الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث بتمامه وإنَّما القدر المتعلق منه بالباب لما سبق بيانه، ويؤيده أيضًا قول الترمذي في تمام تعريفه للحديث الحسن عنده:
وروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حَدِيث حسن".
فقوله: "نحو ذلك" كالنص على أنَّه لا يريد أَنَّهُ موافق له من جميع معانيه وإلا لقال "مثل ذلك"، والفرق بين العبارتين لا يخفى على عالم، لا سيما إِذَا كان له اطلاع على هذا العلم الشريف.
فسقط بهذا التحقيق ما ادعاه الشيخ من مخالفتي لتحسين الترمذي وتصحيح الحافظ ابن حجر الحديث سعد، وثبت أن كلًا منها قد سبقني إِلَى القول بضعف سند الحديث، الأول تلويحًا، والآخر تصريحًا، وأن تحسين الأول منها وتصحيح الآخر له إنَّما أرادا متن الحديث في الجملة لا السند، وأني غير مخالف لما في ذلك، وأن ذكر النوى أو الحصى فيه ضعيف، لعدم ورود ما يشهد له، إلَّا حَدِيث صفية وهو منكر كما سبق بيانه عند الكلام على الحديث الأول:"نعم المذكر السبحة" ونزيده بيانا هنا فنقول:
الحديث الثالث
ثم قَالَ فضيلة الشيخ (ص 23 - 24):
"ثم قلتَ ما لفظه: الثاني عن صفية قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن فقال: يا بنت حيي ما هذا؟ قلت: أسبح بهن، قَالَ: قد سبحت منذ قمتُ على رأسك أكثر من هذا .... قولي: سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء. أخرجه الترمذي (1)، والحاكم من طريق هاشم
(1) قَالَ الشيخ هنا تعليقًا: "عزوك هذا اللفظ إِلَى الترمذي غير صحيح، فإن لفظ الترمذي سبحان الله عدد خلقه فمن شاء التحقيق فليتصفح الأصل" أقول، لقد عزوت الحديث للحاكم أيضًا كما ترى واللفظ له، فمثل هذا التعقب بما لا طائل تحته، بل هو يدل على تهافت الشيخ على النقد لمجرد النقد والشغب لا للفائدة، وإلا فما صنعته أنا مِمَّا جرى عليه عمل المحدثين ولولا الإطالة لأتيت على ذلك بعشرات الأمثلة، والنبيه تكفيه الإشارة.
ابن سعيد عن كنانة مولى صفية عنها، وضعفه الترمذي بقوله: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس، وأما الحاكم فقال: صحيح الاسناد ووافقه الذهبي إلخ. اهـ.
أقول: الجواب عن هذا التغريب من الترمذي الذي ظاهرة التضعيف أن الحافظ بن حجر (1) قال في تخريج الأذكار كما في شرح ابن علان (ص 45)(2) بعد تخريبه من طريق الطبراني "حديث حسن" وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار بن بندار (3) عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن هاشم بن سعيد عن كنانة عن صفية رضي الله عنها وهو مدني روى عنه خمسة أنفس وذكره ابن حبان في الثقات اهـ.
فهل يبقى لك شيء تتشبث به بعد اطلاع الحافظ على طريق له آخر وتحسينه من أجلها لا من أجل طريق الترمذي؟ .
(1) كذا الأصل بإسقاط همزة الوصل من "ابن" وقد سبق للشيخ مثله كما نبهت عليه في مقالي السابق، الأمر الذي يدل على أنه ليس خطًا مطبعيًا غفل الشيخ عن تصحيحه! ؛
(2)
كذا في رسالة الشيخ وهذا خطأ منه لا من الطابع لأنه تكرر منه كما سيأتي قريبًا والصواب (1/ 245).
(3)
كذا في رسالة الشيخ: "بن بندار" وهو خطأ واضح لأن "بندار ليس هو جد محمد بن بشار بل هو لقب له وهو معروف بذلك عند من له المام بهذا العلم الشريف، ولا تظنن أيها القارئ، أن هذا خطأ مطبعي وقع في رسالة الشيخ -وما أكثر ما فيها من مثله! - وإنما هو خطأ وقع في "شرح ابن علان" الذي نقل حضرة الشيخ منه هذا الكلام" فوقع هو في الخطأ أيضًا تقليدًا للطابع وهو لا يدري! وهذا مما يشعرنا بأن الشيخ لا معرفة له بأسماء الرجال وألقابهم، ويأتي له مثل آخر يؤيد ما ذكرته.
