الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الثانى) الجماعة
هى ربط صلاة المقتدى بصلاة الإمام. وهى مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمتْ لهم الصلاة فلتقمْ طائفةٌ منهم معك. الآية (1) أمر بها فى الخوف ففى الأمن أولى.
وعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صلاة الرجل فى جماعة تزيد على صلاته فى بيته وصلاته فى سوقه خمساً وعشرين درجة. وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رُفع له بها درجةٌ أو حُط عنه بها خطيئةٌ حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان فى صلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه، والملائكة يصلون على أحدكم مادام فى مجلسه الذى صلى فيه. يقولون: اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه. أخرجه الشيخان وأبو داود وهذا لفظه (2). {53}
وعن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، أخرجه الشافعى والسبعة إلا أبا داود (3). {54}
ولا منافاة بين الروايتين لأن الإخبار بالقليل لا ينفى الكثير. والتخصيص
(1) النساء آية 102.
(2)
ص 92 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة الجماعة) وص 165 ج 5 نووى مسلم. وص 252 ج 4 - المنهل العذب (فضل المشى إلى الصلاة) و (صلاة الرجل فى جماعة) أى ثواب صلاته فى المسجد جماعة، كما يدل عليه مقابلته بالصلاة فى البيت والسوق، وكما يدل عليه قوله فى =الحديث (وأتى المسجد) ومثل الرجل فى ذلك المرأة إذا أبيح لها الخروج إلى المسجد. و (خطوة) بفتح الخاء المعجمة. وهى واحدة الخطأ. ويحتمل أن تكون بالضم. وهى ما بين القدمين (أو حط). وفى رواية وحط عنه (بالواو) فالمعنى أن الخطوة الواحدة يكتب له بها حسنة ويحط عنه بها خطيئة. وهو المناسب لسعة فضل الله تعالى.
(3)
ص 122 ج 1 بدائع المنن. وص 165 ج 5 الفتح الربانى. وص 89 و 90 ج 2 فتح البارى. وص 152 ج 5 نووى مسلم. وص 134 ج 1 مجتبى (فضل الجماعة) وص 187 ج 1 تحفة الأحوذى. وص 137 ج 1 سنن ابن ماجه.
بهذا العدد من أسرار الشريعة التى تقصُر العقول عن إدراكها. والمراد أنه يحصل له من صلاة الجماعة مثل أجر صلاة المنفرد 25 أو 27 مرة.
وهى من خصائص هذه الأمة شرعها الله تعالى لما فيها من التعارف والتآلف وارتباط القلوب وتعوّد الامتثال والصبر والشجاعة وحسن النظام.
ويتعلق بها ثمانية وعشرون فرعاً.
(1)
حكم الجماعة:
هى فى المكتوبات غير الجمعة سنة مؤكدة للرجال عند مالك والشافعى والجمهور. وهو المشهور عند الحنفيين، لحديثى أبى هريرة وابن عمر (1) ووجه الدلالة أن المفاضلة إنما تكون بين فاضلين جائزين، ولو كانت الصلاة فرادى غير مجزئه لما كان لها فضيلة (ولقول) أبى موسى الأشعرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أعظم الناس أجراً فى الصلاة أبعدهم إليها مَمْشى فأبعدهم. والذى ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظمُ أجراً من الذى يصليها ثم ينام. أخرجه الشيخان (2). {55}
والراجح عند الحنفيين أن الجماعة واجبة لمواظبة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليها مع الإنكار على تاركها بلا عذر فى عدة أحاديث (منها) حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع المنادّ فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التى صلى. قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض. أخرجه أبو داود والدار قطنى (3). {56}
" وحديث " أبى هريرة أن رجلا أعمى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال
(1) هما رقم 53 و 54.
(2)
ص 94 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة الفجر فى جماعة) وص 167 ج 5 نووى مسلم (فضل الصلاة المكتوبة فى جماعة).
(3)
ص 239 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 161 سنن الدار قطنى.
يا رسول فقال يا رسول الله إنه ليس لى قائد يقودنى إلى المسجد وسأله أن يرخِّص له فرخّص له. فلما وِّلى دعاه فقال له: هل تسمع النداء؟ قال نعم. قال: فأجب. أخرجه مسلم والنسائى (1). {57}
وهذه أحاديثُ آحاد فتفيد الوجوب لا الفرضية (وقال) أحمد وإسحاق وابن المنذر وأهل الظاهر: صلاة الجماعة فرض عينى فى الصلوات المكتوبة مستدلين:
(أ)" بحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقادم ثم آمُر رجلا فيصلى بالناس ثم أنطلق معى برجال معهم حُزَمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحّرِّقُ عليهم بيوتهم بالنار. أخرجه أبو داود. وكذا أحمد والشيخان بلفظ: إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة (الحديث)(2){58}
(ب)" وبحديث " عمرو بن أمّ مكتوم أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنى رجل ضريرُ البصرِ شاسِعُ الدار ولى قائد لا يلائمنى فهل لى رخصة أن أصلى فى بيتى؟ قال: هِل تسميع النداء؟ قال: نعم. قال: لا أجد لك رخصةً. أخرجه
(1) ص 155 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة) وص 136 ج 1 مجتبى (المحافظة على الصلوات حين ينادى بهن) والأعمى هو عمرو بن أم مكتوم.
(2)
ص 233 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 177 ج 5 الفتح الربانى وص 96 ج 2 فتح البارى (فضل صلاة العشاء فى الجماعة) وص 54 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة فى بيوتهم) و (فأحرق عليهم بالنار) لا يعارضه حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنى كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً بالنار. وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن أخذتموهما فاقتلوهما. أخرجه البخارى ص 71، 72 ج 6 فتح البارى (التوديع عند السفر - الجهاد) لأن النهى عن الإحراق بالنار عام. وحديث الهم بتحريق من تأخر عن الجماعة خاص. وهو لا يعارض العام. وقيل عن التعذيب بالنار كان مشروعاً ثم نسخ.
أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وابن حبان وأحمد وزادا فى رواية: فأتها ولو حبواً (1). {59}
(ج) ويقول ابن مسعود رضى الله عنه: حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادَى بهن فإنهن من سُنن الهدى وإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنَن الهدى، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق بَيِّنُ النفاق. ولقد رأيتنا وإن الرجل ليُهادَى بين الرجلين حتى يُقامَ فى الصف. وما منكم من أحد إلا وله مسجد فى بيته، ولو صليتم فى بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم. ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى. وهذا لفظ أبى داود. وأوله عند غيره: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليْحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس (2){25}
وفيه الحث على حضور صلاة الجماعة وتحمل المشاق فى سبيلها. وأنه إذا أمكن المريضَ ونحوه الوصول إلى المسجد، استجب له حضور الجماعة. (قال) أحمد ومن معه: هذه الأحاديث تدل على أن صلاة الجماعة فرض عين،
(1) ص 241 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 137 ج 1 سنن ابن ماجه (التغليظ فى التخلف عن الجماعة) وص 247 ج 1 مستدرك. وص 423 ج 3 مسند احمد (حديث عمرو ابن أم مكتوم رضى الله عنه).
(2)
ص 382 ج 1 مسند أحمد (مسند عبد الله بن مسعود رضى الله عنه) وص 156 ج 5 نووى مسلم (التشديد فى التخلف عن الجماعة) وص 27 ج 5 - المنهل العذب (التشديد فى ترك الجماعة) وص 136 ج 1 مجتبى (المحافظة على الصلوات حين ينادى بهن) وص 135 ج 1 سنن ابن ماجه (المشى إلى الصلاة) وسنة الهدى، هى ما طلب فعله طلباً غير جازم، ويثاب فاعلها ويساء تاركها كالجماعة والأذان والإقامة. وسنة الزوائد ما يثاب فاعلها ولا يساء تاركها كأحوال النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى لباسه وقيامه وقعوده. و (يهدى) بضم الياء وفتح الدال مبنى للمفعول، أى يمشى بين الرجلين معتمداً عليهما من ضعفه. (وتركمّ سنة نبيكم) أى تركتم طريقته صلى الله عليه وسلم. فإنه كان يواظب على الصلوات الخمس فى المسجد العام ولا يصليها فى بيته إلا لعذر. (لكفرتم) وفى رواية غير أبى داود لضللتم. وهو محمول على التغليظ والتنقير من ترك الجماعة أو محمول على الترك تهاوناً. وقال الخطابى معناه أنه يؤدى بكم إلى الكفر بأن تتركوا عرى الإسلام شيئاً فشيئاً حتى تخرجوا من الملة. ص 159 ج 1 معالم السنن.
ولو كانت فرض كفاية لسقط بفعله صلى الله عليه وسلم ومن معه. ولو كانت سنة ماَهمّ بقتلهم، لأن تارك السنة لا يقتل. فتعين أن تكون فرضاً على الأعيان " ولا يقال " إذا كانت الجماعة واجبة عيناً فكيف يجوز أن يتخلف عناه صلى الله عليه وسلم " لأن تخلفه " كان لتكميل أمر الجماعة فكأنه حاضرها.
وهؤلاء اختلفوا، أهى شرط فى صحة الصلاة أم لا؟ فقال بشرطيتها داود وابن حزم قال: ولا تجزرئ صلاة فرض أحداً من الرجال - إذا كان بحيث يسمع الأذان - أن يصليها إلا فى المسجد مع الإمام. فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته. وإن كان بحيث لا يسمع أذاناً ففرض عليه أن يصلى فى جماعة مع واحد إليه فصاعداً، فإن لم يفعل فلا صلاة له إلا ألا يجد أحداً يصليها معه فيجزئه حينئذ، وإلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة (1).
(وقال) بعض الشافعية والمالكية: إنها فرض كفاية وهو اختيار الطحاوى والكرخى من الحنفيين. ولكن خصه الشافعية بالصلاة المؤداة بخلاف المقضية فالجماعة فيها مستحبة إذا اتفق الإمام والمأموم فيها كأن يفوتهما ظهر. واستدلوا بأدلة القائلين بالوجوب العينى " وصرفها " من فرض العين إلى فرض الكفاية " حديث " صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (2) فإنه يفيد صحة صلاة المنفرد الوجوب المستفاد منها وجوباً كفائياً.
(والظاهر) ما ذهب إليه الجمهور من القول بالسنية، لما فيه من الجمع بين الأدلة وعدم إهمال بعضها. فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب أن الجماعة من السنن المؤكدة التى يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم. وأما أنها فرض عين أو كفاية أو شرط لصحة الصلاة فلا (3).
(1) ص 188 ج 4 - المحلى (المسألة 485).
(2)
تقدم رقم 54 ص 33 (الجماعة).
(3)
ص 138 ج 3 نيل الأوطار (صلاة الجماعة).
(وأجاب) الجمهور عن حديث لهم بتحريقى البيوت بوجوه (منها) أن الحديث ورد فى قوم م المنافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى كما يدل عليه أثر ابن مسعود المتقدم وفيه: ولقد رأيتنا وما يتخلف عناه إلا منافق بيّن النفاق (1)(ومنها) أنه صلى الله عليه وسلم همّ بالتحريق ولم يفعله. ولو كان واجباً لما تركه (ومنها) ما حكاه القاضى عياض من أن فرضية الجماعة كانت أول الإسلام لأجل سد باب التخلف عن الصلاة على المنافقين ثم نسخ الوجوب (قال الحافظ) ويدل على النسخ الأحاديث الواردة فى تفضيل صلاة الجماعة، لأن الأفضلية تقتضى الاشتراك فى أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز (2).
(2)
الجماعة فى غير الصلوات الخمس:
هى عند الحنفيين:
(أ) شرط صحة فى الجمعة والعيدين لما سيأتى فى بحثهما.
(ب) وسنة كفاية فى صلاة التراويح والجنازة.
(ج) ومستحبة فى صلاة الكسوف. وكذا فى وتر رمضان على قول رجحه الكمال ابن الهمام، لما تقدم فى الوتر من أن النبى صلى الله عليه وسلم أوتر بأصحابه ثم بيّن العذر فى تأخره كما صنع فى التراويح. قال العلامة الحلبى الصحيح أن الجماعة فيه أفضل، لأنه لما جازت الجماعة فيه كانت أفضل اعتبارً بالمكتوبة (3).
(د) ومكروهة تنزيهاً فى النفل ووتر غير رمضان إذا كان على سبيل التداعى بأن يكون مع الإمام أربعة فأكثر وإلا فهى مباحة.
وقالت المالكية: الجماعة شرط لصحة الجمعة. وسنة فى العيدين والكسوف والاستسقاء، ومندوبة فى الجنازة، ومستحبة فى التراويح. ومكروهة فى النفل
(1) تقدم رقم 25 ص 36.
(2)
ص 87 ج 2 فتح البارى الشرح (وجوب صلاة الجماعة).
(3)
ص 420 غنية المتملى فى شرح منية المصلى (صلاة الوتر).
المطلق إذا كان الجمع كثيراً مطلقاً أو قليلا بمكان مشهور كالمسجد وإلا جازت.
(وقالت) الشافعية: الجماعة فرض عين فى الركعة الأولى من الجمعة. وفى كل الصلاة المعادة، وفى المجموعة جمع تقديم لمطر وفى المنذورة جماعتها ومندوبة فى العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان وفى صلاة مقضية خلف مثلها من نوعها كظهر خلف ظهر. ومباحة فى غير ما ذكر من النوافل. وسنة فى صلاة الجنازة.
(وقالت) الحنبلية: الجماعة شرط لصحة صلاة الجمعة والعيد وسنة لصلاة الجنازة والاستسقاء والتراويح ومباحة فى التهجد والرواتب.
(تنبيه) علم أن الجماعة فى النفل المطلق مباحة عند الأئمة الأربعة. لكن محله عند الحنفية والمالكية إذا لم تكن على سبيل التداعى " لقول " أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم حَرام فأتوه بسَمُن وتمر فقال: ردوا هذا فى وعائه وهذا فى سقائه فإنى صائم. ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً فأقامنى عن يمينه على بِساط، وقامت أمُّ سليم وأم حرام خلفنا أخرجه أبو داود (1){58}
" ولقول " ابن عباس: بتُّ فى بيت خالتى ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فأطلق القِرْبَة فتوضأ ثم أوكى القربة ثم قام إلى الصلاة. فقمت فتوضأت كما توضأ ثم جئت فقمتٌّ عن يساره فأخذنى بيمينه فأدارنى من ورائه فأقامنى عن يمينه فصليت معه. أخرجه السبعة إلا الترمذى وهذا لفظ أبى داود (2). {59}
(1) ص 335 ج 4 - المنهل العذب (الرجلان يؤم أحدهما الآخر كيف يقومان).
(2)
ص 268 ج 5 - الفتح الربانى. وص 131 ج 2 فتح البارى (يقوم عن يمين الإمام بحذائه) وص 44 = ج 6 نووى مسلم (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل) وص 339 ج 4 - المنهل العذب. وص 129 ج 1 - مجتبى (موقف الإمام والمأموم صبى) وص 159 ج 1 سنن ابن ماجه (الاثنان جماعة)(فأطلق القربة) أى حل وذكاءها (ثم أوكى القربة) أى شد فمها بالوكاء وهو الحبل.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: تباح الجماعة فى النفل المطلق ولو كثر الجمع، لظاهر قول محمد بن الربيع: سمعت عتْبَان بنَ مالك الأنصارىَ قال: استأذن النبى صلى الله عليه وآله وسلم فأَذنتُ له فقال: أين تحبَ أن أصلىَ من بيتكَ؟ فأشرتُ له إلى المكان الذى أحبّ فقام وصفَفَنَا خلفه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا. أخرجه البخارى (1). {60}
(3)
جماعة النساء:
اختلف العلماء فى حكمها (قالت) الشافعية والحنبلية: تستحب الجماعة لنساء اجتمعن منفردات عن الرجال سواء أكان إمامهن منهن أم لا. وهو رواية عن مالك وحكاه ابن المنذر عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثورى والأوزاعى وإسحاق وأبى ثور " لقول " رائطة الحنفية أمتنا عائشة فقامت بيننا فى الصلاة المكتوبة. أخرجه الدار قطنى والبيهقى. وعبد الرازق فى مصنفه بسند صحيح (2). {26}
وعن إبراهيم النخعى عن عائشة أنها كانت تؤم النساء فى رمضان تطوعاً وتقوم فى وسط الصف. أخرجه أبو يوسف ومحمد فى كتاب الآثار (3){27}
" ولقول " حُجَيْرة بنت حُصين: أمّتنا أمّ سلمةَ فى صلاة العصر فقامت بيننا. أخرجه الدار قطنى والبيهقى وابن أبى شيبة وعبد الرازق والشافعى فى مسنده بسند صحيح (4). {28}
(وروى) الوليد بن جُمَيع عن ليلى بنت مالك عن أم وَرَقة الأنصارية أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: انطلقوا بنا إلى الشهيدة فنزورها وأمر
(1) ص 118 ج 2 فتح البارى (إذا زار الإمام قوماً فأمهم).
(2)
ص 155 سنن الدار قطنى وص 131 ج 3 - السنن الكبرى (المرأة تؤم النساء).
(3)
رقم 212 ص 41 - الآثار. وص 31 ج 2 نصب الراية.
(4)
ص 155 سنن الدار قطنى. وص 131 ج 3 - السنن الكبرى. وص 129، 130 ج 1 بدائع المنن.
أن يؤذّنَ لها ويُقامَ وتؤُمّ أهلَ دراها فى الفرائض. أخرجه البيهقى والحاكم وقال: قد احتج مسلم بالوليد بن جميع (1). {61}
(وقال) الحنفيون: تكره جماعة النساء وحدهن، فإن فعلنَ يقف الإمام وسطهن وجوباً، لفعل عائشة وأم سلمة ذلك حين كانت جماعتهن مستحبة، ثم نسخ الاستحباب. ومال الكمال ابن الهمام إلى جواز جماعتهن بدون كراهة لأنه لا دليل على النسخ. وعليه فلا كراهة فى قيام إمامهن وسطهن.
(وقال) الحسن البصرى والمالكية: لا تجوز جماعة النساء فى فرض ولا نفل. ولا دليل عليه (وقال) الشعبى والنخعى وقتادة: تجوز إمامة المرأة فى النفل دول الفرض. ويرده ما تقدم عن عائشة وأم سلمة وأم ورقة.
(وقال) داود والمزنى والطبرى: تجوز إمامة المرأة ولو للرجال، لظاهر حديث عبد الرحمن بن خَلاّد عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزورها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها. قال عبد الرحمن: وأنا رأيت مؤذّنها شيخاً كبيراً. أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة (2). {62}
(وأجاب) الجمهور بأنه ليس صريحاً فى أن المؤذن صلى خلفها، لاحتمال أنه أذن ثم ذهب إلى المسجد ليصلى فيه.
ومما تقدم أن الراجح القول بجواز إمامة المرأة للنساء فقط بلا كراهة وتقف وسطهن (قال) أبو الطيب محمد شمس: الحق بعد ذكر الروايات السابقة وهذه الروايات كلها تدل على استحباب إمامة المرأة للنساء فى الفرائض
(1) ص 130 ج 3 - السنن الكبرى (إثبات إمامه المرأة) وص 203 ج 1 مستدرك.
(2)
ص 313 ج 4 - المنهل العذب (إمامة النساء).
والنوافل. وهذا هو الحق وبه يقول الشافعى والأوزاعى والثورى وأحمد وأبو حنيفة وجماعة (1).
(4)
حضور النساء المساجد:
يجوز للنساء حضور الجماعة بالمساجد إذا خرجن متسترات غير متبرجات ولا متطيبات ولا متحليات بما يثير الفتنة وعدمُ حضورهن أفضل " لحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا نساءكم المساجد ويبوتهن خير لهنّ. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى وابن خزيمة (2). {63}
" ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تمنعوا إماء الله مساجدَ الله. وليخرُجن وهنّ تَفِلاتٌ. أخرجه الشافعى وأحمد وأبو داود والبيهقى والدارمى بسند جيد. وأخرج مسلم صدره عن ابن عمر (3). {64}
(وقالت) أم حميد: يا رسول الله إنى أحب الصلاةَ معك. قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معى وصلاتك فى بيتك خير لك من صلاتك فى دارك وصلاتك فى دارك خير لك من صلاتك فى مسجد قومك وصلاتك فى مسجد قومك خير لك من صلاتك فى مسجدى. (الحديث) أخرجه أحمد وابن حبان وابن خزيمة بسند رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سُويدٍ الأنصارى وثقه ابن حبان (4). {65}
(1) ص 155 - التعليق المغنى على سنن الدار قطنى.
(2)
ص 195 ج 5 الفتح الربانى. وص 265 ج 4 - المنهل العذب (خروج النساء إلى المسجد). وص 131 ج 3 - السنن الكبرى (خير مساجد النساء قعر بيوتهن).
(3)
ص 127 ج 1 بدائع المنن. وص 193 ج 5 - الفتح الربانى. وص 263 ج 4 المنهل العذب. وص 134 ج 3 - السنن الكبرى (المرأة تشهد المسجد لا تمس طيباً). وص 293 ج 1 سنن الدرامى (النهى عن منع النساء عن المساجد) وص 161 ج 4 نوى مسلم (خروج النساء إلى المساجد) والإماء جمع أمة. والمراد بها هنا المرأة ولو حرة. والنهى للتنزيه لقوله فى حديث ابن عمر: وبيوتهن خير لهن. و (تفلات) جمع تفلة بفتح فكسر وهى المرأة تترك الطيب والزينة. يقال: تفلت المرأة من بابا تعب إذا أنتن ريحها.
(4)
ص 198 ج 5 - الفتح الربانى. وص 33 ج 2 مجمع الزوائد (خروج النساء إلى المساجد) والمراد بالبيت المسكن الخاص بالمنزل كحجرة النوم. وبالحجرة غرفة الاستقبال. وبالدار الصالة تكون فيها أبواب الحجرات.
فجواز خروجهن إلى المساجد مشروط بأمن الفتنة، وإلاُ منِعْنَ الخروج كما هو الحال فى زماننا (قالت عائشة) رضى الله عنها: لو أدْرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساءُ بعده لمنعَهُنّ المسجد كما مُنِعَه نساء بنى إسرائيل. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى (1). {29}
قال البدر العينى: لو شاهدتْ عائشة ما أحدث نساءُ هذا الزمان من أنواع البدع والمنكرات لكانت أشدّ إنكاراً ولاسيما نساء مصر، فإنهن أحدثن من البدع والمخالفات ما لا يوصف. منها الشاشات على رءوسهن كأسنمة البُخْت المائلة. ومنها مشيهن فى الأسواق فى ثياب فاخرة وهن متبخرات متعطرات مائلات متزاحمات مع الرجال مكشوفات الوجوه (2) وقد تحقق فيهن قول النبى صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرَهما: قوم معهم سِياط كأذناب بالقر يضربون بها الناسَ. ونساء كاسيات عاريات مُميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخُلْن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. أخرجه مسلم عن أبى هريرة (3). {66}
وهو من أعلام نبوته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الظاهرة.
وقال النووى: قوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " وشبههه من أحاديث الباب ظاهرة فى أنها لا تمنع المسجد لكن بشرط إلا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يُسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ولا نحوها ممن يفتتن بها، وألا يكون فى الطريق ما يخاف
(1) ص 201 ج 5 - الفتح الربانى. وص 238 ج 2 فتح البارى (خروج النساء إلى المساجد) وص 163، 164 ج 4 - نووى مسلم. وص 268 ج 4 - المنهل العذب (التشديد فى ذلك) أى فى خروجهن إلى المساجد. وص 133 ج 3 - السنن الكبرى.
(2)
ص 158 ج 6 عمدة القارى.
(3)
ص 109 ج 14 نووى مسلم (النساء الكاسيات العاريات .. اللباس).
منه مفسدة ونحوها. وهذا النهى للتنزيه إذا كان للمرأة زوج ووجدت الشروط. وإن لم يكن لها زوج حرم المنع إذا وجدت الشروط (1).
وعلى هذا اتفقت كلمة العلماء لما تقدم " ولقولِ " أبى هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّما امرأةٍ أصابت بخوراً فلا تشهَدَنّ عشاء الآخِرةِ. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى (2). {67}
والتقييد بالعشاء لأنه وقت ظلمه فيكثر فيه الفسق والفجور. وإلا فكل صلاة كذلك إذا خيفت الفتنة من حضورها.
(5)
ما نحقق به الجماعة:
تنعقد الجماعة فى غير الجمعة - عند الحنفيين والشافعى - بواحد مع الإمام ولو امرأة أو صبياً مميزاً فى مسجد أو غيره فى الفرض وغيره " لحديث " أبى إمامة الباهلى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اثنان فما فوقهما جماعة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه مسلمة بن علىّ وهو ضعيف. وأخرجه ابن ماجه والبيهقى والدار قطنى عن أبى موسى الأشعرى بسند ضعيف. والدار قطنى عن ابن عمرو بن العاص. وفى سنده متروك (3). {68}
وقال إبراهيم النخعى: الرجل مع الرجل جماعة، لهما التضعيف خمساً وعشرين. أخرجه ابن أبى شيبة. {29}
" وقال " ابن عباس: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه عن يساره فأخذنى فأقامنى عن يمينه وأنا يومئذ ابن عشر سنين. أخرجه أحمد (4). {69}
(1) ص 161 ج 4 شرح مسلم (خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة ولا تخرج متطيبة).
(2)
ص 201 ج 5 - الفتح الربانى. وص 163 ج 4 نووى مسلم (خروج النساء إلى المساجد). وص 133 ج 3 - السنن الكبرى (المراة تشهد المسجد للصلاة لا تمس طيباً).
(3)
ص 45 ج 2 مجمع الزوائد (من تحصل بهم فضيلة الجماعة) وص 159 ج 1 سنن ابن ماجه (الاثنان جماعة) وص 69 ج 3 - السنن الكبرى (الاثنان فما هو فوقهما جماعة) وص 105 سنن الدار قطنى.
(4)
ص 364 ج 1 مسند أحمد (مسند عبد الله بن العباس).
(وقال) شر حبيل: سمعتُ جابر بن عبد الله يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى المغرب فجئت فقمت عن يساره فأقامنى عن يمينه. أخرجه ابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة فى صحيحهما. وشر حبيل ضعفه غير واحد، واتهم بالكذب لكن ذكره ابن حبان فى الثقات (1). {70}
وكانت عائشة يؤمها عبدُها ذكوانُ من المصحف. ذكره البخارى معلقاً (2). {30}
(وقالت) الحنبلية تنعقد الجماعة بالصبى المميز فى النفل دون الفرض. وهو رواية عن مالك، لظاهر حديث ابن عباس السابق. وردّ بأن الأصل عدم التفرقة بين الفرض والنفل (وقالت) المالكية: لا تعقد الجماعة بصبى لا فى الفرض ولا فى النفل. ويرده حديث ابن عباس السابق.
(أما الجمعة) فسيأتى بيان ما تتحقق به جماعتها فى بحثها إن شاء الله تعالى.
(6)
ما تدرك به الجماعة:
يدرك فضل الجماعة بإدراك جزء منها مع الإمام قبل السلام. فمن أحرم قبل الإسلام إمامه فقد أدرك فضل الجماعة ولو لم يقعد معه فى الجمعة وغيرها عند أبى حنيفة وأبى يوسف والجمهور وبعض المالكية، لعموم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَون وأتوها تمشُون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا. أخرجه الشافعى والسبعة (3). {71}
(1) ص 159 ج 1 سنن ابن ماجه (الاثنان جماعة).
(2)
ص 127 ج 2 فتح البارى (إمامة العبد).
(3)
ص 146 ج 1 بدائع المنن. وصدره: إذا سمعتم الإقامة. وص 209 ج 5 - الفتح الربانى. وص 266 ج 2 فتح البارى (المشى إلى الجمعة) وص 98 ج 5 نووى (إتيان الصلاة بوقار وسكينة) وص 271 ج 4 - المنهل العذب (السعى إلى الصلاة). وص 138 ج 1 مجتبى (السعى إلى الصلاة) وأوله: إذا أتيتم الصلاة. وآخره: وما فاتكم فاقضوا. وص 271 ج 1 تحفة الأحوذى (فى المشى إلى المسجد) وص 135 ج 1 سنن ابن ماجه (المشى إلى الصلاة) و (عليكم السكينة) بالنصب أى ألزموها. ولكن المشهور فى الرواية الرفع على أن الجملة فى موضع الحال.
وهو بعمومه بتناول الجمعة وغيرها (وقالت) الشافعية وأحمد ومحمد بن الحسن: هو خاص بغير الجمعة. أما الجمعة فلا تدرك فيها الجماعة إلا بإدراك ركعة مع الإمام. لما روى يحيى بن المتوكل عن صالح بن أبى الأخضر عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك من الجمعة ركعة فليْصلِّ إليها أخرى، فإن أدركهم جلوساً صلى أربعاً. أخرجه البيهقى والدار قطنى. ويحيى وصالح ضعفهما غير واحد فلا يقبل ما زيد فى روايتهما من قوله: فإن أدركهم الخ. أخرجه ابن ماجه بغير هذه الزيادة وفى سنده عمر بن حبيب وقد اتفقوا على ضعفه. وأخرجه الحاكم من ثلاث طرق وقال: أسانيدها صحيحة "ورد" بأن فى أحدها صالح بن أبى الأخضر وقد ضعفه غير واحد. وفى أخرى حيى بن أيوب. وهو متروك لا يحتج به، وقال النسائى ليس بالقوى (1). {72}
" ولقول " ابن مسعود: إذا أدركتَ ركعة من الجمعة فأضف إليها أخرى فإذا فاتك الركوع فصلّ أربعاً.
أخرجه البيهقى. وأخرج نحوه عن ابن عمر (2). {31}
(ومشهور) مذهب المالكية أنه لا يدرك فضل الجماعة فى الجمعة وغيرها إلا بإدراك ركعة مع الإمام، لمفهوم حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة. أخرجه أحمد والأربعة والبيهقى. وأخرجه مسلم بلفظ: من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة. وفى رواية للنسائى: فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضى ما فاته (3). {73}
(1) ص 203 ج 3 - السنن الكبرى (من أدرك ركعة من الجمعة) وص 167 سنن الدار قطنى وص 187 ج 1 سنن ابن ماجه (من أدرك م لجمعة ركعة). وص 291 ج 1 مستدرك.
(2)
ص 204 ج 3 - السنن الكبرى.
(3)
ص 107 ج 6 - الفتح الربانى. وص 290 ج 6 - المنهل العذب (من أدرك من الجمعة ركعة) وص 210 ج 1 مجتبى (من أدرك ركعة من صلاة الجمعة) وص 371 ج 1 تحفة الأحوذى (فيمن يدرك من الجمعة ركعة) وص 179 ج 1 سنن ابن ماجه. وص 104 ج 5 نووى مسلم (من أدرك ركعة من الصلاة - المساجد).
بقوله: إلا أنه يقضى ما فاته، اتضح معنى الحديث، لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركاً كل الصلاة بحيث تبرأ ذمته: منها، فلابد من إضمار تقديره: فقد أدرك فضل الجماعة بإدراك ركعة مع الإمام. ولا دليل لهم فى الحديث، لاحتمال أن المعنى أدرك وقتها فيكون من أدرك ركعة فى الوقت فقد أدركها أداء ولو أتمها خارج الوقت: أو المراد أدرك حكمها فيما يفوته من سهو الإمام ولزوم الإتمام والوجوب فيكون الحديث محمولا على أرباب الأعذار. فمن زال عذره من نحو حيض أو جنون وقد بقى من الوقت ما يسع ركعة وجبت عليه تلك الصلاة.
(7)
تفاوت الجماعة فى الفضل:
أصل فضل الجماعة يحصل بأقلها وفى أى مكان. فيجوز عند الجمهور فعلها فى البيت والصحراء (لحديث) جابر أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: أعطيت خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلى: نُصِرْتُ بالرُّعب مسيرة شهر، وجُعِلتْ الأرضٌ لأمتى طَهوراً ومسجداً، فأيما رجلٍ من أمتى أدركته الصلاة صلى حيث كان (الحديث) أخرجه الشيخان (1). {74}
وعن بعض الحنبلية أن تأديتها فى المسجد واجب على من كان قريباً منه " لحديث " جابر وأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة لجار المسجد إلا فى المسجد. أخرجه الدار قطنى بسند ضعيف. وأخرجه الحاكم من حديث أبى هريرة وقال: وقد صحت الرواية عن أبى موسى: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له (2). {75}
(وأجاب) الجمهور بأنه لا يعرف مرفوعاً إنما هو من قول على رضى الله عنه. وعلى فرض رفعه فليس له إسناد ثابت. قاله ابن حجر فى تخريج الرافعى (3)
(1) تقدم رقم 458 ص 312 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (التيمم).
(2)
ص 161 سنن الدار قطنى. وص 246 ج 1 مستدرك.
(3)
ص 431 ج 6 فيض القدير للمناوى.
وعلى فرض ثبوته فالمراد من النفى نفى الكمال والفضيلة. فإن الأخبار الصحيحة صريحة فى أن الصلاة فى غير المساجد صحيحة.
