المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثامن) ما تصان عنه المساجد - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٣

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثامن) ما تصان عنه المساجد

وعكسه عند الحاجة وعدم الضرر لأن كلاًّ منهما مرتفق للعامة ولو ضاق المسجد وبجنبه أرض مملوكة لشخص أخذت منه بالقيمة ولو كرهاً دفعاً للضرر العام. ولو كانت وقفاً على المسجد جاز توسعته بها بإذن القاضى.

(الثامن) ما تصان عنه المساجد

ينبغى صيانة المساجد عن كل ما ينافى احترامها وما بنيت له. وهو أمور المذكور منها هنا ثلاثة وعشرون: (1) يطلب صيانتها من الأقذار

= أخف عنا، فسألته أن يكتب لى كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب فى رقعة من أدم (أى جلد) ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب (راوى الحديث) فأخبرنى عروة بن الزبير أن رسول الله وأبا بكر ثياب بياض. وسمع المسلمون بالمدينة فحرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فكانوا يغدون كل غداةو إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة. فانقلبوا يوماً بعد ما أطالوا انتظارهم، فلما أووا إلى بيوتهم أو فى رجل من يهود (أى اطلع إلى مكان عال فأشرف منه) على أطم (بضمتين أى حصن) من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه مبيضين (أى عليهم الثياب البيض) يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودى أن قال بأعلى صوته، يا معشر العرب هذا جدكم (أى حظكم) الذى تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه ويلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم فى بنى عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتاً فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك. فلبث فى بنى عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذى أسس على التقوى وصلى فيه رسول الله. ثم ركب راحلته فسار يمشى معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يصلى فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مربداً (كمنبر مكان تجفيف التمر) للتمر لسهيل وسهل غلامين يتيمين فى حجر أسعد بن زرارة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً. فقالا بل نهبه لك يا رسول الله. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما هبة حتى اتباعه منهما، ثم بناه مسجداً وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن (بفتح فكسر الطوب النيئ) فى بنيانه ويقول:

هذا الجمال لا حمال خيبر

هذا أبر ربنا وأطهر

ويقول: اللهم إن الأجر أجر الآخرة

فارحم الأنصار والمهاجرة

فتمثل بشعر رجل من المسلمين لم يسم لى (الحديث) ص 164 ج 7 - فتح البارى.

ص: 251

كالبول والحِجامة والفصْد والبُزاق وغيرها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن هذه المساجدَ لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذَر إنما هى لذكر الله وقراءة القرآن. أخرجه مسلم (1). {359}

(قال) النووى: يحرم البول والفصد والحجامة فى المسجد فى غير إناء. ويكره الفصد والحجامة فيه ف إناء. وفى تحريم البول فى إناء فى المسجد وجهان أصحهما يحرم. ويحرم إدخال النجاسة إلى المسجد. فأما مَنْ على بدنه نجاسة أو به جُرح، فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله. وإن أمِنَ لم يحرم (2).

(وقال) ابن نجيم: وكره تحريماً الوطء والبول والتغوط فوق المسجد، لأن سطحه له حكم المسجد حتى يصح اقتداء من به بمن تحته ولا يبطل إلا الاعتكاف بالصعود عليه ولا يحل لجنب الوقوف عليه. وصرح الزيلعى بأن الوطء فيه حرام، لقوله تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ (3)} .وذكر فى فتح القدير أن الحق أنها كراهة تحريم، لأن الآية ظنية الدلالة، لاحتمال كون التحريم للاعتكاف أو المسجد، وبمثلها لا يثبت التحريم (4).

(وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ويحرم الجماع فيه، ويكره فوقه والتمسح بحائطه والبول عليه. وقلا أحمد: أكره لمن بال أن يمسح ذكره بجدار المسجد قال: وألم به الخطر. ويحرم بوله فيه ولو فى إناء، لأن الهواء تابع للقرار، ويحرم فيه فصد وحجامة وقئ ونحوه كبط سِلْعة ولو فى إباء، لأن المسجد لم يبن لهذا فوجب صونه عنه. والفرق بينه وبين المستحاضة أنها لا يمكنها التحرز من ذلك إلا بترك الاعتكاف بخلاف الفصد ونحوه. وإن دعت إليه حاجة كبيرة خرج المعتكف من المسجد ففعله كسائر ما لابد منه ثم عاد إلى معتكفه. وإن استغنى عنه لم يكن له الخروج إليه كالمرض

(1) ص 175 ج 2 - شرح المهذب (المساجد وأحكامها) وفيه: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

ص 175 ج 2 منه (يحرم البول والفصد فى المسجد).

(3)

البقرة: 187 وصدرها: أحل لكم ليلة الصيام.

(4)

ص 34 ج 2 - البحر الرائق (ما يكره خارج الصلاة).

ص: 252

الذى يمكن احتماله كالصداع ووجع الضرس والحمى اليسيرة، وكذا تحرم نجاسة فى هواء المسجد كالقتل على نطع ودم وقيح وصديد فى إناء، لتبعية الهواء للقرار، ويكره البول خارج المسجد وجسده فيه دون ذكره (1)

(وعن) أنس بن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البزاق فى المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. أخرجه أحمد والخمسة (2). {360}

والمراد دفنها فى تراب المسجد ورمله وحصبائه إن كان فى المسجد شئ من ذلك، وإلا تفل فى ثوبه وخرج به " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من دخل المسجدَ فبَزَق فيه أَو تنخَّم فلْيَحْفِرْ ولْيدفِنْهَ فإن لم يفعل فَلْيَبْزُقْ فى ثوبه ثم ليخرج به. أخرجه أبو داود (3). {361}

(وإذا دعته) ضرورة إلى البزاق وهو فى المسجد فليبزق فى ثوبه أو عن يساره أو تحت قدمه "لحديث" أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدُكم فى الصلاة فلا يَبْزُقَنَّ أمامه، فإنما يُناجى الله تبارك وتعالى ما دام فى مُصلاه، ولا عن يمينه فإنّ عنْ يمينه ملكاً، وليبصُقْ عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها. أخرجه البخارى (4). {362}

(1) ص 543 ج 1 - كشاف القناع (أحكام المساجد - الاعتكاف) و (ألم) أى نزل (به الخطر) أى الهلاك. و (السلعة) بكسر فسكون خراج يتحرك بالتحريك. و (النطع) بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وسكونها، ما يتخذ من الجلد.

(2)

ص 58 ج 3 - الفتح الربانى. وفيه: النخامة. وص 345 ج 1 فتح البارى (كفارة البزاق فى المسجد) وص 41 ج 5 - نووى مسلم (النهى عن البصاق فى المسجد .. ) وص 91 ج 4 المنهل العذب. وص 118 ج 1 مجتبى (البصاق فى المسجد).

(3)

ص 92 ج 4 - المنهل العذب (كراهية البزاق فى المسجد) و (النخامة)، البزقة تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة. يقال تنخم أخرج نخامة. و (يحفر) بكسر الفاء من باب ضرب، أى فليحفر موضعاً فى المسجد إن كان ترابياً ويدفن البزاق، أما إذا كان أملس نقياً فدلكه بشئ، فلا يعد ذلك دفناً، بل زيادة فى التقذير. لكن إذا لم يبق للبزاق أثر ألبتة فلا مانع " قال " عبد الله بن الشخير: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فبزق تحت قدمه ج 4 (المنهل العذب).

(4)

ص 346 ج 1 - فتح البارى (دفن النخامة فى المسجد).

ص: 253

" ولحديث " طارق بن عبد الله المحاربى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا صليتَ فلا تبصُق بين يديك ولا عن يمينك، ولكن ابصُق تِلقاء شمالك إن كان فارغاً وإلا فَتحتَ قدَميك وادْلكه. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وقال حسن صحيح (1). {363}

(وظاهره) أن النهى عن البزاق إلى جهة القبلة أو اليمين مقيد بحالة الصلاة (ولذا) قال ملك: لا بأس بالتفل جهة اليمين خارج الصلاة (وجزم) النووى بالمنع مطلقاً داخل الصلاة وخارجها "لحديث" أبى هريرة وأبى سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم راى نخامة فى جِدار المسجد فتناول حَصاة فحكّها وقال: إذا تنخّم أحدُكم فلا يتنخَّمنَّ قِبَل وجهه ولا عن يمينه وليبصُق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى. أخرجه الشيخان (2). {364}

(فهو يدل) على المنع مطلقاً. هذا والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه فيما إذا كان فى غير المسجد. أما فى المسجد فلا يبصق إلا فى ثوبه " لحديث " البزاق فى المسجد خطيئة (3)? (وقال) القاضى عياض: إنما يكون خطيئة إذا لم يدفنه. أما إذا أراد دفنه فلا. ورده النووى بأنه خلاف صريح الحديث.