قلت هذا اعتراف من الشيخ بضعف إسناد الترمذي في الحديث فكفانا بذلك مؤنة البحث فيه مرة أخرى، كما أغنانا عن الجواب عما نقله عن الحافظ حول "كنانة مولي صفية" مما يوهم أن كنانة ثقة عند الحافظ وليس كذلك، بل هو مقبول عنده كما ذكرته أنا فما سبق وحضرة الشيخ في رسالته (ص 26)؛ فإن كان يفهم من هذه الكلمة "مقبول" أي "ثقة" أو نحو ذلك فهو مخطىء قطعًا، ولكننا لا نناقشه فيه ولا فيما سود به الصفحة (25) من رسالته من الكلام حول ما نقلته عن الحافظ من تضعيف هاشم بن سعيد، أقول لا أناقشه في كل هذا الآن لأنه لا طائل منه بعد اعتراف الشيخ بضعف إسناد الحديث الذي ضعفته أنا تبعًا للترمذي فلتنظر إذن في الطريق الأخرى التي من أجلها حسن الحافظ ابن حجر هذا الحديث.
قال الشيخ (ص 25) عقب ما نقلته عنه آنفًا من كلام الحافظ:
"ثم خرجه من رواية خديج (1) بن معاوية عن كنانة عن صفية بنحوه وقال فيه "وكان فيه (الأصل: "فيه وكان"! ) أربعة آلاف نواة إذا صلت الغداة أتيت بهن فسبحت بعد ذلك، قال: وأخرجه في الدعاء من وجه آخر عن صفية، وبقية رجال الترمذي من رجال الصحيج كما في شرح الأذكار لابن علان (ص 45)(2).
قلت: في كلام الحافظ هذا فائدتان:
الأولى: أن حُدَيج بن معاوية قد تابع هاشم بن سعيد الضعيف، فزالت شبهة
(1) كذا في رسالة الشيخ وهو من أخطائه التي قلد فيها طابع شرح الأذكار لابن علان! فإن هذه اللفظة وقعت فيه كما نقلها الشيخ "خديج" وهذا تصحيف والصواب "حُديج" بضم الحاء وفتح الدال المهملتين ثم جيم، وانظر التعليق السابق (ص 515) من حُديجا هذا لا يحتج به فقد ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما.
(2)
هذا من أخطاء الشيخ الكتابة، والصواب (1/ 245) انظر التعليق على الصفحة (512).
تفرده، أقول: لكن بقيت فيه العلة الأخرى وهي "كنانة" وقد عرفت حاله مما كنا أوردناه من أقوال العلماء عند الكلام على هذا الحديث في صدد بيان وضع حديث " نعم المذكر السبحة" فراجعه إن شئت.
الثانية: أن للحديث طريقا آخر عن صفية.
وهذه الفائدة هي التي تمسك بها الشيخ حين تبجح بقوله السابق:
"فهل يبقى شيء نتشبث به .... الخ"
وجوابًا على هذا أقول:
نعم لا زلت متمسكًا بما ذهبت إليه من تضعيف إسناد الحديث؛ لان الحجة على ضعفه لا تزال قائمة، ولا يجوز تركها والإعراض عنها لمجرد وهم متوهم! وما نقلته أنت عن الحافظ ابن حجر لا يفيد أكثر من أن الحديث حسن لغيره، وقد بينا لك الفرق بين كون الحديث حسنًا لذاته، وبين كونه حسنًا لغيره فيما مضى من الكلام على حديث سعد فلا نعيد القول فيه، كما أنني ذكرت مرارًا أنني لا أنكر فضل الذكر الوارد في الحديث لوروده في حديث جويرية في صحيح مسلم، وإنما أنكرت ولا أزال أنكر عد الذكر بالحصى أو النوى لعدم ثبوته في الحديث، ولمخالفته أيضًا للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من العقد بالأنامل، وهذه الطريق الأخرى التي ذكرها الحافظ لم يذكر أنه وقع فيها ذكر الحصى أو النوي، فيحتمل أن يكون ذلك فيه، ويحتمل خلافه، ومعلوم أن الاحتمال مسقط للاستدلال في موارد النزاع والجدال، فتبين أن لا حجة لك في كلام الحافظ بن حجر رحمه الله تعالي.
وجملة القول في هذا الحديث أن الشيخ يوافقني على تضعيفه من الطريق الأولى ولكنه يحتج على تقويه بالطرق الأخرى تقليدًا للحافظ ابن حجر، ولكن هذا لم يذكر أن في الحديث ذكرًا للحصي، فلا يجوز الاحتجاج بكلامه السابق المجمل على هذا الأمر المفصل، فعلى الشيخ -إن شاء- أن يفتش عن لفظ هذا الطريق وينظر إن كان فيه هذا العد، فإن ثبت فيه، وخلا عما يخدج في الاحتجاج به كما هو ظاهر كلام الحافظ ثبت دعواه وإلا فدون ذلك خرط القتاد.