الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطريق وإلا فلا كراهة. (قالت) الحنبلية: يكره اتخاذه طريقاً للطاهر والجنب. وكذا الحائض إن أمن تلويثه إلا لحاجة. ومنها كونه طريقاً قريباً. (وقالت) الشافعية: يجوز المرور فيه للطاهر مطلقاً وللجنب لحاجة وإلا كره كما يكره للحائض ولو لحاجة إن أمنت تلويث المسجد وإلا حرم.
(التاسع) بدع المسجد
المساجد بيوت الله تعالى فيلزم تطهيرها من أدران المحدثات والعوائد. وهى كثيرة تقدم بعضها كاتخاذ المحارب فيها وزخرفتها وتعدد الجماعة فيها.
وهناك أربع عشرة بدعة أخرى:
(1)
كثرة المساجد فى البلد لغير حاجة اعلم أنه يجب بناء المساجد فى الأمصار والقرى وغيرها بحسب الحاجة، وهى أحب البقاع إلى الله تعالى. وأبغضها إلى الله الأسواق (ومن المحدث) كثرة المساجد فى الجهة الواحدة لغير حاجة، لما فيه من تفريق الجمع، وتشتيت شمل المصلين. وتعديد الكلمة وفوات حكمة مشروعية الجماعة. وهى اتحاد الكلمة وائتلاف القلوب والتعاون والتعاضد (قال) الشيخ منصور بن إدريس زيحرم أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد إلا لحاجة كضيق الأول وخوف فتنة باجتماعهم فى مسجد واحد (1).
(2)
غلق المساجد - بنيت المساجد للطاعة فى كل وقت. والجلوس فيها مستحب للعبادة كاعتكاف وقراءة قرآن أو علم وسماع موعظة وانتظار صلاة (فالسنة) فتح المساجد فى كل الأوقات إلا لضرورة كما كان الحال فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والسلف الصالح (وأما غلقها) نهاراً فى غير أول الوقت فبدعة ممنوعة قد تؤدى إلى تضييع الصلاة، فإنه لا يتيسر لكل واحد الذهاب إلى المسجد أول الوقت
(1) ص 545 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).
وفى غلقها صدِّ عن سبيل الله وسعى فى خراب المساجد مما بنيت له قال تعالى تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (1)} .
(ومن التخريب) منع المصلين والمتعبدين من دخولها. وقد نشأ من ذلك بدعة أخرى مذمومة، وهى ما اعتاده خدمة المساجد من طرد المصلين أو طلاب العلم بعد صلاة العشاء. ومن كان فى صلاة ألجئوه إلى تخفيفها، وفى هذا تهويش على المتعبدين وصد عن طاعة الله (قال) ابن نجيم: وكره غلق باب المسجد لأنه يشبه المنع من الصلاة. وقيل لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد (2).
(أما غلقها) لضرورة كخوف امتهانها وخشية ضياع شئ منها، فجائز إن لم تدع حاجة إلى فتحها كتعليم العلم أو وجود معتكف فيها يتأذى بغلقها، وإلا حرم إلا إن تيقن امتهانها أو ضياع شئ من أثاثها، فيجوز غلقها حينئذ، فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " قال " النووى: لا بأس بإغلاق المسجد فى غير وقت الصلاة لصيانته أو الحفظ آلاته، إذا خيف امتهانها وضياع ما فيها ولم يدع إلى فتحها حاجة. فأما إذا لم يخف من فتحها مفسدة ولا انتهاك حرمتها وكان فى فتحها رفق بالناس فالسنة فتحها (3) (وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ويباح غلق أبوابه فى غير أوقات الصلاة، لئلا يدخله من يكره دخوله إليه كمجنون وسكران وطفل لا يميز (4).
(3)
ومن البدع الرقص والغناء واستعمال آلات الطرب على الوجه المحرم - قال السيوطى فى كتاب الأمر بالاتباع والنهى عن الابتداع: ومن ذلك (يعنى المحدثات) الرقص والغناء فى المساجد وضرب الدفّ أو الرَّباب وغيرهما من آلات الطرب، فمن فعل ذلك فى المسجد فهو مبتدع
(1) البقرة آية: 114.
(2)
ص 36 ج 2 - البحر الرائق (فصل كره استقبال القبلة بالفرج .. ).
(3)
ص 178 ج 2 شرح المهذب (الثانية والعشرون - أحكام المساجد).
(4)
ص 544 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).
ضالّ مستحق للطرد والضرب، لأنه استخفف بما أمر الله بتعظيمه قال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (1) أى يتلى فيها كتابه، وبيوت الله هى المساجد (وتقدم) عن ثوبان أن النبى صلى الله عليه وسلم قال مَنْ رأيتموه ينشُد شِعْراً فى المسجد فقولوا فَضَّ الله فاك ثلاث مرات: ومن رأيتموه ينشُد ضالَّة فى المسجد فقولوا: لا وجدْتَها ثلاث مرات (الحديث (2)). "فما أحق" هؤلاء المشدين للقصائد الملحونة والموشَّحات المحرفة بتلك الزعقات المؤلمة والصيحات الهائلة "بالدعاء" النبوى عليهم إذ الأمر فيه إن لم يكن للوجوب فللندب. وإذا كان من يرفع صوته لحاجة مهمة كضالة يتعرفها قد شرع الدعاء عليه، فما بالك برافعى أصواتهم لا لحاجة بل للضرر والتشويش (وتقدم) أن عرم بن الخطاب رضى الله عنه بنى إلى جانب المسجد رحَبة سماها البُطيحاء وقال: من أراد أن يلغَط أو ينشُد أو يفع صوتاً فْليخرجْ إلى هذه الرحبة (3).
(4)
ومن البدع وضع كرسى مرتفع فى المسجد يتلى عليه شئ من القرآن بصوت مرتفع يوم الجمعة وقبل إقامة الصلاة فى غيرها، فيحصل من التشويش على المصلين ما لا يمكن معه أداء الصلاة على وجهها.
(قال) ابن الحاج فى المدخل ومن هذا الباب الكرسى الكبير يوضع فى الجامع مكى يقرأ القارئ عليه ولا ضرورة تدعو لذلك لوجهين.
(الأول) أنه يشغل من المسجد موضعاً كبيراً وهو وقف على المصلين:
(الثانى) أنهم يقرءون عند اجتماع الناس لانتظار الصلاة، فمنهم المصلى،
(1) النور آية: 36.
(2)
تقدم رقم 384 ص 268.
(3)
تقدم أثر رقم 102 ص 264.
ومنهم التالى ومنهم الذاكر ومنهم المفكر. فإذا قرأ القارئ إذ ذاك قطع عليهم ما هم فيه، وقد نهى النبى عليه الصلاة والسلام عن رفع الصوت بالقراءة فى المسجد بقوله: لا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. وهو نص فى عين المسألة (1).
(5)
ومن البدع الاحتفال فى المسجد بالمولد وغيره - جرت العادة بالاحفال بالمولد وغيره فى المساجد. وهو أمر محدث قبيح لم يقع من السلف ولم يستحسنوه وفيه عدة مفاسد (منها) إضاعة الأموال بكثرة الوقود فى المساجد وإيقاد المصابيح فى الأضرحة، وهو من الإسراف والتبذير المنهى عنه (روى) المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كره لكم ثلاثاً قياَ وقالَ، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال. أخرجه الشيخان (2). {403}
(وقال) النووى: من البدع المنكرة ما يفعل فى كثير من البلدان من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف فى ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة (منها) مضاهاة المحبوس فى الاعتناء بالنار والإكثار منها (ومنها) إضاعة المال فى غير وجهه (ومنها) ما يترتب على ذلك فى كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التى يجب صيانة المسجد من أفرادها (3). (ومنها) قراءة القرآن على غير الوجه المشروع فيرجّعون فيه كترجيع الغناء، ولا يراعون فيه ما يجب له من الاستماع والإنصاف والاحترام. وهو مخالف لما وصف الله به المؤمنين عند سماع كلامه بقوله:
(1) ص 73 ج 2 مدخل (بعض البدع التى أحدثت فى المسجد) و (لا يجهر
…
) هون بعض حديث أخرجه أحمد بسند صحيح. تقدم تاماً رقم 172 ص 127 (تعدد الجماعة فى وقت واحد).
(2)
ص 219 ج 3 فتح البارى (قول الله عز وجل لا يسألون الناس إلحافاً
…
) وص 12 ج 12 نووى مسلم (النهى عن كثرة المسائل من غير حاجة - الأقضية).
