المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل الصدقة - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: الإِخلاص

- ‌الكلمة الثانية: السبعة الذين يظلهم الله في ظله

- ‌الكلمة الثالثة: التوفيق

- ‌الكلمة الرابعة: حسن الخلق

- ‌الكلمة الخامسة: العجلة

- ‌الكلمة السادسة: كتابة الوصية

- ‌الكلمة السابعة: البركة

- ‌الكلمة الثامنة: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه

- ‌الكلمة التاسعة: طول الأمل

- ‌الكلمة العاشرة: فضل القرآن وقراءته

- ‌الكلمة الحادية عشرة: فضل رمضان

- ‌الكلمة الثانية عشرة: فضل الصيام

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: فضل قيام الليل

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: الدعاء - آدابه وموانعه

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل الصدقة

- ‌الكلمة السادسة عشرة: مخالفات يقع فيها بعض الصائمين

- ‌الكلمة السابعة عشرة: فضل العشر الأواخر من رمضان

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: فضل الذكر

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: المواظبة على العبادة

- ‌الكلمة العشرون: سنن العيد

- ‌الكلمة الحادية والعشرون: الرؤيا

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: شاب نشأ في عبادة الله

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: التحذير من الشرك

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: الحياء

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: وقفة مع آيتين من كتاب الله

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: تأملات في قوله تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ}

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: القناعة

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: النهي عن المسألة

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: وقفة مع قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ}

- ‌الكلمة الثلاثون: مقتطفات من سيرة سعد بن معاذ رضي الله عنه

الفصل: ‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل الصدقة

‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل الصدقة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:

فإِنّ من أبواب الخير العظيمة التي رغب فيها الشارع الحكيم وحث عليها، الصدقة.

قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَاتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10].

وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].

وقال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ اللهُ تبارك وتعالى: يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» . وَقَالَ: «يَمِينُ اللهِ مَلأَى، سَحَّاءُ

(1)

لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»

(2)

.

(1)

السح: الصب الدائم، ومعنى لا يغيضها شيء: أي لا ينقصها.

(2)

صحيح البخاري برقم (4684)، وصحيح مسلم برقم (993).

ص: 91

فهذا وعد من الله بالإِنفاق على من أنفق في سبيل الله، والله تبارك وتعالى لا يخلف وعده.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَأَىنِي قَالَ:«هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ» قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ فَلَمْ أَتَقَارَّ

(1)

أَنْ قُمْتُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هُمْ؟ قَالَ:«هُمُ الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً إِلَاّ مَنْ قَالَ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ -، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ»

(2)

.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا نَزَلَتْ:{لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:{لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ شِئْتَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ

(3)

.

قال ابن القيم رحمه الله: «وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه صلى الله عليه وسلم، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان

(1)

فلم أتقار: أي لم يمكنني القرار والثبات.

(2)

صحيح البخاري برقم (6638)، وصحيح مسلم برقم (990).

(3)

صحيح البخاري برقم (1461)، وصحيح مسلم برقم (998).

ص: 92

أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة ويحث عليها ويدعو إليها بحاله وقوله.

ولذلك كان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدرًا، وأطيبهم نفسًا، وأنعمهم قَلبًا، فإِنَّ للصدقة وفعل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر»

(1)

.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي أُحُدًا ذَهَبًا تَاتِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ إِلَاّ دِينَارٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ عَلَيَّ»

(2)

.

ولما سُئِلَ صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أعظمُ، قال:«أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَامُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا، وَلِفُلَانٍ كَذَا، أَلَا وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ»

(3)

.

ومن فضائل الصدقة: أنها إذا كانت من كسب حلال خالصة لوجه الله تعالى، فإِنَّ الله تعالى يقبلها بفضله، ويضاعف ثوابها لصاحبها أضعافًا مضاعفة، والله ذو الفضل العظيم.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَاّ الطَّيِّبَ -، وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ»

(4)

فيأتي المؤمن يوم القيامة، وإذا بحسناته أمثال الجبال فيفرح بثواب الله.

(1)

زاد المعاد (2/ 22 - 23) بتصرف.

(2)

صحيح البخاري برقم (6444)، وصحيح مسلم برقم (991).

(3)

صحيح مسلم برقم (1032) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

صحيح البخاري برقم (1410)، وصحيح مسلم برقم (1014).

ص: 93

ومنها: تكفير السيئات. روى الترمذي في سننه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ»

(1)

.

ومنها: نماء المال وزيادته، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»

(2)

.

ومنها استظلال المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ

منهم: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ»

(3)

.

ويوم القيامة يأتي العالم بعلمه، والمجاهد بجهاده، والمصلي بصلاته، والصائم بصيامه، ويأتي المتصدِّق بالعلم والجهاد والصلاة، والصيام، فهو قد طبع كتبًا للعلماء وقفًا على إخوانه المسلمين، وبنى مسجدًا يصلي فيه المسلمون، وأعان المجاهدين في سبيل الله بماله، وفطَّر الصائمين على نفقته، فيحصل له أجر هؤلاء جميعًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ومنها أن الصدقة تقي العبد كثيرًا من الشرور والمصائب، قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -:«وهذا شيء معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مقرون به؛ لأنهم جربوه، حتى لو كانت هذه الصدقة من ظالم أو كافر فإن الله يدفع عنه بها كثيرًا من الشرور والمصائب»

(4)

.

(1)

سنن الترمذي برقم (2616)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

(2)

صحيح مسلم برقم (2588).

(3)

صحيح البخاري برقم (1423)، وصحيح مسلم برقم (1031).

(4)

الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 50).

ص: 94

قال الشاعر:

مَنْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لَا يُعْدَمْ جَوَازِيَهُ

لَا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاس

ومن أفضل أنواع الصدقة، الصدقة الجارية التي تستمر للعبد بعد وفاته مثل حفر الآبار، وبناء المساجد، وطباعة الكتب، ودعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والأوقاف الخيرية على الفقراء والمساكين ونحو ذلك.

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَاّ مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَاّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»

(1)

.

وعلى المنفق أن يراعي الأمور التالية: الإِخلاص لله عز وجل في صدقته، وأن يحذر من الصدقة بالرديء من طعام أو لباس أو نحو ذلك، أو أن يتبع صدقته المن والأذى، أو أن يبخل بما أعطاه الله، أو أن يحتقر شيئًا من الصدقة، أو أن يرجع في صدقته.

فائدة: ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء أن أويس القرني كان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعًا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانًا فلا تؤاخذني به

(2)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

صحيح مسلم برقم (1631).

(2)

(2/ 87).

ص: 95