هذا. ويكثر فضل الجماعة ويتزايد ثوابها بأمور أربعة:
(الأول) كثرة العدد: فكلما كثر عدد المصلين فيها زاد الثواب " لقول " أبىّ بن كعب: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبحَ فقال: أشاهدٌ فلان؟ قالوا لا. قال: أشهد فلان؟ قالوا لا. قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلواتِ على المنافقين. ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حَبواً على الركب. وإن الصف الأولَ على مِثْلَ صفِّ الملائكة ولو علمتم ما فى فضيلته لا بتدر تموه. وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاتُه مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل. وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى والبيهقى، وابن حبان وابن خزيمة فى صحيحهما، وصححه ابن السكن والعقيلى والحاكم وابن معين (1). . {76}
ففيه دليل على أن الصلاة فى المسجد الذى يكثر جمعه أفضل. ويستثنى منه مسألتان.
(1) ص 170 ج 5 الفتح الربانى. وص 244 ج 4 - المنهل العذب (فضل صلاة الجماعة) وص 135 ج 1 مجتبى (الجماعة إذا كانوا اثنين) وص 61 ج 3 - السنن الكبرى (فضل صلاة الجماعة) والرماد (بهاتين الصلاتين) صلاة الصبح وصلاة العشاء. كما فى البيهقى. وهو يدل على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين. قال تعالى " ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى " وأثقلها عليهم الصبح والعشاء لأنهما مظنة التهاون والتكاسل، فإنهما يؤديان فى وقت غفلة لا ينتهض لله عز وجل فيهما من فراشه ويترك لذيذ نومه إلا مؤمن تقىّ، ولأنهما يؤديان فى ظلمة الليل وداعى الرياء الذى يصلى لأجله المنافقون، منتف لعدم مشاهدة من يراءونه من الناس إلا القليل، وليس لهم داع دينى يبعثهم ويسهل عليهم الإتيان لهما فانتفى عنهم الباعث الدينى والدنيوى. و (على مثل صف الملائكة) أى أن الصف الأول فى إتمامه واعتدال ونزول الرحمة على أهله كصف الملائكة يصطفون لعبادة الله تعالى، أو أن أهل الصف الأول فى القرب من رحمة الله وبعد الشيطان عنهم، لهم فضل وأحر مثل فضل وأجر الملائكة. و (أزكى) اى أكثر ثواباً وأبلغ فى تكفير الذنوب .. و (ما كثر الخ) أى والصلاة التى كثر فيها المصلون أكثر ثواباً (ومحبه الله) كناية عن الرحمة والإحسان.
(أ) إذا تعطل مسجد بغيبة واحد أو جماعة، فالصلاة فيه أفضل وإن قل جمعه.
(ب) إذا كان إمام مسجد الأكثر مبتدعاً، فالصلاة فى غيره أفضل وإن قل جمعه.
(الثانى) بعدُ المنزل عن المسجد: كلما كان المنزل أبعد كان الثواب أكثر، لما فيه من كثرة الخطأ "ولحديث" أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الأبعدُ فالأبعدُ من المسجد أعظم أجراً. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه (1). {77}
" ولحديث " سعيد بن المسيب عن رجل من الصحابة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولا يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عنه سيئة فليقرِّب أحدكم أو ليبعِّد فإن أتى المسجد فصلى فى جماعة غُفِر له. فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضاً وبقى بعضٌ، صلى ما أدرك وأتم ما بقى كان كذلك. فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كذلك. أخرجه أبو داود والبيهقى (2){78}
(1) ص 306 ج 5 - الفتح الربانى. وص 247 ج 4 - المنهل العذب (فضل المشى إلى الصلاة) وص 136 ج 1 سنن ابن ماجه (الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجراً) وص 64، 65 ج 3 - السنن الكبرى (فضل بعد المشى إلى المسجد).
(2)
ص 261 ج 4 - المنهل العذب (الهدى فى المشى إلى الصلاة). وص 69 ج 3 - السنن الكبرى (من خرج يريد الصلاة فسبق بها)(فليقرب أو ليبعد) بضم ففتح فشد الراء والعين مكسورتين، أى فليقرب قدمه اليمنى من اليسرى إن أراد كثرة الحسنات أو يباعد بينهما إن لم يرد ذلك، أو المراد ليقرب مسكنه من المسجد فتقل خطاه فيقل أجره، وليباعد سكنه من المسجد فيكثر خطاه ويزداد أجره. ففيه تسلية للقاطنين البعيدين عن المسجد بكثرة الثواب المترتب على كثرة الخطأ حتى لا يحزنوا لبعدهم عنه، وقد يستأنس لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم فى حديث = أبى موسى: إن أعظم الناس أجراً فى الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم: تقدم رقم 55 ص 34 (حكم الجماعة) والأمر فى فليقرب للإتاحة. والمراد بقوله: أو ليبعد، النهى والزجر كما يقول الرجل لابنه وهو يتمرد عليه: افعل ما شئت، وليس مراده بالأمر التمرد بل الزجر عن ذلك.
" ولقول " جابر بن عبد الله: كانت ديارنا نائية عن المسجد فأردنا أن نبيع بيوتنا فنقتربَ من المسجد فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لكم بكل خطوة درجة. أخرجه مسلم (1). {79}
" ولا تعارض " بين هذه الأحاديث وحديث حذيفة بن اليمان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازى على القاعد. أخرجه أحمد وحسنه المناوى وصححه السمِوطى (2). {80}
" لأن " هذا وارد فى فضل البيت القريب من المسجد، وأحاديث الباب فى فضل المشى إلى المسجد، فالبعيد داراً مشيه أكثر وثوابه أعظم والبيت القريب أفضل. وقيل أحاديث الباب محمولة على من لم تتوقف عليه الجماعة ولا مصلحةُ المسجد. وحديث حذيفة محمول على من تتوقف عليه الجماعة أو مصلحة المسجد من إمام وغيره فسكناه قريباً من المسجد أفضل من بعده عنه. ولذا كانت مساكن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورؤساء الصحابة كأبى بكر قريبة من المسجد، أو لقربه مزية أخرى وهى التمكن من ملازمة المسجد وكثرة التعبد فيه. فلكل مِنْ قُرب المسجد وبعده مزية خاصة.
(الثالث) الصلاة فى الفلاة: ومما يزيد فى فضل الجماعة تأديتها فى الفلاة وهى الأرض المتسعة التى لا ماء فيها " لحديث " أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الصلاةُ فى جماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها فى فلاة فأتمّ ركوعَها وسجودها بلغت خمسين صلاة.
(1) ص 168 ج 5 نووى مسلم (فضل كثرة الخطأ إلى المساجد).
(2)
ص 387 ج 5 مسند أحمد (حديث حذيفة بن اليمان رضى الله عنه).
أخرجه أبو داود والحاكم وصححه (1). {81}
وهو يدل على أفضلية الصلاة فى الفلاة مع تمام الركوع والسجود وأنها تعدل خمسين صلاة فى جماعة. وعليه فالصلاة فى الفلاة تعدل خمسين ومائتين وألف صلاة فى غير جماعة. وهذا على فرض أن المصلى فى الفلاة صلى منفرداً فإن صلى فى جماعة تضاعف العدد المذكور بحسب تضاعف صلاة الجماعة على الانفراد. وفضل الله واسع (وقد ورد) فى فضل الصلاة فى الصحراء أحاديث أخَر "كحديث" عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يعَجْب ربك من راعى غنم فى رأس شَظِيَّةٍ بجبل يؤذن بالصلاة ويصلى فيقولُ الله عز وجل: انظروا إلى عبدى هذا يُؤذّن ويقيم الصلاةَ يخاف منى قد غفرت لعبدى وأدخلته الجنة. أخرجه أبو داود والنسائى (2). {82}
(والحكمة) فى اختصاص صلاة الفلاة بهذه المزّية أن المصلىَ فيها يكون فى الغالب مسافراً. والسفر مظِنَّة المشقة فإذا صلاها المسافر مع حصول المشقة تضاعفت إلى ذلك المقدار. وأيضاً الفلاة فى الغالب من مواطن الخوف والفزع لما جبلت عليه الطباع البشرية من التوحّش عند مفارقة النوع الإنسانى، فالإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلا من بلغ فى التقوى إلى حد يقصر عنه كثير من أهل الإقبال والقبول. وأيضاً فى مثل هذا الموطن تنقطع الوساوس التى تقود إلى الرياء فإيقاع الصلاة فيها شأن أهل الإخلاص (ومن) ها هنا كانت صلاة الرجل فى البيت المظلم الذى
(1) ص 255 ج 4 - المنهل العذب (فضل المشى إلى الصلاة) وص 208 ج 1 مستدرك (فإذا صلاها فى فلاة) أى إذا صلى الصلاة المعلومة من السياق وهى الصلاة فى جماعة كما قال ابن رسلان.
(2)
ص 56 ج 7 - المنهل العذب (الأذان فى السفر) وص 108 ج مجتبى (الأذان لمن يصلى وحده) و (شظية) بفتح الشين وكسر الظاء وشد الياء، أى قطعة مرتفعة فى رأس الجبل.
لا يراه فيه أحد إلا الله عز وجل أفضل الصلوات على الإطلاق. وليس ذلك إلا لانقطاع حبائل الرياء الشيطانية التى يقتنص بها كثيراً من المتعبدين. فكيف لا تكون صلاة الفلاة مع انقطاع تلك الحبائل وانضمام ما سلف إلى ذلك بهذه المنزلة؟
(الرابع) الصف الأول: وهو الذى يلى الإمام ولو تخللته مقصورة ونحوها على الصحيح الذى يقتضيه ظاهر الأحاديث. والصلاة فيه أفضل لأن الله تعالى ينزل رحمته أولا على أهل الصف الأول والملائكة تستغفر لهم. ولأنهم حازوا فضيلة السبق والقرب من الإمام. وقد ورد فى ذلك أحاديث " كحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: خيرُ صفوف الرجال أولها وشرها آخرها. وخيرُ صفوف النساء آخرها وشرها أولها أخرجه السبعة إلا البخارى وقال الترمذى حديث حسن صحيح (1). {83}
وإنما كان خير صفوف النساء آخرها لما فيه من بعدهن عن الرجال بخلاف الصف الأول من صفوفهن فإنه مظنة المخالطة وتعلق قلوبهن بالرجال. " وحديث " النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأولى. أخرجه أحمد والبزار بسند رجاله ثقات (2). {84}
" وحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال قوم
(1) ص 307، 308 ج 5 - الفتح الربانى. وص 159 ج 4 نوى مسلم (تسوية الصفوف وفضل الأول فالأول) وص 69 ج 5 - المنهل العذب (صف النساء وكراهة التأخر عن الصف الأول) وص 131 ج 1 مجتبى (خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال) وص 192 ج 1 تحفة الأحوذى (فضل الصف الأول) وص 162 ج 1 سنن ابن ماجه (صفوف النساء).
(2)
ص 319 ج 5 - الفتح الربانى. وص 91 ج 2 مجمع الزوائد (فى الصف الأول).
يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله فى النار. أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى. وأخرجه مسلم من حديث أبى سعيد بلفظ: لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله (1). {85}
ففى هذه الأحاديث الترغيب فى المبادرة إلى الصف الأول، لما فيه من كامل الثواب. لكن محله ما لم يترتب على الدخول فيه ضرر، وإلا فلا ثواب فيه بل من تأخر عنه خشية الإضرار فله أجر زائد على الصف الأول " لحديث " ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذى أحداً أضعف الله له أجر الصف الأول. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده نوح بن أبى مريم وهو ضعيف (2). {86}
(8)
شروط الجماعة:
هى قسمان: ما يتعلق بالإمام، وما يتعلق بالمأموم.
(أ) فيشترط فى إمام الرجال الأصحاء تسعة شروط:
(الأول) الإسلام: وهو شرط عام، فلا تصح إمامة الكافر إجماعاً.
(الثانى) العقل: فلا تصح إمامة المجنون المطبِق جنونهُ، والسكران المعتوه أما من يُجنّ ويُفيق فتصح إمامته حال إفاقته.
(1) ص 70 ج 5 المنهل العذب (كراهة التأخر عن الصف الأول) وص 103 ج 3 - السنن الكبرى. وص 158 ج 4 نووى مسلم (تسوية الصفوف .. وفضل الأول فالأول). وتأخيرهم فى النار بعدم إخراجهم منها أولا، او عدم إدخالهم الجنة مع السابقين. وقلا النووى: يتأخرون عن الصفوف الأول حتى يؤخرهم الله عن رحمته وعظيم فضله ورفيع المنزلة وعن العلم ونحو ذلك ولعل هذا التشديد فى حق م أداه تأخيره عن الصف الأول إلى ترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، وإلا فمن أداها فى غير الصف الأول أو صلاها منفرداً لا يستحق دخول النار
(2)
ص 95 ج 2 مجمع الزوائد (من ترك الصف الأول مخافة أن يؤذى غيره).
(الثالث) البلوغ: فلا تصح إمامة الصبى ولو مراهقاً للرجال لا فى فرض ولا فى نفل عند الحنفيين "لحديث" على رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: رُفِع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يبلغ (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود (1). {87}
فإنه يفيد أن الصبى غير مكلف وصلاته نافلة فلا يجوز الاقتداء به ولأن الإمام ضامن وليس الصبى من أهل الضمان، لأنه غير مكلف فأشبه المجنون والإمامة ولاية والصبى ليس من أهلها فأشبه المرأة (وقالت) المالكية والحنبلية: لا تصح إمامة صبى بالغ فى الفرض. وفى النافلة روايتان.
(وقال) الحسن البصرى والثورى وإسحاق: تصح إمامة الصبى للبالغ فى الفريضة والنافلة. وبه قالت الشافعية إلا فى الجمعة إذا كان الإمام من العدد الذى لا تصح إلا به، فإنه يشترط أن يكون الإمام بالغاً. وهذا التفضيل لا دليل عليه.
ويدل على جواز إمامة الصبى مطلقاً (قول عمرو) بن سلِمة: كنا بحاضرٍ يمرّ بنا الناس إذا أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا مروا بنا فأخبرونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، وكنت غلاماً حافظاً فحفظت من ذلك قرآنا كثيراً، فانطلق أبى وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نفر من قومه فعلمهم الصلاة وقال: يؤمكم أقرؤكم فكنت أقرأهم لما كنت أحفظ فقدمونى فكنت أؤمهم وعلىّ بُرْدةٌ لى صغيرة صفراء فكنت إذا سجدت تكشفت عنى، فقالت امرأة: واروا عنا عورة
(1) 238 ج 2 - الفتح الربانى (أمر الصبيان بالصلاة) وص 140 ج 4 سنن أبى داود (المجنون يسرق أو يصيب حداً).
قارئكم. فاشتروا لى قميصاً عُمَانيًّا فما فرحت بشئ بعد الإسلام فرحى به، فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين. أخرجه أحمد والبخارى والنسائى وأبو داود. واللفظ له (1). {88}
(وأجاب) الأولون عنه بأنه كان فى ابتداء الإسلام حيث لم تكن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام. (وقال) الخطابى: كان الإمام أحمد يضعف أمر عَمرو بن سلِمة وقال مرة: دعه ليس بشئ بّين (2) ورُدّ بأن عمرو
بن سلِمة صحابى مشهور. وقد ورد ما يدل على أنه وفد على النبى صلى الله عليه وسلم.
" وأما القدح " فى الحديث بأن فيه كشف العورة وهو لا يجوز " فهو " من الغرائب، كيف وقد ثبت أن الرجال كانوا يصلون عاقدى أُزُرهم، ويقال للنساء لا ترفعْنَ رءُوسكُنّ حتى يستوىَ الرجال جلوساً.
(وقال) الصنعاتى: دليل الجواز (أى جواز إمامة الصبى) وقوع ذلك فى زمن الوحى ولا يُقًرّ فيه على فعل ما لا يجوز سيما فى الصلاة، وقد نبه صلى الله عليه وسلم بالوحى على القذى الذى كان فى نعله، فلو كانت إمامة الصبى لا تصح لنزل الوحى بذلك. واحتمال أنه أمهم فى نافلة يبعده سياق القصة، فإنه صلى الله عليه وسلم علمهم أوقات الفرائض ثم قال: يؤمكم أكثركم قرآناً. وفى رواية لأحمد وأبى داود: قال عمرو: فما شهدتُ مجمعاً من جَرْمِ إلا كنتُ
(1) ص 231 ج 5 - الفتح الربانى. وص 3 ج 5 مسند أحمد (حديث عمرو بن سلمة رضى الله عنه) وص 16 ج 8 فتح البارى (باب من شهد الفتح) وص 127 ج 1 مجتبى (إمامة الغلام قبل أن يحتلم) وص 300 ج 4 - المنهل العذب (من أحق بالإمامة) و (الحاضر) فى الأصل القوم ينزلون على ماء يقيمون به. والمراد به مكان إقامتهم (وعمانياً) نسبى إلى عمان بالضم والتخفيف، موضع على بحر العرب فى الجنوب الشرقى من بلاد العرب (أو ثمان) وفى رواية البخارى: وأنا ابن ست أو سبع سنين. وفى رواية النسائى وأنا ابن ثمان سنين.
(2)
ص 169 ج 1 معالم السنن.
إمامهم وكنت أصلى على جنائزهم إلى يومى هذا (1). وهذا يعم الفرائض والنوافل. ويحتاج من يدعى التفرقة بين الفرض والنفل وأنه تصح إمامة الصبى فى هذا دون ذاك إلى دليل (2).
(الرابع) الذكور: فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى للرجال، ولا إمامة المرأة للخنثى عند الأئمة والجمهور. " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لَا تؤُمَّنَّ امرأة رجلا. أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند رواهٍ فيه عبد الله بن محمد العدوى عن على بن زيد بن جدعان وهما ضعيفان، بل العدوى اتهمه وكيع بوضع الحديث. وله طرق أخرى فيها عبد بن حبيب متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد (3). {89}
أما إمامة المرأة للنساء فقد تقدم بيانه وافياً (4). وجملة القول أن كلا من الإمام والمقتدى إما ذكر أو أنثى أو خنثى، وكل منهم إمام بالغ أو غيره. فالذكر البالغ تصح إمامته للكل اتفاقاً، ولا يصح اقتداؤه إلا بمثله عند غير الشافعية. وقالت الشافعية. يصح اقتداؤه بمثله وبصبى مميز.
والأنثى البالغة تصح إمامتها لأنثى مطلقاً بلا كراهة عند الشافعى وأحمد ومع الكراهة عند الحنفيين، ولا تصح إمامتها مطلقاً عند المالكية.
ويصح اقتداؤها بالرجل اتفاقاً. واقتداؤها بمثلها وبالخنثى البالغ صحيح
(1) ص 29 ج 5 مسند أحمد. وص 34 ج 4 المنهل العذب. و (جرم) بكسر أو فتح فسكون بلاد قرب بذخشان. وبالفتح بطن من طيئ.
(2)
ص 37 ج 2 سبل السلام شرح الحديث رقم 13 (صلاة الجماعة).
(3)
ص 38 منه. وص 90 ج 3 - السنن الكبرى (لا يأتم رجل بامرأة).
(4)
تقدم ص 40 (جماعة النساء).
بلا كراهة عند الشافعى وأحمد. ومع الكراهة عند الحنفيين. ولا يصح عند المالكية.
والخنثى البالغ تصح إمامته للخنثى مطلقاً عند غير المالكية. ولا تصح إمامته لرجل ولا لمثله اتفاقاً. ويصح اقتداؤه برجل لا بمثله ولا بأثنى مطلقاً اتفاقاً. والذكر غير البالغ تصح إمامته لغير البالغ مطلقاً اتفاقاً. وكذا يؤم البالغ عند الشافعية. ويصح اقتداؤه بالذكر اتفاقاً.
والأنثى غير البالغة تصح أمامتها لمثلها فقط عند غير المالكية، ويصح اقتداؤها بالكل اتفاقاً.
والخنثى غير البالغ تصح إمامته لأنثى غير بالغة فقط خلافاً لمالك. ويصح اقتداؤه بالذكر مطلقاً فقط اتفاقاً.
(الخامس) كون الإمام قارئاً: أى يحفظ ما تصح به الصلاة. فلا تصح إمامة الأمى للقارئ، لأن القراءة ركن الصلاة، فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كالطهارة وستر العورة، لأن الإمام يتحملها عن المأموم كما تقدم. وليس الأمى من أهل التحمل. وهو:
(أ) من لا يسحن ما تصح به الصلاة من الفاتحة أو ما تيسر من القرآن كما تقدم بيانه (1).
(ب) أو ينطق بالحروف على غير وجهها عند غير المالكية، كأن يبدل السين ثاء. أو الذال زاياً أو الراء غيناً أو لاماً وهو الألثغ، أو يدغم منها حرفاً لا يدعم كأن يقول (المتَّقيم) بدل (المستقيم) وهو الأرت. وقيل هو الذى فى لسانه عجلة تسقط بعض الحروف.
(ج) أو يَلْحَنَ فى القرآن لحناً يخل المعنى كفتح همزة (اهدنا) وضم أو كسر تاء (أنعمت).
(1) تقدم ص 141 - 144 ج 2 الدين الخالص (القراءة).
(د) ومن الأمى عند الحنفيين التأتاء (وهو الذى يكرر التاء) والفأفاء (وهو الذى يكرر الفاء) فلا تصح إمامتهما إلا لمثلها عندهم. وقال غيرهم: تصح إمامتهما لغير من يماثلهما مع الكراهة. ومثلهما عن المالكية الألثغ والأرت وكل من لا يستطيع النطق ببعض الحروف أو يدغم حرفاً فى غير موضعه فتصح إمامته للسالم من هذا النقص ولو وَجد من يعلمه واتسع الوقت لتعليمه ولا يلزمه الاجتهاد فى إصلاح لسانه. ويجب على الأمى أن يجتهد فى حفظ ما تصح به الصلاة وفى إصلاح لسانه ورده إلى الصواب، أو يقرأ ما يستقيم فيه لسانه من القرآن. فإن قصرّ مع القدرة بطلت صلاته وإمامته لمثله. وإن عجز عن ذلك صحت صلاته وإمامته لمثله وإن وُجد قارئ يصلى بهما خلافاً للمالكية حيث قالوا: إن وجد قارئ وجب عليهما الاقتداء به، وإلا بطلت صلاتهما.
(السادس) سلامة الإمام من الأعذار: كالرعاف الدائم وانفلات الريح وانطلاق البطن وسلس البول. فلا تصح إمامة معذور لغير معذور ولا لمعذور مبالى بغير عذره كاقتداء مبطون بمن به سلس عند كافة العلماء، خلافاً للمالكية حيث قالوا: لا يشترط فى صحة الإمامة سلامة الإمام من عذر معفوّ عنه فى حقه كسلس بول لازمه ولو نصف الزمن، كما تقدم فى بحث " وضوء المعذور " فتصح إمامته للصحيح مع الكراهة.
(السابع) سلامة الإمام من فقد شرط من شروط صحة الصلاة: كستر العورة والطهارة من الحدث والخبث. فلا تصح إمامة العارى القدر على الستر للمكتسى اتفاقاً، وكذا إمامة العارى العاجز عن السترة للمكتسى خلافاً للمالكية حيث قالوا بجوازها مع الكراهة.
ولا تصح إمامة غير المتطهر من الحدث والنجس لمن هو متطهر منهما. ولا تصح صلاة المحدث مطلقاً اتفاقاً، لفقد شرط صحة الصلاة، وكذا إذا صلى بالنجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة خلافاً للمالكية حيث قالوا: إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة، لأن الطهارة من الخبث شرط لصحة الصلاة مع الذكر كما تقدم.
أما صلاة المأموم ففيها تفصيل:
(أ) إن كان الإمام متعمداً الحدث ولم يعلم المأموم حاله أصلا فصلاته صحيحة اتفاقاً. وإن علم بحاله قبل
الصلاة فصلاته باطلة اتفاقاً وكذا إن علم به أثناء الصلاة خلافاً للشافعية حيث قالوا: من علم بحدث إمامه فى أثناء الصلاة لزمه نية المفارقة وأتم صلاته، فإن استمر متابعاً ولم ينو المفارقة بطلت. وإن علم بحدث إمامه بعد الصلاة فصلاته باطلة عند الحنفيين ومالك. وصحيحة وله ثواب الجماعة عند الشافعية والحنبلية.
(ب) وإن لم يتعمد الإمام الحدث بأن دخل فى الصلاة ناسياً الحدث، فصلات باطلة اتفاقاً لفقد الشرط. وأما صلاة المأموم فصيحة إن لم يعلم بحال إمامه أصلا. وكذا إن علم به بعد الصلاة عند المالكية والشافعية والحنبلية والثورى وإسحاق"لحديث"جُويبر عن الضحاك بن مزاحم عن البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أيُّمَا إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم ليغتسل هو ثم ليْعد صلاته، فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك. أخرجه الدار قطنى وهو حديث ضعيف فإن جويبراً متروك. والضحاك لم يلق البراء (1){90}
" ولحديث " أبى جابر البيَاضى عن سعيد بن المسيب أن النبى صلى الله عليه
(1) ص 139 سنن الدار قطنى. وص 58 ج 2 نصب الراية (الإمامة).
وسلم صلى بالناس وهو جنب فأعاد وأعادوا. أخرجه الدار قطنى وقال: هذا مرسل وأبو جابر البياضى متروك الحديث. وقال يحيى بن معين: هو كذاب (1). {91}
" ولحديث " أبى أمامه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الإمام ضامن والمؤذن مُوتمنٌ. أخرجه أحمد والطبرانى فى الكبير بسند رجاله موثقّون وأخرجه أحمد والبيهقى والبزار عن أبى هريرة بسند صحيح على شرط مسلم بزيادة: فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين (2). {92}
فقد دل على أن الإمام ضامن صلاة المأمومين، وأن صحة صلاة المأموم بصحة صلاة الإمام. وفسادها بفسادها (روى) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه. أخرجه محمد فى الآثار وقال: وبه نأخذ إذا صلى الرجل بأصحابه جنباً أو على غير وضوء أو فسدت صلاته بوجه من الوجه فسدت صلاة من خلفه (3). {32}
وهو عام فى العمد والنسيان، لكن هذه الأدلة كما ترى لا وزن لها بجانب الأحاديث الصحيحة القاضية بأنه لا إعادة على من لم يعلم بحدث إمامه إلا بعد الصلاة.
هذا. وجملة القول ما قال ابن رشد: اتفقوا على أنه إذا طرأ على الإمام الحدث فى الصلاة فقطع أن صلاة المأمومين لا تفسد. واختلفوا إذا صلى بهم وهو جنب وعلموا بذلك بعد الصلاة. فقال قوم " يريد الشافعى وأحمد " صلاتهم صحيحة. وقال قوم " يعنى الحنفيين " صلاتهم فاسدة. وفرّق قوم " يعنى مالك " بين أن يكون الإمام عالماً بجنابته فتفسد صلاتهم أو ناسياً لها فلا
(1) ص 139 سنن الدار قطنى. وص 58 ج 2 نصب الراية (الإمامة).
(2)
ص 260 ج 5 مسند أحمد (حديث أبى أمامه الباهلى رضى الله عنه) وص 419 ج 2 منه (مسند أبى هريرة رضى الله عنه). وص 127 ج 3 - اسنن الكبرى (كراهية الإمامة) وص 2 ج 2 مجمع الزوائد (الإمام ضامن).
(3)
رقم 144 ص 30 - الآثار لأبى يوسف.
تفسد. وسبب اختلافهم هل صحة انعقاد صلاة المأموم مرتبطة بصحة صلاة الإمام أم ليست بمرتبطة؟ فمن لم يرها مرتبطة " كالشافعى وأحمد " قال: صلاتهم جائزة. ومن رآها مرتبطة "كالحنفيين" قال صلاتهم فاسدة. ومن فرّق بين السهو والعمد قصد إلى ظاهر حديث أبى بكر أن النبى صلى الله عليه وسلم استفتح الصلاة فكبر ثم أومأ إليهم أنْ مكانَكم ثم دخل فخرج ورأسه يقطرُ فصلى بهم. فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشِر وإنى كنت جنباً. أخرجه أبو داود وأحمد. وهذا لفظه (1). {93}
فإن ظاهره أنهم بنوا على صلاتهم والشافعى يرى أنه لو كانت الصلاة مرتبطة للزم أن يبدءوا بالصلاة مرة ثانية (2).
(أ) بأن هذا الحديث مختلف فى وصله وإرساله فلا يحتج به.
(ب) بأن قوله فيه: فكبر يعارضه حديث أبى هريرة قال: أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم وهو جنب فقال: على مكانِكم فرجع فاغتسل ثم خرج ورأسه يقطر ماء فصلى بهم. أخرجه البخارى وأبو داود (3). {94}
فهذا الحديث صريح فى أنه صلى الله عليه وسلم انصرف قبل أن يكبر وهو أصح فهو مقدم. والظاهر القول بصحة صلاة المأموم الذى تبين فساد صلاة إمامه لنسيان الحدث. وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد "وأجابوا"" أولا " عن حديث أبى جابر البياضى بأنه ضعيف لا يحتج به، وعلى فرض ثبوته فهو محمول على غير نسيان الحدث " وثانياً " عن حديث: الإمام ضامن
(1) ص 315 ج 2 - المنهل (الجنب يصلى بالقوم وهو ناس) وص 252 ج 5 الفتح الربانى.
(2)
ص 122 ج 1 بداية المجتهد (الفصل السابع) فيما إذا فسدت صلاة الإمام هل يتعدى الفساد إلى المأمومين؟
(3)
ص 83 ج 2 فتح البارى (إذا قال الإمام مكانكم) وص 321 ج 2 المنهل العذب (الجنب يصلى بالقوم وهو ناس).
بأن المعنى أنه ضامن لما يقع من أعمال لا تبطل صلاتهم ما دام إماماً لهم. وهذا لا يستلزم أنه إذا بأن حدثه فسدت صلاة من خلفه.
(الثامن) من شروط الإمام صحة صلاته فى اعتقاد المأموم عند الحنفيين:
فلو فسدت صلاة الإمام فى زعم المقتدى كأن صلى حنفى خلف شافعى قاء ملء الفم ولم يتوضأ، أو صل شافعى خلف حنفى مس ذكره مثلا، فصلاة المأموم باطلة، لفساد صلاة الإمام فى زعمه، ومتى عُلم أن الإمام يراعى الخلاف فى الشروط والأركان صح اقتداء به بلا كراهة (قال) العلامة الحلبى: وأما الاقتداء بمخالف فى الفروع كالشافعى فيجوز ما لم يُعلم منه ما يُفسد الصلاة على اعتقاد المقتدى (1).
(وقالت) المالكية والحنبلية: ما كان شرطاً فى صحة الصلاة فالعبرة فيه بمذهب الإمام. وما كان شرطاً فى صحة الاقتداء فالعبرة فيه مذهب المأموم. فلو اقتدى من يرى فرضية مسح كل الرأس كمالكىّ وحنبلى بمن لم يمسحها كلِّها كحنفىّ وشافعىّ فصلاته صحيحة، لصحة صلاةِ إمامه فى مذهبه. ولو اقتدى مالكى فى فرض بشافعى متنفّل فصلاته باطلة، لأن اتحاد صلاة الإمام والمأموم شرط فى صحة الاقتداء كما سيأتى. هذا ما قاله الفقهاء. والمعوّل عيه صحة الاقتداء بالمخالف فى الفروع من غير كراهة، لأن الصحابة والسلف الصالح كان يؤم بعضهم بعضاً مع اختلافهم فى الفروع فكان إجماعاً.
(قال) ابن عابدين: والذى يميل إليه القلب عدم كراهة الاقتداء بالمخالف ما لم يكن غير مراع فى الفرائض، لأن كثيراً من الصحابة والتابعين
(1) ص 516 غنية المتملى فى شرح منية المصلى (الأولى بالإمامة).
كانوا أئمة مجتهدين وهم يصلون خلف إمام واحد مع تباين مذاهبهم (1).
(التاسع) ألا يكون الإمام مأموماً: فلا تصح إمامة المأموم حال اقتدائه اتفاقاً وكذا بعد سلام الإمام وإن أدرك معه أقل من ركعة عند الحنفيين.
(وقالت) المالكية: لا يصح الاقتداء به إن أدرك ركعة أو أكثر مع الإمام وإلا صح الاقتداء به، لأنه لم تثبت له حكم المأمومية.
(وقالت) الشافعية والحنبلية: يصح الاقتداء بالمسبوق مطلقاً فى غير الجمعة ولا يصح الاقتداء به فى الجمعة.
(ب) وشروط المأموم " وتسمى شروط الاقتداء سبعة ":
(الأول) نية المأموم الاقتداء. وهى شروط فى غير صلاة الجماعة شرط فى صحتها كالجمعة والعيد عند الحنفيين. وشروط فى كل الصلوات عند غيرهم ويلزم مقارنتها للتحريمة خلافاً للشافعية حيث قالوا: تصح نية الاقتداء فى أثناء الصلاة مع الكراهة إلا ما تشترط فيه الجماعة كالجمعة، فإنه لابد فيه من من مقارنة نية الاقتداء للتحريمة. وهو رواية عن أحمد. والصحيح عنه ما عليه الجمهور. قال ابن قدامة: قال أحمد فى رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوى الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة، سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم، قيل له فإن دخل فى الصلاة مع القوم واحتسب به، قال: لا يجزيه حتى ينوى الصلاة مع الإمام فى ابتداء الفرض (2) هذا. ولا يجوز لمن بدأ صلاته فى جماعة أن يخرج مها بنية المفارقة إلا لضرورة كأن أطال عليه الإمام " لحديث " أبى الزبير عن جابر قال: كان معاذ يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يرجع فيصلى بقومه فأخر النبى
(1) ص 147 ج 2 رد المختار (الاقتداء بشافعى ونحوه هل يكره؟ ).