(وحاصل) النزاع أن ها هنا عمومين تعارضا، وهما قوله: البزاق فى المسجد خطيئة. وقوله: البزاق فى المسجد خطيئة. وقوله: وليبصق عن يساره أو تحت قدمه (فالنووى) يجعل الأول عاماً ويخص الثانى بما إذا لم يكن فى المسجد (والقاضى) عياض يجعل الثانى عاماً فيخص الأول بمن لم يُرِدْ دفنها (ويشهد) له ما رواه سعد

(1) ص 60 ج 3 - الفتح الربانى. وص 93 ج 4 - المنهل العذب (كراهية البزاق فى المسجد) وصدره: إذا صلى أحدكم فلا يبزقن أمامه.

(2)

ص 344 ج 1 فتح البارى (حك المخاط بالحصى من المسجد) وص 39 ج 5 نووى مسلم (النهى عن البصاق فى المسجد .. ).

(3)

تقدم رقم 360 ص 253.

ص: 254

ابن أبى وقاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا تنخَّم أحدكم فى المسجد فَلْيُغَيِّبْ نخامته أن تُصيب جلدَ مؤمن أو ثوبه فتؤذيه. أخرجه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون (1). {365}

(وأوضح) منه فى المقصود ما رواه أبو أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من تنخّع فى المسجد فلم يدفنه فسيئةٌ. وإن دفنه فحسنة. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (2). {366}

فلم يجعل سيئة إلا عند عدم الدفن " ومما " يدل على تخصيص عموم قوله: البزاق فى المسجد خطيئة "جواز" التنخم فى الثوب. ولو كان فى المسجد بلا خلاف (ويؤيد) قول النووى تصريحه صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه بأن البزاق فى المسجد خطيئة وأن دفنها كفاره لها (فإن) دلالته عل كتب الخطيئة بمجرد البزاق فى المسجد ظاهرة غاية الظهور. ولكنها نزول بالدفن وتبقى بعدمه. وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأنه لم يتمكن من الخروج من المسجد، والمنع على ما إذا لم يكن له عذر: وهو تفصيل حسن. ذكره الحافظ (3)? .

(2)

ويلزم صيانة المسجد عن الروائح الكريهة، فيحرم على من تناول ذا راسخة كريهة كثوم وبصل دخول المسجد قبل إزالتها " لحديث " جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أكل الثوم والبصل والكُرَّاث، فلا يقرَبنّ مسجدنا، فإن الملائكة تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنو آدم. أخرجه مسلم والنسائى (4). {367}

(1) ص 55 ج 3 - الفتح الربانى. وص 18 ج 2 - مجمع الزوائد (البصاق فى المسجد).

(2)

ص 18 منه.

(3)

ص 345 ج 1 - فتح البارى (كفارة البزاق فى المسجد).

(4)

ص 50 ج 5 نووى مسلم (نهى من أكل ثوماً أو بصلا أو كراثاً أو نحوها عن حضور المسجد .. ) وص 116 ج 1 مجتبى (من يمنع من المسجد) وفيه: مما يتأذى منه الإنس.

ص: 255

(وعن جابر) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الخضروات " الثوم والبصل والكرات والفجل " فلا يقربن من مسجدنا (الحديث) قال الهيثمى: هو فى الصحيح خلا قوله: والفجل. رواه الطبرانى فى الصغير والأوسط. وفيه يحيى بن راشد البراء البصرى. وهو ضعيف ووثقه ابن حبان وقال: يخطئ ويخالف وبقية رجاله ثقات (1). {368}

(والمراد) تناول ما ذكر وهو نئ لأنه ذو الرائحة الخبيثة المؤذية، بخلاف ما إذا كان مطبوخاً فلا يشمله النهى، لذهاب تلك الرائحة منه " ولقول " علىّ رضى الله عنه: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخاً أخرجه أبو داود (2){369}

"ولحديث"معاوية بن قرة عن أبيه أن النبى صلى الله علهي وسلم نهى عن هاتين الشجرتين وقال: من أكلهما فلا يقربن مسجدنا. وقال: إن كنتم لابد آكليهما فأكميتوهما طبخاً قال: يعنى البصل والثوم. أخرجه أبو داود (3). {370}

" وروى " معدان بن أبى طلحة أن عمر خطب يوم جمعة فقال فى خطبته: ثم إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين لا أُراهما إلا خبيثتين. هذا البصل والثوم. لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وَجَد رِيحَهُمَا من الرجل فى المسجد أمر به فَاَخْرِجَ إلى البقيع. فمن أكلهما فَلْيُمِتْهُمَا طبخاً. أخرجه أحمد ومسلم والنسائى (4). {371}

هذا. والنهى عام فى كل المساجد والمجامع " والإضافة " فى قوله صلى الله عليه وسلم: فلا يقر بنَّ مسجدنا " للاستغراق " أى فلا يقربن مساجد

(1) ص 17 ج 2 مجمع الزوائد (من أكل ثوماً أو نحوه).

(2)

ص 361 ج 3 سنن أبى داود (أكل الثوم - الأطعمة).

(3)

ص 361 ج 3 سنن أبى داود (أكل الثوم - الأطعمة).

(4)

ص 61 ج 3 - الفتح الربانى. وص 51 - 53 ج 5 نووى مسلم (نهى من أكل ثوماً أو بصلا عن حضور المسجد) وص 116 ج 1 - مجتبى (من يخرج من المسجد)(فليمتهما) أى من أراد أكلهما فليذهب رائحتهما بالطبخ. والمراد بإماتة الشئ غذهاب قوته وحدته.

ص: 256

المسلمين: (ويؤيده) حديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أكل من هذه الشجرة " يعنى الثُّوم " فلا يأتينّ المساجدَ. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (1). {372}

(وهذا) يرد قول من خص النهى بمسجد النبى صلى الله عليه وسلم (وقال) ابن جُريج: قلت العطاء: هل النهى للمسجد الحرام خاصة أو فى المساجد؟ قال لا بلى فى المساجد. أخرجه عبد الرازق {97} هذا. ويلحق بالثوم ونحوه كل ما له رائحة كريهة ومن به بخر (2) أو جُرح له رائحة. ويلحق بالمساجد مجامع الصلاة وغيرها كمصلَّى العيد والجنائز ومجامع العلم والذكر والولائم. ولا يلحق بها الأسواق ونحوها. وفى الحديث دليل على منع من أكل الثوم من دخول المسجد وإن كان خالياً، لأنه محل الملائكة، ولعموم الأحاديث أفاده النووى (3).

(ومما تقدم) تعلم أن تناول البصل والثوم والفُجْل والكرات ونحوها من كل ماله رائحة كريهة حرام فى المسجد على من أراد دخوله، وفى المجتمعات قبل أن تذهب رائحته، وإلا فأصل أكله جائز مع الكراهة أو خلاف الأولى " لحديث " أبى أيوب أن النبى صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث، فلم ير فيه أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكله. فقال ما منعك؟ قال: لم أر أثر يدِك. قال: أستحى من ملائكة الله، وليس بمحرّم. أخرجه ابن حبان وابن خزيمة (4). {373}

" ولقول " أبى سعيد الخدرى: لم تْعدُ أن فتِحت خَيْبَرُ فوقعنا أصحابَ

(1) ص 61 ج 3 - الفتح الربانى. وص 48 ج 5 نووى مسلم. ص 361 ج 3 سنن أبى داود (أكل الثوم - الأطعمة).

(2)

البخر بفتحتين، الرائحة الكريهة تخرج من الفم.

(3)

ص 48، 49 ج 5 شرح مسلم.

(4)

ص 222 ج 2 فتح البارى (الشرح - ما جاء فى الثوم النئ .. ).

ص: 257

رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تلك البقلة الثُّوم والناس جياع فأكلنا منها أكلا شديداً ثم رُحْنا إلى المسجد فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الريحَ فقال: من أكل من هذه الشجرة الخبيثةِ شيئاً فلا يقرّبنّا فى المسجد، فقال الناسُ حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ. فبلغ ذلك النبىّ صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنه ليس لى تحريمُ ما أحل الله لى ولكنها شجرة أكره ريحها: أخرجه مسلم (1). {374}

" ولقول " أبى سعيد الخدرى: ذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثومُ والبصلُ، قيل يا رسول الله وأشدُّ ذلك كلِّه الثوم، أفَتُحَرِّمُه؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كلوه، ومن أكله منكم فلا يقربْ هذا المسجد حتى يذهب ريحُه منه. أخرجه أبو داود (2). {375}

ومثل الثوم والبصل ف خُبث الرائحة الدخان، بل هو أخبث ويضر فلا يجوز تعاطيه. وقد بينت حكم تناوله فى ذاته وفى مجالس القرآن ونحوه ونصوص العلماء على حرمة تناوله فى الرسالة البديعة (3).

