 28/ 15، والكشاف: 1/ 464، وتفسير ابن كثير: 1/ 407، 4/ 404.

ص: 261

وكذلك المفرد المحلَّى باللام يفيد العموم عند انتفاء قرينة العهد (1) نحو:

"المؤمن غر كريم -[أي: كل مومن] (2) -، والكافر خبّ لئيم"(3) كل كافر؛ لأنه عند انتفاء القرينة حَمْله على البعض ترجيح بلا مرجح خلافًا / ق (63/ أمن أ) للإمام الرازي في المحصول (4)، والخلف بينه وبين القائلين بعمومه لفظي؛ لأنه ذكر في المحصول في قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] أن الاستغراق ليس ناشئًا من نفس اللفظ، بل هو من الخارج (5).

(1) وهذا قول الشافعي، والإمام أحمد، واختاره أبو الطيب، وابن برهان، والبوطي، ونقله الآمدي عن الأكثر، ونقله الفخر عن الفقهاء، والمبرد، وهو قول أبي علي الجبائي، وصححه البيضاوي، وابن الحاجب، وغيرهم.

راجع: المعتمد: 1/ 227، والعدة: 2/ 485، والتبصرة: ص/ 115، والمسودة: ص/ 105، وكشف الأسرار: 2/ 14، وفتح الغفار: 1/ 104، والتلويح: 1/ 54، وتيسير التحرير: 1/ 209، ونهاية السول: 2/ 328، ومختصر الطوفي: ص/ 98، ومختصر البعلي: ص/ 107، والقواعد لابن اللحام: ص/ 194، رشرح الورقات: ص/ 100.

(2)

سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(3)

تقدم تخريجه: 1/ 449 - 450.

(4)

حيث قال: "الواحد المعرف بلام الجنس لا يفيد العموم" المحصول: 1/ ق/ 2/ 599، فهو عنده للجنس الصادق ببعض الأفراد، كما في لبست الثوب، وشربت الماء لأنه المتيقن، ما لم تقم قرينة على العموم.

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 1/ 412.

(5)

راجع: المحصول: 1/ ق/ 2/ 603، 605.

ص: 262

والذين قالوا: بعمومه لم يقولوا: بأنه موضوع للعموم، بل اللام الداخلة على المفرد لام الجنس، وربما تفيد العموم بمعونة القرينة، كما ذكرنا من المثالين، وكما في الآية المذكورة، وكما في قوله تعالى:{وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69](1) وخلافًا لإمام الحرمين، والغزالي: فيما لا يكون واحده مدخول التاء نحو: تمر، وتمرة، وبر وبرة، فإنه إذا عري عن التاء، ودخله اللام يكون للاستغراق، بخلاف ما لم تدخله التاء نحو: الرجل، والدينار، فلا عموم هنا بخلافه هناك، إذ قوله:"لا تبيعوا التمر بالتمر، والبر بالبر إلا سواء بسواء"(2) يفيد العموم.

وزاد الغزالي: الوصف بلفظ الواحد، فإن كان يوصف بالواحد كالرجل، والدينار، فلا عموم فيه، وإن لم يوصف كالذهب، فهو للعموم.

وكأنه جعل احتمال الوصف بالواحد كالتاء الموجودة، هذا شرح كلام المصنف.

(1) راجع: البرهان: 1/ 341 - 343، والمستصفى: 2/ 53.

(2)

الحديث رواه مالك، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، والشافعي عن عبادة بن الصامت، وأبي سعيد الخدري بألفاظ مختلفة، ولفظ عبادة:"إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينًا بعين، فمن زاد، أو ازداد، فقد أربى". راجع: الموطأ: ص/ 394، وصحيح البخاري: 3/ 91، وصحيح مسلم: 5/ 43، وسنن أبي داود: 2/ 222، وتحفة الأحوذي: 4/ 441، وسنن النسائي: 7/ 274، وسنن ابن ماجه: 2/ 34، والأم: 3/ 25، والسنن الكبرى: 5/ 276، وبدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن: 2/ 174.

ص: 263

وأما كلام الغزالي - في المستصفى - ليس ظاهرًا فيما نقله، فإنه قال:"أما الدينار، والرجل، فإنه يشبه أن يكون للواحد، والألف واللام للتعريف - ثم قال: - ويحتمل أن يقال: هو دليل على الاستغراق، فإنه لو قال: "لا يقتل المسلم بالكافر" (1)، والمرأة بالرجل (2)، فهم المنع في الجميع لا بمناسبة قرينة التفاوت في الفضل، فإنه لو قدر حيث لا مناسبة، فلا يخلو عن الدلالة على الجنس"(3).

(1) هذا جزء من حديث علي رضى الله عنه رواه البخاري في صحيحه: 9/ 16.

والمراد بالكافر هنا الذمي، وفي المسألة خلاف بين العلماء:

فذهب أبو حنيفة، وأصحابه، وابن أبي ليلى إلى أن المؤمن يقتل بالكافر الذمي، عملًا بعموم قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45].

وقال مالك، والليث بن سعد لا يقتل به إلا أن يقتله غيلة، وقتل الغيلة أن يضجعه، فيذبحه، وبخاصة على ماله.

وذهب الشافعي، وأحمد، والثوري، وداود، وجماعة إلى أنه لا يقتل مؤمن بكافر عملًا بالحديث المذكور.

راجع: فتح القدير - التكملة: 10/ 217، والمدونة الكبرى: 6/ 427، وبداية المجتهد: 2/ 399، والأم: 6/ 33، والمغني لابن قدامة: 7/ 652.

(2)

الحق: أن الذكر يقتل بالأنثى، والأنثى بالذكر، وهذا هو قول عامة أهل العلم منهم النخعي، والشعبي، والزهري، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وأهل المدينة، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وغيرهم، هذا إذا كانا مسلمين، أما إن أراد بالمرأة المسلمة تقتل بالرجل الكافر الذمي، فهي نفس المسألة السابقة قبلها.

راجع: تكملة فتح القدير: 10/ 220، وبداية المجتهد: 2/ 400، والأم: 6/ 18، والمغني: 7/ 679.

(3)

المستصفى: 2/ 53 - 54.

ص: 264

هذا كلامه من غير زيادة (1).

[وقال - أيضًا -: "الاسم المفرد، وإن لم يكن على صيغة الجمع يفيد فائدة العموم في ثلاثة مواضع: أحدها: أن يدخل عليه الألف واللام" (2). ولم يزد عليه](3).

قوله: "والنكرة في سياق النفي للعموم وضعًا".

أقول: من صيغ العموم النكرة في سياق النفي (4)، هي على قسمين: إما "من" ظاهرة نحو: ما جاءني من أحد، أو مقدرة نحو:{لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، ولا عالم في البلد، فتفيد الاستغراق نصًا، وأما بدون "من"، فتفيده ظاهرًا،

(1) قلت: قول الشارح إن كلام الغزالي ليس ظاهرًا في نقل المصنف فيه نظر؛ لأن الغزالي قال - قبل الكلام الذي نقله الشارح -: "والصحيح التفصيل، وهو أنه ينقسم إلى ما يتميز فيه لفظ الواحد عن الجنس بالهاء كالتمرة، والتمر، والبرة والبر، فإن عري عن الهاء فهو للاستغراق. . .، وما لا يتميز بالهاء ينقسم إلى ما يتشخص، ويتعدد كالدينار، والرجل حتى يقال: دينار واحد، ورجل واحد، وإلى ما لا يتشخص واحد منه كالذهب، إذ لا يقال: ذهب واحد، فهذا لاستغراق الجنس". المستصفى: 2/ 53. فهو ظاهر كما ترى. وراجع: المنخول: ص/ 144 - 145.

(2)

ثم ذكر القسم الثاني، والثالث، راجع: المستصفى: 2/ 89 - 90.

(3)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(4)

راجع: أصول السرخسي: 1/ 160، وفتح الغفار: 1/ 100، وكشف الأسرار: 2/ 12، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 181، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 102، والبرهان: 1/ 323، واللمع: ص/ 15، والمسودة: ص/ 101، ومختصر الطوفي: ص/ 98، والقواعد لابن اللحام: ص/ 201، ومختصر البعلي: ص/ 108.

ص: 265

ولهذا قال صاحب الكشاف - في قوله تعالى: {لَا رَيْبَ فِيهِ} -: "قراءة الفتح توجب الاستغراق، والرفع يجوزه"(1).

والجمهور: على أن إفادته بحسب الوضع [لغة حتى إن أهل العربية سموه نفي الجنس.

وقيل: لزوم الاستغراق استدلالي: لأنه لنفي الجنس إذ النكرة موضوعة للماهية، وإذا نفى الماهية لا يبقى منها فرد ضرورة وجود الماهية في كل فرد.

وقد سبق منا كلام في أن وضع اللفظ هل هو للماهية، أو لفرد غير معين؟ ] (2) فيه قولان:

فإن (3) / ق (64/ ب من ب) كان موضوعًا للفرد، فلا إشكال في إفادته لغة.

وإن كان للماهية، فكذلك: لأن النكرة المنفية موضوعة بالوضع النوعي للاستغراق كالجمع المحلَّى: لأن الجمع بدون اللام موضوع لما فوق الاثنين لغة، ومع اللام لجميع ما يتناوله اللفظ، وكلا الوضعين في الجمع نوعي، بخلاف النكرة، فإنه نوعي مع النفي، وبدونه شخصي.

قوله: "وقد يعم اللفظ عرفًا كالفحوى".

(1) راجع: الكشاف: 1/ 115.

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب)، وأثبت بهامشها.

(3)

آخر الورقة (64/ ب من ب) وجاء في هامشها: (بلغ مقابلة بحسب الإمكان) وفي بداية (65/ أ) منها على الهامش جاء: (الثامن) يعني بداية الجزء الثامن.

ص: 266

أقول: قد سبق أن فحوى الخطاب، وهو مفهوم الموافقة، هل يفهم لغة، أو شرعًا، أو عرفًا، أو بقرينة من القرائن، قال بكل منها طائفة.

والمختار: إفادته لغة كما تقدم، والمصنف حكى المذاهب هناك من غير اختيار (1).

وقد ذكر هنا أن العرف دل على عمومه.

إذا علم ذلك، فنقول: القائلون بالمفهوم اختلفوا (2): / ق (63/ ب من أ).

الأكثر: له عموم، ونفاه الغزالي (3).