(2)
ص 62 ج 2 مغنى (نية الإمامة).
صلى الله عليه وسلم ليلة العشاء فصلى معاذ مع النبى صلى الله عليه وسلم. ثم جاء يؤم قومه فقرأ البقرة فاعتزل رجل من القوم فقيل نافقتَ يا فلان قال: ما نافقت. فأتى النبى صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك. فقال: يا معاذ أفتان أنت؟ أفتان أنت؟ اقرأ بكذا اقرأ بكذا، قال أبو الزبير: بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود بألفاظ متقاربة (1). {95}
ولم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم الرجل بالإعادة ولا أنكر عليه فعله.
ومن الضرورة التى تبيح نية المفارقة طروء مرض أو خشية غلبة النعاس أو شئ يفسد صلاته أو خوف فوات مال أو تلفه أو فوت رفقة.
وإن فعل ذلك لغير عذر فسدت صلاته عند الجمهور، لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر (وقالت) الشافعية: تصح صلاته مع الكراهة. وهو رواية عن أحمد كما لو نوى المنفرد كونه مأموماً. واستثنوا ما تشترط فيه الجماعة كالجمعة.
والأفضل عدم تعيين الإمام لعدم وروده، لأنه لو عينه فظهر خلافه فسدت صلاته. وأما نية الإمام فليست شرطاً بل مستحية، ليحوز ثواب الجامعة " قال " أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى رمضانَ فجئت فقمت إلى جنبه وجاء رجل فقام إلى جنبى ثم جاء آخر حتى كنا رهْطاً فلما أحس النبى صلى الله عليه وسلم أنّا خلفه تجوّز فى صلاته (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم (2). {96}
(1) ص 240 ج 5 الفتح الربانى. وص 132 ج 2 فتح البارى (إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج وصلى). وص 181 ج 4 نووى مسلم (القراءة فى العشاء) وص 212 ج 5 المنهل العذب (تخفيف الصلاة).
(2)
ص 193 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه) وص 213 ج 7 نووى مسلم (النهى عن الوصال) والرهط ما دون العشرة من الرجال و (تجوز) أى خفف واقتصر على الأركان مع بعض المندوبات للمصلحة.
وهو ظاهر فى أنه صلى الله عليه وسلم ينو الإمامة ابتداء وقد ائتموا به وأقرهم " وعن " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلّى وحده فقال: ألا رجل يتصدقُ على هذا يصلّى معه؟ فصلّى معه رجل. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والبيهقى والحاكم وصححه (1). {97}
والظاهر أن الرجل كان يصلى فريضة. وتقدم حديث اقتداء ابن عباس بالنبى صلى الله عليه وسلم فى صلاة الليل (2).
وفى المسألة تفصيل تقدم بيانه فى بحث " النية " من أركان الصلاة (3). ويزداد هنا أن الحنابلة قالوا: لا تشترط نية الإمامة فى النافلة لما تقدم. أما فى الفريضة فإن كان يَنتظر أحداً كإمام المسجد يحرمِ وحده وينتظر من يأتى فيصلى معه فيجوز؛ لأن النبى صلى الله عليه وسلم أحرم وحده ثم جاء جابر وجُبارة فأحرما معه فصلى بهما ولُم ينكر فعلَهما. والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة لنهم كانوا مسافرين. وإن لم يكن كذلك فقد روى عن أحمد أنه لا يصح. ذكره ابن قدامة (4).
(الثانى) عدم تقدم المأموم على الإمام عند غير مالك؛ لحديث: إنما جعل الإمام لِيُؤتمَّ به فقلا تختلفوا عليه. أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والبيهقى عن أبى هريرة (5). {98}
(1) ص 434 ج 5 - الفتح الربانى. وفيه: من يتجر على هذا. وص 276 ج 4 - المنهل العذب (الجمع فى المسجد مرتين) وص 189 ج 1 تحفة الأحوذى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه) وعنده: أيكم يتجر على هذا؟ وص 69 ج 3 - السنن الكبرى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه) وص 209 ج 1 مستدرك. والمراد بالتصدق تحصيل الثواب لأنه بصلاته معه صار كأنه تصدق عليه بثواب ست وعشرين صلاة، ولو صلى منفرداً لم يحصل له إلا ثواب صلاة واحدة و (الرجل) المتصدق هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه كما فى رواية البيهقى.
(2)
تقدم رقم 59 ص 39 (الجماعة فى غير الصلوات الخمس).
(3)
تقدم ص 128 ج 2 طبعة ثانية.
(4)
ص 60 ج 2 - مغنى.
(5)
ص 273 ج 5 - الفتح الربانى. وص 147 ج 2 = فتح البارى (إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة) وص 233 ج 4 نووى مسلم (ائتمام المأموم بالإمام) وص 330 ج 4 المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود) وص 92 ج 2 - السنن الكبرى.
ومن شأن التابع ألَاّ يتقدم على متبوعه لا فى فعل ولا فى مكان. والعبرة فى القائم بالعقب وإن تقدمت أصابع المأموم، وفى القاعد بالألية، وفى المومى بالرأس حتى لو كان رأسه خلف الإمام ورجلاه قدّام صح، وعلى العكس لا يصح. والمصلى على جنبه بالإيماء يلزم أن يكون خلف ظهر الإمام أو محاذياً له. فإن تقدم المأموم على إمامه بشئ مما ذكر لم تصح صلاته لأن هذا لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا هو فى معنى المنقول كمن صلى فى بيته بصلاة الإمام كما سيأتى. وقد واظب النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تقدمه فى الإمامة.
(وقالت) المالكية: يصح فى غير الجمعة تقدّم المأموم على إمامه مع الكراهة إلا لضرورة (قال) العلامة الرهونى: قال مالك: لا بأس بالصلاة فى دور محجورة بصلاة الإمام فى غير الجمعة إذا رأوا عمل الإمام والناسِ من كُوى لها أو مقاصير، أو سمعوا تكبيره فيكبرون ويركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فذلك جائز. وقد صلى أزواج النبى صلى الله عليه وسلم فى حُجَرهنّ بصلاة الإمام. قال مالك: ولو كانت الدور بين يدى الإمام كرهتُ ذلك. فإن صلّوا فصلاتهم تامة. وقد بلغنى أن دار آل عمر بن الخطاب وهى أمام القبلة كانوا يصلون فيها بصلاة الإمام فيما مضى ولا أُحبّه فإن فعله أحد أجزأه (1).
أما لو ساوى المأموم الإمام فصلاته صحيحة بلا كراهة خلافاً للشافعية حيث قالوا بكراهة المساواة.
(1) ص 102 ج 2 حاشية الرهونى على شرح الزرقانى لخليل (الإمامة).
(الثالث) علم المأموم بانتقالات الإمام برؤية أو سماع مه أو من المقتدى فيصح الاقتداء وإن بعدت المسافة وحالت أبنية لا تمنع من العلم بانتقالات الإمام وإن لم يكن الوصل إليه. أو اختلف المكان كمسجد وبيت " لقول " عائشة رضى الله عنها: كان رسولُ الله صل الله عليه وسلم يصلى من الليل فى حُجرته وجِدار الحُجْرة قصير، فرأى الناسُ شخصَ النبى صلى الله عليه وسلم فقام ناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا بذلك فقام الليلةَ الثانيةَ فقام معه ناس يصلون بصلاته (الحديث). أخرجه البخارى والبيهقى (1). {99}
" ولحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى ليلة فى حُجْرته فجأة أناس فصلوا بصلاته فخفّف فدخل البيت ثم خرج فعاد مراراً كل ذلك يصلى. فلما أصبح قالوا: يا رسول الله صلينا معك البارحة ونحن نحب أن تمد فى صلاتك، قال علمتُ بمكانكم وعمداً فعلتُ ذلك. أخرجه أحمد (2). {100}
ففى هذه الأحاديث دلالة على جواز اقتداء المأموم بالإمام وبينهما حائل إذا عَلم انتقالات إمامه. وبه قال البخارى وغيره (قال فى صحيحه) وقال الحسن: لا بأس أن تصلى وبينك وبينه نهر. وقال أبو مْجِلَز: يأتم بالإمام وإن كان بينهما طريق أو جِدار إذا سمع تكبير الإمام (3) وقد أخرجه عبد الرازق عن معتمر بن التيمى عن أبيه عن أبى مجلز. وهو مسند صحيح وروى سعيد بن منصور بسند صحيح أن الحسن البصرى قال فى الرجل يصلى
(1) ص 145 ج 2 فتح البارى (إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة) وص 110 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم بصلاة الإمامم فى المسجد إن كان بينهما مقصورة).
(2)
ص 199 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه).
(3)
ص 145 ج 2 فتح البارى (إذا كان بين الإمام والقوم حائط أو سترة).
خلف الإمام أو فوق سطح يأتم به: لا بأس بذلك. أفاده الحافظ (1).
وفى المسألة تفصيل للفقهاء. فعند الحنفيين المالكية: العبرة بمعرفة انتقالات الإمام برؤية أو غيرها، لا فرق فى ذلك بين سجد وغيره، غير أن المالكية يشترطون فى الجمعة أن تكون فى المسجد، ويلحق به رحبته والطرق الموصلة إليه. فلو اقتدى فيها من لم يكن بالمسجد بمن فى المسجد لا تصح.
(والحنفيون) يشترطون ألاّ يفصل بين الإمام والمأموم والمأموم طريق تمر فيه العجلة أو نهر يمر فيه الزورق. فلو اقتدى من كان بمنزله بمن فى المسجد صح إن لم يوجد مانع من نحو طريق ونهر ولم يشتبه عليه حال الإمام، وإلا لا تصح صلاة المأموم " لقول " عمر رضى الله عنه فى الرجل يصلى بصلاة الإمام: إذا كان بينهما نهر أو طريق أو جدار فلا يأتم به. أخرجه ابن أبى شيبة فى مصنّفه وعبد الرزاق فى جامعه. {33}
(وقالت) الشافعية والحنبلية: إن كان المأموم والإمام فى المسجد وحالت بينهما أبنية صحت الصلاة إن علم المأموم بانتقالات الإمام وإن بعدت المسافة بينهما. وإن كانا خارج المسجد أو كان الإمام فيه والمأموم خارجه صحت القدوة عند الحنبلية إن رأى المأموم الإمام أو مَن خلفه ولو كانت الرؤية من نافذة أو زادت المسافة بينها على ثلثمائة ذراع. وعند الشافعية إن كانت الصلاة بغير المسجد يشترط ألا يزيد ما بين الإمام والمأموم وبين كل صف وآخر على ثلثمائة ذراع. وألاّ يكون بينهما حائل يمنع المرور والرؤية اتفاقاً، أو يمنع أحدهما على الأصح. ويُغفر الشارع المطروق والنهر ولو احتاج إلى سباحة.
والظاهر ما ذهب إليه الأولون من أن المدار على ضبط المأموم أحوال الإمام، ولا دليل على ما ذكر من اعتبار الأذرع (2).
(1) ص 145 ج 2 فتح البارى (الشرح).
(2)
تنبيه: علم مما ذكر فى الشرط الثالث من شروط الاقتداء أنه لا تصح صلاة الجمعة فى غير المسجد من الأماكن التى يصل إليها صوت = الخطيب بوساطة المذياع " الراديو " لأن المؤتم العالم بانتقالات الإمام بوساطة المذياع ل يخلو، إما أن يكون متقدماً على الإمام أو متأخراً عنه. فإن كان متقدماً فصلاته باطلة عند غير المالكية لتقدمه على إمامه، ولوجود الحائل الذى يمنع من الوصول للإمام ورؤيته أو رؤية من خلفه عند الشافعية والحنبلية، وباطلة عند المالكية لأنها لا تصح فى غير المسجد عندهم. وإن كان المأموم متأخراً عن الإمام فصلاته باطلة عند الحنفية للفصل بين الإمام والمأموم بالطريق التى تسير فيها المجلات، وعند الشافعية والحنبلية لوجود الحائل المانع من الوصول إلى الإمام ورؤيته أو رؤية من خلفه، وعند المالكية لتأديتها فى غير المسجد وهو شروط فى صحتها عندهم.
(الرابع) متابعة المأموم الإمام: وهى أن يكون شروع المأموم فى أعمال الصلاة بعد شروع الإمام فيها لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. فإذا كبّر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر. وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع. وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد. وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد (1)" ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يأيها الناس إنى إمامكم فلا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف. أخرجه أحمد ومسلم (2). {101}
" والحديث " يدل على أن مشروعية الإمامة ليُقتدىَ بالإمام، ومن شأن التابع والمأموم ألاّ يقتدم على متبوعه ولا يساويه فى أعماله ولا يتقدم عليه فى موقفه بل يراقب أحواله ويأتى على أثرها بنحو فعله، فلا يخالفه فى شئ من الأحوال وقد فصل الحديث ذلك بقوله: فإذا كبر الخ، فمن خالفه فى شئ مما ذكر فد أثم. ولا تفسد صلاته بذلك إلا إن خالف فى تكبيرة الإحرام بتقديمها على تكبيرة الإمام فإنها لا تنعقد صلاته معه لأنه لم يجعله إماماً. ويدل على عدم فساد الصلاة بمخالفته لإمامه أنه صلى الله عليه وسلم توعّد من سبق الإمام فى ركوعه أو سجوده بأن الله يجعل رأسه رأس حمار، ولو يأمره بإعادة
(1) تقدم رقم 98 ص 65.
(2)
ص 102 ج 3 مسند أحمد (مسند أنش رضى الله عنه) وص 105 ج 4 نووى مسلم (تحريم سبق الإمام) والمراد بالانصراف: السلام.
صلاته ولا قال فإنه لا صلاة له. قال الصنعانى (1). وعلى اشتراط المتابعة اتفقت الأئمة. وفيها تفصيل للفقهاء (فعند) الحنفيين المتابعة هى مشاركة المأموم للإمام فى فعل الأركان، بأن يشرع فيها معه أو عقبه أو يأتى بها متراخياً عن الإمام ولكنه يدركه فى الركن قبل الدخول فى الركن الذى بعده؛ فلو ركع إمامه فشرع معه أو عقبه وشاركه فيه أو ركع بعد رفع إمامه وقبل أن يهبِط للسجود يكون متابعاً له فى الركوع. أما أو ركع ورفع قبل الإمام ولم يعد إليه معه أو بعده ولو فى ركعة جديدة بطلت صلاته. ولو ركع وسجد قبل الإمام ألغيت تلك الركعة وعليه قضاؤها بعد سلام الإمام، وإلا بطلت صلاته. ولو ركع وسجد قبل الإمام ألغيت تلك الركعة وعليه قضاؤها بعد سلام الإمام، وإلا بطلت صلاته. وهذا بيان للمتابعة التى تركُها يبطل الصلاة، فلا ينافى أن مساواة المأموم الإمام فى الأركان مكروهة مفوّتة لفضيلة الجماعة، وعليه يحمل حديث أبى هريرة السابق أول البحث.
(وقالت) المالكية: المتابعة هى أن يشرع المأموم فى الفعل بعد شروع الإمام فلا يسبقه ولا يساويه ولا يتأخر بحيث لا يركع حتى يفرغ الإمام من الركوع، ولا يسجد حتى يرفع الإمام من السجود. وهى قسمان:
(أ) ما هو شرط فى صحة صلاة المأموم وهى المتابعة فى الإحرام والسلام فلو بدأ بواحد منهما قبل الإمام أو ساواه بطلت صلاته ولو ختمه بعده إلا إذا سلم قبله سهواً فإنه يعيد السلام بعده وتصح صلاته.
(ب) ما ليس شرطاً ولكن يحرم تركه أو يكره، وهى المتابعة فى غير الإحرام والسلام، فلو ساوى المأموم إمامه فى الركوع أو السجود مثلا صحت
(1) ص 29 ج 2 سبل السلام (صلاة الجماعة).
صلاته مع كراهة، ولو سبقه إلى الركوع أو السجود فإن انتظر الإمام حتى ركع واطمأن معه صحت صلاته مع الحرمة إن تعمد السبق. وإن لم ينتظره بل رفع قبله بطلت صلاته لعدم متابعته فى الركوع إلا إن رفع ساهياً فإنه يعود. وإن تأخر عن إمامه حتى انتهى من الركن كأن لم يركع حتى رفع إمامُه منه. فإن تعمد ذلك فى الركعة الأولى بطلت صلاته، وإن كان ساهياً ألغى هذه الركعة وقضاها بعد سلام الإمام. وإن فعل ذلك فى غير الركعة الأولى متعمداً صحت صلاته مع الإثم (وقالت) الشافعية: المتابعة تشمل ثلاثة أمور: (الأول) ألاّ يشرع المأموم فى الإحرام إلا بعد انتهاء إحرام الإمام وإلا لم تنعقد صلاة المأموم. (الثانى) ألاّ يسلم قبل إمامه وإلا بطلت صلاته، أمام مقارنته فى السلام فمكروهة.
(الثالث) ألاّ يسبق المأموم إمامه وألاّ يتأخر عنه بركنين فعليين متواليين بلا عذر وإلا بطلت صلاته، كأن هوى للسجود وإمامه قائم للقراءة أو تأخر عنه كذلك، أما لو سبقه بهما ساهياً أو جاهلا فلا يضر، لكنه يلزمه العَوْد للموافقة متى تذكر أو علم وإلا بطلت صلاته.
(وقالت) الحنبليّة: المتابعة تشمل ثلاثة أمور: الأول والثانى كما تقدم عند الشافعية (الثالث) ألا يسبق المأموم إمامه بفعل من أفعال الصلاة وألاّ يتخلف عنه فى فعل منها. فإن سبقه بالركوع عمداً بأن ركع ورفع قبل ركوع الإمام بطلت صلاته. وإن سبقه بغير الركوع بأن نزل للسجود قبل نزول إمامه عمداً أو قام للركعة الثانية قبله لم تبطل صلاته، لكن يلزمه الرجوع ليأتى بما فعله بعد إمامه. وإن فعل شيئاً من ذلك سهواً لا تبطل صلاته لكن
يلزمه إعادة ما فعله بعد أن يأتى به إمامه وإلا لم تحسب له الركعة. وإن سَبق إمامه بركنين عمداً بطلت صلاته، وإن كان سهواً فإن أتى بهما بعد فعل الإمام احتسبت له الركعة وإلا ألغيت ولزمه الإتيان بها بعد سلام إمامه بالسلام عمداً بطلت صلاته. وإن كان سهواً أتى به بعد سلام الإمام وإلا بطلت صلاته.
هذا. ويكره مساواة المقتدى لإمامه فى أفعال الصلاة. ويحرم سبقُه إمامَه اتفاقاً " لقول " البرَاء بن عازبِ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمِده لم يَحْنِ منا أحدٌ ظهرَه حتى يقعَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم ساجداً. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه بألفاظ متقاربة (1). {102}
" ولقول " ابن مسعود: إذا كنتَ خلف الإمام فلا تركعْ حتى يركعَ، ولا تسجدْ حتى يسجدَ، ولا ترفع رأسك قبله. وإذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف وكانت لك حاجة فاذهب وَدَعْهُ فقد تمت صلاتك. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (2). {34}
وهذا لا يقال من قبل الرأى فهو مرفوع حكماً " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: أما يخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه م ركوع أو سجود قبل الإمام أن يُحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حِمار أو صورتَه صورة حمار؟ أخرجه السبعة إلا الترمذى (3). {103}
(1) ص 274 ج 5 الفتح الربانى. وص 124 ج 3 فتح البارى (متى يسجد من خلف الإمام؟ ) وص 190 ج 4 نووى مسلم (متابعة الإمام) وص 8 ج 5 - المنهل العذب (إتباع الإمام) وص 132 ج 1 مجتبى (مبادرة الإمام) وص 234 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية أن يبادر الإمام) و (لم يحن) بفتح فسكون، أى لم يثن يقال حنيت العود وحنوته إذا ثنيته. والمعنى لا ينتقل المأموم من ركن حتى يتلبس الإمام بالركن الذى يليه.
(2)
ص 78 ج 2 مجمع الزوائد (متابعة الإمام).
(3)
ص 276 ج 5 - الفتح الربانى. وص 125 ج 2 فتح البارى (إثم من رفع = رأسه قبل الإمام) وص 151 ج 4 نووى مسلم (تحريم سبق الإمام) وص 133 ج 1 مجتبى (مبادرة الإمام) وص 158 ج 1 سنن ابن ماجه (النهى أن يسبق الإمام بالركوع والسجود) وأما، مخففة حرف استفتاح والاستفهام للتوبيخ.
وأخرجه ابن حبان فى صحيحه بلفظ: أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسَه رأس كلب؟ " وعنه " أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: " الذى يَخفض ويرفعُ قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان " أخرجه البزار والطبرانى بسند حسن (1). {104}
وظاهر هذه الأحاديث تحريم سبق الإمام للتوعد عليه بالمسخ وهو من أشد العقوبات. فإن سبقه فى الإحرام أو السلام بطلت صلاة المأموم اتفاقاً وإن سبقه فى غيرهما وانتظر حتى أدركه الإمام فهو حرام يأثم فاعله وصلاته صحيحة. (وعن) ابن عمر وأحمد أنها باطلة بناء على أن النهى يقتضى الفساد (قال) ابن قدامة: قال أحمد فى رسالته: ليس لمن يسبق الإمام صلاةٌ لهذا الحديث. ولو كانت له صلاةٌ لرُجى له الثواب ولم يُخش عليه العقاب.
هذا. وليس لسبق الإمام سبب إلا طلب الاستعجال واستحواذ الشيطان ودواؤه استحضار أنه لا يُسلِّم قبل الإمام فلا ثمره فى الاستعجال، بل فيه الإثم والعقاب واختلف فى معنى التحويل المذكور، فقيل هو باق على ظاهره فيمسخه الله مسخاً حسِّياَّ. ويؤيده ورود الوعيد بلفظ المستقبل " ولا يقال " ليس فى الحديث ما يدل على وقوع المسخ، بل غايته أن فاعل ذلك متعرض لهذا الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشئ " لأنه " لا مانع من وقوعه. وقيل إن التحويل المذكور يقع يوم القيامة. ويحتمل
(1) ص 78 ج 2 - مجمع الزوائد (متابعة الإمام).
أن يراد المسخ المعنوى الذى هو طمس القلوب والبصائر فيكون أعمى القلب عن طريق الحق فلا يسلكه.
(الخامس) من شروط الاقتداء: علم المأموم بحال إمامه من سفر أو إقامة إذا صلى الرباعية مقصورة فى العمران، فلا يصح الاقتداء بمن جهل المأمومُ حالَه وهو يقصر فى العمران. أما من أتم مطلقاً أو قصَر خارج العمران فالاقتداء به صحيح ولو ممن جعل حاله لظهوره شأناً. فيصح اقتداء المقيم بالمسافر ولو بعد خروج الوقت بلا كراهة. فإذا سلم الإمام أتم المقيم صلاته ويستحب للإمام أن يقول: أتموا صلاتكم فإنى مسافر " لقول " عمرانَ بن حصين: غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدتُ معه الفتح فأقام بمكة ثمانىَ عشْرَة ليلة لا يصلى إلا ركعتين ويقول: يأهل البلد صلوا أربعاً فإنا قومً سفْر. أخرجه أبو داود وأخرج أحمدُ نحوه. وفى سنده علىّ بن زيد ابن جُدعان. وهو ضعيف (1). {105}
وله شواهد تقويه " منها " ما روى سالمُ بن عبد الله عن أبيه أن عُمر بن الخطاب، كان إذا قِدم مكة صلى بهم ركعتين ثم يقول: يأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سَفْر. أخرجه مالك والبيهقى من طريقين صحيحين (2). {35} وعلى هذا أجمع العلماء.
ويجوز اقتداء المسافر بالمقيم ويتم لزوماً تبعاً لإمامه ولو أدرك معه أقل من ركعة أو اقتدى به بعد الوقت عند الشافعى وأحمد، لما روى موسى بن سلمةَ قال: كنّا مع ابن عباس بمكة فقلتُ إذا كنا معكم صلينا أربعاً وإذا رجعنا إلى رِحالنا صلينا ركعتين. قال: سنةُ أبى القاسم صلى الله عليه وسلم.
(1) ص 88 ج 7 المنهل العذب (متى يتم المسافر) وص 279 ج 5 - الفتح الربانى. و (سفر) بفتح فسكون أى مسافرون.
(2)
ص 269 ج 1 زرقانى الموطأ (المسافر إذا كان إماماً) وص 126 ج 3 - السنن الكبرى (المسافر يؤم المقيمين).
أخرجه أحمد. وكذا مسلم والنسائى عن موسى بن سلمة: قلت لابن عباس: كيف أصلى إذا كنتُ بمكة إذا لم أصلِّ مع الإمام؟ قال: ركعتين سنةُ أبى القاسم صلى الله عليه وسلم (1). {106}
وبهذا قال ابن عمر وابن عباس والثورى والأوزاعى " وقال " الحنفيون إنما يصح اقتداء مسافر بمقيم فى الوقت. أما لو اقتدى به بعد خروج الوقت فلا يصح لتقَرّر فرض المسافر ركعتين بخروج الوقت، فيكون القوىّ بانياً على الضعيف فى القَعدة الأولى لو اقتدى فى الأوليين، فإنها فرض فى حقه واجبه فى حق الإمام فيهما وهى سنة (وقالت) المالكية: يكره اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه لمخالفته نية إمامه والكراهة فى العكس أشد لمخالفته سنة القصر. ويجب عليه الإتمام تبعاً لإمامه إن أدرك معه ركعة فأكثر. ولا دليل لهم على ذلك.
(السادس) ألا يكون المأموم أعلى من إمامه فى الشروط والأركان والفرضية، فيلزم أن يكون مثله أو دونه فيها:(أ) فلا يصح مثلا اقتداء طاهر بمعذور ولا اقتداء متطهر بمتنجس عجز عن الطهارة. لما فيه من بناء القوى على الضعيف، ولا اقتداء مكتسٍ بعارٍ ولا قارئ بأمىٍ كما تقدّم، ولا اقتداء راكع وساجد بِمُومٍ بالركوع والسجود. ويصح اقتداء غاسل بماسح على الخف أو الجبيرة، واقتداء العارى بمثله لاستوائهما فى الشروط، واقتداء
(1) ص 102 ج 5 - الفتح الربانى (إتمام المسافر إذا اقتدى بمقيم) وص 197 ج 5 نووى مسلم (صلاة المسافر وقصرها) وص 212 ج 1 مجتبى (الصلاة بمكة) و (معكم) أى فى المسجد مقتدين بإمام مقيم.
المومى بالراكع والساجد لعلو الإمام فى الأركان، واقتداء العارى بالمكتسى لعلوه فى الشروط. ولا يصح - عند الحنفيين ومالك - اقتداء مفترض بمتنفل. وهو رواية عن أحمد. واختارها أكثر أصحابه لما تقدم عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه (1) ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام فأشبه صلاة الجمعة خلف الظهر وهو لا يصح اتفاقاً. وبهذا قال الحسن البصرى ومجاهد والزهرى والنخعى (وقالت) الشافعية والأوزاعى وطاوس وعطاء وابن المنذر: يصح اقتداء مفترض بمتنفل. وهو رواية عن أحمد " لحديث " جابر بن عبد الله أن معاذ بن جبل كان يصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يأتى قومه فيصلى بهم تلك الصلاة. أخرجه أحمد الشيخان وأبو داود. وكذا الشافعى والطحاوى والبيهقى والدار قطنى وعبد الرزاق وزادوا: هى له تطوع ولهم مكتوبة العشاء (2). {107}
قال الشافعى: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثاً يُروى عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق واحد أثبت منه (وقال) الحافظ: هو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح (3).
(1) تقدم رقم 98 ص 65، 69.
(2)
ص 279 ج 5 - الفتح الربانى. وص 139 ج 2 فتح البارى (إذا صلى ثم أم قوماً) وص 183 ج 4 نووى مسلم (القراءة فى العشاء) وص 323 ج 4 - المنهل العذب (إمامة من صلى بقوم وقد صلى تلك الصلاة) وص 143 ج 1 بدائع المنن (جواز اقتداء المفترض بالمتنفل) وص 86 ج 3 - السنن الكبرى (الفريضة خلف من يصلى النافلة) وص 102 سنن الدار قطنى. وص 238 ج 1 شرح معانى الآثار.
(3)
ص 135 ج 2 فتح البارى اشرح (إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة)(وقال) البيهقى فى المعرفة: كذلك رواه بهذه الزيادة أبو عاصم النبيل وعبد الرزاق عن ابن جريج، وزيادة الثقة مقبولة. والأصل أن ما كان موصولا بالحديث فهو منه لاسيما إذا روى م وجهين أهـ. وفيه رد على قول ابن الجوزى: إن هذه الزيادة لا تصح، وعلى زعم الطحاوى أنها مدرجة.
(وأجاب) عنه من لم يجوّز اقتداء المفترض بالمتنفل بأجوبة لا تُشفى (منها) أن معاذاً كان يصلى مع النبى صلى الله عليه وسلم نفلا وبقومه فرضاً " لحديث " معاذ بن رِفاعه عن رجل م بنى سَليم يقال له سُلَيمٌ أنه أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن معاذَ بنَ جبل يأتينا بعدما ننام ونكونُ فى أعمالنا فى النهار فينادى بالصلاة فنخرجُ إليه فيطوّلُ علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ لا تكن فتاناً. إمّا أن تصُلى معى وإما أن تخفف عن قومك. أخرجه أحمد والطحاوى والطبرانى فى الكبير ومعاذ بن رِفاعة لم يدرك سُليمًا لنه استُشهد بأحد ومعاذ تابعى. ورجال أحمد ثقات (1). {108}
وجه الدلالة أن النبى صلى الله عليه وسلم خيَّر معاذاً بين أمرين: إمّا أن يصلى معه أو يصلى بقومه مع التخفيف " قال " الطحاوى: فهو يدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين وأنه لم يكن يجمع بينهما " ورُدَّ " بأن غاية ما فيه أنه أذن له بالصلاة معه والصلاةِ بقومه مع التخفيف، أو بالصلاة معه فقط إن لم يخفف. وقد تقدم فى حديث جابر عند الشافعى وغيره التصريح بأنها لمعاذ تطوّع ولهم مكتوبة (2) (ومنها) أن صلاة المفترض خلف المتنفل فيها اختلاف وفى الحديث " إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " (3) " ورُدَّ " بأن المعنى لا تختلفوا عليه فى الأفعال كما بيَّنه بقوله: فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا " الخ " ولو فرض أنه يعم كل اختلاف فحديث معاذ ونحوه مخصص له " وقولهم " إن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام الخ " تعليل " فى معارضة
(1) ص 242 ج 5 - الفتح الربانى. وص 238 ج 1 شرح معانى الآثار (الرجل يصلى الفريضة خلف المتطوع) وص 71 ج 2 مجمع الزوائد (من أم بالناس فليخف).
(2)
تقدم رقم 107 ص 76.
(3)
تقدم ص 65، 69، 76.
النص فلا يلتفت إليه. فالراجح الفول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل.
(ج) وكذا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض عند الحنفيين والشافعية والحنبلية لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبْصر رجلا يصلى وحده فقال: ألَا رجل يتصدّق على هذا فيصلى معه؟ فصلى معه رجل (1) فإن الظاهر أن المتصدق عليه كان يصلى فريضة وهى الظهر كما صُرح به فى رواية لأحمد والدار قطنى، ولما فيه من بناء الضعيف على القوى.
(وقالت) المالكية: لا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض " لحديث " إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه. وقد علمتَ أنه لا دلالة فيه على هذا.
(د) ويصح اقتداء راكع وساجد بمثله واقتداء مُوم بالركوع والسجود بمثله واقتداء جالس لعذر بقائم إجماعاً " لقول " أنس عائشة رضى الله عنهما: صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى مرضه خلف أبى بكر قاعداً. أخرجه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح (2). {109}
(هـ) ويصح اقتداء قائم بقاعد لعذر يركع ويسجد عند أبى حنيفة وأبى يوسف والشافعى والثورى. وهو رواية عن أحمد " الحديث " عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فى مرضه الذى تُوفىِّ فيه أبا بكر أن يُصلىَ بالناسِ، فلما دخل فى الصلاة وجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خِفَّة، فقام يُهادى بين رجلين ورجلاه تخُطَّان الأرضَ. فجاء فجلس عن يسار أبى بكر فكان رسولً الله صلى الله عليه وسلم يصلى بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدى بصلاة النبى صلى الله عليه وسلم ويقتدى الناس بصلاة
(1) تقدم رقم 97 ص 65 (شروط الاقتداء).
(2)
289 ج 1 تحفة الأحوذى (باب منه).