(3)
ص 177 ج 2 شرح المهذب (الثامنة عشرة - أحكام المساجد).
{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (1). وقوله: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2).
(ومنها) إقامة حلقات الذكر المحرَّف فى المسجد مع ارتفاع أصوات المنشدين والتصفيق الحادّ من رئيس الراقصين، وقد يضربون على البازة ونحوها أثناء الذكر وفى المسجد. وكل هذا ممنوع بإجماع العلماء ولم يكن فى عهد السلف الصالح (ومنها) اتخاذ قبور الأنبياء والأولياء عيداً وهو ممنوع " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبرى عيداً، وصلوا علىَّ فإن صلاتكم تبلغنى حيث كنتم". أخرجه أبو داود وأحمد بسند حسن (3). {404}
" ولحديث " الحسين عن علىّ رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تجعلوا قبرى عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وصلوا علىِّ وسلموا حيثما كنتم فيبلغنى صلاتكم وسلامكم " أخرجه أبو يعلى والحكيم الترمذى (4). {405}
(1) المائدة أية: 83.
(2)
الأنفال أية: 2.
(3)
انظر رقم 301 ص 253 ج 2 تكملة المنهل (زيارة القبور) وص 307 ج 14 - الفتح الربانى. و (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) أى لا تتركوا النافلة فيها حتى تكون بمنزلة القبور (ففى الحديث) لا تتخلوا بيوتكم قبوراً سلوا فيها. أخرجه أحمد عن زيد بن خالد بسند صحيح انظر ص 114 ج 4 مسند أحمد (حديث زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه)(ولا تجعلوا قبرى عيداً) أى بالتوجه إليه مرة بعد أخرى وإظهار الفرح والسرور بذلك كالعيد. بل اجعلوها زيارة عظة ةاعتبار (وصلوا على) أينما كنتم. كما فى رواية أحمد (فإن صلاتكم تبلغنى) أى أن القرب منم قبره والبعد عنه ساء فلا حاجة إلى اتخاذه عيداً كما اتخذ المشركون م أهل الكتاب قبور أنبيائهم وصالحيهم عيداً.
(4)
ص 467 راموز الأحاديث.
(وقد اتفقت) كلمة العلماء على إنكار ذلك (قال) السفارينى: قال الإمام ابن عقيل: أنا أبرأ إلى الله تعالى من جموع أهل زماننا فى المساجد والمشاهد ليالى يسمونها إحياء، لعمرى إنها لإحياء أهوائهم، وإيقاد شهواتهم. قال فى الآداب: وهذا فى زمانه الذى بيننا وبينه نحو ثلثمائة سنة. " وما يجرى " بالشام ومصر والعراق وغيرها من بلاد الإسلام فى المواسم من المنكرات فى زماننا " أضعاف " ما كان فى زمانه (قلت) وهذا الذى قاله ابن مفلح فى آدابه فى زمانه وهو قد توفى سنة 763 ثلاث وستين وسبعمائة. فما بالك بعصرنا الذى هو فى المائة الثانية عشرة. وقد انطمست معالم الدين وطفئت إلا من بقايا حفظة الدين. فصارت السنة بدعة. والبدعة شرعة، والعبادة عادة والعادة عبادة. فعالهم عاكف على شهواته وحاكمهم متماد فى غفلاته وأميرهم لا حلم لديه ولا دين، وغنيهم لا رأفة عنده ولا رحمة، وفقيرهم متكبر " فلو رأيت " جموع صوفية زماننا وقد أوقدوا النيران، وأحضروا آلات المعازف بالدفوف المجلجة والطول، وقاموا على أقدامهم يرقصون ويتمايلون " لقضيتَ " بأنهم فرقة من بقية أصحاب السامرىّ وهم على عبادة عجلهم يعكفون " أو حضرتَ " مجمعاً وقد حضره العلماء بعمائهم الكبار والفراء المثمنة والهيئات المستحسنة، وقدموا قِصاب الدخان التى هى لجامات الشيطان وقد ابتدر ذو نغَمة ينشد من الأشعار المهيجة فوصف الخدود والنهود والقدود. وقد ارخى القوم رءوسهم ونكّسوها واستمعوا للنغمة واستأنسوها " لقلتَ " وهم لذلك مطرقون: ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون. فإنا لله وإنا إليه راجعون (1).
(وقال) ابن حجر الهيثمى: الموالد والأذكار التى تفعل عندنا أكثرها مشتمل
(1) ص 260 ج 2 غذاء الألباب (ما يجب أن يمنع فى المساجد).
على خير كصدقة وذكر وصلاة وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه، وعلى شرّبل شرور. ولو لم يكن فيها إلا رؤية النساء للرجال الأجانب لكفى. وبعضها ليس فيه شر لكنه قليل نادر (ولا شك) أن القسم الأول ممنوع للقاعدة المشهورة: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فمن علم وقوع شئ من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم.
وبفرض أنه عمل فى ذلك خيراً فربما خيرُه لا يساوى شره، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر، وفطَم عن جميع أنواع الشر حيث قال: فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه (1). {406}
(والقسم) الثانى سنة تشمله الأحاديث الواردة فى الأذكار المخصوصة والعامة، كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفّتهم الملائكة وغشيتهم الرحمةُ ونزلتْ عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده. رواه مسلم (2).
وروى مسلم أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال لقوم جلسوا يذكرون الله تعالى ويحمَدنه على أن هداهم للإسلام: أتانى جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرنى أن الله تعالى يُباهى بكم الملائكة (3)(وقال) تقى الدين بن تيمية بعد أن بيّن بدع الموالد وما اشتملت عليه من المفاسد ما نصه: وكذلك ما يحدثه بعض
(1) هذا عجز حديث أخرجه النسائى عن أبى هريرة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النسا فقال: إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج. فقال رجل: فى كل عام؟ فسكت عنه حتى أعاده ثلاثاً، فقال: لو قلت نعم لو جبت ولو وجبت ما قمّم بها. ذرونى ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سألهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بالشئ فخذوا به الخ انظر ص 2 ج 2 مجتبى (وجوب الحج).
(2)
وأخرجه أيضاً الترمذى. وقال: حسن صحيح. عن أبى هريرة وأبى سعيد الخدرى انظر ص 22 ج 17 نووى مسلم (فضل الاجتماعه على تلاوة القرآن وعلى الذكر - الذكر).
(3)
أخرجه مسلم وغيره عن أبى سعيد الخدرى مطولا بلفظ تقدم رقم 165 ص 132 ج 1 الدين الخالص. وانظر عبارة ابن حجر ص 112 - الفتاوى الحديثية (الاجتماع الموالد والأذكار).
الناس إما مضاهاة للنصارى فى ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبى صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له، والله يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد، لا على البدع من اتخاذ مولد النبى صلى الله عليه وسلم وسد عيداً مع اختلاف النسا فى مولده. فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه لو كان خيراً. ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضى الله عنهم أحق به منها، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه فى متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان (1).
(وقد شدّد) النكبرَ ابنُ الحاجِّ فى المدخل عى ما حدث فى مجامع قراءة المولد من النكرات وأطال فى بيان مفاسدها (2). (وقد سئل) تقىّ الدين ابن تيمية فيمن يعمل كل سنة ختمة فى ليلة مولد النبى صلى الله عليه وسلم: هل ذلك مستحب ام لا؟ فأجاب بعد الحمد له: جمعُ الناس للطعام فى العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التى سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين. وإعانة الفقراء بالإطعام فى شهر رمضان هو من سنن الإسلام (فقد) قال النبى صلى الله عليه وسلم: من فطر صائماً فله مثل أجره (3). {408}
وإعطاء فقراء القرّاء ما يستعينون به على القرآن عمل صالح فى كل وقت، ومن أعانهم على ذلك كان شريكهم فى الأجر " وأما اتخاذ " موسم غير المواسم الشرعية لبعض ليالى شهر ربيع الأول التى يقال لها ليلة المولد. أو بعض ليالى رجب. أو ثامن عشر ذى الحجة أو أول جمعة من رجب،
(1) انظر افتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.
(2)
وكذا الشيخ الإمام الوالد رحمه الله فى كتاب (تعجيل القضاء المبرم).
(3)
هو صدر حديث أخرجه أحمد والترمذى وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شئ. انظر رقم 8889 ص 187 ج 6 فيض القدير.