(1) ص 50 ج 5 نووى مسلم (نهى من أكل ثوماً أو بصلا أو نحوهما عن حضور المسجد).

(2)

ص 360 ج 3 سنن أبى داود (فى أكل الثوم - الأطعمة).

(3)

وقد اهتم اعلماء بمسألة الدخان، فأفردوها بالتأليف: منهم الشيخ اللقانى، والعلامة الشيخ محمد فقهى العينى الحنفى: بين حزمته من أربع أوجه (الأول) كونه مضراً بإخبار الأطباء المعتبرين، وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقاً. (الثانى) كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم المنهى عن استعمالها شرعاً " لقول " أم سلمة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح (انظر رقم 9507 ص 238 ج 6 فيض القدير) وهو مفتر باتفاق الأطباء، وكلامهم حجة فى هذا. (الثالث) كون رائحته كريهة تؤذى من لا يستعمله ولا يسما فى مجامع الصلاة ونحوها، بقل وتؤذى الملائكة " روى " أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من آذى مسلماً فقد آذانى، ومن آذانى فقد آذى الله تعالى. أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن (انظر رقم 8269 ج 6 فيض القدير). (الرابع) كونه سرفاً إذ لا نفع فيه بل ضرره محقق (وقال) علاء الدين الحصنى: والتّن (بضمتين، الدخان) الذى حدث بدمشق فى سنة خمس عشرة بعد الألف، يدعى شاربه أنه لا يسكر، وإن سلم فإنه مفتر وهو حرام " لحديث " أحمد عن أم سلمة قالت: نهى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. ويلس من الكبائر تناله المرة والمرتين = ومع نهى ولى الأمر عنه حرم قطعاً. نعم الإصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر (انظر ص 322 ج 5 هامش رد لمحتار وتمامه به). ولا فرق فى حرمة استعماله بين مضفه واستنشاقه وتدخينه. ومضفه أقبحها وأشدها ضرراً ثم تدخينه ثم استنشاقه.

ص: 258

" فائدة " قال النووى: اختلف أصحابنا هل كان الثوم حراماً على النبى صلى الله عليه وسلم أم كان يتركه تنزهاً؟ ظاهر قوله: أيها الناس إنه ليس لى تحريم ما أحل الله لى. أنه ليس محرماً عليه. ومن قال بالتحريم يقول المراد ليس لى أن أحرِّم على أمّتى ما أحل الله لها (1) وهذا التأويل يعد قوله صلى الله عليه وسلم: ما أحل الله لى.

(3)

ويكره إخراج الريح فى المسجد اختياراً، صوناً له عن الرائحة الكريهة ولما يترتب عليه من إيذاء مَنْ بالمسجد، " ولحديث " أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة تصلِّى على أحدكم مادام فى مصلاه الذى صلى فيه ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائى، وأخرجه مسلم وابن ماجه من حديث أبى صالح عن أبى هريرة مطولا. وفيه: والملائكة يصلون على أحدكم ما دام فى مجلسه الذى صلى فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه: اللهم تُبْ عليه من لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه (2). {376}

" ولحديث " أبى راع عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد فى صلاة ما دام فى مصلاّه ينتظر الصلاة تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه حتى ينصرفَ أو يُحدثَ، فقيل وما يُحدِث؟ قال

(1) ص 51 ج 5 شرح مسلم.

(2)

ص 362 ج 1 فتح البارى (الحدث فى المسجد) وص 166 ج 5 نووى مسلم. وفيه: ما دام فى مجليه (فصل الصلاة المكتوبة فى جماعة .. ) وص 83 ج 4 - المنهل العذب. وصدره: الملائكة تصلى (فضل القعود فى المسجد) وص 138 ج 1 سنن ابن ماجه (لزوم المساجد .. ).

ص: 259

يفْسو أو يَضْرَطْ. أخرجه مسلم وأبو داود (1). {377}

(دلت) هذه الأحاديث على أن الحدث فى المسجد خطيئة يُحرم به المحدث من استغفار الملائكة ودعائهم له ومن ثواب الجلوس فى المسجد لانتظار الصلاة، وأن الحدث فى المسجد أشد من النخامة " ولمّا " لم يكن للحدث فى المسجد كفارة (2)? ترفع أذاه كما يرفع الدفنُ أذى النخامة فيه " عوقب " بحرمان الاستغفار من الملائكة لما آذاهم به من الرائحة الخبيثة. هذا. والجمهور على انه يباح للمحدث حدثاً أصغر دخول المسجد والجلوس فيه (فقد) روى أن أبا الدرداء خرج من المسجد فبال ثم دخل فتحدث مع أصحابه ولم يمس ماء (وروى) عن على وعطاء والنخعى وابن جبير مثله.

(وقال) ابن المسيب والحسن البصرى: يكره تعمد الجلوس فى المسجد على غير طهارة.

(4)

ويكره تحريماً رفع الصوت فى المسجد بنشد الضالة " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ سمع رجلا ينشُد ضالة فى المسجد فلْيَقُل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تُبن لهذا. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه (3). {378}

(1) ص 166 ج 5 نووى مسلم. وص 85 ج 4 - المنهل العذب (فضل القعود فى المسجد) و (يضرط) مضارع ضرط من بابى تعب وضرب. والاسم ضرط ككتف.

(2)

" وما يقال " من أن الإنسان إذا خرج منه ريح وهو فى المسجد يتلقاه ملك بفمه ويخرج به إلى خارج المسجد، فإذا تفوه به مات الملك " فهو " كلام باطل لا أصل له.

(3)

ص 65 ج 3 - الفتح الربانى. وص 54 ج 5 نووى مسلم (النهى عن نشد الضالة فى المسجد .. ) وفيه: لا ردها الله عليك. وص 87 ج 4 - المنهل العذب (كراهية إنشاد الضالة فى المسجد .. ) وص 133 ج 1 سنن ابن ماجه. وفيه: لا رد الله عليك. و (الضالة) بتشديد اللام، الضائعة منكل ما يقتنى. يقال ضل الشئ إذا ضاع، وضل عن الطريق إذا حار. (وإنشادها)، تعريفها ونشدها طلبها.

ص: 260

دل على جواز الدعاء على ناشد الضالة فى المسجد بعدم ردها إليه معاملة له بنقيض قصده حيث فل ما لا يجوز فعله فى المسجد من رفع الصوت بما لم يُعدَّ له المسجد من العبادة والذكر والصلاة وتعليم العلم ونحو ذلك.

(روى) عاصم بن عمر ب قتادة أن عمر سمع ناساً من التجار يذكرون تجارتهم والدنيا فى المسجد. فقال: إنما بنيت هذه المساجد لذكر الله. فإذا ذكرتم تجاراتكم ودنياكم فاخرجوا إلى البقيع. أخرجه ابن أبى شيبة بسند جيد {98} ويلحق بذلك من رفع صوته فى المسجد بما يقتضى مصلحة ترجع للرافع صوته.

(5)

وكذا يمنع السؤال فى المسجد، لأنه كنشد الضالة. " وأما حديث " عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: هل فيكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل يسأل فوجدتُ كِسرةَ خُبز فى يد عبد الرحمن، فأخذتها منه فدفعتها إليه. أخرجه أبو داود. وكذا الطبرانى

فى الكبير والبزار مطولا وقال: لا نعلمه يُروى عن عبد الرحمن بن أبى بكر إلا بهذا الإسناد، وروى مرسلا (1)? . {379}

(1) ص 320 ج 9 - المنهل العذب (المسألة فى المساجد) وص 163 ج 3 مجمع الزوائد (الصائم يعود المريض ويفعل الخير) ولفظ الطبرانى: عن عبد الرحمن بن أبى بكر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال: هل منكم أحد أصبح صائماً؟ فقال عمر: لم أحدث نفسى بالصوم البارحة فأصبحت مفطراً. فقلا أبو بكر: لكنى حدثت نفسى بالصوم البارحة فأصبحت صائماً. فقال صلى الله عليه وسلم: هل منكم اليوم أحد عاد مريضاً؟ فقلا عمر: يا رسول الله صلينا ثم لم نبرح فكيف نعود المرضى؟ فقال أبو بكر: بلغنى أاخى عبد الرحمن بن عوف اشتكى فجعلت طريق عليه لأنظر كيف أصبح؟ فقلا صلى الله عليه وسلم: هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال عمر: صلينا ثم لم نبرح. فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا بسائل فوجدت كسرة خبز شعير فى يد عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت فأبشر بالجنة. فتنفس عمر فقال: واهاً للجنة. فقال النبى صلى الله عليه وسلم كلمة رض بها عمر: رحم الله عمر رحم الله عمر لم يرد خيراً قط إلا سبقه إليه أبو بكر.