وبعد تدقيق النظر لا خلاف في المعني: لأنه إن أريد بالعموم ثبوت الحكم في جميع ما سوى المنطوق من الصور التي دل عليها اللفظ، فالغزالي قائل به، وإن أريد ثبوته باللفظ نطقًا، فلم يقل به أحد.

والمصنف لما ذكر أن دلالة الفحوى [على العموم](4) إنما هي بالعرف أردفه بقوله: " {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] " لأن تحريم الذوات ليس بمراد عرفًا، فالمراد تحريم جميع ما يباح من الأجنبيات بالنكاح من أنواع الاستمتاعات.

(1) تقدم ذلك عند الكلام على مفهوم الموافقة، المساوي، والأولى: 1/ 441 وما بعدها.

(2)

آخر الورقة (63/ ب من أ).

(3)

راجع: المستصفى: 2/ 70، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 516، والعدة: 2/ 547، والموافقات: 3/ 189، والمسودة: ص/ 49، والمحلى على جمع الجوامع: 1/ 414، وهمع الهوامع: ص/ 176، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 150.

(4)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

ص: 267

ولا يخفى عليك أن العرف هنا هو عرف الشرع لا العرف العام، وإنما أطلقه لظهوره.

وقد يفهم العموم عقلًا كترتيب الحكم على الوصف الملائم الذي له صلوح العلية؛ لعدم الانفكاك بين العلة والمعلول (1).

قوله: "وكمفهوم المخالفة"، عطف على "كترتيب الحكم (2) " فيكون من قبيل ما دل العقل على عمومه، وهو خلاف المختار أيضًا، إذ قد سبق في بحث المفهوم أنه يدل لغة.

قوله: "والخلاف في أنه لا عموم له لفظي". تقدم شرحه.

قوله: "وفي أن الفحوى بالعرف، والمخالفة بالعقل تقدم". نبه بهذا على أنه ليس مختاره.

قوله: "ومعيار العموم الاستثناء".

(1) نحو: حرمت الخمر للإسكار، فإن ذلك يقتضي أن يكون علة له، والعقل يحكم بأنه كلما وجدت العلة يوجد المعلول، وكلما انتفت ينتفي.

راجع: مختصر ابن الحاجب: 2/ 119، وفواتح الرحموت: 1/ 285، وتيسير التحرير: 1/ 259، وإرشاد الفحول: ص/ 135.

(2)

وعبارة السبكي في "جمع الجوامع": ص/ 45 هي: " {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، أو عقلًا كترتيب الحكم على الوصف وكمفهوم المخالفة".

ص: 268

أقول: معيار الشيء ما يعرف به ذلك، والاستثناء كذلك بالنظر إلى العام، فإن الاستثناء: هو إخراج الشيء بإلا، وأخواته لولا الإخراج لوجب الدخول (1).

فإن قلت: يشكل بأسماء العدد، وبقولك: اشتريت العبد إلا ثلاثة لوجود الاستثناء، مع عدم العموم.

قلت: مراده أن العام: هو الدال على الأفراد من غير حصر، فإذا وجد لفظ كذلك، وصح الاستثناء حكم عليه بالعموم، وأسماء العدد خارجة لكون الأفراد فيها محصورة.

وأجاب بعض الأفاضل (2): بأن بعض العام يصلح له العام، بخلاف العشرة مثلًا، فإن العشرة لا تصلح له.

وفيه نظر: لأن الرجال، والمسلمين لا تصلح لزيد، وعمرو، ومثل العشرة، مع الإجماع على العموم.

ولو سلم ذلك، واكتفى بأن العام يصلح للبعض في الجملة بخلاف العشرة لم يدفع الإشكال: لأن قصد المعترض أن الاستثناء ليس معيار العموم لوجوده، حيث لا عموم.

فالجواب: بأن العام يصلح للبعض دون العشرة، كيف يدفع ذلك الإشكال؟

(1) راجع: مختصر البعلي: ص/ 109، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 417، وتشنيف المسامع: ق (59/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 177، وحاشية العطار على المحلي: 2/ 14.

(2)

جاء في هامش (أ): "الشيخ عز الدين الحلوائي".

ص: 269

قوله: "والأصح: أن الجمع المنكر ليس بعام"(1). والمخالف الجبائي من المعتزلة، وأتباعه، قالوا: صح حمله على جميع الجموع، فكان عامًا (2).

قلنا: بدلًا، لا شمولًا كرجل في الوحدان.

قالوا: لو لم يكن عامًا لكان مختصًا.

قلنا: ممنوع، بل مشترك معنى كرجل، وفرس.

وأقل الجمع ثلاثة عند الجمهور.

وقيل: اثنان، وإطلاق صيغة الجمع على الاثنين، أو الواحد مجاز (3).

(1) لأنه لو قال: اضرب رجالًا امتثل بضرب أقل الجمع.

راجع: البرهان: 1/ 336، والتبصرة: ص/ 118، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 614، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 191، والمسودة: ص/ 106، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 104، والقواعد لابن اللحام: ص/ 238، وفواتح الرحموت: 1/ 268، وتيسير التحرير: 1/ 205، وإرشاد الفحول: ص/ 123.

(2)

راجع: المعتمد: 1/ 229.

(3)

وحكي عن الباقلاني، وأبي إسحاق الإسفراييني، والغزالي، وابن الماجشون، والبلخي، وعلي بن عيسى النحوي، ونفطويه، وهو مروي عن عمر، وزيد بن ثابت.

والقول الأول هو قول الأكثر، وذكر في الإبهاج خمسة أقوال في المسألة.

راجع: التبصرة: ص/ 127، واللمع: ص/ 15، والبرهان: 1/ 348، وأصول السرخسي: 1/ 151، والعدة: 2/ 649، والإحكام لابن حزم: 1/ 391، والمستصفى: 2/ 91، والمنخول: ص/ 148، وفتح الغفار: 1/ 108، وتيسير التحرير: 1/ 207، والإبهاج: 2/ 126، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 233، وإرشاد الفحول: ص/ 124.

ص: 270

قال الإمام - في البرهان -: "رد الجمع إلى الواحد ليس بدعًا، ولكنه أبعد من الرد إلى اثنين -، ثم قال -: مثار الخلاف في أقل الجمع، فيما إذا قال: لفلان عليَّ دراهم، أو أوصى بدراهم، فهو محمول على أقل الجمع إن اثنين، فاثنان، وإن ثلاثة، فثلاثة"(1).

وذكر الشيخ ابن الحاجب في المنتهى: أن النزاع إنما هو في مثل المسلمين، وضربوا، واضربوا، لا في: ج م ع، ولا في نحو فعلنا، ولا في نحو:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]، فإنه وفاق في أن المراد اثنان، فما فوقهما، ثم استدل على أن أقله ثلاثة بالتبادر إلى الفهم، وبقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11].

وجه الاستدلال: ما روي أن ابن عباس رضي الله عنهما: / ق (65/ أمن ب) رد على عثمان (2) في جعله حكم الأخوين حكم الإخوة، إذ قال

(1) راجع: البرهان: 1/ 352، 355.

(2)

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص القرشي الأموي أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، أبو عبد الله ذو النورين، أسلم قديمًا عندما دعاه أبو بكر إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة بزوجه رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاتها تزوج أم كلثوم أختها، وبويع له بالخلافة سنة (24 هـ) وفتح في عهده شمال إفريقيا، وباقي فارس، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة، أصحاب الشورى، كان جوادًا في سبيل الله، وقتل شهيدًا مظلومًا سنة (35 هـ) رضي الله عنه، وله مناقب كثيرة. راجع: الاستيعاب: 3/ 69، والإصابة: 2/ 462، وإتمام الوفاء: ص/ 142، وتأريخ الخلفاء: ص/ 147، والخلاصة: ص/ 261.

ص: 271

له: "ليس الأخوان إخوة في لسان قومك. فقال: لا أنقض أمرًا كان قبل"(1)، فسلم له أن الأمر كما ذكره لغة، ولكن لم يرد بالجمع حقيقة/ ق (64/ أمن أ) بل استعمل مجازًا في الأخوين، والقرينة الإجماع، هكذا ذكره ابن الحاجب، وتبعه المولى المحقق (2).

وفيه نظر: إذ لو كان كذلك لم يتناول حقيقة الجمع في هذه الصورة، وليس كذلك للإجماع على أن حكم الإخوة حكم الأخوين (3).

بل الحق: أنه من عموم المجاز عند من لم يجوّز الجمع بين الحقيقة والمجاز، أو اللفظ مستعمل في المعنى الحقيقي والمجازي عند من يجوز ذلك.

قالوا: قوله صلى الله عليه وسلم: "الاثنان فما فوقهما جماعة"(4).

(1) رواه البيهقي، وابن حزم، وغيرهما بإسناد جيد عن شعبة بن دينار مولى ابن عباس، عن ابن عباس، وقد تكلم في شعبة مالك، وأبو زرعة، والنسائي، وقال أحمد: لا بأس به، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وصححه، ووافقه الذهبي، لكن تعقبه الحافظ في تلخيص الحبير، والحافظ ابن كثير في تفسيره ضعفه بسبب شعبة.

راجع: المستدرك: 4/ 335، والسنن الكبرى: 6/ 227، والمحلي لابن حزم: 9/ 258، وميزان الاعتدال: 2/ 274، ويحيى بن معين وكتابه التأريخ: 2/ 256، وتلخيص الحبير: 3/ 85، وتفسير ابن كثير: 1/ 459 - 460.

(2)

راجع: منتهى الوصول والأمل: ص/ 105، ومختصر المنتهى وعليه العضد: 2/ 105.

(3)

قال الطوفي: "والاثنان جماعة في حصول الفضيلة حكمًا لا لفظًا إذ الشارع بَيَّن الأحكام لا اللغات" مختصر الطوفي: ص/ 101، وراجع: تفسير ابن كثير: 1/ 460.

(4)

الحديث رواه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني عن أبي أمامة، وأبي موسى رضي الله عنهما مرفوعًا، وبوب له البخاري:(باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة) وذكر =

ص: 272

الجواب - من وجهين -:

الأول: أنه ليس محل النزاع لما تقدم أن: ج م ع، ليس محل الخلاف.

الثاني: أن الخلاف في المعنى اللغوي، وما في الحديث محمول على المعنى الشرعي لكونه صلى الله عليه وسلم مبعوثًا لبيانه لا لبيان اللغة.