أو ثامن شوال الذى تسميه الجهال عيد الأبرار " فإنها " من البدع التى لم يستحينها السلف ولم يفعلوها (1).
(وقال) الشيخ محمد بخيت فى كتابه " أحسن الكلام ": ما ليس بفرض من الطاعات إذا ترتب على فعله محرم أو مكروه تحريماً، وجب تركه تقديماً لدرء المفاسد على جلب المصالح " والمحرمات " كاختلاط الرجال بالنساء وتحريف أسماء الله تعالى والرقص وشد الرحال إلى تلك البقاع والسفر إليها وإيقاد الشموع ونحوها " مما يدخل " تحت الإسراف والتبذير. وإحراق السواريخ والشنكات ونحو ذلك مما هو إضاعة للمال فى الباطل، خصوصاً إن كان ما يصرف على ذلك من أموال بيت المال، أو من الأموال الأوقاف. وآلات الملاهى والمغانى وما أشبه ذلك فكل ذلك محرم بلا شبهة. (ولذا أبطل) الأفضل بن أمير الجيوش الموالد التى كانت فى زمانه مع أن المخالفات التى كانت تقع فيها أقل بكثير من المخالفات التى تقع فى موالد زماننا كما هو مشاهد. فعلى شيخ الأزهر والسادة العلماء أن يبينوا لولاة الأمر ما فى عمل الموالد من المفاسد والمنكرات، ليأمروا بإبطالها ولا يسمحوا بإقامتها. وعلى كل مكلف البعد عن حضورها ومشاهدتها، وإلا وقع فى الندم والعطب " يو مينظر المرء ما قدمت يداه".
(6)
ومن البدع المذمومة زيادة النور فى المساجد والمآذن ليلة أول جمعة من رجب، وليلة السابع والعشرين منه، وليلة نصف شعبان وليالى رمضان وليلتى العيد وغيرها من ليالى المواسم المحدثة فإنها إسراف وتبذير لم يكن فى زمن السلف الصالح (قال الإمام) أبو شامة نقلا عن الحافظ أبى الخطاب بن دحية " ومما أحدثه" المبتدعون وخرجوا به عما رسمه
(1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.
المتشرعون. وجَرَوْا فيه على سَنَن المحبوس، واتخذوا دينهم لهواً ولعباً "الوقيد" ليلة نصف من شعبان ولم يصح فيها شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نطق بالصلاة فيها والإيقاد "أحد" من الرواة وما أحدثه إلا متلاعب بالشريعة المحمدية، راغب فى دين المجوسية، لأن النار معبودُهم (وأول) ما حدث ذلك فى زمن البرامكة، فأدخلوا فى دين الإسلام ما يموهون به على الطِّغام، وهو جعلهم الإيقاد فى شعبان كأنه من سنن الإيمان ومقصودهم عبادة النيران وإقامة دينهم وهو أخسر الأديان حتى إذا صلى المسلمون وركعوا وسجدوا، كان ذلك إلى النار التى أوقدوها، ومضت على ذلك سنون وأعصار. هذا. مع ما يجتمع فى تلك الليلة من الرجال والنساء واختلاطهم. فالواجب على السلطان منعهم وعلى العالم ردعهم (1).
(ثم قال) ولم يأت فى الشريعة استحباب زيادة الوقيد على قدر الحاجة فى موضع مّا أصلا. وما يفعله عوام الحجاج يوم عرفة بجبال عرفات وليلة النح بالمشعر الحرام، فهو من هذا القبيل يجب إنكاره لأنه بدعة منكرة خلاف الشريعة المطهرة (2) (وقال) ملا على القارى: ولم يأت فى الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة فى موضع مّا (3) وتقدم عن الإمام النووى بيان بعض المفاسد المترتبة على مثل هذه البدع (4).
(1) ص 27 - الباعث على إنكار البدع والحوادث (فصل فأما الألفية .. ).
(2)
ص 30 منه.
(3)
ص 178 ج 2 مرقاة المفاتيح (قيام شهر رمضان).
(4)
تقدم ص 284 (الاحتفال بالمولد وغيره).
(7)
ومما يقع فى المساجد من البدع المنكرة.
(أ) صلاة الغائب، وهى صلاة ثنتى عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمع من رجب (ب) والصلاة الألفية، وهى صلاة مائة ركعة ليلة نصف شعبان يقرا فى كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد عشر مرات. (وهما صلاتان) محدثتان لا أصل لهما فى الشريعة السمحة، ولا من فعل الصحابة ومن بعدهم (قال الإمام الجزرى) فى الحصن: وأما صلاة الرغائب أول خميس من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وصلاة ليلة القدر من رمضان، فلا تصح، وسندها موضوع باطل. (وقال النووى) الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهى اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة. وهاتان الصلاتان بدعتان منكرتان. ولا يغتر بذكرهما فى كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل. ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات فى استحبابهما فإنه غالط فى ذلك. وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسى كتاباً نفسياً فى إبطالهما فأحسن فيه وأجاد (1) (وقال) فى موضع آخر: وليس لحد ان يستدل على مشروعيتهما بقوله صلى الله عليه وسلم: الصلاة خير موضوع (2){409} فإن ذلك يختص بصلاة لا تخالف الشرع بوجه من الوجوه (وقد صح) النهى عن الصلاة فى الأوقات المكروهة.
(1) ص 177 ج 2 شرح المهذب (الثامنة عشرة - أحكام المساجد).
(2)
هو مصدر حديث أخرجه الطبرانى عن أبى هريرة وتمامه: من استطاع أن يستكثر فليستكثر. واخرجه أيضاً عن أبى ذر بلفظ: الصلاة خير موضوع من شاء أقل ومن شاء أكثر. وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه عن أبى ذر. انظر رقم 1616 ص 30 ج 2 كشف الخفاء.
(وقال) العز بن عبد السلام: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التى تصلى فى رجب ولا صلاة نصف شعبان فحدث فى سنة 448 ثمان وأربعين وأربعمائة أن قدم عليهم رجل من نابلس يعرف بابن أبى الحمارء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلى فى المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان فأحرم خلفه رجل ثم انضاف إليهما ثالث ورابع، فما ختمها إلا هم جماعة كثيرة. ثم جاء فى العام القابل فصلى معه خلق كثير وانتشرت فى المسجد الأقصى وبيوت الماس ومنازلهم. ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا (1) (وقال) أبو شامة نقلا عن الإمام الطرشوشى: وأما صلاة رجب فلم تحدث عندنا ببيت المقدس إلا بعد سنة ثمانين وأربعمائة. وما كنا رأيناها لا سمعنا بها قبل ذلك ثم قال (وروى) ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال: ما أدركنا أحداً من مشيختا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يرون لها فضلا على سواها. وقيل لابن أبى مُليكة: إن زياداً النمرى يقول: عن أجر ليلة الصف من شعبان كأجر ليلة القدر فقال: لو سمعته وبيدى عصا لضربته. وكان زيادٌ قاصًّا. وانبأنا الحافظ أبو الخطاب بن دحية قال فى كتابه أداء ما وجب: وقد روى الناس الأغفال فى صلاة ليلة النف من شعبان أحاديث موضوعة وواحداً مقطوعاً وكلفوا عباد الله بالأحاديث الموضوعة فوق طاقتهم من صلاة مائة ركعة، فى كل ركعة الحمد لله مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات فينصرفون وقد غلبهم النوم فتفوتهم صلاة الصبح التى ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيها: من صلى الصبح
(1) ص 422 ج 3 - إتحاف المتقين شرح الإحياء (صلاة رجب).
فهو فى ذمة الله (1). {410}
(وقال) أبو الخطاب فى كتاب " ما جاء فى شهر شعبان " قال أهل التعديل والتجريح ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يصح. فتحفظوا عباد الله من مفتر يروى لكم حديثاً موضوعاً يسوقه فى معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغى أن يكون مشروعاً من النبى صلى الله عليه وسلم. فإذا صح أنه كذب خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدم الشيطان، لاستعماله حديثاً على رسول الله صلى اله عليه وسلم لم يُنزل الله به من سلطان (2).