ص: 261

" فهو ضعيف " لأن فى سنده مبارك بن فضالة ضعفه غير واحد، وعلى فرض صحته فليس فيه تصريح بأن السائل سأل فى المسجد، لاحتمال أن يكون خارجه (ولذا) قال الحنفيون: يحرم السؤال فى المسجد مطلقاً، ويكره الإعطاء فيه مطلقاً، لأنه يحمل على السؤال. وقيل يكره إعطاؤه إن تخطى الرقاب (وقال) الجمهور: يجوز السؤال فى المسجد وإعطاء الصدقة فيه إلا إذا ألحّ السائل وتخطى الرقاب فيحرم السؤال والإعطاء. (وسئل) ابن تيمية عن السؤال فى الجامع: أهو حلال أم حرام أم مكروه؟ (فأجاب) بقوله: الحمد لله. أصل السؤال محرم فى المسجد ولم يؤذ أحداً كتخطية الرقاب ولم يكذب فيما يرويه، ولم يجهر جهراً يضر الناس، كأن يسأل والخطيب يخطب، أو وهم يسمعون علماً يشغلهم " جاز " (1) (وسئل) أيضاً ما تقول فى هؤلاء الصعاليك الذين يطلبون من الناس فى الجوامع ويشوشون عليهم فهل ينكر عليهم؟ وهل يجوز تقسيم الناس بالست نفيسة والمشايخ؟ (فأجاب) بقوله: أما إذا ظهر منهم منكر كروايتهم للأحاديث المكذوبة، أو سؤالهم والخطيب يخطب، أو تخطيهم الناس؛ فإنهم ينهون عن ذلك. وكذا إذا سألوا بغير الله فالصدقة إنما تكون لوجه الله لا لأحد من خلقه. وأما إذا خلا سؤالهم عن المنكرات وكانوا محتاجين فإنه جائز فى أظهر قولى العلماء كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن سائلا سال فى المسجد فأمر باعطائه.

أما الإعطاء بلا سؤال فهو جائز اتفاقاً (فقد روى) البيهقى أنه صلى الله عليه وسلم أمر سُليكاً الغطفانى بالصلاة يوم الجمعة حال الخطبة ليراه الناس فيتصدقوا عليه. وأنه أمرهم بالصدقة وهو على المنبر.

(1) ص 133 ج 1 فتاوى ابن تيمية (مسألة 121).

ص: 262

(وقال) الشيخ منصور بن إدريس الحنبلى: ويكره سؤال الصدقة فى المسجد والتصدق عليه فيه، لأنه إعانة على مكروه. ولا يكره التصدق على غير السائل ولا على من سأل له الخطيب (وروى) البيهقى فى المناقب عن على ابن بدر قال: صليت يوم الجمعة فإذا أحمد بن حنبل يقُرب منى فقام سائل فسأله فأعطاه أحمد قطعة، فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى السائل وقال: أعطنى تلك القطعة، فأبى فقال: أعطنى وأعطيك درهماً فلم يفعل، فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً فقال: لا أفعل فإنى أرجو من بركة هذه القطعة ما ترجو أنت (1).

(6)

ولا يجوز رفع الصوت فى المسجد ولو بالقرآن والذكر. " لقول " أبى سعيد الخدرى: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف السِّتر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذينّ بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة. أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى، والبيهقى، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (2). {380}

" ولحديث " البياضى فروة بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلى يناجى ربه عز وجل فلينظر بم يناجيه؟ ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن. أخرجه أحمد بسند صحيح (3). {381}

(وقد أنكر) بعض الصحابة والتابعين على من رفع صوته فى المسجد بقراءة أو ذكر (قال) السائب بن يزي: كنت مضطجعاً فى المسجد فحصبنى

(1) ص 544 ج 1 (أحكام المساجد).

(2)

ص 202 ج 3 - الفتح الربانى. وص 262 ج 7 - المنهل العذب (رفع الصوت بالقراءة فى صلا الليل) وص 11 ج 3 - السنن البكرى (من لم يرفع صوته بالقراءة شديداً .. ).

(3)

ص 202 ج 3 - الفتح الربانى.

ص: 263

رجل فرفعت رأسى فإذا عمر رضى الله عنه فقال: اذهب فأتنى بهذين الرجلين فجئت بهما، فقال: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد ما فارقتمانى حتى أوجعتكما جلداً، ترفعان أصواتكما فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخارى (1). {99}

(وقال) البزازى: وفى فتاوى القاضى: الجهر بالذكر فى المسجد حرام (وقد صح) عن ابن مسعود أنه سمع قوماً اجتمعوا فى مسجد يهللون ويصلون على النبى صلى الله عليه وسلم جهارً فذهب إليهم وقال: ما عهدنا ذلك على عهده صلى الله عليه وسلم، وما أراكم إلا مبتدعين، فما زال يذكر ذلك حتى أخرجهم من المسجد (2). {100} " وتقدم " عن سعيد بن المسيب أنه كان فى المسجد آهر الليل يتهجد، ثم دخل عمر بن عبد العزيز وكان حسن الصوت فجهر بالقراءة، فلما سمعه سعيد بن المسيب قال لخادمه: اذهب إلى هذا المصلِّى فقل له: إما أن تخفض من صوتك، وإما أن تخرج ن المسجد، ثم أقبل على صلاته فجاء الخادم فوج المصلِّى عمر بن عبد العزيز فرجع ول يقل له شيئا فلما سلم سعيد قال لخادمه: ألم أقل لك تنهى هذا المصلِّى عما يفعل؟ فقال: هو الخليفة عمر بن عبد العزيز. قال: اذهب إليه وقل له ما أخبرتك به، فذهب إليه فقال له: إن سعيداً يقول لك إما أن تخفض من صوتك، وإما أن تخرج من المسجد، فخفف فى صلاته فلما سلم منها أخذ نعليه وخرج من المسجد (3) {101} (وروى) مالك والبيهقى وبان أبى شيبة بسند جيد عن سالم بن عبد الله أن عمر ابن الخطاب بنى إلى جانب المسجد رحبة سماها البُطيحاء وقال: من أراد أن يلغَط أو يرفع صوتاً، أو ينشد شعراً فليخرج

(1) ص 375 ج 1 فتح البارى (رفع الصوت فى المسجد).

(2)

ص 188 فتاوى أئمة المسلمين طبعة ثالثة.

(3)

تقدم ص 95 ج 2 - طبعة ثانية (بدع الأذان).

ص: 264

إليه {102} (وعلى هذا) اتفقت كلمة الفقهاء (قال) علاء الدين الحصنى: ويحرم فيه (يعنى فى المسجد) السؤال ويكره الإعطاء مطلقاً وقيل عن تخطئ ورفع صوت بذكر إلا للمتفقهة (1).

(وقال) ابن نجيم: الإمام إذا جهر فوق حاجة الناس فقد أساء (2)? (وفى مختصر) خليل وشروحه: أنه يكره رفع الصوت بقراءة القرآن فى المسجد خشية التشويش على المصلين أو الذاكرين، فإن شوّش حرم اتفاقاً (3)? (وقال) ابن العماد: تحم القراءة جهراً على وجه يشوش على نحو مصل (4).

(ومن هذا) تعلم منع ما أحدث الناس من قراءة شئ من القرآن جهراً فى المسجد قبل إقامة الصلاة خصوصاً العصر، لما فيه من التشويش برفع الصوت على المصلين واعتقادهم أنه مشروع حيث جعلوه شعاراً للصلاة جماعة فى وقتها، مع أنه محدث لم يكن فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح. ومن ذلك الجهر بقراءة الورد والذكر ليلا فى المسجد (5).

(7)

ويجب أن يصان المسجد عن دخول الصبيان والمجانين إذا خيف تلويثه " لحديث " واثلة بن الأسقع أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: جنّبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسلّ سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمّروها فى الجمع

(1) ص 488 ج 1 رد المحتار (ما يكره فى الصلاة).

(2)

ص 335 ج 1 - البحر الرائق (وخير المنفرد فيما يجهر .. ).

(3)

ص 74 ج 4 - حاشية الدسوقى على كبير الدردير.

(4)

ص 5 - ابن العماد.