والاستدلال - على المذهب المختار بقولهم: جاءني رجلان عالمان، دون عالمون لا يتم إذ ربما كان جمعًا، ولكن روعي الصورة، وفيه بُعد لكنه محتمل.

قوله: "وتعميم العام بمعنى المدح، والذم".

= حديث مالك بن الحويرث مرفوعًا: "إذا حضرت الصلاة، فأذنا، وأقيما، ثم ليؤمكما أكبركما"، ووردت أحاديث كثيرة تفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى جماعة، مع شخص آخر، أو مع إحدى نسائه، وهذه الأحاديث صحيحة، تؤكد صحة معنى الحديث الذي ذكره الشارح.

وطرقه ضعيفة، وقال الحافظ:"الربيع بن بدر ضعيف، وأبوه مجهول" وذكر السيوطي أنه حسن لغيره.

راجع: مسند أحمد: 5/ 254، وسنن ابن ماجه: 1/ 312، وسنن الدارقطني: 1/ 280، والمستدرك: 4/ 334، وسنن النسائي: 2/ 81، وصحيح البخاري: 1/ 153، وفيض القدير: 1/ 148، وتلخيص الحبير: 3/ 81، وكشف الخفاء: 1/ 47، والابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج: ص/ 89.

وراجع: توجيه علماء الأصول لهذا الحديث، واحتجاجهم به: التبصرة: ص/ 130، والمعتمد: 1/ 231، والإحكام لابن حزم: 1/ 391، والعدة: 2/ 657، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 608، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 236، وشرح العضد على المختصر: 2/ 105، وكشف الأسرار: 2/ 28، وفتح الغفار: 1/ 109، وإرشاد الفحول: ص/ 124.

ص: 273

أقول: اللفظ الموضوع للعموم إذا سيق لمدح كقوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] أو ذم كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34].

المختار - عند المحققين - يفيد العموم كسائر الألفاظ التي يقصد بها المدح، والذم لعدم التنافي بين المعنيين، وبين العموم (1).

ونقل عن الشافعي خلافه (2) حتى قال بعضهم: إن ليس للآية دلالة على وجوب الزكاة في الحلي المباح (3)، وقد عرفت الجواب عنه (4).

(1) راجع: المحصول: 1/ ق/ 2/ 203، والإحكام للآمدي: 2/ 115، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 128، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 442، وإرشاد الفحول: ص/ 133.

(2)

ذكر ابن الهمام، وابن عبد الشكور أن هذا المذهب هو للشافعية عامة. والحق: أنه وجه ضعيف في المذهب، والصحيح أنه يعم، وهو الثابت عن الإمام الشافعي حتى قال الشيرازي - عن القول بعدم العموم -:"وهذا خطأ". وقال بعدم العموم بعض الحنفية، وبعض المالكية، وغيرهم.

راجع: المعتمد: 1/ 279، والتبصرة: ص/ 193، واللمع: ص/ 16، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 221، والمسودة: ص/ 133، وفتح الغفار: 2/ 60، وفواتح الرحموت: 1/ 283، وتيسير التحرير: 1/ 257، ومختصر البعلي: ص/ 116.

(3)

قال الآمدي: "نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه منع من عمومه حتى إنه منع من التمسك به في وجوب زكاة الحلي مصيرًا منه إلى أن العموم لم يقع مقصودًا في الكلام، وإنما سيق لقصد الذم والمدح، مبالغة في الحث على الفعل، أو الزجر عنه" الإحكام: 2/ 115.

(4)

اختلف العلماء في زكاة الحلي: فذهب فقهاء الحجاز، ومالك، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبو عبيد، وإسحاق، وأبو ثور، والقاسم، والشعبي، وقتادة، =

ص: 274

ثم إن صح عن الشافعي هذا النقل لعل مراده أنه ليس نصًا في العموم في جميع موارده: لأن الكلام إذا سيق للمدح كثير ما يتوسع فيه، ويتجوز، وإلا لا ريب عند ذي مُسْكة في أن قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14] يفيد العموم، وإن كان مسوقًا للمدح والذم، وهذا الذي ذكر عن الشافعي ليس مذهبه، بل هو وجه نقل عن القفال (1)، ومختاره مختار المحققين.

= ومحمد بن علي، إلى أنه لا زكاة فيه، وهو مروي عن ابن عمر وجابر وأنس، وعائشة، وأسماء، وغيرهم.

وذهب عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهرى، والثوري، وأصحاب الرأي إلى أن فيه الزكاة. وهي رواية للشافعي، وأحمد في غير المشهور عنهما.

راجع: شرح فتح القدير: 2/ 215 - 216، وبداية المجتهد: 1/ 251، والمجموع للنووي: 6/ 32 - 36، والمغني لابن قدامة: 3/ 11 - 13.

(1)

هو محمد بن على بن إسماعيل أبو بكر الشاشي الفقيه الشافعي إمام عصره كان فقيهًا، أصوليًا، مفسرًا، محدثًا، لغويًا، شاعرًا، متكلمًا، ورعًا، زاهدًا، ذاكرًا للعلوم، محققًا لما يورده، ويعتبر أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء، وله مؤلفات منها: كتاب في أصول الفقه، وشرح الرسالة، والتفسير، وأدب القاضي، ودلائل النبوة، ومحاسن الشريعة، وتوفي سنة (336 هـ) وقيل غير ذلك.

راجع: طبقات الفقهاء للشيرازي: ص / 112، ووفيات الأعيان: 3/ 338، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 282، وتبيين كذب المفتري: ص/ 182، وطبقات السبكي: 3/ 200، وشذرات الذهب: 3/ 51، والفتح المبين: 1/ 201.

ص: 275

هذا إذا لم يعارضه عام آخر لم يرد به المدح، أو الذم، وإذا عارضه يقدم عليه.

وقيل: يتوقف إلى أن يتبين الحال. ففي المسألة ثلاثة أقوال، وإليها أشار المصنف بقوله:"وثالثها يعم". وإنما قدم [الخالي عن المدح](1) - على القول المختار، ولم يجعل [النصين](2) متعارضين - لما ذكرنا من أن المسوق للمدح، والذم لا يقاوم الخالي عنهما، لكون العموم هناك مقصودًا، وعلى هذا قول بعض الأفاضل (3):"والتعميم فيه - أي: في المدح، والذم - أبلغ" فيه نظر. وما روي عن عثمان رضي الله عنه في الجمع بين الأختين: "أحلتهما آية - أي: قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3]- وحرمتهما آية"[أي: قوله: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23]] (4)، فتقديم آية التحريم ليس لخلوه عن المدح، بل لقوله صلى الله عليه وسلم:"ما اجتمع الحلال والحرام إلا وغلب الحرام الحلال"(5).

(1) ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

في (أ، ب): "النصان" والمثبت أولى على بناء يجعل للفاعل، أما إذا بناه للمجهول فالكلام لا غبار عليه، أو يحمل على القول الشاذ في جعل المثنى ملازمًا للألف في جميع الحالات.

(3)

جاء في هامش (أ): "هو عضد الملة والدين رحمه الله تعالى".

راجع: شرحه على المختصر: 2/ 129.

(4)

ما بين المعكوفتين سقط من (ب)، وأثبت بهامشها.

(5)

والحديث رواه البيهقي، وذكر أنه من رواية جابر الجعفي عن الشعبي عن ابن مسعود، وجابر الجعفي ضعيف، والشعبي عن ابن مسعود منقطع، ونقل الحافظ السخاوي عن =

ص: 276

قوله: "وتعميم: لا يستوون، ولا أكلت".

أقول: ترجمة المسألة بنفي المساواة إنما هو لتحرير محل النزاع بين أبي حنيفة، والشافعي في قتل المسلم بالذمي: لأن استدلال الشافعي على عدم القتل: بأن الفعل الواقع بعد النفي يعم كقولك: ما أكلت، وما ضربت، كل منهما عام في وجوه الأكل، والضرب (1).

لنا - على المختار -: أن الجملة في حكم النكرة، ولهذا تقع صفة للنكرة، وقد تقدم أن النكرة في سياق النفي تعم.

لا يقال: هذا قياس في اللغة؛ لأنا نقول: معلوم من الاستقراء لكلام أئمة العربية. قالوا: مطلق المساواة أعم من (2) / ق (64/ ب من أ) المساواة من كل وجه، ولا دلالة للعام على الخاص.

= العراقي: أن هذا الحديث لا أصل له، وذكر العجلوني: أن ابن مفلح أدرجه في أول كتابه في الأصول، فيما لا أصل له.

راجع: السنن الكبرى: 7/ 169، والمقاصد الحسنة: ص/ 362، وكشف الخفاء: 2/ 254، والابتهاج: ص/ 264، وأسنى المطالب: ص/ 189.

(1)

وهذا هو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، وأبى يوسف من الأحناف. وذهب الحنفية، والمعتزلة، والغزالي، والرازي، والبيضاوي إلى أنه لا يعم.

راجع: المستصفى: 2/ 62، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 617، 627، والإحكام للآمدي: 2/ 247، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 184، 186، والمسودة: ص/ 106، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 114 - 117، ومختصر البعلي: ص/ 111، وتخريج الفروع للزنجاني: ص/ 160، والإبهاج: 2/ 115، وفواتح الرحموت: 1/ 286، 289، وتيسير التحرير: 1/ 250، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 423 - 424، مباحث الكتاب والسنة: ص/ 163.

(2)

آخر الورقة (64/ ب من أ).

ص: 277

قلنا: كذلك، وليس محل النزاع: لأن المتنازع فيه نفي، ونفي العام يوجب نفي الخاص.

قالوا: لو كان كذلك لم تصدق القضية، إذ ما من شيئين إلا وبينهما مساواة بوجه من الوجوه، وأقله الشئة، والتعقل.

قلنا: عام في الأوصاف التي تعتبر، وتقصد بالنفى والإثبات من قبيل ما [يخصصه](1) / ق (65/ ب من ب) العقل (2).

قوله: "لا آكل". يريد أن الفعل المتعدي - بعد النفي، والشرط على الأصح إذا حذف مفعوله نحو: لا آكل، وإن أكلت - عام في مفعولاته حتى لو قال: نويت مأكولًا خاصًا يقبل.

وقال أبو حنيفة: لا يقبل التخصيص، حتى لو نوى مأكولًا مخصوصًا لا يقبل (3).

