الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إذا وجدت حديثًا بإسناد ضعيف فلك أن تقول: هذا ضعيف، وتعني بذلك الإسناد، وليس لك أن تعني بذلك ضعفه مطلقًا بناء على ضعف ذلك الطريق، ولعل له إسنادًا صحيحًا آخر يثبت بمثله الحديث، بل يقف جواز إطلاق ضعفه على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه ليس له إسناد يثبت به، مع وصف ذلك الإمام لبيان وجه الضعف مفسرًا".
يضاف إلى ما سبق قول الحافظ ابن حجر الذي ساقه الشيخ عقب كلام النووي السابق:
"وكذلك إذا وجد كلام إمام من أئمة الحديث قد جزم بأن فلانًا تفرد به، وعرف المتأخر بأن فلانًا المذكور قد ضعف، فما المانع من الحكم بالضعف؟ ! ".
جواز تضعيف الحديث مقيدًا أو مطلقًا
فقد استفدنا من هذه النصوص أمرين:
الأول: جواز تضعيف الحديث الذي سنده ضعيف، تضعيفًا مقيدًا بهذا السند لا مطلقًا للاحتمال المذكور في كلام العراقي.
الثاني: يجوز لأمثالنا من المتأخرين أن يضعف الحديث مطلقًا بناء على جزم إمام أنه تفرد به أحد الرواة وقد عرفنا نحن ضعفه.
فإذا تأمل القارئ الكريم في هذه الفوائد يتضح له وضوحًا جليًّا تحامل حضرة الشيخ عليّ إذ نسبني (ص 20) إلى مخالفتي هذه القاعدة وإلى "التحكم النفساني"! مع أنني لم أخالف القاعدة مطلقًا في كل ما أكتبه من هذه "المقالات" بل تضعيفي للأحاديث دائر حولها. أما على الأمر الأول فظاهر، وعلى هذا جرى كل العلماء في تخريجهم للأحاديث فإنهم إذا وجدوا حديثًا بإسناد ضعيف. قالوا:"سنده ضعيف" أو "هذا حديث ضعيف" ويعنون بذلك ضعفه بخصوص هذا الإسناد، ولا يمنعهم من ذلك احتمال أن يكون له إسناد آخر، لأن هذا الاحتمال لا يكلف به الإنسان إلا من الوجهة النظرية، أما من الوجهة العملية، فالحديث الضعيف سنده هو مثل الحديث الضعيف مطلقًا الذي صرح العلماء بضعفه وعدم وجود طريق آخر له.
ويوضح لك هذا أن حضرة الشيخ صرح -كما تقدم- أن حديث "نعم المذكر السبحة": "ضعيف بهذا السند" فنسأله: هل تعامل هذا الحديث معاملة الحديث الضعيف مطلقًا فلا تجيز الاحتجاج به والجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وغالب ظني أن جوابه سيكون إيجابيًّا، وأنه لا يعامله إلا معاملة الضعيف مطلقًا، وعلى هذا نسأله السؤال الثاني: هل يحتمل أن يكون له إسناد آخر أم لا؟ وغالب الظن أيضًا أن يكون الجواب إيجابيًّا، وحينئذ نقول: فكما لم يؤثر هذا الاحتمال في ضعف حديثك هذا، فكذلك لا يؤثر في ضعف الأحاديث التي أضعفها بسبب ضعف أسانيدها، وإنما يؤثر في ذلك أن تُظهر خطأي في تضعيفها أو ذهولي عن بعض طرقها الصحيحة، وأما بتطريق الاحتمال المذكور عليها فلا، لأنه لا يمكن أن تتصور حديثًا ضعف من قبل سنده، إلا وأمكن تطريق الاحتمال المذكور عليه، فإن قيل بالاعتداد به واعتباره مانعًا من تضعيف الحديث سقط الاعتماد والثقة بأقوال العلماء في تضعيف الأحاديث بل وفي تصحيحهم للأحاديث الصحيحة لأنه يحتمل كما قال -بعضهم- أن يكون بعض الرواة لها أخطأ أو تعمد الكذب ولم يظهر ذلك للمحدثين! ولا يخفى فساد هذا (القيل) على اللبيب البصير.
وأما على الأمر الثاني فانتفاء مخالفتي للقاعدة المذكورة أجلى وأظهر، لأن تضعيفنا في هذه الحالة قائم على أساس التفرد الذي جزم به بعض الأئمة، والحديثان اللذان نحن في صدد الكلام عليهما مما صرح به الترمذي بتفرد بعض الرواة بهما أما الحديث الأول وهو حديث سعد فقد قال فيه الترمذي (4/ 278 شرح التحفة):
"هذا حديث حسن غريب من حديث سعد".
ومعنى هذا أنه ليس له إسناد آخر عن سعد، فقد قال الحافظ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" في "معرفة الغريب" (ص 187):
"فالغريب ما تفرد به واحد وقد يكون ثقة، وقد يكون ضعيفًا، ولكل حكمه".
قلت: وهذا الحديث من قسم "الضعيف" لأن راويه (خزيمة) مجهول كما ذكرته هناك في "المقال" ويأتي له زيادة بيان ههنا.
وأما الحديث الثاني وهو حديث صفية فقال الترمذي أيضًا (4/ 274):