المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثالث) ما يباح فى الصلاة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٣

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثالث) ما يباح فى الصلاة

يقضى هو ما فاته عند الحنفيين (وقالت) المالكية: يشير لهم بالانتظار ويقوم لقضاء ما فاته ثم يسلم بهم. فإن سلموا ولم ينتظروه بطلت صلاتهم.

(وقالت) الشافعية والحنبلية: يستخلف من يسلم بهم، فإن لم يفعل فلهم أن يسلموا لأنفسهم وأن ينتظروه جلوساً حتى يُتم صلاته ويسلِّم بهم.

(الثالث) ما يباح فى الصلاة

يباح فيها أمور قد يظن أن بعضها ممنوع. المذكور منها هنا أربعة عشر.

(1)

يجوز البكاء فى الصلاة خوفاً من الله تعال، أو لتذكر الجنة أو النار ولا يبطلها ولو كان بصوت عند الحنفيين ومالك وأحمد " لحديث " مُطرّفٍ عن أبيه عبد الله بن الشِّخير قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى ولصدره أزيز كأزيز الْمِرْجَلِ من البكاء .. أخرجه أحمد والثلاثة وصححه الترمذى وابن حبان وابن خزيمة (1). {190}

وفى رواية أبى داود كأزيز الرحا، يعنى الطاحون والمعنى أنه يجيش جوفه ويغلى من البكاء خوفاً من الله عز وجل " ولحديث " عائشةَ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى مرضه الذى تُوفِّىَ فيه: مُروا أبا بكر فلْيُصَل بالناس فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمْعه، وإنه إذا قرا القرآن بكى (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وصححه الترمذى (2). {191}

وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم أخْيِرَ أن أبا بكر إذا قرأ غلبه البكاء فصمم على استخلافه، وكذا لا تبطل عند الشافعية إن لم يظهر منه حرفان، فإن

(1) ص 25 ج 4 مسند أحمد (حديث مطرف بن عبد الله عن أبيه) وص 353 ج 5 - المنهل العذب (البكاء فى الصلاة) وص 179 ج 1 مجتبى. و (الأزيز) صوت القدر عند غليان الماء. و (المرجل) كمنبر، القدر يطبخ فيه.

(2)

ص 34 ج 6 مسند أحمد (حديث السيدة عائشة رضى الله عنها) وص 140 ج 4 نووى مسلم (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر

)

ص: 152

ظهرا أبطل البكاء الصلاة مطلقاً. أما البكاء لوجع أو مصيبة فإن ظهر منه حرفان فأكثر بطلت الصلاة وإلا فلا عند الحنفيين.

(وقالت) المالكية: إن كان بلا صوت أو لوجع فلا بأس. وإن كان لغير وجع وبصوت فكالكلام، فإن كان عمداً أبطل قليله وكثيره. وإن كان سهواً أبطل كثيره دون يسيره، وكذا التنهُّد إن كان غلبة، وإن كان عمداً أو جهلا فمبطل. وإن كان سهواً سجد غير المأموم. (وقالت) الحنبلية: البكاء لغير خوف الله إن ظهر منه حرفان أبطل الصلاة ما لم يكن غلبة.

(2)

ويجوز قتل الحية والعقرب فى الصلاة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اقتلوا الأسودين فى الصلاة الحية والعقربَ. أخرجه أحمد والثلاثة وابن حان والحاكم وصححه. وقال الترمذى: حديث حسن صحيح (1). {192}

ومثلهما فى ذلك كل مؤذ. وقيل يجب القتل عملا بأصل الأمر. والجمهور على الأول (فعند) الحنبلية وبعض الحنفية يجوز قتلهما فى الصلاة بلا كراهة ولو بعمل كثير " أما حديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كفاك للحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها " فقد " أخرجه البيهقى {193}

وقال: وهذا إن صح فإنما أراد " والله أعلم " وقوع الكفاية بها فى الإتيان بالمأموم به ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة، بل المراد إذا امتنعت بنفسها حين أخطأتها الضربة فلا داعى لضربها ثانياً (2) (وقالت) المالكية: يجوز للمصلى قتلهما إذا قصدا أذاه وإلا كره القتل فى الصلاة. وهو رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة (وقالت) الشافعية وبعض الحنفية:

(1) ص 113 ج 4 - الفتح الربانى. وص 178 ج 1 مجتبى (قتل الحية والعقرب فى الصلاة) ولفظهما: أمر بقتل الأسودين. وص 18 ج 6 - المنهل العذب (العمل فى الصلاة) وص 301 ج 1 تحفة الأحوذى (قتل الأسودين فى الصلاة) وتسميتهما بالأسودين من باب التغليب، وإلا فالمسمى بالأسود هو الحية فقط. والمراد الحية والعقرب ولو غير أسودين.

(2)

ص 266 ج 2 - السنن الكبرى (قتل الحية والعقرب فى الصلاة).

