المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلمة الرابعة والعشرون: الحياء - الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة - جـ ١

[أمين الشقاوي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلمة الأولى: الإِخلاص

- ‌الكلمة الثانية: السبعة الذين يظلهم الله في ظله

- ‌الكلمة الثالثة: التوفيق

- ‌الكلمة الرابعة: حسن الخلق

- ‌الكلمة الخامسة: العجلة

- ‌الكلمة السادسة: كتابة الوصية

- ‌الكلمة السابعة: البركة

- ‌الكلمة الثامنة: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه

- ‌الكلمة التاسعة: طول الأمل

- ‌الكلمة العاشرة: فضل القرآن وقراءته

- ‌الكلمة الحادية عشرة: فضل رمضان

- ‌الكلمة الثانية عشرة: فضل الصيام

- ‌الكلمة الثالثة عشرة: فضل قيام الليل

- ‌الكلمة الرابعة عشرة: الدعاء - آدابه وموانعه

- ‌الكلمة الخامسة عشرة: فضل الصدقة

- ‌الكلمة السادسة عشرة: مخالفات يقع فيها بعض الصائمين

- ‌الكلمة السابعة عشرة: فضل العشر الأواخر من رمضان

- ‌الكلمة الثامنة عشرة: فضل الذكر

- ‌الكلمة التاسعة عشرة: المواظبة على العبادة

- ‌الكلمة العشرون: سنن العيد

- ‌الكلمة الحادية والعشرون: الرؤيا

- ‌الكلمة الثانية والعشرون: شاب نشأ في عبادة الله

- ‌الكلمة الثالثة والعشرون: التحذير من الشرك

- ‌الكلمة الرابعة والعشرون: الحياء

- ‌الكلمة الخامسة والعشرون: وقفة مع آيتين من كتاب الله

- ‌الكلمة السادسة والعشرون: تأملات في قوله تعالى: {قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ}

- ‌الكلمة السابعة والعشرون: القناعة

- ‌الكلمة الثامنة والعشرون: النهي عن المسألة

- ‌الكلمة التاسعة والعشرون: وقفة مع قوله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ}

- ‌الكلمة الثلاثون: مقتطفات من سيرة سعد بن معاذ رضي الله عنه

الفصل: ‌الكلمة الرابعة والعشرون: الحياء

‌الكلمة الرابعة والعشرون: الحياء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:

فإِنّ من الصفات الحميدة والأخلاق الجميلة التي دعا إليها الشارع: صفة الحياء.

قال تعالى عن موسى عليه السلام عندما سقى للمرأتين: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25] الآية.

روى الإمام أحمد في كتابه الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله: أوصني، قال:«أُوصِيكَ أَن تَستَحِي مِنَ اللهِ كَمَا تَستَحِي رَجُلاً مِن صَالِحِي قَومِكَ»

(1)

.

وروى البخاري في صحيحه من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ»

(2)

. وهذا الحديث فيه دليل على أن الحياء مانع للإِنسان من ارتكاب ما يضره في دينه، أو يخل بأدبه ومروءته، فإِذا فقدت منه هذه الخصلة لم يبال بما صنع.

(1)

الزهد للإمام أحمد (ص: 46)، والشعب للبيهقي (6/ 145 - 146) برقم (7738)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2/ 376) برقم (741).

(2)

صحيح البخاري برقم (6120).

ص: 139

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لَا إِلَهَ إلَاّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»

(1)

.

وكانت العرب في الجاهلية تتحلى بصفة الحياء، فهذا أبو سفيان قبل إسلامه عندما وقف أمام هرقل ملك الروم ليسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر عن نفسه قائلاً: لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذبًا لكذبت عليه.

قال ابن القيم رحمه الله: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا، وهو خاصة الإِنسانية؛ فمن لا حياء فيه ليس معه من الإِنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق - أي الحياء - لم يكرم ضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد أمانه، ولم تقض لأَحدٍ حاجة؛ ولا تحرى الرجل الجميل ففعله والقبيح فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة؛

فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإما دنيوي وهو

حياء فاعلها من الخلق؛ فقد تبيّن أنه لولا الحياء إما من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها

إلى آخر ما قال»

(2)

.

وقال عمر رضي الله عنه: مَن قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ، وَمَن قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلبُهُ

(3)

.

(1)

صحيح البخاري برقم (9)، وصحيح مسلم برقم (35).

(2)

مختصر من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم (ص: 277) نقلاً عن كتاب نضرة النعيم (5/ 1802).

(3)

مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا (ص: 82 - 83) برقم (93).

ص: 140

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ»

(1)

.

قال الشاعر:

إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي

وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ

فَلَا وَاللهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيرٌ

وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ

يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيرٍ

وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

قال ابن القيم رحمه الله: ومن عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه، فقد جاء في الحديث الصحيح:«الْحَيَاءُ لَا يَاتِي إِلَاّ بِخَيْرٍ»

(2)

والمقصود أن الذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية، حتى إنه ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم؛ بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع، ومن استحيا من الله عند معصيته استحى الله من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح الله من عقوبته. اهـ

(3)

.

روى ابن حبان في صحيحه من حديث أسامة بن شريك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا كَرِهَ اللهُ مِنْكَ شَيْئًا فَلَا تَفعَلْهُ إِذَا خَلَوْتَ»

(4)

.

(1)

صحيح البخاري برقم (24)، وصحيح مسلم برقم (36).

(2)

صحيح البخاري برقم (6117)، وصحيح مسلم برقم (37).

(3)

الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (61 - 62).

(4)

صحيح ابن حبان (3 - 4)، وحسنه لغيره الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (2116).

ص: 141

قال القحطاني رحمه الله:

وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ

وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الطُّغْيَان

فَاسْتَحِي مِن نَظَرِ الإِلَهِ وَقُل لَهَا

إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَرَانِي

ومثاله: ما يقوم به بعض الذين يسافرون إلى الخارج لقضاء الشهوات والملذات، ثم يخبر أحدهم بجريمته التي فعل من شرب خمر أو فاحشة؛ أو غير ذلك من المعاصي، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَاّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ»

(1)

.

وهؤلاء لهم نصيب من قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

وهنا أمر ينبغي التنبه له، وهو أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من الحياء، قال تعالى:{وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ} [الأحزاب: 53].

قال الإِمام النووي: قد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يُجله، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإِخلال ببعض الحقوق، والجواب عن هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم: أبو عمرو بن الصلاح، أن هذا المانع ليس من الحياء؛ بل هو عجز وخور ومهانة، فالحياء الحقيقي خلق

(1)

صحيح البخاري برقم (6069)، وصحيح مسلم برقم (2990).

ص: 142

يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. اهـ

(1)

.

وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على إنكار المنكر وأمر بتغييره، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»

(2)

.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1)

شرح صحيح مسلم (1/ 5 - 6).

(2)

صحيح مسلم برقم (49).

ص: 143