أبى بكر. أخرجه الشافعى وأحمد مختصراً والشيخان مطولا (1). {110}
وهو صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إماماً جالساً وأبو بكر والناس قائمين (وقالت) المالكية ومحمد بن الحسن: لا يصح اقتداء القائم بالقاعد لعذر " لما روى " جابرٌ الجُعفى عن الشعبى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤمن أحد بعدى جالساً. أخرجه الدار قطنى وقال: لم يروه غير جابر الجُعفى عن الشعبى وهو متروك. والحديث مرسل لا تقوم به حجة. وأخرجه البيهقى وقال: قال الشافعى: قد علم الذى احتج بهذا أنَ ليست فيه حجة وأنه لا يثبت لأنه مرسل ولأنه عن رجل يرغَب الناس عن الرواية عنه (2). {111}
ولأن القيام ركن فلا يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان.
(وأجابوا) عن حديث عائشة بأنه خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم لما تقدم عن الشعبى (قال) القاضى عِياض: لا يصح لأحد أن يؤمَّ جالساً بعده صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور قول مالك وجماعة من أصحابه. وروى ابن حبيب عن مالك أن حديث عائشة منسوخ، لترك أبى بكر وعمر وعثمان الإمامة حال الجلوس أهـ (ورُدِّ) بأن عدم صلاة من ذكر جلوساً بعد النبى صلى الله عليه وسلم لا يدل على النسخ، لاحتمال أنه لم يطرأ عليهم ما يقتضى جلوسهم حال الصلاة. وأما حديث الشعبى من الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم. وهم أسَيْد بن حُضَير وجابرٌ وقيسُ بن فهد وأنس بن مالك. والأسانيد عنهم بذلك صحيحة أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبى شيبة وغيرهم.
(1) 141 ج 1 بدائع المنن. وص 249 ج 6 مسند أحمد (حديث عائشة رضى الله عنهما) وص 118 ج 2 فتح البارى (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وص 141، 142 ج 4 نووى مسلم (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر).
(2)
ص 153 سنن الدار قطنى (صلاة المريض جالساً بالمأمومين) وص 80 ج 3 - السنن الكبرى (ما روى فى النهى عن الإمامة جالساً وبيان ضعفه).
بل ادعى ابن حبان وغيره إجماع الصحابة على صحة إمامة القاعد يعنى لعذر أفادة الحافظ (1).
(وقال) إسحاق والأوزاعى وابن المنذر والظاهرية: لا يجوز اقتداء القادر على القيام بالجالس لعذر، بل عليه أن يجلس تبعاً له " لحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصُرعَ عنه فجُحِشَ شِقه الأيمنُ فصلى صلاة وهو قاعد فصلينا وراءه قعوداً. فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به. فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً. وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد. وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون. أخرجه الشافعى والجماعة. والبيهقى. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (2){112}
(وأجاب) الأولون عنه بأنه منسوخ بحديث عائشة لتأخره فقد أخرجه الشافعى فى الأم. وقال: " وأمرُ " رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس ومن حدّث معه فى صلاة النبى صلى الله عليه وسلم أنه صلى بهم جالساً ومن خلفه جلوساً " منسوخ " بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فى مرضه الذى مات فيه جالساً وصلوا خلفه قياماً. فهذا مع أنه سنة ناسخة معقول. ألا ترى أن الإمام إذا لم يُطِق القيام صلى جالساً وكان ذلك
(1) ص 119 ج 2 فتح البارى (الشرح).
(2)
ص 248 ج 1 زرقانى الموطأ (صلاة الإمام وهو جالس) وص 141 ج 1 بدائع المنن وص 162 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه) وص 123 ج 2 فتح البارى (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وص 130 ج 4 نووى مسلم (ائتمام المأموم بالإمام) وص 326 ج 4 المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود) وص 133 ج 1 مجتبى (الائتمام بالإمام يصلى قاعداً) وص 287 ج 1 تحفة الأحوذى (إذا صلى الإمام قاعداً) وص 193 ج 1 سنن ابن ماجه (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وص 87 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم جالساً إذا صلى الإمام جالساً) و (جحش) بالبناء للمفعول، أى انخدش شقه فلم يتمكن من القيام. وفى رواية (جحش ساقه أو كتفه).
فرْضَه، وأن المأمومين إذا أطاقوه صلِّوا قياماً. وعلى كل واحد منهم فرْضُه فكان الإمام يصلى فرضَه قائماً إذا أطاق جالساً إذا لم يُطق وكذلك يصلى مضطجعاً ومومياً إن لم يُطِق الركوعَ والسجودَ ويصلى المأمومون كما يُطيقون فيصلى كلٌّ فرضه فتُجزى كلاٍّ صلاتُه (1).
(وقال) الكمال ابن الهمام: قال الشافعى - بعدما أسند عن جابر وأُسَيد ابن حُضَير اقتداء الجالسين بهما وهما جالسان للمرض - وإنما فعلا ذلك لأنهما لم يعلما بالناسخ. وكذا ما حُكى عن غيرهم من الصحابة رضى الله عنهم أنهم أمُّوا جالسين والناس جلوس محمول عليه. وعلم الخاصة يوجد عند بعض ويغُرب عند بعض (2).
(وقالت) الحنبلية: لا يصح اقتداء القائم بعاجز عن القيام إلا إذا كان إماماً راتباً أو إماماً أعظم يُرجى زوالُ عذره، فلهم أن يصلوا وراءه قياماً وجلوساً لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى وراءه أبو بكر ومن معه قياماً لم يأمرهم بالإعادة " ولقول " جابر: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه على جَدْمِ نخلة فانفكّتْ قدمهُ فأتيناه نعوده فوجدناه فى مَشْرُبَة لعائشة يُسبّح جالساً فقمنا خلفه فسكتَ عنا، ثم أتيناه مرة أخرى نعودُه فصلى المكتوبةَ جالساً فقُمنا خلفه فأشار إلينا فقعدنا فلما قَضى الصلاةَ قال: إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً. وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً. (الحديث) أخرجه أبو داود وأخرج أحمد البيهقى نحوه (3). {113}
(1) ص 151 ج 1 كتاب الأم (صلاة الإمام قاعداً).
(2)
ص 262 ج 1 فتح القدير (الإمامة)
(3)
ص 329 ج 4 - المنهل العذب (الإمام يصلى من قعود) وص 285 ج 5 - الفتح الربانى وص 80 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم جالساً إذا صلى الإمام جالساً) و (الجذم) بكسر الجيم وفتحها وسكون الذال: أصل النخلة. و (المشربة) بفتح فسكون ففتح أو ضم، الغرفة. و (يسبح أى يصل نافلة.
والأفضل للإمام الراتب أن يستخلف إذا مرض وعجز عن القيام خروجاً من الخلاف (وجمعوا) بين الأحاديث " بحمل " حديث عائشة على ما إذا ابتدأ الإمام الصلاة قائماً ثم عجز عن القيام، فليزم المأمومين إتمامُها من قيام " وحَمْلِ " الحديثين الأخيرين على إذا ما ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً لمرض يرجى زواله فيصلون خلفه قعوداً، والجمع متى أمكن أولى من النسخ.
(قال) الكمال ابن الهمام: واعلم أن مذهب الإمام أحمد أن القاعد إن شرع قائماً ثم جلس صح اقتداء القائمين به، وإن شرع جالساً فلا. وهو أنهض من جهة الدليل، لأنا صرحنا بان ذلك خلاف القياس صِير إليه بالنص وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى محل الصلاة قائماً يُهادِى ثم جلس فالظاهر أنه كبرّ قبل الجلوس. وصرّحوا فى صلاة المريض أنه إذا قدر على بعضها قائماً ولو التحريمة وجب القيام فيه. وكان ذلك متحققاً فى حقه صلى الله عليه وسلم إذا مبدأ حلوله فى ذلك المكان كان قائماً، فالتكبير قائماً مقدوره حينئذ، وإذا كان كذلك فمورد النص حينئذ اقتداء القائمين بجالس شرع قائماً (1).
(و) ويصح اقتداء المتوضئ بالمتيمم مطلقاً عند النعمان وأبى يوسف وأحمد وإسحاق والظاهرية لاستوائهما فى الشرط " ولقول " عمرو بن العاص احتملتُ فى ليلة باردة فى غزوة ذات السلاسل فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهْلِكَ فتيممتُ ثم صليتُ بأصحابى الصبح فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا عمرُو صليتَ بأصحابك وأنت جُنُب؟ فقلتُ ذكرتُ قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} فتيممت وصليت
(1) ص 262 ج 1 فتح القدير (الإمامة).
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً. أخرجه أحمد وأبو دواد والبيهقى وابن حبان والحاكم مسنداً. وأخرجه البخارى معلقاً (1). {114}
(وقالت) الشافعية: يجوز اقتداء متوضئ بمتيمم إذا كان لا تلزمه إعادة الصلاة - بأن كان تيممه لمرض أو لفقد الماء فى مكان يغلب فيه فقده - ولا يصح اقتداؤه بمتيمم تلزمه الإعادة - بأن تيمم لشدة برد الماء أو لفقده فى مكان يندر فقده فيه - ولا دليل على هذا التفصيل. بل يرده ما تقدم عن عمرو بن العاص وقد تيمم لشدّة البرد (وقال) محمد بن الحسن: يصح اقتداء متوضئ بمتيمم فى الجنازة دون غيرها " لحديث " محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤم المتيمم المتوضئين. أخرجه البيهقى والدار قطنى. وقالا إسناده ضعيف (2). {115}
فلا تقوم به حجة (وقال) مالك والنخعى: يكره اقتداء المتوضئ بالمتيمم، ويؤمهم إذا كان أميراً. والراجح من جهة الدليل القول الأول. فقد أقرَّ النبى صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ولم ينكر عليه شيئاً ولا فصَّل له ولا أمر من صلى وراءه بالإعادة. قال ابن حزم: النهى عن ذلك أو كراهته لا دليل عليه من قرآن ولا من سنة ولا من إجماع ولا من قياس. وكذلك تقسيم من قسَّم (3).
(السابع) من شروط الاقتداء " اتحاد صلاة الإمام والمأموم فى الأداء
(1) ص 281 ج 5 - الفتح الربانى. وص 184 ج 3 المنهل العذب (إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ ) وص 225 ج 1 - السنن الكبرى (التيمم فى اسفر إذا خاف الموت أو العلة من شدة البرد) وص 310 ج 1 فتح البارى (إذا خاف الجنب على نفسه المرض .. تيمم). و (ذات السلاسل) جمع سلسل بفتح فسكوت سميت بذلك لأنها كانت على ماء بأرض جذام يعرف بالسلسل.
(2)
ص 334 ج 1 - السنن الكبرى. وص 68 سنن الدار قطنى (كراهة إمامه المتيمم المتوضئين).
(3)
ص 144 ج 1 - المحلى (مسالة 248).
والفرضية وغيرهما. (أ) فلا يصح عند الحنفيين ومالك اقتداء مفترض بمفترض فرضاً آخر كمصلى الظهر خلف العصر. ولا اقتداء الناذر بالناذر إلا إن اتحد منذورهما " لما تقدم " عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إنَّماَ جُعِلَ الإماَم لِيُؤْتَمَّ بهِ فَلَا تَخْتَلُفِوا عَلَيْهِ (1).
(وروى) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجال يدخل مع الإمام وهو لا ينوى صلاة الإمام فصلاة الإمام تامة ويستقبلُ الرجلُ. أخرجه أبو يوسف فى الآثار. وكذا محمد بلفظ: إذا دخلتَ فى صلاة القوم وأنت لا تنوى صلاتهم لم يجزئك، وإن صلى الإمامُ صلاته ونوى الذى خلفه غيرَها أجزأتِ الإمام ولم تجزيهم (2). {36}
وعن أحمد روايتان (قال) ابن قدامة: فإن صلى الظهر خلف مَن يصلى العصر ففيه روايتان: نقل إسماعيل بن سعد جوازَه، ونقل غيرُه المنع منه (3).
(وقالت) الشافعية والظاهرية: يصح الاقتداء بكل من صحت صلاته وحكاه ابن المنذر عن طاوس وعطاء والأوزاعى " لما تقدم " عن جابر أن معاذاً كان يصلى بقومه العشاء وقد صلاها مع النبى صلى الله عليه وسلم (4) قالوا: إذا جاز اقتداء المفترض بالمتنفل فجواز اقتداء المفترض بمفترض فرضاً آخر أولى. ولا يمنعه قوله صلى الله عليه وسلم: فلا تختلفوا عليه، لأن المنهى عنه الاختلاف فى الأفعال كما بينه بقوله: فإذا كبر فكبروا الخ. ولو فرض أنه يعم كل اختلاف فحديث جابر ونحوه مخصص له كما تقدم.
(1) تقدم رقم 98 ص 65، 69، 76.
(2)
رقم 169 ص 34 كتاب الآثار (اتحاد نية الإمام والمأموم)(ويستقبل الرجل) أى يستأنف المأموم صلاته.
(3)
ص 53 ج 2 مغنى (اختلاف صلاة الإمام والمأموم).
(4)
تقدم رقم 107 ص 76 (اقتداء مفترض بمتنفل).
(9)
الأحق بالإمامة: إذا لم يوجد إمام راتب ولا صاحب منزل صالح للإمامة فالأولى بها عند الثورى وأحمد وأبى يوسف أقرؤهم: أى أحسنهم تلاوة لكتاب الله تعالى. ثم أعلمهم بأحكام الصلاة صحة وفساداً. ثم أورعهم أى أكثرهم اجتناباً للشبهات. ثم أكبرهم سناً ثم أحسنهم خَلْقًا وخُلُقًا. ثم أشرفهم نسباً. ثم أنظفهم ثوباً "لحديث" أبى مسعود عقبةَ بن عمرو أن النبى صلى الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤمُّ القومَ أتمرؤهم لكتاب الله. فإن كانوا فى الهجرة سواءً فأقدمهم سناً ولا يَؤُمَّنَّ الرجلُ الرجلَ فى سلطانه ولا يقعد فى بيته على تَكْرِمته إلا بإذنه. أخرجه مسلم والترمذى وقال حديث حسن صحيح (1). {116}
والمراد بأقرإ القوم أحسنهم تلاوة وإن كان أقلهم حفظاً. وقيل المراد به أكثرهم حفظاَ للقرآن " لقول " عمرو بن سَلِمةَ الجرمى: كانت تأتينا الركبان من قِبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنستقرئهم فيحدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآناً. أخرجه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح (2). {117}
وتقدم مطولا (3). ففيه دليل على أنه الأقرأ لكتاب الله الذى عنده فقه أحق بالإمامة من الفقه.
(وقال) أبو حنيفة ومحمد بن الحسن ومالك والشافعى والأوزاعى والجمهور الأفقه مقدم على الأقرأ ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر على غيره
(1) ص 172 ج 5 نووى مسلم (من أحق بالإمامة) وص 196 ج 1 تحفة الأحوذى.
(2)
ص 30 ج 5 مسند أحمد (حديث عمرو بن سلمة رضى الله عنه) وص 63 ج 2 مجمع الزوائد (الإمامة) و (نستقرئهم) أى نتعلم منهم القراءة.
(3)
تقدم رقم 88 ص 54 (الثالث البلوغ).
وقد قال صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتى بأمتى أبو بكر وأقرؤهم أُبَىُّ بن كعب أخرجه الترمذى عن أنس بن مالك من حديث طويل (1). {118}
(وقال) ابن عمر: لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العَصْبة قبل مَقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يؤمُّهم سالمٌ مولى أبى حُذيفة وكان أكثرهم قرآناً وفيهم عمرُ بنُ الخطاب وأبو سلمَة بنُ عبِد الأسدِ. أخرجه البخارى وأبو داود. وهذا لفظه (2). {119}
ولأنه قد ينوبه فى الصلاة ما لا يدَرى ما يَفعل فيه إلا بالفقه فيكون أولى (وأجابوا) عن حديث أبى مسعود ونحوه بأن الصحابة كانوا يتلقُّون القرآن بأحكامه. فكان أقرؤهم أعلمَهم. فيكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث: أقرؤهم لكتاب الله، أى أعلمهم به (قال) ابن مسعود كان أحدُنا إذا حفِظ سورة من القرآن لم يخرُج عنها إلى غيرها حتى يُحْكِمَ علمَها ويَعرفَ حلالها وحرامها. {37}
(وقال) ابن عمر: ما كانت تنزل السورةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ونعلم أمرها ونهيها وزجرها وحلالها وحرامها. {38}
هذا. والهجرة المقدم بها فى الإمامة لا تختص - عند الجمهور - بالهجرة فى عهده صلى الله عليه وعلى ىله وسلم، بل المراد بها ما يشمل كل هجرة من أى بلد من بلاد الكفر إلى بلد إسلامى (وقال) الحنفيون: الرماد بها هجر المعاصى " لحديث " ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. أخرجه البخارى (3). {120}
(1) ص 344 ج 4 تحفة الأحوذى (مناقب معاذ بن جبل رضى الله عنه).
(2)
ص 128 ج 2 فتح البارى (إمامة العبد والمولى) وص 305 ج 4 - المنهل العذب (من أحق بالإمامة) و (العصبة) فتح أو ضم فسكون أو بفتحتين، موضع بقباء معروف (بالمعصب) بالتشديد.
(3)
ص 41 ج 3 فتح البارى (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وهو صدر الحديث.
فلذا جعلوا الورع مكان الهجرة فى الحديث لانقطاع الهجرة بفتح مكة. ففى الحديث: لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحَ. أخرجه البخارى عن ابن عباس (1). {121}
(وأجاب) الجمهور (أ) بأن المنفى فيه الهجرة من مكة إلى المدينة. أو المعنى: لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبله. (ب) وبأن " حديث " والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " لا ينافى " أن الأفضل تقديم الأسبق هجرة وكان تقيا. هذا. والمراد الرجل فى سلطانه ذو الولاية فيشمل السلطان الأعظم ونائبه. فيقدّم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما، لعموم ولايته ولو كان غيره أكثر قرآنا وفقهاً وورعاً وفضلا منه. فيكون آخر الحديث مخصِّصاً لعموم أوله. ومثل السلطان فى ذلك صاحب البيت (روى) علقمة أن عبد الله بن مسعود أتى أبا موسى الأشعرىَّ فى منزلهِ فحضرت الصلاة فقال أبو موسى: تقدم يا أبا عبد الرحمن فإنك أقدمُ سِنًّا وأعلم قال: بل أنت تقدم فإنما أتيناك فى منزلك ومسجدك فأنت أحق. فتقدم أبو موسى (الأثر) أخرجه أحمد. وفيه رجل لم يُسَمَّ. وأخرجه الطبرانى متصلا برجال ثقات (2). {29}
" وكذا " الإمام الراتب أحقُّ بالإمامة، لأنه إن كان مُوَلًّى من قبل السلطان أو نائبه فهو فى حكمه، وإن كان وُلًّىَ باتفاق أهل المسجد فقد صار أحق. وهى ولاية خاصة " هذا " ويستحب لصاحب البيت ونحوه أن يأذن لمن هو أفضل منه أن يصلى إماماً (والحكمة) فى النهى عن التقدم على السلطان ونحوه إلا بإذنه أن الجماعة شُرِعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادّهم. فإذا أمّ الرجلُ الرجلَ فى بيته أو سلطانه من غير إذنه أدَّى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع رِبْقَة الطاعة من السلطان، وإلى التباغض والتقاطع
(1) ص 25 ج 6 - فتح البارى (وجوب النفير - الجهاد).
(2)
ص 66 ج 2 مجمع الزوائد (إمامة الرجل فى رحله).
وظهور الخلاف الذى شرع لدفعه الاجتماع. فلا يتقدم رجل على ذى السلطنة ولاسيما فى الأعياد والْجُمعات. ولا على إمام الحىّ ورب البيت إلا بإذنه.
(10)
إمامة المفضول: يجوز اقتداء الفاضل بالمفضول الذى تصح إمامته. فقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم خلف أبى بكر وغيره من الصحابة " قال " المغيرة بن شعبة: خَصلتان لا أسأل عنهما أحداً من الناس، رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعلَهما: صلاةُ الإمام خلف الرجل من رعِيَّته، وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف عبدِ الرحمنِ ابن عوفٍ ركعةً من صلاة الصبح. ومسحُ الرجل على خُفّيه. وقد رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين. أخرجه أحمد بسند جيد (1). {122}
(وعنه) وقد سئل هل أمَ النبىَّ صلى الله عليه وسلم رَجلٌ من هذه الأمة غيرُ أبى بكر؟ قال نعم كنا فى سفر كذا كذا (الحديث) وفيه فغسل وجهه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته ومسح على العمامة وعلى الخفين ثم لَحِقَنَا الناسَ وقد أقيمت الصلاة وعبدُ الرحمن بن عوف يؤمهم وقد صلى ركعة فذهبتُ لأوذِنه فنهانى، فصلينا التى أدركْنا وقَضينا التى سُبِقنا بها. أخرجه الشافعى وأحمد وهذا لفظه ومسلم (2). {123}
وفى هذه الأحاديث دلالة أيضاً على فضل تقديم الصلاة فى أول الوقت وأنه إذا تأخر الإمام عنه يستحب للجماعة تقديم أحدهم إذا علموا بحسن خُلق
(1) ص 247 ج 4 مسند أحمد (حديث المغيرة بن شعبة رضى الله عنه).
(2)
ص 247 منه وص 144 ج 1 بدائع المنن. وص 171 ج 3 نووى مسلم (المسح على الرأس والحنفين) و (كنا فى سفر كذا) هو سفر غزوة تبوك، كانوا سائرين فعدل النبى صلى الله عليه وسلم عن الطريق لقضاء الحاجة ومعه المغيرة بن شعبة، ثم توضأ فأدرك القوم وقد قاموا عبد الرحمن ابن عوف لما خافوا خروج وقت الفضيلة، فأدركهم النبى صلى الله عليه وسلم فى الركعة الثانية.
الإمام، ولم يترتب عليه فتنة، وإلا صلوا فى أول الوقت فرادى.
(11)
إمامة الأعمى: يصح الاقتداء بالأعمى اتفاقاً " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أُمِّ مكتومٍ على المدينة مرتين يِّصلىِّ بهم وهو أعمى. أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى (1). {124}
" وقال " محمود بن الربيع: إن عِتْبَانَ بنَ مالك كان يؤم قومه وهو أعمى. (الحديث) أخرجه الشافعى والبخارى والنسائى (2). {125}
وهل إمامته أفضل؟ قال أبو إسحاق المِرْوزى والغزالى: إن إمامة الأعمى أفضل من إمامة البصير، لأنه أكثر خشوعاً منه، لما فى البصر من شغل القلب بالمبْصَرَات (وقالت) الشافعية: الأعمى والبصير فى الإمامة سواء، لأن فى الأعمى فضيلة أنه لا يرى ما يلهيه وفى البصير فضيلة تجنب النجاسة واستقبال القبلة بنفسه.
(وقالت) المالكية والحنفية والحنبلية: البصير أوْلى بالإمامة. لأنه أقدر عل اجتناب النجاسة واستقبال القبلة باجتهاده. وهذا هو الراجح. واختاره بعض الشافعية (قال) المِرْوَزِى: وعندى أن البصير أوْلى، لأنه يجتنب النجاسة التى تفسد الصلاة. والأعمى يترك النظر إلى ما يليهه ولا تفسد الصلاة به (3) ومحل الخلاف إن كان البصير مثلَ الأعمى فى أحقية الإمامة. أما إن لم يوجد بصير يساوى الأعمى فإمامته أفضل اتفاقاً. وعلى هذا يحمل استنابة النبى صلى الله عليه وسلم ابنَ أم مكتوم، لأنه لم يكن بالمدينة وقتئذ أفضل منه متفرغاً للإمامة. فلا يرد على ذلك وجودُ علىّ رضى الله عنه فى المدينة حين
(1) ص 230 ج 5 - الفتح الربانى. وص 238 ج 4 المنهل العذب (إمامه الأعمى) وص 88 ج 3 - السنن الكبرى. وابن أم مكتوم، اسمه عمرو بن قيس، وأمه عاتكة بنت عبد الله.
(2)
ص 129 ج 1 بدائع المنن (الإمامة ومن أحق بها) وص 108 ج 2 فتح البارى (الرخصة فى المطر والعلة) وص 127 ج 1 مجتبى (إمامة الأعمى).
(3)
ص 286 ج 4 شرح المهذب.
استخلف النبى صلى الله عليه وسلم ابنَ أُمِّ مكتوم، لأن علياً كان مشغولا بالقيام بحفظ مَنْ وكل إليه حفظهم من أهل البيت حذراً من أن ينالَهم عدوُّ بمكروه.
(12)
إمامة العبد: تصح إمامته بلا كراهة عند الشافعى وأحمد وإسحاق والثورى. والحرّ أوْلى، لما تقدم عن ابن عمر أن سالما مولى أبى حذيفة كان يؤم المهاجرين الأولين وفيهم عمرُ بن الخطاب ،أبو سلمة بن عبد الأسد (1). وكانت إمامته بهم قبل أن يعَتِقَ وقال ابن قدامه: وروى أن أبا سعيد مولى أبى أُسَيْد قال: تزوجتُ وأنا عبد فدعوتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابونى، فكان فيهم أبو ذر وابن مسعود وحذيفةُ، فحضَرَت الصلاةُ وهم فى بيتى، فتقدم أبو ذر ليصلى بهم فقالوا له وراءكَ فالتفت إلى ابن مسعود فقال أكذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال نعم. فقدّمونى وأنا عبدٌ فصليتُ بهم. رواه صالح فى مسائله. {40}
وهذه قصة مثلها ينتشر ولم تنكر ولا عُرف مخالف لها فكان ذلك إجماعاً (2)(وعن ابن أبى مُليكة) أنهم كانوا يأتون عائشةَ بأعلى الوادى هو وعُبيدُ بنُ عُميْر والمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشةَ وأبو عمرو غلامها حينئذ لم يَعتِق. أخرجه الشافعى وعبد الرازق (3). {41}
(وقال) الحنفيون وأبو مِجْلز التابعى: تكره إمامته تنزيهاً، لأنه لا يتفرغ للتعلم فيغلب عليه الجهل وتقل رغبة الناس فى الاقتداء به فيؤدى إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها، فإن عُدمتْ علة الكراهة بأن كان أفضل من غيره فلا كراهة فى إمامته.
(1) تقدم رقم 119 ص 86 (الأحق بالإمامة).
(2)
ص 29 ج 2 مغنى (إمامة العبد).
(3)
ص 129 ج 1 بدائع المنن (الإمامة ومن أحق بها).
(وقالت) المالكية: تكره إمامته راتباً فى الصلوات الخمس والسنن المؤكدة كالعيد والكسوف، وتمنع فى الجمعة راتباً وغير راتب. وتجوز بلا كراهة فى النوافل كالتراويح، وفى الفريضة غير الجمعة إن لم يكن راتباً.
(13)
إمامة الصالح والطالح: ينبغى أن يكون الإمام من أهل الصلاح والاستقامة والفضل والهداية متخلياً عن السفاسف متحلياً بالمكارم " لحديث " مِرْثد الغنَوى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إِنْ سَرَّكُمْ أَن تُقْبَلَ صَلَاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدُكم بينكم وبين ربكم. أخرجه الحاكم والطبرانى فى الكبير والدار قطنى وقال: إسنادٌ غيرُ ثابت وفيه يحيى بن يعلى الأسلمى وعبد الله بن موسى. وهما ضعيفان (1). {126}
" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اجعلوا أئمتكم خيارَكم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم. أخرجه الدار قطنى والبيهقى وقال: إسناده ضعيف (2). {127}
(ويُكره) عند الحنفيين إمامة الفاسق تحريماً. وهو من خرج عند حدّ الاستقامة " لحديث " السائب بن خَلاّد أن رجلا أمّ قوماً فبصَق فى القبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ينظرُ إليه فقال صلى الله عليه وسلم حين فرغ لا يُصَلى لكم فأراد بعد ذلك أن يُصلىَ بهم فمنعوه وأخبروه بقول النبى صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نعم إنك آذيت الله ورسوله. أخرجه أبو داود وابن حبان (3). {128}
(1) ص 222 ج 3 مستدرك. وص 64 ج 2 مجمع الزوائد (الإمامة). وص 197 سنن الدار قطنى.
(2)
ص 197 منه. و 90 ج 3 - السنن الكبرى (اجعلوا أئمتكم خياركم).
(3)
ص 103 ج 4 - المنهل العذب (كراهية البزاق فى المسجد) و (لا يصلى لكم) بإثبات الياء، وهو نفى بمعنى النهى، أى لا يؤمكم هذا الرجل بعد، لإخلاله بالأدب وعدم احترامه القبلة.
ولأنه لا يهتم لأمر دينه وفى تقديمه تعظيم له وليس من أهل التعظيم. وهو الراجح عند المالكية بناء على أن العدالة شرط كمال فى الإمام (1). وقيل تحرم إمامته وقيل تبطل صلاته بناء على أن العدالة شرط صحة، لأن الإمامة من باب الأمانة والفاسق خائن، ولهذا لا شهادة له لكون الشهادة من باب الأمانة (والمشهور) عند الشافعية كراهة إمامته، ونقل العلامة الشِّرْوَانى فى حاشيته على شرح التحفة عن البِرْماوى أنه يحرم على أهل الصلاح والخير الصلاةُ خلف الفاسق والمبتدع ونحوهما، لأنه يحمل الناس على تحسين الظن بهم.
(ومشهور) مذهب الحنبلية أنه لا تصح إمامة الفاسق - وهو من أتى كبيرة أو دوام على صغيرة - ولو لمثله، لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى فى دينه فأشبه الكافر، ولأنه لا يؤمن على شرائط الصلاة، إلا أن خيف أذاه فَيُصَلَّى خلفه دفعاً للمفسدة وتُعاد، وإلا فى صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، فتصح إمامته فيهما للضرورة. ودليل ذلك ما تقدم عن جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: لا تَؤُمَّنَّ امرأةٌ رجلا ولا فاجر مؤمناً إلا أن يَقهرَه بسلطان يخاف سيفه أو سوطه. أخرجه ابن ماجه والبيهقى بسند واه كما تقدم (2)(قال) البهوتى: ولا تصح إمامة فاسق مطلقاً أى سواء كان فسقه بالاعتقاد أو الأفعال المحرمة (3)(وقال) ابن إدريس الحنبلى: ولا تصح إمامة فاسق " بفعل " كزان وسارق وشارب خمر ونَمَّام ونحوه " أو اعتقاد " كخارجىّ ورافضىّ ولو كان مستوراً ثم قال: فلا يصح أن يؤم فاسق فاسقاً لأنه يمكنه رفع ما عليه من النقص بالتوبة عُلم فسقه
(1) محله إذا لم يتعلق فسقه بالصلاة كأن يقصد بتقدمه الكبر أو يخل بركن أو شرط. وحينئذ تبطل صلاته اتفاقاً. وكذا إن أخل بسنة على القول ببطلان صلاة من تعمد تركها. ص 134 ج 1 حاشية الصاوى على صغير الدردير.
(2)
تقدم رقم 89 ص 56 (الرابع الذكورة).
(3)
ص 291 ج 1 شرح المنتهى (فصل فى الإمامة).
ابتداء أولا، فيعيد المأموم إذا علم فسق إمامه. واختار الشيخان أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون خفيِّه (قال) فى الوجيز: لا تصلح خلف الفاسق المشهور فسقه، لكن ظاهر المذهب مطلقاً قاله فى المبدع. وتصح الجمعة والعيد خلف فاسق بلا إعادة إن تعذرت خلف غيره لأنهما يختصان بإمام واحد فالمنع منهما خلفه يؤدى إلى تفويتهما. نعم لو أقيمتا فى موضعين فى أحدهما عَدْلٌ فعلهما وراءه ونُقل عن ابن عبد الحكم أنه كان يصلى الجمعة ثم يصلى الظهر أربعاً. وإن خاف أذى بترك الصلاة خلف الفاسق صلى خلفه دفعاً للمفسدة وأعاد لعدم براءته (1).
(والراجح) ما ذهب إليه الجمهور من صحة الصلاة خلف الفاسق مع الكراهة (وأجابوا) عن حديث جابر بأنه ضعيف لا تقوم به حجة كما تقدم. وعلى فرض صحته فالنهى فيه محمول على الكراهة كما أن الأمر فى حديث: مِرْثد وابن عمر محمول على الندب " ولا ينافى " الكراهة (حديث) مكحول عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلوا خلف كل بّر وفاخر. أخرجه الدار قطنى وقال: مكحول لم يسمع من أبى هريرة ومَن دونه ثقات (2). {129}
" لأنه " ورد فى سد باب الخروج على الأئمة، ولأنه مجمع على ضعفه حتى قال بعض العلماء بوضعه. وأخرجه أبو داود والبيهقى بلفظ: الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم بَرُّا كان أو فاخراً وإن عمِل الكبائر (3). {130}
وهو منقطع فإن مكحولا لم يدرك أبا هريرة. وسئل عنه أحمد فقال: ما سمعناه بهذا. وقال الحاكم: هو حديث منكَر. وللبيهقى فى هذا الباب أحاديث
(1) ص 306 ج 1 كشاف القناع (فصل فى الإمامة) وأراد بالشيخين: موفق الدين أبا محمد عبد الله بن قدامة. وأبا العباس أحمد بن تيمية.
(2)
ص 185 سنن الدار قطنى.
(3)
ص 316 ج 4 المنهل العذب (إمامة البر والفاجر) وص 121 ج 3 - السنن الكبرى (الصلاة خلف من لا يحمد فعله).