ص: 153

يجوز قتل الحية والعقرب فى الصلاة وتبطل به إن أدى إلى مشى أو عمل كثير وإلا فلا (قال) العلاقة الحلبى: ولا بأس بقتل الحية والعقرب فى الصلاة إذا لم يحتج إلى المشى الكثير كثلاث خطوات متواليات، ولا إلى المعالجة الكثيرة كثلاث ضربات متواليات، فإن احتاج إلى ذلك فمشى وعالج تفسد صلاته، لأنه عمل كثير. ذكره شمس الأئمة السرخسى فى المبسوط ثم قال: الأظهر أنه لا تفصيل فيه، لأنه رخصة كالمشى فى سبق الحدث والاستقاء من البئر والتوضى، ويؤيده إطلاق الحديث. واعترض عليه بأنه يلزمه مثله فى علاج المارّ بين يدى المصلى إذا حصل فيه عمل كثير، فإنه مأمور به بالنص مع أنه مفسد عند الكل. فالحق فيما يظهر هو الفساد. والأمر بالقتال أو القتل لا يستلزم صحة الصلاة مع وجوده كما فى صلاة الخوف، فإن المشى فيها والقتال مفسد مع الأمر به عند الحاجة، بل الأمر فى مثله لإباحة مباشرته وعدم الإثم به وإن كان مفسداً للصلاة، كما يباح قطعها لإغاثة ملهوف أو تخليص أحد من سبب هلاك، وكذا إذا خاف ضياع ما قيمته درهم له أو لغيره (1).

(قال) الترمذى: وكره بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب فى الصلاة قال إبراهيم (يعنى النخعى) إن فى الصلاة لشغلا (2) وهذا عجز حديث أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود عن ابن مسعود (3). {194}

(وأجيب) بأن حديث الأمر بقتلهما خاص فلا يعارضه هذا ونحوه من العمومات بل هو يخصها.

(1) ص 354 غنية المتملى (ما يكره فى الصلاة وما يكره).

(2)

ص 302 ج 1 تحفة الأحوذى.

(3)

ص 73 ج 4 - الفتح الربانى. ص 47 ج 3 فتح البارى (ما ينهى من الكلام فى الصلاة) وص 26 ج 5 نووى مسلم (تحريم الكلام فى الصلاة) وص 20 ج 6 المنهل العذب (رد السلام فى الصلاة).

ص: 154

(3)

ويجوز المشى اليسير فى الصلاة لحاجة سواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلا " لقول " عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلى والباب عليه مُغْلَق، فجئتُ فاستفتحتُ فمشى ففتح لى ثم رجع إلىُ مَصّلاه ووصَفتْ أن الباب فى القبلة. أخرجه أحمد والثلاثة وحسنه الترمذى (1). {195}

ولقول أزرقَ بنِ قيس: كان أبو بَرْزَةَ الأسْلمّى بالأهواز على حرْف نهر وقد عل اللجام فى يده وجعل يصلى فجعلت الدابة تنكُص وجعل يتأخر معها فقال رجل من الخوارج: اللهم أخز هذا الشيخَ كيف يُصلى؟ فلما صلى قال: قد سمعتُ مقالَتكم غزوتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ستا أو سبْعاً أو ثمانياً فشهدت أمره وتيسيرَه، فكان رجوعى مع دابتى أهونَ علىَّ مِنْ تركها فتنزع إلى مألفهِا فيشُقُّ علىَّ. وصلى أبو برَزة العصر ركعتين. أخرجه أحمد والبخارى والبيهقى (2). {196}

(ففى) هذين الحديثين دلالة على جواز الفعل الخارج عن الصلاة فيها لحاجة. ومنه المشى إلى جهة القبلة (قال) ابن الملك: مشيُه صلى الله عليه وسلم وفتحه الباب ثم رجوعه إلى الصلاة، يدل على أن الفعال الكثيرة لا تبطل الصلاة وإليه ذهب بعضهم قال القارئ: وهو ليس بمعتمد فى المذهب (وما قاله) ابن رسلان من أن هذا المشى محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقاً (مردود) لأنه تقييد للحديث

(1) ص 113 ج 4 الفتح الربانى. وص 19 ج 6 المنهل العذب (العمل فى الصلاة) وص 411 ج 1 تحفة الأحوذى (ما يجوز من المشى والعمل فى صلاة التطوع).

(2)

ص 114 ج 4 - الفتح الربانى. وص 52، 53 ج 3 فتح البارى (إذا انفلتت الدابة فى الصلاة) وص 66 ج 2 - السنن الكبرى (من تقدم أو تأخر فى صلاته .. ) و (الأهواز) بفتح فسكون بلاد واسعة بين البصرة وفارس فتحت فى خلافه عمر رضى الله عنه. و (تنكص) كتقعد أى تتأخر. و (تنزع) كتضرب أى تذهب إلى المكان الذى ألفته من قبل. و (صلى ركعتين) لأنه كان مسافراً.