لنا - على المختار - ما تقدم في نفي المساواة.

(1) في (ب): "تحقيقه" والصواب المثبت من (أ).

(2)

آخر الورقة (65/ ب من ب).

(3)

لأنه لنفي الماهية، ولا تعدد فيها، فلا عموم، والتخصيص من توابع العموم أما عند غير الأحناف، فالنفي للأفراد، فيقبل إرادة التخصيص ببعض المفاعيل به لعمومه.

راجع: المستصفى: 2/ 62، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 627، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 185، وفواتح الرحموت: 1/ 286، ومختصر البعلي: ص/ 111.

ص: 278

ولنا - أيضًا - أن الأكل لنفي حقيقة الفعل، وإنما يتحقق بالنسبة إلى جميع مأكولاته، ولذلك حنث بأيها أكل اتفاقًا (1).

وهذا هو معنى [العموم](2)، فوجب قبوله للتخصيص، كما لو صرح بنفي المأكولات.

قالوا: لو كان عامًا قي المفعول لعم في الزمان والمكان من متعلقات الفعل [لأنهما](3) مثله (4).

قلنا: تعلقه بالمفعول به أقوى، فلا يقاس عليه غيره، ولئن سلم، فنفي حقيقة الأكل يستلزم النفى في كل زمان ومكان.

قوله: "لا المقتضي، والعطف العام".

أقول: المقتضي - بكسر الضاد على صيغة الفاعل - ما لا يستقيم كلامًا إلا بتقدير، وذلك التقدير هو المقتضي (5).

(1) راجع: المختصر مع شرح العضد: 2/ 118، والإبهاج: 2/ 116، ونهاية السول: 2/ 353، والتمهيد: ص/ 339 - 340.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

سقط من (أ، ب) وأثبت بهامش (أ).

(4)

في (ب): "في الزمان والمكان من متعلقات الفعل بالمفعول به مثله" والمثبت من (أ) هو الأولى.

(5)

قال العلامة ابن النجار: "قال البرماوي: المقتضي بالكسر الكلام المحتاج للإضمار، وبالفتح هو ذلك المحذوف، ويعبر عنه أيضًا بالمضمر، فالمختلف في عمومه على الصحيح =

ص: 279

فتقدير الكلام: أن المقتضي لا عموم له في مقتضاه، بل لا يقدر إلا ما دل عليه دليل، فإن لم يكن دليل على أحد التقادير يبقى اللفظ مجملًا.

ثم ما دل الدليل على تعينه، فإن كان عامًا لو أظهر، فهو عام، وإلا فلا (1).

لنا - على أنه لا عموم فيه -: لو قدر الجميع لقدر الزائد على قدر الحاجة بلا دليل.

مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"، له تقديرات بحسب كل حكم دنيوي: كالعقوبات، والضمان، وغيرهما، وأخروي:

= المقتضَى بالفتح، بدليل استدلال من نفى عمومه بكون العموم من عوارض الألفاظ، فلا يجوز دعواه في المعاني، ويحتمل أن يكون في المقتضي بالكسر، وهو المنطوق به المحتاج في دلالته للإضمار" شرح الكوكب المنير: 3/ 199 - 200.

وراجع: العدة: 2/ 517، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 424، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 158، 162.

(1)

اختار عدم عموم المقتضي الشيخ أبو إسحاق، والغزالي، وابن السمعاني، والرازي والآمدي، وابن الحاجب، وغيرهم: لأن العموم من عوارض اللفظ، والمقتضي معنى لا لفظ، ولأن الضرورة تندفع بإثبات فرد، ولا دلالة على إثبات ما وراءه فبقي على عدمه الأصلي بمنزلة المسكوت عنه.

وقيل: هو عام، ونقل عن أكثر الشافعية، والمالكية، وصححه النووي.

راجع: العدة: 2/ 517، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 624، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 115، وفواتح الرحموت: 1/ 294، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 424، وهمع الهوامع: ص/ 180، وإرشاد الفحول: ص/ 131، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 160.

ص: 280

كالحساب، والعقاب، وتقدير أحدهما كاف في استقامة الكلام، فتقدير الزائد على الواحد تقدر لما لا حاجة إليه.

قيل: رفع الجميع أقرب مجاز إلى [رفع أصل](1) الخطأ والنسيان: لأن التركيب يقتضي بحسب الظاهر رفع ذات الخطأ والنسيان، وحيث امتنع الحمل على الحقيقة، يحمل على أقرب المجازات، وهو رفع جميع الأحكام لاستلزامه صيرورة الذات، ملحقة بالعدم.

قلنا: المجاز بغير الإضمار أكثر منه بالإضمار، فيتعارض دليل المثبت والنافي، فيسلم دليل القائل بالبعض.

قيل: النزاع حيث لا دليل على تعين البعض، فلو قدر بعض معين يلزم التحكم، أو مبهم، فالإجمال. قلنا: نختار أنه مبهم.

قوله: يلزم الإجمال. قلنا: بيانه إلى الشارع، وهو أولى من التعميم لإفضائه إلى زيادة التقدير.

وكذلك العطف على العام لا يقتضي عموم المعطوف عليه، مثل الحديث الذي رواه أبو داود (2): "لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد

(1) ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها، وسقط من (أ)"أصل" وأثبت بهامشها.

(2)

هو سليمان بن الأشعث بن شداد، أبو داود السجستاني، ويقال له: السجزي. قال النووي: "واتفق الفقهاء على الثناء على أبي داود، ووصفوه بالحفظ التام، والعلم الوافر، والإتقان، والورع، والدين، والفهم الثاقب في الحديث وغيره، وفي أعلى درجات النسك، والعفاف، والورع". =

ص: 281

في عهده"، (1)، فالمسلم عام عندنا، وكذا الكافر يشمل الذمي، والحربي.

وعند الحنفية قوله: "بكافر" عام خص منه الذمي: لأن المسلم يقتل به استدلالًا بقوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]، فيلزم أن يكون الثاني أي المقدر أيضًا عامًا، فلا يخرج عنه إلا ما دل الدليل على خروجه.

وقد دل النص، والإجماع/ ق (65/ أمن أ) على قتل المعاهد بالذمي، فيكون الحكم، وهو عدم القتل قصاصًا مختصًا بالحربي.

والحاصل: أن الشافعية - في التقدير - يقدرون الحربي ابتداء، والحنفية يقدرون بكافر على العموم، ويخرجون عنه الذمي بدليل دل عليه، ويدعون أن عموم المعطوف عليه يستلزم عموم المعطوف ضرورة اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، وصفته.

= وذكره ابن أبي يعلى في أصحاب أحمد، وذكره العبادي، والسبكي في طبقات الشافعية وهو صاحب كتاب السنن، وتوفي بالبصرة سنة (275 هـ).

راجع: طبقات الفقهاء للعبادي: ص/ 60، وطبقات الحنابلة: 1/ 159، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 224، وطبقات السبكي: 2/ 293، ووفيات الأعيان: 2/ 138، والمنهج الأحمد: 1/ 175، وطبقات المفسرين للداودي: 1/ 201، وتذكرة الحفاظ: 2/ 591، والخلاصة: ص/ 150، وطبقات الحفاظ: ص/ 261، وشذرات الذهب: 2/ 167.

(1)

راجع: سنن أبي داود: 2/ 488، رواه من حديث علي رضي الله عنه، وقد تقدم تخريج قوله:"لا يقتل مسلم بكافر": ص/ 264.

وانظر ذكر من أخرجه تلخيص الحبير: 4/ 15 - 16.

ص: 282

والجواب: أنه لو كان عموم المعطوف لازمًا لعموم المعطوف عليه لزم أن لا يقتل ذو عهد بالذمي، وهو خلاف الإجماع.

فإن قالوا: قد أخرج الذمى من العموم بالدليل.

قلنا: تقدير العموم، وإخراج الذمي إنما يرتكب لو كان اشتراك المعطوف والمعطوف عليه واجبًا في جميع التعلقات، وليس كذلك على ما بُيِّن في علم العربية.

قال الإمام - في الغنْيَة -: "لا يحتاج إلى التقدير، ليقدر عام، أو خاص: لأن الكلام مستقل بدون التقدير".

ورد بأن التقدير لا بد منه: لأنه لو لم يقدر شيء لكان/ ق (66/ أمن ب) لنفي الحقيقة، فيمتنع قتله مطلقًا، وهو باطل.

فإن قيل: فهم قتله بالمسلم والذمي من نصوص أخر. فنقول: هو معنى التقدير الذي قالوا به، هكذا قاله بعض الأفاضل (1). وفيه نظر: لأن مقصود الإمام: أن جعل مثل هذا التركيب من قبيل عطف العام على الخاص غير مستقيم، إذ لا ضرورة في التقدير، لا لفظًا لاستقلال الكلام بدونه، ولا معنى؛ لأن الحكم المستفاد من المقدر قد استفيد من غيره من النصوص، فكيف يتوجه ما أورده عليه؟

قوله: "والفعل المثبت".

(1) جاء في هامش (أ، ب): "التفتازاني رحمه الله".

ص: 283

أقول: الفعل الاصطلاحي الذي هو قسيم الاسم، والحرف إذا كان منفيًا قد تقدم حكمه، وهو أنه في تأويل المصدر النكرة في سياق النفي، فيعم.

وأما المثبت في حكم النكرة في الإثبات، فلا وجه لعمومه (1).

ثم العموم الذي نُفي عنه له جهات:

الأولى: إفراده، فلا يعمها نحو:"صلى داخل البيت"(2)، فلا يشمل الفرض، والنفل.

(1) راجع: اللمع: ص/ 16، والمستصفى: 2/ 63، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 424، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 118، ومختصر البعلي: ص/ 111، وفواتح الرحموت: 1/ 293، وتيسير التحرير: 1/ 247، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 425، وشرح الورقات: ص/ 104، وإرشاد الفحول: ص/ 125، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 156.

(2)

رواه مالك، والبخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم عن عبد الله بن عمر:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وبلال بن رباح، فأغلقها، ومكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالًا حين خرج، ما صنع رسول الله؟ فقال: جعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة، ثم صلى".

راجع: صحيح البخاري: 1/ 120، 2/ 175، وصحيح مسلم: 4/ 95، وسنن النسائي: 5/ 217، وسنن ابن ماجه: 2/ 250، والمنتقى: 3/ 34، وشرح السنة: 2/ 331، وبدائع المنن: 1/ 65.