كلها ضعيفة غاية الضعف (قال) الصنعانى: وهى أحاديث كثيرة دالة على صحة الصلاة خلف كل بّر وفاجر، إلا أنها كلها ضعيفة، وقد عارضها حديث: لايؤمَّنَّكم ذو جرأة فى دينه. ونحوه، وهى أيضاً كلها ضعيفة. فلما ضعفت الأحاديث من الجانبين رجعنا إلى الأصل، وهو أن من صحت صلاته صحت إمامته. وأيَّدَ ذلك فعل الصحابة. فقد أخرج البخارى فى التاريخ عن عبد الكريم أنه قال: أدركت عشرة من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم يصلون خلف أئمة الجور (1) ويؤيده أيضاً حديث مسلم وأبى داود وابن ماجه عن أبى ذر قال: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذَرّ كيفَ أنتَ إذا كانت عليك أمراء يمُيتون الصلاة أو قال: يؤخرون الصلاة؟ قلتُ يا رسول الله فما تأمُرُنى؟ قال صلّ الصلاةَ لوقتها فإن أدركتَهَا معهم فصلها فإنها لك نافلة (2). {131}
فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة لأنهم أخروها عن وقتها. وظاهره أنهم لو صَّلوها فى وقتها لكان مأموراً بصلاتها خلفهم فريضة (3) ويؤيد القول بصحة الصلاة خلف الفاسق أيضاً حديث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لعلّكم ستدركون أقواماً يُصلّون صلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم فصلوا فى بيوتكم فى الوقت الذى تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سُبْحَةً. وأخرجه أحمد. وأخرج نحوه أبو داود عن عبادة بن الصامت بسند رجاله رجال الصحيح (4). {132}
(1) وأخرجه البيهقى ص 122 ج 3.
(2)
ص 147 ج 5 نوى مسلم (كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار) وص 13 ج 4 - المنهل العذب. وص 196 ج 1 سنن ابن ماجه.
(3)
ص 39 ج 2 سبل السلام (صلاة الجماعة).
(4)
ص 221 ج 5 - الفتح الربانى. وص 17 ج 4 - المنهل العذب (إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت) و (لغير وقتها) أى لغير وقتها المختار وهو أول الوقت.
(وعلى الجملة) فالأصل عدم اشتراط عدالة الإمام. وأن كل من صحت صلاته لنفسه تصح صلاته لغيره. ويؤيده ما ذكرنا من الأدلة وإجماع الصدر الأول عليه. فمن قال باشتراط العدالة كالحنبلية ورواية عن مالك يحتاج إلى دليل ينقل عن هذا الأصل. واعلم أن محل النزاع إنما هو فى صحة الصلاة خلف الفاسق ولا خلاف فى أنها مكروهة، ولذا كان بعض الصحابة يصارح من يراه مخالفاً فى شئ من الصلاة بعدم الصلاة خلفه " روى " موهوب ابن عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه كان يُخالفِ عمرَ بن عبد العزيز فقال له عمر: ما يحملك على هذا؟ فقال إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى صلاةً متى تُوافِقُها أصلى معك ومتى تخالفها أصلى وأنقلب إلى أهلى. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات (1). . {133}
(وعن) أبى أيوب الأنصارى أنه كان يخالف مروانَ بنَ الحكم فى صلاته فقال له مرَوانُ: ما يحملك على هذا؟ قال، إنى رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يصلى صلاة إن وافقتهَ وفافقتكَ. وإن خالفتهَ صليتُ وانقلبت إلى أهلى. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (2). {134}
(14)
إمامة المبتدع: هو من يرتكب - بنوع شبهة أو استحسان - ما أُحْدِث على خلاف الحق المتلقى عن النبى صلى الله عليه وسلم " من عِلم " كمنكر الرؤية قائلا لا يرُى سبحانه وتعالى لعظمته وجلاله " أو عمل " كمن يؤذّن بحىّ على خير العمل " أو حال " كمن يسكت معتقداً أن مطلق السكوت
(1) ص 190 ج 5 - الفتح الربانى. و (يخالف) أى يتخلف عن الصلاة معه وهو أمير على المدينة فى خلافه الوليد بن عبد الملك، لأنه كان يؤخرها عن أول وقتها كعادة بنى أمية ثم رجع عمر بن عبد العزيز عن ذلك. و (أصلى) بإثبات الياء فى الموضعين. وعليه فتى ظرفية بمعنى حين، أو شرطية رفع جوابها على لغة ضعيفة. قال ابن مالك:
وبعد ماض رفعك الجزاء حسن ورفعه بعد مضارع وهن
(2)
ص 68 ج 2 مجمع الزوائد (الإمام يسئ الصلاة).
قربة وهو - إن لم يكفُر بيدعته - فاسق تكره إمامته تحريماً عند الجمهور لما تقدم.
" ولقول " مجاهد كنت مع عبد الله بن عمر فثوّب رجل فى الظهر أو العصر فقال: اخرج بنا فإن هذه بدعة. أخرجه أبو داود (1). {42}
(وقالت) الحنبلية: لا تصح الصلاة خلف مبتدع مُعْلنْ بدعتَه إلا أن خافه فيصلى ثم يعيد. وعن أحمد أنه لا يصلى خلف مبتدع بحال (قال) ابن قدامة بعد كلام: وعن مالك أنه لا يصِّلى خلف أهل البدع. فحصل من هذا أن من صلى خلف مبتدع معْلن بدعتَه فعليه الإعادة ومن لم يعلنها ففى الإعادة خلفه روايتان (2)(وعلى الجملة) من أراد حفظ دينه وسلامةَ عبادته من الخلل فلا يصلى خلف المخالفين لشرع الله عز وجل ولا يصاحب بدعياً ولا يدخل مساجد البدع، وإلا ضل سعيه وَبعُدَ عن سبيل الخير (قال) ابن الحاج فإن فُرِضَ ألا يجدَ مسجداً سالماً من البدع. فْليصل فى بيته فهو أفضل له وأقرب إلى رضاء ربه، ولا سيما فى هذا الزمان، إذ أقرب ما يتَقرب به المتقربون إلى الله سبحانه وتعالى اليومَ بُغْضُ البدع ومحبة السنن والعمل عليها ومحبةُ أهلها وموالاتهم، فإن هذا الفن قد اندرس إلا عند من وفقه الله وقليل مّاهم (وهذا) بالنظر لأهل زمانه " القرن السابع " فما الذى نقوله فى أهل زماننا " القرن الرابع عشر " وبدعِهم. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
(15)
إمامة الأعرابى: الأعرابى من يسكن البادية. فإن كان من أهل العلم والفضل صالحاً للإمامة لا تكره إمامته ولو للحضرى عند الجمهور. لعموم
(1) ص 220 ج 4 - المنهل العذب (التثويب)(فثوب رجل) أى قال: الصلاة خير من النوم أو نادى على باب المسجد: الصلاة رحمكم الله.
(2)
ص 22 ج 2 مغنى (الإمامة).
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله (1) ولأنه مكلّف أهلٌ للإمامة. وإن غلب عليه الجهل والفسق، كرهت إمامته تحريماً اتفاقاً لما تقدم.
(وقالت) المالكية: تكره إمامته للحضرىِّ وإن كان أقرا القوم وأفضلهم لقوله تعالى: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلَاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ (2)} ولأَن شأَنَه الجفاءُ والغِلْظة. والإِمامُ شافع فينبغى أن يكون ليِّن الجانب رحيم القلب (وَرُدَّ) بأَنه ليس كلُّ بدوى كذلك. بل منهم أَهل الفضل والإِيمان والرحمة والعطف، قال تعالى {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ (3)} .
(16)
إمامة ولد الزنا: ولد الزنا لا تكره إمامته إذا كان تقياً مرضياً عند الحنفيين وأحمد إسحاق، لقول عائشة: ما عليه من وِزْر أبويه شئ، وقد قال الله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (4)} تعنى ولد الزنا. {43}
وعن الشعبى والنخعى والزهرى فى ولد الزنا أنه يؤم. ذكره البيهقى (5)(وعن أبى حنيفة) عن عطاء بن أبى رباح أنه سئل أيؤمُّ ولدُ الزنا، قال نعم أوَ ليس منهم مَنْ هو أكثُر مِنَّا صلاة وصوماً؟ أخرجه أبو يوسف فى الآثار (6). {44}
وإن كان غير مرضىّ كرهت إمامته اتفاقاً، للنفرة منه (وكره) مالك أن يُتَّخّذّ إماماً راتباً (وقالت) الشافعية: تكره إمامته " روى " يحيى بن سعد أن رجلا كان يؤم ناساً بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز فنهاه. قال مالك
(1) تقدم رقم 116 ص 85 (الأحق بالإمام).
(2)
التوبة أية: 97.
(3)
التوبة آية: 99.
(4)
الزمر آية: 7.
(5)
ص 914 ج 3 - السنن الكبرى (إمامة ولد الزنا).
(6)
رقم 279 ص 56 كتاب الآثار.
وإنما نهاه لأنه كان لا يُعرَف أبوه. ذكره البيهقى (1){45} ولأن الإمامة تعظيم وفضل وهو ليس من أهلها فكرهت إمامته كالعبد (ورُدّ) بأنهم لا يرَون كراهة إمامه العبد، والعبد أقل من ولد الزنا، لأنه لا يلى النكاح ولا المال ولا تقبل شهادته أحياناً بخلاف ولد الزنا، فلا يقاس عليه.
(17)
إمامة من يكرهه المأمومون: ينبغى للإمام أن يكون متحلياً بالكمال متخلياً عما يعاب حتى لا يكرهه أهل الخير والصلاح. ويكره له تحريماً - عند غير المالكية - أن يؤمّ قوماً يكرهونه أو أكثرهم إذا كانوا أهل دين وتقوى " لحديث " ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ لا تُرفَعُ صلاتُهم فوق رءوسهم شبراً: رجل أم قوماً وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط. وأخوان متصارمان. أخرجه ابن ماجه بسند صحيح (2). {135}
" ولحديث " أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثةٌ لا تُجَاوز صلاتُهم آذانَهم: العبد الآبق حتى يرجعَ، وامرأت باتت وزوجها عليها ساخِط وإمام قوم وهم له كارهون. أخرجه الترمذى وقال: حسن غريب. وأقره المنذرى والنووى فى الخلاصة (3). {136}
(وفى الباب) أحاديث كثيرة فيها مقال، ولكنها لكثرتها يُقوّى بعضُها بعضاً فتقوم بها الحجة على أنه يكره للرجل أن يؤمّ قوماً يكرهونه أو أكثرهم لأمر دينى، أو لأنهم أحق الإمامة منه. وإن لم تكن كراهتم لما ذكر بل لإتمامه الصلاة وهم يرغبون فى نقرها، فلا تكره إمامته (قال) ابن قدامة:
(1) ص 90 ج 3 - السنن الكبرى.
(2)
ص 59 ج 1 سنن ابن ماجه (من أم قوماً وهم له كارهون)(متصارمان) أى متقاطعان فوق ثلاث لغير سبب شرعى.
(3)
ص 287 ج 1 تحفة الأحوذى. و (لا تجاوز صلاتهم آذانهم) هو كناية عن عدم القبول وعدم الثواب.
قال أحمد: إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهة أكثر القوم. وإن كان ذا دين وسّنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته (1) وقال الترمذى: وقد كره قوم أن يؤمّ الرجل قوماً وهم له كارهون. فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الإثم على من كرهه (2)(وقال) الغزالى فى الإحياء: لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم.
(وقالت) المالكية: تكره إمامته إن كرهه القليل من غير أهل الفضل والشرف. وتحرُم إمامته إن كرهه جميع القوم أو أكثرهم أو ذَوُو الفضل والشرف منهم وإن قلوا. وإن شك فى كراهتهم له استأذن أهل محلته دون الطارئين.
(18)
موقف المأموم: له فى هذا أربع حالات:
(أ) إذا كان المأموم واحداً ذكراً ولو صبياً، فالسنة أن يقف عن يمين الإمام متأخراً عنه قليلا أو مساوياً له " لقول " ابن عباس: صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فقمتُ عن يساره فأخذ برأسى من ورائى فجعلنى عن يمينه. أخرجه الترمذى وقال: حديث حسن صحيح (3). {137}
وتقدم بلفظ آخر (4)" ولقول " أنس: صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم فأقامنى عن يمينه. أخرجه البزار بسند رجاله موثقون (5). {138}
فإن قام خلف الإمام أو عن يساره، صح مع الكراهة عند الأئمة الثلاثة لأن ابن عباس لما أحرم عن يسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أداره عن يمينه ولم تَبطل تحريمتُه، ولو بطلتْ لما أقرّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أول صلاته، ولأن اليسار موقف للمأموم إذا كان معه آخر
(1) ص 58 ج 2 مغنى.
(2)
ص 286 ج 1 تحفة الأحوذى.
(3)
ص 195 ج 1 منه (الرجل يصلى ومعه رجل).
(4)
تقدم رقم 59 ص 39 (الجماعة فى غير الصلوات الخمس).
(5)
ص 95 ج 2 مجمع الزوائد (إذا كان إمام ومأموم).
(وقال) أحمد والهادوية: تبطل صلاته، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس عن يمينه. وعدمُ أمره له باعادة التحريمة، لا يدل على صحة صلاة من وقف على يسار الإمام فى الصلاة كلها عالماً بموقف المأموم الواحد. غاية ما فيه تقرير مَنْ جهل الموقف والجهل عذر، ولأن ما فعله ابن عباس قبل الركوع لا يؤثر، فإن الإمام يُحرم قبل المأمومين ولا يضر انفراده بما قبل إحرامهم ولا يلزم من العفو عن ذلك العفو عن ركعة كاملة.
(وَرُدَّ) بأن سماحة الدين ويسرَه لا يتفقان وهذا التشديد فى موقف المأموم، وسيأتى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكرة - وقد أحرم وركع قبل أن يصل الصفّ - زَادك الله حِرْصاً ولا تعُد (1) فقد خالف الموقف ودعا له النبى صلى الله عليه وسلم ولم يخبره ببطلان صلاته. والظاهر مذهب الجمهور.
(ب)" إذا كان " مع الإمام اثنان فأكثر تقدم الإمام ووقف المأمومون خلفه عند الأئمة الأربعة والجمهور "لقول" أنس: صلىّ النبى صلى الله عليه وسلم فى بيت أم سُليم فقمت أنا ويتيم خلفه وأم سُليم خلفنا. أخرجه الشافعة والبخارى والبيهقى (2). {139}
" ولقول "، جابر بن عبد الله: قام النبى صلى الله عليه وسلم ليصلى المغرب فجئتُ فقمتُ إلى جنبه عن يساره فأخذ بيدى فأدرانى حتى أقامنى عن يمينه، فجاء جُبارُ بنُ صَخرٍ حتى قام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذَنا بيديه فدفعنا حتى أقامنا خلفه (الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود (3). {140}
(1) يأتى ص 115 رقم 158 (انفراد المأموم خلف الصف).
(2)
ص 137 ج 1 بدائع المنن. وص 238 ج 2 فتح البارى (صلاة النساء خلف الرجال) وص 106 ج 3 - السنن الكبرى (من جوز الصلاة دون الصف).
(3)
ص 294 ج 5 - الفتح الربانى. وص 20، 21 ج 5 - المنهل العذب (إذا كان الثوب ضيقاً).
(وروى) أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أن عُمر بن الخطاَّب أمَّ رجلين فجعلهما خلفه. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (1). {46}
وليس ذلك شرطاً ولكنه الأولى والأسن.
(ج)" ولو صلى " مع الإمام ذكر وامرأة وقف الذكر عن يمينه والمرأة خلفهما " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أمَّةُ وامرأةً منهم فجعله عن يمينه والمرأةَ خلف ذلك. أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخارى. وهذا لفظ أبى داود (2). {141}
(د)" وإذا كان " مع الإمام رجال وغيرهم وقف خلفه الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء " لحديث " أبى مسعود الأنصارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لِيَلِيَنىّ منكم أولو الأحْلام والنُّهى، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلونهم. أخرجه البيهقى والسبعة إلا البخارى والنسائى وحسنه الترمذى (3). {142}
" ولقول " أبى مالك الأشعرى: يا معشرَ الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أُعَلمْكم صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما أنْ فاء الفئ وانكسر الظلّ قام فأذَّن فصف الرجالَ فى أدنى الصفِّ وصف الوِالدانَ خلفهم. وصف النساء خلف الولدان ثم أقام الصلاة فتقدم
(1) رقم 253 ص 50 كتاب الآثار (الإمامة).
(2)
ص 107 ج 3 - السنن الكبرى. وص 297 ج 5 الفتح الربانى. وص 164 ج 5 نووى مسلم (جواز الجماعة فى النافلة) وص 338 ج 4 - المنهل العذب (باب الرجلين يؤم أحدهما صاحبه) وص 129 ج 1 سنن ابن ماجه (الإثنان جماعة).
(3)
ص 97 ج 3 - السنن الكبرى. وص 303 ج 5 - الفتح الربانى. وص 155 ج 4 نووى مسلم (تسوية الصفوف) وص 63 ج 5 - المنهل العذب (من يستحب أن يلى الإمام) وص 193 ج 1 تحفة الأحوذى. وليلينى بياء مفتوحة ونون مشددة. وعند مسلم: ليلنى بحذف الياء وتخفيف النون. و " الأحلام " جمع حلم بكسر فسكون. وهو الأناة والعقل، أو بضم فسكون. وهو البلوغ "والنهى" جمع نهية بضم فسكون، وهى العقل.
(الحديث) أخرجه أحمد وابن أبى شيبة. وفى سنده شهر بن حَوْشَبٍ تكلم فيه غير واحد ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل (1). {143}
(ومحل) تأخير الصبيان عن الرجال إن تعدّدوا بأن كانوا اثنين فأكثر. أما الصبى الواحد فيدخل مع الرجال فى الصف عند الحنفيين ومالك الشافعى والجمهور " لحديث " أنس بن مالك أن جدته مُلَيكة دعت النبى صلى الله عليه وسلم لطعام صنعتْه فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلىِ لكم، فقمتُ إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لُبِس فنَصحتهُ بماء فقام عليه النبى صلى الله عليه وسلم، وصَففتُ أنا واليتيم وراءه والعجوزُ مِنْ ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف. أخرجه الشافعى والبيهقى والجماعة إلا ابن ماجه. وصححه الترمذى (2). {144}
(وقال) أحمد: يكره أن يقوم الصبى مع الرجال خلف الإمام إلا إذا بلغ خمسَ عشْرة سنة. وروى عن عمر أنه كان إذا رأى صبياً فى الصف أخرجه. {47}
والراجح ما ذهب إليه الجمهور لما روينا.
(19)
وقوف المرأة فى صف الرجال: دل حديث أنس على أن المرأة تقف خلف الرجل ولو انفردت. ولا تقف مع الرجل لما فيه من خشية الافتتان. فلو وقفت فى صف الرجال صحت صلاتها وصلاة من يليها مع الكراهة عند
(1) ص 343 ج 5 مسند أحمد. وص 36 ج 2 نصب الراية.
(2)
ص 137 ج 1 بدائع المنن وص 96 ج 3 - السنن الكبرى (الرجل يأتم بالرجل ومعهما صبى وامرأة) وص 299 ج 5 الفتح الربانى. وص 234 ج 2 فتح البارى (وضوء الصبيان - الصلاة) وص 162 ج 5 نووى مسلم (الجماعة فى النافلة) وص 341 ج 4 - المنهل العذب (إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون؟ ) وص 129 ج 1 مجتبى (إذا كانوا ثلاثة وامرأة) وص 196 ج 1 تحفة الأحوذى (الرجل يصلى ومعه رجال ونساء) و (فلأصل لكم) بكسر اللام وفتح الياء منصوباً بلام كى، والفاء زائدة وروى بكسر اللام وحذف الياء مجزوماً. واللام فى قوله " لكم " للتعليل، أى أصلى لتعليمكم والتعليم عبادة أخرى تحصل مع الصلاة. و (لبس) بضم فكسر، أى من كثرة ما استعمل وعند الشافعى والبخارى: ما لبث بالثاء، أى من طول مكثه.
الجمهور. قال النووى: وكذا إذا تقدمت المرأة على صفوف الرجال ولم تتقدم على الإمام أو وقفت بجنب الإمام أو بجنب مأموم صحت صلاتها وصلاة الرجال مع الكراهة بلا خلاف عندنا (1)(وقال) الحنفيون وأبو بكر الحنبلى: تبطل صلاة من يليها ومن خلفها دونها " روى " أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجل يصلى وعن يمينه أو عن يساره أو بحذائه امرأة تصلى: إنه يعيد الصلاة. وإن كان بينهما مقدارُ مُؤخِرة الرَّجْل. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (2). {48}
ووجهه أن الرجل منهى عن الوقوف وراءها وإلى جانبها، لقول ابن مسعود: أخروهن من حيث أخرهن الله. أخرجه الطبرانى وعبد الرازق (3). {49}
وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخيرهن إليه إلا مكان الصلاة. والمأمور بتأخيرها الرجال. فإذا حاذت الرجلَ امرأةٌ فسدت صلاته (4). دون صلاتها، لأنه ترك ما أُمر به، فأشبه ما لو تقدم على الإمام.
(قال الحلبى) الحنفى: وعند الثلاثة المحاذاة غير مفسدة وهو القياس إلا أن أئمتنا استحسنوا بالحديث "أخروهنّ .. " وهو أمر يقتضى الافتراض فيكون ترك التأخير من الرجل مفسداً، لتركه فرض المقام. ولا تفسد صلاتها وإن كانت مأمورة بالتأخّر ضمناً ويحرم عليها تركه فرقاً بين القصدى
(1) ص 297 ج 4 شرح المهذب.
(2)
رقم 240 ص 47 كتاب الآثار (ما يفسد الصلاة)(ومؤخرة الرحل) بضم فسكون الخشبة يستند إليها راكب البعير.
(3)
رقم 156 ص 67 ج 1 كشف الخفاء. وص 255 ج 1 فتح القدير (الإمامة).
(4)
المحاذاة، هى قيام المرأة المشتهاة بجنب الرجل أو أمامه بلا حائل بينهما بحيث تحاذيه بساقها أو كعبها فى الأصح. ويشترط لفساد الصلاة بها عشرة شروط تنظر ص 521، 522 غنية المتملى شرح منية المصلى.
والضمنى، وكان وزانه معها فى لزوم تقدمه وتأخيرها وزان المأموم مع الإمام فى لزوم تأخيره وتقديم الإمام " فكما " أن المأموم لا يجوز له التقدم وتفسد صلاته والإمام لا يجوز له التأخر ولا تفسد صلاته " كذلك " الرجل لا يجوز له التأخر عن المرأة وتفسد صلاته والمرأة لا تجوز لها المحاذاة ولكن لا تفسد صلاتها. ثم قال: ثم هذا مبنى على كون الحديث مرفوعاً إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ولم يثبت ذلك. وإنما روى موقوفاً على ابن مسعود (1).
وعلى فرض رفعه فالمقرر عندهم أن النهى لا يقتضى الفساد، فقد ثبت النهى عن الصلاة فى الثوب المغصوب وَأُمِرَ غاصبه بنزعه، ولو خالف وصلى فيه أثم وأجزأته صلاته، وأيضاً فإن المرأة منهية عن الوقوف مع الرجال ولم تفسد صلاتها، فصلاة من يليها ومن خلفها أوْلى. فالراجح القول بعدم فساد صلاة الرجل بمحاذاة المرأة.
(20)
آداب الجماعة: للجماعة آداب كثيرة تقدم بعضها كتسوية الصفوف وسدّ الفرج (ومنها) ألاّ يقومَ المأمومون للصلاة إذا كان الإمام غائبا حتى يرونه " لحديث " أبى قتادة أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تَرَوْنى. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى وأبو داود (2). {145}
فقوله " حتى ترونى " إذنٌ بالقيام عند رؤية الإمام بلا تقييد بشئ من ألفاظ الإقامة. أما إذا كان الإمام حاضراً. فالأمر موسّع فى وقت قيامهم (قال) مالك فى الموطأ: وأما قيام الناس حين تقام الصلاة فإن لم أسمع فى ذلك
(1) ص 522 غنية المتملى شرح منية المصلى (شروط المحاذاة).
(2)
ص 322 ج 5 - الفتح الربانى. وص 81 ج 2 فتح البارى (متى يقوم الناسي عند الإقامة) وص 101 ج 5 نووى مسلم (متى يقوم الناس للصلاة) وص 111 ج 1 مجتبى (إقامة المؤذن عند خروج الإمام) وص 222 ج 4 المنهل العذب (الصلاة تقام ولم يأت الإمام).
بحد يقام له إلا أنى أرى ذلك على قدر طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف ولا يستطيعون أن يكونوا كرجل واحد (1). (وقال) ابن حبيب: كان ابن عمر لا يقوم حتى يسمع قد قامت الصلاة. ورُوى نحوه عن أنس ابن مالك. {50}
(وقالت) الشافعية وأبو يوسف وإسحاق وأهل الحجاز: لا يقوم كل من الإمام والمأموم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة. وهو رواية عن أحمد (وقال) أبو حنيفة ومحمد: يقومون إذا قال حىّ على الصلاة، فإذا قال قد قامت الصلاة كبرّ الإمام " لما روى " الحجاج بن فروخ ثنا العوّام بن حَوْشّبٍ عن عبد الله بن أبى أوفى قال: كان إذا قال بلال قد قامت الصلاة نهض النبى صلى الله عليه وسلم فكبر. أخرجه البيهقى وقال: وهذا لا يرويه إلا الحجاج بن فروخ، وكان يحيى بن معين يضعفه (2). {146}
ولأن المقيم أمين قد أخبر بقيام الصلاة فينبغى تصديقه.
(ورُدّ): (أ)" بأن " الحديث ضعيف، لأن الحجاج بن فروخ مجهول. وضعفه ابن معين والنسائى والدار قطنى. والعوّام بن حَوْشبٍ لم يدرك ابن أبى أوفى ولم يسمع أحداً من الصحابة (ب) بأن ما قالاه مخالف لما تقدم فى بحث " حكاية الإقامة " عن أبى أمامة أن بلال أخذ فى الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبى صلى الله عليه وسلم: أقامها الله وأدامها. وقال فى سائر الإقامة كنحو حديث عمر فى الأذان (3) أى أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكى الإقامة كالأذان إلا قد قامت الصلاة فكان يقول بدلها أقامها الله وأدامها. وهو صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل فى الصلاة إلا بعد الفراغ
(1) ص 133 ج 1 زرقانى الموطأ (النداء للصلاة).
(2)
ص 22 ج 3 - السنن الكبرى (من زعم أنه يكبر قبل فراغ المؤذن من الإقامة).
(3)
تقدم رقم 103 ص 67 ج 2 - الدين الخالص. وحديث عمر تقدم رقم 102 ص 66 منه.
من الإقامة، ولأنها دعاء للصلاة كالأذان، فلا يسن الدخول فيها إلا بعد الفراغ من الإقامة. وقد تقدم فى بحث تسوية الصفوف أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل الصلاة إلا بعد تسوية الصفوف (1) واقتدى به خلفاؤه والسلف الصالح (ومنه) تعلم أن السنة عدم الدخول فى الصلاة إلا بعد الفراغ من الإقامة وقول المقيم " قد قامت الصلاة " معناه قرب الدخول فيها.
(ومنها) الوقوف فى المكان الفاضل - فيسن للإمام الوقوف فى مقابلة وسط الصف ليستوى القوم من جانبيه " ولحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: وسِّطوا الإمام وسدُّوا الخَلَل. أخرجه أبو داود والبيهقى (2). {147}
أى اجعلوا الإمام مقابلا لوسط الصف الأول، وليس المراد اجعلوه وسطكم، لأن رتبة الإمام التقدم. والأمر فيه للندب للاتفاق على صحة الصلاة إذا كان كل المأمومين عن يمينه أو يساره. والحديث وإن كان ضعيفاً (3) لكن عليه عمل سلف الأمة وخلفها (قال) أبو حنفية: أكره أن يقوم بين الساريتين أو فى زاوية أو فى ناحية المسجد أو إلى سارية، لأنه خلاف عمل الأمة. والظاهر أن هذا فى حق الإمام الراتب لجماعة كثيرة، لئلا يلزم عدم قيامه فى الوسط، فلو لم يلزم ذلك لا يكره قيامه إلى سارية ونحوها. ذكره ابن عابدين (4)(ويستحب) للمأمومين ابتداء الصف من خلف الإمام إلى نهاية الجهة اليمنى ثم يتمونه من اليسار، وألا يُبتدأ صفِّ حتى يتم الصف الأمامى " لحديث " عائشة أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله وملائكته
(1) تقدم ص 319 جح 2 - الدين الخالص.
(2)
ص 72 ج 5 - المنهل العذب (مقام الإمام من الصف) وص 104 ج 3 - السنن الكبرى. و (الخلل) بفتحتين، الفرجة فى الصف.
(3)
(ضعيفاً) لأن فى سنده يحيى بن بشير عن أمه. وهو مستور وهى مجهولة.
(4)
ص 419 ج 1 رد المحتار.
يُصلّون على ميامن الصفوف. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى ثم قال: معاوية بن هشام ينفرد بهذا المتن فلا أراه محفوظاً (1). {148}
" ولحديث " جابرِ بنِ سَمُرَة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا تَصُفون كما تَصُفّ الملائكة عند ربهم؟ قلنا وكيف تصُف الملائكةُ عند ربهم؟ قال يُتمون الصفوف المقدَّمة ويتراصّون فى الصف. أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا الترمذى (2). {149}
وتقدم عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أتموا الصف المقدّمَ تم الذى يليه، فما كان من نقصٍ فليكن فى الصّف المؤخرّ (3).
(ومنها) قرب أهل الفضل من الإمام - فيسنّ أن يتقدم فى الصف الأول أولو الفضل وأن يلى الإمامَ أفضلُهم " لما تقدم " عن أبى مسعود الأنصارىّ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لِيَلِيَنىّ منكم أولو الأحلام والنهُّىَ ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم (4).
(ومنها) تخفيف الإمام الصلاة - فيسن للإمام مراعاة حال المأمومين، فلا يطول فى الصلاة بالزيادة عن القدر المسنون فى القراءة وغيرها " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدُكم للناس فليُخَفّف
(1) ص 65 ج 5 - المنهل العذب (من يستحب أن يل الإمام فى الصف) وص 163 ج 1 سنن ابن ماجه (فضل ميمنة الصف) وص 103 ج 3 - السنن الكبرى.
(2)
ص 311 ج 5 - الفتح الربانى. وص 51 ج 5 - المنهل العذب (تسوية الصفوف)(وص 131 ج 1 مجتبى - حث الإمام على رص الصفوف) وص 162 ج 1 سنن ابن ماجه (إقامة الصفوف) و (تصفون) بفتح التاء وضم الصاد مبنياً للمفعول. و (عند ربهم) أى عند قيامهم لعبادته.
(3)
تقدم رقم 466 ص 321 ج 2 - الدين الخالص.
(4)
تقدم رقم 142 ص 101 (موقف المأموم).
فإن فيهم الضعيفَ والسقيمَ والكبير، فإذا صلى لنفسه فليطوّل ما شاء. أخرجه السبعة إلا ابن ماجه. وفى رواية البخارى. فإن منهم المريضَ والضعيف. وفى رواية له أيضاً عن ابن مسعود: فإن فيهم الضعيف والكبير إذا الحاجة (1). {150}
(ومعلوم) أن التخفيف أمرُ نسبى يرجع إلى ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم وواظب عليه، لا إلى شهوة المأمومين، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة فالذى فعله هو التخفيف الذى أمر به وهديُه الذى واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازع فيه المتنازعون وبما ذكر تزداد علماً بجهل وخطأ من ينكر على من يؤمّ الناس فى صلاة الصبح أو الظهر فيقرأ فيهما بالوارد، ويطمئن فى الركوع والرفع منه والسجود والجلوس بين السجدتين حسب الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستدل بحديث أبى هريرة وقد تقدم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم إنما أنكر على معاذ قراءته البقرة فى صلاة العشاء، وأمره أن يقرأ فيها من أوساط المفصّل وقد تقدم الكلام على هذا بأتمِّ وجه وأكمله فى "بحث القراءة فى العشاء "(2).
(ومنها) أنه يندب للإمام فى يُخلص فى صلاته، ويتضرعَ فى دعائه، ويُحسِنَ طهارته وقراءته ويحضُر إلى المسجد أول الوقت، فإن اجتمع الناس بادر بالصلاة وإلا انتظر الجماعة ما لم يفحش الانتظار.
وبالجملة فينبغى له أن يأتى بصلاته على أكمل ما يطيقه من الأحوال (ومنها) انتظار الإمام من يريد الصلاة معه: فمتى أحس الإمام بداخل يريد الصلاة معه، استحب له - عند الحنفيين والشافعى - انتظاره حال القيام
(1) ص 235 ج 5 - الفتح الربانى. وص 137 ج 2 فتح البارى (إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء) وص 185 ج 4 نووى مسلم (أمر الأئمة بتخفيف الصلاة فى تمام) وص 217 ج 5 - المنهل العذب (تخفيف الصلاة) وص 122 ج 1 مجتبى (ما على الإمام من التخفيف) والمراد بالضعيف ضعيف الخلقة. والسقيم، من به مرض.
(2)
انظر ص 280، 281 ج 2 - الدين الخالص.