(5)

قال العلامة القاسمى: فى كتابة إصلاح المساجد، ومثل ذلك فى دمشق قراءة سورة الإخلاص ثلاثاً قبل إقامة الصلاة إعلاناً بأنها ستقام، فهى بدعة لا أصل لها. وقرأت فى حواشى متن خليل أن من رفع صوته بالقراءة فى المسجد يقام ويخرج ويخرج منه إذا داوم على ذلك، وإلا فيؤمر بالسكوت أو القراءة سراً، لأن الغالب على هؤلاء قصد الدنيا. وفى الإتقان للإمام السيوطى: يكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها (فقد أخرج) الآجرى من حديث عمران بن حصين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قرا القرآن فليسأل الله به. فإنه سيأتى قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به.

ص: 265

أخرجه ابن ماجه والمنذرى بسند فيه الحارث بن نبهان متفق على ضعفه. وأخرجه الطبرانى فى الكبير. وفيه العلاء بن كثير الليثى الشامى وهو ضعيف (1). {382}

(ولذا) قال الحنفيون: يحرم إدخال الصبيان والمجانين المسجد إذا غلب تنجيسهم إياه وإلا فيكره (قال) الشيخ إبراهيم الحلبى: أما الكاتب ومعلم الصبيان، فإن كان بأجرة يكره. وإن كان حسبة فقيل لا يكره. والوجه ما قاله ابن الهمام: إنه يكره التعليم (يعنى فى المسجد) إن لم يكن ضرورة، لأن نفسى التعليم ومراجعة الأطفال لا يخلو عما يكره فى المسجد مع ما تقدم من الحديث (2).

(وقال) علاء الدين الحصنى: ويحرم إدخال صبيان ومجانين " يعنى المسجد " حيث غلب تنجيسهم وإلا فيكره (قال) ابن عابدين: والمراد بالحرمة كراهة التحريم لظنية الدليل (3)(وقالت) المالكية: يجوز إحضار الصبى المسجد إذا كان شأنه أنه لا يعبث أو يعبث ولكنه ينكف عن العبث إذا نهى، وإلا منه إدخاله (وقالت) الشافعية: يكره إدخال الصبيان الذين ل يميزون المسجد، لأنه لا يُؤْمَنُ تلويثهم إياه (وقالت) الحنبلية: يكره إدخال الصبى المسجد إذا كان لغير مصلحة ولا فائدة. أما إذا كان لها كقراءة وصلاة فيجوز (قال) النووى: يكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد، لأنه يخشى تلويثهم إياه. ولا يحرم ذلك لأنه ثبت فى

(1) ص 131 ج 1 سنن ابن ماجه (ما يكره فى المساجد) وص 25 ج 2 مجمع الزوائد (كراهة المساجد وما نهى عن فعله فيها) و (سل السيوف) إخراجها من أغمادها. قال اللخمى: هذا الحديث ناسخ لحديث لعب الحبشة بالحراب فى المسجد " ورد " بأن هذا الحديث ضعيف وليس فيه تصريح بالنسخ. ولم يعرف التاريخ حتى يثبت النسخ. واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. انظر ص 351 ج 3 فيض القدير.

(2)

ص 611 غنية المتملى شرح منية المصلى (أحكام المسجد).

(3)

ص 486 ج 1 رد المحتار (أحكام المسجد - ما يفسد الصلاة وما يكره فيها).

ص: 266

الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى حاملا أمامةَ بنتَ زينبَ، وطاف على بعيره. ولا ينفى هذا الكراهة، لأنه صلى الله عليه وسلم فعله لبيان الجواز (1)(ومما تقدم) تعلم أن من المنكر اتخاذ مكاتب فى بعض المساجد لتعليم الأطفال القرآن والكتابة وغيرهما، فإن الغالب على الأطفال عدم التحفظ من النجاسات فَيُلِّوثون المسجد ويرفعون أصواتهم فيهوشون على من فيه من المصلين والمتعبدين وهو ممنوع بالإجماع ومخالف للأحاديث السابقة. وكذا لا يغتفر اتخذا بعض المساجد مخافر ومحلا لإقامة الجند، فإن المساجد لم تبن لذلك، وقد يقع مع الجند ما يتنافى وحرمة المساجد، كرفع الأصوات واللعب والزمر والغناء والتصفيق والضرب بالدفوفن وتناول بعض المكيفات كالدخان. وهذا مما لا يرضاه الشرع ولا يسوغه العقل.

فعلى ولاة الأمور منع هذه المنكرات؛ احتراماً لبيوت الله تعالى.

(8)

ويكره الاحتراف فى المسجد بعمل دنيوى كخياطة وحياكة وغزل ونحوها (قال) القاضى عياض: والراجح مه الصنائع التى يختص بنفعها آحاد الناس ويكتسب بها. فلا يتخذ المسجد متجراً. وأما المثاقفة وإصلاح آلات الجهاد ونحوها مما لا امتهان للمسجد فى عمله فلا بأس أهـ (وقال) النووى فى المجموع: يكره أن يجعل المسجد مقعدا لحرفة كالخياطة ونحوها " لحديث " أنس أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن هذه: المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا الذر، إنما هى لذكر الله وقراءة القرآن. أخرجه مسلم (2). فأما من ينسخ فيه شيئاً من العلم أو اتفق قعوده فيه فخاط

(1) ص 176 ج 2 شرح المهذب (فى المساجد وأحكامها) وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم حاملا أمامة تقدم رقم 199 ص 157. وحديث ركوبه صلى الله عليه وسلم ف الطواف فى مسلم وغيره (انظر رقم 154 ص 214 ج 1 تكملة المنهل).

(2)

تقدم رقم 395 ص 252 (ما تصان عنه المساجد).

ص: 267

ثوباً ولم يجعله مقعداً للخياطة فلا بأس به (1).

(وقال) الشيخ منصور بن إدريس: ولا يجوز التكسب فى المسجد بالصنعة كخياطة وغيرها ولو قليلا أو لغير حاجة، لأنه بمنزلة التجارة، فلا يجوز أن يتخذ المسجد مكاناً للمعايش، لأنه لم يبن لذلك. وقعود الصناع والفعلة فيه ينتظرون م يكريهم بمنزلة وضع البضائع فيه ينتظرون من يشتريها. وعلى ولىِّ الأمر منعهم من ذلك. وإن وقفوا خارج أبوابه ينتظرون من يكريهم فلا بأس. ويجب أن يصان المسجد من عمل صنعة. لتحريمها فيه. ولا يكره اليسير من العمل فيه لغير التكسب كرقع ثوبه وخصف نعله ويحرم فعل ذلك للتكسب إلا الكتابة لأنها نوع تحصيل للعلم فهى فى معنى الدراسة. ومن ذلك تعليم الصبيان الكتابة فيه بالأجر بشرط ألا يحصل ضر بجبر وما أشبهه (2).

(9 إلى 12) وينبغى صيانة المسجد عن البيع والشراء وإنشاد الشعر والتحلق يوم الجمعة " لحديث " عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو) قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع فى المسجد وأن تُنشدَ فيه الأشعارُ، وأن تَنشد فيه الضالةُ. ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة. أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه وصححه ابن خزيمة (3). {383}

" ولقول " ثوبان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأيتموه ينشدُ الشِّعْر فى المسجد فقولوا: فضَّ الله فاك ثلاث مرات. ومن

(1) ص 176 ج 2 شرح المهذب.

(2)

ص 541 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).

(3)

ص 64 ج 3 - الفتح الربانى. وص 232 ج 6 - المنهل العذب (التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة). وص 266 ج 1 تحفة الأحوذى (كراهية البيع والشراء فى المسجد) و (التحلق) جلوس الناس مستديرين على هيئة الحلقة بفتح فسكون، وفتح اللام لغة.

ص: 268

رأيتموه يبيع ويبتاع فى المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. أخرجه الطبرانى فى الكبير م رواية عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه (قال الهيثمى) ولم أجد من ترجمه (1). {384}

(أما البيع) والشراء فى المسجد فهو حرام وباطل عند الحنبلية. أخذاً بظاهر الأحاديث لا فرق بين المتعكف وغيره ولو قلّ البيع واحتيج إليه. قال أحمد: إنما هذه بيوت الله لا يباع فيها ولا يشترى. ورأى عِمْرَانُ القصير رجلا يبيع فى المسجد فقال: يا هذا إن هذا سوق الآخرة، فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا (2). {103}

(وقال) الحنفيون: يكره البيع والشراء فى المسجد إذا عمّ المسجد وغلب عليه، وإلا فلا كراهة (قال) الطحاوى: ما نهى عنه من البيع فى المسجد هو الذى يعمّه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق. فأما ما سوى ذلك فلا يكره. ولقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إباحة العمل الذى ليس من القُرَب فى المسجد " وساق " بسنجه إلى على رضى الله عنه قال: سمعُت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا معْشَر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن اللهُ به الإيمانَ، يضربُ رقابكم على الدين. فقال أبو بكر: أنا هوَ يا رسول الله؟ قال لا. فقال عمر. أنا هوَ يا رسول الله؟ قال: لا: ولكنه خاصِف النعل فى المسجد. وكان قد ألقْى إلى على رضى الله عنه نعلَه يخصفها أخرجه الطحاوى (3). {385}

وقال: فترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه علياً رضى الله عنه

(1) ص 25 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن نشد ضالة فى المسجد .. ) و (فض الله فاك)، أى كسر اله أسنان فمك.