ص: 155

بالمذهب، ولا يخفى فساده (1) (وقال) العلامة الحلبى: فالحاصل أن المشى إذا كان بعذر لا يُفسد ولا يكره. وإن كان بغير عذر فإن كان ثلاث خطوات متواليات يفسد، وإلا يكره فقط (2) (وقال) الحافظ: قد أجمع الفقهاء على أن المشى الكثير فى الصلاة يبطلها فيحمل حديث أبى بَرْزة على القليل (3)(وقال) النووى: الفعل الذى ليس من جنس الصلاة وإن كان كثيراً أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلا لم يبطلها. واختلفوا فى ضبط القليل والكثير. والصحيح المشهور أن الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما بعده الناس قليلا كالإشارة برد السلام وخلع النعل ورفع العمامة ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه وحمل صغير ووضعه ودفع مارّ وذلك البصاق فى ثوبه ونحوها. وأما ما يعده الناس كثيراً كخطوات كثيرة متوالية وأفعال متتابعة، فيبطل الصلاة (4).

(4)

ويجوز لمن عطس فى الصلاة حمدُ الله تعالى " لقول " رفاعة بن رافع: صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم فعطستُ فقلتُ: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُباركاً فيه كما يُحبّ ربنا ويَرضى. فلما سلم النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنِ المتكلمُ فى الصلاة؟ فلم يتكلمْ أحد، ثم قالها فقلت: أنا يا رسولَ الله، فقال والذى نفسى بيده لقد ابتدرَها بِضع وثلاثون ملَكاً أيهم يصعَد بها. أخرجه النسائى والترمذى وحسنه (5). {197}

(1) ص 19 ج 6 - المنهل العذب. وقال فى شرح الترمذى: وما قال ابن الملك هو ظاهر الحديث، لكن فى صلاة التطوع عند الحاجة. وهو الراجح المعتمد المعول عليه وإن لم يكن معتمداً فى المذهب الحنفى. وص 412 ج 1 تحفة الأحوذى.

(2)

ص 353 غنية المتملى.

(3)

ص 53 ج 3 فتح البارى.

(4)

ص 93 ج 4 شرح المهذب (من عمل فى الصلاة ما ليس من جنسها).

(5)

147 ج 1 مجتبى (قول المأموم إذا عطس خلف الإمام) وص 312 ج 1 تحفة الأحوذى (ما جاء فى الرجل يعطس فى الصلاة). و (عطس) من باب ضرب و (ابتدرها) أى أسرع إليها. و (بضع) بكسر أو فتح فسكون، وهو العدد من الثلاثة إلى التسعة، وقيل من الأربعة يستوى فى المذكر والمؤنث.

ص: 156

(5)

ويباح حمل الصبى فى الصلاة وتعلقه بالمصلى " لحديث " عبد الله بن شدادِ بنِ الهادِ عن أبيه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إحْدى صلاتى العَشِىّ الظهر أو العصر وهو حاملٌ الحسنَ أو الحُسَين فتقدم النبى صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فوضَعه ثم كبَّر للصلاة فسجد فصلى بين ظهرانىْ صلاته سجدةً أطالها فقال: إنى رفعتُ رأسى فإذا الصبىُّ على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعتُ فى سجودى، فلما قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهرانى الصلاةِ سجدةً قد أطلتها، فظننا أنه قد حدث أمر أو أنه قد يوُحَى إليك. فقال: كلّ ذلك لم يكنْ ولكن ابنى ارتحلنى فكرهت أن أعْجِلَهُ حتى يقضىَ حاجته. أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرطهما (1). {198}

" ولقول " أبى قتادة: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يؤم الناسَ وأمامه بنت أبى العاص وهى ابنة زينب بنت النبى صلى الله عليه وسلم على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها. أخرجه الشافعى ومسلم والنسائى (2). {199}

"وعنه " أيضاُ قال: بينما نحن ننتظر رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم فى الظهر أو العصر وقد دعاه بلالٌ للصلاة، إذْ خرج إلينا وأمامةَ بنتُ أبى العاص بنتُ ابنته على عنقِه، فقام صلى الله عليه وآله وسلم فى مصلاه وقمنا خلفه وهى فى مكانها، فكبَّر وكبَّرنا، حتى إذا أراد صلى الله عليه وسلم

(1) ص 118 ج 4 - الفتح الربانى (حمل الصغير فى الصلاة) و (ظهرانى الصلاة) وسطها و (قال) أى شداد (رفعت رأسى) ظناً منى أن النبى صلى الله عليه وسلم رفع رأسه من السجدة ولم أشعر. و (ارتحلنى) أى جعلنى كالراحلة فركب على ظهرى.

(2)

ص 96 ج 1 بدائع المنن وص 31 ج 5 نووى مسلم (جواز حمل الصبيان فى الصلاة) وص 132 ج 1 مجتبى (ما يجوز للإمام من العمل فى الصلاة).