أو الركوع أو القعود الأخير، ليدرك فضل الجماعة، لما فيه من التعاون على البر والتقوى. وهذا إن سوىّ بين المأمومين فى ذلك وقصد به التقرب إلى الله تعالى، واتسع الوقت ولم يبالغ فى الانتظار بما يشقُّ على المؤمنين، أما إن انتظره تودداً إليه، أو حَياء منه، فهو مكروه تحريماً عند أكثر العلماء " قال " الكاسانى: ثم الإمام إذا كان فى الركوع فسمع خفق النعل ممن دخل المسجد هل ينتظره؟ قال أبو يوسف: سألت أبا حنيفة وابنَ أبى ليلى عن ذلك فكرهاه. وقال أبو حنيفة: أخشى عليه أمراً عظيماً يعنى الشرك (1) وروى هشام عن محمد أنه كره ذلك. وقال الشافعى لا بأس به مقدار تسبيحة أو تسبيحتين. وقال أبو القاسم الصفار: إن كان الرجل غنياً لا ينتظره وإن كان فقيراً يجوز. وقال الفقيه أبو الليث: إن كان الإمام قد عرف الجائى فلا ينتظره لأنه يشبه الميل وإن لم يعرفه فلا بأس به، لأن ذلك إعانه على الطاعة (2) (وقال) ملاّ على القارى: والمذهب عندنا أن الإمام لو أطال الركوع لإدراك الجائى لا تقرباً بالركوع لله، فهو مكروه تحريماً ويخشى عليه منه أمر عظيم لكن لا يكفر به لأنه لم ينوِ به عبادة غير الله (3) (وقال) الجرانى فى فتح العلام: ويكره الانتظار فى غير الركوع والتشهد
الأخير، لعدم الفائدة، كما يكره فيهما عند فقد شرط مما مرّ. ويحرم عند ضيق الوقت ولقصد التودد (4).
(1) فهم بعضهم من كلام الإمام أنه يصير مشركاً فأفتى بإباحة دمه وليس كذلك وإنما أراد الشرك فى العمل لأن أول الركوع كان لله تعالى وآخره للمجائى فلا يكفر لأنه لم يرد التذلل والعبادة له.
(2)
ص 209 ج 1 بدائع الصنائع (سنن الصلاة).
(3)
ص 96 ج 2 مرقاة المفاتيح (ما على الإمام).
(4)
وأهم شروط ندب الانتظار عند الشافعية سبعة (الأول) ألا تكون الجماعة مكروهة كمقضية خلف مؤداة (الثانى) ألا يخاف خروج الوقت فى الجمعة مطلقاً، وفى غيرها إن شرع فيها ولم يبق من وقتها ما يسعها كلها. (الثالث) ألا يبالغ فى الانتظار بأن يطوله تطويلا لو وزع على أركان الصلاة لعد كل منها طويلا عرفاً. (الرابع) ألا يميز بين الداخلين. (الخامس) أن يكون الانتظار لله. (السادس) أن يظن أنه أتى بالإحرام من قيام. فلو كانت عادته الركوع قبل تمام التكبيرة كما يفعله كثير من الجهلة لم ينتظره. (السابع) ألا يعتاد البطء فى المشى أو تأخير الإحرام إلى الركوع. وتمامه فى فتح العلام.
(ومشهور) مذهب الحنبلية أنه يكره الانتظار عن شق على المأمومين، وإلا استحب (قال ابن قدامة) متى أحسّ بداخل فى حال القيام أو الركوع يريد الصلاة معه وكانت الجماعة كثيرة، كره انتظاره، لأنه يبعد ألَاّ يكون فيهم من يُشق عليهم، وكذلك إن كانت الجماعة يسيرة والانتظار يشق عليهم لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل، فلا يشق عليهم لنفعه. وإن لم يكن كذلك استحب انتظاره. وهذا مذهب أبى مجلز والشعبى والنخعى وإسحاق (1)(وقالت المالكية) يكره الانتظار مطلقاً.
(21)
مكروهات الجماعة: يكره فيها أمور المذكور منها هان خمسة:
1 -
يكره توسط الإمام بين اثنين أو أكثر، لما فيه من مخالفة موقفه كما تقدم فى بحث " موقف المأموم "(2)
2 -
تكره الصلاة بين الأعمدة للإمام وغيره عند مالك وإسحاق وإبراهيم النخعى " لحديث " معاوية بن قرّة عن أبيه قال: كنا نُنْهَى أن نَصُفَّ بين السوارى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطردُ عنها طرداً. أخرجه ابن ماجه والحاكم والبيهقى. وفى سنده هارون بن مسلم البصرى. وهو مجهول (3). {151}
لكن يقويه " قول " ابن مسعود: لا تَصُفُّوا بين السوارى. أخرجه البيهقى، وقال: ورواه الثورى عن أبى إسحاق فقال: لا تصفوا بين الأساطين وهذا لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف. فإن كان منفرداً أو لم يجاوزا ما بين الساريتين لم يكره (4). {51}
" وقول " عبد الحميد بن محمود: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فَدُفِعْنَا إلى السوارى فتقدمنا وتأخرنا فقال أنس: كنا نتقى هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والبيهقى والثلاثة والحاكم وصححه.
(1) ص 16 ج 2 - الشرح الكبير.
(2)
تقدم ص 100 (موقف المأموم) وص 106 (الوقوف فى المكان الفاضل).
(3)
ص 163 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة بين السوارى) وص 104 ج 3 - السنن الكبرى (كراهية الصف بين السوارى).
(4)
ص 104 منه.
وقال الترمذى حديث حسن صحيح (1). {152}
حملوا النهى فى هذه الأحاديث عن الكراهة. وروى سعيد بن منصور النهى عن ذلك عن ابن مسعود وابن
عباس وحذيفة. ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة. وحكمة النهى عن ذلك ما فيه من قطع الصف ولأنه مُصَلىَّ الجن المؤمنين (وقال) الشافعى وابن المنذر والحنبلية: تكره الصلاة بين السوارى للمأمومين إذا أدى ذلك إلى قطع الصف. ولا تكره لغير المأمومين " لحديث " معاوية بن قرة السابق، فإنه يدل بمفهومه على جواز صلاة المنفرد بين السوارى، لأنه ليس فيه إلا النهى عن الصف بينها، فما ورد من النهى عن الصلاة بين السوارى مطلقاً يحمل على المقيد. فيكون النهى مختصاً بالمؤتمين دون الإمام والمنفرد " لقول " مجاهد: أتِىَ ابنُ عمر فقيل له: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة قال ابن عمر: فأقبلتُ فسألتُ بلالاً أصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى الكعبة؟ قال: نعم ركعتين بين السّاريتين (الحديث) أخرجه البخارى (2). {153}
(وقال) أبو حنيفة: يكره للإمام فقط. قال فى الدراية: الأصح ما روى عن أبى حنيفة: أكره للإمام أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية من المسجد أو إلى سارية، لأنه خلاف عمل الأمة (3) وأجازه مطلقاً بلا كراهة الحسن البصرى وابن سيرين والكوفيون مستدلين بحديث ابن عمر " وبقوله " دخل النبى صلى الله عليه وسلم البيتَ ثم خرج فسألت بلالا أين صلى؟ فقال:
(1) ص 324 ج 5 - الفتح الربانى. وص 104 ج 3 - السنن الكبرى. وص 61 ج 5 - المنهل العذب (الصفوف بين السوارى) وص 131 ج 1 مجتبى. وص 194 ج 2 تحفة الأحوذى. وص 210 ج 1 مستدرك. و (دفعنا) مبنى للمفعول. والسوارى جمع سارية وهى العمود (فتقدمنا) أى تقدم البعض وتأخر البعض فراراً من الصلاة بين السوارى. وعند أحمد: فتقدمنا أو تأخرتا بالشك.
(2)
ص 338 ج 1 فنح البارى (فوله واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى).
(3)
ص 352 ج 1 فتح القدير (الإمامة).
بين العمودين المقدمين، أخرجه الشيخان (1). {154}
(وأجابوا) عن حديث معاوية بن قرة بأنه ضعيف كما تقدم، وعن حديث أنس بأنه مردود بفعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم (ورد) بأن حديث معاوية وإن كان ضعيفاً فله شواهد تقويه كما تقدم " وبأن فعل " النبى صلى الله عليه وسلم، وهو صلاته بين الساريتين فى الكعبة مخصص لحديث النهى فلا يُردّ حديث أنس (وأجاب) الأولون عن صلاته صلى الله عليه وسلم فى الكعبة بين الساريتين، بأنه لا يعارض النهى الخاص بالأمة لعدم شموله له. وعلى فرض شموله له فيكون فعله صلى الله عليه وسلم صارفاً للنهى عن التحريم إلى الكراهة.
(والراجح) قول الشافعية والحنبلية بكراهة الصلاة بين الأعمدة للمأمومين فقط، فإن الأصل فى فعل النبى صلى الله عليه وسلم عدم الكراهة وعدم الخصوصية. ومحل الخلاف إذا كان المكان متسعاً. أما إن كان ضيقاً فلا خلاف فى جواز الصلاة بين السوارى بلا كراهة.
3 -
يكره - عند الأئمة - علوّ الإمام وحده على المأمومين لغير ضرورة فى المسجد وغيره " لحديث " همام بن الحارث أن حُذيفة بن اليمان أمّ الناس بالمدائن على دُكّان فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه. فلما فرغ من صلاته قال: ألَمْ تعلم أنهم كانوا يُنْهَوْن عن ذلك؟ قال: بلى فذكرتُ حين جذبتنى. أخرجه الشافعى وأبو داود والبيهقى والحاكم وصححه وابن خزيمة وابن حبان (2). {155}
" ولقول " حذيفة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أم الرجل القوم فلا يقمْ فى المكان أرفعَ من مقامهم. أخرجه أبو داود والبيهقى (3). {156}
(1) ص 385 ج 1 فتح البارى (الصلاة بين السوارى .. ) وص 85 ج 9 نووى مسلم (دخول الكعبة .. ).
(2)
ص 137 ج 1 بدائع المنن. و 320 ج 4 - المنهل العذب (الإمام يقوم بمكان أرفع). وص 108 ج 3 - السنن الكبرى (مقام الإمام) وص 210 ج 1 مستدرك (والمدائن) مدينة على دجلة قرب بغداد. و (دكان) بضم الدال وشد الكاف، المراد به دكة أو مكان مرتفع. ويطلق على الحانوت. و (جبذه) بتقديم الباء على الذال مقلوب جذب، أى أخذه بقوة.
(3)
ص 321 ج 4 - المنهل العذب. وص 190 ج 3 - السنن الكبرى.
والنهى هنا مطلق. لكنه مقيد بعدم الضرورة اتفاقاً (ومنها) قصد التعليم " قال " أبو حازم: سألوا سهلَ بن سعد السَّاعدىَّ من أى شئ منبرُ النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما بقى أحد أعلمُ به منى، من أثْل الغابة. ولقد رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر أول يوم وُضِع فكبّر وهو عليه ثم ركع ثم نزل القهقرى وسجد فى أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: أيها الناس إنما صنعتُ هذا لتأتموا بى ولتَعلمَّوا صلاتى. أخرجه البيهقى والسبعة إلا الترمذى (1). {157}
واختلفوا فى قدر الارتفاع المكروه (قال) الحنفيون: يكره ارتفاع الإمام وحده عن المأمومين قدر ذراع أو ما يقع به الامتياز. وهذا أوجَه لما تقدم ولما فيه من الكبْر ومشابهة أهل الكتاب فى تخصيص الإمام بمكان مرتفع. أما إذا كان معه أحد من المأمومين فلا كراهة فيه.
(وقالت) المالكية: يكره علوّ الإمام وحده لغير ضرورة علوّاً فاحشاً إذا لم يقصد به الكبْر. أما إذا كان معه جماعة من المأمومين فالمعوَّل عليه عدم الكراهة. وإن قصد بعلوه الكبر بطلت صلاته. ويغتفر العلو اليسير كثير وذراع " وقالت " الشافعية: يرجع فى قدر الارتفاع للعرف.
(1) ص 108 ج 3 - السنن الكبرى (مقام الإمام) وص 300 ج 5 - الفتح الربانى. وص 270 ج 2 - فتح البارى (الخطبة على المنبر .. ) وص 335 ج 6 - المنهل العذب (اتخاذ المنبر) وص 223 ج 1 سنن ابن ماجه (فى بدء شأن المنبر) و (أثل الغابة) شجر شبيه بالطرفاء أعظم منه أو هو الطرفاء " قال " يا قوم الرومى: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طرفاء له ثلاث درجات: القعدة ودرجتان. ذكره ابن عبد البر وقال: إسناد لين ليس بالقائم. ص 72 ج 1 - الاستيعاب (باقوم الرومى) ولم يذكر فى الحديث القراءة بعد التكبير والقيام بعد الركوع، وقد ذكرهما البخارى فى رواية من طريف سفيان عن أبى حازم بلفظ: كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى ص 330 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى السطوح) والقهقرى. المشى إلى خلف. وإنما فعله محافظة على استقبال القبلة. و (لتعلموا) بكسر اللام الأولى وفتح الثانية مشددة، أى لتتعلموا صلاتى.
(وقالت) الحنبلية: يكره ارتفاع الإمام ذراعاً فأكثر ولو بقصد التعليم، وإن كان أقل فلا كراهة. وعليه حملوا حديث سهل بن سعد الساعدى (وَرُدَّ) بأن قوله فيه " ولتعلموا صلاتى " صريح فى أنه صلى الله عليه وسلم إنما ارتفع لقصد التعليم (قال) ابن دقيق العيد: من أراد أن يستدل به " يعنى بحديث سهل " على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم، لأن اللفظ لا يتناوله (1).
(وظاهر) الأدلة كراهة ارتفاع الإمام على المأمومين لغير ضرورة.
ومنها قصد التعليم فى المسجد وغيره، لا فرق بين القائمة وغيرها.
4 -
يكره ارتفاع المأموم على إمامه عند الشافعية.
(والمشهور) عند الحنفيين أنه مكروه تنزيهاً إذا ارتفع كل المأمومين لغير عذر، لما فيه من الأزدراء بالإمام (وقالت) المالكية: لا يكره علو مأموم على إمامه ولو بسطح المسجد فى غير الجمعة إن لم يقصد بعلوه كبراً وإلا بطلت صلاته كما لا تصح جمعة المأموم فوق المسجد (وقالت) الحنبلية: لا يكره علو المأموم على الإمام مطلقاً. واختاره الطحاوى وقاضيخان وقال: وعليه عامة المشايخ لعدم النهى. ولذا فعله بعض الصحابة "قال" صالح مولى التوأمة: رأيت أبا هريرة يصلى فوق ظهر المسجد بصلاة الإمام فى المسجد. أخرجه الشافعى والبيهقى ذكره البخارى تعليقاً (2). {52}
وجملة القول أن ارتفع المؤتم إن كان مُفرطاً بحيث لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام، فهو ممنوع بالإجماع فى المسجد وغيره. وإن كان الارتفاع غير مفرط فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع. ويعضِّد هذا الأصل
(1) ص 331 ج 1 فتح البارى (الشرح).
(2)
ص 138 ج 1 بدائع المنن. وص 111 ج 3 - السنن الكبرى (صلاة المأموم فى المسجد أو على ظهره أو فى رحبته) وص 330 ج 1 - فتح البارى (الصلاة فى السطوح والمنبر) وصالح مولى التوأمة فيه ضعف لكن رواه سعيد بن منصور من وجه آخر فاعتضد.
فعل أبى هريرة المذكور ولم يُنكَر عليه.
5 -
تكره صلاة الرجل منفرداً عن الصف عند الجمهور " لما روى " أبو بَكَرة أنه دخل المسجد ونبى الله صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصفِّ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: زادك الله حِرْصاً ولا تعدُ. أخرجه أحمد والبخارى والنسائى وأبو داود. وهذا لفظهما (1). {158}
وجه الدلالة أنه أدى بعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالإعادة ونهاه عن العود إلى ذلك إرشاداً إلى ما هو الأفضل، فدل على صحة صلاة المنفرد خلف الصف مع الكراهة (وقالت) الحنبلية وإسحاق وابن المنذر والنخعى: من أحرم خلف الصف ثم دخله وأدرك فيه الركوع مع الإمام صحت صلاته " لحديث " أبى بَكرة. وإن صلى ركعة كاملة خلف الصف بطلت صلاته " لحديث " وابصةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يُصلى خلف الصفِّ وحده فأمره أن يُعيدَ الصلاة. أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقى والترمذى وحسنه (2). {159}
" ولقول " علىّ بن شيبانَ قدمِنا على النبى صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصّلينا خلفه ثم صلينا وراءه صلاة أخرى فقضى الصلاة فرأى رجلا فرداً يصلى خلف الصف فوقف عليه نبى الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف ثم قال:
(1) ص 329 ج 5 - الفتح الربانى. وص 182 ج 2 فتح البارى (إذا ركع دون الصف) وص 139 ج 1 مجتبى (الركوع دون الصف) وص 74 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يصل خلف الصف) و (لا تعد) بفتح فضم من العود. أى لا تعد على السعى الشديد والركوع دون الصف ثم المشى إليه وأنت راكع، ويؤيده حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يكع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف. أخرجه الطحاوى بسند حسن ص 231 ج 1. وروى: ولا تعد بضم فكسر من الإعادة.
(2)
ص 74 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يصلى وحده خلف الصف) وص 163 ج 1 - سنن ابن ماجه. وص 104 ج 3 - السنن الكبرى. وص 194 ج 1 - تحفة الأحوذى.
اسْتَقْبِلْ صلاتَك لا صلاة الذى صلى خلف الصفِّ. أخرجه أحمد وحسنه والبيهقى وابن ماجه بسند رواته ثقات. وهذا لفظه (1). {160}
(وأجاب) الجمهور عنه: (أ) بأن الأمر بإعادة الصلاة محمول على الاستحباب جمعاً بين الأدلة وزجراً لمن فعله كى لا يعود. (ب) وبأن قوله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة للذى خلف الصف، معناه لا صلاة كاملة بدليل أنه صلى الله عليه وسلم انتظره حتى فرغ من الصلاة، ولو كانت باطلة ما أقره على الاستمرار فيها (وجملة) القول أن الجمهور حملوا حديث وابصة على الندب، وحديث على بن شيبان على نفى الكمال، ليوافقا حديث أبى بكرة إذ ظاهرة عدم لزوم الإعادة لعدم أمره بها (هذا) ومن حضر ولم يجد فى الصف فرجه قال إبراهيم النخعى وأكثر الشافعية: يُحرم ويختار واحداً فيجذبه إليه. ويستحب للمجذوب موافقته وهو مشهور مذهب أحمد " لحديث " وابصة أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا صلى خلف الصفوف وحده فقال: أيها المصلى وحده ألا وَصَلت إلى الصف أو جرَرْتَ رجلا فقام معك؟ أعِدْ صلاتك. أخرجه أبو يعلى والبيهقى. وفى سنده السرى بن إسماعيل وهو ضعيف (2). {161}
" ويُقَوِّيه " حديث مقاتل بن حَيّان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن جاء رجل فلم يجد أحداً فْليَخْتَلِجْ إليه رجلا من الصف فليقم معه فما أعظمَ المُخْتَلَج. أخرجه البيهقى وأبو داود فى المراسيل (3). {162}
(وقال) الحنفيون: من لم يجد فرجه فى الصف ينتظر حتى يجئ آخر
(1) ص 327 ج 5 - الفتح الربانى. وص 105 ج 3 - السنن الكبرى. وص 163 ج 1 - سنن ابن ماجه (صلاة الرجل خلف الصف وحده).
(2)
ص 96 ج 2 - مجمع الزوائد (ما يفعل من جاء بعد تمام الصف) وص 105 ج 3 - السنن الكبرى (كراهية الوقوف خلف الصف وحده).
(3)
ص 105 منه.
فيقفان معاً. فإن لم يجئ أحد حتى ركع الإمام يختار عالماً بالحكم فيجذبه ويقفان. وعليه حملوا الأحاديث الواردة فى هذا. فإن لم يجد عالماً بالحكم صلى خلف الصف بحذاء الإمام ولا كراهة حينئذ للضرورة (قال) ابن الهُمَام: إذا جاء والصف ملآن يجذب واحداً منه ليكون معه وينبغى لذلك ألا يجيبه فتنتفى الكراهة عن هذا لأنه فعل وسُعه (1)(وقال) مالك والأوزاعى وإسحاق وداود: من لم يجد سعة فى الصف يقف منفرداً ويكره له جذب أحد وهو رواية عن الشافعى وأحمد، لأنه لو جذب واحداً لفوّت عليه فضل الصف ولأوقع الخلل فيه (قال مالك) فى المدونة: من صلى خلف الصفوف وحده فصلاته تامة مجزئة ولا يجبذ إليه أحداً، ومن جبذ أحداً ليقيمه معه فلا يتبعه (2) ولعل الأحاديث لم تبلغهم، أو لم يقولوا بها لضعفها، لكن قد علمتَ أنها لكثرتها يقوى بعضها بعضاً، فيحتج بها.
(22)
أعذار ترك الجماعة: يباح التخلف عن الجمعة والجماعة لأعذار، المذكور منها هنا أحد عشر.
(1)
المرض الذى يشق معه الذهاب إلى المسجد. (2) والمطر الشديد، وهو ما يحمل الناس على تغطية رءوسهم (3 - 9) والبرد. والريح، والظلمة الشديدة والخوف من ظالم على نفس أو عرْض أو مال، وحضور طعام تتوقه النفس، ومدافعة البول أو الغائط أو الريح. والخوف من حبس ظالم أو دائن وهو معسر " لما تقدم " عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من سمع المنادىَ فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تُقبلْ منه الصلاة التى صلى قالوا:
(1) ص 352 ج 1 فتح القدير (الإمامة).
(2)
ص 102 ج 1 - المدونة الكبرى (صلاة الرجل وحده خلف الصفوف).
وما العذر يا رسول الله؟ قال خوف أو مرض. أخرجه أبو داود والدار قطنى (1) وفى سنده أبو جَناب يحيى بن الكلبى وأبو المخارق الكوفى، وفيهما مقال (قال) ابن المنذر: لا أعلم خلافاً بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض. وقد تخلف النبى صلى الله عليه وسلم عنها وهو مريض قال: مروا أبا بكر أن يُصلىَ بالناس " ولحديث " مالك عن نافع أن ابن عمر أذَّن للصلاة فى ليلة ذات برْد وريح فقال. ألا صلوا فى الرحال. ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذاتُ
مطر يقول: ألا صلوا فى الرِّحال. أخرجه الأئمة والشيخان والنسائى وأبو داود (2). {163}
ومثلُ البرد الحرُّ الشديد والريح الباردة فى ليلة مظلمة وإن لم تكن شديدة عند الحنبلية والشافعية (وقال) الحنفيون: لا تكون عذراً إلا إن كانت شديدة وقد أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعة فى شدة المطر والظلمة والريح وما أشبه ذلك مباح (وعن عائشة) أن النبى صلى الله عليه وسلم. قال: لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان. أخرجه مسلم وأبو داود (3). {164}
(وعن ابن عمر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم على
(1) تقدم رقم 56 ص 34 (حكم الجماعة) و (لم تقبل منه) جواب الشرط. والمعنى أن من سمع المؤذن فلم يمنعه من إجابته - بحضور الجماعة - عذر، لم تقبل صلاته، أى لم يثب عليها ثواباً كاملا.
(2)
ص 124 ج 1 بدائع المنن. وص 184 ج 5 - الفتح الربانى. وص 108 ج 2 فتح البارى (الرخصة فى المطر والعلة أن يصلى فى رحله) وص 205 ج 5 - نووى مسلم (الصلاة فى الرحال فى المطر) وص 106 ج 1 - مجتبى (الإذن فى التخلف عن حضور الجماعة فى الليلة المطيرة) وص 205 ج 6 المنهل العذب (التخلف عن الجماعة فى الليلة المطيرة)(والحديث) صريح فى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان بأمر المؤذن أن ينادى بالصلاة فى الرحال بعد الأذان، وهو الراجح لما فيه من عدم تغيير نظم الأذان.
(3)
ص 47 ج 5 نووى مسلم (كراهة الصلاة بحضرة الطعام .. ) وص 295 ج 1 - المنهل العذب (الرجل أيصلى وهو حاقن؟ ) ولفظه: لا يصلى.
الطعام فلا يعجَل حتى يَقضىَ حاجته منه وإن أقيمت الصلاةُ. أخرجه البخارى (1). {165}
(وعن أم سلمة) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا حضر العَشاء وحضَرت الصلاةُ فابدءوا بالعَشاء. أخرجه أحمد وابن شيبة بسند جيد (2). {166}
دل ما ذكر على أنه يطلب تقديم تنازل الطعام الحاضر على الصلاة ولو كان غير محتاج إليه ولم يخش فساده. ولذا قال ابن حزم والظاهرية يجب تقديم الطعام وتبطل الصلاة إذا قُدّمتْ. ورَوى القولَ بالوجوب الترمذىُّ عن أبى بكر وعمر وابن عمر وأحمد وإسحاق (وقال) الجمهور: يكره تقديم الصلاة على الطعام إذا حضر. وظاهر الأحاديث أنه يقدَّم الطعام وإن خشى خروج الوقت، وبه قال ابن حزم وبعض الشافعية (وقال) الجمهور: محله إن اتسع الوقت وإلا لزم تقديم الصلاة " وظاهر " قوله فى حديث ابن عمر: فلا يعجَل حتى يقضى حاجته "أنه" يأخذ حاجته من الطعام كاملة، وهو يردّ ما قاله بعض الشافعية من أنه يقتصر على تنازل لُقَيَمات يكسِر بها سَورة الجوع.
ومثل الطعام فى ذلك كله ما يحصل بتأخيره شغل البال بجامع ذهاب الخشوع الذى هو روح الصلاة.
(10)
العمى: هو عذر إن لم يجد الأعمى قائداً ولم يهتد بنفسه " لقوله " تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا} فإن وجد قائداً أو اهتدى بنفسه فلا
(1) ص 110 ج 3 - فتح البارى (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة).
(2)
ص 189 ج 5 - الفتح الربانى (الأعذار التى تبيح التخلف فى الجماعة).
عذر له فى التخلف عن الجماعة عند الجمهور، لأن النبى صل الله عليه وسلم لما أعلم أن ابنَ أُم مكتوم الأعمى يهتدى إلى المسجد لم يرخص له فى التأخر عن صلاة الجماعة وقد سمع النداء كما تقدم (1) (وقال) أبو حنيفة: يباح للأعمى التخلف عن الجماعة وإن وجد قائداً، لأن القادر بقدرة الغير لا يعدّ قادراً والحديث يرده.
(11)
القيام بأمر مريض يتضرر بغيبته. هذا. ومن تخلف عن الجماعة لعذر مما سبق ونحوه - ولولاه لحضر - فله ثواب الجماعة " لحديث " أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا مِرض العبدُ أو سافر كتَب اللهُ له من الأجر مثلَ ما كان يعمَل صحيحاً مقيماً. أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود (2). {167}
(23)
أحوال المقتدى: المقتدى إما مدرك، أو لاحق، أو مسبوق أو لاحق مسبوق.
(أ)(فالمدرك) من أدرك الصلاة كلها مع الإمام. (ب)(واللاحق) غير المسبوق، من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وفاته غيرها لعذر كنوم أو غفلة أو زحمة أو سبْق حدَث (وحكمه) عند الحنفيين أنه إذا زال عذره بدأ بقضاء ما فاته بلا قراءة، ثم يتابع إمامه إن أدركه. ولو تابعه ثم قضى ما فاته صح مع الكراهة، فلو نام فى الثالثة واستيقظ فى الرابعة أتى بالثالثة بلا قراءة فإذا فرغ منها وأدرك الإمام فى الرابعة صلاها معه، وإن لم يدركه صلاها وحده بلا قراءة.
(1) تقدم رقم 59 ص 35 (حكم الجماعة).
(2)
ص 410 ج 4 مسند أحمد (حديث أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه) وص 83 ج 6 - فتح البارى (يكتب للمسافر ما كان يعمل فى الإقامة) وص 218 ج 8 - المنهل العذب. وأوله: (إذا كان الرجل يعمل صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر - الجنائز)
(وقالت المالكية) من دخل مع الإمام ثم فاته شئ من الصلاة لعذر كرحمة أو نوم لا ينقض الوضوء، فله أحوال ثلاثة:(الأولى) أن يفوته الركوع أو الرفع منه مع الإمام. فإن كان فى الركعة الأولى تابع الإمام وألغى هذه الركعة لعدم انعقادها بفوات الركوع مع الإمام. فإن ركع عمداً بطلت صلاته وإن ركع سهواً ألغى الركوع وقضى ركعة بعد سلام الإمام. وإن كان فى غير الركعة الأولى، فإن ظن أنه لو ركع أدرك الإمام ولو فى سجدة أتى بما فاته، فإن تحقق ظنه فيها. وإن تخلف ظنه ألغى ما فعله وتابع الإمام وقضى ركعة بعد سلامه. وكذا إن لم يظن إدراك سجدة مع الإمام. فإن خالف وأتى بما فاته فإن أدرك سجدة مع الإمام صحت صلاته وحُسِبَتْ له الركعةُ، وإلا بطلت صلاته لقضائه ما فاته فى صلب إمامه (الثانية) أن تفوته سجدة أو سجدتان. فإن ظن إدراك الإمام قبل رفع رأسه من ركوع الركعة التالية أتى بما فاته ولحق الإمام وحُسِبَتْ له الركعة. وإن لم يظن إدراك الإمام فى ركوع الركعة التالية ألغى الركعة وتابع الإمام وأتى بركعة بعد سلام الإمام، ولا سجود عليه لتحمل الإمام الزيادة التى لغت (الثالث) أن تفوته ركعة أو أكثر. وحكمه أنه يقضى ما فاته بعد سلام الإمام كالمسبوق.
(وقالت) الشافعية: اللاحق ويسمى الموافق هو من أدرك مع الإمام قبل ركوعه زمناً يسع الفاتحة (وحكمه) أنه لا يضر تأخره عن الإمام بركن فعلىّ كالركوع ولو بلا عذر، ولا تأخره بركنين أو ثلاثة بعذر "كبطء" المأموم فى القراءة بطأ خِلْقِيًّا لا لوسوسة والإمام معتدل القراءة " وكغفلة " المأموم وسهوه عن قراءة الفاتحة. فعلية أن يتخلف عن إمامه حتى يتم قراءتها، ويُغتفرُ له ثلاثةُ أركان طويلة وهى الركوع والسجدتان. فإن فرغ من قراءته قبل رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية، بنى على نظم صلاته حتى يدرك
إمامه. وإن لن يفرغ من القراءة إلا بعد رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية، لزمه متابعة الإمام فيما هو فيه وقضاء ركعة بعد سلام الإمام " أما " إذا كان الإمام سريعَ القراءة ولم يتمكن المأموم الموافق من إتمام الفاتحة " فإنه " يقرا ما يمكنه منها ويتحمل عنه الإمام الباقى كالمسبوق، ولا يغتفر له التخلف ثلاثة أركان.
(وقالت) الحنبلية: من أدرك الركعة الأولى مع الإمام وتخلف عنه بركن لعذر كغفلة أو نوم لا ينقض الوضوء، لزمه أن يأتى بما فاته بعد زوال عذره إذا لم يخش فوت الركعة التالية بعدم إدراك ركوعها مع الإمام. فإن خشى فوتها لزمه متابعة الإمام ولغت الركعة ولزمه قضاؤها بعد سلام الإمام كمسبوق. وإن تخلف عنه بركعة فأكثر تابعة وقضى ما فاته على صفته فإن كان ما فاته الركعة الأولى استفتح وتعوذ وقرأ الفاتحة وسورة. وإن كانت الثانية قرأ الفاتحة وسورة. وإن كانت الثالثة أو الرابعة اقتصر على الفاتحة.
(ج)(والمسبوق فقط) هو من سبقه الإمام بركعة أو أكثر قبل أن يقتدى به فيدخل الصلاة مع الإمام على الحالة التى وجده عليها من ركوع أو سجود أو جلوس أو غير ذلك. وبعد سلام الإمام يأتى بما سبُق به " روى " عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن معاذ قال: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سبُق الرجلُ ببعض صلاته سألهم فأومئوا إليه بالذى سبُق به من الصلاة فيبدأ فيقضى ما سبُق به ثم يدخل مع القوم فى صلاتهم فجاء معاذ بن جبل والقومُ قعود فى صلاتهم فقعد. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما كان سبُق به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كما صنع معاذ. أخرجه أحمد وأخرج البيهقى نحوه من طريق أبى داود (1). {168}
(1) 233 ج 5 مسند أحمد (حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه) وص 93 ج 3 - السنن الكبرى (من كره أن يفتتح الرجل الصلاة لنفسه ثم يدخل مع الإمام) و (اصنعوا كما صنع معاذ) أى أنه صلى الله عليه وسلم استحسن ما صنع معاذ فأمر الناس به بعد أن أقره الوحى.