(ثم قال) أبو شامة: قال الحافظ أبو الخطاب: أما صلاة الرغائب فالمتهم بوضعها علىّ بن عبد الله بن جهضم وضعها على رجال مجهولين لم يوجدوا فى جميع الكتب ومذلك عمل الحسين بن إبراهيم حديثاً موضوعاً على رجال مجهولين لا يعرفون وألصقه بأنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى ليلة النصف من شعبان ورجب أربع عشرة ركعة (الحديث) قال: وهو حديث، جمع من الكذب والزور غير قليل (3).
(1) أخرجه الطبرانى عن أبى عمر بلفظ: من صلى الغداة كان فى ذمة الله حتى يمسى. انظر رقم 2515 ص 257 ج 2 كشف الخفاء.
(2)
ص 26، 27 - الباعث على إنكار البدع والحوادث.
(3)
وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات والغزالى فى الإحياء مطولا وفيه: ما من أحد يصوم أول خميس من رجب ثم يصلى فيما بين العشاء "المغرب " والعتمة " العشاء " اثنتى عشرة ركعة يفصل بين كل ركعتين بتسليمة يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه فى ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد ثنتى عشرة مرة. فإذا فرغ من صلاته صلى على سبعين مرة يقول: اللهم صلى على محمد النبى الأمى وعلى آله. ثم يسجد ويقول فى سجوده سبعين مرة: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر واحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم. ثم يسجد الثانية يقول فيها مثل ما قال فى السجدة الأولى. ثم يسأل حاجته فإنها تقضى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذى نفسى بيده: ما من عبد ولا أمة صلى هذه الصلاة إلا غفر الله له جميع ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل وورق الأشجار. ثم أطال فى ذكر الثواب والفضل فى هذا (قال) العراقى: أورده رزين فى كتابه، وهو حديث موضوع (وقال) ابن الجوزى: موضوع وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب. انظر ص 423 ج 3 - إتحاف المتقين شرح الإحياء (صلاة رجب).
(قال) أبو شامة: وما ذكره هذا الحافظ فى أمر صلاتى رجب وشعبان هو كان سبب تبطيلهما فى بلاد مصر بأمر سلطانها الكامل محمد بن أبى بكر رحمه الله تعالى، فإنه كان مائلا إلى إظهار السنن وإمانة البدع (وقد وقعت) هذه المسألة فى الفتاوى بدمشق قبل سنة عشرين وستمائه. صورتها: ما تقول السادة الفقهاء الأئمة رضى الله عنهم فى الصلاة المدعوة بصلاة الرغائب؟ هل هى بدعة فى الجماعات؟ وهل ورد فيها حديث صحيح؟ (فأجاب) الحافظ الفقيه أبو عمرو بن الصلاح بما صورته: حديثها موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى بدعة حدثت بعد أربعمائة من الهجرة، ظهرت بالشام وانتشرت فى سائر البلاد (ولا بأس) بأن يصليها الإنسان بناء على أن الإحياء فيما بين العشاءين مستحب كل ليلة. ولا بأس بالجماعة فى النوافل مطلقاً. أما أن تتخذ الجماعة فيها سنة وتتخذ هذه الصلاة من شعائر الدين الظاهرة، فهذه من البدع المنكرة، وما أسرع الناس إلى البدع. (ووقعت) هذه المسألة مرة ثانية صورتها: ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين فيمن ينكر على من يصلى لا فى ليلة الرغائب وليلة النصف من شعبان، ويقول: إن الزيت الذى يشعل فيها حرام وتفريط، ويقول إن ذلك بدعة. وما لهما فضل ولا ورد فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فيهما فضل ولا شرف؟ فهل هو على الصواب؟ أفتونا رضى الله عنكم (فأجاب) أيضاً: أما الصلاة المعروفة فى ليلة الرغائب فهى بدعة، وحديثها المروىّ موضوع. وما حدثت إلا بعد أربعمائة سنة من الهجرة، وليس لليلتها تفضيل على أشباهها من ليالى الجمع (وأما ليلة) النصف من شعبان فلها فضيلة وإحياؤها بالعبادة مستحب ولكن على الانفراد من غير جماعة، واتخاذ الناس لها ولليلة الرغائب موسماً وشعاراً بدعة منكرة. وما يزيدونه فيها على الحاجة والعادة من الوقيد ونحوه،
فغير موافق للشريعة.
(والألفية) التى تصلى فى ليلة النصف لا أصل لها ولا لأشباهها. ومن العجب حرصُ الناس على المبتدعَ فى هاتين الليلتين وتقصيرُهم فى المؤكدات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله المستعان (1).
(8)
ومما تقدم تعلم أن من المبدع المنكرة الاحتفال فى المساجد بإحياء هذه الليالى بالصلاة والدعاء وغيرهما، لأنه لم يكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد السلف الصالح، ولم يرد فيه حديث يعتمد عليه، ولما يترتب عليه من المفاسد وامتهان المساجد (قال) أبو شامة: قد أنكر الإمام الطرطوشى على أهل القيروان اجتماعهم ليلة الختم فى صلاة التراويح فى شهر رمضان ونصب المنابر، وبين أنه بدعة ومنكر، وان مالكاً رحمه الله كرهه إن كان ذلك عل وجه السلامة من اللغط، ولم يكن إلا الرجال والنساء منفردين بعضهم عن بعض يستمعون الذكر ولم تنتهك فيه شعائر الرحمن، فهذه البدعة التى كره مالك رحمه الله " وأما إن كان " على الوجه الذى يجرى فى هذا الزمان من اختلاط الرجال والنساء ومضامَّة أجسامهم، ومزاحمة من فى قلبه مرض من أهل الريب، ومعانقة بعضهم لبعض كما حكى لنا أن رجلا وُجِد يطأ امرأة وهم وقوف فى زحام الناس وحكت لنا امرأة أن رجلا واقعها فما حال بنيهما إلا الثياب. وأمثال ذلك من الفسق واللغط " فهذا فسق " فيفسق الذى يكون سبباً لاجتماعهم (فإن قيل) أليس روى عبد الرزاق فى تفسير أن أنس بن مالك كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله (قلنا) هذا هو الحجة عليكم. فإنه كان يصلى فى بيته، ويجمع أهله عند الختم، فأين هذا من نصبكم المنابر وتلفيق الخطب على رءوس الأشهاد فيخلط الرجال والنساء والصبيان والغوغاء
(1) ص 34 - الباعث على إنكار البدع والحوادث.
وتكثر الزعقات والصياح، ويختلط الأمر ويذهب بهاء الإسلام (1)
(ثم قال) أبو شامة: وكل من حضر ليلة نصف شعبان يعلن " أنه يقع " فى تلك الليلة من الفسوق والمعاصى وكثرة اللغط والخطف والسرقة وتنجيس مواضع العبادات، وأنها تهان بيوت الله تعالى " أكثر" مما ذكره الإمام أبو بكر الطرطوشى فى ختم القرآن والله المستعان فكل ذلك سببه الاجتماع للتفرج على كثرة الوقيد. وكثرة الوقيد سببها تلك الصلاة المبتدعة المنكرة، وكل بدعة ضلالة (2).
(وقال) الحافظ الزبيدى: وقد توارث الخلف عن السلف فى إحياء هذه الليلة بصلات ست ركعات بعد صلاة المغرب كل ركعتين بتسليمه يقرا فى كل ركعة منها بالفاتحة مرة والإخلاص ست مرات، وبعد الفراغ من كل ركعتين يقرأ سورة يس مرة ويدعو بالدعاء المشهور ليلة النصف ويسأل الله تعالى البركة فى العمر، ثم فى الثانية البركة فى الرزق ثم فى الثالثة حسن الخاتمة. وذكروا أن من صلى هكذا بهذه الكيفية أعطى جميع ما يطلب. وهذه الصلاة مشهورة فى كتب المتأخرين من السادة الصوفية، ولم أر لها ولا لدعائها مستنداً صحيحاً فى السنة. ثم قال: وقد قال أصحابنا: إنه يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالى المذكورة فى المساجد وغيرها (وقال) التجم الغيطى فى صفة إحياء ليلة النصف من شعبان بجماعة: إنه قد أنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبى مُليكة وفقهاء أهل المدينة واصحاب مالك وقالوا ذلك كله بدعة، ولم يثبت فى قيامها جماعة شئ عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه (3).
(1) ص 30 - الباعث على إنكار البدع والحوادث ..
(2)
ص 31 منه.
(3)
ص 427 ج 3 شرح الإحياء (وأما صلاة شعبان).
