الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلمة الحادية والعشرون: الرؤيا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فحديثنا اليوم عن الرؤيا، وسيكون الكلام فيها عن الأمور التالية:
أولاً: فضل الرؤيا ومنزلتها في الشريعة الإِسلامية.
ثانيًا: أقسام الرؤيا وأنها على ثلاثة أقسام.
ثالثًا: تعبير الرؤيا وبعض الفوائد المتعلقة بذلك.
رابعًا: بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في الرؤيا.
خامسًا: أمثلة للرؤيا الصالحة.
أما ما يتعلق بفضل الرؤيا ومنزلتها: فيقول الله تعالى عن يوسف عليه السلام: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف: 6].
وقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَاوِيلِ الأَحَادِيثِ} ، أي: يعلمك تفسير الرؤيا.
روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر؛ فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَاّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»
(1)
.
(1)
صحيح مسلم برقم (479).
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ} [يونس: 64]؛ قال: «هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا المُسلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ»
(1)
.
وروى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ»
(2)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ» أي في آخر الزمان وذلك عند كثرة الفتن، وغربة الدين، وشدة الحاجة إلى المبشرات التي تطمئن بها قلوب المؤمنين، ولذلك قال:«لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا المُؤْمِنِ» فهي خاصة بالمؤمنين.
وقوله: «جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ» ؛ قال بعض أهل العلم: إن مدة النبوة ثلاثة وعشرون سنة منها: نصف سنة، الوحي فيها رؤيا يراها النبي صلى الله عليه وسلم في النوم؛ فيكون ذلك جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَاّ جَاءَتْهُ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ
(3)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث السابق: «أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا» ، دليل على أهمية الصدق، وأن أصدق الناس كلامًا هو أصدقهم رؤيا.
وأما أقسام الرؤيا فهي ثلاثة، روى الترمذي في سننه من حديث
(1)
مسند الإمام أحمد (45/ 502) برقم (27509)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
(2)
سنن الترمذي برقم (2270)، وقال: هذا حديث صحيح، وأصله في الصحيحين.
(3)
صحيح البخاري برقم (6982)، وصحيح مسلم برقم (160).
أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: فَرُؤْيَا حَقٌّ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ»
(1)
.
هذا الحديث بيان من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس كل ما يُرى في المنام من الرؤيا الصالحة، فما يراه الإِنسان في منامه؛ من المفزعات والمزعجات فهو من الشيطان ليحزن المؤمن بذلك، وما يراه مما يعرض له في يومه وليلته فتلك الأحلام، وأحاديث النفس تعرض له في اليقظة فيحلم بها في منامه.
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ»
(2)
.
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ»
(3)
.
أما تعبير الرؤيا، فهو علم شريف خص الله تعالى به بعض أنبيائه، وأوليائه، كمحمد ويوسف عليهما السلام، وممن اشتهر بذلك من الصحابة: أبو بكر. ومن التابعين محمد بن سيرين، وغيرهم من الصالحين في كل زمان ومكان.
ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من رأى رؤيا ألَاّ يقصها على كل أحد.
(1)
سنن الترمذي برقم (2280)، وقال: حديث حسن صحيح، وأصله في الصحيحين.
(2)
صحيح البخاري برقم (7044)، وصحيح مسلم برقم (2262).
(3)
قطعة من حديث في صحيح البخاري برقم (7017)، وصحيح مسلم برقم (2263).
روى أبو داود في سننه من حديث أبي رزين العقيلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
…
وَلَا يَقُصُّهَا إِلَاّ عَلَى وَادٍّ
(1)
أَوْ ذِي رَايٍ»
(2)
.
ومن فوائد ذلك: ألا تعبر الرؤيا تعبيرًا خاطئًا، أو بما يحزن صاحبها.
وأما الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس فيما يتعلَّق بالرؤيا: فنذكر من ذلك ثلاثة أخطاء مهمة.
أولاً: الكذب في الرؤيا بأن يدَّعي أنه رأى كذا وكذا ولم ير ذلك؛ روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ، كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ»
(3)
.
ثانيًا: اعتماد بعض الجهال من الصوفية وغيرهم على الرؤيا في الأحكام الشرعية من تحليل حرام، أو تحريم حلال ونحو ذلك؛ وليس من ذلك أن يعمل العبد عملًا صالحًا فيرى ما يبشره بقبوله أو نفعه.
ثالثًا: ليس كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يكون رآه حقًا حتى يراه على صورته الحقيقية التي كان عليها صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان ابن سيرين رحمه الله إذا قال له أحد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: صف لي الذي رأيت؛ فإن وصفه بصفته الحقيقية قال له: «رَأَيتَ» .
ومن الأمثلة للرؤيا الصالحة: رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من المبشرات لمن رآه؛ روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ رَأَىنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَىنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي»
(4)
.
(1)
أي صاحب مودة.
(2)
جزء من حديث في سنن أبي داود برقم (5020)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 947) برقم (4198).
(3)
صحيح البخاري برقم (7042).
(4)
صحيح البخاري برقم (6994)، وصحيح مسلم برقم (2266) واللفظ له.
ولكن كما تقدم أن يراه على صورته الحقيقية.
ومنها أيضًا رؤيا يوسف عليه السلام؛ كما في الآية: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4].
ومنها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ ابْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»
(1)
.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1)
صحيح مسلم برقم (2270).
طاب: أي كمل واستقرت أحكامه.