(وقال) عطاء بن أبى رباح: كان الرجل إذا جاء وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم شيئاً من صلاته سأل فإذا أخْبِرِكْم سُبِق به، صلى الذى سُبِق به ثم دخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته فأتى ابنُ مسعود فدخل مع النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته ولم يسأل. فلما صلى النبى صلى الله عليه وسلم قام فقضى ما بقى. فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن ابنَ مسعودٍ قد سَنَّ لكم سُنَّة فاتبعوها: أخرجه الشافعى (1). {169}
(وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدّوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة أخرجه أبو داود والحاكم وصححه (2). {170}
وقال الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الإمام قال بعضهم: لعله لا يرَفع رأسه من السجدة حتى يُغفرَ له (3).
هذا. والمسبوق منفرد فيما يقضيه، وما أدركه مع الإمام فهو أول صلاته عند الشافعى وإسحاق والأوزاعى. وروى عن مالك وأحمد. فيبنى عليه فى الأفعال والأقوال. فلو أدركه فى ركعة من الرباعية يأتى بعد سلام الإمام بركعة بفاتحة وسورة ويتشهد ثم يأتى بركعتين بفاتحة فقط " لما تقدم " عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تَسْعَوْنَ وأتوها تمشُون وعليكم السكينةُ فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا (4).
(وقال) أبو حنيفة والسفيانان ومجاهد وابن سيرين: ما أدركه مع الإمام
(1) ص 145 ج 1 - بدائع المنن (ما يفعل المسبوق).
(2)
ص 338 ج 5 - المنهل العذب (الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع؟ ) وص 273، 274 ج 1 - مستدرك.
(3)
ص 407 ج 1 - تحفة الأحوذى.
(4)
تقدم رقم 71 ص 45 (ما تدرك به الجماعة).
فهو آخر صلاته. وما يقضيه فهو أولها. يستفتح له ويتعوذ ويقرأ السورة جهراً، وهو مشهور مذهب أحمد ورُوى عن الشافعى، فمن أدرك ركعة من الرباعية يقضى ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد، ثم يأتى بركعة بفاتحة فقط. ومن أدرك ركعة من المغرب يقضى ركعتين بفاتحة وسورة ثم يتشهد " لقول " النبى صلى الله عليه وسلم فى رواية من حديث أبى هريرة، وما فاتكم فاقضوا. أخرجها النسائى والبيهقى وقال: رواه مسلم عن سفيان بن عُيينة. وحكى عن مسلم أنه قال: لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهرى غيرُ ابن عيينة وأخطأ (1) ولكن تابع ابنَ عيينة ابنُ أبى ذئب فرواها عن الزهرى كذلك. وكذا أخرج الحديث أبو نُعيم فى المستخرج على الصحيحين. ذكره ابن التركمانى (2).
(وأجاب) الأولون بأن هذه الرواية شاذة. قال البيهقى: والذين قالوا " فأتموا " أكثر وأحفظ وألزم لأبى هريرة راوى الحديث فهو أولى (3) وأيضاً فإن القضاء يطلق بمعنى الأداء كما فى قوله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} وقوله {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} وهو المراد هنا جمعاً بين الروايات.
(وقال) أبو يوسف ومحمد: ما أدركه مع الإمام فهو ألو صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبنى عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها. وهو مشهور مذهب مالك. فمن أدرك ركعة من غير الصبح يأتى بعد سلام إمامه بركعتين بفاتحة وسورة ويتشهد بينهما ثم يأتي برابعة فى الرباعية بفاتحة فقط " لما روى " قتادة أن علياً قال: ما أدركتَ مع الإمام فهو أول صلاتك واقضِ ما سبقك به من القرآن. أخرجه البيهقى وقال: هذا وإن كان مرسلا عن على رضى الله عنه فهو شاهد لرواية الحارث عنه (4). {53}
(1) ص 297 ج 2 - السنن الكبرى (ما أدرك من صلاة الإمام فهو أول صلاته).
(2)
ص 297 ج 2 - الجوهر النقى.
(3)
ص 298 منه - السنن الكبرى.
(4)
ص 299 ج 2 - السنن الكبرى.
(فائدتان)(الأولى) المسبوق عند الحنفيين، منفرد فيما يقضيه إلا فى أربع:
(1)
لا يجوز الاقتداء به. (2) ويأتى بتكبير التشريق اتفاقاً، والمنفرد لا يأتى به عند الإمام. (3) ولو كبر ينوى استئناف الصلاة يصير مستأنفاً بخلاف المنفرد فإنه لا يصير مستأنفاً. (4) ولو قام لقضاء ما سُبِقَ به وسجد إمامه لسهو تابعة فيه إن لم يقيّد الركعة - التى قام إليها - بسجدة، فإن لم يتابعه سجد فى آخر صلاته وينبغى له أن ينتظر بعد السلام حتى يتبين له أنه لا سهو على الإمام، ولو قام قبل قعود الإمام قدر التشهد لا يعتدّ بما أدّاه من قيام وقراءة قبل ذلك، وإنما يعتد بما أداه بعده. فإن قرأ بعد فراغ الإمام من التشهد ما تجوز به الصلاة جاز وإلا فلا. وهذا فى المسبوق بركعة أو ركعتين. فإن كان مسبوقاً بثلاث وقام بعد تشهد الإمام جاز وإن لم يقرأ، لأنه سيقرأ فى الباقيتين. والقراءة فرض فى ركعتين (ويكره) تحريماً قيامه للقضاء قبل سلام الإمام بعد قعوده قدر التشهد إذا اقتدى بمن يرى سجود السهو بعد السلام لا قبله.
(الثانية) من أدرك الإمام راكعاً فالأفضل أن يكبر للإحرام قائماً ثم يكبر للركوع. وإن اقتصر على تكبيرة الإحرام كفته. رُوى هذا عن زيد بن ثابت وابن عمر ولا يُعرفُ لهما مخالف من الصحابة فيكون إجماعاً. وبه قال سعيد بن المسيَّب وعطاء والحسن البصرى والثورى ومالك والحنفيون وأحمد (قال) ابن قدامة: قال أحمد فى رواية ابنه صالح فيمن جاء والإمام راكع: يكبر تكبيرة واحدة، قيل له: ينوى بها الافتتاح؟ قال: نوى أو لم ينو أليس قد جاء وهو يريد الصلاة؟ ولن نية الركوع لا تنافى نية الافتتاح. ولهذا حكمنا بدخوله فى الصلاة بهذه النية ولم تؤثر نية الركوع فى فسادها والأفضل تكبيرتان (قال أبو داود) قلت لأحمد: يكبر مرتين أحب إليك؟ قال: إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف. وإن نوى تكبيرة الركوع خاصة لم يجزه، لأن تكبيرة
الإحرام ركن ولم يأت بها (1) ومن أدرك الإمام بعد الرفعِ من الركوع كبر للإحرام ثم كبر هاوياً للسجود خلافاً للحنبلية حيث قالوا: يهوى بلا تكبير. وإن أدركه فى السجود أو التشهد الأول كبر حال قيامه مع الإمام، لأنه صار مأموماً فيتابعه فى التكبير اتفاقاً.
وإن سلم الإمام قام المأموم لإتمام ما عليه بتكبير عند أبى حنيفة والثورى وإسحاق وأحمد، لأنه قام إلى ركن معتدّ به كالقائم من التشهد الأول، وكما لو قام مع الإمام (وقالت) المالكية والشافعية: يقوم بلا تكبير إن لم يدرك ركعتين بأن أدرك ركعة أو ثلاثاً، وإلا قام بتكبير.
(د)(والمسبوق اللاحق) ومن لم يدرك الركعة الأولى وفاته بعد الاقتداء ركعة أو أكثر لعذر كنوم وزحمة (وحكمه) أنه كالمسبوق فيما سُبِق به، وكاللاحق فيما فاته بعد الاقتداء.
(24)
تعدد الجماعة فى وقت واحد: نرى فى كثير من المساجد الجامعة عند شروع الإمام الراتب فى صلاة الفريضة جمعاً من الأئمة: منهم من يصلى بواحد، ومنهم من يصلى باثنين، ومنهم من يصلى بأربعة أو أكثر، ومنهم جملة أئمة فى صف واحد، ومنهم المتقدم والمتأخر فيقع الاختلاط والاشتباه فى الصلاة وتلتبس الأئمة ويشوش بعضهم على بعض بالقراءة ويختلط الحال على المأموم. فقد لا يميز إمامه من غيره. وقد يقتدى بالمأموم. وهذا ممنوع اتفاقاً لوجوه (الأول) أنه مخالف لما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، فإن ما ذكر لم يحصل فى زمنهم. وفى الحديث: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. أخرجه أحمد ومسلم عن عائشة وذكره البخارى بلا سند (2). {171}
(1) ص 9، 10 ج 2 - الشرح الكبير (إدراك الجماعة والركعة).
(2)
ص 195 ج 1 - الفتح الربانى (التحذير من الابتداع .. ) وص 16 ج 12 - نووى مسلم (نقض الأحكام الباطلة - الأقضية) وص 246 ج 13 - فتح البارى (إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ - الاعتصام بالكتاب والسنة).
(الثانى) أنه مناف لحكمه مشروعية الجماعة من ائتلاف القلوب وجمع الكلمة، ولذا شرعت صلاة الجمعة والعيدين والخوف، وفى تعد الجماعة فى وقت واحد تفريق لا جمع. (الثالث) أن فيه تشويشاً بالقراءة وتخليطاً على المتعبدين وهو حرام " لحديث " البياضى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد عَلتْ أصواتُهم بالقراءة فقال: إن المصلىَ يَناجى ربه فلينظر بم يناجيه؟ ولا يجهرْ بعضُكم على بعض بالقرآن. أخرجه أحمد بسند صحيح (1). {172}
" ولقول " أبى سعيد الخدرىّ: اعتكف رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السِّتر وقال: ألا إن كلَّّكم مناج ربه، فلا يُؤْذِيَنَّ بعضكم بعضاً، ولا يرفعْ بعضُكم على بعض فى القراءة. أو قال فى الصلاة. أخرجه أبو داود والنسائى والبيهقى والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين (2). {173}
(الرابع) أن فيه إخلالا بتسوية الصفوف وهو مخالف لتعاليم النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة كما تقدم فى بحث " تسوية الصفوف ".
(الخامس) أن فيه افتياتاً وطعناً فى حق الإمام الراتب، وقد حث الأئمة خصوصاً الشافعية والحنبلية على حفظ حق الإمام الراتب ولو غائباً ولم يرخصوا لغيره فى إقامة الجماعة فى غيبته إلا لعذر كاليأس من حضوره وخوف فوات الوقت (قال النووى): قال الشافعى: إذا حضرت الجماعة ولم يحضر إمام،
(1) ص 344 ج 4 مسند أحمد (حديث البياضى رضى الله عنه) وص 265 ج 2 - مجمع الزوائد (الجهر بالقرآن .. )
(2)
ص 262 ج 7 - المنهل العذب (رفع الصوت بالقراءة فى صلاة الليل) وص 11 ج 3 السنن الكبرى (من لم يرفع صوته بالقراءة شديداً .. ) وتقدم رقم 137 ص 94 ج 2 (بدع الأذان).
فإن لم يكن للمسجد راتب صلى بهم أحدهم. وإن كان له إمام راتب فإن كان قريباً بعثوا إليه ليحضر أو يأذن لمن يصلى بهم. وإن كان بعيداً أو لم يوجد فى موضعه فإن عرفوا من حسن خلقه أنه لا يتأذى بتقديم غيره ولا تحصل بسببه فتنة، استحب أن يصلى بهم أولاهم بالإمامة وأحبهم إلى الإمام. وإن خافوا أذاه أو فتنة، انتظروه إن لم يخافوا فوات الوقت، وإلا صلوا جماعة (1).
(وقال) ابن قدامة: ولا يُؤَمُّ فى مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه، لأن الإمام الراتب بمنزلة صاحب البيت وهو أحق " لقوله " عليه الصلاة والسلام: لا يؤمَنَّ الرجلُ الرجلَ فى بيته إلا بإذنه (2)" وقد رُوى " عن ابن عمر أنه أتى أرضاً وعندها مسجد يصِّلى فيه مولى لابن عمر فصلى معه، فسألوه أن يصلى بهم فأبى وقال: صاحب المسجد أحق إلا أن يتأخر لعذر فيصلى غيره لأن أبا بكر صلى حين غاب النبى صلى الله عليه وسلم. وفعل ذلك عبد الرحمن بن عوف فقال النبى صلى الله عليه وسلم " أحسنتم " فإن لم يُعلم عذرُه انتُظر وروسِلَ إلا أن يُخشى خروجُ الوقت فيقدَّم غيره لئلا يفون الوقت (3).
(ونقل الحطَّاب) عن الشيخ عبد الرحمن بن الحسين السعدى المالكى أنه أفتى فى سنة 550 خمسين وخمسمائة بمنع الصلاة بأئمة متعددة بالمسجد الحرام على مذاهب الأئمة الأربعة. وردّ على من جوّز ذلك وبالغ فى الرد فقال: قولهم عن هذه الصلاة جائزة لا كراهة فيها خلاف الإجماع فإن الأئمة مُجْمعة على أن هذه الصلاة لا تجوز وأنَّ أقلّ أحوالها الكراهة. لأن الذى اختلف فيه العلماء إنما هو مسجد ليس له إمام راتب، أوله إمام صلى جماعة ثم جاء آخرون فأرادوا إقامة تلك الصلاة جماعة، فأما حضور جماعتين أو أكثر فى مسجد واحد
(1) ص 207 ج 4 - شرح المهذب.
(2)
هذا بعض الحديث رقم 116 ص 85 (الأحق بالإمامة).
(3)
ص 5 ج 2 - الشرح الكبير (الإمامة).
فيصلى الإمام الراتب والبعض عُكوف من غير ضرورة لا يصلون معه ثم يصلون جماعة بعده، أو يقيمون معه جماعة أخرى. فهذا مجمع على عدم جوازه، وأقل أحواله الكراهة. فمن قال يجوازه بلا كراهة فد خرق إجماع الصحابة والقرون الستة بعدهم إلى حين ظهور هذه البدعة. (ونُقل) عن الإمام أحمد أنه منع من إقامة صلاة واحدة بجماعتين فى المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن هذا مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة وغيرهم وقال:" فأما " إقامة صلاة واحدة بإمامين راتبين يحضُر أحدهما فيصلى إماماً وتجلس الجماعة الأخرى وإمامهم حتى يفرغ الأول ثم يقيمون صلاتهم " فهذا " مما لم يقل به أحد فكيف بإمامين يقيمان الصلاة فى وقت واحد، يكبر كل والمقتدون بهما مختلطون يسمع كلٌّ قراءة الآخر، فهو مخالف لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ولا يجهرْ بعضكم على بعض بالقرآن (1)
" وَلِمَا " عليه سلف الأمة فى القرون الستة الأولى ثم قال: وسئل القاضى جمال الدين بن ظَهيرةَ الشافعى عن إقامة الأئمة الأربعة لصلاة المغرب فى وقت واحد، وعن قول بعضهم: إن المسجد الحرام كأربعة مساجد (فأجاب) بأن صلاة الأئمة الأربعة المغرب دفعة واحدة م البدع الشنيعة التى لم تزل العلماء قديماً وحديثاً ينكرونها ويردونها على مخترعها. وقوُلهُم إن المسجد الحرام كأربعة مساجد، هو قول سخيف باطل مخالف " لقوله " تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} و " لقول " البنى صلى الله عليه وسلم: صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام (2). {174}
ولم يقل المساجد الحرام ثم قال: وعلى الجملة فذلك من البدع التى
(1) هذا عجز الحديث رقم 172 ص 127 ..
(2)
أخرجه السبعة إلا أبا داود عن أبى هريرة (رقم 5104 ص 226 ج 4 - فيض القدير).
يجب إنكارها والسعى فى خفض منارها وجمع الناس على إمام واحد، ويثاب ولىّ الأمر على إزالة هذا المنكر، وكل من قام بذلك فإنه فله الجر الوافر والخير العظيم المتكاثر (قال الحطَّاب) وما قاله هؤلاء الأئمة ظاهر لا شك فيه، إذ لا يشك عاقل فى أن هذا الفعل مناقض لمقصود الشارع من مشروعية صلاة الجماعة. ولذا لم يَسمح بتفريق الجماعة بإمامين عند الضرورة الشديدة، وهى حال قتال العدو بل أمر بقسم الجماعة وصلاتهم بإمام واحد (1).
(وقد سئل) الشيخ محمد عليش عن حكم هذه المسألة بما ملخصه: ما قولكم فى صلاة جماعتين فأكثر فى محل واحد يقيمون الصلاة معاً أو متعاقبين ويقرءون معاً الفاتحة أو يقرأ أحدكم الفاتحة والآخر السورة، وهكذا فهل هذا من البدع والمحدَثات التى يجب على أهل العلم وأولى الأمر وإنكارها؟ وهل جريان العادة به من بعض العلماء والعوام يسوّغه؟ (فأجاب) بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. نعم هذا من البدع الشنيعة والمحدثات الفظيعة، أول ظهوره فى القرن السادس، ولم يكن فى القرون التى قبله، وهو من المجمع على تحريمه كما نقله جماعة من الأئمة " لمنافاته " لغرض الشارع من مشروعية الجماعة الذى هو جمع قلوب المؤمنين وتأليفهم وعود بركة بعضهم على بعض، وله شرعت الجمعة والعيد والوقوف بعرفة " ولتأديته " للتخليط فى الصلاة التى هى أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين والتلاعب بها، فهو مناف " لقوله " تعالى {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ (2)} " وقوله " تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى (3)}
(1) من ص 109 - 111 ج 2 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (الجماعة).
(2)
سورة الحج: آية 32 وصدرها: ذلك ومن يعظم.
(3)
سورة البقرة: آية 238.
" وقوله " صلى الله عليه وسلم: صلوا كما رأيتمونى أصلى (1). {175}
" وقوله " صلى الله عليه وسلم " اتقوا الله فى الصلاة، اتقوا الله فى الصلاة اتقوا الله فى الصلاة "(2). {176}
" وقوله " صلى الله عليه وآله وسلم: أتموا الصفّ المقدّم (3) ثم قال: " ومناف " لمشروعية صلاة القسمة حال الجهاد وتلاطم الصفوف وتضارب السيوف بجماعة واحدة كما فى القرآن العزيز، ولم يشرع حالهَ تعدُد الجماعة فكيف يُشرع حال السعة والاختيار؟ فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكنْ تعمى القُلوبُ التى فى الصُّدُور (4). وقد أمر الله تعالى بهدم مسجد الضرار الذى اتخذ لتفريق المؤمنين فكيف يأذن بتفريقهم وهم بمحل واحد للصلاة مجتمعين، وقال صلى الله عليه وسلم: حسْب المؤمن الشقاء والخيبة أن يسمع المؤذن يُثِّوب للصلاة فلا يُجيبه (5). {177}
وإذا كان هذا حال سامع الأذان المتلاهى عنه، فكيف حال سامع الإقامة المتصلة بالصلاة المتلاهى عنها وهو فى المسجد؟ وكيف يمكن إجابة إقامتين فأكثر لو شرعتا فى محل واحد ووقت واحد؟ (وقال) عُرفجة بن أسعْد الأشْجعىّ: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: إنه ستكون بعدى
(1) هذا عجز حديث أخرجه أحمد والبخارى عن مالك بن الحويرث ص 227 ج 5 - الفتح الربانى (من أحق بالإمامة) وص 76 ج 2 - فتح البارى (الأذان للمسافرين .. ).
(2)
هو صدر حديث أخرجه البيهقى عن أنس قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة فقال لنا: اتقوا الله الخ. وفيه بشر بن منصور الخياط قال الذهبى: متروك مجهول. وتمامه: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله فى الضعيفين: المرأة الأرملة، والصبى اليتيم. رقم 127 ص 128 ج 1 - فيض القدير.
(3)
هو صدر حديث تقدم ص 107 (آداب الجماعة).
(4)
سورة الحج عجز آية 46 وأولها: أفلم يسيروا فى الأرض.
(5)
أخرجه الطبرانى فى الكبير عن معاذ بن أنس. وفيه زيان بن فائد. ضعفه ابن معين ووثقه أبو حاتم. ص 42 ج 3 - مجمع الزوائد (التشديد فى ترك الجماعة).
هَنَات وهنات. فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان (1). {178}
(وأخرج) ابن ماجه فى سننه عن حُذيفه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَقبل الله لصاحب بدعة صوماً ولا صلاة ولا صدقة ولا حجاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلا، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين (2). {179}
(وعن أبى ذر) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صل الصلاة لوقتها. فإن أدركت الإمام يصلى بهم فصل معهم، فهى لك نافلة وإلا فقد أحرزتَ صلاتك (3) فلم يأذن النبى صلى الله عليه وسلم فى تعدد الجماعة ولا فى التخلف عنها فيجب على العلماء وأولى الأمر وجماعة المسلمين إنكارها وهدم منارها. وجريان العادة بها من بعض العلماء والعوام لا يسوغها. أهـ ملخصاً (4) وساق ما تقدم عن لحطَّاب مع زيادة. وقال العلامة السِّندى الحنفى: ما يفعله أهل الحرمين من الصلاة بأئمة متعددة وجماعات مرتبة، مكروه اتفاقاً. وذكر أنه أفتى بعض المالكية: بعدم جواز ذلك على مذاهب العلماء الأربعة، ونقل إنكار ذلك عن جماعة من الحنفية والشافعية والمالكية حضروا الموسم سنة 551 هـ ذكره ابن عابدين وقال: وأقَّرهُ الرَّملى فى حاشية البحر ولكن يشكل عليه أن نحو المسجد الملكى والمدنى ليس له جماعة معلومون فلا يصدق عليه أنه مسجد
(1) أخرجه أحمد. ص 23 ج 5 مسند (حديث عرفجة بن أسعد رضى الله عنه) وهنات جمع هنة مؤنث هن، وهو كناية عما يستقبح ذكره كالزنا وشرب الخمر. والمراد هنا خصال الشر. يقال: فى فلان هنات، أى خصال شر، ولا تقال فى الخير.
(2)
ص 13 ج 1 سنن ابن ماجه (اجتناب البدع) و (الصرف) التوبة (والعدل) الفدية.
(3)
تقدم بأتم من هذا رقم 131 ص 94 (غمامه الصالح والطالح).
(4)
من ص 92 - 94 ج 1 - فتح العلى المالك فى الفتوى على مذهب الإمام مالك (مسائل إمامة الصلاة).
مَحِلَّه بل هو كمسجد شارع وقد مرَّ أنه لا كراهة فى تكرار الجماعة فيه إجماعاً. وقدمنا فى باب الأذان عن شرح المنية عن أبى يوسف انه إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا تكره وهو الصحيح. وبالعدول عن المحراب تختلف الهيئة وبه نأخذ (1).
(25)
إقامة جماعة فى المسجد بعد جماعة الراتب: إذا صلى إمام المسجد وحضر جماعة أخرى، فلهم أن يصلوا جماعة عند أحمد وبه قال ابن مسعود وأنس وداود " لما تقدم " عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلى وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه فصلى معه رجل (2) وقال الترمذى: حديث حسن. وهو قول غير واحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين. قالوا: لا بأس أن يصلى القوم جماعة فى مسجد قد صلى فيه. وبه يقول أحمد وإسحاق. وقال آخرون: يصلون فرادى وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعى (3)" ولحديث " أنس أن رجلا جاء وقد صلَّى النبى صلى الله عليه وسلم فقام يصلى وحده، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: من يتجر على هذا فيصلى معه؟ أخرجه الدار قطنى بسند جيد (4). {180}
(وعن سلمة) بن كُهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلَّوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. أخرجه ابن أبى شيبة بسند صحيح. {54}
وقال البخارى: وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صُلِّى فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة. وأخرجه البيهقى عن أبى عثمان اليشْكُرِى قال: صلَّينا الغداة فى
(1) ص 409 ج 1 - رد المحتار (تكرار الجماعة فى المسجد).
(2)
تقدم رقم 97 ص 65 (شروط الاقتداء) وص 78 (اقتداء المتنفل بالمفترض).
(3)
ص 190 ج 1 - تحفة الأحوذى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه).
(4)
ص 103 سنن الدار قطنى (إعادة الصلاة فى جماعة).
مسجد بنى رِفاعة وجلسنا فجاء أنس بن مالك فى نحو من عشرين من فِتيانه فقال أصليتم؟ قلنا نعم. فأمر بعض فتيانه فأذّن وأقام ثم تقدم فصلى بهم (1). {55}
(وقال الليث) والثورى وابن المبارك وأبو حنيفة ومالك والأوزاعى والشافعى: يكره تكرار الجماعة فى مسجد له إمام راتب فى ممرّ الناس " لحديث " أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحى المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلَّوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم. أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط، وفى سنده معاوية بن يحيى متكلم فيه، ذكر الحافظ الذهبى فى الميزان له أحاديثَ منا كير، منها هذا الحديث. ومنه يعلم ما فى قول الهيثمى: رجاله ثقات (2). {181}
وجه الدلالة أنه لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوى (قال الشافعى) فى الأم: وإن كان لرجل مسجد يُجَّمع فيه ففاتته فيه الصلاة، فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحبَّ إلى: وإن لم يأته وصلى فى مسجده منفرداً فحسن. وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتتْ رجلا أو رجالا فيه الصلاةُ صلَّوا فرادى ولا أحبُّ أن يصلوا فيه جماعة. فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه. وإنما كرهتُ ذلك لهم، لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم، وأحسِب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرُّق الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد فى وقت الصلاة فإذا قُضيت دخلوا فجمَّعوا، فيكون فى هذا اختلافٌ وتفرّقُ كلمة وفيهما المكروه. وإنما
(1) ص 89 ج 2 - فتح البارى (فضل صلاة الجماعة) وص 70 ج 3 - السنن الكبرى (الجماعة فى مسجد قد صلى فيه .. ).
(2)
ص 45 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن جاء إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا).
أكره هذا فى كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجد بُنى على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب، ولا يكون له إمام معلوم ويصلى فيه المارّة ويستظلون، فلا أكره ذلك فيه، لأنه ليس فيه المعنى الذى وصفتُ من تفرّق الكلمة (1)(وعن) أبى حنيفة لو كانت الجماعة أكثر من ثلاثة يكره تكرار الجماعة، وإلا فلا (وعن) أبى يوسف إذا لم تكن الجماعة على الهيئة الأولى لا تكره وإلا كرهت. وهو الصحيح (ومشهور) مذهب الحنبلية: أنه لا تكره إعادة الجماعة فى غير المساجد الثلاثة، ولكن لا دليل على هذه التفرقة (قال) ابن قدامة: فأما إعادة الجماعة فى المسجد الحرام ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، فقد رُوِى عن أحمد كراهتُها فيها لئلا يتوانى الناس فى حضور الجماعة مع الإمام الراتب فيها إذا أمكنتْهم الصلاةُ فى الجماعة مع غيره. وظاهر خير أبى سعيد وأبى أمامه أن ذلك لا يكره.
لأن الظاهر أن هذا كان فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، والمعنى يقتضيه أيضاً لأن حصول فضيلة الجماعة فيها كحصولها فى غيرها (2) ومنه تعلم أن الراجح القول بعدم كراهة إعادة الجماعة فى المسجد مطلقاً (والجواب) عما استدل به القائلون بالكراهة وهو حديث أبى بكرة (أنه) لا يصلح للاحتجاج به لما تقدم، ولأنه ليس نصاً فى أن النبى صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم فى منزله، بل يحتمل أنه صلى بهم فى المسجد وكان ميله إلى منزله لجمع أهله للصلاة فيه (ومنه) يعلم ردّ قولهم: لو كانت الجماعة الثانية جائز بلا كراهة لما ترك صلى الله عليه وسلم فضلَ المسجد النبوى. وأيضاً فإنه يلزم منه كراهة الصلاة فرادى أيضاً فى مسجد قد صُلِّى فيه جماعة، فإنه يقال: لو كانت الصلاة فرادى جائزة بلا كراهة فى مسجد قد صُلى فيه جماعة لما ترك النبى
(1) ص 136 ج 1 - الأم (صلاة الجماعة).
(2)
ص 8 ج 2 - مغنى (الإمامة).
صلى الله عليه وسلم فضل المسجد النبوى. وقد تقدم عن أنس بن مالك من طرق صحيحة أنه أعاد الصلاة فى المسجد جماعة بأذان وإقامة " وأما قول " الحسن البصرى: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا فى مسجد قد صُلِّى فيه، صلوا فرادى. أخرجه ابن أبى شيبة." فقد صرح " الحسن بأن هذا إنما كان الخوف السلطان (قال) ابن أبى شيبة: حدثنا هُشيم أخبرنا منصور عن الحسن قال: إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان. وعليه يحمل القول بكراهة إعادة الصلاة جماعة فى المسجد، ويدل له " ما تقدم " عن الشافعى من قوله: وأحسِب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة " وقول " البيهقى: كراهية الحسن البصرى محمولة على موضع تكون الجماعة فيه بعد أن صلى تُفرِّق الكلمة (1). وبهذا يجمع بين أقوال الأئمة رضى الله عنهم.
(26)
إعادة الصلاة: من صلى فريضة ولو جماعة ثم أدركها فى جماعة استحب له إعادتها بنية التطوع، لا فرق بين الصبح وغيره عند إسحاق والشافعى وابن حبيب المالكى. وروى عن علىّ وحذيفة وأنس رضى الله عنهم " لقول " يزيد بن الأسود: صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم الفجرَ بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما فأمر بهما صلى الله عليه وسلم فجئ بهما تَرْعُدُ فرائُضُهما فقال لهما: ما منعكما أن تُصليا مع الناس؟ ألستهما مُسلمين؟ قالا: بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا فى رحالنا. فقال لهما: إذا صَلَيَّتْمُا فى رِحالكما ثم أتيما الإمامَ. فصليَّا معه فإنها لكما نافلةٌ. أخرجه أحمد والثلاثة والدار قطنى والحاكم والبيهقى، وهذا لفظه، وصححه ابن السكن. وقال الترمذى: حسن صحيح (2). {182}
(1) ص 70 ج 3 - السنن الكبرى.
(2)
ص 337 ج 5 - الفتح الربانى. وص 285 ج 4 - المنهل العذب (من صلى فى منزله ثم أدرك الجماعة يصلى منعهم) وص 137 ج 1 - مجتبى (إعادة الفجر مع الجماعة) وص 188 ج 1 - تحفة الأحوذى (الرجل يصلى وحده ثم يدرك الجماعة) وص 158 - سنن الدار قطنى. وص 245 ج 1 = مستدرك. وص 300 ج 2 - السنن الكبرى (الرجل يصلى وجه ثم يدركها مع الإمام) و (ترعد) كتنصر اى تضطرب وتتحرك خوفاً. و (الفرائض) جمع فريضة، وهى لحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعد من الدابة، استعير لما يرجف من الإنسان عند الخوف.
(وعن حذيفة) أنه أعاد الظهر والعصر والمغرب وقد كان صلاهن فى جماعة. {56}
(وقال) أنس: صلى بنا أبو موسى الغداة فى المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع فأقيمت الصلاةُ فصلينا مع الغيرة بن شعبة. أخرجهما الأثرم (1). {57}
ويشترط عند الشافعية للإعادة شروط (منها) أن تكون الصلاة الثانية كلها فى جماعة. وأن ينوى إعادة الصلاة المفروضة. وأن تؤدى الثانية ولو ركعة منها قبل خروج الوقت " وبه " قالت الحنبلية إلا أنهم قالوا: إن أعاد المغرب شفعها برابعة، لأن التطوّع لا كون بوتر (وقالت) المالكية: من صلى فريضة وحده أو إماماً لصبى فى غير المساجد الثلاثة استحب له إعادتها جماعة فى الوقت إلا المغرب والعشاء بعد الوتر فتحرم إعادتهما. وكذا من صلى منفرداً بمسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس، فلا يندب له إعادتها جماعة فى غيرها، ومن صلى جماعة لا يعيد (قال) ابن عبد البر: قال جمهور الفقهاء: إنما يعيد الصلاة جماعة من صلى وحده. أما من صلى فى جماعة وإن قلت فلا يعيد فى أخرى قلت أو كثرت، لقول سليمان بن يسار مولى ميمونة: أتيتُ ابن عمر على البَلاط وهم يصلّون فقلت ألا تصَلِّى معهم؟ قال: قد صليتُ إن سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين. أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود والبيهقى وقال: تفرد به الحسين المعّلم عن عمرو بن شعيب وهذا إن صح فمحمول على أنه قد صلاها فى الجماعة فلم يُعدها (2). {183}
(1) ص 6 ج 2 - الشرح الكبير لابن قدامة. و (المزيد) كمنبر موضع تجفيف الحبوب والتمر.
(2)
ص 343 ج 5 - الفتح الربانى. وص 138 ج 1 - مجتبى (سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام فى المسجد جماعة) وفيه: لا تعاد الصلاة. وص 291 ج 4 - المنهل العذب (إذا صلى = فى جماعة ثم أدرك جماعة أيعيد؟ ) وص 32 ج 2 - السنن الكبرى (من لم ير إعادتها إذا كان قد صلاها فى جماعة) وفيه لا صلاة مكتوبة (والبلاط) موضع مفروش بالبلاط بين المسجد وسوق المدينة.