(وأما الدعاء) المشهور ليلة نصف شعبان فلم يثبت. والاجتماع له بدعة ونسبته إلى بعض الصحابة غير صحيح. وإنما هو من اختراع بعض المشايخ (قال) العلامة أحمد الشرجى اليمنى فى كتاب الفوائد فى الصِّلات والعوائد فى بحث " ما يدعى به ليلة النصف من شعبان " من ذلك ما وجد بخط الفقيه أبى بكر بن أحمد دعير قال: أملى علىّ الخ الفقيه عبد الله بن أسد اليافعى فى طريق مدينة الرسول صلى الله علهي وسلم سنه 733 ثلاث وثلاثين وسبعمائة هذا الدعاء وهو: اللهم ياذا المن الخ. (قال) بعضهم: أولى ما يدعى به فيها: إلهى بالتجلى الأعظم فى ليلة النصف من شهر شعبان المعظم الخ. فجمع الناس بينهما وروّجوه. وقد يشترطون لقبوله قراءة يس وصلاة ركعتين قبله يكررون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات: يصلون المرة الأولى بنية طول العمر، والثانية بنية دفع البلايا، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس، ويعتقدون أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومن مزايا هذه الليلة حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات، فهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة. وفيهم تاركو الصلاة ومرتكبو الموبقات معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق، وانه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته، لهذا ينبغى تركه وعدم الاهتمام به، سيما وأنه يفهم منه أن ليلة النصف هى الليلة المباركة التى يفرق فيها كل أمر حكيم. وهو مخالف لصريح القرآن، لأن الليلة المباركة المذكورة فى قوله تعالى:{وَالْكِتَابِ المُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (1)
هى ليلة القدر، لا ليلة النصف من شعبان.
(1) الدخان آية: 2 - 4. و (منذرين) أى معلنين الناس بما ينفعهم ويضرهم، لئلا يكون لهم على الله حجة (فيها يفرق كل أمر حكيم) أى فى ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة، أمر السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وغيرها ..
(قال) ابن كثير: يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم: " إنَّا أَنزَلْناُه فِى ليْلَةٍ مُبَارَكَةٍ " وهى ليلة لاقدر كما قال عز وجل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} وكان ذلك فى شهر رمضان كما قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ (1)} ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما رُوى عن عكرمة، فقد أبعد النجعة فإن نص القرآن أنها فى رمضان " والحديث " الذى رواه عثمان بت محمد بن المغيرة بن الأخنث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تُقطع الآجالُ من شعبانَ إلى شعبانَ، حتى إن الرجل ليَنْكح ويوُلد له ود أخرْجَ اسمه فى الموتى " فهو" حديث مرسل ومثله لا يعارض النصوص (2). {411}
(وقال) العلامة الأوسى (إنا أنزلناه) أى الكتاب المبين الذى هو القرآن على القول المعول عليه (فى ليلة مباركة) هى ليلة القدر على ما روى عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن زيد والحسن. وعليه أكثر المفسرين. والظاهر معهم (3)? (وقال) وعن عكرمة أن ليلة القدر هى ليلة النصف من شعبان. وهو قول شاذ غريب. وظاهر ما هنا مع ظاهر قوله تعالى " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " يرده (4)? (وقال) أبو بكر بن العربى: جمهور العلماء على أنها ليلة القدر. ومنهم من قال إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل، لأن الله تعالى قال فى كتابه الصادق القاطع " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " فنص على أن ميقات نزوله رمضان ثم عبر عن زمنية الليل هنا بقوله: فى ليلة مباركة (5)? أى أن ابتداء نزوله على النبى صلى الله عليه وسلم كان فى رمضان فى تلك الليلة المباركة التى سماها الله ليلة القدر (وظاهر)
(1) آية البقرة: 185.
(2)
ص 419 ج 7 تفسير ابن كثير. و (النجعة) مغرفة فى الأصل طلب الكلأ فى موضعه. والمراد هنا البعد عن الصواب.
(3)
ص 37 ج 8 روح المعانى (سورة الدخان).
(4)
ص 420 ج 9 منه (سورة القدر).
(5)
ص 224 ج 2 - أحكام القرآن (سورة الدخان).
القرآن أيضاً أن الليلة التى يفرق فيها كل أمر حكيم، هى ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان (وظاهره) أيضاً أن المحو والإثبات فى قوله تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (1)? ليس المراد به محو الشقاوة والحرمان، وإقتار الرزق وإثبات ضدها، وإنما المراد المحو والإثبات فى الشرائع بالنسخ والتبديل، فإنه الذى يقتضيه سياق الكلام (2)
(1) الرعد آية: 39.
(2)
وذلك أن المعاندين من كفار قريش كانوا يعيبون على النبى صلى الله عليه وسلم أموراً ثلاثة (الأول) تزوجه وتناسله، قالوا: لو كان نبياً مرسلا لشغلته النبوة والرسالة عن التزوج والتناسل. (.الثانى) عدم إجابته ما يقترفونه عليه من الآيات وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً (91) أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً أو تأتى بالله والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى فى السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه (93)(الإسراء)(الثالث) نسخ بعض الأحكام كتحويل القبلة من الكعبة إلى بيت المقدس وبالعكس، ونقل عدة المتوفى عنها زوجها من عام إلى أربعة أشعر وعشر (فرد الله) عليهم الشبهة الأولى بقوله: ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية (الرعد: آية 38) أى فأنت مثلهم فى ذلك: تأكل كما يأكلون، وتمشى فى الأسواق كما يمشون، وتأتى الزوجات فيولد لك كما يأتون زوجاتهم فيولد لهم.
…
(ورد الشبهة) الثانية بقوله " وما كان لرسول أن يأتى بآيه إلا بإذن الله "(غافر من آية: 78) تعالى يفعل ما يشاء، ويأتى بما أراد. وأنت كذلك ليس فى طاقتك الإتيان بما يقترفون من الآيات، وإنما أنت منذر " قل سبحان ربى هل كنت إلا بشراً رسولا " (الإسراء عجز آية: 93)
…
(ورد الشبهة) الثالثة بقوله " لكل أجل كتاب "(الرعد عجز آية: 38) أى لكل وقت من والوعد من (آية: 38) أى لم يكن يأتى قزمه بخارق إلا بإذن الله، ليس ذلك إليه بل إلى الله الأوقات حكم تقتضيه حاجة المرسل إليهم وتستدعيه مصالحهم. وقلا الضحاك بن مزاحم " لكل أجل كتاب " أى لكل كتاب أجل يعنى لكل كتاب أنزل من السماء مدة مضروبة، ومقدار معين عند الله، فلذا " يمحوا الله ما يشاء " منها، أى ينسخ ما يشاء نسخة من الأحكام والشرائع " ويثبت " بدله ما فيه المصلحة والخير لعباده، وهم فى ذلك كالمرض يعالجون بأدوية مختلفة على حسب اختلاف أحوالهم التى تتغير بتبديل الأوقات (وعنده أم الكتاب) أى أصل القضاء والعلم الذى لا تغيير فيه ولا تبديل (فالمحو والإثبات) إنما هو فى الأحكام الشرعية الفرعية كما يقتضيه سياق الآيات، لا فى الرزق والأجل والسعادة والشقاء فإنها لا تتغير (روى حذيفة بن أسيد ان النبى صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر فى الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب؟ أشقى أم سعيد؟ فيكتبان فيقول: أى رب أذكر أم أنثى؟ فيقول الله، فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ومصيبته، ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما =فيها ولا ينقص. أخرجه أحمد. انظر ص 129 ج 1 - الفتح الربانى. ومسلم (ص 193 ج 16 نووى مسلم - القدر). (وقال) حذيفة أيضاً: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سعها وبصرها وجلدها =
(وقال) العلامة الخطيب: واختلف فى قوله تعالى " فى ليلة مباركة " فقال قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين: هى ليلة القدر، وقال عكرمة، وطائفة: إنها ليلة البراءة، وهى ليلة النصف من شعبان. واحتج الأولون بوجوه.
(الأول) قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ} فقوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ} يجب أن تكون هى تلك الليلة المسماة بليلة القدر، لئلا يلزم التناقض.
(ثانيها) قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فيهِ الْقُرآنُ} فقوله تعالى ها هنا: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ} يجب أن تكون هذه الليلة المباركة فى رمضان فثبت أنها ليلة القدر.
(ثالثها) قوله تعالى فى صفة ليلة القدر {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} وقال تعالى ها هنا {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وقال ها هنا {رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} وقال تعالى فى ليلة القدر: {سَلامٌ هِىَ} وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هى الأخرى.