ص: 284

الثانية: الأزمان نحو: "كان يجمع في السفر"(1) لا يدل على عموم الزمان.

الثالثة: عموم الفعل للأمة لا يدل صدور الفعل عنه على وجوب الاتباع.

بل العموم - في هذه المذكورات إنما يستفاد من دليل خارجي كقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم"(2)، وكقوله:"صلوا كما رأيتموني أصلي".

وإذا وقع فعله بعد إجمال، أو إطلاق، أو عموم، فيتبع البيان في العموم، وعدمه.

(1) رواه مالك، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والدارمي عن عبد الله بن عمر قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء"، وفي رواية لمسلم عن ابن عباس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرة سافرها في غزوة تبوك. ."، ورواه أبو داود عن معاذ في غزوة تبوك:"فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء"، ورواه النسائي عن أنس، وأحمد عن ابن عباس.

راجع: الموطأ: ص/ 108، وصحيح البخاري: 2/ 55، وصحيح مسلم: 2/ 150، ومسند أحمد: 2/ 4، 148، وسنن أبي داود: 1/ 275، وتحفة الأحوذي: 3/ 121، وسنن النسائي: 1/ 287، وسنن ابن ماجه: 1/ 331، وسنن الدارمي: 1/ 356، وشرح السنة: 4/ 192، ونيل الأوطار: 2/ 242.

(2)

هذا جزء من حديث رواه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والنسائي عن جابر مرفوعًا، بألفاظ متقاربة.

راجع: صحيح مسلم: 4/ 79، ومسند أحمد: 3/ 378، وسنن أبي داود: 1/ 456، وسنن النسائي: 5/ 247.

ص: 285

فإن قيل: قد عم الفعل في قوله: "سها، فسجد"(1)"زنى ماعز (2)، فرجم"(3) و"فعلت أنا ورسول الله، فاغتسلنا"(4).

(1) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: "سها قبل التمام فسجد سجدتي السهو قبل أن يسلم".

قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن ميمون، واختلف في الاحتجاج به، وضعفه الأكثر".

وعن محمد بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قال: "صليت خلف أنس بن مالك صلاة سها فيها، فسجد بعد السلام، ثم التفت إلينا، وقال: أما إني لم أصنع إلا كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع" رواه الطبراني في الصغير وفيه مجاهيل.

راجع: مجمع الزوائد: 2/ 153 - 154، وتلخيص الحبير: 2/ 4.

(2)

هو الصحابي ماعز بن مالك الأسلمي، يقال: اسمه غريب، وماعز لقب له، معدود في المدنيين، كتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا بإسلام قومه، وهو الذي اعترف بالزنى، وأمر رسول الله برجمه، وقال:"لقد تاب توبة لو تابها طائفة من أمتي لا أجزأت عنهم".

راجع: أسد الغابة: 5/ 8، والاستيعاب: 3/ 438، والإصابة: 3/ 337، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 75.

(3)

وقصة ماعز أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فاعترف بالزنى، فرجم. رواها البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم.

راجع: صحيح البخاري: 8/ 206، وصحيح مسلم: 5/ 116، ومسند أحمد: 1/ 8، 5/ 179، وسنن أبي داود: 2/ 455، وسنن الترمذي: 4/ 36، وسنن ابن ماجه: 2/ 116.

(4)

عن عائشة رضى الله عنها قالت: "إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فاغتسلنا". رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وكذا صححه ابن حبان، وابن القطان، وقال الحافظ: وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه. =

ص: 286

الجواب: أنه من دليل خارجي، والكلام إنما هو في لفظ الفعل المثبت.

قوله: "ولا المعلق بعلة".

أقول: يعني أن الحكم إذا علل بعلة مثل قوله: حرمت الخمر لإسكاره، هل يتناول الحكم سائر المسكرات، أم لا؟ فيه مذاهب ثلاثة:

الجمهور: يعم شرعًا. القاضي: لا شرعًا، ولا لغة. وقيل: لغة (1).

لنا - على مختار الجمهور، وهو أنه يدل شرعًا -: فلأن الشارع إذا رتب حكمًا على وصف صالح للعلية، يستقل في العلية حيث وجد ظاهرًا.

وأما أنه لا يدل لغة، فلأن السيد إذا قال: أعتقت غانمًا لسواده، لا يلزم منه عتق سالم لسواده، وهو ظاهر.

القاضي: لو قال الشارع: حرمت الخمر لكونه حلوًا، لا يلزم منه حرمة كل ما كان فيه حلاوة.

الجواب: أن العلة هي الإسكار مع الحلاوة، ونلتزم عمومه.

= راجع: المسند: 6/ 97، 161، 265، وسنن الترمذي: 1/ 180 - 181، وسنن ابن ماجه: 1/ 211، وتلخيص الحبير: 1/ 134.

(1)

راجع: الخلاف المذكور: المعتمد: 1/ 279 - 282، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 519، والإحكام للآمدي: 2/ 97 - 98، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 119، وفواتح الرحموت: 1/ 285، وتيسير التحرير: 1/ 259، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 415، 425، وتشنيف المسامع: ق (61/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 181، وإرشاد الفحول: ص/ 135، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 150.

ص: 287

القائل: بأنه يدل لغة، لو قال: حرمت المسكر لإسكاره، كان عامًا اتفاقًا، فكذا قوله: حرمت الخمر لإسكاره (1) / ق (65/ ب من أ).

الجواب: إن أردت أن حكمهما واحد، فذلك من الشرع، وإن أردت أنه من اللغة، فذلك ممنوع لاختلاف الصيغة تأمل!

قوله: "وأن ترك [الاستفصال] (2) ينزل منزلة العموم". يريد أن هذه المسألة، تلائم بحث العام لا أنها من [العام](3) المصطلح عليه، ومثلوا لها قول النبي صلى الله عليه وسلم لغيلان بن سلمة الثقفي (4) - وقد أسلم وتحته عشر نسوة -:"اختر أربعًا، وفارق سائرهن"(5)، فيعم الحكم، وهو جواز اختيار

(1) آخر الورقة (65/ ب من أ).

(2)

ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(4)

هو الصحابي غيلان بن سلمة بن مُعَتِّب الثقفي، أبو عمر كان أحد أشراف ثقيف، ومقدميهم، وكان حكيمًا، وفد على كسرى، فقال له كسرى: أنت حكيم قوم لا حكمة فيهم، وكان شاعرًا مجيدًا، أسلم بعد فتح الطائف، وكان تحته عشر نسوة، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار أربعًا منهن، ويفارق باقيهن، وتوفي في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

راجع: أسد الغابة: 4/ 343، والاستيعاب: 3/ 189، والإصابة: 3/ 189، وتهذيب الأسماء واللغات: 2/ 49.

(5)

رواه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: مالك، والشافعي، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم قال:"أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا". =

ص: 288

الأربع، ما إذا تزوجهن معًا، ومرتبًا لإطلاقه الحكم من غير استفسار (1)، ولو كان الحكم يختلف باختلاف الصورتين لما أطلق؛ لأن البيان واجب عليه، والإطلاق في موضع التقييد لا يفيده.

= راجع: المنتقى: 4/ 122، وبدائع المنن: 2/ 351، وتحفة الأحوذي: 4/ 278، وسنن ابن ماجه: 1/ 602، وموارد الظمآن: ص/ 310، والمستدرك: 2/ 193، ونيل الأوطار: 6/ 180.

(1)

حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يسأله عن كيفية ورود العقد عليهن في الجمع، والترتيب، فكان إطلاق القول دالًا على أنه لا فرق، واستحسنه محمد بن الحسن خلافًا لقول أبي حنيفة من أن العقد إذا كان مرتبًا تعينت الأربع الأوائل؛ لأن مذهبه: أن ترك الاستفصال لا ينزل منزلة العموم.

وصار إمام الحرمين: إلى أنه يعم إذا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيل الواقعة، فإن علم، فلا يعم، ويمكن أن يكون تقييدًا لقول الشافعي:"ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم" ولذا قال الإمام - بعد ذكر قول الشافعي الذي سبق -: "وفيه نظر لاحتمال أنه أجاب بعد أن عرف الحال".

غير أنه قد جاء عن الشافعي ما يعارض قوله السابق حيث قال: "حكايات الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال".

من أجل ذلك أثبت بعضهم للشافعي قولين في المسألة، ولكنه رد عليهم.

وجمع القرافي بين قولي الشافعي فقال: "الاحتمالات تارة تكون في كلام صاحب الشرع على السواء، فتقدح، وتارة تكون في محل مدلول اللفظ، فلا تقدح، فحيث قال الشافعي رضي الله عنه: إن حكاية الحال إذ تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال. مراده إذا استوت الاحتمالات في كلام صاحب الشرع.

ومراده: أن حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تنزل منزلة العموم في المقال. إذا كانت الاحتمالات في محل المدلول دون الدليل" شرح تنقيح الفصول: ص/ 186 - 187. =

ص: 289

وقد ظهر لك بهذا التحرير أن ليس الكلام في العام المصطلح.

قوله: "وأن نحو: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} لا يتناول الأمة".

أقول: يريد أن من له منصب الاقتداء به، فإذا قيل - له -: افعل كذا، هل يعم الخطاب أتباعه - لغة - مثل قوله - تعالى -:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1]، {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 1 - 2]، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، أم لا؟

مختار المصنف عدم التناول، وهو المختار (1).

= أما الزركشي، فلم يسلم للقرافي جمعه السابق بين قولي الإمام، ثم قال:"والصواب: حمل الثانية على الفعل المحتمل للوقوع على وجوه مختلفة، فلا يعم لأنه فعل، والأولى على ما إذا أطلق اللفظ جوابًا عن سؤال، فإنه يعم أحوال السائل لأنه قول، والعموم من عوارض الأقوال دون الأفعال" تشنيف المسامع: ق (61/ ب)، كما أنه رد قول من قال: إن للشافعي في المسألة قولين.

راجع: البرهان: 1/ 345، والمستصفى: 2/ 68، والمنخول: ص/ 150، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 631، المسودة: ص/ 108، وفواتح الرحموت: 1/ 289، وتيسير التحرير: 1/ 264، ومختصر البعلي: ص/ 116، والقواعد لابن اللحام: ص/ 234، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 426، وهمع الهوامع ص/ 181، وإرشاد الفحول: ص/ 132، ونهاية السول: 2/ 367.

