الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا "إن قومًا يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم" وايم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم، فقال: عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج".
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في صحيحه غير عمارة وهو ثقة. وأعتقد أن هذا البيان كاف لإقناع الشيخ بخطأه في إنكاره ما عزوته لابن مسعود من إنكاره العد بالحصى، وبعد ذلك يسلم لي الاحتجاج به على عدم ثبوت العد بالحصى في حديثي سعد وصفية لما سبق ذكره قريبًا.
ثم إن هذا الأثر الصحيح عن ابن مسعود مما يؤيد قولي الذي كنت قلته في "المقال": "إن ذكر الله تعالى في عدد مخصوص لم يأت به الشارع الحكيم- بدعة".
الرد على الشيخ في تجويزه تقييد النصوص المطلقة برأيه
!
وقد رد هذا فضيلة الشيخ بدليل عجيب ما كنت أتصور صدوره من مثله! فقال (ص 28 - 29):
"أقول يرد قولك بأنه قد صح الترغيب في الإكثار من الذكر كحديث "أكثر (1) من قول لا حول ولا قوة إلا بالله" من غير تقييد إلى غاية معينة، قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 87) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استكثروا من الباقيات الصالحات قيل: وما هي يا رسول? قال: التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح ولا حول ولا قوة إلى بالله" رواه أحمد وأبو يعلى وإسنادهما حسن".
والجواب: إن هذا الحديث لو صح -ليس فيه إلا الحض على الإكثار من الذكر، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان فأين الدليل فيه على أنه يجوز للمسلم أن بأتي إلى ذكر لم يقيده الشارع بعدد، فيقيده هو من عنده؟ !
وهل هذا إلا تشريع من عند نفسه لم يأذن به الله تبارك وتعالى. ومن المقرر في علم أصول الفقه أنه لا يجوز تقييد ما أطلقه الشارع، كما لا يجوز إطلاق ما قيده ولا فرق، فالمطلق يجري علي إطلاقة، والمقيد يبقي عي قيده، ولهذا قال الإمام المحقق أبو إسحاق الشاطي في كتابه العظيم "الاعتصام" (2/ 94):
"فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت بدليل الشرع تقييدها رأي في التشريع". وقال أيضًا (2/ 140):
"فصل: ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقة أن يكون أصل العبادة مشروعًا، إلا أنها تخرج عن أصل شرعتها [بتقييدها] بغير دليل توهمًا أنها باقية على إطلاقها تحت مقتضي الدليل، وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي أو يطلق تقييدها، ثم أتي في سبيل توضيح ذلك بأمثلة كثيرة مفيدة فليراجعها من شاء التوسع في هذا البحث الهام.
وقال أيضًا في الباب الرابع في مأخذ أهل البدع بالاستدلال (ص 334):
"ومنها تحريف الأدلة عن مواضعها بأن يرد الدليل على مناط فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهمًا أن المناطين واحد. وبيان ذلك أن الدليل الشرعي إذا اقتضى أمرًا في الجملة مما يتعلق بالعبادات -مثلًا- فأتي به المكلف في الجملة أيضًا كذكر الله والدعاء والنوافل المستحبات وما أشبهها يعلم من الشارع فيها التوسعة كان الدليل عاضدًا لعمله من جهتين: من جهة معناه ومن جهة عمل السلف الصالح به، فإن أتي المكلف في ذلك الأمر بكيفية مخصوصة أو زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو مقارنًا لعبادة مخصوصة والتزم ذلك بحيث صار متخيلًا أن الكيفية أو الزمان مقصود شرعًا من غير أن يدل الدليل عليه، وكان الدليل بمعزل عن ذلك المعنى المستدل عليه، فإذا ندب الشرع مثلًا إلى ذكر الله فالتزم قوم الاجتماع عليه على لسان واحد وبصوت [واحد] أو في وقت معلوم مخصوص عن سائر الأوقات لم يكن في ندب الشرع ما يدل على هذا التخصيص الملتزم بل فيه ما يدل على خلافه لأن التزام الأمور غير اللازمة شرعًا شأنها أن يفهم التشريع وخصوصًا مع من يقتدى به في مجامع الناس كالمساجد، فإنها إذا ظُهِّرت هذا الإظهار ووضعت في المساجد كسائر الشعائر التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المساجد وما أشبهها كالأذان
…
فهم منها بلا شك أنها سنن إذا لم تفهم منها الفرضية، فأحرى أن لا يتناولها الدليل المستدل به، فصارت من هذه الجهة بدعًا محدثة بذلك".