(رابعها) نقل محمد بن جرير الطبرى فى تفسيره عن قتادة أنه قال: نزلت صحف إبراهيم فى أول ليلة من رمضان، والتوراة لست ليال منه، والزبور لثنتى عشرة ليلة مضت منه، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان والليلة المباركة هى ليلة القدر. {107}
(خامسها) أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم، لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم ومعلوم أن قدرها وشرفها ليس بسبب نفس الزمان، لأن الزمان
= ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضى ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب أجله. فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول يا رب رزقه فيقضى ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يخرج الملك بالصحيفة فى يده فلا يزيد على أمر ولا ينقص. أخرجه مسلم (ص 193 ج 16 نووى).
شئ واحد فى الذات والصفات فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة لها قدر عظيم.
(ومن المعلوم) أن منصب الدين أعظم من مناصب الدنيا. وأعظم الأشياء وأشرفها شعباً فى الدين هو القرآن، لأنه ثبت به نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم: وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل، كما قال تعالى فى صفته:" وَمُهيْمِناً عَليْهِ " وبه ظهرت درجات أرباب السعادات. ودركات أرباب الشقاوات. فعلى هذا لا شئ إلا والقرآن أعظُم قدراً وأعلى ذكراً وأعظم منصباً " منه ". وحيث أطبقوا أن ليلة القدر هى التى وقعت فى رمضان، علمنا أن القرآن إنما أنزل فى تلك الليلة (وهذه) أدلة ظاهرة واضحة (واحتج) الآخرون بأنها مختصة بأربع خصال:
(الأولى) فضل العبادة فيها. روى الزمخشرى أنه صلى الله عليه وسلم قلا: من صلى فى هذه الليلة مائةَ ركعة أرسل الله إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمِّنُونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان. {412}
(الثانية) نزول الرحمة. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يرحم من أمتى فى هذه الليلة بعدد شعر أغنام بنى كلب. {413}
(الثالثة) حصول المغفرة فيها. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يغفر لجميع المسلمين فى تلك الليلة غلا الكاهنَ والساحرَ ومُدْمن الخمر وعاقّ والديه والمصرّ على الزنا. {414}
(الرابعة) أنه تعالى أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الليلة تمام الشفاعة فى أمته (قال) الزمخشرى: وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان الشفاعة فى أمته فأعطى الثلث منها. ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطى الثلثين. ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطى الجميع إلا من شرد عن
الله شرود البعير (1)? (ومما ورد) فى ليلة النصف حديث على أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصموا نهارها (الحديث) أخرجه ابن ماجه وابن حبان (2). {415}
(وأجاب) الأولون بأنها أحاديث ضعيفة لا يعارَضُ بها ظاهرُ القرآن (فالحديث) الأول ذكره صاحب الفردوس من حديث ابن عمر. وأخرجه أبو الفتح سليم بن أيوب فى الترغيب عن علىّ موقوفاً (3) وعلامة الوضع عليه لائحة (والحديث) الثانى أخرجه ابن ماجه والترمذى من حديث عائشة مرفوعاً: إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم بنى كلب (قال) الترمذى: لا نعرفه إلا من حديث الحجاج. وسمعت محمداً (يعنى البخارى) يضعفه وقال: يحى بن أبى كثير لم يسمع من عروة. والحجاج لم يسمع من يحيى (4)? فالحديث منقطع فى موضعين بين الحجاج ويحيى وبين يحيى وعروة. وأيضاً فإن الحجاج بن أرطاة ليس بحجة (قال) الحافظ: وفى الباب عن أنس عن عائشة فى الدعواتن للبيهقى، وفى روايته مجاهيل (5).
(1) ص 545 ج 3 - السراج المنير (سورة الدخان).
(2)
ص 217 ج 1 سنن ابن ماجه (ليلة نصف شعبان).
(3)
ص 148 - الكافى الشاف رقم 379 فى تخريج أحاديث الكشاف. ونحوه ما فى سند الفردوس للديلمى من طريق محمد بن مروان الذهلى عن أبى يحيى قال: حدثنى أربعة وثلاثون من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ ليلة نصف شعبن ألف مرة قل هو الله أحمد فى مائة ركعة، لم يخرج من الدنيا حتى يبعث الله إليه فى منامه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من انار، وثلاثون من أن يخطئ، وشعرة يكيدون من عاداه. وأخرجه ابن الجوزى فى الموضوعات من طريق يزيد بن محمد بن مروان عن أبيه مرفوعاً: من قرأ ليلة النصف من شعبان ألف مرة قل هو الله أحد فى عشر ركعات لم يمت حتى يبعث الله إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنون من العذاب، وثلاثون يقومونه أن يخطئ وعشرة أملاك يكتبون أعداءه. أخرجه ابن الجوازى، وقال مع كونه منقطعاً موضوع فيه مجاهيل أهـ.
(4)
ص 217 ج 1 سنن ابن ماجه (ما جاء فى ليلة نصف شعبان) وص 52 ج 2 تحفة الأحوذى.
(5)
ص 148 تخريج أحاديث الكشاف .. حديث رقم 380.
(والحديث) الثالث قال الحافظ: لم أجده هكذا. وفى ابن حبان من حديث معاذ بن جبل قال: يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. وفى ابن ماجه من حديث أبى موسى كذلك، والبزار من حديث أبى بكر، وفى إسناده ضعف. أخرجه البزار أيضاً من حديث عوف بن مالك، وفيه ابن لهيعة (1).
(والحديث) الرابع لم يعرف مُخَرِّحهِ. (والحديث) الخامس ضعيف جداً فى سنده أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة. ضعفه البخارى وغيره قال ابن معين وأحمد: إنه يضع الحديث، وقال النسائى متروك (2).
(وعلى الجملة) فكل الأحاديث الواردة فى ليلة النصف من شعبان دائر أمرها بين الوضع والضعف (قال) أبو بكر بن العربى: ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يعول لعيه، لا فى فضلها ولا فى نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليه (3) (ونقل) أبو شامة عنه قال: ليس فى ليلة النصف من شعبان حديث يساوى سماعه " وقولهم " الحديث الضعيف يعمل به فى فضائل الأعمال " محله " إن لم يشتد ضعفه كما هنا. على أننا لا ننكر استحباب إحيائها بالطاعة مغيرها من باقى الليالى على الوجه المشروع بلا ارتكاب محذور أهـ (وقال) أبو شامة: قيام الليل مستحب فى جميع ليالى السنة وهذه بعض الليالى التى كان يصلى فيها ويحييها النبى صلى الله عليه وسلم وإنما المحذور المنكر تخصيص بعض الليالى بصلاة مخصوصة على صفة مخصوصة أهـ.
(ومن هذا) القبيل دعاء ليلتى أول السنة وآخرها والاجتماع له فى بعض
(1) ص 148 تخريج أحاديث الكشاف حديث رقم 381.
(2)
وتمام الكلام عليه بامش ص 16 المنح الإلهية بتخريج أحاديث هداية الأمة المحمدية.
(3)
ص 224 ج 2 - أحكام القرآن (سورة الدخان).
المساجد وهو دعاء مخترع لم ينقل عن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين، ولم يرو حتى فى كتب الموضوعات.
(ومن الفرية) على الله ورسوله قول مخترعه: إن من قرأه يقول الشيطان: قد تعبنا منه طول السنة فأفسد عملنا فى ساعة. والأغرب تلقى بعض المتعلمين له بالقبول وإقرارهم إياه بدعوى أنه دعاء وهو خير. وغفلوا عما قاله أبو الخطاب بن دحية: إن استعمال الخير ينبغى أن يكون مشروعاً من النبى صلى الله عليه وعل آله وسلم فإذا علمنا أنه كذب خرج من المشروعية. وتمامه فى كتاب الباعث.