(1)

وهذا مذهب جهور الشافعية، والأشعرية، وبعض الحنابلة، وبه قالت المعتزلة، ونسبه ابن عبد الشكور إلى المالكية.

وذهب الإمام حمد، وأكثر أصحابه، والحنفية، والمشهور عن المالكية إلى أنه عام للأمة، وأنه لا يختص به إلا بدليل يخصه، وذكر الأسنوي أنه ظاهر قول الشافعي. =

ص: 290

لنا: أن اللفظ موضوع للمفرد لغة اتفاقًا، وما وضع (1) / ق (66/ ب من ب) لشيء - لغة - لا يتناول غيره حقيقة في تلك اللغة إلا بوضع آخر، والمقدر خلافه.

قالوا: إذا قيل - لمن له منصب الاقتداء كالأمير مثلًا -: اركب لمناجزة العدو، أو لفتح البلدة الفلانية، يفهم تناول الأمر له، ولأتباعه.

قلنا: من القرائن، إذ مثل ذلك الأمر لا يقوم به وحده.

قالوا: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] قد تناول خطابه لأمته إذ الحكم عام.

قلنا: النداء له خاصة للتشريف، وعموم الحكم من قوله:{طَلَّقْتُمُ} ، وذلك ليس مما نحن فيه.

قالوا: قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] صريح في ذلك.

= قال الغزالي: "وهذا قول فاسد؛ لأن الأحكام إذا قسمت إلى خاص، وعام، فالأصل اتباع موجب الخطاب"، المستصفى: 2/ 65.

راجع: العدة: 1/ 318، 324، والبرهان: 1/ 367، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 620، والإحكام: 2/ 101، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 121، ومختصر الطوفي: ص/ 91، ومختصر البعلي: ص/ 114، وفواتح الرحموت: 1/ 281، وتيسير التحرير: 1/ 251، وإرشاد الفحول: ص/ 129.

(1)

آخر الورقة (66/ ب من ب).

ص: 291

قلنا: قوله: {زَوَّجْنَاكَهَا} خاص به، وهو نكاح زينب، وغيره علم من قوله:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب: 4].

حيث رد أن يكون الدعِيُّ ابنًا، وليس للحرمة جهة أخرى.

قالوا: لو لم يكن عامًا لم يكن لقوله: {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50]- نافلة لك - فائدة.

قلنا: فائدة ذلك قطع احتمال العموم، إذ لا يلزم من انتفاء [دليل](1) العموم انتفاء احتمال العموم.

قوله: "ونحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21] ".

أقول: ما تناوله صلى الله عليه وسلم من الألفاظ لغة نحو: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} ، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]، {يَاعِبَادِيَ} [العنكبوت: 56]، هل يتناوله، إذا ورد بلسانه، أم كونه واردًا بلسانه مانع؟ فيه خلاف:

قيل: يتناوله مطلقًا. وقيل: لا يتناوله. وقيل: إن خلا عن لفظ قل تناوله، وإلا فلا.

مختار المصنف [هو](2) الأول، وهو المختار عند المحققين (3).

(1) سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

سقط من (أ) وأثبت بهامشها.

(3)

والمذهب الرابع: يعمه خطاب القرآن، دون خطاب السنة.

ص: 292

لنا: ما تقدم من تناوله لغة، فيجب القول به.

ولنا - أيضًا -: أن الصحابة رضي الله عنهم، فهموا ذلك حيث كانوا، إذا لم يفعل يسألونه عن سبب تركه، وهم عارفون باللسان، أئمة في اللغة، فلو لم يتناوله، لم يسألوه، وذلك ظاهر.

قالوا: لو كان داخلًا، لكان آمرًا مأمورًا بخطاب واحد، وهو غير معقول.

قلنا: الآمر في الحقيقة هو الله تعالى، والتبليغ من جبريل، فلا محذور.

وعلم من هذا التقرير الجواب عن قولهم: شرط الآمر أن يكون أعلى من المأمور، فلا يكون آمرًا لنفسه.

قالوا: خص بأحكام: كوجوب الضحى، والأضحية، والتهجد، فدل على انفراده بأحكام، وامتيازه عن الأمة، فلا يلزم تناوله فيما ذكر.

الجواب: أن انفراده ببعض الأحكام لدليل لا يوجب انفراده، فيما لا دليل فيه، فإن عدم الحكم قد يكون لمانع، كما يكون لعدم المقتضى،

= راجع: البرهان: 1/ 365 - 367، والمستصفى: 2/ 81، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 200، والإحكام للآمدي: 2/ 110، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 197، والمسودة: ص/ 33، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 162، ونهاية السول: 2/ 371، والقواعد لابن اللحام: ص/ 207، وفواتح الرحموت: 1/ 277، وتيسير التحرير: 2/ 254، ومختصر البعلي: ص/ 115، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 429، وإرشاد الفحول: ص/ 129.

ص: 293

وذلك كما خرج المريض، والمسافر من عمومات مخصوصة لمانع، ولا يوجب ذلك خروجهم عن العمومات مطلقًا (1).

قوله: "وأنه يعم العبد".

أقول: خطاب الشارع بصيغة تتناول العبيد - لغة - مثل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} [الحج: 73]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 24] هل يتناول العبيد شرعًا، أم لا؟

الجمهور: يتناولهم، وهو المختار عند المصنف (2).

(1) قال الآمدي: "إن اختصاصه ببعض الأحكام غير موجب لخروجه عن عمومات الخطاب، ولهذا، فإن الحائض، والمسافر، والمريض كل واحد قد اختص بأحكام لا يشاركه غيره فيها، ولم يخرج بذلك عن الدخول في عمومات الخطاب". الإحكام: 2/ 111.

وتظهر فائدة الخلاف في هذه المسألة، فيما إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك هل يكون نسخًا في حقه؟ إن قلنا: يعمه الخطاب، فنسخ، أي: إذا دخل وقت العمل: لأن ذلك شرط المسألة، وإلا فلا.

راجع: شرح الكوكب المنير: 3/ 249، وإرشاد الفحول: ص/ 129.

(2)

وهو مذهب الأئمة الأربعة، وغالب أتباعهم لأن العبيد يدخلون في الخبر، فكذا في الأمر، أما استثناء الشارع لهم في الجمعة، والجهاد، والحج، فهو أمر عارض لفقره، واشتغاله بخدمة سيده.

وقال بعض المالكية، والشافعية: لا يدخلون.

وقال أبو بكر الجصاص الحنفي: إن كان الحق لله دخلوا، وإن كان من حقوق الآدميين لم يدخلوا. =

ص: 294

لنا - على ما ذهب إليه -: أنهم لما دخلوا في الخطاب لغة، وكونهم عبيدًا لا يصلح مانعًا شرعًا، فوجب القول بالدخول لوجود المقتضي وعدم المانع.

قالوا: دل الإجماع على اختصاص منافعهم بمواليهم، فلو كلفوا لزم صرف منافعهم إلى غير مواليهم.

قلنا: عموم صرف المنافع ممنوع، بل قد استثنى أوقات التكاليف إجماعًا حتى لو لم يمكنه من أداء الظهر آخر الوقت عصى إجماعًا.

قالوا: خرجت العبيد عن خطاب الجهاد، والجمعة، والحج، والتبرعات بأسرها.

قلنا: بدليل خاص كالحائض، والمريض في وجوب الصوم.

والحاصل: أن خلاف الأصل قد يرتكب لدليل (1).

= راجع: المعتمد: 1/ 278، والإحكام لابن حزم: 1/ 329، والبرهان: 1/ 356، والعدة: 2/ 348، والمنخول: ص/ 143، والمستصفى: 2/ 77، والإحكام للآمدي: 2/ 108، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 196، والمسودة: ص/ 34، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 125، ومختصر البعلى: ص/ 115، ومختصر الطوفي: ص/ 103، والقواعد لابن اللحام: ص/ 209، وتشنيف المسامع: ق (61/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 427، وهمع الهوامع: ص/ 182، وتيسير التحرير: 1/ 254، وإرشاد الفحول: ص/ 128.

(1)

راجع: التمهيد: ص/ 355 - 356.

ص: 295

وأما الكافر، فلا وجه لإيراده هنا إذ علم/ ق (67/ أمن ب) حكمه من مسألة تكليف الكافر بالفروع (1).

قوله: "ويتناول الموجودين دون من بعدهم".

أقول: ما وضع للمشافهة مثل النداء، والأمر، لا يتناول سوى الموجودين، بل الموصوفين بالعقل، والبلوغ خلافًا للحنابلة إذ قالوا: بعمومه لمن بعدهم (2).

لنا - على المختار -: أن الصبي، والمجنون لم يدخلا في خطاب إجماعًا فكيف بالمعدوم الذي هو أبعد بمراحل (3)؟

وأيضًا من شرع منا ينادي معدومًا بمثل يا أيها الناس، عد ذلك سفهًا منه، فالشارع يتعالى عنه.

قالوا: أرسل إلى الناس كافة، فلو لم يتناول خطابه الكل لم يؤد الرسالة على الوجه المأمور بها، وذلك باطل قطعًا للاتفاق على أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة.

(1) سبق الكلام على هذه المسألة: 1/ 378 - 380.

(2)

راجع: البرهان: 1/ 270، والمنخول: ص/ 124، والمستصفى: 2/ 83، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 429، والإحكام للآمدي: 2/ 111، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 145، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 127، وفواتح الرحموت: 1/ 278 - 279، وتيسير التحرير: 1/ 255، ومختصر الطوفي: ص 62، 92، وشرح الكوكب المنير: 3/ 249 - 250، وإرشاد الفحول: ص/ 128.

(3)

راجع: التمهيد للأسنوى: ص/ 363، ونهاية السول: 2/ 364، وتشنيف المسامع: ق (61/ ب)، والمحلى على جمع الجوامع: 1/ 427، وهمع الهوامع: ص/ 181.

ص: 296

قلنا: كذلك، لكن لا مشافهة، بل بلغ الموجودين، بل الحاضرين ليؤدوا إلى من غاب عنهم مكانًا، أو زمانًا.