ص: 157

أن يركعَ أخذَها فوضعها ثم ركعَ وسجَد حتى إذا فرغ من سجوده ثم قام أخذها فردها فى مكانها. فما زال يصنع بها ذلك فى كل ركعة حتى فرغ من صلاته. أخرجه أبو داود (1). {200}

وهذا صريح فى أن فعل الحمل والوضع كان منه صلى الله عليه وسلم لا منها. وهو يرد قول الخطابى: يشبه أن تكون الصبية قد ألفته فإذا سجد تعلقت بأطرافه التزمته فينهض من سجود فتبقى محمولة كذلك إلى أن يركع فيرسلها (2).

ففى هذه الأحاديث (أ) دلالة على أن مثل هذا العلم معفوٌّ عنه فى الصلاة لكل صلّ ولو كان إماماً فى فرض. وبه قال الجمهور (قال) القرطبى: وقد اختلف العلماء فى تأويل هذا الحديث، والذى أحوجهم إلى ذلك أنه علم كثير. فروى ابن القاسم عن مالك أنه كان فى النافلة واستعبده المازِرى وعياض وابنُ القاسم (قال) المازرى: إمامته بالناس فى النافلة ليست بمعهودة. وأصرح من هذا ما أخرجه أب داود بلفظ: بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الظهر أو العصر وقد دعاه بلال على الصلاة، إذ خرج علينا وأمامةٌ على عنقه فقام فى مصلاه فقمنا خلفه فكبر فكبرنا وهى فى مكانها (وروى) أشهب وعبد الله بن نافع عن مالك أن ذلك للضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها (وقال) بعض أصحابه لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغله بحملها (وفرّق) بعض أصحابه بين الفريضة والنافلة (وقال) الباجى: إن وجَد من يكفيه أمرها جاز فى النافلة دون الفريضة. وإن لم يجد جاز فيهما (وقال) ابن عبد البرّ: لعلّ الحديث منسوخ بتحريم العمل

(1) ص 15 ج 6 - المنهل العذب (العمل فى الصلاة).

(2)

ص 394 ج 1 فتح البارى (الشرح - إذا حمل جارية .. فى الصلاة).

ص: 158

والاشتغال فى الصلاة. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وبأن القضية كانت بعد قوله صلى الله عليه وسلم " إن فى الصلاة لشغلا، لأن ذلك كان قبل الهجرة. وهذه القصة كانت بعد الهجرة بمدة مديدة قطعاً. (وذكر) القاضى عياض عن بعضهم: أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم (ورُدّ) بأن الأصل عدم الاختصاص (1)(قال) النووى بعد أن ذكر هذه التأويلات: وكل ذلك دعاوٍ باطلة مردودة لا دليل عليها لأن الآدمى طاهر وما فى جوفه معفوّ عنه، وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة. والأعمال فى الصلاة لا تبطلها إذا قلّت أو تفرّقت. ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك.

وإنما فعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز (2)(وقال) الحافظ: وحمل أكثر أهل العلم هذا الحديث على أنه عمل غير متوال لوجود الطمأنينة فى أركان صلاته صلى الله عليه سلم (3)(ب) فيها دلالة أيضاً على جواز إدخال الصبيان المساجد (4).

" ولا ينافى " هذا (حديث) مكحول عن معاذِ بنِ جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جَنِّبُوا مساجدَكم صبيانكم وخصوماتِكم وحدودكم وشراءكم وبيعَكم، وجمِّرُوها يوم جمعِكُم، واجعلوا على أبوابها مطاهرَكم. أخرجه الطبرانى فى الكبير. ومكحول لم يسمع من معاذ (5). {201}

(ولا حديث) وائلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: جنبوا

(1) ملخص من فتح البارى ص 394، 395 ج 1.

(2)

ص 32 ج 5 - شرح مسلم (جوز حمل الصبيان فى الصلاة).

(3)

ص 395 ج 1 فتح البارى.

(4)

وهذه الأحاديث تصلح أن تكون دليلا للمالكية الذين يقولون بسنية إزالة النجاسة لا بوجوبها، إذا يبعد كل البعد أن تخلو أمامة وهى صغيرة عن نجاسة، سيما وأن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن تبول أو تتبرز. فإذا كانت النجاسة مبطلة للصلاة لاستحال أن يستمر صلى الله عليه وسلم فى عبادة فاسدة.

(5)

ص 26 ج 2 مجمع الزوائد (فى كرامة المساجد وما نهى عن فعله فيها .. ) و (جمروها) أى بخروها. (والمطاهر) جمع مطهرة. وهى أوانى الطهارة.