(9)
ومن البدع المنكرة التبرير الذى يفعله بعض المؤذنين. وهو تلاوتهم على المآذن ونحوها بصوت مرتفع عند موت عالم: قوله تعالى {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} (1)(الآيات) ويجتمع عدد منهم فيقرءون هذه الآيات بصوت واحد مع التنازع والتناوب. وقراءة القرآن على هذا الوجه بدعة محدثة منكرة، خالية من الخشوع والتدبر المطلوبين من قارئ القرآن. وفيها تلحين القراءة كتلحين الغناء المؤدى إلى التمطيط الفاحش وإخراج الحروف عن أوضاعها، والنقص والزيادة فى القرآن وهو حرام بالإجماع. وإن لم يؤد إلى هذا فهو مكروه، لما تقدم، ولأنه إن قصد منه الإعلام بموت عالم فهو من النعى المنهى عنه، على أن القرآن لم ينزل للإعلام بموت العلماء، وغن كان القصد منه الإخبار بأن هذا الميت من الأبرار فلم اتخذ شعاراً خاصاً بالعلماء؟ . (وعلى الجملة) فنعى الميت فى المآذن والنداء للصلاة عليه بخلاف السنة (قال) حذيفة: إذا مت فلا تؤذنوا بى أحداً فإنى أخاف أن يكون نعياً وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن
(1) الإنسان آية: 5 وما بعدها.
النعى. أخرجه الترمذى وحسنه وابن ماجه (1){416}
(وقال) ابن الحاج: قال القاضى ابن رشد فى البيان والتحصيل: أما النداء بالجنائز داخل المسجد فلا ينبغى ولا يجوز باتفاق، لكراهة رفع الصوت فى المسجد. وأما النداء بها على أبواب المسجد فكرهه مالك ورآه من النعى المنهى عنه (والنعى) أن ينادى فى الناس: ألآ إن فلاناً قد مات فاشهدوا جنازته. وأما الإعلام بها من غير نداء فجائز بالإجماع (2).
(10)
ومن البدع المنكرة رثاء الميت فى المسجد وتعديد محاسنه قبل الصلاة عليه وبعدها، وقد يكون عند القبر، فإنه إن خلا من الكذب والتغالى فى المدح، ففيه رفع الصوت فى المسجد لما لم يعدّله. وفيه ترك سنة التعجيل بالدفن. وإن اشتمل على الكذب والتغالى فى المدح والمبالغة فى تعداد محاسن الميت على وجه يثير الحزن والجزع كان من النياحة المحرمة (قال) ابن الحاج وينهى الإمام المؤذنين عما أحدثوه من النداء على الميت بالألفاظ التى فيها التزكية والتعظيم. لأن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال: لا تزكوا على الله أحداً (3) والميت مضطر إلى الدعاء. والتزكية ضد ما هو مضطر إليه، فقد تكون سبباً لعذابه أو توبيخه فيقال له أهكذا كنت؟ (4) (وفى فتاوى) ابن حجر: إن المرائى التى " تبعث " على النوح وتجديد الحزن كما يصنع الشعراء فى عظماء الدنيا " وتنشد " فى المحافل عقب الموت فهى نياحة محرمة بلا شك. و (قال) ابن عبد السلام: بعض المراثى حرام كالنوح لما فيه من التبرم بالقضاء (وقال) الشيخ تقى الدين: وما هيَّج المصيبة من وعظ أو إنشاد شعر فمن النياحة (5) نقله فى كشاف القناع.
(1) ص 129 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية النعى) وص 232 ج 1 سن ابن ماجه (النهى عن النعى).
(2)
ص 221 ج 2 - المدخل (كراهة نعى الميت).
(3)
لم أقف على تخريجه.
(4)
ص 12 ج 2 - المدخل.
(5)
ومن ذلك تأبين الميت ليلة الأربعين أو عند مرور كل سنة بالأشعار والخطب المشتملة على الكذب والمبالغة فى المدح. فكل هذا مما يؤذى الموتى ويعود على فاعليه بالغضب والوبال = والإثم الكبير. ولا سبيل إلى إزالة هذه المنكرات إلا أن تتعلم الأمة أحكام دينها وهدى نبيها صلى الله عليه وسلم، وتتحلى به فى حركاتها وسكناتها. وعل السادة العلماء والوعاظ أن يقوموا بواجبهم نحو الأمة فيبينون لها ذلك وينفرونها من ارتكاب هذه المنكرات وغيرها بما ورد فيها من الوعد الشديد، حتى يوفق الله ولاة الأمور إلى احترام الدين وإقامة حدوده بالضرب على أيدى الخارجين عنها وإيقاف الملحدين والضالين عندها.
(11)
ومن البدع المنكرة الاجتماع فى المسجد للدعاء برفع الوباء، فإنه بدعة حدثت سنة 749 تسع وأربعين وسبعمائة كما قال ابن حجر.
(وقال) السيوطى: إن ذلك بدعة لا أصل لها، لأنه لم يثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء برفعه ولا عن أصحابه بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دعا بالوباء وطلبه لأمته (وعن) مَعْمر بن قتادة أن أبا بكر كان إذا بعث جيوشاً إلى الشام قال: اللهم ازرقهم الشهادة طعناً وطاعوناً. أخرجه عبد الرزاق {108} (وقد وقع) الطاعون فى عهد عمر والصحابة متوافرون فلم ينقل عن أحد منهم أنه دعا برفع الوباء ولا أمر به، كما ورد أنهم دعوا برفع القحط. وكذلك وقع الطاعون عدة مرات فى القرن الأول والقرون الثلاثة بعده فلم ينقل عن أحد من خيار الأمة وهم كثيرون أنه فعل ذلك ولا أمر به (وقال) بعض الحنابلة: لا يقنت للطاعون، لأنه لم يثبت عن السلف. (وقال) التيمى: يكره الدعاء برفعه لأن معاذ امتنع عن ذلك واعتل بكونه شهادة ورحمة ودعوة نبينا صلى الله عليه وسلم به لأمته (ومال) ابن حجر إلى مشروعية الدعاء برفعه فرادى، ومنع الاجتماع له. أفاده العلامة القاسمى فى إصلاح المساجد، (ومن هذا) القبيل أنه إذا ألم بالبلاد نازلة مهمة كوباء أو حرب أو قحط اجتمع العلماء والأعيان فى الجامع الأزهر ونحوه ويوزعون أجزاء البخارى على الحاضرين لقراءته زاعمين أنه يرفع ما حل بالبلاد من
وباء غيره. وقد ينتدب بعض الشيوخ لقراءته فى عدة أيام ثم يختم فى اجتماع حافل لمرض والى ابلد أو عظيم عظمائها مجاناً أو بجائزة. وقد يستأجر من يقرأه لخلاص وجيه من سجن أو شفائه من مرض. وهذا لا أصل له ولا دليل يدل عليه ولم يثبت عن أحد من السلف الصالح أنه فعله أو أمر به (وقد أنكر) هذا العمل - الذى لا يشهد له نقفل ولا يقبله عقل - كثير من العلماء.
وكتب بعضهم فى إحدى المجلات ف جمادى الثانية سنة 1320 الهجرية وتحت عنوان: (بماذا دفع العلماء نازلة الوباء) منتقداً هذه الحالة بما شفى صدور الناقمين على البدع. وهناك ملخصها:
دفعوها يوم الأحد الماضى بقراءة متن البخارى موزعاً كراريس على العلماء جرياً على عادتهم من إعداد هذا المتن أو السلاح الحبرى لكشف الخطوب، وتفريج الكروب، فهو يقوم عندهم فى الحرب مقام المدفع والصارم وفى الحريق مقام المضخة والماء. وفى الهيضة (1) مقام الحيطة الصحية وعقاقير الأبطاء. وفى البيوت مقام الخفراء والشرطة " ولما كان " العلماء أهل الذكر والله يقول " فاسْئلوا أهْلَ الذِّكر إن كنتْم لا تَعْلمُون "" قد جئت " أسألهم بلسان كثير من المسترشدين عن مأخذ هذا الدواء من كتاب الله أو صحيح سنه رسوله، أو رأى مستدل عليه لأحد المجتهدين إن كانوا أتوا هذا العمل على أنه أمر دينى، وإلا فعن أىّ الأطباء تلقوه؟ وإذا كان هذا السر العجيب جاء من جهة أن المقروء حديث نبوى، فلم خص بهذه المزية صحيح البخارى؟ ولم لم يكف فى هذا الموطأ مالك أو غيره من كتب السنة؟ وإذا جروا على أن الأمر من رواء الأسباب فلم لا يقرءونه لدفع ألم الجوع وغيره؟ كما يقرأ لإزالة المغص أو الإسهال. فإن لم يستطيعوا عزو هذا الدواء
(1) الهيضة، معاودة الهم والحزن، والمرضة بعد المرضة. قاموس.
إلى حذاق الأطباء، سألت الملم منهم بالتاريخ أن يرشدنا إلى من سن هذه السنة فى الإسلام.