وبهذا يجمع بين الأحاديث. وبالحديث تمسك من قال إن من صلى فى جماعة ثم أدرك جماعة لا يصلى معهم، لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت له. وحمل الأولون النهى فى قوله: لا تصلوا صلاة يوم مرتين. على ما إذا صلى الثانية فرادى. وهذا متفق عليه (قال) ابن حجر: من صلى وأراد أن يعيد منفرداً لا تنعقد صلاته عندنا، لأن الأصل منع الإعادة إلا ما ورد به الدليل ولم يرد إلا فى الإعادة فى جمعة أهـ. وحينئذ لا يكون مخالفاً لسائر الأحاديث ولا لمذهب من المذاهب (وقال) ابن عبد البر: اتفق أحمد وإسحاق على أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا تصلوا صلاة فى يوم مرتين. أن ذلك أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ فيعيدها على جهة الفرض أيضاً " وأما " من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة اقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم فى أمره بذلك " فليس " ذلك من إعادة الصلاة فى يوم مرتين، لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ (1) (وقال) الحنفيون: من صلى الظهر والعشاء منفرداً. استحب له إعادتهما جماعة بنية التطوع خلف مفترض لتحصيل فضيلة الجماعة. أما من صلاهما جماعة فلا يعيدهما لما تقدم عن ابن عمر. وكذا لا يعاد الصبح ولا العصر مطلقاً، لعموم أحاديث النهى عن الصلاة بعدهما. ولا المغرب " لأن " التطوع لا يكون بوتر "ولقول" ابن عمر: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يَعُدْ لهما. أخرجه مالك والشافعى (2){58} (وأجيب)(أ) عن التعليل بأنه تخصيص للنص بالرأى فلا يعول عليه. (ب) وعن قول ابن عمر بأنه معارض بحديث يزيد بن الأسود وهو صحيح كما تقدم (3).
(قال) الشوكانى: والحديث " أى حديث يزيد " يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية
(1) ص 189 ج 2 - نيل الأوطار (من صلى ثم أدرك جماعة فليصلها معهم نافلة).
(2)
ص 247 ج 1 - زرقانى الموطأ (إعادة الصلاة مع الإمام) وص 147 ج 1 - بدائع المنن.
(3)
رقم 182 ص 136.
التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة وإن كان الوقت وقت كراهة، للتصريح بأن ذلك كان فى صلا ة الصبح، فيكون هذا مخصصاً لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد الصبح، ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق به ما سواه من أوقات الكراهة (1).
" تنبيه " علم أن الصلاة المعاذة نافلة والأولى هى الفرض " لقوله " صلى الله عليه وسلم فى حديث يزيد بن الأسود: فصليِّا معه فإنها لكما نافلة " ولأن " الأولى أسقطت الفرض فلا تجب ثانياً، وإذا برئت الذمة بالأولى استحال كون الثانية فريضة (قال) إبراهيم النخعى: إذا نوى الرجل صلاة وكتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها؟ فما صلى بعدُ فهو تطوّع، وبه قال الثورى وإسحاق وأبو حنيفة والشافعى فى الجديد وأحمد. وهو رواية عن مالك. وعليه لا ينوى الثانية فرضاً بل ينويها ظهراً معادة. وإن نواها نفلا صح (وقال) الشافعى فى القديم: فرضه إحداهما لا بعينها فالأمر مفوّض إلى الله تعالى فى أيتهما شاء الفرض. وهو المشهور عن مالك (فقد رَوى) عن نافع أن رجلا سأل عبد الله بن عمر فقال: إنى أصِّلى فى بيتى ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلى معه؟ فقال له عبد الله بن عمر نعم. فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتى. فقال ابن عمر: وذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله تعالى يجعلُ أيتَهُما شاء. {59}
(وعن يحيى) بن سعيد أن رجلا سأل سعيد بن المسيَّب فقال: إن أصلى فى بيتى ثم آتى المسجدَ فأجدَ الإمامَ يُصلى أفأصِّلى معه؟ قال نعم. قال الرجل: فأيتهما صلاتى؟ فقال سعيد: أوَ أنت تجعلُها؟ إنما ذلك إلى الله أخرجهما مالك (2). {60}
(قال) ابن حبيب: معناه أن الله تعالى يعلم التى يتقبلها منه.
(1) ص 115 ج 2 - نيل الأوطار (الرخصة فى إعادة الجماعة).
(2)
ص 246 ج 1 - زرقانى الموطأ (إعادة الصلاة مع الإمام).
فأما على وجه الاعتداد بها فهى الأولى، وهذا يقتضى أن يصلى الصلاتين بنية الفرض. ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك أن الأخرى هى فرضه (1) (وتقدم) عن مالك قول آخر وهو أن الأولى فرض والثانية نفل. والقولان مبنيان عندهم على صحة رفض الصلاة بعد تمامها. وأما على القول بعدم صحته فيتعين القول الثانى (وعن سعيد) بن المسيَّب وعطاء والشعبى أن الأولى نافلة والثانية هى الفرض " لقول " يزيد بن عامر: جئتُ والنبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة فجلست ولم أدخل معهم فى الصلاة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم رآنى جالساً فقال: ألم تُسْلم يا يزيد؟ قلت: بلى يا رسول الله قد أسلمتُ. قال: فما منعك أن تدخل مع الناس فى صلاتهم؟ قال: إن كنت قد صليتُ فى منزلى وأنا أحسِب أنْ قد صليتم. فقال: إذا جئت إلى المسجد فوجدتَ الناس فصل معهم. وإن كنت قد صليتَ تكن لك نافلة وهذه مكتوبة. أخرجه أبو داود والبيهقى وقال: حديث يزيد بن الأسود أثبت منه وأولى (2). {184}
(وأجاب) الجمهور بأن المعنى تكن الصلاة التى صليتها مع الجماعة زائدة فى الثواب على ثواب الفرض، وهذه الصلاة التى أديتها فى رحلك هى الفريضة، فالضمير المستتر فى تكن عائد على الصلاة مع الجماعة، واسم الإشارة عائد على الصلاة التى صلاها فى بيته. وهذا أقرب لموافقته للأحاديث، خلافاً لمن زعم أن الضمير فى تكن عائد على الصلاة فى بيته، واسم الإشارة عائد على التى صلاها مع الجماعة، فإن ظاهره يكون معارضاً للحديث المتقدم لأنه صريح فى أن صلاته فى بيته فريضة والتى صلاها مع الجماعة نافلة. وعلى
(1) ص 246 ج 1 - زرقانى الموطأ.
(2)
ص 289 ج 4 - المنهل العذب (من صلى فى منزله ثم أدرك الجماعة يصلى معهم) وص 302 ج 2 - السنن الكبرى (من قال الثانية فريضة).
تسليم هذا الاحتمال فلا معارضة أيضاً لأن حديث يزيد بن عامر هذا من رواية نوح بن صعصعة وفيه مقال. فهو ضعيف "وكذا " لا حجة فى حديث ابن أبى الخريف عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى الرجل المكتوبة فى البيت ثم أدرك جماعة فليصل معهم تكون صلاته فى بيته نافلة، أخرجه الطبرانى فى الكبير " لأن " ابن أبى الخريف وأباه مجهولان، قال الهيثمى: لا أدرى من هما (1). {185}
" وما قاله " ابن عمر مذهبه فلا يكون حجة فى مقابلة النص، فالحق ما قاله الأولون.
(27)
قطع الصلاة: هو حرام وواجب ومباح ومسنحب (فيحرم) قطعها بمفسد بلا عذر (ويجب) قطعها ولو فرضا لإخراج مصحف ملقى فى نجاسة، ولإحياء نفس " فمن " استغاث به ملهوف لمهم أصابه كأن تعلق به ظالم أو وقع فى ماء أو صال عليه حيوان وقدر على إنقاذه " لزمه " قطعها لذلك. وكذا لو غلب على ظنه سقوط من لا علم له كأعمى وصبى ودابة فى بئر ونحوه " ولو غلب " على ظن الأم أو القابلة موت الولد أو تلف عضو منه أو من أمه بتركه " وجب " عليها تأخير الصلاة وقطعها لو كانت فيها. (ويجب) أيضاً عند المالكية قطعها لتخليص مال يَخشى بذهابه هلاكاً أو شديد أذى، ولو كان المال قليلا وضاق الوقت، وأما إذا لم يَخش بذهاب المال هلاكاً أو شديد أذى فلا يقطعها إن كان يسيراً، ويقطعها إن كان كثيراً واتسع الوقت. والكثرة والقلة بالنسبة للمال فى حد ذاته (ويجب) قطع النافلة لإجابة أحد والديه الأعمى الأصم. وإلا خفف الصلاة وسلم ثم أجابه كما لو كان فى فرض (ويجب) قطع الفرض وقيل يندب إن تذكر يسير الفوائت وهو خمس صلوات أو أربع سواء أكان فذاً أم إماماً، ولا يقطع
(1) ص 44 ج 2 - مجمع الزوائد (من صلى فى بيته ثم وجد الناس يصلون فى المسجد).
النافلة لذكر الفائتة اليسيرة إلا إن خشى فوات الوقت ولم يأت بركعة وإلا أتمها ولو خرج الوقت (ويجب) قطعها إن أحرم بها فى وقت حرمة، ويندب إن أحرم بها فى وقت كراهة. (وقال) الحنفيُّون وأحمد: يحرم قطع الفرض بنداء أحد أبويه إلا أن يستغيث به، لأن قطعة لا يجوز إلا لضرورة. لندائه له مع علمه بأنه فى الصلاة معصية " ولا طاعة لأحد فى معصية الله تعالى " فلا تجوز إجابته. أما إذا لم يعلم أنه فى الصلاة، فإنه يجيبه وجوباً لما فى قصة جُرَيْجٍ الراهب (1)
ودعاء أمه عليه وما ناله من العناء لعدم إجابته لها.
هذا. ويفترض على المصلى ولو فرضاً إجابةُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم إذا دعاه " لحديث " أبى سعيد بنِ المُعلىَّ أن النبى صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو يصلى فدعاه قال: فصليتُ ثم أتيته فقال: ما منعك أن تُجِيبنى؟ قال كنتُ أصلى. قال: ألم يقل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
(1) وهى ما فى حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم عليهما السلام .. وصاحب جريح، الجريج رجلا عابداً فاتخذ صومعة فكان فيها فأتته أمه وهو يصلى فقالت: يا جريج فقال: اللهم أمى وصلاتى، فأقبل على صلاته. فقالت بعد ثالث يوم فى ثالث مرة: اللهم لا تمته حتى ينتظر فى وجوه المومسات، فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغى يتمثل بحسنها فقالت: إن شئتم لأفتننه، فتعرضت له فلم يلتت إليها، فأتت راعياً كان يأوى إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه فأنزلوه من صومعته وهدموها وجعلوا يضربونه فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زينت بهذه البغى فولدت منك. فقال: أين الصبى؟ فجاءوا به فقال: دعونى حتى أصلى فصلى، فلما انصرف أتى الصبى فطعن فى بطنه وقال: يا غلام من أبوك؟ فقال: فلان الراعى. فاقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به، وقالوا: نبىْ صومعتك من ذهب قال: لا. أعيدوها م لبن كما كانت ففعلوا. وبينما صبى يضع من أمه مر رجل على دابة فارهة، وشارة حسنة. فقالت المرأة: اللهم اجعل ابنى مثل هذا، فترك الثدى وأقبل ينتظر إليه وقال: اللهم لا تجعلنى مثله، ثم اقبل على ثديه وجعل يرتضع (الحديث) أخرجه الشيخان. و " المومسات " جمع مومسة وهى الفاجرة " والبغى " الزانية " والفاره " الحاذق "والشارة الحسنة " جمال الظاهرة فى الهيئة والملبس ونحوهما. ص 207 ج 3 تيسير الوصول (قصة المتكلمين فى المهد).
إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} الحديث أخرجه البخارى والبيهقى والدارمى وأبو داود والنسائى (1). {186}
(واختلف) العلماء أتبطل الصلاة بإجابته صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فعند الشافعية لا تبطل إلا إذا زاد فى الجواب على المطلوب أو أجابه بغير المطلوب، كأن طلب منه القول فأجاب بالفعل. والمعتمد عند المالكية عدم البطلان. وتبطل عند الحنبلية وهو الصحيح عند الحنفيين، لأنه خطاب آدمىّ.
(ويباح) قطع الصلاة عند الحنفيين والحنبلية لو خاف ضياع مال له أو لغيره ولو قليلا أو ندَّت " أى هربت " دابة، أو فار القِدْر، أو خافت امرأة تألَّم ولدها من البكاء، أو طلب منه كافر عرض الإسلام عليه، أو خاف نحو ذئب على نحو غنم، أو خاف سقوط مالا علم له كأعمى فى نحو بئر (ويباح) قطع النفل لخوف فوت صلاة جنازة. ويجوز إخراج المرأة من النفل لحق الزوج والسيد، لأنه واجب فيقدم على النفل بخلاف الفرض (ويستحب) عند الحنفيين والشافعيين قطع الفرض لإدراك الجماعة، فمن شرع فى أداء صلاة مفروضة منفرداً فأحرم الإمام بها فى محل أدائه قبل أن يسجد للركعة الأولى، استحب له قطعها عند الحنفيين بتسليمة وهو على حاله واقتدى بالإمام، لإحراز ما لم يسجد للثانية ولا يضيف للأولى ركعة، لأنه لو أضافها فى الصبح تم الفرض وتفوته الجماعة ولا يتنفل بعدها، وإن
(1) ص 45 ج 9 - فتح البارى (فضل فاتحة الكتاب) وص 368 ج 2 - السنن الكبرى (ليس حديث ابن مسعود فى تحريم الكلام ناسخاً لحديث أبى هريرة
…
) وص 445 ج 2 - سنن الدارمى (فضل فاتحة الكتاب) وص 105 ج 8 - المنهل العذب (فى فاتحة الكتاب) وص 85 ج 1 - تيسير الوصول (فاتحة الكتاب) و (استجيبوا) أى أجيبوا الله ورسوله بالطاعة فالسين والتاء زائدتان للتأكيد. و (إذا دعاكم .. ) أى طلبكم لما فيه حياتكم الأبدية من الإيمان والسمع والطاعة. وأفراد الضمير فى دعا، للإشارة إلى أن دعوة الرسول فى الحقيقة هى دعوة الله تعالى.
أضافها فى المغرب كان كمن أتمها، لأن للأكثر حكم الكل فتفوته الجماعة ولا يتنفل بها مع الإمام، لكراهة النفل بالوتر. وإن سجد للثانية فيهما أتم ولا يقتدى، لما تقدم. فإن اقتدى فى المغرب بعد أن صلاها، صلى أربعاً لكراهة التنفل بالوتر تحريماً. ومخالفة الإمام مشروعة فى الجملة كالمسبوق فيما يقضى والمقتدى المسافر. وإن سجد للأولى فى رباعى، ضم ركعة ثانية وجوباً وتشهد وسلم صيانة للصلاة عن البطلان ثم اقتدى. وإن صلىَّ ثلاثاً من الرباعية ثم أحرم بها الإمام أنمها منفرداً وجوباً، لأن للأكثر حكم الكل (وعن محمد) يتمها جالساً لتنقلب نفلا ثم يقتدى بالإمام متنفلا لإحراز فضل الجماعة إلا فى العصر للنهى عن التنفل بعده " ولا يرد " أن التنفل بجماعة مكروه فى غير رمضان " لأن محله " إذا كان الكل متطوعاً.
أما إذا كان الإمام مفترضاً والقوم متنفلين فلا، لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن صليا فى رحلهما: إذا صليتما فى رحالكما ثم أتيتما الإمام فصليا معه فإنها لكما نافلة (1). وهذا مذهب الحنفيين (وحاصله) أن من شرع فى فرض فأقيم قبل أن يسجد للأولى قطع واقتضى " فان سجد " لها فى رباعى أتم شفعا واقتدى ما لم يسجد للثالثة. فإن سجد لها أتم واقتدى متنفلا إلا فى العصر " وإن سجد للأولى " فى غير رباعى قطع واقتدى ما لم يسجد للثانية. فإن سجد لها أتم ولم يقتد. (قالت) الشافعية: من شرع فى فرض الوقت منفرداً ثم أحرم به الإمام، استحب له إتمام ما نوى ركعتين إن لم يخف فوت الجماعة ويكونان له نافلة ثم يدخل مع الإمام. فإن خاف فوت الجماعة، استحب له قطع ما نوى ودخل مع الجماعة. ويجوز له الدخول مع الجماعة على حاله بلا قطع وهو قول للحنبلية.
(1) تقدم رقم 182 ص 136 (إعادة الصلاة).
(قال) النووى: ويستدل للصحة بحديث سهل بن سعد (1) أن النبى صلى الله عليه وسلم ذهب ليصلح بين بنى عَمرو بن عوف فحضرت الصلاةُ قبل مجئ النبى صلى الله عليه وسلم فقدّموا أبا بكر رضى الله عنه ليصلىَ ثم جاء النبىُّ صلى الله عليه وسلم وهم فى الصلاة فتقدم فصلى بهم واقتدى به أبو بكر والجماعة. فصار أبو بكر مقتدياً فى أثناء صلاته (2)
(وأجاب) الجمهور عن هذا الحديث بأنه من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكره ابن عبد البر (وردّ) بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل ولا دليل عليها هنا (والمشهور) عند الحنبلية أنه إذا شرع فى فرض الوقت ثم أقيمت الصلاة، قطع الصلاة ودخل مع الإمام " قال " ابن قدامة: قال أحمد فى رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثاً ينوى الظهر ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة: سلم من هذه وتصير له تطوعاً ويدخل معهم (3).
(وقالت) المالكية: إذا شرع فى نفل أو فرض فأحرم الإمام وجب قطع ما شرع فيه بسلام أو كلام ودخل مع الإمام إن خشى فوات الركعة الأولى
(1) حديث سهل بن سعد هو ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب على بنى عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبى بكر فقال: أتصلى بالناس فأقيم؟ قال: نعم. فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس فى الصلاة فتخلص " أى شق صلى الله عليه وسلم الصفوف " حتى وقف فى الصف " المقدم ". فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت فى الصلاة. فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، ثم استأجر أبو بكر حتى استوى فى الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى. فلما انصرف قال: يا أبا بكر ما منعك أن تلبث إذ أمرتك؟ قال أبو بكر: ما كان لابن أبى قحافة أن يصلى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالى رأيتكم أكثر تم من التصفيح؟ من نابه شئ فى صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإن التفصيح للنساء. أخرجه الشيخان وأبو داود. وص 114 ج 2 فتح البارى (من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام فتأخر الأول .. ). وص 144، 145 ج 4 نووى مسلم (تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام .. ) وص 44 ج 6 - المنهل العذب (التصفيق فى الصلاة).
(2)
ص 29 ج 4 شرح المهذب ..
(3)
ص 62 ج 2 مغنى (نية الإمامة فى أثناء الصلاة).
معه. وإن لم يخش فواتها أتم النافلة وكذا الفريضة إن كانت غير المقامة، أما إن كانت هى المقامة وعقد منها ركعة ضم إليها أخرى وانصرف واقتدى بالإمام فى غير المغرب والصبح. وإن لم يعقد منها ركعة أو كانت مغرياً أو صبحاً، قطعها فى الحال ودخل مع الإمام. وإن أتم الركعة الثانية من الصبح والمغرب والثالثة من الرباعية، أتم فرضه وحده ثم دخل مع الإمام فى غير المغرب متنفلا. أما فى المغرب فيلزمه الخروج من المسجد ولا يعيدها مع الإمام، لعدم مشروعية التنفل بالوتر. ويباح عندهم قطع الصلاة لمن أدرك أقل من ركعة مع الجماعة إن رجا جماعة أخرى وإلا لا يقطع.
(28)
الاستخلاف: هو إنابة الإمام أو غيره من المقتدين من كان صالحاً للإمامة لإتمام الصلاة إذا طرأ على الإمام عذر. فإذا طرأ عليه عذر لا يتمكن معه من إتمام الصلاة، استحب له- عند الحنفيين والثورى والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد فى المشهور عنه - أن يستخلف من هو صالح للإمامة بأن يشير إليه أو يجره إلى مكانه ليتم الصلاة بالقوم " لقول " عمرو ابن ميمون: إنى لقائم ما بينى وبينه يعنى عمر إلا عبدُ الله بن عباس رضى الله عنهما غداة أصيبَ وكان إذا مرّ بين الصفين قام بينهما فإذا رأى خللا قال: استووا حتى إذا لم ير خلَلا تقدم فكبرّ، فربما قرأ سورةَ يوسفَ أو النحلِ أو نحوَ ذلك فى الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر فسمعته يقول: قتلنى أو أكلنى الكلب حين طعنه فطار العِلْج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميناً ولا شمالا إلا طعنه حتى طعنَ ثلاثةَ عشر رجلا فمات منهم تسعة. وفى رواية سبعة. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه بُرْنساً فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمرُ رضى الله عنه عبدَ الرحمن بن عوف فقدّمه. فأما من كان يلى عمر فقد رأى الذى رأيتُ.
وأما نواحى المسجد فإنهم لا يدرون ما الأمر؟ غير أنهم فقدوا صوتَ عمر وهو يقول: سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة (الأثر) أخرجه البخارى (1). {
61}
" ولقول " ابن رزين: صلى على رضى الله عند ذاتَ يوم فرعَفَ فأخذ بيد رجل فقدمه ثم انصرف. أخرجه سعيد بن منصور (2){62} فقد دل هذان الأثران على أنه يجوز للإمام استخلاف غيره عند طَروِّ هذر يقتضى ذلك، لإقرار الصحابة عمر وعليا عى ذلك، فكان إجماعاً، وعن أحمد قول بالتخيير (قال) ابن تيمية: وقال أحمد بن حنبل: إن استخلف الإمامُ فقد استخلف عمر وعلىّ وإن صلوا وحدانا فقد طُعن معاوية وصلى الناس وُحدانا من حيث طُعِن أتموا صلاتهم (3) وإن لم يستخلف الإمامُ أحداً فتقدم رجل بنفسه أو قدَّم القومُ واحداً جاز اتفاقاً غير أن الحنفّيين اشترطوا أن يقوم الخليفة مطلقاً مقام الأول قبل خروجه م المسجد وإلا فسدت صلاة المأمومين (واختلف) العلماء فى حكم الاستخلاف وسببه وثمرته (فحكمه) عند الحنفيين الجواز إلا إذا ضاق الوقت فيكون
(1) ص 334 ج 1 تيسير الوصول (ذكر الخلفاء الراشدين .. ) و (حين طعنه) وفى رواة: فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير بعيد ثم طعنه ثلاث طعنات. و (العلج) بكسر فسكون الرجل الضخم الشديد. وهو فيروز أبو لؤلؤة المذكور. وسبب فعلته الشنعاء أنه شكا إلى عمر ارتفاع الخراج الذى ضربه عيه المغيرة فقال عمر: كم خراجك؟ قال: درهمان فى كل يوم فقال عمر: وما صناعتك؟ قال نحات نقاش حداد. قال: فما أرى خراجك بكثير فى جنب ما تعمل .. فقال: وسع عدلك الناس غيرى فانصرف ساخطاً. ثم قال عمر: ألم تقل لو أشاء لصنعت رحى تطحن بالريح؟ فقال لعمر: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها. فقال عمر: توعدنى العبد فاصطنع له الغلام خنجراً ذا حدين وسه ثم تحين خروج عمر لصلاة الصبح وقام وراءه فلما كبر عمر طعنه الغلام فى كتفه وخاصرته فسقط رحمه الله. و (البرنس) بضم فسكون فضم، قلنسوة طويلة لثوب رأسه منه ملتزق به.
(2)
ص 215 ج 3 - نيل الأوطار (فرعف) بفتح العين فى بأبي قتل ونفع وضمها لغة. والاسم الرعاف وهو خروج الدم من الأنف أو الدم الخارج من الأنف.
(3)
ص 215 ج 3 - نيل الأوطار (فرعف) بفتح العين فى بأبي قتل ونفع وضمها لغة. والاسم الرعاف وهو خروج الدم من الأنف أو الدم الخارج من الأنف.
واجباً (وسببه) أن يعرض للإمام حدث اضطرارى لا اختيار للعبد فيه ولا فى سببه موجب للوضوء، وغير نادر الوقوع كإغماء وقهقهة. فمن طرأ عليه ذلك استخلف وانصرف فوراً وتوضأ وبنى على صلاته إن لم يأت بمناف لها. وهذا رواية عن أحمد " لحديث " إسماعيل بن عياش عن ابن جُريج عن ابن أبى مليكة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذى، فلينصرف، فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو فى ذلك لا يتكلم. أخرجه ابن ماجه وكذا الدار قطنى بلفظ: ثم ليبن على صلاته ما لم يتكلم (1). {
187}
وإسماعيل بن عياش وثقه ابن معين وغيره (وقال) عمر بن رَباح: حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رَعَفَ فى صلاته توضأ ثم بنى على ما بقى من صلاته. أخرجه الدار قطنى وقال: عمر بن رباح متروك (2). {188}
(وعن أبى حنيفة) عن حماد عن إبراهيم أنه قال فى الرجل يَسْبِقه الحدثُ فى الصلاة: إنه ينصرف فيتوضأ، فإن تكلم استقبل الصلاة وإن لم يتكلم اعْتَدَّ بما مضى وصلى ما بقى، وقال إبراهيم: يتكلم ويستقبل الصلاة أحبُّ إلىّ. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (3). {63} (وعن أبى حنيفة) عن عبد الملك ابن عُمَير عن عْبَدِ بنِ صُبيح أن رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أحدث خلف عثمان بن فان فى الصلاة فَانْفَتَل فتوضأ ثم أقبل وهو حاسِر عن ذراعه وهو يقول (وَلَمْ يُصِرُّوا وَعَلَى مَا فَعَلُوا وهُم يَعْلَمُونَ)
(1) ص 190 ج 1 سنن ابن ماجه (ما جاء فى البناء على الصلاة) و 56 سنن الدار قطنى (الوضوء من الخارج من البدن
…
) و (القلس) بفتحتين طعان أو شراب يخرج إلى الفم.
(2)
ص 57 سنن الدار قطنى.
(3)
رقم 192 ص 37 - الآثار (الحدث فى الصلاة).
فاعتدْ بما مضى وصلى ما بقى. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (1). {64}
(ويشترط) لصحة الاستخلاف عند الحنفيين ثلاثة شروط:
(الأول) أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة فلو كان أمياً (2) أو صبياً بطلت صلاة الجميع (الثانى) ألا يجاوز الإمام الصفوف فى الصحراء، وألا يخرج من المسجد إن كان فيه قبل الاستخلاف، وإلا لم يصح الاستخلاف منه ولا من القوم لبطلان صلاة الجميع بمجاوزته الصفوف أو خروجه من المسجد.
(الثالث) تحقق شروط البناء على ما سبق من الصلاة وهى شعرة.
(1)
أن يكون الحدث قهرياً، ليس للعبد فيه ولا فى سببه اختيار. فلا يبنى من تعمد الحدَث اتفاقاً، وكذا من وقع عليه نحو طوبة فشجته خلافاً لأبى يوسف (2، 3) أن يكون موجباً للوضوء فقط، غير نادر الوقوع فلا يبنى من نام فاحتلم فى الصلاة، ولا من أغمى عليه فيها أو قهقه.
(4)
أن ينصر فوراً إلا لعذر. فلو مكث قدر أداء ركن بلا عذر لا يبنى، ولو مكث لعذر كنوم أو زحمة بنى (5، 6) ألا يفعل منافياً للصلاة وماله منه بد. فلو أحدَث عمداً أو ذهب إلى الوضوء من طريق بعيد ل يبنى.
(7، 8) ألا يؤدى ركناً مع الحدث أو ماشياً. فلو سبقه فى سجوده فرفع رأسه بقصد الأداء أو قرأ بعد الوضوء ماشياً لا يبنى (9) ألا يتذكر فائنة وهو ذو ترتيب. (10) ألا يتبين أنه كان محدَثاً قبل الدخول فى الصلاة.
(فإن) كان من سبقه الحدث إماماً أو مأموماً ذهب وتوضأ وعاد حتماً إن لم يكن إمامه قد فرغ وإلا خير بين العود والإتمام فى مكان الوضوء. وإن
(1) رقم 193 ص 38 - الآثار (فانفتل) أى انصرف. و (حاسر) أى كاشف ذراعه يقال: حسره يحسره من باب ضرب أي كشفه.
(2)
الأمى من لا يحسن ما تصح به الصلاة على ما تقدم تفصيله فى إمامه الأمى ص 57 (الخامس كون الإمام قارئاً).
كان منفرداً خُيرَ بعد الوضوء بين العود والإتمام فى مكانه. والأفضل له الإستئناف بخلاف الإمام والمأموم فإن الأفضل لهما البناء، لما فيه من إتمام الصلاة على وجه أكمل (وإن سبقه) الحدث ولم يبق عليه من أعمال الصلاة سوى السلام توضأ فوراً وسلم لبقاء واجب السلام (1).
(وقالت) المالكية والشافعية: من سبقه الحدَث بطلت صلاته ويستأنفها ولا يبنى وهو مشهور مذهب أحمد. وبه قال الحسن وعطاء والنخعى ومكحول " لقول " على بن طلق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فَسَا أحدكم فى الصلاة فلينصرف فليتوضأ ولْيُعِدِ الصلاة. أخرجه أبو داود والدار قطنى والبيهقى وابن حبان وقال: لم يقل: وليعد الصلاة إلا جرير (2). {189}
(وقال) البيهقى فى باب إقرار الوارث بوارث: نُسب جرير بن عبد الحميد إلى سوء الحفظ فى آخر عمره، وقال ابن حنبل: لم يكن بالذكى فى الحديث (3) وفى سنده أيضاً مسلم بن سلام الحنفى مجهول الحال، ولذا قال ابن القطان: هذا حديث لا يصح (4) وعلى فرض صحته فهو محمول على من تعمد الحدَث جمعاً بين الأدلة. هذا وأسباب الاستخلاف عند الملالكية ثلاثة:
(الأول) الخوف على مال للإمام أو غيره أو على نفْس من التلف لو استمر فى صلاته. فإن خاف ما ذكر لزمه قطع الصلاة، وندب له أن يستخلف من يتمم الصلاة.
(1) أما إن تعمد الحدث فى هذه الحالة، فقد تمت صلاته، لخروجه بصنعه وتعذر البناء لوجود القاطع، لكن يلزمه الإعادة لترك واجب السلام. وإذا حصل قبل القعود الأخير بصنعه ما يمنع البناء، بطلت الصلاة عند الحنفيين. وإن حصل بعد القعود وقبل السلام لا تبطل عند الصاحبين، وتبطل عند الإمام، لأن الخروج بالصنع واجب عندهما فرض عنده، وتمامه فى شرح المنحة.
(2)
ص 255 ج 2 وص 123 ج 6 - المنهل العذب (من يحدث فى الصلاة) وص 56 سنن الدار قطنى. وص 255 ج 2 - السنن الكبرى (من أحدث فى صلاته).
(3)
ص 254 منه الجوهر النقى.
(4)
ص 62 ج 2 نصب الراية (الحدث فى الصلاة).
(الثانى) أن يطرأ عليه ما يمنعه من الإمامة كالعجز عن الركوع أو القراءة، فيندب له الاستخلاف ويلزمه أن يتأخر مأموماً. فإن أتم صلاته وحده بطلت.
(الثالث) أن يتحقق بطلان صلاته " بسبق " حدَث أو حصول رُعاف يوجب القطع " أو تَذكر " أنه كان محدثاً قبل الدخول فى الصلاة فتبطل صلاته ويندب له الاستخلاف. فإن انصرف بلا استخلاف ندب للقوم أن يستخلفوا من يُتم بهم، ولهم أن يتموا صلاتهم فرادى فى غير الجمعة (وسببه) عند الشافعية خروج الإمام عن الإمامة بتعمد حدَث أو سبقه أو تبين أنه كان محدثاً قبل دخول الصلاة، فتبطل صلاة الإمام ويندب له أن يستخلف من يتم بالقوم إلا فى الركعة الأولى من الجمعة فإنه واجب. وحينئذ يشترط أن يكون الخليفة مقتدياً بالإمام، وأن يكون الاستخلاف عن قرب بأن لا يمضى زمن قبل الاستخلاف بسع ركناً من أركان الصلاة. فإن كان الخليفة فيها قد أدرك الركعة الأولى تمت الجمعة للكل. وإن لم يدرك ركعة تمت للمقتدين لا له فيتمها ظهراً. ولا يشترط لصحة الاستخلاف فى غير الجمعة شئ سوى أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة. وللإمام أن يستخلف بلا سبب. وللقوم أن يقدّموا واحداً صالحاً للإمامة. وله أن يتقدم بنفسه (وسببه) عند الحنبلية طروُّ عذر للإمام فى أثناء الصلاة كمرض شديد أو عجز عن ركن قولى كقراءة الفاتحة، أو واجب كتسبيح الركوع والسجود فله حينئذ استخلاف آخر وإن لم يكن مقتدياً ليتم بهم الصلاة. وإن لم يستخلف فلهم أن يستخلفوا بدله أو يتموها فرادى.
هذا. ولو استخلف الإمام مسبوقاً صح اتفاقاً، ويشير الإمام لبقاء ركعة بأصبع وبأصبعين لركعتين، ويمشى الخليفة على نَظْمِ صلاة الإمام. فإن أتم صلاة الإمام قدّم واحداً ممن كان مع الإمام من أول الصلاة ليسلم بهم ثم