فإن قيل: قد سبق أن المعدوم مكلف، وإذا قلتم: إن المعدوم لا يتناوله الخطاب، فكيف يعقل أن يكون مكلفًا؟

قلنا: قد تقدم - أيضًا - أن التكليف منه معنوي، وهو الحكم الأزلي، وذلك لا يتوقف على وجود مخاطب، ومنه تنجيزي، وهو الذي يتوقف على مخاطب موصوف بالعقل، والبلوغ، والكلام في هذه المسألة إنما هو في هذا القسم الثاني، فلا إشكال.

قوله: "وأن مَن الشرطية تتناول الإناث".

أقول: ما لا يفرق فيه بين المذكر، والمؤنث مثل: من، وما، وإن كان العائد إليه مذكرًا، والأكثرون على أنه يتناول الإناث، وهو المختار (1).

لنا: أنه لو قال: من دخل داري فهو حر، ودخلت الإماء، عتقن إجماعًا.

وأما صيغة جمع المذكر السالم مثل المسلمين، وفعلوا، لا يدخل فيه النساء ظاهرًا خلافًا للحنابلة (2).

(1) راجع: العدة: 2/ 351، والبرهان: 1/ 360، والمعتمد: 1/ 233، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 622، والإحكام للآمدي: 2/ 107، ونهاية السول: 2/ 360، والمسودة: ص/ 105، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 125، ومختصر البعلي: ص 115، وإرشاد الفحول: ص/ 127.

(2)

راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 324، والمستصفى: 2/ 79، والمنخول: ص/ 143، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 198، وفتح الغفار: 1/ 93، وفواتح الرحموت: 1/ 273، =

ص: 297

لنا - على المختار -: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلى آخر الآية [الأحزاب: 35].

قالوا: أفرد ليكون نصًا. قلنا: التأسيس مقدم.

ولنا - أيضًا -: حديث أم سلمة قالت: "يا رسول الله إن النساء قلن: ما نرى الله ذكر النساء؟ "(1) فأنزل الله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} ، ولو كن داخلات لم يكن لتقرير النفي وجه.

ولنا - أيضًا -: إجماع أهل (2) / ق (66/ ب من أ) العربية على أنه جمع المذكر السالم.

قالوا: عادة أهل اللسان تغليب الذكور على الإناث في التعبير حتى لو كان ألف امرأة، مع رجال ثلاثة، تغلب الرجال، قال تعالى: {وَادْخُلُوا

= وتيسير التحرير: 1/ 231، والتمهيد: ص/ 356، والعدة: 2/ 351، ومختصر الطوفي: ص/ 103، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 429، وهمع الهوامع: ص/ 183، وشرح الكوكب المنير: 3/ 235، وتشنيف المسامع: ق (62/ أ).

(1)

وفي رواية: قلت: "يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن، كما يذكر الرجال؟ . . . الحديث". وقد ورد عنها بعدة روايات عند أحمد، والنسائي وابن جرير، والطبراني، وابن المنذر، وابن مردويه، والترمذي، وحكم بإرساله.

راجع: مسند أحمد: 6/ 301، 305، وتحفة الأحوذي: 8/ 375 - 377، وجامع البيان: 22/ 8 - 9، وأسباب النزول للواحدي: ص/ 240، وتفسير ابن كثير: 4/ 488، وفتح القدير للشوكاني: 4/ 283.

(2)

آخر الورقة (66/ ب من أ).

ص: 298

الْبَابَ سُجَّدًا} [البقرة: 58] والمراد بنو إسرائيل رجالهم، ونساؤهم، وقال:{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الأعراف: 24]، والمراد آدم، وحواء، وإبليس، وإنما يتصور هذا الكلام بدخول التاء.

الجواب: أن التغليب مجاز، ونحن لا نمنعه، بل الممنوع كونه يتناول الفريقين حقيقة، وما ذكرتموه لا يدل عليه.

قالوا: لو لم يتناولهن: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] لم يجب عليهن صلاة، ولا زكاة، وبطلانه لا يخفى.

قلنا: عدم ثبوت الحكم بدليل لا يتناولهن، لا يدل على عدم ثبوته بدليل آخر، ولذلك لم تجب الجمعة، والجهاد؛ لعدم تناول جمع الرجال في قوله:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9]، وقوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216]، مع انتفاء دليل آخر يدل على وجوبهما.

قالوا: لو قال: أوصيت للرجال والنساء بألف درهم، ثم قال: وأوصيت لهم - أيضًا - بكذا، وكذا، يستوي في المذكور ثانيًا الرجال والنساء، ولو كان الضمير في لهم خاصًا بالرجال لم يتناول الحكم النساء.

الجواب: إنما يتناولهن بقرينة الوصية المتقدمة التي صرح فيها بذكر النساء، وهذا غير محل النزاع.

واعلم: أن النزاع إنما هو في مثل المسلمين، والمؤمنين، أي: الألفاظ المحتملة للنساء لا في لفظ الرجال، كما إذا قال: الرجال كذا، فإن عدم

ص: 299

تناوله للنساء متفق عليه، وكذا نحو الناس كذا، فإنه يتناول النساء اتفاقًا (1) فتأمل!

قوله: "وأن خطاب الواحد لا يتعداه".

أقول: خطاب الشارع واحدًا بعينه من الأمة، هل يتناول غيره - لغة -، أم (2) / (ق 67/ ب من ب) لا؟

المختار: لا يتناوله خلافًا للحنابلة (3).

لنا - على المختار -: أن الصيغة لم توضع لغير الواحد.

وأيضًا لو تناوله، لم يكن لقوله:"حكمي على الواحد حكمي على الجماعة"(4)، فائدة لكونه مفهومًا من ذلك الحكم لغة على ما هو المفروض.

(1) راجع: البرهان: 1/ 360، والمستصفى: 2/ 79، والمنخول: ص/ 143، والمحصول: 1/ ق/ 2/ 621، والإحكام للآمدي: 2/ 104، والمسودة: ص/ 99، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 124، وتيسير التحرير: 1/ 231، وإرشاد الفحول: ص/ 126.

(2)

آخر الورقة (67/ ب من ب).

(3)

ومحل النزاع في هذه المسألة إذا لم يخص الحكم بذلك الواحد، فإن خص به، كما في أضحية أبي بردة بالجذعة، ونحو ذلك، فلا يعم اتفاقًا.

ومذهب الحنفية، والشافعية، والمالكية، وأكثر العلماء أنه لا يتناول غيره لغة، وذهب الحنابلة إلى أنه يتناوله، واختاره أبو المعالي الجويني.

راجع: العدة: 1/ 318، 331، والبرهان: 1/ 370، والإحكام للآمدي: 2/ 103، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 123، وتخريج الفروع على الأصول: ص/ 181، وتيسير التحرير: 1/ 252، وإرشاد الفحول: ص/ 130، ومباحث الكتاب والسنة: ص/ 158.

(4)

قال العراقي: هذا الحديث لا أصل له، وسئل عنه المزي، والذهبي، فأنكراه، وبنحو ذلك قال السخاوي. =

ص: 300

قالوا: قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28]، وقوله:"بعثت إلى الأحمر، والأسود"(1)، وغيرهما من النصوص يدل على عموم حكمه.

قلنا: يدل على عموم رسالته لا على أن كل حكم منه على كل مكلف.

قالوا: قوله: "حكمي على الواحد" الحديث.

قلنا: إن أريد به - لغة - فلا دلالة فيه، وإن أريد قياسًا، فليس محل النزاع.

= قلت: لكنه قد ورد ما يشهد لصحة معناه، ما رواه الإمام مالك، وأحمد، والترمذي، والنسائي، وابن حبان، والدارقطني من حديث أميمة بنت رقيقة، وفيه أنها أتت في نسوة يبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: هلم نبايعك يا رسول الله، فقال:"إني لا أصافح النساء إنما قولي لمئة امرأة كقولي لامرأة واحدة، أو مثل قولي لامرأة واحدة".

وقال الترمذي: حسن صحيح، وحكم الحافظ ابن كثير بصحة سنده.

راجع: الموطأ: ص/ 608، ومسند أحمد: 6/ 357، وسنن الترمذي: 4/ 151 - 152، وسنن النسائي: 7/ 149، وسنن ابن ماجه: 2/ 204 - 205، وسنن الدارقطني: 4/ 146 - 147، وموارد الظمآن: ص/ 34، وتفسير ابن كثير: 4/ 352، والمقاصد الحسنة: ص/ 203، وفيض القدير: 3/ 16، وكشف الخفاء: 1/ 346، والابتهاج: ص/ 110.

(1)

هذا جزء من حديث رواه مسلم، وأحمد، والدارمي عن جابر، وأبي ذر مرفوعًا، وأوله:"أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر، وأسود. . ." الحديث.

راجع: صحيح مسلم: 2/ 63، ومسند أحمد: 1/ 250، 4/ 416، 5/ 145، وسنن الدارمي: 2/ 224.

ص: 301

قالوا: حكم على ماعز بالرجم، فأجمع الصحابة على رجم كل محصن بعده، وضرب الجزية على مجوس هجر، فضربوه على غيرهم من المجوس (1)، فلو لم يكن حكمه على الواحد حكمًا على الجماعة، فما دليلهم؟

قلنا: إنما حكم الصحابة بذلك قياسًا لوضوح العلة في الصورتين لا لغة على ما هو المتنازع فيه.

قالوا: لو لم يعلم - لغة - لم يكن لقوله - لأبي بردة بن نيار (2) في التضحية بالجذعة (3) -: "لن تجزئ عن أحد بعدك"(4).

(1) روى البخاري، والشافعي أن عمر ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".

راجع: صحيح البخاري: 4/ 117، والأم: 4/ 96 - 97، وتلخيص الحبير: 4/ 124.

(2)

هو الصحابي هانئ بن نيار الأنصاري خال البراء بن عازب، أبو بردة شهد بدرًا، وما بعدها، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفي سنة (41، أو 42، أو 45 هـ) على خلاف في ذلك.

راجع: الإصابة: 4/ 18، والاستيعاب: 4/ 17.

(3)

الجذع: محركة، قبل الثني، وهي بالهاء اسم له في زمن، وليس بسن تنبت، والجمع جذاع، وجذعات، وهو يطلق على ولد الشاة في السنة الثانية، وعلى البقر، وذوات الحافر في الثالثة، وللإبل في الخامسة، والجذع من الضأن ما له سنة تامة هذا هو الأشهر عن أهل اللغة، وجمهور أهل العلم من غيرهم، وقيل: ما له ستة أشهر وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل: عشرة.