(2)

ص 541 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).

(3)

ص 408 ج 2 شرح معانى الآثار (إنشاد الشعر فى المساجد).

ص: 269

عن خصف النعل فى المسجد. وإن الناس لو اجتمعوا حتى يعمُّوا المسجد بخصف النعال كان ذلك مكروهاً. فلما كان ما لا يعمّ المسجد من هذا غير مكروه وما يعمه منه أو يغلب عليه مكروها، كان كذلك فى البيع وإنشاد الشعر والتحلق فيه قبل الصلاة: ما عمه من ذلك فهو مكروه، وما لم يعمه منه ولم يغلب عليه فليس بمكروه قلت: ولا دليل على ما ذكر من التفرقة. وما ذكره من خصف نعل النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد، لا يدل على مدعاهم كما لا يخفى (قال) على القارى: وجوز علماؤنا للمعتكف الشراء بغير إحضار المبيع (ومن البدع) الشنيعة بيع ثياب الكعبة خلف المقام وبيع الكتب وغيرها فى المسجد الحرام وغيره. وأشنع منه وضع المحفّات والقرِب فى المسجد سيما فى أيام الموسم ووقت ازدحام الناس (1)(وقالت) الشافعية: يكره البيع والشراء فى المسجد لغير المعتكف مطلقاً. أما المعتكف فيكره له فى غير ما لابدّ له منه.

(وقالت) المالكية: يكرهان فى المسجد إذا كانا بغير رفع صوت وإن كان برفع صوت فحرام لجعل المسجد سوقاً (وهذه) التفاصيل لا دليل عيها. والراجح القول بالحرمة مطلقاً مع صحة البيع (اقل) العراقى والماوردى: أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع والشراء فى المسجد لا يجوز نقضه. ذكره الشوكانى. وقال: وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد، لا ينافى التحريم. فلا يصح جعله قرينة لحمل النهى على الكراهة (2).

(وأما إنشاد) الشعر فى المسجد فالمنهى عنه ما كان على سبيل التفاخر والهجاء ومدح من لا يستحق المدح، وذم من لا يستحق الذم.

(1) ص 467 ج 1 مرقاة المصابيح (شرح الحديث رقم 390) و (المحفات) جمع محفة بكسر ففتح. مركب كالهودج.

(2)

ص 167 ج 2 نيل الأوطار (جامع ما تصان عنه المساجد).

ص: 270

(أما ما فيه) أمر بمعروف ونهى عن منكر وبيان لأحكام الدين وترغيب فى العمل بها ومدح من يستحق المدح وذم من يستحق الذم، وحث على الزهد والمكارم (فإنشاده) فى المسجد جائز حسن " لقول " سعبد بن المسيب: مرّ عمر بن الخطاب فى المسجد وحسانُ فيه ينشد فلحَظ إليه فقال: كنتُ أنشده فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفتَ إلى أبى هريرة فقال: أنشُدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أجب عنى اللهم أيده برُوح القدس قال نعم. أخرجه أحمد والشيخان (1). {386}

(وعن) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الشعر بمنزلة الكلام فحسنَه كحسَن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام. أخرجه البخارى فى الأدب والطبرانى فى الأوسط بسند حسن (2). {387}

(ولذا) قال ابن العربى: لا بأس بإنشاد الشعر فى المسجد إذا كان فى مدح الدين وإقامة الشرع (3)(وقال) النووى: لا أس بإنشاد الشعر فى المسجد إذا كان مدحاً للنبوَّة أو الإسلام أو كان حكمة أو فى مكارم الأخلاق أو الزهد ونحو ذلك من أنواع الخير. وأما ما فيه شئ مذموم كهَجْوِ مسلم أو صفة الخمر أو ذكر النساء أو المُرْد أو مدح ظالم أو افتخار منهى عنه أو غير ذلك فحرام (4)(وعلى هذا) تحمل أحاديث النهى كحديث عمرو بن شعيب

(1) ص 73 ج 3 - الفتح الربانى. وص 194 ج 6 فتح البارى (ذكر الملائكة - بدء الخلق) وص 45 ج 6 نووى مسلم (فضائل حسان بن ثابت .. )(فلحظ)، أى نظر إليه نظرة إنكار. وفى رواية فقال: فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تشد الشعر؟ و (أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين، أى أسالك بالله. و (أيده الخ) أى قوةّ بجبريل. فالمراد (بروح القدس) بضمتين جبريل، ففى حديث البراء عن البخارى: وجبريل معك. والقدس الطهر وقبل البركة. والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا البنى صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر رقم 4939 ص 175 ج 4 فيض القدير.

(3)

ص 168 ج 2 نيل الأوطار (جامع ما تصان عنه المساجد .. ).

(4)

ص 177 ج 2 شرح المهذب (المسألة 16 - المساجد .. ) و (المراد) بضم فسكون جمع أمرد.

ص: 271

عن أبيه عن جده (1)" وحديث " زُفَر بن وَثيمة عن حكيم بنِ حزام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُستقَادَ فى المسجد، وان تُنْشد فيه الأشعار، وان تقام فيه الحدود. أخرجه أبو داود. وزُفَر وثقه ابن معَين ذكره ابن حبان فى الثقات (2). {388}

(وفى هذا) جمع بين الأحاديث. ومحل جواز الشعر فى المسجد ما لم يشوش على مصلىّ أو قارئ أو ذاكر وإلا منه مطلقاً. هذا. وقد اختلفوا فى حكم إنشاد الشعر مطلقاً (فقال) الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة: لا بأس بإنشاء الشهر الذى ليس فيه هجاء ولا فحش ولا سبّ فى عِرْض أحد من المسلمين لما تقدم من الأحاديث (وقال) إبراهيم النخعى والحسن البصرى: يكره رواية الشعر وإنشاده " لحديث " أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لأنْ يمتلئ جوفُ الرجل قيحاً يريهِ خر من أن يمتلئ شِعْراً. أخرجه السبعة إلا النسائى. وقال الترمذى: حسن صحيح (3). {389}

(وأجاب) الأولون بأن هذا فى شعر خاص وهو ما كان فيه فحش وهجاء.

(وقال) الطحاوى: هو عندنا على الشعر الذى يملأ الجوف فلا يكون فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره، فأما من كان فى قلبه القرآن والشعر، فليس ممن امتلأ جوفه شعراً، وقد كان يُنشد الشعر فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهـ (وأما التحلق) يوم الجمعة فى المسجد قبل صلاتها فحكمة النهى عنه ولو لمذاكرة العلم وغيره من الطاعات، لأنه ربما قطع الصفوف والناس

(1) تقدم رقم 383 ص 268.

(2)

ص 167 ج 2 سنن أبى داود (إقامة الحد فى المسجد).

(3)

ص 288 ج 2 مسند أحمد (مسند أبى هريرة رضى الله عنه) وص 417 ج 10 فتح البارى (يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله .. ) وص 14 ج 15 نووى مسلم (الشعر) وص وص 302 ج 4 سنن أبى داود (ما جاء فى الشعر - الأدب) وص 34 ج 4 تحفة الأحوذى (لأن يمتلئ جوف أحدكم

) وص 214 ج 2 سنن ابن ماجه (ما كره من الشعر) و (يريه) بفتح فكسر، ايأكله يقال ورى القيح جوفه يريه ورياً إذا أكله.