ص: 159

مساجدَكم صبيانكم ومجانينَكم وشراءكم وبيعَكم وخصوماِتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجَمَّروها فى الجمع. أخرجه ابن ماجه. وفى سنده الحارث ابن نبهان ومتفق على ضعفه (1). {202}

" فإن الأمر " بالتجنيب فى هذين الحديثين محمول على الندب، بخلاف ما وقع من النبى صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين وأمامة، فإنه محمول على بيان الجواز ويأتى بيان المذاهب فى هذا (2).

(6)

وتجوز الصلاة بجنب الخائض " لقول " عائشة: كان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى بالليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مِرْط وعليه بعضه. أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه (3). {203}

" ولحديث " عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على الخُمرة فيسجد فيصيبنى ثوبه وأنا على جنبه وأنا حائض. أخرجه السبعة إلا الترمذى. وهذا لفظ أحمد (4). {204}

(وفيه) دلالة على أن وقوف المرأة بجنب المصلى لا يبطل صلاته. وهو مذهب الجمهور. وفيه أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعاً يُرى فيه أثر الدم أم النجاسة " وهذا " لا ينافى ندب تجنب ثياب النساء التى هى مظنة النجاسة

(1) ص 131 ج 1 - سنن ابن ماجه (ما يكره فى المساجد).

(2)

يأتى فى الأمر الثامن مما تصان عنه المساجد.

(3)

ص 241 ج 3 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) أى فى جواز الصلاة فى ثياب النساء. وص 125 ج 1 - مجتبى (صلاة الرجل فى ثوبه بعضه على امرأته) وص 116 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة فى ثوب الحائض) و (المرط) بكسر فسكون، كساء من صوف أو خز أو غيره، والمراد هان ما كان من شعر، ففى الصحيح: فى مرط من شعر أسود.

(4)

ص 111 ج 3 - الفتح الربانى. وص 395 ج 1 فتح البارى (إذا صلى إلى فراش فيه حائض) وص 164 ج 5 - نووى مسلم (الجماعة فى النافلة والصلاة على حصير وخمرة .. ) وص 240 ج 3 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) وص 116 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة فى ثوب الحائض) و (الخمرة) بضم فسكون، السجادة يصلى عليها.

ص: 160

" لقول " عائشة رضى الله عنها: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يصلى فى شُعُرنا. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه، ولفظه: لا يصلى فى لحُف نسائه (1). {205}

(وهو) يدل على مشروعية تجنب المصلى ثياب النساء التى هى مظنة النجاسة، وكذلك سائر الثياب التى تكون كذلك (وفيه) أيضاً أن الاحتياط والأخذ باليقين مشروع. وأن ترك المشكوك فيه على المتيقن المعلوم جائز. وليس من الوسواس. وهذا " لا ينافى " ما يأتى من أنه صلى الله عليه وسلم سئل هل يصلى الرجل فى الثوب الذى يأتى فيه أهله؟ فقال نعم إلا أن يرى فيه شيئاً فيغسله (2)" فإن ما هنا " محمول على الاحتياط. وما تقدم محمول على الجواز.

(7)

- وتجوز الصلاة فى النعلين والخفين الطاهرين " لقول " أبى مَسْلمة سعيد بن يزيد: سألت أنساً: أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه؟ قال نعم. أخرجه أحمد والشيخان والنسائى والترمذى، وقال: حسن صحيح (3). {206}

" ولقول " أبى سعيد الخدرى: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذْ خَلعَ نعْليه فوضعَهما عن يساره، فلما رأى القومُ ذلك ألقوا نعالهم. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال: ما حملَكم على إلقائكم

(1) ص 113 ج 3 - الفتح الربانى. وص 238 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة فى شعر النساء) و (شعر) ككتب. جمع شعار، وهو الثوب الذى يلى الجسد. وخصتها بالذكر، لأنها أقرب إلى أن تنالها النجاسة من الدثار. وهو الثوب الذى يكون فوق الشعار (قال) ابن الأثير: المراد بالشعار هنا الإزار الذى كانوا يتغطون به عند النوم. وفى رواية أبى داود فى شعرنا أو لحفنا. واللحاف اسم لما يلتحف به.

(2)

يأتى رقم 221، 222، ص 168.

(3)

ص 104 ج 3 - الفتح الربانى. وص 335 ج 1 - فتح البارى (الصلاة فى النعال) وص 43 ج 5 نووى مسلم. وص 125 ج 1 مجتبى.

ص: 161

نعالكم؟ قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام أتانى فأخبرنى أن فيهما قذراً. وقال: إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى فى نعليه قذراً أو أذَى فليمسحْه وليصل فيهما. أخرجه أبو داود وابن حبان والبيهقى. وكذا أحمد والحاكم مختصراً وقال: حديث صحيح على شرط مسلم (1). {207}

" ولحديث " شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم. أخرجه أبو داود وابنِ حيان والحاكم وقال: حديث صحيح الإسناد (2). {208}

والأوامر فى هذه الأحاديث مصروفة عن ظاهرها إلى الاستحباب " لحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يُؤذ بهما أحداً، ليجعلْهما بين رجليه أو ليصُل فيهما. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم بسند صحيح (3). {209}

" ولقول " عبد الرحمن بن أبى ليلى: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فى نعليه فصلى الناس فى نعالهم فخلع نعليه فخلعوا. فلما صلى قال: من شاء أن يصلى فى نعليه فليصلِّ، ومن شاء أن يخلع فليخلع. أخرجه ابن أبى شيبة

(1) ص 40 ج 5 المنهل العذب (الصلاة فى النعل) وص 431 ج 2 - السنن الكبرى (طهارة الخف والنعل) وص 104 ج 3 - الفتح الربانى. وص 160 ج 1 مستدرك.