وهل قرئ البخارى لدفع الوباء قبل هذه المرة؟ فإنا نعلم أنه قرئ للعرابيين فى واقعة التل الكبير، فلم يلبثوا أن فشلوا ومزقوا شر ممزق، فإن لم يجيبوا عن هذه المسألة إجابة شافية، خشيت كما يخشى العقلاء أن يحمل عليهم أهل الأقلام حملة تسقط الثقة بهم حتى من نفس العامة " ولولا " وقوف أهل الفكر م المسلمين على أن هذا العمل ليس من الدين، ، وأن القرآن يقول:{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (1)" لضلوا " وأضلوا. وقد جرأ هذا الأمر غير المسلمين على الخوص فى الدين الإسلامى وإقامة الحجة على المسلمين من عمل علمائهم. فلا حول ولا قوة إلا بالله. وإنى لا أزال ألح فى طلب الجواب الشافى عن أصل دفع الوباء بقراءة الحديث، وعن منح متن البخارى مزية لم يمنحها كتاب الله الذى نعتقد أنه متعبد بتلاوته. (أقول) لو أن هذا الكاتب الفاضل وقف على ما نقلناه أول البحث عن السيوطى وغيره: أن الدعاء برفع الطاعون والاجتماع له بدعة محدثة، لعرف الجواب وكفاه.
(12)
ومنها اتخذا المنبر العالى - يسن اتخاذ منبر للخطبة، لأنه أبلغ فى إسماع الناس. ومشاهدتهم للخطيب " ولقول " سهل بن سعد الساعدى: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة: انظرى غلامك النجار يعمل لى أعواداً أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاث درجات فهى من طرفاء الغابة (الحديث) أخرجه مسلم (2). {417}
(1) الأنفال آية: 60.
(2)
ص 34 ج 5 نووى مسلم (جواز الخطوة والخطوتين فى الصلاة - المساجد) و (هذه الثلاث درجات) لغة. والمعروف أن يقال: ثلاث الدرجات أو الدرجات الثلاث. و (الطرفاء) شجر الأقل. و (الغابة) موضع بعوالى المدينة.
" ولقول " أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعةُ يسند ظهره على خشبة فلما كثر الناس قال: ابنوا لى منبراً. أراد أن يسمِعهم. فبنَوا له عتَبتين فتحوَّل من الخشبة إلى المِنبر فسُمِعَت الخشبةُ تَحِنُّ حنين الوالد فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فمشى إليها فاحْتضنها فسَكنتْ. أخرجه أحمد (1). {418}
" ولقول " ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبرَ فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حَنّ فأتاه فاحتضنه فسكن قال: ولو لم أحْتضِنه لحَنّ إلى يوم القيامة. أخرجه أحمد (2). {419}
" ولقول " باقوم الرومى: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم منبراً من طَرفاء، له ثلاثُ درجات المقعَدةَ ودَرجتان. أخرجه ابن عبد البر (3). {109}
(وكان) ارتفاع المنبر ذراعين، وامتداده مما يلى القبلة إلى الجهة المقابلة لها ذراعين وكان عرضه ذراعاً، وارتفاع كل درجة نصف ذراع، وارتفاع المقعدة ذراعاً وسطحها ذراعاً فى ذراع (وكان) له رماتنان فى جانبى المقعدة مان يقبضهما صلى الله عليه وسلم بيديه إذا جلس، وارتفاع كل واحدة نصف ذراع (وكان) به خمسة أعواد من جوانبه: ثلاثة خلف الظهر كان صلى الله عليه وسلم يستند إليها، طولُ كلٌ ذراع، وفى كلْ جانب عود (وكان) فيه سبع كوُى: واحدة من خلف، وثلاثة فى الجانب الأيمن، ومثلها فى الجانب الأيسر. (ولم يزل) المنبر ثلاث درجات حتى زاده مروان
(1) ص 226 ج 3 مسند أحمد (مسند أنس بن مالك رضى الله عنه)(عتبتين) أى درجتين غير المقعدة التى كان يجلس عليها.
(2)
ص 249 ج 1 (مسند عبد الله بن العباس رضى الله عنهما).
(3)
ص 82 ج 1 - الاستيعاب.
فى خلافة معاوية ست درجات من أسفله (قال) حُميد بنُ عبد الرحمن بن عوف: بعث معاوية إلى مروان وهو عامله بالمدينة أن يحمل النبر إليه، فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب فقال: إنما أمرنى أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجاراً وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التى هو عليها اليوم. ذكره الزبير بن بكار فى أخبار المدينة. ورواه من وجه آخر وفيه: فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم. قال: وزاد فيه ست درجات وقال: إنما زدت فيه حين كثر الناس.
(واستمر) المنبر على ذلك إلى أن احترق مع المسجد سنة 654 أربع وخمسين وستمائة. ثم جدده المظفر صاحب اليمن سنة 656 ست وخمسين وستمائة. ثم أرسل الظاهر بيبرس منبراُ آخر سنة 676 ست وسبعين وستمائة فوضع بدل منبر المظفر. وفى سنة 820 عشرين وثمانمائة أرسل الملك المؤيد منبراً جديداً. ذكره ابن النجار. (ومما تقدم) تعلم أن علو المنبر وزيادته عن ثلاث درجات محدث. (قال) ابن الحاج: ومن هذا الباب - أعنى إمساك مواضع فى المسجد وتقطيع الصفوف بها - اتخاذ هذا المنبر العالى فإنه أخذ من المسجد جزءاً جيداً وهو وقف على صلاة المسلمين، وكفى به أنه لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا من فعل الخلفاء بعده فهو من جملة ما أحدث فى المساجد. وفيه تقطيع الصفوف ومنبر السنة غير هذا كله. كان ثلاث درجات لا غير، والثلاث درجات لا تشغل مواضع المصلين (فإن قيل) بل تشغل ولو موضعَ واحدٍ (فالجواب) أن هذا مستثنى بفعل صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الحالات. وما عداه بدعة لا ضرورة تدعو إليه.
(فإن قيل) قد كثر الناس واتسع الجامع، فإذا صعد الخطيب على المنبر
وهو ثلاث درجات قل أن يُسمع الخطيبُ الجميع أو أكثرهم (فالجواب) أن من كان على منبر على هو الذى لا يسمعهم لكونه بعيداً عنهم فكأنه فى سطح وحده، وهذا مشاهد ألا ترى أن الخطيب على هذا المنبر العالى كثير من الناس لا يسمعونه وإذا دخل فى الصلاة سمعوا قراءته أكثر من خطبته، وما ذاك إلا لكونه فى الصلاة واقفاً معهم على الأرض. وفى حال الخطبة لم يكن معم كذلك (1).
(13)
ومنها فرش المنبر بسجادة وغيره.
(قال) ابن الحاج: وليحذر أن تفرش السجادة وغريها على المنبر ودرجة، لأنه بدعة إذ لم يأت عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا السلف وليس بموضع صلاة، فهو من الترفه يطلب تركه (2).
(14)
ومنها وضع الأعلام على جانبى المنبر والستائر على بابه، فإنه أمر محدث لم يكنم فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح وقد يمنع من رؤية الخطيب. والسنة النظر إليه حال الخطبة (قال) على رضى الله عنه وهو على منبر الكوفة: إذا كان يومُ الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق. فيرمون الناس بالرباثث ويثبطونهم عن الجمعة. وتغْدو الملائكةُ فتجلس على باب المسجد فيكتبون الرجلَ من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام. فإذا جلس الرجل مجَلساً يسْتمكنُ فيه من الاستماع والنظر فأنصت ولم يلغُ، كان له كفْلان م أجر (الحديث) وفيه: ثم يقول فى آخر ذلك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك أخرجه أبو داود والبيهقى (3). {420}
(قال) ابن الحاج وليحذر من جعل الأعلام السود على المنبر حال الخطبة فإنه من البدع وتقييد الأعلام بالسود لا مفهوم له فإن وضع أعلام عل المنبر
(1) ص 78 ج 2 مدخل (المنبر العالى).
(2)
ص 124 منه (فرش السجادة على المنبر).
(3)
ص 192 ج 6 - المنهل العذب (فضل الجمعة). وص 220 ج 3 - السن الكبرى (الإنصات للخطبة .. ) و (الرباثث) جمع ربيثة وهى الأمر يحبس الإنسان عن مهامه.