ص: 272

مأمورون بالتبكير يوم الجمعة والتراصّ فى الصفوف الأوَّل فالأوَّل (وحمل) الجمهور النهى على الكراهة (قال) الطحاوى: التحلق المنهى عنه قبل الصلاة إذا عمّ المسجد وغلبه فهو مكروه، وغير ذلك لا بأس أهـ. (والتقييد) بقبل الصلاة ويدل على جوازه بعدها لتعليم العلم والذكر وغيرهما. (والتقييد) بيوم الجمعة يدل على جوازه فى غيره مطلقاً " لقول " أبى واقد الليثى: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعد فى أصحابه إذْ جاء ثلاثة نفر: فأما رجل فوجد فُرجة فى الحلْقة فجلس. واام رجل فجلس خلف الحْلقة. وأما رجل فانطلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا أُخبركم عن هؤلاء انفر؟ أما الرجل الذى جلس فى الحْلقة فرجل آوى فآواه الله. وأما الرجل الذى جلس خلف الحلقة فاستحيا فاستحيا الله منه. وأما الرجل الذى انطلق فرجل أعرض فأعرض الله عنه. أخرجه مسلم والبيهقى (1). {390}

(ولذا) قال النووى: يستحب عقد حلق العلم فى المساجد وذكر المواعظ والرقائق ونحوها. والأحاديث الصحيحة فى ذلك كثيرة (2). (وأما التحلق) فى المسجد لأمور الدنيا فغير جائز " لحديث " ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سيكونُ فى آخر الزمان قومٌ يجلسون فى المساجد حِلقاً حِلقاً أمانيهم فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجةٌ. أخرجه الطبرانى فى الكبير، وفى سنده بزيغ أبو الخليل. وهو ضعيف جداً. ونسب على الوضع (3). {391}

(13)

ويكره تحريماً - عند الحنفيين والشافعى - إقامة الحدود فى المسجد صناً له وحفظاً لحرمته " ولحديث " حكيم بن حزام أن النبى صلى الله عليه

(1) ص 157، 158 ج 14 نووى مسلم (من أتى مجلساً فوجد فرجة - كتاب السلام) و (الحلقة) بفتح فسكون أو بفتحتين، وبجمعه حلق بفتح الحاء وكسرها وفتح اللام فيهما.

(2)

ص 177 ج 2 شرح المهذب (المسألة 15 - المساجد).

(3)

ص 24 ج 2 مجمع الزوائد (فيمن دخل المسجد لغير صلاة .. ).

ص: 273

وسلم قال: لا تُقام الحدود فى المساجد ولا يستقاد فيها. أخرجه أحمد وأبو داود والدار قطنى والحاكم والبيهقى بسند لا بأس به. قاله الحافظ فى التلخيص، وقال فى بلوغ المرام: إسناده ضعيف (1). {392}

حملوا النهى على الكراهة. وحمله المالكية والحنبلية على الحرمة فقالوا: يحرم إقامة الحدود والتعزيز الشديد فى المساجد.

(14)

ويكره تحريماً إلقاء القمل ودفنه حياً فى المسجد " لحديث " الحضْرَمى بن لاِحق عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلا: إذا وَجَد أحدُكم القمْلة فى ثوبه فَلْيَصُرّها ولا يُلقِها فى المسجد. أخرجه أحمد بسند رجاله ثقات، وأخرجه البيهقى بلفظ: إذا وجد أحدُكم القملةَ وهو يصلى فلا يقتُلْهَا، ولكن يُصُرُّها حتى يصِّلى (2). {393}

(أما دفنه) فى المسجد بعد قتله فلا باس به " لقول " مالك بن يُخامِر رأيتُ معاذ بنَ جبل يقتل القمل والبراغيت فى المسجد. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند رجاله ثقات (3). {104}

(قال) ابن قدامة: فأما القمل فالأوْلى التغافل عنه، فإن قتلها فلا بأس، لأن أنساً كان يقتُل القمل والبراغيت فى الصلاة. وكان الحسن يقتل القمل. وقال الأوزاعى: تركه أحب إلىّ. وكان عمر يقتل القمل فى الصلاة. أخرجه ابن منصور. {105}

(15)

ويكره أن يُحْفَر فى المسجد بئر لأنه لا يؤمن من دخول النساء والصبيان وتقذير المسجد، إلا إن كان البئر قديماً مزمزم فإنه يترك.

(1) ص 65 ج 3 - الفتح الربانى. ولفظه عند أبى داود: تقدم رقم 388 ص 272. و (الاستقادة) طلب القود وهو القصاص.

(2)

ص 67 ج 3 - الفتح الربانى. و (يصرها) بفتح فضم فشد الراء، أى فليقبض عليها فى ثوبه حتى يخرجها من المسجد.

(3)

ص 20 ج مجمع الزوائد (من وجد قملة فى المسجد) و (يخامر) بالياء والخاء المعجمة.

ص: 274

(16)

ويكره غرس الشجر فى المسجد لأنه تشبيه له بالبيعة والكنيسة وفيه شغل لمكان الصلاة إلا أن تكون فيه منفعة للمسجد بأن أرضه نزة لا تستقر فيها الأعمدة فيغرس الشجر ليتحول إليه النز. قال الحلبى (1).

(ورَدّ) ابن أمير حاج على من جوز غرس الشجر فى المسجد أخذاً من قولهم: لو غرس شجرة للمسجد. فرد عليه بأنه لا يلزم من ذلك حل الغرس إلا للعذر المذكور، لأن فيه شغل ما أعد للصلاة ونحوها وإن كان المسجد واسعاً أو كان فى الغرس نفع بثمرته. ولا يجوز إبقاؤه أيضاً " لقوله " عليه الصلاة السلام: ليس لعرقٍ ظالم حق (2) لأن الظلم وضع الشئ فى غير محله وهذا كذلك أهـ (وقال) النووى: يكره غرس الشجر فى المسجد ويكره حفر البئر فيه لأنه بناء فى مال غيره. وللإمام قلع ما غرس فيه (3).

(وقال) السفارينى الحنبلى: جزم علماؤنا بعدم جواز غرس شئ فى المسجد، ويقلع ما غرس فيه ولو بعد إيقافه. وكذا حفر بئر ثم قال: وفى الرعاية الكبرى: ويحرم غرسها مطلقاً. وقيل إن ضيَّقَتْ حرُم وإلا كره فإن لم تقلع فثمرتها للمساكين. وإن غرست قبل بنائه ووقفت معه فإن عُيِّنَ منصرفها عمل به، وإلا تصرف لورثة الواقف كالميراث. فإن لم يكن له أقارب فللفقراء والمساكين وقفاً عليهم. وقيل يجوز الأكل منها. وقيل تصرف فى مصالح المسجد. ثم قال: والمختار جواز حفر البئر وغرس الشجر

(1) ص 612 غنية المتملى شرح منية المصلى (أحكام المساجد).

(2)

هو عجز حديث أخرجه أبو داود بسند حسن عن سعيد بن زيد. وصدره: من أحيا أرضاً ميتة فهى له. وروى أبو داود عن عروة بن الزبير عن صحابى، أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غرس أحدهما نخلا فى ا {ض الآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها. (انظر ص 178 ج 3 سنن أبى داود إحياء الموات) وليس لعرق ظالم حق (وعرق) منون. ووصفه بالظلم مبالغة أى ليس لصاحبه حق فى الأرض.

(3)

ص 175 ج 2 شرح المهذب (العاشرة - أحكام المساجد).

ص: 275

للمصلحة الراجحة حيث كانتا فى غير موضع الصلاة، لأن مساجد بلادنا لا تتم مصالحها إلا بالبئر. والخلاف إنما هو فى تجديد الآبار. وأما ما كان سابقاً فحكمة كالشجر. وإن جهل الحال فالأصل عدم التجديد (1) قال الشيخ مصور ابن إدريس: يحرم غرس شجر فى مسجد، لأن منفعته مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان، فإن فعل قلعت الشجرة. فإن تقلع فثمرها للمساكين (2).

(17)

ويكره تطيين المسجد وبناؤه وتجصيصه بطين ولبِنٍ وجصّ نجس وتنويره بزيت نجس. والظاهر التحريم فى الكل. قاله الشيخ منصور ابن إدريس (3).

(18)

ويكره اللغط فى المسجد وحديث الدنيا (قال) ابن الحاج: إنما يجْلس ف المسجد للصلة والتلاوة والذكر والتفكر أو تدريس العلم بشرط عدم رفع الصوت وعدم التشويش على المصلين والذاكرين (وفى) حدث ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يأتى على الناس زمان يُحلقون فى مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا، وليس لله فيهم حاجة ف تجالسوهم. أخرجه ابن حبان، وكذا الحاكم من حديث أنس وقال: صحيح الإسناد (4). {394}

(وقال) السفارينى: ويسن أن يصان المسجد عن لغط ورفع صوت بمكروه. وقيل يكره الكلام فيه إلا بذكر الله تعالى " وما اشتهر " من قولهم: الحديث المباح فى المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش أو كما تأكل النار الحطب: " فكذب " لا أصل له. وذكره القارى فى الموضوعات ولا بأس بالناظرة فيه فى مسائل الفقه للوقوف على الحق لا للمغالبة (5).