(2)

ص 42 ج 5 المنهل العذب (الصلاة فى النعل) وص 260 ج 1 مستدرك. و (خالفوا اليهود) أى فصلوا فى نعالكم وخفافكم. وفى هذه الأحاديث دلالة على أن النعل والخف إذا أصابتهما نجاسة ولو رطبة لا جرم لها كالبول، تطهر بالدلك بالأرض. وبه قال الأوزاعى وإسحاق والظاهرية والشافعى فى القديم، وروى عن أحمد. لعموم الأحاديث. وتقدم بيان المذاهب فى هذا والراجح الذى يؤيده الدليل انظر ص 397 - 399 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية (تطهير الخف ونحوه).

(3)

ص 45 ج 5 - المنهل العذب (المصلى إذا خلع نعليه أين يضعهما؟ ) وص 432 ج 2 - السنن الكبرى. وص 260 ج 1 مستدرك.

ص: 162

قال العراقى: هو مرسل صحيح الإسناد {210}

والتخيير لا ينافى الاستحباب كما فى حديث " بين كل أذانين صلاة لمن شاء "(1).

(8)

- وتجوز الصلاة فى ثوب حلال من قطن أو كتان مخطط بما لا يشغل المصلى " لحديث " أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى بُردة حِبرَة عقد بين طرفيها. أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار بسند رجاله ثقات (2). {211}

(9)

- وتجوز الصلاة فى ثوب واحد ساتر العورة " لقول " أنس: آخِرُ صلاة صلاّها النبى صلى الله عليه وسلم مع القوم صلى فى ثوبٍ واحدٍ مُتوشحاً به خلف أبى بكر. أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح. وأخرجه البزار بلفظ: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرضه الذى مات فيه متوكِّئاً على أسامة مرتدياً بثوب قطنٍ فصلى بالناس (3). {212}

" ولحديث " أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فى ثوبٍ واحد فليخالفْ بين طرَفيه فلْيجعل طرفهُ على عاتقيه أخرجه أحمد (4). {213}

(وعن) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة فى ثوب واحد فقال: ما كلكم يجد ثوبين. أخرجه أبو يوسف وأحمد والشيخان

(1) تقدم رقم 440 ص 307 ج 2 - الدين الخالص (راتبة العشاء القبلية).

(2)

ص 120 ج 4 - الفتح الربانى (الصلاة فى الثوب المخطط) و (البردة) بضم فسكون، فى الأصل كساء أسود مربع. فإذا وصف بالحبر كعنب أو أضيف إليه فالمراد به ثياب يمنية من قطن أو كتان مخطط. و (العقد بين طرفى الثوب) هو أن يضع طرفها على منكبه الأيمن ويأخذه من تحت إبطه اليسرى، ويأخذ طرفه الذى على منكبه الأيسر من تحت إبطه اليمنى ثم يعقدهما على صدره. ومثله المخالفة بين الطرفين والتوشح بالثوب.

(3)

ص 121 ج 4 الفتح الربانى. وص 49 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة فى الثوب الواحد).

(4)

ص 121 ج 4 - الفتح الربانى.

ص: 163

والطحاوى والبيهقى بألفاظ متقاربة من عدة طرق (1). {214}

(وعن أبى حنيفة) عن عطاء بن يسار أن جابراً أمّهم فى قميص صفيق ليس عليه غيرُه ولا أراه أراد إلا ليُرينا أنه لا بأس بالصلاة فى ثوب واحد. أخرجه أبو يوسف فى الآثار (2){65} " ولما ذكر " اتفق العلماء على جواز الصلاة فى ثوب واحد إذا كان ساتراً للعورة. وعلى أن الصلاة فى ثوبين أفضل، وأن المستحب للرجل أن يصلى فى إزار وقميص وعمامة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك غالباً " ولقول " أبى نضْرةَ بنِ بقية: قال أبىّ بن كعب: الصلاةُ فى الثوب الواحد سنةٌ، كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا: فقال ابن مسعود: إنما كان ذاك إذ كان فى الثياب قلة. فأما إذ وسّع الله فالصلاةُ فى الثوبين أزكى. أخرجه عبد الله ابن أحمد فى زوائد المسند. {215}

وأبو نضرة لم يسمع من أبىّ ولا ابن مسعود. وأخرج الطبرانى فى الكبير نحوه من رواية زِرِّ بن حُبيش عنهما قاله الهيثمى (3).