راجع: لسان العرب: 9/ 393، والمصباح المنير: 1/ 94، والقاموس المحيط: 3/ 11 - 12.

(4)

هذا جزء من حديث طويل رواه البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع، فننحر، فمن فعل ذلك، فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل أن يصلي، فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك =

ص: 302

وقوله - في شهادة خزيمة (1) -: إنه خاصة له (2) - فائدة، لكونه لم يتناول الغير على ما ادعيتم.

= في شيء - فقام خالي أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، أنا ذبحت قبل أن أصلي، وعندي جذعة خير من مسنة، - قال: اجعلها مكانها، أو قال: اذبحها، ولن تجزئ جذعة عن أحد بعدك".

راجع: صحيح البخاري: 2/ 23 - 24، وصحيح مسلم: 6/ 74 - 76، ومسند أحمد: 3/ 466، وسنن النسائي: 7/ 222 - 223، وسنن أبي داود: 2/ 87، ونيل الأوطار: 5/ 113 - 114.

(1)

هو الصحابي خزيمة بن ثابت الأنصاري، الأوسي أبو عمارة رضي الله عنه، من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بدرًا، وما بعدها، واستشهد بصفين سنة (37 هـ).

راجع: الإصابة: 1/ 425، والاستيعاب: 1/ 417، وشذرات الذهب: 1/ 48.

(2)

للحديث قصة، وسبب، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى فرسًا من أعرابي وأمره أن يلحقه ليدفع له ثمنه، فتقدم الرسول صلى الله عليه وسلم وتأخر الأعرابي، فجعل الناس يسومون الفرس، ويزيدون فيه أكثر مما باعه، ولم يعرفوا أنه قد باعه للنبي صلى الله عليه وسلم، فطمع الأعرابى بالزيادة، وحلف بأنه لم يبعه، فراجعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يقبل، وطلب منه شاهدًا على البيع فلما سمع خزيمة قال: أنا أشهد أنك قد بعته، قال: فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة، فقال:"بِمَ تشهد؟ قال: بتصديقك يا رسول الله قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين".

وروي عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد له خزيمة فهو حسبه".

ولما كلف أبو بكر زيد بن ثابت بجمع القرآن قال زيد، فقمت، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والأكتاف، والعسب، وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين، مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما، مع أحد غيره فاكتفى زيد به لعلمه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادتين.

راجع: سنن النسائي: 7/ 301 - 302، وسنن أبي داود: 2/ 276، والسنن الكبرى للبيهقي: 10/ 146، وصحيح البخاري: 6/ 90.

ص: 303

قلنا: فائدته قطع الاحتمال، ودفع توهم جواز القياس بالاستدلال.

قوله: "وخطاب القرآن، والحديث: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} لا يشمل الأمة".

أقول: قد اختلف في الخطاب الخاص بأهل الكتاب لفظًا، هل يختص بهم حكمًا مثل قوله تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171]{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40].

والمختار - عند المصنف - اختصاصه بهم (1).

والحق: أنه إن أراد أنه لا يتناول غيرهم - لغة - فهو حق، وإلا فلا، إذ لا مانع من القياس، إذا كانت العلة مشتركة، وهذه/ ق (67/ أمن أ) المسألة كالسابقة استدلالًا، وتفصيلًا.

ولو قال المصنف: الخطاب بمثل: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ} لا يعم غيرهم، كان أخصر، وأفيد.

ثم المخاطب هل يدخل في عموم خطابه، أم لا؟

(1) يرى المجد بن تيمية أن خطاب الله لأهل الكتاب في القرآن على وجهين:

الأول: ما كان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فهذا يشمل الأمة إن شركوهم في المعنى لأن شرعه عام للجميع، وإن لا فلا يدخلوا.

وثانيهما: خطابه لهم على لسان موسى، وغيره من الأنبياء عليهم السلام، فهي مسألة (شرع من قبلنا).

راجع: المسودة ص/ 47 - 48، وتشنيف المسامع ق (62/ أ)، والمحلى على جمع الجوامع: 1/ 429، وهمع الهوامع: ص/ 183.

ص: 304

مختار المصنف: إن خبرًا يدخل، وإن كان أمرًا فلا (1).

وقيل: لا يدخل مطلقًا (2).

مثاله في الخبر: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، وفي الأمر: أكرم من أكرمك، وفي النهي: من أكرمك لا تهنه.

لنا - على المختار - وهو الدخول (3) تناول اللفظ إياه، ولا مانع، فيجب القول به.

قالوا: يرد قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16، الزمر: 62].

قلنا: أخرجه دليل العقل، فهو عام مخصوص. ثم المصنف لم يذكر النهي، ولا بد من ذكره، وفرَّق بين الخبر والأمر، والحق عدم الفرق.

(1) وهي رواية عن الإمام أحمد، اختارها أبو الخطاب، والقاضي أبو يعلى وهو اختيار الإمام الرازي.

راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 200، والروضة: ص/ 125، والقواعد لابن اللحام: ص/ 206، ومختصر البعلي: ص/ 115.

(2)

راجع: البرهان: 1/ 363، ومختصر الطوفي: ص/ 105، وتيسير التحرير: 1/ 257.

(3)

يعني مطلقًا سواء كان الكلام خبرًا، أو إنشاء، أو أمرًا، أو نهيًا وهذا مذهب أكثر الحنابلة، وبعض الشافعية، وغيرهم، ونسبه الآمدي إلى الأكثر، واختاره، ورجحه الغزالي، وغيره. راجع: المستصفى: 2/ 88، والمنخول: ص/ 143، والإحكام للآمدي: 2/ 113، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 127، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 198، ونهاية السول: 2/ 372، والتمهيد: ص/ 346، والقواعد لابن اللحام: ص/ 205 - 206، وإرشاد الفحول: ص/ 130.

ص: 305

وإنما تبع في ذلك الإمام الرازي حيث ذكر أن كونه آمرًا قرينة مخصصة (1).

وليس بشيء لظهور أن قوله صلى الله عليه وسلم: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي"(2)، وقوله:"أَبدأُ بما بدأ الله به" عام فيه، وفي أمته.

وأما قولهم: كونه آمرًا قرينة مخصصة، فقد سبق أن الآمر حقيقة هو الله - وهو مبلغ عنه - تعالى.

فإن قلت: قد ذكر الفقهاء: أن إنسانًا لو قال: نساء العالمين طوالق لم تطلق زوجته (3)، وهذا مبني على عدم دخول المخاطب في عموم الخطاب.

قلت: كونه داخلًا في العالمين مما لا شك فيه، وأما عدم وقوع الطلاق، فلأن العادة أخرجته إذ العادة تخصص خصوصًا في الأيمان هذا هو الحق في التعليل، ومن علل بعدم الدخول، فقد بنى على المذهب المرجوح.

قوله: "وأن نحو: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ".

(1) راجع: المحصول: 1/ ق/ 3/ 200.

(2)

الحديث رواه الإمام أحمد، وغيره من حديث حبيبة بنت أبي تجراة قالت: دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش، والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا، والمروة، قالت: وهو يسعى، يدور به إزاره من شدة السعي، وهو يقول:"اسعوا إن الله كتب عليكم السعي".

راجع: المسند: 6/ 421 - 422.

(3)

ذكر الأسنوي في وقوع الطلاق على زوجه وجهين، وأن النووي صحح عدم الوقوع، وبنحو ذلك جزم الرافعي.

راجع: التمهيد: ص/ 346.

ص: 306

أقول: قد اختلف في أن مثل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ، يقتضي الأخذ من كل نوع من أنواع المال، أم يكفي أخذ صدقة مَا من جملة الأموال (1)؟

مختار المصنف - وهو مختار الجمهور، ونص عليه الشافعي في الرسالة -: أنه يقتضي الأخذ من كل نوع (2).

لنا - على المختار - أن {أَمْوَالِهِمْ} للعموم: لأنه جع مضاف، فيعم كقوله: عبيدي أحرار، وإذا عم فلا بد وأن يعم الأفراد، والأنواع، والأول باطل اتفاقًا، وإلا تجب الزكاة في الدرهم، والدانق لصدق اسم المال عليه، فتعين الثاني.

(1) يبحث أكثر المؤلفين هذه المسألة تحت عنوان الجمع المضاف إلى جمع، والمذهب الثاني، محكي عن الكرخي، واختاره ابن الحاجب، وأيده ابن عبد الشكور، وغيره ووصفه الآمدي بالدقة حيث قال - بعد ذكر المسألة، والخلاف فيها -:"وبالجملة، فالمسألة محتملة، ومأخذ الكرخي دقيق". ومذهب الجمهور، والأكثر كما ذكر الشارح.

راجع: أصول السرخسي: 1/ 276، والإحكام للآمدي: 2/ 114، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 128، والتمهيد: ص/ 433 - 444، وفواتح الرحموت: 1/ 282، والمحلي على جمع الجوامع: 1/ 429، وتيسير التحرير: 1/ 257 - 258، ومختصر البعلي: ص/ 116، وإرشاد الفحول: ص/ 126.

(2)

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "فكان مخرج الآية عامًا في الأموال، وكان يحتمل أن تكون على بعض الأموال دون بعض، فدلت السنة على أن الزكاة في بعض الأموال دون بعض"، وقال:"ولولا دلالة السنة كان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء، وأن الزكاة في جميعها لا في بعضها دون بعض" الرسالة: ص/ 187، 196.

ص: 307

فإن قلت: الحصر ممنوع لما لا يجوز أن يكون المراد من الجمع العام هو المجموع من حيث المجموع؟ مثل قولك: هذه الدار لا تسع الرجال، أو الجيش، / ق (68/ أمن ب) كما إذا حلف لا يتزوج [النساء](1)، وفلان يركب الخيل، ويا هند لا تحدثي الرجال.

قلت: الجمع المضاف ظاهر في العموم، فلا يعدل عنه إلا بدليل، كما في الصور المذكورة، وحيث لا دليل، فهو باق على عمومه، وحيث انتفى عموم الأفراد تعين عموم الأنواع. ولِمَا في المسألة من الإشكال توقف الآمدي، والله أعلم (2).

* * *

(1) ما بين المعكوفتين سقط من (ب) وأثبت بهامشها.

(2)

راجع: الإحكام: 2/ 114، وقد سبق نقل كلامه.

ص: 308