(1) ص 262 ج 2 غذاء الألباب.

(2)

ص 472 ج 2 كاف القناع (الوقف عقد لازم).

(3)

ص 545 ج 1 منه (أحكام المساجد).

(4)

ذكر العجلونى نحوه وعزاء للبيهقى عن السحن مرسلا انظر رقم 3247 ص 395 ج 2 كشف الخفاء.

(5)

ص 257 ج 2 غذاء الألباب (حكم رفع الصوت فى المسجد).

ص: 276

(وقال) النووى: يجوز التحدث بالحديث المباح فى المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وإن حصل فيه ضحك ونحوه ما دام مباحاً " لحديث " جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاّه الذى صّلى فيه الصبح حتى تطلُعَ الشمس، فإذا طلعت قام. قال: وكانوا يتحدثون فيأخذون فى أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم: أخرجه مسلم (1). {395}

(19)

ويكره لمن بالمسجد إسناد ظهره إلى القبلة، بل السنة أن يستقبلها فى جلوسه. " لحديث " أبى هريرة

أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شئ سيداً، وإن سيد المجالس قبالة القبلة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند حسن (2). {396}

" ولحديث " ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أكرم المجالس ما استقبل به القبلة. أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده حمزة بن أبى جمرة متروك (3). {397}

(وعن) ابن مسعود أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها. أخرجه الطبرانى فى الكبير ورجاله موثقون (4). {106}

(20)

ولا يجوز أخذ شئ من أجزاء المسجد كحجر وحصاة وتراب وغيرها كالزيت والشمع الذى يُسْرَج فيه " لحديث " أبى هريرة أن النبى

(1) ص 177 ج 2 شرح المهذب (التحدث .. فى المسجد).

(2)

ص 169 ج 1 كشف الخفاء.

(3)

ص 169 ج 1 كشف الخفاء.

(4)

ص 63 ج 2 مجمع الزوائد (كيف الجلوس فى المسجد).

ص: 277

صلى الله عليه وسلم قال: إن الحصاة لتُناشد الذى يُخْرجُها من المسجد. أخرجه أبو داود (1). {398}

" ولقول " سعيد بن جُبير: الحصاة تسب وتلعن من يخرجها من المسجد. {107}

(وفيما ذكر) التنفير من إخراج الحصى من المسجد. ومحله فى المساجد غير المفروشة. أما المفروشة فيطلب تنقيتها من الحصى ونحوه. لما يترتب على بقائه فيها من تعفيش المسجد وضرر المصِّلى بالسجود عليها.

(قال) الشيخ منصور بن إدريس: ويكره فى المسجد الخوض والفضول من الكلام وحديث الدنيا والارتفاق بالمسجد، وإخراج حصاه وترابه للتبرك به وغيره، ولا يستعمل الناس حُصره وقناديله وسائر ما وقف لمصالحه فى مصالحهم كالأعراس والأعزية وغير ذلك لأنها لم توقف لذلك (2).

(وقال) وينبغى لمن أخذ شيئاً من المسجد مما يصان عنه ألاّ يلقيه فيه، لأنه بطلب خلو المسجد منه بخلاف حصاء ونحوها من أجزاء تراب المسجد وطينه، لأن استقباء ذلك فيه مطلوب (3).

(21)

ويُمْنع الناس فى المساجد من اسْتِطراقِ حلَق الفقهاء والقرّاء

(1) ص 67 ج 4 - المنهل العذب (فى حصى المسجد) و (تناشد) أى تسأل وتقسم على من يخرجها من المسجد أن لا يخرجها منه لأنها لا تحب مفارقته، لأنه محل العبادة والرحمة. فانظر إلى حال هذه الجمادات وحال غالب أهل الزمان يضيق بعضهم ذراعاً من بقائه فى المسجد حتى وقت الصلاة إذا أديت على الوجه الأكمل. وقد قال مالك رحمه الله: مثل المؤمن فى المسجد كمثل السمك فى الماء، ومثل المنافق فيه كمثل الطير فى القفص.

(2)

ص 543 ج 1 كشاف القناع (أحكام المساجد).

(3)

ص 545 منه.

ص: 278

صيانة لحرمتها (وفى) الحديث: لا حمِى إلا فى ثلاثة: البئر والفرَس وحلقة القوم. أخرجه القاضى عياض مرسلا بسند جيد. {399}

فأما حمى البئر فهو منتهى حريمها وأما طول الفرس فهو ما دار عليه برسَنه (1) إذا كان مربوطاً. وأما حلقة القوم فهو استدارتهم فى الجلوس للتشاور.

(22)

ويكره لمن بالمسجد ينتظر الصلاة تشبيك أصابعه لما تقدم عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم فى المسجد فلا يشبكنّ، فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال فى صلاة ما دام فى المسجد حتى يخرج منه (2) " وأما " قول أبى هريرة: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتى العشىّ فصَّلى بنا ركعتين ثم سّلم فقام إلى خشبة معروضة فى المسجد فاتكأ عليها كأنه غَضْبَانُ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ثم شبك بين أصابعه (الحديث) أخرجه البخارى (3). {400}

" فيدل " على جواز التشبيك فى المسجد لمن لم ينتظر الصلاة (ولذا) قسموا التشبيك أقساماً (أحدها) إذا كان الإنسان فى الصلاة. ولا شك فى كراهته (ثانيها) إذا كان فى المسجد منتظراً الصلاة أو كان ذاهباً إلى المسجد للصلاة. والظاهر كراهته " لحديث " أبى سعيد السابق ولما تقدم عن كعبِ بن عُجْرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ أحدُكم فأحسنَ وُضُوءَه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يُشَبّكَنّ بيده فإنه فى صلاة (4).

(وحكمة) النهى عن التشبيك أنه من الشيطان، وأنه يجلب النوم وهو من

(1)(الرسن) بفتحتين الحبل.

(2)

تقدم رقم 231 ص 172 (مكروهات الصلاة).

(3)

ص 378 ج 1 فتح البارى (تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره).

(4)

تقدم رقم 229 ص 172. (تسبيك الأصابع فى الصلاة).

ص: 279

مظان الحدث، وأن صورته تشبه صورة الاختلاف المنهى عنه بقوله صلى الله عليه وسلم للمصلين: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم (1)(ثالثها) أن يكون فى المسجد لا ينتظر صلاة. فلا يكره التشبيك، لحديث أبى هريرة السابق.

(رابعها) أن يكون فى غير المسجد، فلا يكره بالأولى " ولحديث " أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمنَ للمؤمن كالبُنيان يشُدّ بعضُه بعضاً، وشبّك بين أصابعه. أخرجه البخارى (2). {401}

(قال) الحافظ: حديث أبى موسى دال على جواز التشبيك مطلقاً. وحديث أبى هريرة دال على جوازه فى المسجد فهو فى غيره أجوز (3).

(33)

ويكره تحريماً اتخاذ المسجد طريقاً لغير عذر. كأن لا يجد طريقاً غيره أو يكون إماماً بابه إلى المسجد " لقول " النبى صلى الله عليه وسلم: لا يَبقينّ فى المسجد بابٌ إلا سُدّ إلا بابَ أبى بكر. أخرجه البخارى. (4){402}

(ولذا) قال الحنفيون: يَفسُق م اعتاد المرور فيه لغير عذر بلانية اعتكاف، بخلاف ما لو مرّ فيه مرة أو مرتين أو نوى الاعتكاف فلا يَفسُق.

(قالت) المالكية: يكره كثرة المرور فيه إن كان بناؤه سابقاً على

(1) هذا بعض حديث أخرجه أحمد عن البراء بن عازب (ص 310 ج 5 - الفتح الربانى) وأبو داود (ص 54 ج 5 - المنهل العذب - تسوية الصفوف).

(2)

ص 378 ج 1 فتح البارى (تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره).

(3)

ص 378 ج 1 فتح البارى (تشبيك الأصابع فى المسجد وغيره).

(4)

هو بعض حث لفظه عند البخارى: عن أبى سعيد الخدرى قال: خطب النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تعالى خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله تعالى. فبكى أبو بكر رضى الله عنه. فقلت فى نفس ما يبكى هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله عز وجل. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد. وكان أبو بكر أعلمنا. قال يا أبا بكر: لا تبك إن أمن الناس على فى صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أمتى خليلا لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين فى المسجد الخ انظر ص 374 فتح البارى " وأما " حديث ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: سدوا الأبواب إلا باب على " فقد أخرجه " الترمذى وقال: فري. وقال الحاكم: تفرد به مسكين بن بكير الحرانى عن شعبة. وقال البخارى: حديث إلا باب أبى بكر أصح

ص: 280