ويستحب للمرأة أن تصلى فى قميص وإزار ومقنعة " بكسر فسكون وهى ما توضع على الرأس وتلف تحت الحنك "" لقول " أم حرام: سألتُ أم سَلمة ماذا تصلى فيه المرأةُ من الثياب؟ فقالتْ: تصلى فى الخمار والدِّرع السَّابغ الذى

(1) رقم 162 ص 32 كتاب الآثار. وص 97 ج 3 - الفتح الربانى. وفيه: أو كلكم وص 320، 321 ج 1 فتح البارى (الصلاة فى الثوب الواحد ملتحقاً به) وفيه أو لكلكم ثوبان؟ وص 230 ج 2 - السنن الكبرى.

(2)

رقم 166 ص 33 كتاب الآثار.

(3)

ص 49 ج 2 مجمع الزوائد (الصلاة فى الثوب الواحد وأكثر منه).

ص: 164

يغيب ظُهور قدميها: أخرجه أبو داود والبيهقى (1){66} " ولحديث " أم سلمة أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم أتصلى المرأةُ فى دِرعْ وخِمار ليس عليها إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يُغطى ظهورَ قدَميها. أخرجه أبو داود والبيهقى والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط البخارى (2). {216}

وردّ بأن فى سنده عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال.

(10)

- وتجوز الصلاة على البساط واللبَّاد وغيرها إذا كان المفروش رقيقاً ثابتاً لا يلين بالضغط، وإلا فلا يجوز كما تقدم فى " بحث السجود "(3) ولكن الصلاةَ على الأرض وعلى ما أنبتته كالحصير أفضل، لأنه أقرب على التواضع " ولقول " أبى سعيد الخدرى: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حَصير. أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى والترمذى وقال: حديث حسن، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، إلا أن قوماً منهم اختاروا الصلاة على الأرض استحباباً (4). {217}

" ولقول " أنس: كان النبى صلى الله عليه وسلم رُبَّما تحضُره الصلاةُ وهو فى بيتنا فيأمر بالبساط الذى تحته فيكنس ثم يُنضح بالماء، ثم يقوم رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم خلفه فيصلى بنا. وكان بِساطهم من جريد النخل.

(1) ص 27 ج 5 - المنهل العذب (فى كم تصل المرأة؟ ) وص 232 ج 2 - السنن الكبرى (ما تصل فيه المرأة من الثياب) و (الخمار) بكسر الخاء المعجمة، ثوب تغطى به المرأة رأسها (والدرع السابغ) القميص الساتر لجميع بدنها. وقيه أنه يلزم المرأة ستر جميع جسدها فى الصلاة حتى ظهور قدميها، كما تقدم فى شروط الصلاة.

(2)

ص 28 ج 5 - المنهل العذب. وص 233 ج 2 - السنن الكبرى. وص 250 ج 1 مستدرك.

(3)

ص 148 ج 2 طبعة ثانية.

(4)

ص 109 ج 3 - الفتح الربانى (الصلاة على الحصير .. ) وص 233 ج 4 نووى مسلم (الصلاة فى ثوب واحد .. ) وفيه. فرأيته يصلى على حصير يسجد عليه. وص 421 ج 2 - السنن الكبرى (الصلاة على الحصير) وص 273 ج 1 تحفة الأحوذى.

ص: 165

أخرجه أحمد ومسلم والبيهقى (1). {218}

" ولقول " ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل على الخُمرة. أخرجه أحمد والبيهقى والترمذى وصححه (2). {219}

" ولحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يزور أمَّ سليم فتدركه الصلاة أحياناً فيصلى على بساط لنا وهو حصير ننضحه بالماء. أخرجه أبو داود. وذكره الترمذى مختصراً وقال: حديث حسن صحيح (3). {220}

والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم لم يَروا بالصلاة على البساط والطِّنْفِسة بأساً. وبه يقول أحمد وإسحاق قاله الترمذى (4) وهو قول الأوزاعى والحنفيين والشافعى وجمهور الفقهاء.

(وقالت) المالكية: يكره السجود على ما فيه رفاهية كالبُسُط. بخلاف الحصير لكن تركه أولى. ففى المدوّنة: وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبُسُط الشعْر والثياب والأدُم وكان يقول: لا بأس أن يقومَ عليها ويركع عليها ويقعدَ عليها ولا يسجدُ عليها ولا يضعُ كفيه. وكان لا يرى بأساً بالحصير وما أشبهها مما تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضعَ كفيه عليها (قال) ولا يسجدُ على الثوب إلا من حر أو برد (5).

(1) ص 109 ج 3 - الفتح الربانى. وص 163 ج 5 نووى مسلم (الصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها .. ) وص 436 ج 2 - السنن الكبرى (من بسط شيئاً فصلى عليه).

(2)

ص 111 ج 3 - الفتح الربانى. وص 421 ج 2 - السنن الكبرى (الصلاة على الخمرة) وص 273 ج 1 تحفة الأحوذى. و (الخمرة) بضم فسكون سجادة صغيرة من سعف النخل وغيره.

(3)

ص 47 ج 5 - المنهل العذب (الصلاة على الحصير).

(4)

ص 274 ج 1 تحفة الأحوذى. و (الطنفسة) بكسر الطاء والفاء وضمهما، وبكسر الطاء وفتح الفاء والنون بينهما ساكنة، بساط له خمل رقيق.

(5)

ص 76 ج 1 - المدونة الكبرى. و (بسط) بضمتين جمع بساط ككتاب. و (الأدم) بضمتين، جمع أديم، وهو الجلد المدبوغ.

ص: 166

هذا. ومن المحدث بسط بعض المصلين سجادة أو فروة فوق فرش المسجد، لأن ذلك لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه والسلف الصالح.

(قال) ابن تيمية: أما الصلاة على السِّجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك، فلم تكن سنة السلف من الصحابة والتابعين، ولا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يصلون فى مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها، وقد روى أن عبد الرحمن بن مهدى لما قدم المدينة بسط سجادة، فأمر مالك بحبسه، فقيل له: إنه عبد الرحمن بن مهدى فقال: أما علمتَ أن بسْط السجادة ف مسجدنا بدعة. ثم قال: ولا نزاع بين أهل العلم فى جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من جنس الأرض كالخمرة والحصير. وإنما تنازعوا فى كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض وفى الإقناع: ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه. لأنه شعار الرافضة.

وأما صلاته صلى الله عليه وسلم على الخُمرة فلأن المسجد لم يكن مفروشاً فاتخذها صلى الله عليه وسلم أحياناً لدفع الحر والبرد، ولذا كان الصحابة يصلون على الأرض، وفى شدة الحر يبسط أحدهم رداءه فيسجد عليه، فليس فى هذا حجة فى إباحة بسط سجادة أخرى فوق فرش المسجد لعدم الضرورة إليه، بل هو بدعة منكرة لم يفعله أحد من السلف الصالح، ولم ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ما فيه شبهة لإباحته، وفيه شئ من الرفاهية المنافية لحالة الخشوع فى الصلاة، وقد يفعل للتخصيص والتمييز، والناس فى بيت الله سواسية.

(11)

وتجوز الصلاة فى ثياب النوم الطاهرة اتفاقاً " لقول " معاوية بن

ص: 167

أبى سفيان قلت لأمِّ حبيبة زوج النبى صلى الله عليه وسلم: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فى الثوب الذى ينامُ معك فيه؟ قالت نعم ما لم ير فيه أذى. أخرجه أحمد وأبو داود بسند رجاله ثقات (1). {221}

" ولحديث " عبد الملك بن عُمير عن جابِر بن سمُرةَ أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أصلى فى ثوبى الذى آتى فيه أهلى؟ قال: نعم إلا أن ترى فيه شيئاً تغسله. أخرجه أحمد وقال: لا يرُفع عن عبد الملك بن عُمير. وأخرجه ابن ماجه بسند رجاله ثقات (2). {222}

(12)

- ولا بأس بالصلاة وأمامهُ مصحف أو سيف معلق - عند الحنفيين والشافعة وأحمد - إن لم يشغل المصلى عن صلاته، وإلا كره (قال) ابن إدريس الحنبلى: لا يكره وضعه شيئاً فى قلبته بالأرض. ويكره التزويق فى المسجد وكل ما يشغل المصلى عن صلاته لأنه يذهب بالخشوع. قال الإمام أحمد: كانوا يكرهون أم يجعلوا فى القبلة شيئاً حتى المصحف (3).

(13)

- ويجوز قراءة سورين فأكثر فى ركعة ولو فى فرض كما يجوز بلا كراهة تكرار سورة فى ركعتين. وقد تقدم دليل هذا والمذاهب فيه فى بحث " قراءة سورتين بعد الفاتحة "(4).

(14)

- ويجوز التراوح فى الصلاة. وهو الاعتماد على إحدى الرجلين مرة وعى الأخرى مرة، ليوصل الراحة إلى كل منهما. بل استحبه أحمد

(1) ص 112 ج 3 - الفتح الربانى (الصلاة فى ثوب النوم .. ) وص 236 ج 3 - المنهل العذب (الصلاة فى الثوب الذى يصيب أهله فيه).

(2)

ص 112 ج 3 - الفتح الربانى. وص 100 ج 1 سنن ابن ماجه (الصلاة فى الثوب الذى يجامع فيه).

(3)

ص 246 ج 1 كشاف القناع (ما يكره فى الصلاة وما يباح .. ).

(4)

تقدم ص 187 ج 2 طبعة ثانية.

ص: 168